حدثني جعفر قال حدثني علي بن يحيى قال حدثني حسين بن الضحاك قال: كان يألفني إنسان من جند الشأم عجيب الخلقة والزي والشكل غليظ جلف جاف، فكنت أحتمل ذلك كله له ويكون حظي التعجب به، وكان يأتيني بكتب من عشيقة له ما رأيت كتبا أحلى منها ولا أظرف ولا أبلغ ولا أشكل من معانيها، ويسألني أن أجيب عنها، فأجهد نفسي في الجوابات وأصرف عنايتي إليها على علمي بأن الشامي بجهله لا يميز بين الخطأ والصواب، ولا يفرق بين الابتداء والجواب. فلما طال ذلك علي حسدته وتنبهت إلى إفساد حاله عندها. فسألته عن اسمها فقال: بصبص. فكتبت إليها عنه في جواب كتاب منها جاءني به:
أرقصني حبك يا بصبـص والحب يا سيدتي يرقـص
أرمصت أجفاني بطول البكا فما لأجفانك لا تـرمـص
وابأبي وجهـك ذاك الـذي كأنه من حسنه عصعـص فجاءني بعد ذلك فقال لي: يا أبا علي، جعلني الله فداءك، ما كان ذنبي إليك وما أردت بما صنعت بي? فقلت له: وما ذاك عافاك الله? فقال: ما هو والله إلا أن وصل ذلك الكتاب إليها حتى بعثت إلي: إني مشتاقة إليك، والكتاب لا ينوب عن الرؤية، فتعال إلى الروشن الذي بالقرب من بابنا فقف بحياله حتى أراك، فتزينت بأحسن ما قدرت عليه وصرت إلى الموضع. فبينا أنا واقف مكلما أو مشيرا إلي إذا شيء قد صب علي فملأني من قرني إلى قدمي وأفسد ثيابي وسرجي وصيرني وجميع ما علي ودابتي في نهاية السواد والنتن والقذر، وإذا به ماء قد خلط ببول وسواد سرجين ، فانصرفت بخزي. وكان ما مر بي من الصبيان وسائر من مررت به من الضحك والطنز والصياح بي أغلظ مما مر بي، ولحقني من أهلي ومن في منزلي شر من ذلك وأوجع. وأعظم من ذلك أن رسلها انقطعت عني جملة. قال: فجعلت أعتذر إليه وأقول له: إن الآفة أنها لم تفهم معنى الشعر لجودته وفصاحته، وأنا أحمد الله على ما ناله وأسر الشماتة به.
دعاه الحسن بن رجاء ودعاه ابن بسخنر فذهب له واعتذر للحسن: أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون عن حسين بن الضحاك قال: كتب إلي الحسن بن رجاء في يوم شك وقد أمر الواثق بالإفطار، فقال:
هززتك للصبوح وقد نهانـي أمير المؤمنين عن الصـيام
وعندي من قيان المصر عشر تطيب بهن عاتقة الـمـدام
ومن أمثالهن إذا انتـشـينـا ترانا نجتني ثمـر الـغـرام
فكن أنت الجواب فليس شيء أحب إلي من حذف الكـلام قال: فوردت علي رقعته وقد سبقه إلي محمد بن الحارث بن بسخنر ووجه إلي بغلام نظيف الوجه كان يتحظاه، ومعه ثلاثة غلمة أقران حسان الوجوه ومعهم رقعة قد كتبها إلي كما تكتب المناشير، وختمها في أسفلها وكتب فيها يقول:
سر على اسم الله يا أش كل من غصن لجـين
في ثلاث من بني الرو م إلـى دار حـسـين
فاشخص الكهل إلى مو لاك يا قرة عـينـي
أره العنف إذا اسـتـع صى وطالبـه بـدين
ودع اللفظ وخـاطـب ه بغمز الحـاجـبـين
واحذر الرجعة من وج هك في خفي حنـين قال: فمضيت معهم، وكتبت إلى الحسن بن رجاء جواب رقعته:
دعوت إلى مماحكة الصـيام وإعمال الملاهي والـمـدام
ولو سبق الرسول لكان سعيي إليك ينوب عن طول الكلام
وما شوقي إليك بدون شوقي إلى ثمر التصابي والغـرام
ولكن حل في نفر عسـوف بمنشور محل المسـتـهـام
حسين فاستباح له حـريمـا بطرف باعث سبب الحمـام
وأظهر نخوة وسطا وأبـدى فظاظته بترك لـلـسـلام
وأزعجني بألـفـاظ غـلاظ وقد أعطيته طرفي زمامي
ولو خالفته لم يخش قتـلـي وقنعني سريعا بالـحـسـام لاعب الواثق بالنرد وغازل خافان خادمه فقال شعرا: أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدثني أبي قال:
صفحة : 776
كان الواثق يلاعب حسين بن الضحاك بالنرد وخاقان غلام الواثق واقف على رأسه، وكان الواثق يتحظاه، فجعل يلعب وينظر إليه. ثم قال للحسين بن الضحاك: إن قلت الساعة شعرا يشبه ما في نفسي وهبت لك ما تفرح به. فقال الحسين: صوت
أحبك حبا شابه بنـصـيحة أب لك مأمون عليك شفيق
وأقسم ما بيني وبينك قربة ولكن قلبي بالحسان علوق فضحك الواثق وقال: أصبت ما في نفسي وأحسنت. وصنع الواثق فيه لحنا، وأمر لحسين بألفي دينار. لحن الواثق في هذين البيتين من الثقيل الأول بالوسطى.
فضل نفسه على أبي نواس فرده أحمد بن خلاد: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد قال: أنشدني حسين بن الضحاك لنفسه:
بدلت من نفحات الورد بـالآء ومن صبوحك در الإبل والشاء حتى أتى على آخرها، وقال لي: ما قال أحد من المحدثين مثلها. فقلت: أنت تحوم حول أبي نواس في قوله:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء وهي أشعر من قصيدتك. فغضب وقال: ألي تقول هذا علي وعلي إن لم أكن نكت أبا نواس فقلت له: دع ذا عنك، فإنه كلام في الشعر لا قدح في نسب، لو نكت أبا نواس وأمه وأباه لم تكن أشعر منه. وأحب أن تقول لي: هل لك في قصيدتك بيت نادر غير قولك:
فضت خواتمها في نعت واصفها عن مثل رقراقة في عين مرهاء وهذه قصيدة أبي نواس يقول فيها:
دارت على فتية ذل الزمان لهم فما أصابهم إلا بـمـا شـاءوا
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسها حجر مستـه سـراء
فأرسلت من فم الإبريق صافية كأنما أخذها بالعقـل إغـفـاء والله ما قدرت على هذا ولا تقدر عليه، فقام وهو مغضب كالمقر بقولي.
تحاكم هو وأبو نواس إلى ابن مناذر فحكم له: حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال حدثني أحمد بن المعتصم قال: حج أبو نواس وحسين بن الضحاك فجمعهما الموسم، فتناشدا قصيدتيهما: قول أبي نواس:
دعك عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الـداء وقصيدة حسين:
بدلت من نفحات الورد بالآء فتنازعا أيهما أشعر في قصيدته، فقال أبو نواس: هذا ابن مناذر حاضر الموسم وهو بيني وبينك. فأنشده قصيدته حتى فرغ منها، فقال أبو مناذر: ما أحسب أن أحدا يجيء بمثل هذه وهم بتفضيله، فقال له الحسين: لا تعجل حتى تسمع، فقال: هات، فأنشده قوله:
بدلت من نفحات الورد بـالآء ومن صبوحك در الإبل والشاء حتى انتهى إلى قوله:
فضت خواتمها في نعت واصفها عن مثل رقراقة في عين مرهاء فقال له ابن مناذر: حسبك، قد استغنيت عن أن تزيد شيئا، والله لو لم تقل في دهرك كله غير هذا البيت لفضلتك به على سائر من وصف الخمر، قم فأنت أشعر وقصيدتك أفضل. فحكم له وقام أبو نواس منكسرا.
قال شعرا لكثير بن إسماعيل استرضى به المعتصم: أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد قال حدثني كثير بن إسماعيل التحتكار قال: لما قدم المعتصم بغداد، سأل عن ندماء صالح بن الرشيد وهو أبو الواسع وقنينة وحسين بن الضحاك وحاتم الريش وأنا، فأدخلنا عليه. فلشؤمي وشقائي كتبت بين عيني: سيدي هب لي شيئا. فلما رآني قال: ما هذا على جبينك? فقال حمدون بن إسماعيل: يا سيدي تطايب بأن كتب على جبينه: سيدي هب لي شيئا. فلم يستطب لي ذلك ولا استملحه، ودعا بأصحابي من غد ولم يدع بي. ففزعت إلى حسين بن الضحاك، فقال لي: إني لم أحلل من أنسه بعد بالمحل الموجب أن أشفع إليه فيك، ولكني أقول لك بيتين من الشعر وادفعهما إلى حمدون بن إسماعيل يوصلهما، فإن ذلك أبلغ. فقلت: أفعل. فقال حسين:
قل لدنيا أصبحت تلعب بي سلط الله عليك الآخـرة
إن أكن أبرد من قـنـينة ومن الريش فأمي فاجره قال: فأخذتهما وعرفت حمدون أنهما لي وسألته إيصالهما ففعل، فضحك المعتصم وأمر لي بألفي دينار واستحضرني وألحقني بأصحابي.
كان ابن بسخنر يكره الصبوح فقال فيه شعرا:
صفحة : 777
أخبرني عمي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال قال لي أحمد بن حمدون: كان محمد بن الحارث بن بسخنر لا يرى الصبوح ولا يؤثر على الغبوق شيئا، ويحتج بأن من خدم الخلفاء كان اصطحابه استخفافا بالخدمة، لأنه لا يأمن أن يدعى على غفلة والغبوق يؤمنه من ذلك، وكان المعتصم يحب الصبوح، فكان يلقب ابن بسخنر الغبوقي. فإذا حضر مجلس المعتصم مع المغنين منعه الصبوح وجمع له مثل ما يشرب نظراؤه، فإذا كان الغبوق سقاه إياه جملة غيظا عليه، فيضج من ذلك ويسأل أن يترك حتى يشرب مع الندماء إذا حضروا فيمنعه ذلك. فقال فيه حسين بن الضحاك وفي حاتم الريش الضراط وكان من المضحكين:
حب أبي جعفر لـلـغـبـوق كقبحك يا حاتـم مـقـبـلا
فلا ذاك يعذر فـي فـعـلـه وحقك في الناس أن تقـتـلا
وأشبه شيء بـمـا اخـتـاره ضراطك دون الخلا في الملا استعطف أبا أحمد بن الرشيد وكان قد غضب عليه: حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن علي بن حمزة قال: مزح أبو أحمد بن الرشيد مع حسين بن الضحاك مزاحا أغضبه، فجاوبه حسين جوابا غضب منه أبو أحمد أيضا. فمضى إليه حسين من غد فاعتذر إليه وتنصل وحلف، فأظهر له قبولا لعذره. ورأى ثقلا في طرفه وانقباضا عما كان يعهده منه، فقال في ذلك:
لا تعجبن لملة صـرفـت وجه الأمير فإنه بـشـر
وإذا نبا بك في سـريرتـه عقد الضمير نبا بك البصر حكى للنشار صحبته للأمين وإكرامه له: حدثني الصولي قال حدثني أبو أحمد بن النشار قال:
صفحة : 778
كان أبي صديقا للحسين بن الضحاك وكان يعاشره، فحملني معه يوما إليه، وجعل أبي يحادثه إلى أن قال له: يا أبا علي، قد تأخرت أرزاقك وانقطعت موادك ونفقتك كثيرة، فكيف يمشي أمرك? فقال له: بلى والله يا أخي، ما قوام أمري إلا ببقايا هبات الأمين محمد بن زبيدة وذخائره وهبات جارية له لم يسمها أغنتني للأبد لشيء ظريف جرى على غير تعمد، وذلك أن الأمين دعاني يوما فقال لي: يا حسين، إن جليس الرجل عشيره وثقته وموضع سره وأمنه، وإن جاريتي فلانة أحسن الناس وجها وغناء، وهي مني بمحل نفسي، وقد كدرت علي صفوها ونغصت علي النعمة فيها بعجبها بنفسها وتجنيها علي وإدلالها بما تعلم من حبي إياها. وإني محضرها ومحضر صاحبة لها ليست منها في شيء لتغني معها. فإذا غنت وأومأت لك إليها على أن أمرها أبين من أن يخفى عليك فلا تستحسن الغناء ولا تشرب عليه، وإذا غنت الأخرى فاشرب واطرب واستحسن واشقق ثيابك، وعلي مكان كل ثوب مائة ثوب. فقلت: السمع والطاعة. فجلس في حجرة الخلوة وأحضرني وسقاني وخلع علي، وغنت المحسنة وقد أخذ الشراب مني، فما تمالكت أن استحسنت وطربت وشربت، فأومأ إلي وقطب في وجهي. ثم غنت الأخرى فجعلت أتكلف ما أقوله وأفعله. ثم غنت المحسنة ثانية فأتت بما لم أسمع مثله قط حسنا، فما ملكت نفسي أن صحت وشربت وطربت، وهو ينظر إلي ويعض شفتيه غيظا، وقد زال عقلي فما أفكر فيه، حتى فعلت ذلك مرارا، وكلما ازداد شربي ذهب عقلي وزدت مما يكره، فغضب فأمضني وأمر بجر رجلي من بين يديه وصرفي فجررت وصرفت، فأمر بأن أحجب. وجاءني الناس يتوجعون لي ويسألوني عن قصتي فأقول لهم: حمل علي النبيذ فأسأت أدبي، فقومني أمير المؤمنين بصرفي وعاقبني بمنعي من الوصول إليه. ومضى لما أنا في شهر، ثم جاءتني البشارة أنه قد رضي عني، وأمر بإحضاري فحضرت وأنا خائف. فلما وصلت أعطاني الأمين يده فقبلتها، وضحك إلي وقام وقال: اتبعني، ودخل إلى تلك الحجرة بعينها ولم يحضر غيري. وغنت المحسنة التي نالني من أجلها ما نالني فسكت فقال لي: قل ما شئت ولا تخف، فشربت واستحسنت. ثم قال لي: يا حسين، لقد خار الله لك بخلافي وجرى القدر بما تحب فيه. إن هذه الجارية عادت إلى الحال التي أريد منها ورضيت كل أفعالها، فأذكرتني بك وسألتني الرضا عنك والاختصاص لك، وقد فعلت ووصلتك بعشرة آلاف دينار، ووصلتك هي بدون ذلك. والله لو كنت فعلت ما قلت لك حتى تعود إلى مثل هذه الحال ثم تحقد ذلك عليك فتسألني ألا تصل إلي لأجبتها. فدعوت له وشكرته وحمدت الله على توفيقه، وزدت في الاستحسان والسرور إلى أن سكرت وانصرفت وقد حمل معي المال. فما كان يمضي أسبوع إلا وصلاتها وألطافها تصل إلي من الجوهر والثياب والمال بغير علم الأمين، وما جالسته مجلسا بعد ذلك إلا سألته أن يصلني. فكل شيء أنفقته بعده إلى هذه الغاية فمن فضل مالها وما ذخرت من صلاتها. قال ابن النشار: فقال له أبي: ما سمعت بأحسن من هذا الحديث ولا أعجب مما وفقه الله لك فيه.
هنأ الأمين بظفر جيشه بطاهر بن الحسين: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبي قال: دخل حسين بن الضحاك على محمد الأمين بعقب رقعة أوقعها أهل بغداد بأصحاب طاهر فهزموهم وفضحوهم، فهنأه بالظفر ثم استأذنه في الإنشاد، فأذن له فأنشده:
أمين الله ثق بـالـل ه تعط العز والنصره
كل الأمر إلى الـلـه كلاك الله ذو القدره
لنا النصر بإذن الـل ه والكرة لا الفـره
وللـمـراق أعـدائ ك يوم السوء والدبره
وكأس تورد المـوت كريه طعمها مـره
سقونا وسقـينـاهـم فكانت بهم الـحـره
كذاك الحرب أحيانـا علينا ولـنـا مـره فأمر له بعشرة آلاف درهم، ولم يزل يتبسم وهو ينشده.
عابثه الأمين وركب ظهره: حدثني الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال:
صفحة : 779
قال لي الحسين بن الضحاك: شربنا يوما مع الأمين في بستان، فسقانا على الريق، وجد بنا في الشرب، وتحرز من أن نذوق شيئا. فاشتد الأمر علي، وقمت لأبول، فأعطيت خادما من الخدم ألف درهم على أن يجعل لي تحت شجرة أومأت إليها رقاقة فيها لحم، فأخذ الألف وفعل ذلك. ووثب محمد فقال: من يكون منك حماري? فكل واحد منهم قال له: أنا، لأنه كان يركب الواحد منا عبثا ثم يصله، ثم قال: يا حسين، أنت أضلع القوم. فركبني وجعل يطوف وأنا أعدل به عن الشجرة وهو يمر بي إليها حتى صار تحتها، فرأى الرقاقة فتطأطأ فأخذها فأكلها على ظهري، وقال: هذه جعلت لبعضكم، ثم رجع إلى مجلسه وما وصلني بشيء. فقلت لأصحابي: أنا أشقى الناس، ركب ظهري وذهب ألف درهم مني وفاتني ما يمسك رمقي ولم يصلني كعادتي، ما أنا إلا كما قال الشاعر:
ومطعم الصيد يوم الصيد مطعمه أنى توجه والمحروم محـروم أحب جارية لأم جعفر ووسط عاصما الغساني في استيهابها فأبت فقال شعرا: حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي المبرد قال: كان حسين بن الضحاك الأشقر، وهو الخليع، يهوى جارية لأم جعفر، وكانت من أجمل الجواري، وكان لها صدغان معقربان، وكانت تخرج إليه إذا جاء فتقول له: ما قلت فينا? أنشدنا منه شيئا، فيخرج إليها الصحيفة، فتقول له: اقرأ معي، فيقرأ معها حتى تحفظه ثم تدخل وتأخذ الصحيفة. فشكا ذلك إلى عاصم الغساني الذي كان يمدحه سلم الخاسر وكان مكينا عند أم جعفر، وسأله أن يستوهبها له فاستوهبها، فأبت عليه أم جعفر، فوجه إلى الخليع بألف دينار وقال: خذ هذا الألف، فقد جهدت الجهد كله فيها فلم تمكني حيلة. فقال الحسين في ذلك:
رمتك غداة السبت شمس من الخلـد بسهم الهوى عمدا وموتك في العمـد
مؤزرة السربال مهضومة الحـشـا غلامية التقطيع شـاطـرة الـقـد
محنأة الأطـراف رؤد شـبـابـهـا معقربة الصدغين كـاذبة الـوعـد
أقول ونفسـي بـين شـوق وزفـرة وقد شخصت عيني ودمعي على الخد
أجيزي علي من قد تـركـت فـؤاده بلحظته بين التـأسـف والـجـهـد
فقالت عذاب بالهوى مع قـربـكـم وموت إذا أقرحت قلبك بالـبـعـد
لقد فطنت للجور فـطـنة عـاصـم لصنع الأيادي الغر في طلب الحمـد
سأشكوك في الأشعار غير مقـصـر إلى عاصم ذي المكرمات وذي المجد
لعل فتى غسـان يجـمـع بـينـنـا فيأمن قلبي منـكـم روعة الـصـد أقطع المعتصم الناس دورا دونه فقال شعرا: حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن مخارق قال: أقطع المعتصم الناس الدور بسر من رأى وأعطاهم النفقات لبنائها، ولم يقطع الحسين بن الضحاك شيئا.
فدخل عليه فأنشده قوله:
يا أمين الـلـه لا خـطة لـي ولقد أفردت صحبي بخطـط
أنا في دهياء من مـظـلـمة تحمل الشيخ على كل غـلـط
صعبة المسلك يرتـاع لـهـا كل من أصعد فيها وهـبـط
بوني منك كـمـا بـوأتـهـم عرصة تبسط طرفي ما انبسط
أبتني فيها لنفسـي مـوطـنـا ولعقبي فرطا بـعـد فـرط
لم يزل منك قريبا مسـكـنـي فأعد لي عادة القرب فـقـط
كل من قربتـه مـغـتـبـط ولمن أبعدت خزي وسـخـط قال: فأقطعه دارا وأعطاه ألف دينار لنفقته عليها.
حاز شعرا لأبي العتاهية: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال أخبرني عمي الفضل عن الحسين بن الضحاك قال: كنت أمشي مع أبي العتاهية، فمررت بمقبرة وفيها باكية تبكي بصوت شج على ابن لها. فقال أبو العتاهية:
أما تنفك باكـية بـعـين غزير دمعها كمد حشاها أجز يا حسين، فقلت:
تنادي حفرة أعيت جـوابـا فقد ولهت وصم بها صداها نصحه أبو العتاهية بألا يرثي الأمين فأطاعه: حدثني الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى قال حدثني الحسين بن الضحاك قال:
صفحة : 780
كنت عازما على أن أرثي الأمين بلساني كله وأشفي لوعتي. فلقيني أبو العتاهية فقال لي: يا حسين، أنا إليك مائل ولك محب، وقد علمت مكانك من الأمين، وإنه لحقيق بأن ترثيه، إلا أنك قد أطلقت لسانك من التلهف عليه والتوجع له بما صار هجاء لغيره وثلبا له وتحريضا عليه، وهذا المأمون منصب إلى العراق قد أقبل عليك، فأبق على نفسك، يا ويحك أتجسر على أن تقول:
تركوا حريم أبيهـم نـفـلا والمحصنات صوارخ هتف
هيهات بعدك أن يدون لهـم عز وأن يبقى لهم شـرف أكفف غرب لسانك واطو ما انتشر عنك وتلاف ما فرط منك. فعلمت أنه قد نصحني فجزيته الخير، وقطعت القول فنجوت برأيه وما كدت أن أنجو.
أعرض عنه فتى جميل فقال فيه شعرا: حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني أبو العيناء قال: وقف علينا حسين بن الضحاك ومعنا فتى جالس من أولاد الموالي جميل الوجه، فحادثنا طويلا وجعل يقبل على الفتى بحديثه والفتى معرض عنه حتى طال ذلك، ثم أقبل عليه الحسين فقال:
تتيه علينا أن رزقـت مـلاحة فمهلا علينا بعض تيهك يا بدر
لقد طالما كنا ملاحا وربـمـا صددنا وتهنا ثم غيرها الدهر وقام فانصرف.
عربد في مجلس الأمين فغضب عليه ثم استرضاه بشعر فرضي عنه: أخبرني الحسن بن القاسم الكوفي قال حدثني ابن عجلان قال: غنى بعض المغنين في مجلس محمد المخلوع بشعر حسين بن الضحاك، وهو: صوت
ألست ترى ديمة تهطل وهذا صباحك مستقبل
وهذي العقار وقد راعنا بطلعته الشادن الأكحل
فعاد به وبنا سـكـرة تهون مكروه ما نسأل
فإني رأيت له نظـرة تخبرنا أنـه يفـعـل قال: فأمر بإحضار حسين فأحضر، وقد كان محمد شرب أرطالا. فلما مثل بين يديه أمر فسقي ثلاثة أرطال، فلم يستوفها الحسين حتى غلبه السكر وقذف، فأمر بحمله إلى منزله فحمل. فلما أفاق كتب إليه:
إذا كنت في عصـبة من المعشر الأخـيب
ولم يك في مسـعـد نديم سوى جـعـدب
فأشرب مـن رمـلة وأسهر من قطـرب
ولما حباني الـزمـا ن من حيث لم أحسب
ونادمت بدر السـمـا ء في فلك الكوكـب
أبت لي غضوضيتـي ولؤم من المنصـب
فأسكرني مسـرعـا قوي من المشـرب
كذا النذل ينـبـوبـه منادمة المـنـجـب قال: فرده إلى منادمته وأحسن جائزته وصلته.
شعره في غلام أبي أحمد بن الرشيد: أخبرني الكوكبي قال حدثني علي بن محمد بن نصر عن خالد بن حمدون: أن الحسين بن الضحاك أنشده وقد عاتبه خادم من خدام أبي أحمد بن الرشيد كان حسين يتعشقه ولامه في أن قال فيه شعرا وغنى فيه عمرو بن بانة، فقال حسين فيه: صوت
فديت من قال لي على خفـره وغض جفنا له علـى حـوره
سمع بي شعرك المليح فـمـا ينفك شاد بـه عـلـى وتـره
فقلت يا مستعـير سـالـفة ال خشف وحسن الفتور من نظره
لا تنكرن الحنين مـن طـرب عاود فيك الصبا على كـبـره وغنى فيه عمرو بن بانة هزجا مطلقا.
كتب شعرا على قبر أبي نواس: أخبرني الكوكبي قال حدثني أبو سهل بن نوبخت عن عمرو بن بانة قال: لما مات أبو نواس كتب حسين بن الضحاك على قبره:
كابرنيك الزمان يا حـسـن فخاف سهمي وأفلح الزمن
ليتك إذ لم تكن بقيت لـنـا لم تبق روح يحوطها بدن هجا جراحا مخنثا اسمه نصير: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبي قال: كان في جوار الحسين بن الضحاك طبيب يداوي الجراحات يقال له نصير، وكان مخنثا، فإذا كانت وليمة دخل مع المخنثين، وإذا لم تكن عالج الجراحات. فقال فيه الحسين بن الضحاك:
نصير ليس لمرد من شأنه نصير طب بالنـكـاريش
يقول للنكريش في خلـوة مقال ذي لطف وتجميش
هل لك أن نلعب في فرشنا تقلب الطير المراعـيش
صفحة : 781
يعني المبادلة. فكان نصير بعد ذلك يصيح به الصبيان: يا نصير نلعب تقلب الطير المراعيش فيشتمهم ويرميهم بالحجارة.
عبث ابن مناذر بشعر له فشتمه: حدثني جعفر قال حدثني علي بن يحيى عن حسين بن الضحاك قال: أنشدت ابن مناذر قصيدتي التي أقول فيها:
لفقدك ريحانة العسكر وكانت من أول ما قلته من الشعر، فأخذ رداءه ورمى به إلى السقف وتلقاه برجله وجعل يردد هذا البيت. فقلنا لحسين: أتراه فعل ذلك استحسانا لما قلت? فقال لا، فقلنا، فإنما فعله طنزا بك، فشتمه وشتمنا. وكنا بعد ذلك نسأله إعادة هذا البيت فيرمي بالحجارة ويجدد شتم ابن مناذر بأقبح ما يقدر عليه.
وقف ببابه سلولي وغنوي ينتظران محاربيا فقيل اجتمع اللؤم: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن المهرويه قال حدثني أحمد بن أبي كامل قال: مررت بباب حسين بن الضحاك، وإذا أبو يزيد السلولي وأبو حزرة الغنوي وهما ينتظران المحاربي وقد استؤذن لهم على ابن الضحاك، فقلت لهما: لم لا تدخلان? فقال أبو يزيد: ننتظر اللؤم أن يجتمع، فليس في الدنيا أعجب مما اجتمع منا، الغنوي والسلولي ينتظران المحاربي ليدخلوا على باهلي.
كتب أبياتا عن الواثق يدعو الفتح بن خاقان للصبوح: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني حسين بن الضحاك قال: كان الواثق يميل إلى الفتح بن خاقان ويأنس به وهو يومئذ غلام، وكان الفتح ذكيا جيد الطبع والفطنة. فقال له المعتصم يوما وقد دخل على أبيه خاقان عرطوج: يا فتح أيما أحسن: داري أو دار أبيك? فقال له وهو غير متوقف وهو صبي له سبع سنين أو نحوها: دار أبي إذا كنت فيها، فعجب منه وتبناه. وكان الواثق له بهذه المنزلة، وزاد المتوكل عليهما. فاعتل الفتح في أيام الواثق علة صعبة ثم أفاق وعوفي، فعزم الواثق على الصبوح، فقال لي: يا حسين، اكتب بأبيات عني إلى الفتح تدعوه إلى الصبوح، فكتبت إليه:
لما اصطبحت وعين اللهو ترمقني قد لاح لي باكرا في ثوب بذلتـه
ناديت فتحا وبشرت الـمـدام بـه لما تخلص من مكروه عـلـتـه
ذب الفتى عن حريم الراح مكرمة إذا رآه امرؤ ضدا لنـحـلـتـه
فاعجل إلينا وعجل بالسرور لنـا وخالس الدهر في أوقات غفلتـه فلما قرأها الفتح صار إليه فاصطبح معه.
شعره في غلام عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع: أخبرني عمي قال حدثني يعقوب بن نعيم وعبد الله بن أبي سعد قالا حدثنا محمد بن محمد الأنباري قال حدثني حسين بن الضحاك قال: كنت عند عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع وهو مصطبح وخادم له يسقيه، فقال لي: يا أبا علي، قد استحسنت سقي هذا الخادم، فإن حضرك شيء في قصتنا هذه فقل، فقلت:
أحيت صبوحي فكاهة اللاهي وطاب يومي بقرب أشباهي
فاستثر اللهو من مكـامـنـه من قبل يوم منغص ناهـي
بابنة كرم من كف منتـطـق مؤتزر بالـمـجـون تـياه
يسقيك من طرفه ومـن يده سقي لطيف مجرب داهـي
كأسا فكأسا كأن شـاربـهـا حيران بين الذكور والساهي قال: فاستحسنه عبد الله وغنى فيه لحنا مليحا وشربنا عليه بقية يومنا.
وعده يسر بالسكر معه قبل رمضان ولم يف فقال فيه شعرا: أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض عن أبيه قال: اتفق حسين بن الضحاك ويسر مرة عند بعض إخوانهما وشربا وذلك في العشر الأواخر من شعبان. فقال حسين ليسر: يا سيدي، قد هجم الصوم علينا، فتفضل بمجلس نجتمع فيه قبل هجومه فوعده بذلك، فقال له: قد سكرت وأخشى أن يبدو لك، فحلف له يسر أنه يفي. فلما كان من الغد كتب إليه حسين وسأله الوفاء، فجحد الوعد وأنكره. فكتب إليه يقول:
تجاسرت على الغـدر كعاداتك في الهجـر
فأخلفت وما استخلـف ت من إخوانك الزهر
لئن خست لـمـا ذل ك من فعلك بالنكـر
وما أقنعنـي فـعـل ك يا مختلق العـذر
بنفسي أنت إن سـؤت فلا بد من الصـبـر
وإن جرعني الـغـيظ وإن خشن بالصـدر
صفحة : 782
ولولا فرقـي مـنـك لسميتك في الشـعـر
وعنـفـتـك لا آلـو وإن جزت مدى العذر
أما تخرج مـن إخـلا ف ميعادك في العشر
غدا يفطمنا الـصـوم عن الراح إلى الفطر قال: فسألت الحسين بن الضحاك عما أثر له هذا الشعر وما كان الجواب، فقال: كان أحسن جواب وأجمل فعل، كان اجتماعنا قبل الصوم في بستان لمولاه، وتممنا سرورنا وقضينا أوطارنا إلى الليل، وقلت في ذلك:
سقى الله بطن الدير من مستوى السفح إلى ملتقى النهرين فالأثل فالطـلـح
ملاعب قدن القلب قسرا إلى الهـوى ويسرن ما أملت من درك النـجـح
أتنسى فلا أنسى عتـابـك بـينـهـا حبيبك حتى انقاد عفوا إلى الصلـح
سمحت لمن أهوى بصفو مـودتـي ولكن من أهواه صيغ على الـشـح شعره في يسر وفي أيام مضت له معه بالبصرة: قال علي بن العباس: وأنشدني سوادة بن الفيض عن أبيه لحسين بن الضحاك يصف أياما مضت له بالبصرة ويومه بالقفص ومجيء يسر إليه، وكان يسر سأله أن يقول في ذلك شعرا:
تيسري لـلـمـام مـن أمـم ولا تراعي حمامة الـحـرم
قد غاب لا آب من يراقبـنـا ونام لا قام سامـر الـخـدم
فاستصحبي مسعدا يفاوضـنـا إذا خلونا في كل مكـتـتـم
تبذلي بدلة تـقـر بـهـا ال عين ولا تحصري وتحتشمي
ليت نجوم السـمـاء راكـدة على دجى ليلنا فـلـم تـرم
ما لسروري بالشك ممتزجـا حتى كأني أراه فـي حـلـم
فرحت حتى استخفني فرحـي وشبت عين اليقين بالـتـهـم
أمسح عيني مستثبتا نـظـري أخالنـي نـائمـا ولـم أنـم
سقيا للـيل أفـنـيت مـدتـه ببارد الريق طيب الـنـسـم
أبـيض مـرتـجة روادفـه ما عيب من قرنه إلى القـدم
إذ قصبات العريش تجمعـنـا حتى تجلت أواخر الـظـلـم
ولـيلة بـتـهـا مـحـسـدة محفوفة بالظنون والـتـهـم
أبث عبراته على غـصـص يرد أنفاسه إلـى الـكـظـم
سقيا لقيطونها ومخـدعـهـا كم من لمام به ومـن لـمـم
لا أكفر السلـيحـين أزمـنة مطيعة بالنعـيم والـنـعـم
وليلة القفص إذا سألت بـهـا كانت شفاء لعـلة الـسـقـم
بات أنيسي صريع خمـرتـه وتلك إحدى مصارع الكـرم
وبت عن موعد سبـقـت بـه ألثم درا مـفـلـجـا بـفـم
وابأبي مـن بـدا بـروعة لا وعاد من بعدها إلـى نـعـم
أباحني نفـسـه ووسـدنـي يمنى يديه وبات ملتـزمـي
حتى إذا اهتاجت النوافس في سحرة أحوى أحم كالحـمـم
وقلت هبا يا صاحبـي ونـب هت أبانا فهـب كـالـزلـم
فاستنها كالشهاب ضـاحـكة عن بارق في الإناء مبتـسـم
صفـراء زيتـية مـوشـحة بأرجوان مـلـمـع ضـرم
أخذت ريحـانة أراح لـهـا دب سروري بها دبيب دمـي
فراجع العذر إن بدا لك في ال عذر وإن عدت لائما فـلـم حجب يسرا سيده فقال شعرا في ذلك: أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض المخزومي قال حدثني المعتمر بن الوليد المخزومي قال: قال لي الحسين بن الضحاك وهو على شراب له: ويحكم أحدثكم عن يسر بأعجوبة? قلنا: هات. قال: بلغ مولاه أنه جر له مع أخيه سبب، فحجبه كما تحجب النساء، وأمر بالحجر عليه، وأمره ألا يخرج عن داره إلا ومعه حافظ له موكل به. فقلت في ذلك:
ظن من لا كان ظنا بحبيبي فحـمـاه
أرصد الباب رقيبي ن له فاكتنـفـاه
فإذا ما اشتاق قربي ولقائي مـنـعـاه
جعل الله رقـيبـي ه من السوء فـداه
صفحة : 783
والذي أقرح في الشا دن قلبـي ولـواه
كل مشـتـاق إلـيه فمن السـوء فـداه
سيما من حالت الأح راس من دون مناه سأل أبا نواس أن يصلح بينه وبين يسر ففعل: أخبرني علي بن العباس قال حدثنا أحمد بن العباس الكاتب قال حدثنا عبد الله بن زكريا الضرير قال: قال أبو نواس: قال لي حسين بن الضحاك يوما: يا أبا علي، أما ترى غضب يسر علي فقلت له: وما كان سبب ذلك? قال: حال أردتها منه فمنعنيها فغضبت، فأسألك أن تصلح بيني وبينه. فقلت: وما تحب أن أبلغه عنك? قال: تقول له:
بحرمة السكر وما كانـا عزمت أن تقتل إنسانـا
أخاف أن تهجرني صاحيا بعد سروري بك سكرانا
إن بقلبي روعة كلـمـا أضمر لي قلبك هجرانا
يا ليت ظني أبدا كـاذب فإنه يصـدق أحـيانـا قال: فقلت له: ويحك أتجتنبه وتريد أن تترضاه وترسل إليه بمثل هذه الرسالة فقال لي: أنا أعرف به، وهو كثير التبذل ، فأبلغه ما سألتك، فأبلغته فرضي عنه وأصلحت بينهما.
حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى قال: جاءني يوما حسين بن الضحاك، فقلت له: أي شيء كان خبرك أمس? فقال لي: اسمعه شعرا ولا أزيدك على ذلك وهو أحسن، فقلت: هات يا سيدي، فقال:
زائرة زارت على غفـلة يا حبذا الزورة والـزائره
فلم أزل أخدعها ليلـتـي خديعة الساحر للساحـره
حتى إذا ما أذعنت بالرضا وأنعمت دارت بها الدائره
بت إلى الصبح بها ساهرا وباتت الجوزاء بي ساهره
أفعل ما شئت بها ليلـتـي وملء عيني نعمة ظاهره
فلم ننم إلا علـى تـسـعة من غلمة بي وبها ثـائره
سقيا لها لا لأخي شعـرة شعرته كالشعرة الوافـره
وبين رجلـيه لـه حـربة مشهورة في حقوه شاهره
وفي غد يتبعهـا لـحـية تلحقه بالكرة الخـاسـره قال فقلت له: زنيت يعلم الله إن كنت صادقا. فقال: قل أنت ما شئت.
أغرى الواثق بالصبوح: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا أبو العيناء قال: دخل حسين بن الضحاك على الواثق في خلافة المعتصم في يوم طيب، فحثه على الصبوح فلم ينشط له. فقال: اسمع ما قلت، قال: هات، فأنشده:
استثر اللهو من مكـامـنـه من قبل يوم منغص ناهـي
بابنة كرم من كف منتطـق مؤتزر بالـمـجـون تـياه
يسقيك من لحظه ومـن يده سقى لطيف مجرب داهي
كأسا فكأسا كأن شاربـهـا حيران بين الذكور والساهي قال: فنشط الواثق وقال: إن فرصة العيش لحقيقة أن تنتهز، واصطبح ووصل الحسين.
شعره في جارية: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو الشبل عاصم بن وهب البرجمي قال: حج الحسين بن الضحاك، فمر في منصرفه على موضع يعرف بالقريتين ، فإذا جارية تطلع في ثيابها وتنظر في حرها ثم تضربه بيدها وتقول: ما أضيعني وأضيعك فأنشأ يقول:
مررت بالقريتين مـنـصـرفـا من حيث يقضي ذوو النهى النسكا
إذا فـتـاة كـأنـهـا قـمــر للتم لمـا تـوسـط الـفـلـكـا
واضعة كفهـا عـلـى حـرهـا تقول يا ضيعتي وضـيعـتـكـا قال: فلما سمعت قوله ضحكت وغطت وجهها وقالت: وافضيحتاه أو قد سمعت ما قلت.
شعره في شفيع خادم المتوكل: حدثني محمد الصولي قال حدثني ميمون بن هارون قال: كان الحسين بن الضحاك صديقا لأبي، وكنت ألقاه معي كثيرا، وكانت نفسه قد تتبعت شفيعا بعد انصرافه من مجلس المتوكل، فأنشدنا لنفسه فيه:
وأبيض في حمر الثياب كأنـه إذا ما بدا نسرينة في شقـائق
سقاني بكفيه رحيقا وسامـنـي فسوقا بعينيه ولست بفـاسـق
وأقسم لولا خشية اللـه وحـده ومن لا أسمي كنت أول عاشق
وإني لمعذور على وجـنـاتـه وإن وسمتني شيبة في المفارق
صفحة : 784
ولا عشق لي أو يحدث الدهر شرة تعود بعادات الشباب المـفـارق
ولو كنت شكلا للصبا لاتبـعـتـه ولكن سني بالصـبـا غـير لائق توفي ابنه محمد فطلب من المتوكل أن يجري أرزاقه على زوجته وأولاده: حدثني الصولي قال حدثنا ميمون بن هارون قال: كان للحسين بن الضحاك ابن يسمى محمدا، له أرزاق، فمات فقطعت أرزاقه. فقال يخاطب المتوكل ويسأله أن يجعل أرزاق ابنه المتوفى لزوجته وأولاده:
إني أتيتـك شـافـعـا بولي عهد المسلمـينـا
وشبيهك المـعـتـز أو جه شافع في العالمينـا
يا بن الخلائق الأولـي ن ويا أبا المتأخـرينـا
إن ابن عبدك مـات وا لأيام تخترم القـرينـا
ومضى وخلف صبـية بعراصه متـلـددينـا
ومهيرة عبـرى خـلا ف أقارب مستعبرينـا
أصبحن في ريب الحوا دث يحسنون بك الظنونا
قطـع الـولاة جـراية كانوا بها مستمسكـينـا
فامنن برد جمـيع مـا قطعوه غير مراقبينـا
أعطاك أفضل مـا تـؤ مل أفضل المتفضلينـا قال: فأمر المتوكل له بما سأل. فقال يشكره:
يا خير مستخلف من آل عباس اسلم وليس على الأيام من باس
أحييت من أملي نضوا تعاوره تعاقب اليأس حتى مات بالياس هجا مغنية فهربت وانقطع خبرها: أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال: كنا في مجلس ومعنا حسين بن الضحاك ونحن على نبيذ، فعبث بالمغنية وجمشها ، فصاحت عليه واستخفت به. فأنشأ يقول:
لها في وجهها عكن وثلثا وجههـا ذقـن
وأسنـان كـريش ال بط بين أصولها عفن قال: فضحكنا، وبكت المغنية حتى قلت قد عميت، وما انتفعنا بها بقية يومنا. وشاع هذان البيتان فكسدت من أجلهما. وكانت إذا حضرت في موضع أنشدوا البيتين فتجن. ثم هربت من سر من رأى، فما عرفنا لها بعد ذلك خبرا.
قال جعفر وحدثنا أبو العيناء أنه حضر هذا المجلس، وحكى مثل ما حكاه محمد.
حديثه عن سنه: حدثني عمي قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال: سألت حسين بن الضحاك ونحن في مجلس المتوكل عن سنة، فاقل: لست أحفظ السنة التي ولدت فيها بعينها، ولكني أذكر وأنا بالبصرة موت شعبة بن الحجاج سنة ستين ومائة.
وشى به جماعة إلى المتوكل فاسترضاه بشعر فأجازه: حدثني الصولي قال حدثني علي بن محمد بن نصر قال حدثني خالي يعني أحمد بن حمدون قال: أمر المتوكل أن ينادمه حسين بن الضحاك ويلازمه، فلم يطق ذلك لكبر سنه. فقال للمتوكل بعض من حضر عنده: هو يطيق الذهاب إلى القرى والمواخير والسكر فيها ويعجز عن خدمتك فبلغه ذلك، فدفع إلي أبياتا قالها وسألني إيصالها، فأوصلتها إلى المتوكل، وهي:
أمـا فـي ثـمـانـين وفـيتـهـا عذير وإن أنـا لـم أعـتـــذر
فكيف وقـد جـزتـهـا صـاعـدا مع الصاعـدين بـتـسـع أخـر
وقـد رفـع الـلـه أقـلامـــه عن ابن ثمـانـين دون الـبـشـر
سوى من أصـر عـلـى فـتـنة وألـحـد فـي دينـه أو كـفـر
وإنـي لـمــن أســـراء الإل ه في الأرض نصب صروف القدر
فإن يقض لي عـمـلا صـالـحـا أثـاب وإن يقـض شـرا غـفـر
فلا تـلـح فـي كـبـر هـدنـي فلا ذنب لي أن بلغـت الـكـبـر
هو الشيب حل بعقـب الـشـبـاب فأعقـبـنـي خـورا مـن أشـر
وقـد بـسـط الـلـه لـي عـذره فمـن ذا يلـوم إذا مـا عـــذر
وإنـي لـفـي كـنـف مـغـدق وعز بنصر أبي الـمـنـتـصـر
يباري الرياح بفـضـل الـسـمـا ح حتى تـبـلـد أو تـنـحـسـر
له أكـد الـوحـي مــيراثـــه ومن ذا يخالـف وحـي الـسـور
ومـا لـلـحـسـود وأشـياعــه ومن كذب الحـق إلا الـحـجـر قال ابن حمدون: فلما أوصلتها شيعتها بكلامي أعذره، وقلت: لو أطاق خدمة أمير المؤمنين لكان أسعد بها. فقال المتوكل: صدقت، خذ له عشرين ألف درهم واحملها إليه، فأخذتها فحملتها إليه.
ضربه الخلفاء من الرشيد إلى الواثق:
صفحة : 785
حدثني عمي قال حدثني علي بن محمد بن نصر قال حدثني خالي عن حسين بن الضحاك قال: ضربني الرشيد في خلافته لصحبتي ولده، ثم ضربني الأمين لممايلة ابنه عبد الله، ثم ضربني المأمون لميلي إلى محمد ، ثم ضربني المعتصم لمودة كانت بيني وبين العباس بن المأمون، ثم ضربني الواثق لشيء بلغه من ذهابي إلى المتوكل، وكل ذلك يجري مجرى الولع بي والتحذير لي. ثم أحضرني المتوكل وأمر شفيعا بالولع بي، فتغاضب المتوكل علي. فقلت له: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد أن تضربني كما ضربني آباؤك، فاعلم أن آخر ضرب ضربته بسببك. فضحك وقال: بل أحسن إليك يا حسين وأصونك وأكرمك.
وصف حاله في أواخر أيامه بشعر: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثني محمد بن مروان الأبزاري قال: دخلت على حسين بن الضحاك، فقلت له: كيف أنت? جعلني الله فداءك فبكى ثم أنشأ يقول:
أصبحت من أسراء الله محتبـسـا في الأرض نحو قضاء الله والقدر
إن الثمانين إذ وفـيت عـدتـهـا لم تبق باقية مـنـي ولـم تـذر
أخبار أبي زكار الأعمى
مغن بغدادي قديم انقطع لآل برمك: قال أبو الفرج: أبو زكار هذا رجل من أهل بغداد من قدماء المغنين، وكان منقطعا إلى آل برمك، وكانوا يؤثرونه ويفضلون عليه إفضالا.
قتل جعفر البرمكي وهو يغنيه: فحدثني محمد بن جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: سمعت مسرورا يحدث أبي قال: لما أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى، دخلت عليه وعنده أبو زكار الأعمى وهو يغنيه بصوت لم أسمع بمثله:
فلا تبعد فكل فتى سـيأتـي عليه الموت يطرق أو يغادي
وكـل ذخـيرة لا بـد يومـا وإن بقيت تصير إلى نـفـاد
ولو يفدى من الحدثان شـيء فديتك بالطريف وبالـتـلاد طلب أن يقتل مع جعفر فأمر الرشيد بالإحسان إليه: فقلت له: في هذا والله أتيتك فأخذت بيده فأقمته وأمرت بضرب عنقه. فقال لي أبو زكار: نشدتك الله إلا ألحقتني به. فقلت: وما رغبتك في ذلك? قال: إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده. فقلت: أستأمر أمير المؤمنين في ذلك. فلما أتيت الرشيد برأس جعفر أخبرته بقصة أبي زكار، فقال لي: هذا رجل فيه مصطنع، فاضممه إليك وانظر ما كان يجريه عليه فأتممه له.
قال إسحاق الموصلي عن صوت له: هو معرق في العمى: حدثني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق قال: غنى علويه يوما بحضرة أبي، فقال أبي: مه هذا الصوت معرق في العمى. الشعر لبشار الأعمى، والغناء لأبي زكار الأعمى، وأول الصوت عميت أمري.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
ما جرت خطرة على القلب مني فيك إلا استترت عن أصحابـي
من دموع تجري، فإن كنت وحدي خاليا أسعدت دموعي انتحـابـي
إن حبي إياك قد سل جـسـمـي ورماني بالشيب قبل الشـبـاب
لو منحت اللقا شفى بـك صـبـا هائم القلب قد ثوى في التـراب الشعر في الأبيات للسيد الحميري. والغناء لمحمد نعجة الكوفي، مغن غير مشهور ولا ممن خدم الخلفاء وليس له خبر. ولحنه المختار ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر. وذكر حبش أن لمحمد نعجة فيه أيضا خفيف رمل بالبنصر.
أخبار السيد الحميري
نسبه: السيد لقبه. واسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. ويكنى أبا هاشم. وأمه امرأة من الأزد ثم من بني الحدان. وجده يزيد بن ربيعة، شاعر مشهور، وهو الذي هجا زيادا وبنيه ونفاهم عن آل حرب، وحبسه عبيد الله بن زياد لذلك وعذبه، ثم أطلقه معاوية. وخبره في هذا طويل يذكر في موضعه مع سائر أخباره، إذ كان الغرض ها هنا ذكر أخبار السيد.
ووجدت في بعض الكتب عن إسحاق بن محمد النخعي قال: سمعت ابن عائشة والقحذمي يقولان: هو يزيد بن مفرغ، ومن قال: إنه يزيد بن معاوية فقد أخطأ. ومفرغ لقب ربيعة، لأنه راهن أن يشرب عسا من لبن فشربه حتى فرغه، فلقب مفرغا. وكان شعابا بسيالة، ثم صار إلى البصرة.
شاعر متقدم مطبوع، وترك شعره لذمة الصحابة:
صفحة : 786
وكان شاعرا متقدما مطبوعا. يقال: أن أكثر الناس شعرا في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشار، وأبو العتاهية، والسيد، فإنه لا يعلم أن أحد قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع.
وإنما مات ذكره وهجر الناس شعره لما كان يفرط فيه من سب أصحاب رسول الله عليه وسلم وأزواجه في شعر ويستعمله من قذفهم والطعن عليهم، فتحومي شعره من هذا الجنس وغيره لذلك، وهجر الناس تخوفا وترقبا وله طراز من الشعر ومذهب قلما يلحق فيه أو يقاربه. ولا يعرف له من الشعر كثير. وليس يخلو من مدح بني هاشم أو ذم غيرهم ممن هو عنده ضد لهم. ولولا أن أخباره كلها تجري هذا المجرى ولا تخرج عنه لوجب ألا نذكر منها شيئا؛ ولكنا شرطنا أن نأتي بأخبار من نذكره من الشعراء؛ فلم نجد بدا من ذكر أسلم ما وجدناه له وأخلاها من سيئ اختاره على قلة ذلك.
كان أبوه إباضيين ولما تشيع هما بقتله: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن إسماعيل بن الساحر راوية السيد، قال ابن عمار وحدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه: أن أبوى السيد كانا إباضيين ، وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبة، وكان السيد يقول: طالما سب أمير المؤمنين في هذه الغرفة. فإذا سئل عن التشيع من أين وقع له، قال: غاصت علي الرحمة غوصا.
وروي عن السيد أن أبويه لما علما بمذهبه هما بقتله، فأتى عقبة بن سلم الهنائي فأخبره بذلك، فأجاره وبوأه منزلا وهبه له، فكان فيه حتى ماتا فورثهما.
قال راويته: إنه على مذهب الكيسانية: وقد أخبرني الحسن بن علي البري عن محمد بن عامر عن القاسم بن الربيع عن أبي داود سليمان بن سفيان المعروف بالحنزق راوية السيد الحميري قال: ما مضى والله على مذهب الكيسانية . وهذه القصائد التي يقولها الناس مثل:
تجعفرت باسم الله والله أكبر و
تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا وقوله:
أيا راكبا نحو المدينة جسـرة عذافرة تهوي بها كل سبسب
إذا ما هداك الله لاقيت جعفرا فقل يا أمين الله وابن المهذب لغلام للسيد يقال له قاسم الخياط، قالها ونحلها للسيد، وجازت على كثير من الناس ممن لم يعرف خبرها، بمحل قاسم منه وخدمته إياه.
أوصافه الجسمية ومواهبه: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبو جعفر الأعرج ابن بنت الفضيل بن بشار قال: كان السيد أسمر، تام القامة، أشنب ، ذا وفرة ، حسن الألفاظ، جميل الخطاب، إذا تحدث في مجلس قوم أعطى كل رجل في المجلس نصيبه من حديثه.
حديث الفرزدق عنه وعن عمران بن حطان: أخبرني أحمد قال حدثني محمد بن عباد عن أبي عمرو الشيباني عن لبطة بن الفرزدق قال: تذاكرنا الشعراء عند أبي، فقال: إن ها هنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنا معهما في شيء. فسألناه من هما? فقال: السيد الحميري وعمران بن حطان السدوسي ، ولكن الله عز وجل قد شغل كل واحد منهما بالقول في مذهبه.
كان نتن الإبطين: أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبو جعفر ابن بنت الفضيل بن بشار قال: كان السيد أسمر، تام الخلقة، أشنب، ذا وفرة، حسن الألفاظ، وكان مع ذلك أنتن الناس إبطين، لا يقدر أحد على الجلوس معه لنتن رائحتهما.
مدح الأصمعي شعره وذم مذهبه: قال حدثني التوزي قال: رأى الأصمعي جزءا فيه من شعر السيد، فقال: لمن هذا? فسترته عنه لعلمي بما
أرقصني حبك يا بصبـص والحب يا سيدتي يرقـص
أرمصت أجفاني بطول البكا فما لأجفانك لا تـرمـص
وابأبي وجهـك ذاك الـذي كأنه من حسنه عصعـص فجاءني بعد ذلك فقال لي: يا أبا علي، جعلني الله فداءك، ما كان ذنبي إليك وما أردت بما صنعت بي? فقلت له: وما ذاك عافاك الله? فقال: ما هو والله إلا أن وصل ذلك الكتاب إليها حتى بعثت إلي: إني مشتاقة إليك، والكتاب لا ينوب عن الرؤية، فتعال إلى الروشن الذي بالقرب من بابنا فقف بحياله حتى أراك، فتزينت بأحسن ما قدرت عليه وصرت إلى الموضع. فبينا أنا واقف مكلما أو مشيرا إلي إذا شيء قد صب علي فملأني من قرني إلى قدمي وأفسد ثيابي وسرجي وصيرني وجميع ما علي ودابتي في نهاية السواد والنتن والقذر، وإذا به ماء قد خلط ببول وسواد سرجين ، فانصرفت بخزي. وكان ما مر بي من الصبيان وسائر من مررت به من الضحك والطنز والصياح بي أغلظ مما مر بي، ولحقني من أهلي ومن في منزلي شر من ذلك وأوجع. وأعظم من ذلك أن رسلها انقطعت عني جملة. قال: فجعلت أعتذر إليه وأقول له: إن الآفة أنها لم تفهم معنى الشعر لجودته وفصاحته، وأنا أحمد الله على ما ناله وأسر الشماتة به.
دعاه الحسن بن رجاء ودعاه ابن بسخنر فذهب له واعتذر للحسن: أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون عن حسين بن الضحاك قال: كتب إلي الحسن بن رجاء في يوم شك وقد أمر الواثق بالإفطار، فقال:
هززتك للصبوح وقد نهانـي أمير المؤمنين عن الصـيام
وعندي من قيان المصر عشر تطيب بهن عاتقة الـمـدام
ومن أمثالهن إذا انتـشـينـا ترانا نجتني ثمـر الـغـرام
فكن أنت الجواب فليس شيء أحب إلي من حذف الكـلام قال: فوردت علي رقعته وقد سبقه إلي محمد بن الحارث بن بسخنر ووجه إلي بغلام نظيف الوجه كان يتحظاه، ومعه ثلاثة غلمة أقران حسان الوجوه ومعهم رقعة قد كتبها إلي كما تكتب المناشير، وختمها في أسفلها وكتب فيها يقول:
سر على اسم الله يا أش كل من غصن لجـين
في ثلاث من بني الرو م إلـى دار حـسـين
فاشخص الكهل إلى مو لاك يا قرة عـينـي
أره العنف إذا اسـتـع صى وطالبـه بـدين
ودع اللفظ وخـاطـب ه بغمز الحـاجـبـين
واحذر الرجعة من وج هك في خفي حنـين قال: فمضيت معهم، وكتبت إلى الحسن بن رجاء جواب رقعته:
دعوت إلى مماحكة الصـيام وإعمال الملاهي والـمـدام
ولو سبق الرسول لكان سعيي إليك ينوب عن طول الكلام
وما شوقي إليك بدون شوقي إلى ثمر التصابي والغـرام
ولكن حل في نفر عسـوف بمنشور محل المسـتـهـام
حسين فاستباح له حـريمـا بطرف باعث سبب الحمـام
وأظهر نخوة وسطا وأبـدى فظاظته بترك لـلـسـلام
وأزعجني بألـفـاظ غـلاظ وقد أعطيته طرفي زمامي
ولو خالفته لم يخش قتـلـي وقنعني سريعا بالـحـسـام لاعب الواثق بالنرد وغازل خافان خادمه فقال شعرا: أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدثني أبي قال:
صفحة : 776
كان الواثق يلاعب حسين بن الضحاك بالنرد وخاقان غلام الواثق واقف على رأسه، وكان الواثق يتحظاه، فجعل يلعب وينظر إليه. ثم قال للحسين بن الضحاك: إن قلت الساعة شعرا يشبه ما في نفسي وهبت لك ما تفرح به. فقال الحسين: صوت
أحبك حبا شابه بنـصـيحة أب لك مأمون عليك شفيق
وأقسم ما بيني وبينك قربة ولكن قلبي بالحسان علوق فضحك الواثق وقال: أصبت ما في نفسي وأحسنت. وصنع الواثق فيه لحنا، وأمر لحسين بألفي دينار. لحن الواثق في هذين البيتين من الثقيل الأول بالوسطى.
فضل نفسه على أبي نواس فرده أحمد بن خلاد: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد قال: أنشدني حسين بن الضحاك لنفسه:
بدلت من نفحات الورد بـالآء ومن صبوحك در الإبل والشاء حتى أتى على آخرها، وقال لي: ما قال أحد من المحدثين مثلها. فقلت: أنت تحوم حول أبي نواس في قوله:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء وهي أشعر من قصيدتك. فغضب وقال: ألي تقول هذا علي وعلي إن لم أكن نكت أبا نواس فقلت له: دع ذا عنك، فإنه كلام في الشعر لا قدح في نسب، لو نكت أبا نواس وأمه وأباه لم تكن أشعر منه. وأحب أن تقول لي: هل لك في قصيدتك بيت نادر غير قولك:
فضت خواتمها في نعت واصفها عن مثل رقراقة في عين مرهاء وهذه قصيدة أبي نواس يقول فيها:
دارت على فتية ذل الزمان لهم فما أصابهم إلا بـمـا شـاءوا
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسها حجر مستـه سـراء
فأرسلت من فم الإبريق صافية كأنما أخذها بالعقـل إغـفـاء والله ما قدرت على هذا ولا تقدر عليه، فقام وهو مغضب كالمقر بقولي.
تحاكم هو وأبو نواس إلى ابن مناذر فحكم له: حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال حدثني أحمد بن المعتصم قال: حج أبو نواس وحسين بن الضحاك فجمعهما الموسم، فتناشدا قصيدتيهما: قول أبي نواس:
دعك عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الـداء وقصيدة حسين:
بدلت من نفحات الورد بالآء فتنازعا أيهما أشعر في قصيدته، فقال أبو نواس: هذا ابن مناذر حاضر الموسم وهو بيني وبينك. فأنشده قصيدته حتى فرغ منها، فقال أبو مناذر: ما أحسب أن أحدا يجيء بمثل هذه وهم بتفضيله، فقال له الحسين: لا تعجل حتى تسمع، فقال: هات، فأنشده قوله:
بدلت من نفحات الورد بـالآء ومن صبوحك در الإبل والشاء حتى انتهى إلى قوله:
فضت خواتمها في نعت واصفها عن مثل رقراقة في عين مرهاء فقال له ابن مناذر: حسبك، قد استغنيت عن أن تزيد شيئا، والله لو لم تقل في دهرك كله غير هذا البيت لفضلتك به على سائر من وصف الخمر، قم فأنت أشعر وقصيدتك أفضل. فحكم له وقام أبو نواس منكسرا.
قال شعرا لكثير بن إسماعيل استرضى به المعتصم: أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد قال حدثني كثير بن إسماعيل التحتكار قال: لما قدم المعتصم بغداد، سأل عن ندماء صالح بن الرشيد وهو أبو الواسع وقنينة وحسين بن الضحاك وحاتم الريش وأنا، فأدخلنا عليه. فلشؤمي وشقائي كتبت بين عيني: سيدي هب لي شيئا. فلما رآني قال: ما هذا على جبينك? فقال حمدون بن إسماعيل: يا سيدي تطايب بأن كتب على جبينه: سيدي هب لي شيئا. فلم يستطب لي ذلك ولا استملحه، ودعا بأصحابي من غد ولم يدع بي. ففزعت إلى حسين بن الضحاك، فقال لي: إني لم أحلل من أنسه بعد بالمحل الموجب أن أشفع إليه فيك، ولكني أقول لك بيتين من الشعر وادفعهما إلى حمدون بن إسماعيل يوصلهما، فإن ذلك أبلغ. فقلت: أفعل. فقال حسين:
قل لدنيا أصبحت تلعب بي سلط الله عليك الآخـرة
إن أكن أبرد من قـنـينة ومن الريش فأمي فاجره قال: فأخذتهما وعرفت حمدون أنهما لي وسألته إيصالهما ففعل، فضحك المعتصم وأمر لي بألفي دينار واستحضرني وألحقني بأصحابي.
كان ابن بسخنر يكره الصبوح فقال فيه شعرا:
صفحة : 777
أخبرني عمي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال قال لي أحمد بن حمدون: كان محمد بن الحارث بن بسخنر لا يرى الصبوح ولا يؤثر على الغبوق شيئا، ويحتج بأن من خدم الخلفاء كان اصطحابه استخفافا بالخدمة، لأنه لا يأمن أن يدعى على غفلة والغبوق يؤمنه من ذلك، وكان المعتصم يحب الصبوح، فكان يلقب ابن بسخنر الغبوقي. فإذا حضر مجلس المعتصم مع المغنين منعه الصبوح وجمع له مثل ما يشرب نظراؤه، فإذا كان الغبوق سقاه إياه جملة غيظا عليه، فيضج من ذلك ويسأل أن يترك حتى يشرب مع الندماء إذا حضروا فيمنعه ذلك. فقال فيه حسين بن الضحاك وفي حاتم الريش الضراط وكان من المضحكين:
حب أبي جعفر لـلـغـبـوق كقبحك يا حاتـم مـقـبـلا
فلا ذاك يعذر فـي فـعـلـه وحقك في الناس أن تقـتـلا
وأشبه شيء بـمـا اخـتـاره ضراطك دون الخلا في الملا استعطف أبا أحمد بن الرشيد وكان قد غضب عليه: حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن علي بن حمزة قال: مزح أبو أحمد بن الرشيد مع حسين بن الضحاك مزاحا أغضبه، فجاوبه حسين جوابا غضب منه أبو أحمد أيضا. فمضى إليه حسين من غد فاعتذر إليه وتنصل وحلف، فأظهر له قبولا لعذره. ورأى ثقلا في طرفه وانقباضا عما كان يعهده منه، فقال في ذلك:
لا تعجبن لملة صـرفـت وجه الأمير فإنه بـشـر
وإذا نبا بك في سـريرتـه عقد الضمير نبا بك البصر حكى للنشار صحبته للأمين وإكرامه له: حدثني الصولي قال حدثني أبو أحمد بن النشار قال:
صفحة : 778
كان أبي صديقا للحسين بن الضحاك وكان يعاشره، فحملني معه يوما إليه، وجعل أبي يحادثه إلى أن قال له: يا أبا علي، قد تأخرت أرزاقك وانقطعت موادك ونفقتك كثيرة، فكيف يمشي أمرك? فقال له: بلى والله يا أخي، ما قوام أمري إلا ببقايا هبات الأمين محمد بن زبيدة وذخائره وهبات جارية له لم يسمها أغنتني للأبد لشيء ظريف جرى على غير تعمد، وذلك أن الأمين دعاني يوما فقال لي: يا حسين، إن جليس الرجل عشيره وثقته وموضع سره وأمنه، وإن جاريتي فلانة أحسن الناس وجها وغناء، وهي مني بمحل نفسي، وقد كدرت علي صفوها ونغصت علي النعمة فيها بعجبها بنفسها وتجنيها علي وإدلالها بما تعلم من حبي إياها. وإني محضرها ومحضر صاحبة لها ليست منها في شيء لتغني معها. فإذا غنت وأومأت لك إليها على أن أمرها أبين من أن يخفى عليك فلا تستحسن الغناء ولا تشرب عليه، وإذا غنت الأخرى فاشرب واطرب واستحسن واشقق ثيابك، وعلي مكان كل ثوب مائة ثوب. فقلت: السمع والطاعة. فجلس في حجرة الخلوة وأحضرني وسقاني وخلع علي، وغنت المحسنة وقد أخذ الشراب مني، فما تمالكت أن استحسنت وطربت وشربت، فأومأ إلي وقطب في وجهي. ثم غنت الأخرى فجعلت أتكلف ما أقوله وأفعله. ثم غنت المحسنة ثانية فأتت بما لم أسمع مثله قط حسنا، فما ملكت نفسي أن صحت وشربت وطربت، وهو ينظر إلي ويعض شفتيه غيظا، وقد زال عقلي فما أفكر فيه، حتى فعلت ذلك مرارا، وكلما ازداد شربي ذهب عقلي وزدت مما يكره، فغضب فأمضني وأمر بجر رجلي من بين يديه وصرفي فجررت وصرفت، فأمر بأن أحجب. وجاءني الناس يتوجعون لي ويسألوني عن قصتي فأقول لهم: حمل علي النبيذ فأسأت أدبي، فقومني أمير المؤمنين بصرفي وعاقبني بمنعي من الوصول إليه. ومضى لما أنا في شهر، ثم جاءتني البشارة أنه قد رضي عني، وأمر بإحضاري فحضرت وأنا خائف. فلما وصلت أعطاني الأمين يده فقبلتها، وضحك إلي وقام وقال: اتبعني، ودخل إلى تلك الحجرة بعينها ولم يحضر غيري. وغنت المحسنة التي نالني من أجلها ما نالني فسكت فقال لي: قل ما شئت ولا تخف، فشربت واستحسنت. ثم قال لي: يا حسين، لقد خار الله لك بخلافي وجرى القدر بما تحب فيه. إن هذه الجارية عادت إلى الحال التي أريد منها ورضيت كل أفعالها، فأذكرتني بك وسألتني الرضا عنك والاختصاص لك، وقد فعلت ووصلتك بعشرة آلاف دينار، ووصلتك هي بدون ذلك. والله لو كنت فعلت ما قلت لك حتى تعود إلى مثل هذه الحال ثم تحقد ذلك عليك فتسألني ألا تصل إلي لأجبتها. فدعوت له وشكرته وحمدت الله على توفيقه، وزدت في الاستحسان والسرور إلى أن سكرت وانصرفت وقد حمل معي المال. فما كان يمضي أسبوع إلا وصلاتها وألطافها تصل إلي من الجوهر والثياب والمال بغير علم الأمين، وما جالسته مجلسا بعد ذلك إلا سألته أن يصلني. فكل شيء أنفقته بعده إلى هذه الغاية فمن فضل مالها وما ذخرت من صلاتها. قال ابن النشار: فقال له أبي: ما سمعت بأحسن من هذا الحديث ولا أعجب مما وفقه الله لك فيه.
هنأ الأمين بظفر جيشه بطاهر بن الحسين: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبي قال: دخل حسين بن الضحاك على محمد الأمين بعقب رقعة أوقعها أهل بغداد بأصحاب طاهر فهزموهم وفضحوهم، فهنأه بالظفر ثم استأذنه في الإنشاد، فأذن له فأنشده:
أمين الله ثق بـالـل ه تعط العز والنصره
كل الأمر إلى الـلـه كلاك الله ذو القدره
لنا النصر بإذن الـل ه والكرة لا الفـره
وللـمـراق أعـدائ ك يوم السوء والدبره
وكأس تورد المـوت كريه طعمها مـره
سقونا وسقـينـاهـم فكانت بهم الـحـره
كذاك الحرب أحيانـا علينا ولـنـا مـره فأمر له بعشرة آلاف درهم، ولم يزل يتبسم وهو ينشده.
عابثه الأمين وركب ظهره: حدثني الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال:
صفحة : 779
قال لي الحسين بن الضحاك: شربنا يوما مع الأمين في بستان، فسقانا على الريق، وجد بنا في الشرب، وتحرز من أن نذوق شيئا. فاشتد الأمر علي، وقمت لأبول، فأعطيت خادما من الخدم ألف درهم على أن يجعل لي تحت شجرة أومأت إليها رقاقة فيها لحم، فأخذ الألف وفعل ذلك. ووثب محمد فقال: من يكون منك حماري? فكل واحد منهم قال له: أنا، لأنه كان يركب الواحد منا عبثا ثم يصله، ثم قال: يا حسين، أنت أضلع القوم. فركبني وجعل يطوف وأنا أعدل به عن الشجرة وهو يمر بي إليها حتى صار تحتها، فرأى الرقاقة فتطأطأ فأخذها فأكلها على ظهري، وقال: هذه جعلت لبعضكم، ثم رجع إلى مجلسه وما وصلني بشيء. فقلت لأصحابي: أنا أشقى الناس، ركب ظهري وذهب ألف درهم مني وفاتني ما يمسك رمقي ولم يصلني كعادتي، ما أنا إلا كما قال الشاعر:
ومطعم الصيد يوم الصيد مطعمه أنى توجه والمحروم محـروم أحب جارية لأم جعفر ووسط عاصما الغساني في استيهابها فأبت فقال شعرا: حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي المبرد قال: كان حسين بن الضحاك الأشقر، وهو الخليع، يهوى جارية لأم جعفر، وكانت من أجمل الجواري، وكان لها صدغان معقربان، وكانت تخرج إليه إذا جاء فتقول له: ما قلت فينا? أنشدنا منه شيئا، فيخرج إليها الصحيفة، فتقول له: اقرأ معي، فيقرأ معها حتى تحفظه ثم تدخل وتأخذ الصحيفة. فشكا ذلك إلى عاصم الغساني الذي كان يمدحه سلم الخاسر وكان مكينا عند أم جعفر، وسأله أن يستوهبها له فاستوهبها، فأبت عليه أم جعفر، فوجه إلى الخليع بألف دينار وقال: خذ هذا الألف، فقد جهدت الجهد كله فيها فلم تمكني حيلة. فقال الحسين في ذلك:
رمتك غداة السبت شمس من الخلـد بسهم الهوى عمدا وموتك في العمـد
مؤزرة السربال مهضومة الحـشـا غلامية التقطيع شـاطـرة الـقـد
محنأة الأطـراف رؤد شـبـابـهـا معقربة الصدغين كـاذبة الـوعـد
أقول ونفسـي بـين شـوق وزفـرة وقد شخصت عيني ودمعي على الخد
أجيزي علي من قد تـركـت فـؤاده بلحظته بين التـأسـف والـجـهـد
فقالت عذاب بالهوى مع قـربـكـم وموت إذا أقرحت قلبك بالـبـعـد
لقد فطنت للجور فـطـنة عـاصـم لصنع الأيادي الغر في طلب الحمـد
سأشكوك في الأشعار غير مقـصـر إلى عاصم ذي المكرمات وذي المجد
لعل فتى غسـان يجـمـع بـينـنـا فيأمن قلبي منـكـم روعة الـصـد أقطع المعتصم الناس دورا دونه فقال شعرا: حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن مخارق قال: أقطع المعتصم الناس الدور بسر من رأى وأعطاهم النفقات لبنائها، ولم يقطع الحسين بن الضحاك شيئا.
فدخل عليه فأنشده قوله:
يا أمين الـلـه لا خـطة لـي ولقد أفردت صحبي بخطـط
أنا في دهياء من مـظـلـمة تحمل الشيخ على كل غـلـط
صعبة المسلك يرتـاع لـهـا كل من أصعد فيها وهـبـط
بوني منك كـمـا بـوأتـهـم عرصة تبسط طرفي ما انبسط
أبتني فيها لنفسـي مـوطـنـا ولعقبي فرطا بـعـد فـرط
لم يزل منك قريبا مسـكـنـي فأعد لي عادة القرب فـقـط
كل من قربتـه مـغـتـبـط ولمن أبعدت خزي وسـخـط قال: فأقطعه دارا وأعطاه ألف دينار لنفقته عليها.
حاز شعرا لأبي العتاهية: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال أخبرني عمي الفضل عن الحسين بن الضحاك قال: كنت أمشي مع أبي العتاهية، فمررت بمقبرة وفيها باكية تبكي بصوت شج على ابن لها. فقال أبو العتاهية:
أما تنفك باكـية بـعـين غزير دمعها كمد حشاها أجز يا حسين، فقلت:
تنادي حفرة أعيت جـوابـا فقد ولهت وصم بها صداها نصحه أبو العتاهية بألا يرثي الأمين فأطاعه: حدثني الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى قال حدثني الحسين بن الضحاك قال:
صفحة : 780
كنت عازما على أن أرثي الأمين بلساني كله وأشفي لوعتي. فلقيني أبو العتاهية فقال لي: يا حسين، أنا إليك مائل ولك محب، وقد علمت مكانك من الأمين، وإنه لحقيق بأن ترثيه، إلا أنك قد أطلقت لسانك من التلهف عليه والتوجع له بما صار هجاء لغيره وثلبا له وتحريضا عليه، وهذا المأمون منصب إلى العراق قد أقبل عليك، فأبق على نفسك، يا ويحك أتجسر على أن تقول:
تركوا حريم أبيهـم نـفـلا والمحصنات صوارخ هتف
هيهات بعدك أن يدون لهـم عز وأن يبقى لهم شـرف أكفف غرب لسانك واطو ما انتشر عنك وتلاف ما فرط منك. فعلمت أنه قد نصحني فجزيته الخير، وقطعت القول فنجوت برأيه وما كدت أن أنجو.
أعرض عنه فتى جميل فقال فيه شعرا: حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني أبو العيناء قال: وقف علينا حسين بن الضحاك ومعنا فتى جالس من أولاد الموالي جميل الوجه، فحادثنا طويلا وجعل يقبل على الفتى بحديثه والفتى معرض عنه حتى طال ذلك، ثم أقبل عليه الحسين فقال:
تتيه علينا أن رزقـت مـلاحة فمهلا علينا بعض تيهك يا بدر
لقد طالما كنا ملاحا وربـمـا صددنا وتهنا ثم غيرها الدهر وقام فانصرف.
عربد في مجلس الأمين فغضب عليه ثم استرضاه بشعر فرضي عنه: أخبرني الحسن بن القاسم الكوفي قال حدثني ابن عجلان قال: غنى بعض المغنين في مجلس محمد المخلوع بشعر حسين بن الضحاك، وهو: صوت
ألست ترى ديمة تهطل وهذا صباحك مستقبل
وهذي العقار وقد راعنا بطلعته الشادن الأكحل
فعاد به وبنا سـكـرة تهون مكروه ما نسأل
فإني رأيت له نظـرة تخبرنا أنـه يفـعـل قال: فأمر بإحضار حسين فأحضر، وقد كان محمد شرب أرطالا. فلما مثل بين يديه أمر فسقي ثلاثة أرطال، فلم يستوفها الحسين حتى غلبه السكر وقذف، فأمر بحمله إلى منزله فحمل. فلما أفاق كتب إليه:
إذا كنت في عصـبة من المعشر الأخـيب
ولم يك في مسـعـد نديم سوى جـعـدب
فأشرب مـن رمـلة وأسهر من قطـرب
ولما حباني الـزمـا ن من حيث لم أحسب
ونادمت بدر السـمـا ء في فلك الكوكـب
أبت لي غضوضيتـي ولؤم من المنصـب
فأسكرني مسـرعـا قوي من المشـرب
كذا النذل ينـبـوبـه منادمة المـنـجـب قال: فرده إلى منادمته وأحسن جائزته وصلته.
شعره في غلام أبي أحمد بن الرشيد: أخبرني الكوكبي قال حدثني علي بن محمد بن نصر عن خالد بن حمدون: أن الحسين بن الضحاك أنشده وقد عاتبه خادم من خدام أبي أحمد بن الرشيد كان حسين يتعشقه ولامه في أن قال فيه شعرا وغنى فيه عمرو بن بانة، فقال حسين فيه: صوت
فديت من قال لي على خفـره وغض جفنا له علـى حـوره
سمع بي شعرك المليح فـمـا ينفك شاد بـه عـلـى وتـره
فقلت يا مستعـير سـالـفة ال خشف وحسن الفتور من نظره
لا تنكرن الحنين مـن طـرب عاود فيك الصبا على كـبـره وغنى فيه عمرو بن بانة هزجا مطلقا.
كتب شعرا على قبر أبي نواس: أخبرني الكوكبي قال حدثني أبو سهل بن نوبخت عن عمرو بن بانة قال: لما مات أبو نواس كتب حسين بن الضحاك على قبره:
كابرنيك الزمان يا حـسـن فخاف سهمي وأفلح الزمن
ليتك إذ لم تكن بقيت لـنـا لم تبق روح يحوطها بدن هجا جراحا مخنثا اسمه نصير: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبي قال: كان في جوار الحسين بن الضحاك طبيب يداوي الجراحات يقال له نصير، وكان مخنثا، فإذا كانت وليمة دخل مع المخنثين، وإذا لم تكن عالج الجراحات. فقال فيه الحسين بن الضحاك:
نصير ليس لمرد من شأنه نصير طب بالنـكـاريش
يقول للنكريش في خلـوة مقال ذي لطف وتجميش
هل لك أن نلعب في فرشنا تقلب الطير المراعـيش
صفحة : 781
يعني المبادلة. فكان نصير بعد ذلك يصيح به الصبيان: يا نصير نلعب تقلب الطير المراعيش فيشتمهم ويرميهم بالحجارة.
عبث ابن مناذر بشعر له فشتمه: حدثني جعفر قال حدثني علي بن يحيى عن حسين بن الضحاك قال: أنشدت ابن مناذر قصيدتي التي أقول فيها:
لفقدك ريحانة العسكر وكانت من أول ما قلته من الشعر، فأخذ رداءه ورمى به إلى السقف وتلقاه برجله وجعل يردد هذا البيت. فقلنا لحسين: أتراه فعل ذلك استحسانا لما قلت? فقال لا، فقلنا، فإنما فعله طنزا بك، فشتمه وشتمنا. وكنا بعد ذلك نسأله إعادة هذا البيت فيرمي بالحجارة ويجدد شتم ابن مناذر بأقبح ما يقدر عليه.
وقف ببابه سلولي وغنوي ينتظران محاربيا فقيل اجتمع اللؤم: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن المهرويه قال حدثني أحمد بن أبي كامل قال: مررت بباب حسين بن الضحاك، وإذا أبو يزيد السلولي وأبو حزرة الغنوي وهما ينتظران المحاربي وقد استؤذن لهم على ابن الضحاك، فقلت لهما: لم لا تدخلان? فقال أبو يزيد: ننتظر اللؤم أن يجتمع، فليس في الدنيا أعجب مما اجتمع منا، الغنوي والسلولي ينتظران المحاربي ليدخلوا على باهلي.
كتب أبياتا عن الواثق يدعو الفتح بن خاقان للصبوح: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني حسين بن الضحاك قال: كان الواثق يميل إلى الفتح بن خاقان ويأنس به وهو يومئذ غلام، وكان الفتح ذكيا جيد الطبع والفطنة. فقال له المعتصم يوما وقد دخل على أبيه خاقان عرطوج: يا فتح أيما أحسن: داري أو دار أبيك? فقال له وهو غير متوقف وهو صبي له سبع سنين أو نحوها: دار أبي إذا كنت فيها، فعجب منه وتبناه. وكان الواثق له بهذه المنزلة، وزاد المتوكل عليهما. فاعتل الفتح في أيام الواثق علة صعبة ثم أفاق وعوفي، فعزم الواثق على الصبوح، فقال لي: يا حسين، اكتب بأبيات عني إلى الفتح تدعوه إلى الصبوح، فكتبت إليه:
لما اصطبحت وعين اللهو ترمقني قد لاح لي باكرا في ثوب بذلتـه
ناديت فتحا وبشرت الـمـدام بـه لما تخلص من مكروه عـلـتـه
ذب الفتى عن حريم الراح مكرمة إذا رآه امرؤ ضدا لنـحـلـتـه
فاعجل إلينا وعجل بالسرور لنـا وخالس الدهر في أوقات غفلتـه فلما قرأها الفتح صار إليه فاصطبح معه.
شعره في غلام عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع: أخبرني عمي قال حدثني يعقوب بن نعيم وعبد الله بن أبي سعد قالا حدثنا محمد بن محمد الأنباري قال حدثني حسين بن الضحاك قال: كنت عند عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع وهو مصطبح وخادم له يسقيه، فقال لي: يا أبا علي، قد استحسنت سقي هذا الخادم، فإن حضرك شيء في قصتنا هذه فقل، فقلت:
أحيت صبوحي فكاهة اللاهي وطاب يومي بقرب أشباهي
فاستثر اللهو من مكـامـنـه من قبل يوم منغص ناهـي
بابنة كرم من كف منتـطـق مؤتزر بالـمـجـون تـياه
يسقيك من طرفه ومـن يده سقي لطيف مجرب داهـي
كأسا فكأسا كأن شـاربـهـا حيران بين الذكور والساهي قال: فاستحسنه عبد الله وغنى فيه لحنا مليحا وشربنا عليه بقية يومنا.
وعده يسر بالسكر معه قبل رمضان ولم يف فقال فيه شعرا: أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض عن أبيه قال: اتفق حسين بن الضحاك ويسر مرة عند بعض إخوانهما وشربا وذلك في العشر الأواخر من شعبان. فقال حسين ليسر: يا سيدي، قد هجم الصوم علينا، فتفضل بمجلس نجتمع فيه قبل هجومه فوعده بذلك، فقال له: قد سكرت وأخشى أن يبدو لك، فحلف له يسر أنه يفي. فلما كان من الغد كتب إليه حسين وسأله الوفاء، فجحد الوعد وأنكره. فكتب إليه يقول:
تجاسرت على الغـدر كعاداتك في الهجـر
فأخلفت وما استخلـف ت من إخوانك الزهر
لئن خست لـمـا ذل ك من فعلك بالنكـر
وما أقنعنـي فـعـل ك يا مختلق العـذر
بنفسي أنت إن سـؤت فلا بد من الصـبـر
وإن جرعني الـغـيظ وإن خشن بالصـدر
صفحة : 782
ولولا فرقـي مـنـك لسميتك في الشـعـر
وعنـفـتـك لا آلـو وإن جزت مدى العذر
أما تخرج مـن إخـلا ف ميعادك في العشر
غدا يفطمنا الـصـوم عن الراح إلى الفطر قال: فسألت الحسين بن الضحاك عما أثر له هذا الشعر وما كان الجواب، فقال: كان أحسن جواب وأجمل فعل، كان اجتماعنا قبل الصوم في بستان لمولاه، وتممنا سرورنا وقضينا أوطارنا إلى الليل، وقلت في ذلك:
سقى الله بطن الدير من مستوى السفح إلى ملتقى النهرين فالأثل فالطـلـح
ملاعب قدن القلب قسرا إلى الهـوى ويسرن ما أملت من درك النـجـح
أتنسى فلا أنسى عتـابـك بـينـهـا حبيبك حتى انقاد عفوا إلى الصلـح
سمحت لمن أهوى بصفو مـودتـي ولكن من أهواه صيغ على الـشـح شعره في يسر وفي أيام مضت له معه بالبصرة: قال علي بن العباس: وأنشدني سوادة بن الفيض عن أبيه لحسين بن الضحاك يصف أياما مضت له بالبصرة ويومه بالقفص ومجيء يسر إليه، وكان يسر سأله أن يقول في ذلك شعرا:
تيسري لـلـمـام مـن أمـم ولا تراعي حمامة الـحـرم
قد غاب لا آب من يراقبـنـا ونام لا قام سامـر الـخـدم
فاستصحبي مسعدا يفاوضـنـا إذا خلونا في كل مكـتـتـم
تبذلي بدلة تـقـر بـهـا ال عين ولا تحصري وتحتشمي
ليت نجوم السـمـاء راكـدة على دجى ليلنا فـلـم تـرم
ما لسروري بالشك ممتزجـا حتى كأني أراه فـي حـلـم
فرحت حتى استخفني فرحـي وشبت عين اليقين بالـتـهـم
أمسح عيني مستثبتا نـظـري أخالنـي نـائمـا ولـم أنـم
سقيا للـيل أفـنـيت مـدتـه ببارد الريق طيب الـنـسـم
أبـيض مـرتـجة روادفـه ما عيب من قرنه إلى القـدم
إذ قصبات العريش تجمعـنـا حتى تجلت أواخر الـظـلـم
ولـيلة بـتـهـا مـحـسـدة محفوفة بالظنون والـتـهـم
أبث عبراته على غـصـص يرد أنفاسه إلـى الـكـظـم
سقيا لقيطونها ومخـدعـهـا كم من لمام به ومـن لـمـم
لا أكفر السلـيحـين أزمـنة مطيعة بالنعـيم والـنـعـم
وليلة القفص إذا سألت بـهـا كانت شفاء لعـلة الـسـقـم
بات أنيسي صريع خمـرتـه وتلك إحدى مصارع الكـرم
وبت عن موعد سبـقـت بـه ألثم درا مـفـلـجـا بـفـم
وابأبي مـن بـدا بـروعة لا وعاد من بعدها إلـى نـعـم
أباحني نفـسـه ووسـدنـي يمنى يديه وبات ملتـزمـي
حتى إذا اهتاجت النوافس في سحرة أحوى أحم كالحـمـم
وقلت هبا يا صاحبـي ونـب هت أبانا فهـب كـالـزلـم
فاستنها كالشهاب ضـاحـكة عن بارق في الإناء مبتـسـم
صفـراء زيتـية مـوشـحة بأرجوان مـلـمـع ضـرم
أخذت ريحـانة أراح لـهـا دب سروري بها دبيب دمـي
فراجع العذر إن بدا لك في ال عذر وإن عدت لائما فـلـم حجب يسرا سيده فقال شعرا في ذلك: أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض المخزومي قال حدثني المعتمر بن الوليد المخزومي قال: قال لي الحسين بن الضحاك وهو على شراب له: ويحكم أحدثكم عن يسر بأعجوبة? قلنا: هات. قال: بلغ مولاه أنه جر له مع أخيه سبب، فحجبه كما تحجب النساء، وأمر بالحجر عليه، وأمره ألا يخرج عن داره إلا ومعه حافظ له موكل به. فقلت في ذلك:
ظن من لا كان ظنا بحبيبي فحـمـاه
أرصد الباب رقيبي ن له فاكتنـفـاه
فإذا ما اشتاق قربي ولقائي مـنـعـاه
جعل الله رقـيبـي ه من السوء فـداه
صفحة : 783
والذي أقرح في الشا دن قلبـي ولـواه
كل مشـتـاق إلـيه فمن السـوء فـداه
سيما من حالت الأح راس من دون مناه سأل أبا نواس أن يصلح بينه وبين يسر ففعل: أخبرني علي بن العباس قال حدثنا أحمد بن العباس الكاتب قال حدثنا عبد الله بن زكريا الضرير قال: قال أبو نواس: قال لي حسين بن الضحاك يوما: يا أبا علي، أما ترى غضب يسر علي فقلت له: وما كان سبب ذلك? قال: حال أردتها منه فمنعنيها فغضبت، فأسألك أن تصلح بيني وبينه. فقلت: وما تحب أن أبلغه عنك? قال: تقول له:
بحرمة السكر وما كانـا عزمت أن تقتل إنسانـا
أخاف أن تهجرني صاحيا بعد سروري بك سكرانا
إن بقلبي روعة كلـمـا أضمر لي قلبك هجرانا
يا ليت ظني أبدا كـاذب فإنه يصـدق أحـيانـا قال: فقلت له: ويحك أتجتنبه وتريد أن تترضاه وترسل إليه بمثل هذه الرسالة فقال لي: أنا أعرف به، وهو كثير التبذل ، فأبلغه ما سألتك، فأبلغته فرضي عنه وأصلحت بينهما.
حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى قال: جاءني يوما حسين بن الضحاك، فقلت له: أي شيء كان خبرك أمس? فقال لي: اسمعه شعرا ولا أزيدك على ذلك وهو أحسن، فقلت: هات يا سيدي، فقال:
زائرة زارت على غفـلة يا حبذا الزورة والـزائره
فلم أزل أخدعها ليلـتـي خديعة الساحر للساحـره
حتى إذا ما أذعنت بالرضا وأنعمت دارت بها الدائره
بت إلى الصبح بها ساهرا وباتت الجوزاء بي ساهره
أفعل ما شئت بها ليلـتـي وملء عيني نعمة ظاهره
فلم ننم إلا علـى تـسـعة من غلمة بي وبها ثـائره
سقيا لها لا لأخي شعـرة شعرته كالشعرة الوافـره
وبين رجلـيه لـه حـربة مشهورة في حقوه شاهره
وفي غد يتبعهـا لـحـية تلحقه بالكرة الخـاسـره قال فقلت له: زنيت يعلم الله إن كنت صادقا. فقال: قل أنت ما شئت.
أغرى الواثق بالصبوح: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا أبو العيناء قال: دخل حسين بن الضحاك على الواثق في خلافة المعتصم في يوم طيب، فحثه على الصبوح فلم ينشط له. فقال: اسمع ما قلت، قال: هات، فأنشده:
استثر اللهو من مكـامـنـه من قبل يوم منغص ناهـي
بابنة كرم من كف منتطـق مؤتزر بالـمـجـون تـياه
يسقيك من لحظه ومـن يده سقى لطيف مجرب داهي
كأسا فكأسا كأن شاربـهـا حيران بين الذكور والساهي قال: فنشط الواثق وقال: إن فرصة العيش لحقيقة أن تنتهز، واصطبح ووصل الحسين.
شعره في جارية: حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو الشبل عاصم بن وهب البرجمي قال: حج الحسين بن الضحاك، فمر في منصرفه على موضع يعرف بالقريتين ، فإذا جارية تطلع في ثيابها وتنظر في حرها ثم تضربه بيدها وتقول: ما أضيعني وأضيعك فأنشأ يقول:
مررت بالقريتين مـنـصـرفـا من حيث يقضي ذوو النهى النسكا
إذا فـتـاة كـأنـهـا قـمــر للتم لمـا تـوسـط الـفـلـكـا
واضعة كفهـا عـلـى حـرهـا تقول يا ضيعتي وضـيعـتـكـا قال: فلما سمعت قوله ضحكت وغطت وجهها وقالت: وافضيحتاه أو قد سمعت ما قلت.
شعره في شفيع خادم المتوكل: حدثني محمد الصولي قال حدثني ميمون بن هارون قال: كان الحسين بن الضحاك صديقا لأبي، وكنت ألقاه معي كثيرا، وكانت نفسه قد تتبعت شفيعا بعد انصرافه من مجلس المتوكل، فأنشدنا لنفسه فيه:
وأبيض في حمر الثياب كأنـه إذا ما بدا نسرينة في شقـائق
سقاني بكفيه رحيقا وسامـنـي فسوقا بعينيه ولست بفـاسـق
وأقسم لولا خشية اللـه وحـده ومن لا أسمي كنت أول عاشق
وإني لمعذور على وجـنـاتـه وإن وسمتني شيبة في المفارق
صفحة : 784
ولا عشق لي أو يحدث الدهر شرة تعود بعادات الشباب المـفـارق
ولو كنت شكلا للصبا لاتبـعـتـه ولكن سني بالصـبـا غـير لائق توفي ابنه محمد فطلب من المتوكل أن يجري أرزاقه على زوجته وأولاده: حدثني الصولي قال حدثنا ميمون بن هارون قال: كان للحسين بن الضحاك ابن يسمى محمدا، له أرزاق، فمات فقطعت أرزاقه. فقال يخاطب المتوكل ويسأله أن يجعل أرزاق ابنه المتوفى لزوجته وأولاده:
إني أتيتـك شـافـعـا بولي عهد المسلمـينـا
وشبيهك المـعـتـز أو جه شافع في العالمينـا
يا بن الخلائق الأولـي ن ويا أبا المتأخـرينـا
إن ابن عبدك مـات وا لأيام تخترم القـرينـا
ومضى وخلف صبـية بعراصه متـلـددينـا
ومهيرة عبـرى خـلا ف أقارب مستعبرينـا
أصبحن في ريب الحوا دث يحسنون بك الظنونا
قطـع الـولاة جـراية كانوا بها مستمسكـينـا
فامنن برد جمـيع مـا قطعوه غير مراقبينـا
أعطاك أفضل مـا تـؤ مل أفضل المتفضلينـا قال: فأمر المتوكل له بما سأل. فقال يشكره:
يا خير مستخلف من آل عباس اسلم وليس على الأيام من باس
أحييت من أملي نضوا تعاوره تعاقب اليأس حتى مات بالياس هجا مغنية فهربت وانقطع خبرها: أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال: كنا في مجلس ومعنا حسين بن الضحاك ونحن على نبيذ، فعبث بالمغنية وجمشها ، فصاحت عليه واستخفت به. فأنشأ يقول:
لها في وجهها عكن وثلثا وجههـا ذقـن
وأسنـان كـريش ال بط بين أصولها عفن قال: فضحكنا، وبكت المغنية حتى قلت قد عميت، وما انتفعنا بها بقية يومنا. وشاع هذان البيتان فكسدت من أجلهما. وكانت إذا حضرت في موضع أنشدوا البيتين فتجن. ثم هربت من سر من رأى، فما عرفنا لها بعد ذلك خبرا.
قال جعفر وحدثنا أبو العيناء أنه حضر هذا المجلس، وحكى مثل ما حكاه محمد.
حديثه عن سنه: حدثني عمي قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال: سألت حسين بن الضحاك ونحن في مجلس المتوكل عن سنة، فاقل: لست أحفظ السنة التي ولدت فيها بعينها، ولكني أذكر وأنا بالبصرة موت شعبة بن الحجاج سنة ستين ومائة.
وشى به جماعة إلى المتوكل فاسترضاه بشعر فأجازه: حدثني الصولي قال حدثني علي بن محمد بن نصر قال حدثني خالي يعني أحمد بن حمدون قال: أمر المتوكل أن ينادمه حسين بن الضحاك ويلازمه، فلم يطق ذلك لكبر سنه. فقال للمتوكل بعض من حضر عنده: هو يطيق الذهاب إلى القرى والمواخير والسكر فيها ويعجز عن خدمتك فبلغه ذلك، فدفع إلي أبياتا قالها وسألني إيصالها، فأوصلتها إلى المتوكل، وهي:
أمـا فـي ثـمـانـين وفـيتـهـا عذير وإن أنـا لـم أعـتـــذر
فكيف وقـد جـزتـهـا صـاعـدا مع الصاعـدين بـتـسـع أخـر
وقـد رفـع الـلـه أقـلامـــه عن ابن ثمـانـين دون الـبـشـر
سوى من أصـر عـلـى فـتـنة وألـحـد فـي دينـه أو كـفـر
وإنـي لـمــن أســـراء الإل ه في الأرض نصب صروف القدر
فإن يقض لي عـمـلا صـالـحـا أثـاب وإن يقـض شـرا غـفـر
فلا تـلـح فـي كـبـر هـدنـي فلا ذنب لي أن بلغـت الـكـبـر
هو الشيب حل بعقـب الـشـبـاب فأعقـبـنـي خـورا مـن أشـر
وقـد بـسـط الـلـه لـي عـذره فمـن ذا يلـوم إذا مـا عـــذر
وإنـي لـفـي كـنـف مـغـدق وعز بنصر أبي الـمـنـتـصـر
يباري الرياح بفـضـل الـسـمـا ح حتى تـبـلـد أو تـنـحـسـر
له أكـد الـوحـي مــيراثـــه ومن ذا يخالـف وحـي الـسـور
ومـا لـلـحـسـود وأشـياعــه ومن كذب الحـق إلا الـحـجـر قال ابن حمدون: فلما أوصلتها شيعتها بكلامي أعذره، وقلت: لو أطاق خدمة أمير المؤمنين لكان أسعد بها. فقال المتوكل: صدقت، خذ له عشرين ألف درهم واحملها إليه، فأخذتها فحملتها إليه.
ضربه الخلفاء من الرشيد إلى الواثق:
صفحة : 785
حدثني عمي قال حدثني علي بن محمد بن نصر قال حدثني خالي عن حسين بن الضحاك قال: ضربني الرشيد في خلافته لصحبتي ولده، ثم ضربني الأمين لممايلة ابنه عبد الله، ثم ضربني المأمون لميلي إلى محمد ، ثم ضربني المعتصم لمودة كانت بيني وبين العباس بن المأمون، ثم ضربني الواثق لشيء بلغه من ذهابي إلى المتوكل، وكل ذلك يجري مجرى الولع بي والتحذير لي. ثم أحضرني المتوكل وأمر شفيعا بالولع بي، فتغاضب المتوكل علي. فقلت له: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد أن تضربني كما ضربني آباؤك، فاعلم أن آخر ضرب ضربته بسببك. فضحك وقال: بل أحسن إليك يا حسين وأصونك وأكرمك.
وصف حاله في أواخر أيامه بشعر: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثني محمد بن مروان الأبزاري قال: دخلت على حسين بن الضحاك، فقلت له: كيف أنت? جعلني الله فداءك فبكى ثم أنشأ يقول:
أصبحت من أسراء الله محتبـسـا في الأرض نحو قضاء الله والقدر
إن الثمانين إذ وفـيت عـدتـهـا لم تبق باقية مـنـي ولـم تـذر
أخبار أبي زكار الأعمى
مغن بغدادي قديم انقطع لآل برمك: قال أبو الفرج: أبو زكار هذا رجل من أهل بغداد من قدماء المغنين، وكان منقطعا إلى آل برمك، وكانوا يؤثرونه ويفضلون عليه إفضالا.
قتل جعفر البرمكي وهو يغنيه: فحدثني محمد بن جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: سمعت مسرورا يحدث أبي قال: لما أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى، دخلت عليه وعنده أبو زكار الأعمى وهو يغنيه بصوت لم أسمع بمثله:
فلا تبعد فكل فتى سـيأتـي عليه الموت يطرق أو يغادي
وكـل ذخـيرة لا بـد يومـا وإن بقيت تصير إلى نـفـاد
ولو يفدى من الحدثان شـيء فديتك بالطريف وبالـتـلاد طلب أن يقتل مع جعفر فأمر الرشيد بالإحسان إليه: فقلت له: في هذا والله أتيتك فأخذت بيده فأقمته وأمرت بضرب عنقه. فقال لي أبو زكار: نشدتك الله إلا ألحقتني به. فقلت: وما رغبتك في ذلك? قال: إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده. فقلت: أستأمر أمير المؤمنين في ذلك. فلما أتيت الرشيد برأس جعفر أخبرته بقصة أبي زكار، فقال لي: هذا رجل فيه مصطنع، فاضممه إليك وانظر ما كان يجريه عليه فأتممه له.
قال إسحاق الموصلي عن صوت له: هو معرق في العمى: حدثني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق قال: غنى علويه يوما بحضرة أبي، فقال أبي: مه هذا الصوت معرق في العمى. الشعر لبشار الأعمى، والغناء لأبي زكار الأعمى، وأول الصوت عميت أمري.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
ما جرت خطرة على القلب مني فيك إلا استترت عن أصحابـي
من دموع تجري، فإن كنت وحدي خاليا أسعدت دموعي انتحـابـي
إن حبي إياك قد سل جـسـمـي ورماني بالشيب قبل الشـبـاب
لو منحت اللقا شفى بـك صـبـا هائم القلب قد ثوى في التـراب الشعر في الأبيات للسيد الحميري. والغناء لمحمد نعجة الكوفي، مغن غير مشهور ولا ممن خدم الخلفاء وليس له خبر. ولحنه المختار ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر. وذكر حبش أن لمحمد نعجة فيه أيضا خفيف رمل بالبنصر.
أخبار السيد الحميري
نسبه: السيد لقبه. واسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. ويكنى أبا هاشم. وأمه امرأة من الأزد ثم من بني الحدان. وجده يزيد بن ربيعة، شاعر مشهور، وهو الذي هجا زيادا وبنيه ونفاهم عن آل حرب، وحبسه عبيد الله بن زياد لذلك وعذبه، ثم أطلقه معاوية. وخبره في هذا طويل يذكر في موضعه مع سائر أخباره، إذ كان الغرض ها هنا ذكر أخبار السيد.
ووجدت في بعض الكتب عن إسحاق بن محمد النخعي قال: سمعت ابن عائشة والقحذمي يقولان: هو يزيد بن مفرغ، ومن قال: إنه يزيد بن معاوية فقد أخطأ. ومفرغ لقب ربيعة، لأنه راهن أن يشرب عسا من لبن فشربه حتى فرغه، فلقب مفرغا. وكان شعابا بسيالة، ثم صار إلى البصرة.
شاعر متقدم مطبوع، وترك شعره لذمة الصحابة:
صفحة : 786
وكان شاعرا متقدما مطبوعا. يقال: أن أكثر الناس شعرا في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشار، وأبو العتاهية، والسيد، فإنه لا يعلم أن أحد قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع.
وإنما مات ذكره وهجر الناس شعره لما كان يفرط فيه من سب أصحاب رسول الله عليه وسلم وأزواجه في شعر ويستعمله من قذفهم والطعن عليهم، فتحومي شعره من هذا الجنس وغيره لذلك، وهجر الناس تخوفا وترقبا وله طراز من الشعر ومذهب قلما يلحق فيه أو يقاربه. ولا يعرف له من الشعر كثير. وليس يخلو من مدح بني هاشم أو ذم غيرهم ممن هو عنده ضد لهم. ولولا أن أخباره كلها تجري هذا المجرى ولا تخرج عنه لوجب ألا نذكر منها شيئا؛ ولكنا شرطنا أن نأتي بأخبار من نذكره من الشعراء؛ فلم نجد بدا من ذكر أسلم ما وجدناه له وأخلاها من سيئ اختاره على قلة ذلك.
كان أبوه إباضيين ولما تشيع هما بقتله: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن إسماعيل بن الساحر راوية السيد، قال ابن عمار وحدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه: أن أبوى السيد كانا إباضيين ، وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبة، وكان السيد يقول: طالما سب أمير المؤمنين في هذه الغرفة. فإذا سئل عن التشيع من أين وقع له، قال: غاصت علي الرحمة غوصا.
وروي عن السيد أن أبويه لما علما بمذهبه هما بقتله، فأتى عقبة بن سلم الهنائي فأخبره بذلك، فأجاره وبوأه منزلا وهبه له، فكان فيه حتى ماتا فورثهما.
قال راويته: إنه على مذهب الكيسانية: وقد أخبرني الحسن بن علي البري عن محمد بن عامر عن القاسم بن الربيع عن أبي داود سليمان بن سفيان المعروف بالحنزق راوية السيد الحميري قال: ما مضى والله على مذهب الكيسانية . وهذه القصائد التي يقولها الناس مثل:
تجعفرت باسم الله والله أكبر و
تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا وقوله:
أيا راكبا نحو المدينة جسـرة عذافرة تهوي بها كل سبسب
إذا ما هداك الله لاقيت جعفرا فقل يا أمين الله وابن المهذب لغلام للسيد يقال له قاسم الخياط، قالها ونحلها للسيد، وجازت على كثير من الناس ممن لم يعرف خبرها، بمحل قاسم منه وخدمته إياه.
أوصافه الجسمية ومواهبه: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبو جعفر الأعرج ابن بنت الفضيل بن بشار قال: كان السيد أسمر، تام القامة، أشنب ، ذا وفرة ، حسن الألفاظ، جميل الخطاب، إذا تحدث في مجلس قوم أعطى كل رجل في المجلس نصيبه من حديثه.
حديث الفرزدق عنه وعن عمران بن حطان: أخبرني أحمد قال حدثني محمد بن عباد عن أبي عمرو الشيباني عن لبطة بن الفرزدق قال: تذاكرنا الشعراء عند أبي، فقال: إن ها هنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنا معهما في شيء. فسألناه من هما? فقال: السيد الحميري وعمران بن حطان السدوسي ، ولكن الله عز وجل قد شغل كل واحد منهما بالقول في مذهبه.
كان نتن الإبطين: أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبو جعفر ابن بنت الفضيل بن بشار قال: كان السيد أسمر، تام الخلقة، أشنب، ذا وفرة، حسن الألفاظ، وكان مع ذلك أنتن الناس إبطين، لا يقدر أحد على الجلوس معه لنتن رائحتهما.
مدح الأصمعي شعره وذم مذهبه: قال حدثني التوزي قال: رأى الأصمعي جزءا فيه من شعر السيد، فقال: لمن هذا? فسترته عنه لعلمي بما
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin