منتدي جمال عزوز

أهلا بكم في المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي جمال عزوز

أهلا بكم في المنتدى

منتدي جمال عزوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي جمال عزوز

منتدي الادب والفنون والكتابات النثرية والقصة القصيرة

المواضيع الأخيرة

» من كتاب الشخصية6
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية5
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية4
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية3
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية2
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin

» نموذج من بناء الشخصية
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin

» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin

» رواية جديدة
الجحيم 2 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

نوفمبر 2024

الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 

اليومية اليومية

تصويت

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 254 مساهمة في هذا المنتدى في 142 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 35 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو sansharw فمرحباً به.

سحابة الكلمات الدلالية


2 مشترك

    الجحيم 2

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 150
    نقاط : 444
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 30/10/2009
    العمر : 50

    الجحيم 2 Empty الجحيم 2

    مُساهمة  Admin الإثنين ديسمبر 14, 2009 4:03 pm

    عجباً!.. كيف انتبهت أنت إلى هذا، دون أن أنتبه أنا إليه؟!
    ضحك (قدري) مرة أخرى، وقال:
    - ومن قال: إنني قد انتبهت إليه.
    ثم أشار إلى الملف الذي يحمله، مستطرداً:
    - لقد ورد هذا في تقرير (أدهم) الرسمي.
    تراجعت في مقعدها، وهى تحك ذقنها في توتر، ثم سألته في اهتمام مشوب بالحيرة.
    - كيف فعلها (أدهم) إذن؟!
    التقط نفساً عميقاً، وقال:
    - دعينا نتابع، وستعرفين الجواب بنفسك.
    اعتدلت في اهتمام شديد، قائلة:
    - فليكن.
    فتح (قدري) الملف مرة أخرى، و…
    وعاد يروى..

    ارتسمت الصرامة الشديدة، على وجه مفتش الشرطة البريطاني (جاك)، وهو يتطلع إلى رجلي منظمة (هيل آرت)، اللذين يجلسان أمامه، والكدمات تغمر وجهيهما، وقال بلهجة قاسية:
    - أريد أن أفهم ما حدث بالضبط.. لقد خضتما معركة ما، داخل أكبر مستشفى في (لندن)، وليس لديكما أي تفسير منطقي لهذا.
    قال أحدهما في غلظة:
    - كنا نؤدي واجبنا.
    مال المفتش (جاك) نحوه، قائلاً بنفس الصرامة:
    - أي واجب هذا، الذي يستدعى خوض قتال، في قسم الرعاية الفائقة، في مستشفى كبير؟!
    أجابه الثاني في حزم:
    - لقد استأجرونا لحماية مصاب، ولكننا كشفنا محاولة لاغتياله، وكان علينا أن ندافع عنه.
    قال المفتش، وقد امتزجت صرامته بلمحة ساخرة:
    - بفقدان الوعي؟!
    قال الأول في غلظة:
    - لقد بذلنا قصارى جهدنا.
    تراجع المفتش في مقعده، وقال:
    - وهل المفترض أن أصدق هذه الرواية السخيفة؟!

    سأله الثاني في حدة:
    - ولم لا؟!
    أجابه المفتش، بمنتهى الصرامة:
    - لأن كل شيء يوحى بخلاف روايتكما المضحكة هذه؛ فالمصاب الذي تدعيان حمايته، غادر المستشفى بالفعل، بنفس سيارة الإسعاف التي أحضرته، ولكن من الباب الخلفي، وبوساطة رفاقه، الذين يفترض أنهم من استأجروكم لحمايته، ثم أن وجود دمية خشبية، في فراش المصاب، وتوصيلها بالأجهزة الطبية، يوحى بأنه هناك من كان ينتظر قدوم قتلة، وليس فريقاً للحماية.. أضف إلى هذا سقوط شخص مجهول، من نافذة الحجرة في الطابق الثاني، على نحو اتفقت معه أقوال الشهود، ويوحى بأن أحدهم قد دفعه عمداً عبر النافذة المغلقة.
    تبادل الرجلان نظرة شديدة التوتر، قبل أن يقول أحدهما في غلظة شديدة، وتوتر ملحوظ:
    - لقد قلنا كل ما لدينا.
    واندفع الثاني، يقول في حدة:
    - نريد محامياً فوراً.
    مط المفتش شفتيه، وهو يقول:
    - أنتما تحتاجان إليه حتماً.
    لم يكد يتم عبارته، حتى ارتفع رنين هاتفه الخاص، فالتقط سماعته بحركة غريزية، قائلاً:
    - المفتش (جاك ستيورات).
    أتاه صوت صارم، يقول بلهجة بريطانية، توحي بأن صاحبها من سكان الجنوب:
    - هنا رئيس المفتشين (ريمنجتون)، من (سكوتلانديارد)*، أتحدث إليك بشأن حادثة (لندن كلينيك).

    --------------------------------------------------------------------------------

    * سكوتلاندريارد: الشرطة الدولية.

    ************************************************** *

    كان المفتش (ريمنجتون) شخصية شهيرة للغاية، في أروقة الشرطة البريطانية، ويتمتع باحترام كبير، جعل المفتش (جاك) يعتدل في مقعده، وهو يقول:
    - إنني أقوم بالتحقيق فيها أيها المفتش.
    أجابه (ريمنجتون) بصرامته الشهيرة:
    - هذا الأمر يفوق قدرات جهاز الشرطة العادي أيها المفتش (ستيورات)؛ لذا فقد تلقينا الأوامر، من رئيس الوزراء شخصياً، بأن نتولى الأمر بأنفسنا.
    لم يرق هذا أبداً للمفتش (جاك)، الذي قال في ضيق:
    - ولكننا نبلى بلاءً حسناً يا سيادة المفتش، و…
    قاطعه المفتش (ريمنجتون) بنفس الصرامة:
    - لقد أرسلت إليك المفتش (ألبرت)، وهو واحد من أكفأ رجالنا.. سيتولى القضية منذ هذه اللحظة.
    قال المفتش (جاك)، وقد تضاعف ضيقه:
    - وما الذي يمكن أن يفعله المفتش (ألبرت) هذا، ونعجز نحن عن فعله؟!
    أجابه (ريمنجتون) بمنتهى الصرامة:
    - سل رئيس الوزراء.
    ثم أنهى المحادثة في غلظة، انعقد معها حاجبا المفتش (جاك)، وهو يتراجع في مقعده، مغمغماً في سخط:
    - لماذا لا يولوننا المزيد من الثقة؟!

    أساء الرجلان فهم عبارته، فقال أحدهما في لهفة:
    - لقد أمروك بالإفراج عنا.. أليس كذلك؟!
    سحب المفتش (جاك) مسدسه، وهو يقول في حدة:
    - بل أمروني بإعدامكما فوراً.
    انتفض جسد الرجل، وتراجع في مقعده بحركة متحفزة، في حين قال زميله في عصبية:
    - نريد حقوقنا القانونية.
    أعاد المفتش مسدسه إلى غمده، وهو يقول في صرامة شديدة، أفرغ عبرها كل انفعالاته:
    - يجب أن أحصل على بعض الأسئلة القانونية أولاً.
    هتف الآخر في حدة:
    - ليس قبل أن يصل محامينا.
    مع آخر حروف عبارته، دق أحد رجال الشرطة باب الحجرة، ثم دفعه، وهو يقول في اهتمام:
    - هناك رجل هنا، يقول إنه المفتش (ألبرت)، القادم من (سكوتلانديارد).

    انعقد حاجبا المفتش (جاك)، وهو يغمغم في حنق:
    - بهذه السرعة؟!
    ثم أشار إلى الشرطي، مضيفاً:
    - دعه يتفضل.
    مضت لحظات، قبل أن يظهر رجل متين البنيان، له شارب أحمر ضخم، وشعر أحمر طويل، شاب فوديه، على نحو منحه مظهراً وقوراً، وهو يقول في هدوء شديد:
    - المفتش (ألبرت)، من (سكوتلانديارد).. لقد أرسلني كبر المفتشين (ريمنجتون) إلى هنا، و…
    قاطعه (جاك) في ضيق:
    - لا بأس.. كنا ننتظر قدومك.
    دلف (ألبرت) إلى المكان في هدوء، وأغلق الباب خلفه، وعلق معطفه على المشجب، قبل أن يلتفت إلى الرجلين، متسائلاً:
    - أهما المتهمان؟!
    أومأ المفتش (جاك) برأسه إيجاباً، في حين قال أحد الرجلين في حدة وغلظة:
    - لسنا متهمين.. إننا مجرد..
    قبل أن يتم عبارته، قبض المفتش (ألبرت) على عنقه من الخلف بحركة مباغتة، وضغطه بأصابع فولاذية، وهو يقول في صرامة:
    - لا تتكلم، إلا عندما توجه إليك الأسئلة يا هذا.. هل تفهم؟!

    احتقن وجه الرجل بشدة، وجحظت عيناه عن آخرهما، وندت من حلقه شهقة مكتومة، تجمع ما بين الألم والدهشة، وبدا وكأن عضلاته كلها قد تجمدت، فارتفع حاجبا المفتش (جاك) في انبهار، ونقل بصره في سرعة، بين ضخامة جسد الرجل، وملامح (ألبرت) الصارمة، في حين قال الرجل الآخر في عصبية:
    - إنك تتجاوز حدودك يا رجل (سكوتلانديارد).
    أدار (ألبرت) عينيه إليه، وهو يقول بقسوة:
    - حقاً؟!
    لم يدر المفتش (جاك) أية قوة تلك، التي تطل من عيني (ألبرت) وصوته، إلا أنها كانت كافية لأن يتراجع الرجل الثاني في مقعده، وينكمش فيه على نحو عجيب، وكأنما فقد قوته كلها في لحظة واحدة، في حين انهار الأول على مقعده، عندما أفلت (ألبرت) عنقه، قبل أن يدور حول الرجلين في هدوء، قائلاً بصوته الصارم القوى:
    - والآن، أريد بعض الأجوبة.
    تمتم المفتش (جاك) في انبهار خافت:
    - من الواضح أن (سكوتلانديارد) تجيد اختيار رجالها جيداً.
    لم يبد على المفتش (ألبرت) أنه قد سمع حرفاً واحداً مما قاله (جاك)، وهو يجلس على طرف مكتب هذا الأخير، ويسأل الرجلان بلهجته الصارمة:
    - إلى أية جهة تنتميان بالضبط؟!
    بدا وكأن الكلمات قد احتسبت في حلق أحدهما، في حين قال الآخر في خفوت عصبي:
    - نريد محامياً.. هذا حقنا.
    تجاهل (ألبرت) قوله تماماً، وهو يقول في صرامة:
    - فليكن.. دعاني أنعش ذاكرتكما قليلاً.

    ثم مال نحوهما، وتطلع إلى عيونهما مباشرة، وهو يضيف:
    - هل يذكركما اسم سير (وينسلوت) بشيء ما؟!
    بدا التوتر واضحاً على وجهي الرجلين، في حين انعقد حاجبا المفتش (جاك)، وهو يقول:
    - سير (وينسلوت)؟!.. لعلك لا تشير إلى عضو مجلس العموم الشهير، الذي…
    قاطعه (ألبرت) بإشارة صارمة من يده، وهو يسأل الرجلين:
    - أم أن اسم منظمة (هيل آرت) يمكن أن ينعش ذاكرتكما أكثر؟!
    تضاعف توتر الرجلين ألف مرة، وتبادلا نظرة عصبية، في حين قال المفتش (جاك) في حيرة:
    - (هيل آرت)؟!.. أي اسم هذا؟!
    اندفع أحد الرجلين، يقول في توتر بالغ:
    - أريد محامياً فوراً، وإلا فلن نجيب سؤالاً واحداً.
    سأله (ألبرت) فجأة:
    - ما اسمك يا هذا؟!
    أجابه الرجل في عصبية:
    - اسمى (دونالد).. (روبير دونالد)، ولن أجيب أية..

    وقبل أن يتم عبارته، انقض عليه (ألبرت) فجأة، ولكمه لكمة قوية في أنفه، أسقطته مع مقعده أرضاً في عنف، فهب زميله صائحاً في حدة عصبية:
    - ليس هذا من حقك.
    استدار إليه (ألبرت)، قائلاً في صرامة:
    - اصمت.
    ولكن المفتش (جاك) نهض بدوره، وقال في عصبية:
    - إنه محق.. ليس من حقك أن تعامل المتهمين بهذا الأسلوب العنيف.. حتى المجرم هنا له حقوقه القانونية..
    اعتدل (ألبرت)، قائلاً في صرامة:
    - لهذا لن يصلح تعاملكم مع هذين الرجلين..
    ثم عدّل من هندامه، مضيفاً:
    - قم بعمل كل الإجراءات اللازمة، فسأتسلّم هذين الرجلين رسمياً.
    قال المفتش (جاك) في توتر:
    - هذا سيحتاج إلى توقيع بعض الأوراق..
    قال (ألبرت) بنفس الصرامة:
    - أسرع إذن يا رجل، فلست أميل إلى قضاء المزيد من الوقت، في روضة الأطفال هذه.
    بدأ المفتش (جاك) في إعداد الأوراق اللازمة بالفعل، وهو يقول في ضيق، لم يحاول إخفاءه:
    - إننا ننفذ القانون هنا.
    غمغم (ألبرت)، في استهتار مستفز:
    - بالتأكيد.

    لم تستغرق الإجراءات وقتاً طويلاً، ولقد وقع (ألبرت) الأوراق في هدوء، وأضاف إليها رتبته ورقمه الأمني في ثقة، قبل أن يلتقط معطفه، قائلاً في صرامة:
    - إنهما لي الآن.
    استوقفه المفتش (جاك)، قائلاً في توتر:
    - وكيف ستتولى الأمر وحدك؟!.. إنهما رجلان قويان، والأفضل أن يصطحبك بعض جنود الحراسة، و…
    قاطعه (ألبرت) بنفس الصرامة:
    - إنهما مجرد رجلين.
    مط (جاك) شفتيه، وشعر في أعماقه أن المفتش (ألبرت) هذا شديد الغرور، إلا أنه قال في حزم:
    - فليكن.. أنت المسئول عنهما رسمياً الآن.
    قام رجال الشرطة بتقييد معصمي الرجلين بأغلال واحدة، وقادهما (ألبرت) إلى سيارته المتوقفة أمام مبنى الشرطة، وقال لأحدهما في صرامة:
    - أنت ستقود السيارة، وزميلك إلى جوارك، لاشتراككما في أغلال واحدة، وسأجلس أنا في الخلف، وحذار من أن يقوم أحدكما بحركة واحدة مفاجئة.
    دلف الرجلان إلى السيارة، وقال أحدهما في عصبية، وهو يدير محركها:
    - ما زلت أصر على وجود محام.
    قال (ألبرت) في صرامة، وهو يجلس في المقعد الخلفي:
    - سنعمل على استدعائه، فور وصولنا إلى هناك.

    همهم الرجل بعبارة ساخطة، وانطلق بالسيارة، وفقاً لتوجيهات المفتش (ألبرت)، ولم تكد تختفي في نهاية الطريق، حتى أسدل المفتش (جاك) أستار نافذة مكتبه، وهو يقول:
    - لم أكن أعلم أن رجال (سكوتلانديارد) صارمين قساة، إلى هذا الحد.
    غمغم نائبه في خفوت:
    - إنهم يواجهون نوعاً مختلفاً من المجرمين.
    التقط (جاك) سماعة هاتفه، وهو يقول:
    - ولكن هذا لا يمنع من أنه قد ارتكب بالفعل، عدداً من المخالفات القانونية، التي تحتاج إلى إعادة تقويم، لذا فسأتقدم بشكوى ضده، إلى كبير مفتشي (سكوتلانديارد) شخصياً.
    هتف نائبه في انبهار:
    - المفتش (ريمنجتون)؟!
    أومأ المفتش (جاك) برأسه إيجاباً، وهو يدير قرص الهاتف، ولم يكد يسمع صوت محدثه، حتى قال:
    - هنا المفتش (جاك)، من شرطة (لندن).. أريد التحدث إلى كبير المفتشين (ريمنجتون) شخصياً.
    أجابه محدثه في هدوء :
    - المفتش (جون ريمنجتون) غير متواجد أيها المفتش، فلديه مؤتمر أمنى هام، في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أمس.

    انعقد حاجبا المفتش (جاك)، وهو يقول في توتر:
    - أمس؟!.. هذا مستحيل!.. لقد تحدث إلى شخصياً، منذ أقل من ساعة واحدة، بشأن مفتشكم (ألبرت)، الذي يتولى قضية حادثة (لندن كلينيك).
    ظل صوت محدثه هادئاً، وهو يقول:
    - المفتش (ريمنتجون) لا يجرى اتصالاته بنفسه أبداً، والوحيد الذي يحمل اسم (ألبرت) هنا، لم يغادر مكتبه منذ الصباح.
    اتسعت عينا المفتش (جاك) عن آخرهما، وهو يرفعهما إلى نائبه، قائلاً في ارتياع، ويده تعيد سماعة الهاتف إلى موضعها، دون حتى أن يشعر بهذا:
    - لقد خدعنا ذلك الرجل.. إنه ليس من (سكوتلانديارد).. يا إلهي!.. إننا لم نحاول حتى الإطلاع على أوراقه.
    امتقع وجه نائبه، وهو يقول:
    - رباه!.. لقد سلمناه المتهمين رسمياً، دون أن نتأكد من هويته.. إنها كارثة.
    التقط المفتش (جاك) سماعة هاتفه مرة أخرى، ليصدر أوامره بتعقب السيارة، وإعادة المجرمين، والمفتش (ألبرت) الزائف، وهو يقول؛ بكل توتر الدنيا:
    - ولكن من يكون ذلك الرجل؟!.. من يكون؟!

    في نفس اللحظة، التي نطق فيها كلماته هذه، كان المفتش (ألبرت) الزائف، يقول للمجرمين في صرامة، من المقعد الخلفي للسيارة:
    - انحرفا إلى ذلك الشارع الجانبي الضيق.
    نفذ ذلك الذي يقود السيارة أوامره، والآخر يسأله في عصبية:
    - ولكن لماذا؟!
    لم ينبس (ألبرت) هذا ببنت شفة، في حين توقف قائد السيارة داخل الشارع الضيق، الذي انتهى بجدار مرتفع يسد الطريق، وقال في غلظة غاضبة:
    - لو أنك تفكر في إيذائنا، فـ..
    قبل أن يتم قوله، مال (ألبرت) إلى الأمام فجأة، ولكمه في مؤخرة عنقه لكمة عنيفة، جعلت رأسه يرتطم بموقد السيارة، قبل أن يتراخى فوقها فاقد الوعي..
    وبمنتهى العصبية، هتف الآخر:
    - إنك تتجاوز كل الـ…
    قبض (ألبرت) على عنقه فجأة، قبل أن يتم هتافه، وأدار رأسه إليه في قسوة، وأصابعه الفولاذية تنغرس في جسده، وتطلع إلى عينيه مباشرة، وهو يقول، بصوت يخالف تماماً صوته المألوف:
    - فليكن.. لقد تجاوزتها بالفعل أيها الوغد.
    اتسعت عينا الرجل، في ألم ذاهل، وهو يحدّق في وجه (ألبرت)، الذي نزع شاربه الأحمر المستعار بحركة هادئة، قائلاً بمنتهى القسوة والصرامة:
    - وهذا ما عليك أن تخبر به زعيمك الحقير.
    ومع آخر حروف كلماته، انطلقت قبضته كالقنبلة، لتنفجر في وجه الرجل، وتلقى به في غياهب غيبوبة عميقة..
    عميقة للغاية.
    ****************************************
    " ..الفصل السابع "الشــر
    نهض (إيتان مائير)، الملحق العسكري للسفارة الإسرائيلية في (لندن)، يستقبل (دافيد جراهام) في ترحاب، ودعاه للجلوس، وهو يسأله في اهتمام بالغ:
    - كيف دار الأمر مع سير (وينسلوت)؟!
    أشار (جراهام) بيده، قائلاً:
    - إنه ليس بالقوة أو الخطورة التي تصورناهما!
    انعقد حاجبا (مائير)، وهو يقول:
    - ولكن شبكته استطاعت أن تحصل على وثائق أمريكية بالغة السرية، لم ينجح جواسيسنا أنفسهم في التوصل إليها.
    هز (جراهام) كتفيه، قائلاً:
    - منظمة ليست بسيطة، ومن الواضح أنها تمتلك شبكات جاسوسية شديدة التنظيم والتعقيد، ولكن تعاملاتهم في مواجهة الخطر، تتساوى مع أساليب العصابات، وليس مع منظمة جاسوسية قوية.
    تراجع (مائير) في مقعده، وهو يقول في اهتمام:
    - أتعنى أن تعاوننا معهم لن يكون مثمراً؟!
    تألقت عينا (جراهام)، وهو يقول:
    - أنا لم أقل هذا أبداً.
    ونهض من مقعده، وتابع، وهو يتجه نحو النافذة:
    - أنت تعلم مثلي أن دولتنا مستعدة للتحالف مع الشيطان نفسه، لو أنه يستطيع تثبيت أقدامها، في منطقة الشرق الأوسط، ومنظمة (هيل آرت) هذه منتشرة جيداً، من الناحية التجسّسية، وسيساعدنا هذا على الحصول على العديد من المعلومات، التي يحتاج إليها أمننا، وبخاصة تلك التى يمتلكها الأمريكيون، دون أن تتوتر علاقاتهم معنا دون مبرر، فإذا ما انكشف أحد الجواسيس، أثناء حصوله على الوثائق والمعلومات؛ فهو في هذه الحالة جاسوس لمنظمة (هيل آرت)، وليس لأجهزة مخابراتنا.

    تساءل (مائير)، في اهتمام أكثر:
    - وماذا عن ضعف قدراتهم الأمنية؟!
    أجابه (جراهام) في سرعة، وهو يتطلع عبر فرجة من أستار النافذة، إلى الطريق الرئيسي:
    - سنعمل على تقويتها، من خلال أحد خبرائنا الأمنيين، بحيث تصبح قادرة على حماية المنظمة، من أية أجهزة مخابرات أخرى، فيما عدا أجهزة مخابراتنا بالطبع؛ لأننا وحدنا سندرك نقاط الضعف، والثغرات الخفية، في نظامهم الأمني، الذي سيضعه خبيرنا.. ولقد وافق سير (وينسلوت) على هذا الأمر بالفعل.
    ارتسمت ابتسامة إعجاب، على شفتي (مائير)، وهو يقول:
    - دعنى أعترف ببراعتك يا أدون (جراهام).
    شد (جراهام) قامته، وهو يقول:
    - بل قل: بعبقريتي يا عزيزي (إيتان).
    أومأ (مائير) برأسه، متمتماً:
    - بالتأكيد.
    ثم اعتدل يسأله:
    - وهل وقع اختيارك على خبير أمنى بالتحديد؟!
    صمت (جراهام) يضع لحظات، قبل أن يقول في حزم:
    - لو أن الأمر بيدي، لاخترت ابنتي (سونيا).

    ارتفع حاجبا (مائير) في دهشة، وهو يقول:
    ابنتك (سونيا)؟!.. وهل التحقت بأحد أجهزة مخابراتنا بالفعل؟!
    أومأ (جراهام) برأسه إيجاباً، قبل أن يجيب:
    - لقد تلقت تدريباً جيداً فى الـ(شين بيت)*، ثم التحقت لعدة أشهر بجهاز (أمان)**، قبل أن أرشحها شخصياً، للعمل بين صفوف (الموساد)***.
    هتف (مائير)، فى دهشة مستنكرة:
    - (سونيا)؟!.. كم يدهشني هذا في الواقع يا أدون (جراهام)؛ فابنتك فاتنة بحق، حتى أنني كنت أتصور أنها ستصبح نجمة سينمائية، أو عارضة أزياء عالمية، وليس ضابطة (موساد)!
    هز (جراهام) رأسه في هدوء، مجيباً:
    - على العكس.. (سونيا) من الطراز المثالي، للعمل في هذا المضمار، فهي تمتلك سمات رجل (الموساد) المثالي.
    وصمت لحظة، ثم أضاف بقسوة شديدة:
    - عقل بلا قلب.

    --------------------------------------------------------------------------------

    * شين بيت: جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي.
    ** أمان : جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية.
    ** *الموساد : مخابرات مجلس الوزراء الإسرائيلي.

    ************************************************** *

    بهت (مائير)، وهو يتساءل في خفوت:
    - أتعنى أن (سونيا) الفاتنة الساحرة، التي يخطف جمالها القلوب، وتدير جاذبيتها العقول، فتاة بلا قلب.
    التفت إليه (جراهام)، قائلاً:
    - على الإطلاق.
    بدت الدهشة واضحة على وجه (مائير)، وهو يحدّق في وجه (جراهام)، قبل أن يهز رأسه في قوة، وكأنه ينفض صورة (سونيا) الفاتنة عن رأسه، ويقول في حزم:
    - إنك لم تخبرني بعد، من الخبير الأمني، الذي سيعمل على تقوية منظمة (هيل آرت).
    عاد (جراهام) إلى مقعده، ووضع إحدى ساقيه فوق الأخرى، قبل أن يجيب في حزم:
    - أنا.
    ولم ينبس (مائير) ببنت شفة؛ فقد بدا له الاختيار موفّقاً..
    بحق..

    "لماذا توقفت؟!.."..
    ألقت (منى) السؤال في عصبية، عندما أغلق (قدري) الملف، ووضعه إلى جواره، فالتفت إليها مجيباً في إرهاق:
    - إنني أشعر بالجوع؛ فلقد مر موعد وجبة غدائي بالفعل، وأحتاج إلى الطعام، لمواصلة القراءة والانفعال!
    هتفت معترضة :
    - ليس عند هذه النقطة بالذات.
    بدت عليه الدهشة، وهو يقول:
    - ولكنني توقفت عند نقطة هادئة للغاية.
    قالت في ضيق:
    - من وجهة نظرك فحسب.
    سألها في حيرة:
    - وما المثير في هذا الموضع من الملف؟!
    تراجعت في مقعدها معقودة الحاجبين، قبل أن تقول في توتر:
    - أن (دافيد جراهام) هذا هو والد (سونيا).

    تطلع إليها لحظات بدهشة، قبل أن ينفجر ضاحكاً فجأة، على نحو ترجرج معه جسده البدين كله، ويقول:
    - آه.. نسيت أن (سونيا) هذه هي غريمتك اللدود..
    ثم مال نحوها، مضيفاً في خبث:
    - باعتبارها المرأة، التي خطفت منك قلب (أدهم).
    ازداد انعقاد حاجبيها في صرامة غاضبة، وهى تقول:
    - لا أحد يمكنه أن يختطف منى قلب (ادهم)، أو ينتزعني من قلبه، وكلانا يعرف تلك الظروف، التي تزوج فيها (أدهم) (سونيا جراهام)*.
    غمغم (قدري):
    - بالطبع.
    ثم ربت على كرشه الضخم، مستطرداً:
    - المؤسف أن الأمر لم يقتصر على الزواج؛ فهناك طفله منها أيضاً**..
    أشاحت بوجهها في ضيق، وهى تقول:
    - ليس من الضروري أن تذكرني بهذا دوماً.

    --------------------------------------------------------------------------------

    ارتفع حاجباه في تعاطف، وهو يقول مشفقاً:
    - ربما يؤلمك هذا، ولكن عليك مواجهة الحقيقة.
    غمغمت في مرارة:
    - ليس أمامي سوى هذا.
    ثم سألته في اهتمام: وكأنما تحاول إبعاد ذهنها عن الموقف:
    - لقد ذهب (أدهم) إلى قصر سير (وينسلوت)، وهو متنكر في هيئة أحد الرجلين، اللذين أفقدهما الوعي.. أليس كذلك؟!
    تطلع (قدري) إلى وجهها، متسائلاً:
    - لماذا توقعت هذا؟!
    التقطت نفساً عميقاً، قبل أن تجيب في ثقة:
    - لأنني أعرف أسلوب (أدهم) جيداً.
    ابتسم (قدري) ابتسامة كبيرة، وهو يقول:
    - ولكن أحد أهم سمات (أدهم)، أن أسلوبه يتغير باستمرار.
    قالت في إصرار:
    - لاحظ أننا نتحدث عن فترة قديمة.
    هز رأسه، قائلاً:
    - هذا صحيح.
    ثم اعتدل، وربت على كرشه مرة أخرى، مستطرداً:
    - ولكنني ما زلت جائعاً.. وبشدة.
    التقطت سماعة هاتفه، وهى تقول في حزم:
    - فليكن.. سأدعوك إلى وجبة دسمة، تساهم في زيادة حجم كرشك الضخم، على أن تعاود قراءة الملف، بعد التهامك لها مباشرة ..
    رفع إبهامه أمام وجهه، وهو يبتسم، قائلاً:
    - اتفقنا.
    ولم تمض دقائق عشر، حتى حضرت الوجبة الدسمة، التي بدأ (قدري) التهامها بمنتهى الشراهة على الفور، لتنتهي قبل مرور نصف الوقت، الذي تم إحضارها فيه..
    وفى ارتياح، وبابتسامة كبيرة سعيدة، ومع زجاجة مياه غازية، من الحجم العائلي أمامه، عاد (قدري) يلتقط الملف..
    ويروى..

    بدا قائد الحرس (بيتون) متجهماً متوتراً، وهو يدلف إلى حجرة مكتب سير (وينسلوت)، مع غروب الشمس، قائلاً:
    - كل شيء على ما يرام يا سير (وينسلوت)… لن تتمكن ناموسة واحدة، من الوصول إلى هنا، دون أن يرصدها رجالنا، ويتعاملون معها كما ينبغي.
    تراجع سير (وينسلوت) في مقعده، وهو يقول في اقتضاب:
    - عظيم.
    بدا التردد والتوتر على وجه (بيتون) فسأله سير (وينسلوت)، في شيء من الصرامة:
    - والآن ماذا هناك؟!
    بدا وكأن السؤال قد هدم حاجز التردد، أمام لسان (بيتون)، الذي اندفع يقول في عصبية:
    - أمن الضروري أن يتولّى ذلك الإسرائيلي، مسئولية نظم الأمن هنا؟!
    نفث سير (وينسلوت) دخان سيجاره، وهو يسأله في برود:
    - وما الضير في هذا؟!
    قال (بيتون) بنفس العصبية:
    - إننا نتولى أمور أمننا، على خير ما يرام، ولسنا بحاجة إلى شخص أجنبي، ليعدل نظمنا، ويتولى أمننا.

    رمقه سير (وينسلوت) بنظرة باردة، راح ينفث خلالها دخان سيجاره في بطء، قبل أن يعتدل، قائلاً في صرامة:
    - اطمئن يا (بيتون)؛ ففي كل الأحوال، ستظل قائداً للحرس هنا؛ فمستر (جراهام) لن يتولى الأمور بنفسه.. إنه سيضع نظم وقواعد الأمن فحسب، من خلال خبرته كرجل مخابرات قديم وقدير، ونحن في أمس الحاجة لتطوير نظم أمننا طوال الوقت، ما دمنا سنعمل على نطاق عالمي، فلو نجح جهاز مخابرات واحد في اختراق أمننا لأصبحت نهاية منظمتنا كلها.
    قال (بيتون) في عصبية أكثر:
    - وماذا عن مستر (جراهام)؟!.. أليس رجل مخابرات أيضاً؟!
    قال سير (وينسلوت) في هدوء:
    - وماذا في هذا؟!
    قال (بيتون)، في شيء من الحدة:
    - ألن يمكنه اختراق نظام الأمن، الذي سيضعه بنفسه، عبر ثغرات يعلم جيداً مواضعها ومواقعها؟!
    ارتسمت ابتسامة باردة، على شفتي سير (وينسلوت)، وهو ينفث دخان سيجاره، ويقول:
    - هذا ما يتصوره هو.. إنه يظن أن ابتسامته اللزجة، وأسلوبه المتزلف، وذكاؤه اليهودي ستساعده كلها على خداعي، وإدارة أمن منظمتي كما يروق له!
    وندت من بين شفتيه ضحكة ساخرة، أدهشت قائد حرسه كثيراً، قبل أن يتابع في هدوء واثق:
    - ولقد سمحت له بالتمادي في فكرته وظنونه؛ لأن غروره، وثقته بنفسه، وبقدرات دولته، هما الحبل الغليظ، الذي سيلتف حول عنقه يوماً، عندما أقرر أنا هذا.

    سأله (بيتون) في لهفة:
    - هل تعنى أننا لن نلتزم بالنظام الأمني، الذي سيضعه هو؟!
    أجابه سير (وينسلوت) في سرعة:
    - بل سنلتزم به بالتأكيد.
    انعقد حاجبا (بيتون) في توتر، فتابع سير (وينسلوت)، وهو ينفث دخان سيجاره في بطء وثقة:
    - ولكننا سنضع من خلفه نظاماً أمنياً آخر، يكفى لسد كل الثغرات، الذي سيتركها مستر (جراهام) عمداً، في نظام الأمن الرئيسي.
    تألقت عينا (بيتون)، وهو يقول:
    - إنني أفضل هذا يا سير (وينسلوت).
    لم يكد يتم عبارته، حتى ارتفع أزيز جهاز اللاسلكي المعلق في حزامه، فالتقطه في سرعة، وقال في صرامة:
    - ماذا هناك؟!
    أجابه أحد أفراد طاقم الحراسة من الطريق الخاص للقصر:
    - السيد (جيمس ويندسور)، محامى سير (وينسلوت) يريد المرور؛ لمقابلة الزعيم، ويقول: إنه أمر عاجل.
    انعقد حاجبا سير (وينسلوت)، الذي سمع حديث الرجل، وأشار إلى (بيتون)، قائلاً:
    - دعه يأتي، فهو يحمل حتماً أخباراً عن الرجلين، اللذين سقطا في عملية (لندن كلينيك).
    ضغط (بيتون) جهاز الاتصال، قائلاً في صرامة:
    - اسمح له بالدخول، بعد أن تتحقق من شخصيته.
    أجابه فرد الحراسة في حزم:
    - إننى أعرف مستر (ويندسور) جيداً، ولقد راجعت هويته بنفسي أيضاً، وهى سليمة.
    قال (بيتون) بنفس الصرامة:
    - عظيم.

    لم تمض اثنتي عشرة دقيقة، حتى كان المحامى يقف أمام سير (وينسلوت)، وهو يقول في عصبية:
    - ماذا يحدث هنا بالضبط يا سير (وينسلوت)؟!. لقد حولت قصرك إلى حصن منيع!
    قال سير (وينسلوت) في برود، وهو يطفئ سيجاره، ويعيد بقاياه إلى جيبه:
    - هذا أفضل من خوض معارك سخيفة، لا وقت لخوضها يا عزيزي (ويندسور).
    ثم مال نحوه، متسائلاً في اهتمام:
    - ما أخبار الرجلين؟!
    بدا المحامى شديد التوتر، وهو يقول:
    - كنت أتوقع معرفة أخبارهما منك يا سير (وينسلوت).
    انعقد حاجبا سير (وينسلوت)، وهو يقول في دهشة محنقة:
    - منى أنا؟!.. ألست المحامى المسئول عن رتق كل ما نتركه خلفنا يا رجل؟!
    قال المحامى، وهو يجلس في عصبية، على أقرب مقعد إليه:
    - الأمر ليس بالبساطة التي تتصورها يا سير (وينسلوت).. لقد ذهبت بالفعل إلى مبنى الشرطة، خلف رجليك الأحمقين، اللذين فقدا وعيهما في (لندن كلينيك)، ولكنني فوجئت بأن أحد رجالك قد انتحل هوية مفتش من (سكوتلانديارد)، وخدع كل مفتشي الشرطة بمنتهى البراعة، وحمل رجليك معه، عندما غادر المكان، بحجة استجوابهما في مبنى (سكوتلانديارد) الرئيسي.
    ارتفع حاجبا سير (وينسلوت) في دهشة، وهو يقول:
    - أحد رجالي؟!.. ولكن هذا لم يحدث يا يرجل.. إنني أميل دوماً إلى الأساليب القانونية كما تعلم، ولم يكن هناك داع للاحتيال، وتعقيد الأمور أكثر وأكثر!
    هتف المحامى، وقد بلغت دهشته ذروتها:
    - من فعلها إذن؟! ولماذا؟!
    تراجع سير (وينسلوت) في مقعده، وبدا مستغرقاً في تكفير عميق، وهو يقول:
    - هذا هو السؤال.. من فعلها؟!.. ولماذا؟!

    لم يكد يتم عبارته، حتى دق (بيتون) باب حجرة المكتب، ثم دلف إليها، وهو يقول في توتر:
    - لدينا زيارة من الشرطة يا سير (وينسلوت).
    قال المحامى في توتر:
    - الشرطة لا يحق لها القدوم إلى هنا، دون استئذان مجلس العموم رسمياً.
    أشار (بيتون) بيده، قائلاً:
    - إنه المفتش (جاك ستيورات)، من شرطة (لندن)، ويحمل هويته الرسمية، ويصطحب معه رجلينا (دونالد)، و(سيزر).
    بدت دهشة قوية على وجه المحامى، في حين عاد حاجبا سير (وينسلوت) ينعقدان، وهو يدرس الأمر في عقله بسرعة، قبل أن يشير إلى (بيتون)، قائلاً في حزم هادئ:
    - دعهم يأتون.. أريد مقابلة ذلك المفتش بنفسي.
    قال (بيتون) في حزم:
    - أوامرك أيها الزعيم.
    تابع سير (وينسلوت)، وكأنه لم يسمعه:
    - واطلب من أطقم الحراسة الداخلية أن تبقى قريباً، وأن تستعد للتدخل الفوري، مع أول إشارة منى.
    قال (بيتون)، وقد فهم ما يرمى إليه زعيمه.
    - بالتأكيد أيها الزعيم.. بالتأكيد.
    واستدار لتنفيذ الأمر، ولكن سير (وينسلوت) استوقفه في حزم، وهو يقول:
    - وبالمناسبة يا (بيتون).. إياك أن تخاطبني بلقب الزعيم هذا مرة أخرى.. هل تفهم؟!
    احتقن وجه (بيتون)، وهو يقول في ارتباك:
    - كما تأمر يا سير (وينسلوت).. كما تأمر.

    ولم يكد ينصرف، حتى قال المحامى، في عصبية واضحة:
    - هناك أمر غير طبيعي، في هذا الموقف يا سير (وينسلوت)، فليس من المعتاد أن يخرج أحد مفتشي الشرطة، بعد غروب الشمس، وهو يحمل معه اثنين من المشتبه فيهم، لزيارة عضو في مجلس العموم البريطاني، دون إعلان مسبق، ودون حراسة إضافية أيضاً.
    أومأ سير (وينسلوت) برأسه إيجاباً، وهو يقول في تفكير عميق:
    - نعم.. إنه أمر غير طبيعي بالتأكيد.
    وصمت بضع لحظات، قبل أن يضيف:
    - ولو أردت رأيي، فهي وسيلة مبتكرة؛ لاختراق نظامنا الأمني، وتجاوز كل العقبات ، ووسائل الأمن والحراسة، والوصول إلى عقر دارى.
    سأله المحامى بأنفاس مبهورة:
    - هل تعتقد هذا؟!
    قال سير (وينسلوت) في حزم:
    - ليست لدى ذرة من الشك في هذا.
    ثم تألقت عيناه، وهو يضيف في لهجة عجيبة، حملت مزيجاً من الجذل والشراسة معاً:
    - ولكن تأكد من أننا سنحسن استقبال الدخلاء هنا… سنحسن استقبالهم، إلى حد سيؤذى حتماً مشاعرك الرقية المرهفة يا عزيزي (ويندسور).
    قالها، وانطلقت من حلقه ضحكة عالية..
    ضحكة واثقة، وقوية، و…
    ومخيفة.
    ******************************************
    " ..الفصل الثامن "الخـطــة
    لوح نائب مدير المخابرات العامة المصرية بورقة في يده، وهو يدلف إلى حجرة المدير، قائلاً:
    - برقية شفرية من (لندن) يا سيدي.
    قال المدير في اهتمام:
    - إلىَّ بها.
    ناوله نائبه البرقية، التي انتهى قسم الشفرة من ترجمتها منذ لحظات، وراح المدير يطالعها في اهتمام كبير، قبل أن يخلع منظاره، ويتراجع في مكتبه، قائلاً:
    - إذن فقد حصل الرائد (أدهم) على كافة المعلومات، التي زودناه بها، عن منظمة (هيل آرت)… عظيم.. هذا يجعل القتال متكافئاً، إلى حد كبير.
    تردد النائب لحظة، قبل أن يقول في قلق واضح:
    - الواقع أن الرائد (أدهم) ما زال يبدو لي متهوراً، أكثر مما ينبغي يا سيدي.
    ابتسم المدير، وهو يقول:
    - ليس متهوراً، وإنما هو جرئ وشجاع وباسل، إلى حد نعجز أحياناً عن استيعابه، ولكنه يناسب شخصيته تماماً، ويناسب أكثر قدراته، التي تصدم من يواجهه لأول مرة.
    غمغم النائب:
    - وتبهر من يتعامل معه دوماً.
    أشار المدير بسبابته، قائلاً:
    - بالضبط.
    هز النائب رأسه، وقال في إصرار:
    - ولكنني ما زلت أرى أنه متهور، وبالذات فيما أقدم عليه هذه المرة.
    انعقد حاجبا المدير، وهو يقول:
    - ربما.

    ثم نهض من خلف مكتبه، وعقد كفيه خلف ظهره، وهو يتابع في اهتمام:
    - ولكن (أدهم) يفعل دوماً ما يمليه عليه الموقف، دون أن يبالى بأي شيء آخر، حتى أمنه وسلامته الشخصية.
    وتوقف لحظة؛ ليراجع الموقف كله في ذهنه، قبل أن يواصل في حزم:
    - ووفقاً لبرقيته الشفرية، يفترض أن يكون الآن داخل قصر سير (وينسلوت)، الذي يعتقد أنه الزعيم الفعلي لمنظمة (هيل آرت).
    قال النائب، دون أن يحاول إخفاء قلقه:
    - يقول مراقبينا: إن قصر سير (وينسلوت) قد تحول، خلال الساعات القليلة الماضية، إلى حصن حصين، فكيف يمكن أن يدخله الرائد (أدهم) في ظروف كهذه؟!
    التقط المدير نفساً عميقاً، وقال:
    - الرائد (أدهم) لن يعدم وسيلة لدخول قصر (وينسلوت)، حتى لو أحاطه هذا الأخير بسياج من اللهب، فالمشكلة بالنسبة إليه لا تكمن في دخول القصر.
    وشد قامته، مستطرداً:
    - وإنما في الخروج منه.
    وانعقد حاجباه، مع إضافته الحازمة الصارمة:
    - على قيد الحياة.
    وكان على حق..
    تماماً..
    نقل سير (وينسلوت) عينيه، في هدوء عجيب، لا يتناسب قط مع الموقف، بين وجه المفتش (جاك)، ووجهي رجليه (دونالد)، و(سيزر)، اللذين تغطيا بالضمادات، قبل أن يشير إلى محاميه بالصمت، وهو يسأل في برود:
    - هل لي أن أعرف، لماذا شرفتني بهذه الزيارة، أيها المفتش؟!
    وعلى الرغم من إشارة سير (وينسلوت)، اندفع المحامى يقول في صرامة:
    - هل لي في مطالعة هويتك الأمنية أيها المفتش؟!
    نقل المفتش بدوره بصره بينهما، قبل أن يلتقط هويته الأمنية من حافظته، ويناولها للمحامى، وهو يقول لسير (وينسلوت):
    - أتيت لأعيد إليك رجليك، اللذين سببا لنا الكثير من المتاعب يا سير (وينسلوت).
    أخرج سير (وينسلوت) بقايا سيجاره من جيبه، وأشعله في هدوء، في نفس الوقت الذي راح المحامى يفحص فيه هوية المفتش بمنتهى الدقة، قبل أن يعيدها إليه، قائلاً في شيء من التوتر:
    - إنها صحيحة.
    رمقه المفتش (جاك) بنظرة صارمة، وهو يقول:
    - وماذا كنت تتوقع؟!
    همهم المحامى بعبارة ساخطة غير مفهومة، في حين قال سير (وينسلوت)، وهو ينفث دخان سيجاره في عمق:
    - المدهش أن ما بلغني من أخبار، يؤكد أن محتالاً قد انتحل شخصية أحد مفتشي (سكوتلانديارد)، وأخرجهما من مبنى الشرطة.
    بدا الضيق واضحاً، في ملامح وصوت المفتش (جاك)، وهو يقول:
    - الأخبار التي بلغتك صحيحة يا سير (وينسلوت)، ولكن رجالي عثروا بعدها على رجليك فاقدي الوعي، داخل نفس السيارة، التي استقلوها مع مفتش (سكوتلانديارد) الزائف، عندما غادروا مبنى الشرطة، وكانت معهم هذه الرسالة.
    قالها، وناول سير (وينسلوت) ورقة مطوية، فضها الرجل في هدوء ظاهري، وهو يقاوم تلك اللهفة العارمة في أعماقه، ليقرأ فيها كلمات مختصرة، تقول في تحد ملحوظ:
    - لقاؤنا الليلة يا سير (وينسلوت)، داخل قصرك المنيع.

    بذل سير (وينسلوت) جهداً خارقاً هذه المرة، للسيطرة على انفعالاته، وهو يقول:
    - لست أدرى ما الذي يمكن أن يعنيه هذا!
    أجابه المفتش (جاك)، في صرامة شديدة:
    - يعنى ما تحمله الكلمات بالضبط يا سير (وينسلوت).
    ثم أدار عينيه في وجوه الجميع، قبل أن يضيف:
    - ذلك المحتال سيأتي إلى هنا، على نحو أو آخر.
    رمقه سير (وينسلوت) بنظرة باردة، قبل أن يقول:
    - وهل تعتقد أنه يستطيع تجاوز كل نظمنا الأمنية أيها المفتش؟!
    شد المفتش قامته، وهو يقول في صرامة:
    - إنه بارع للغاية، وجرئ إلى أقصى حد.
    نفث سير (وينسلوت) دخان سيجاره في بطء شديد، وهو يدير بصره مرة أخرى، بين وجه المفتش (جاك) ووجهي رجليه، اللذين تغطيا بالضمادات، وراح عقله يدرس الأمر مرة.
    وثانية..
    وثالثة..
    وفى كل مرة، كان يستوعب الأمر أكثر وأكثر، وينفث دخان سيجاره في صمت وبطء وعمق، حتى قال المفتش (جاك) في صرامة:
    - هل سنقضى الليل كله هنا، بحثاً عن تفسير للعبارة، التي وردت في الرسالة؟!
    انتزع سير (وينسلوت) سيجاره من بين شفتيه، وأمسكه بين سبّابته ووسطاه، وهو يشير بيده إلى المفتش (جاك)، قائلاً:
    - الأمر له تفسيران فحسب، لا ثالث لهما أيها المفتش.

    حملت لهجة المفتش (جاك) لمحة ساخرة، امتزجت بلهجته الصارمة هذه المرة، وهو يقول:
    - وما هما يا سير (وينسلوت)؟!
    أجابه سير (وينسلوت)، في هدوء حازم:
    - التفسير الأول أقربهما، وهو يبدو واضحاً أمامك.
    قالها، وهو يشير إلى رجليه المصابين، فالتفت إليهما المفتش (جاك) بدوره، فتابع سير (وينسلوت):
    - المعنى الوحيد لما فعله ذلك المحتال، عندما أخرج الرجلين من مبنى الشرطة، ثم أفقدهما الوعي، وحطم وجهيهما على هذا النحو، هو أنه كان يسعى لتغيير ملامحهما، ودفعهما إلى تضميد جراحهما، بحيث يمكنه انتحال هيئة أحدهما، دون أن ينكشف أمره.
    هتف أحد الرجلين في توتر:
    - أي قول هذا يا سير (وينسلوت).. لقد فقدنا وعينا في تلك السيارة، ثم استعدناه لنجد أنفسنا محاطين برجال الشرطة، و…
    قاطعه سير (وينسلوت)، وهو يهتف بصرامة مباغتة:
    - اصمت.
    ولم يكد هتافه يكتمل، حتى ارتفعت فوهات أسلحة طاقم الأمن نحو الرجلين مباشرة، في حين قال (بيتون) في صرامة:
    - انزعا الضمادات عن وجهيكما.
    غمغم الرجل الآخر في عصبية:
    - ولكن إصاباتنا.
    صاح (بيتون) بكل الصرامة والغضب، وسبابته تتحفز على زناد مدفعه الآلي القصير:
    - انزعاها.
    لم يبد المفتش (جاك) شديد الاهتمام بمتابعة ما يحدث، والرجلان ينزعان ضماداتهما في عصبية غاضبة، وإنما واجه سير (وينسلوت)، قائلاً في لهجة، زادت سخريتها عن صرامتها:
    - وهل تتوقع أن تجد شيئاً، عبر هذا التفسير المباشر؟!
    أجابه سير (وينسلوت) في سرعة:
    - كلا.

    انعقد حاجبا المحامى في توتر، وقال في عصبية:
    - عجباً!!.. إنه يبدو لي منطقياً للغاية.
    أشار سير (وينسلوت) بيده، قائلاً:
    - ومباشر للغاية أيضاً يا عزيزي (ويندسور)، ولكن ما فعله خصمنا، في مبنى الشرطة، يوحى بأنه محترف وجرئ، ومثله لن يلجأ إلى أسلوب مباشر على هذا النحو.
    ثم نقل بصره إلى المفتش (جاك)، مستطرداً في بطء:
    - بل سيلعب على وتر غير مباشر، بحيث لا يمكن أن يخطر ببالنا في سهولة.
    تلاشت السخرية من لهجة المفتش (جاك) هذه المرة، وهو يقول في غضب صارم:
    - ما الذي يعنيه هذا بالضبط يا سير (وينسلوت)؟!
    تراجع سير (وينسلوت) في مقعده، وبدا وكأنما استرخى فيه تماماً، وهو يقول في هدوء واثق:
    - يعنى أنه من سوء حظ ذلك المحتال، أن لدى شبكة معلومات واسعة للغاية.. ودقيقة للغاية.. وسريعة للغاية أيضاً.
    ثم التقط ملفاً من سطح مكتبه، وفتحه في هدوء، وهو يواصل:
    - ولقد استخدمت شبكة المعلومات الفائقة تلك؛ لمعرفة هوية ذلك الشخص، الذي قام بعملية إنقاذ فريدة ومبهرة، في أحد شوارع (لندن) الرئيسية، و الذي أمكنني الحصول على بعض اللقطات الواضحة لوجهه، من خلال فيلم قصير، التقطه شخص ما لعملية الإنقاذ.
    والتقط من داخل الملف بعض الصور المقربة لوجه (أدهم)، ورفعها أمام عيني المفتش، وهو يسأله بابتسامة غامضة:
    - هل أمكنك تعرفه؟!.. إنه ذلك المفتش الزائف.. أليس كذلك؟!
    هز المفتش (جاك) رأسه نفياً، وهو يقول في حزم:
    - إنه حتى لا يشبهه.
    وغمغم أحد الرجلين المصابين في توتر:
    - ليس حتى عندما نزع شاربه المستعار.

    انعقد حاجبا سير (وينسلوت)، وهو يعيد الصور إلى الملف، قائلاً في صرامة:
    - ربما بالنسبة لكم.
    وعاد يتراجع في مقعده، مضيفاً في حزم:
    - المهم أنني قد عرفت من هو.
    بدا الاهتمام الشديد على وجه المحامى، وهو يعتدل، متسائلاً:
    - ومن هو يا يسر (وينسلوت)؟!
    أشار سير (وينسلوت) بيده، وهو يقول:
    - لا أحد يعرف اسمه بالضبط، ولكن بعضهم تعرّفه، باعتباره رجل مخابرات مصري، قام بعملية ناجحة ومدهشة في (سنغافورة)؛ للحصول على تصميمات صاروخ إسرائيلي تحت التطوير*، ويؤكد الكل أنه يتميز بمهارات مدهشة ومبهرة، وعلى رأسها براعة نادرة، في أمر لم يبلغه سواه ، على حد علمي.
    وصمت لحظة، تركز بصره خلالها على وجه المفتش (جاك)، قبل أن يكمل في صرامة:
    - القدرة على التنكر وانتحال الشخصيات، على نحو متقن، لم يسجل التاريخ من يباريه فيه قط، حتى ليقولون: إن أم الشخص نفسه، لن يمكنها تعرفه، لو تنكّر في هيئته.
    عادت اللمحة الساخرة إلى لهجة المفتش الصارمة، وهو يقول:
    - يبدو لي أمراً أقرب إلى أفلام السينما الخيالية، منه إلى عالم الواقع.
    هز سير (وينسلوت) رأسه في بطء، وهو يقول، دون أن يرفع عينيه عن وجه المفتش:
    - ليس هذا ما تقوله المعلومات الدقيقة، التي تؤكد أنه، لو انتحل شخصيتك، فستعجز أمك نفسها عن معرفة الفارق بينكما.
    انعقد حاجبا المفتش بشدة، وهو يقول:
    - ما الذي يعنيه هذا بالضبط يا سير (وينسلوت)؟!
    أشار (وينسلوت) بسبابته، فارتفعت فوهات أسلحة (بيتون) ورجاله، في حركة واحدة، نحو رأس المفتش، الذي قال في غضب شديد:
    - هل تتصور أن كونك أحد أعضاء مجلس العموم، يمنحك حق تصويب الأسلحة، إلى مفتش في الشرطة البريطانية؟!
    نهض (وينسلوت) من خلف مكتبه، وهو يقول:
    - هذا لو أنه بالفعل مفتش في الشرطة البريطانية.
    انتفض المحامى، وهو يقول:
    - ولكن.. ولكنني راجعت هويته الأمنية بنفسي يا سير (وينسلوت).
    ابتسم سير (وينسلوت)، وهو يقول في هدوء:
    - لقد راجعت الهوية الأمنية للمفتش (جاك ستيورات)، والتي استولى عليها رجل المخابرات المصري حتماً، عندما دخل إلى مكتب (جاك) الحقيقي؛ فهو يمتلك أيضاً خفّة يد مدهشة ، حسبما تقول المعلومات ، الواردة عنه .
    قال المفتش في غضب شديد:
    - وما الذي يعنيه هذا اللغو؟!
    استدار إليه سير (وينسلوت)، وارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة، وهو يقول:
    - يعنى، وبكل بساطة، أنك لست (جاك ستيورات) الحقيقي أيها المصري.
    انعقد حاجبا المفتش في شدة، في حين هب المحامى من مقعده، وهو يردّد في ذهول:
    - مستحيل!.. مستحيل!
    بدا سير (وينسلوت) واثقاً، ظافراً، متشفياً، وهو يقترب من المفتش (جاك)، قائلاً:
    - لا يوجد مستحيل يا عزيزي (ويندسور)، فهذا هو التفسير الثاني غير المباشر.. أن يصيب خصمنا وجهي رجلينا، حتى يفقدهما الوعي، ثم يعود إليهما في هيئة المفتش (جاك)، ويأتي بهما إلى هنا، دون أن ينتبه إلى خطأ واحد وقع فيه، وهو يضع تفاصيل خطته المعقدة.
    سأله (بيتون) في لهفة:
    - أي خطأ هذا يا سير (وينسلوت)؟!
    أشار (وينسلوت) بسبابته، وهو يجيب:
    - قدومه إلى هنا.

    لوح المحامى بذراعيه، في توتر شديد، وهو يدور في الحجرة، مكرّراً في ذهول:
    - مستحيل!.. مستحيل!
    ثم استدار إلى سير (وينسلوت)، واتجه نحوه، متسائلاً في عصبية بالغة:
    - وما الذي يعنيه قدومه إلى هنا؟!.. لماذا اعتبرته خطئاً، كشف هويته الحقيقة؟!
    قال سير (وينسلوت)، في ثقة شديدة:
    - سل نفسك أنت يا عزيزي (ويندسور): هل يوجد سبب منطقي واحد، لقدوم مفتش شرطة إلى هنا منفرداً، وهو يصطحب اثنين من المشتبه فيهم.
    هتف المفتش (جاك) في صرامة:
    - نعم.. سل نفسك أيها المحامى، فأنت الوحيد، الذي يملك جواب السؤال.
    قال سير (وينسلوت) في سخرية:
    - إنه ليس أمراً قانونياً معقداً، حتى..
    قاطعه المفتش في غضب:
    - ومن تحدث عن القانون؟!.. إنني أتحدث عما فعله محاميك هذا، منذ ساعتين فحسب، وبالتحديد عندما عثرنا على رجليك المصابين.. لقد حضر إلى مبنى الشرطة، ودفع كفالة الإفراج عنهما، ثم اقترح أن أحضرهما بنفسي إلى قصرك، بعد غروب الشمس؛ حتى أحصل منك شخصياً على تعهد، بعدم عملهما كحارسين شخصيين مرة أخرى.
    انعقد حاجبا (بيتون) في توتر شديد، في حين غمغم سير (وينسلوت)، في دهشة بالغة:
    - (ويندسور) فعل هذا.
    لم يكد يتم عبارته، حتى سحب المحامى من حزامه مسدساً، ألصقه بعنق سير (وينسلوت) من الخلف، وهو يحيط عنقه بذراعه القويّة الأخرى، قائلاً في سخرية:
    - مفاجأة!!.. أليس كذلك؟!
    وانتفض جسد سير (وينسلوت) بمنتهى العنف..
    بل، وانتفضت أجساد الجميع، حتى المفتش (جاك) نفسه..
    فذلك الصوت، الذي نطق به المحامى عبارته الأخيرة، لم يكن يشبه، بأي حال من الأحوال، صوته الذي كان يتحدث به طوال الوقت..
    بل كان صوتاً مختلفاً تماماً..
    كان صوتاً قوياً، حازماً، واثقاً..
    وساخراً..
    كان صوت (أدهم)..
    (أدهم صبري)..

    "مستحيل!!.."..
    هتف (دافيد جراهام) بالكلمة، بكل دهشة وتوتر الدنيا، فاعتدل الملحق العسكري الإسرائيلي (إيتان مائير) على مقعده، وهو يسأله في قلق:
    - ماذا حدث؟!… هل كشف رجال سير (وينسلوت) جهاز التنصّت، الذي زرعته في مكتبه؟!
    هز (جراهام) رأسه نفياً في قوة، وهو يقول في توتر شديد:
    - بل هو يعمل بكفاءة تامة، وينقل إلىَّ هنا كل ما يدور في حجرة مكتب عضو مجلس العموم المتحذلق.
    ثم أدار عينيه إليه، مستطرداً:
    - وما يدور هناك، هو ما أثار قلقي وفزعي الآن.
    سأله (مائير)، في عصبية شديدة:
    - وما الذي يدور هناك؟!..
    نهض (جراهام)، وهو يجيب متوتراً:
    - رجل المخابرات المصري، أمكنه أن يصل إلى سير (وينسلوت)، ويبدو أنه يسيطر على الموقف أيضاً هناك.
    اتسعت عينا (مائير) عن آخرهما، وهو يهتف:
    - مستحيل!
    أجابه (جراهام)، وهو يندفع إلى خارج الحجرة:
    - هذا ما قلته بالضبط.
    لحق به (مائير)، هاتفاً:
    - ماذا ستفعل الآن؟!

    أجاب (جراهام) في حزم:
    - سأنطلق على الفور، إلى قصر سير (وينسلوت)، قبل أن تتطوّر الأمور أكثر.
    ثم التفت إليه، مستطرداً بلهجة آمرة صارمة:
    - أرسل خلفي فريقاً من محترفينا، واحرص على تزويدهم بكل الأسلحة الممكنة، لضمان السيطرة التامة على الموقف هناك.
    سأله (مائير) بمنتهى التوتر:
    - هل تعتقد أنه سيقتل سير (وينسلوت)؟!
    أجابه (جراهام)، وهو يتجاوز أسوار السفارة، ويقفز داخل سيارته الرياضية القوية:
    - لو فعلها، فسيفسد مخططاتنا لفترة طويلة من الزمن.
    قال (مائير) في عصبية:
    - ولكنك تقول: إنه قد وصل إليه في عقر قصره، وأنه يسيطر على الأمور كلها بالداخل.
    قال (جراهام) في صرامة، وهو يدير محرك سيارته:
    - ليس المهم أن ينجح في دخول القصر.
    وانعقد حاجباه في شدة، وهو يضيف:
    - المهم ألا ينجح في الخروج منه أبداً.
    قالها، وانطلق بسيارته، ليضيف إلى الصراع جبهة جديدة..
    ورهيبة.
    ***********************************
    " ..الفصل التاسع والأخير "المواجهـة
    على الرغم من الشهرة الواسعة، التي يحوزها سير (وينسلوت)، في الأوساط السياسية والاجتماعية البريطانية، باعتباره رجل بارد الأعصاب، يمكنه أن يظل متماسكاً في أحلك الظروف، التي ينهار خلالها سواه، فقد بدا محتقن الوجه، شديد التوتر، و(أدهم) يحيط عنقه من الخلف بذراعه اليسرى، ويلصق فوهة مسدسه الباردة به بيمناه، قائلاً في سخرية:
    - لو أردت رأيي، فالأفضل أن تراجع نظمك الأمنية جيداً يا زعيم الأوغاد، فعباقرة جهازك الأمني سمحوا لي بالمرور، حتى بلغت مكتبك الشخصي، دون أن يكلف أحدهم نفسه مشقة تفتيشي؛ للتأكد من أنني لا أحمل سلاحاً.
    وعلى الرغم من ذهوله، الذي يفوق ذهول الجميع، هتف (بيتون)، متصوراً أن أصابع الاتهام تتجه نحوه، ونحو طاقم الأمن الذي يقوده:
    - لقد تصورنا أنه محاميك الخاص يا سير (وينسلوت)، وليس من اللائق أن..
    قاطعه سير (وينسلوت)، في غضب مستنكر، ووجهه يزداد احتقاناً:
    - اللائق؟!.. أهذا ما تعلمته من نظم الأمن يا (بيتون)؟!
    قال (أدهم) ساخراً ، وهو ينزع عن وجهه قناع المحامى المتقن:
    - وهل من قواعد نظم الأمن، أن تترك محاميك الشخصي، وكاتم أسرارك الأوّل بلا حماية كافية ؟! .. لقد زرته في مكتبه ، وأفقدته الوعي بلكمة واحدة ، ثم تركته مقيّداً فاقد الوعي هناك ، وسمحت لموظفيه بالانصراف ، بعد أن انتحلت هيئته ، وغادرت باعتباري هو، بعد انصرافهم جميعاً، بكل هدوء وبساطة.
    وابتسم المفتش (جاك)، في سخرية متوترة، وهو يقول:
    - من الواضح أنكم جميعاً تحتاجون إلى دروس مكثفة، في نظم الأمن الدقيقة، يا عضو مجلس العموم.
    بدا وكأن سير (وينسلوت) قد استعاد صرامته وثقته، على الرغم من فوهة المسدس الملتصقة بعنقه، وهو يقول:
    - ادخر سخريتك للمشهد الأخير أيها المفتش؛ فالمباراة لم تنته بعد.
    دفع (أدهم) فوهة مسدسه في عنق سير (وينسلوت) أكثر، وهو يقول في سخرية صارمة:
    - وماذا لو أن هذا هو المشهد الأخير بالفعل، يا زعيم الأوغاد؟!
    أجابه سير (وينسلوت)، وقد استعاد هدوءه كاملاً:
    - من المستحيل أن يكون هذا هو المشهد الأخير أيها المصري، حتى لو نسفت رأسي بمسدسك ه
    avatar
    rema


    عدد المساهمات : 14
    نقاط : 14
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 14/12/2009

    الجحيم 2 Empty رد: الجحيم 2

    مُساهمة  rema الأحد يناير 03, 2010 3:33 pm

    اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 6:57 am