كان ابن هرمة يقول: أنا ألأم العرب، دعي أدعياء: هرمة دعي في الخلج، والخلج أدعياء في قريش.
قصته مع أسلمي ضافه
حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: زرت عبد الله بن حسن بباديته وزاره ابن هرمة، فجاء رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله سل الأسلمي أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره. فقال له عبد الله بن حسن: ائذن له، فأذن له الأسلمي. فقال له إبراهيم بن هرمة: إني خرجت - أصلحك الله - أبغي ذودا لي، فأوحشت وضفت هذا الأسلمي، فذبح لي شاة وخبز لي خبزا وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء الله. ثم خرجت أيضا في بغاء ذود لي، فأوحشت فضفته فقراني بلبن وتمر، ثم غدوت من عنده فأقمت ما شاء الله. ثم خرجت في بغاء ذود لي، فأوحشت، فقلت: لو ضفت الأسلمي فاللبن والتمر خير من الطوى؛ فضفته فجاءني بلبن حامض. فقال: قد أجبته - أصلحك الله - إلى ما سأل، فسله أن يأذن لي أن أخبرك لما فعلت. فقال له: ائذن له؛ فأذن له. فقال الأسلمي: ضافني، فسألته من هو? فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشاة التي ذكر، ووالله لو كان غيرها عندي لذبحته له حين ذكر أنه من قريش. ثم غدا من عندي وغدا علي الحي فقالوا: من كان ضيفك البارحة? قلت: رجل من قريش؛ فقالوا: لا والله ما هو من قريش، ولكنه دعي فيها. ثم ضافني الثانية على أنه دعي في قريش، فجئته بلبن وتمر وقلت: دعي قريش خير من غيره. ثم غدا من عندي وغدا علي الحي فقالوا: من كان ضيفك البارحة? قلت الرجل الذي زعمتم أنه دعي في قريش؛ فقالوا: لا والله ما هو بدعي في قريش، ولكنه دعي أدعياء قريش. ثم جاءني الثالثة، فقريته لبنا حامضا، ووالله لو كان عندي شر منه لقريته إياه. قال: فانخذل ابن هرمة، وضحك عبد الله وضحكنا معه.
لقاؤه ابن ميادة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني نوفل بن ميمون قال: لقي ابن ميادة ابن هرمة، فقال ابن ميادة: والله لقد كنت أحب أن ألقاك، لا بد من أن نتهاجى، وقد فعل الناس ذلك قبلنا، فقال ابن هرمة: بئس والله ما دعوت إليه وأحببته، وهو يظنه جادا. ثم قال له ابن هرمة: أما والله إنني للذي أقول:
إني لميمون جـوارا وإنـنـي إذا زجر الطير العدا لمشـوم
وإني لملآن العنان مـنـاقـل إذا ما ونى يوما ألـف سـؤوم
فود رجال أن أمي تقـنـعـت بشيب يغشي الرأس وهي عقيم فقال ابن ميادة: وهل عندك جراء? ثكلتك أمك أنت ألأم من ذلك ما قلت إلا مازحا.
أخبرنا به وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال قال عبد العزيز بن عمران: اجتمع ابن هرمة وابن ميادة عند جميع بن عمر بن الوليد، فقال ابن ميادة لابن هرمة: قد كنت أحب أن القاك ثم ذكر نحوه.
أنكر عليه مضغه الناطف
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال حدثني أبو سلمة الغفاري عن أبيه قال:
صفحة : 467
وفدت على المهدي في جماعة من أهل المدينة، وكان فيمن وفد يوسف بن موهب وكان في رجال بني هاشم من بني نوفل، وكان معنا ابن هرمة؛ فجلسنا يوما على دكان قد هيئ لمسجد ولم يسقف، في عسكر المهدي؛ وقد كنا نلقي الوزراء وكبراء السلطان، وكانوا قد عرفونا؛ وإذا حيال الدكان رجل بين يديه ناطف يبيعه يوم شات شديد البرد، فأقبل إذ ضربه بفأسه فتطاير جفوفا؛ فأقبل ابن هرمة علينا، فقال ليوسف: يابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما معك درهم نأكل به من هذا الناطف? فقال له: متى عهدتني أحمل الدراهم قال: فقلت له: لكني أنا معي، فأعطيته درهما خفيفا، فاشترى به ناطفا على طبق للناطفي فجاء بشيء كثير، فأقبل يتمضغه وحده ويحدثنا ويضحك. فما راعنا إلا موكب أحد الوزيرين: أبي عبيد الله أو يعقوب بن داود. ثم أقبلت المطرقة؛ فقلنا: مالك قاتلك الله يهجم علينا هذا وأصحابه، فيرون الناطف بين أيدينا فيظنون أنا نأكل معك. قال: فوالله ما أحد أولى بالستر على أصحابه وتقلد البلية منك يا ابن عم رسول الله فضعه بين يديك. قال: اعزب قبحك الله قال: فأنت يابن أبي ذر، فزبرته. قال: فقال: قد علمت أنه لا يبتلى بهذا إلا دعي أدعياء عاض كذا من أمه. ثم أخذ الطبق في يده فحمله وتلقى به الموكب، فما مر به أحد له نباهة إلا مازحه، حتى مضى القوم جميعا.
مدح عبد الله بن حسن فأكرمه
وقال هارون حدثني أبو حذافة السهمي قال حدثنا إسحاق بن نسطاس قال: كان أبو هرمة مشتهرا بالنبيذ، فأتى عبد الله بن حسن وهو بالسيالة، فأنشده مديحا له. فقام عبد الله إلى غنم كانت له، فرمى بساجة عليها فافترقت فرقتين، فقال: أيهما شئت - قال: فإما أن تكون زادت بواحدة أو نقصت بواحدة على الأخرى. قال: وكانت ثلاثمائة - وكتب له إلى المدينة بدنانير. فقال له: يا ابن هرمة، انقل عيالك إلينا يكونوا مع عيالنا. فقال: أفعل يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قدم ابن هرمة المدينة وجهز عياله لينقلهم إلى عبد الله بن حسن، واكترى من رجل من مزينة.
فبينا هو قد شد متاعه وحمله والكري ينتظره أن يتحمل، إذا أتاه صديق له، فقال: أي أبا إسحاق، عندي والله نبيذ يسقط لحم الوجه. فقال: ويحك أما ترانا على مثل هذا الحال أعليها يمكن الشراب فقال: إنما هي ثلاثة لا تزد عليهن شيئا. فمضى معهم وهم وقوف ينظرون؛ فلم يزل يشرب حتى مضى من الليل صدر صالح؛ ثم أتي به وهو سكران، فطرح في شق المحمل وعادلته امرأته ومضوا.
فلما أسحروا رفع رأسه فقال: أين أنا? فأقبلت عليه امرأته تلومه وتعذله، وقالت: قد أفسد عليك هذا النبيذ دينك وديناك، فلو تعللت عنه بهذه الألبان فرفع رأسه إليها وقال:
لا نبتغي لبن البعير وعنـدنـا ماء الزبيب وناطف المعصار هو أحد من ختم بهم الشعراء
في رأي الأصمعي:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا زكريا بن يحيى بن خلاد قال: كان الأصمعي يقول: ختم الشعراء بابن هرمة، والحكم الخضري، وابن ميادة، وطفيل الكناني، ومكين العذري.
رهن رداءه في النبيذ
قال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثني أبو حذافة السهمي أحمد بن إسماعيل قال: كان ابن هرمة مدمنا للشراب مغرما به؛ فأتى أبا عمرو بن أبي راشد مولى عدوان؛ فأكرمه وسقاه أياما ثلاثة. فدعا ابن هرمة؛ فقال له غلام لأبي عمرو ابن أبي راشد: قد نفذ نبيذنا. فنزع ابن هرمة رداءه عن ظهره فقال للغلام: إذهب به إلى ابن حونك نباذ كان بالمدينة، فأرهنه عنده وأتنا بنبيذ، ففعل. وجاء ابن أبي راشد، فجعل يشرب معه من ذلك النبيذ. فقال له: أين رداؤك يا أبا إسحاق? فقال: نصف في القدح ونصف في بطنك.
طائفة من أخباره
قال هارون حدثني محمد بن عمر بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال حدثني عمي عبد العزيز بن إسماعيل قال: مدح ابن هرمة محمد بن عمران الطلحي، وبعث إليه بالمديح مع ابن ربيح، فاحتجب عنه؛ فمدح محمد بن عبد العزيز؛ وكان ابن هرمة مريضا، فقال قصيدته التي يقول فيها:
إني دعوتك إذ جفيت وشـفـنـي مرض تضاعفني شديد المشتكـى
وحسبت عن طلب المعيشة وارتقت دوني الحوائج في وعور المرتقى
صفحة : 468
فأجب أخاك فقـد أنـاف بـصـوتـه يا ذا الإخاء ويا كريم الـمـرتـجـى
ولقد حفيت صـبـيت عـكة بـيتـنـا ذوبا ومزت بصفوه عـنـك الـقـذى
فخذ الغنـيمة واغـتـنـمـي إنـنـي غنم لمثلك والـمـكـارم تـشـتـرى
لا ترمين بحـاجـتـي وقـضـائهـا ضرح الحجاب كما رمى بي من رمى فركب إلى جعفر بن سليمان نصف النهار؛ فقال: ما نزعك يا أبا عبد الله في هذا الوقت? قال: حاجة لم أر فيها أحدا أكفى مني. قال: وما هي? قال: قد مدحني ابن هرمة بهذه الأبيات، فأردت من أرزاقي مائة دينار. قال: ومن عندي مثلها. قال: ومن أمير المؤمنين أيضا قال: فجاءت المائتا الدينار إلى ابن هرمة، فما أنفق منها إلا دينارا واحدا حتى مات، وورث الباقي أهله.
وقال أحمد بن أبي خيثمة عن أبي الحسن المدائني قال: امتدح ابن هرمة أبا جعفر فوصله بعشرة آلاف درهم. فقال: لا تقع مني هذه. قال: ويحك إنها كثيرة. قال: إن أردت أن تهنئني فأبح لي الشراب فإني مغرم به. فقال: ويحك هذا حد من حدود الله. قال: احتل لي يا أمير المؤمنين. قال نعم. فكتب إلى والي المدينة: من أتاك بابن هرمة سكران فاضربه مائة واضرب ابن هرمة ثمانين. قال: فجعل الجلواز إذا مر بابن هرمة سكران، قال: من يشتري الثمانين بالمائة أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أبو سلمة الغفاري قال أخبرنا ابن ربيح راوية ابن هرمة: أصابت ابن هرمة أزمة؛ فقال لي في يوم حار: اذهب فتكار حمارين إلى ستة أميال، ولم يسم موضعا. فركب واحدا وكبت واحدا، ثم سرناحتى صرنا إلى قصور الحسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده. فلما مالت الشمس خرج علينا مشتملا على قميصه، فقال لمولى له: أذن فأذن، ولم يكلمنا كلمة. ثم قال له: أقم فأقام، فصلى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحبا بك يا أبا إسحاق، حاجتك? قال: نعم، بأبي أنت وأمي، أبيات قلتها - وقد كان عبد الله وحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن وعدوه شيئا فأخلفوه - فقال: هاتها. فقال:
أما بنو هاشم حولي فقد قـرعـوا نبل الضباب التي جمعت في قرن
فما بيثرب منهم مـن أعـاتـبـه إلا عوائد أرجوهن من حـسـن
الله أعطاك فضلا من عـطـيتـه على هن وهن فيما مضى وهـن قال: حاجتك قال: لابن أبي مضرس علي خمسون ومائة دينار. قال فقال لمولى له: يا هيثم، اركب هذه البغلة فأتني بابن أبي مضرس وذكر حقه. قال: فما صلينا العصر حتى جاء به. فقال له: مرحبا بك يابن أبي مضرس، أمعك ذكر حقك على ابن هرمة قال نعم. قال: فامحه، فمحاه. ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرس من تمر الخانقين بمائة وخمسين دينارا وزده على كل دينار ربع دينار، وكل ابن هرمة بخمسين ومائة دينار تمرا، وكل ابن ربيح بثلاثين دينارا تمرا. قال: فانصرفنا من عنده؛ فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته فقال: أي ماص بنظر أمه أنت القائل:
على هن وهن فيما مضى وهن فقال: لا والله ولكني الذي أقول لك:
لا والذي أنت منه نعمة سلفت نرجو عواقبها في آخر الزمن
لقد أتيت بأمر ما عمـدت لـه ولا تعمده قولي ولا سنـنـي
فكيف أمشي مع الأقوام معتدلا وقد رميت برئ العود بالأبن
ما غيرت وجهه أم مهـجـنة إذا القتام تغشى أوجه الهجـن قال هارون: فحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال:
صفحة : 469
لما قال ابن هرمة هذا الشعر في حسن بن زيد، قال عبد الله بن حسن: والله ما أراد الفاسق غيري وغير أخوي: حسن وإبراهيم. وكان عبد الله يجري على ابن هرمة رزقا فقطعه عنه وغضب عليه. فأتاه يعتذر، فنحي وطرد؛ فسأل رجالا أن يكلموه، فردهم؛ فيئس من رضاه واجتنبه وخافه. فمكث ما شاء الله، ثم مر عشية وعبد الله على زربية في ممر المنبر، ولم تكن تبسط لأحد غيره في ذلك المكان. فلما رأى عبد الله تضاءل وتقنفذ وتصاغر وأسرع على المشي. فكأن عبد الله رق له، فأمر به فرد عليه، فقال: يا فاسق، يا شارب الخمر، على هن وهن أتفضل الحسن علي وعلى أخوي فقال: بأبي أنت وأمي ورب هذا القبر ما عنيت إلا فرعون وهامان وقارون، أفتغضب لهم فضحك وقال: والله ما أحسبك إلا كاذبا. قال: والله ما كذبتك. فأمر بأن ترد عليه جرايته.
قصيدة له خالية من الحروف المعجمة أخبرني يحيى بن علي إجازة قال أخبرني أبو أيوب المديني عن مصعب قال: إنما اعتذر ابن هرمة بهذا إلى محمد بن عبد الله بن حسن: قال يحيى: وأخبرني أبو أيوب عن علي بن صالح قال: أنشدني عامر بن صالح قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا، ليس فيها حرف يعجم؛ وذكر هذه الأبيات منها. ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة، ولا كنت أظن أن أحدا تقدم رزينا العروضي إلى هذا الباب. وأولها:
أرسم سودة أمسى دارس الطلل معطلا رده الأحوال كالحلـل هكذا ذكر يحيى بن علي في خبره أن القصيدة نحو من أربعين بيتا، ووجدتها في رواية الأصمعي ويعقوب بن السكيت اثني عشر بيتا، فنسختها ها هنا للحاجة إلى ذلك. وليس فيها حرف يعجم إلا ما اصطلح عليه الكتاب من تصبيرهم مكان ألف ياء مثل أعلى فإنها في اللفظ بالألف وهي تكتب بالياء، ومثل رأى ونحو هذا، وهو في التحقيق في اللفظ بالألف، وإنما اصطلح الكتاب على كتابته بالياء كما ذكرناه. والقصيدة:
أرسم سودة محل دارس الطلـل معطل رده الأحوال كالحـلـل
لما رأى أهلها سدوا مطالعـهـا رام الصدود وعاد الود كالمهـل
وعـاد ودك داء لا دواء لـــه ولو دعاك طوال الدهر للرحـل
ما وصل سودة إلا وصل صارمة أحلها الدهر دارا مأكل الوعـل
وعاد أمواهها سدما وطار لـهـا سهم دعا أهلها للصرم والعلـل
وصدوا وصد وساء المرء صدهم وحام للورد ردها حومة العلـل - حومة الماء، كثرته وغمرته. والعلل: الشرب الثاني. والرده: مستنقع الماء -:
وحلئوه رداها مـاؤهـا عـسـل ما ماء رده لعمر الله كالعـسـل
دعا الحمام حماما سد مسمـعـه لما دعـاه رآه طـامـح الأمـل
طموح سارحة حوم مـلـمـعة وممرع السر سهل ما كد السهل
وحاولوا رد أمـر لا مـرد لـه والصرم داء لأهل اللوعة الوصل
أحلك الله أعلى كـل مـكـرمة والله أعطاك أعلى صالح العمـل
سهل موارده سـمـح مـواعـده مسود لـكـرام سـادة حـمـل هجاؤه المسور بن عبد الملك قال يحيى بن علي وحدثني أبو أيوب المديني عن أبي حذيفة قال: كان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة، وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسب؛ فقال ابن هرمة فيه:
إياك لا ألزمن لحييك من لجمـي نكلا ينكل قراصا من اللـجـم
يدق لحييك أو تنقاد مـتـبـعـا مشي المقيد ذي القردان والحلم
إني إذا ما امرؤ خفت نعامـتـه إلي واستحصدت منه قوى الوذم
عقدت في ملتقى أوداج لبـتـه طوق الحمامة لا يبلى على القدم
إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله كفاي لكن لساني صائغ الكـلـم
إن الأديم الذي أمسيت تقـرظـه جهلا لذو نغل بـاد وذو حـلـم
ولا يئط بأيدي الخـالـقـين ولا أيدي الخـوالـق إلا جـيد الأدم هجاؤه عبد الله بن مصعب قال يحيى وحدثني أبو أيوب عن مصعب بن عبد الله عن أبيه قال:
صفحة : 470
لقيني ابن هرمة فقال لي: يابن مصعب، أتفضل علي ابن أذينة أما شكرت قولي:
فمالك مختلا علـيك خـصـاصة كأنك لم تنبت ببعض المنـابـت
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفـر ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت -يعني مصعب بن عبد الله - قال: فقلت: يا أبا إسحاق، أقلني وروني من شعرك ما شئت؛ فإني لم أرو لك شيئا. فرواني عباسياته تلك.
أكرم من رأى قال يحيى: وأخبرني أبو أيوب المديني عن مصعب بن عبد الله عن مصعب بن عثمان قال: قال ابن هرمة: ما رأيت أحدا قط أسخى ولا أكرم من رجلين: إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد الله بن معمر. أما إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال: أحسنوا ضيافة أبي إسحاق، فأتيت بكل شيء من الطعام، فأردت أن أنشده؛ فقال: ليس هذا وقت الشعر. ثم أخرج الغلام إلي قطعة فقال: ائت بها الوكيل. فأتيته بها، فقال: إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به، وإن شئت أعطيتك القيمة. قلت: وما أمر لي به? فقال: مائتا شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمال ومظلة وما تحتاج إليه، وقوتك وقوت عيالك سنة. قلت: فاعطني القيمة؛ فأعطاني مائتي دينار. وأما إبراهيم بن عبد الله فأتيته في منزلة بمشاش على بئر ابن الوليد بن عثمان بن عفان؛ فدخل إلى منزله ثم خرج إلي برزمة من ثياب وصرة من دراهم ودنانير وحلي، ثم قال: لا والله ما بقينا في منزلنا ثوبا نواري به امرأة، ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:
أرقتني تلومـنـي أم بـكـر بعد هدء واللوم قـد يؤذينـي
حذرتني الزمان ثمت قالـت ليس هذا الزمان بالمأمـون
قلت لما هبت تحذرني الـده ر دعي اللوم عنك واستبقيني
إن ذا الجود والمكـارم إبـرا هيم يعنيه كل ما يعـنـينـي
قد خبرناه في القديم فألـفـي نا مواعيده كعـين الـيقـين
قلت ما قلت للذي هـو حـق مستبين لا للذي يعـطـينـي
نضحت أرضنا سماؤك بعد ال جدب منها وبعد سوء الظنون
فرعينا آثار غيث هـراقـت ه يدا محكم القوى مـيمـون وقال هارون حدثنا حماد عن عبد الله بن إبراهيم الحجبي: أن إبلا لمحمد بن عمران تحمل علفا مرت بمحمد بن عبد العزيز الزهري ومعه ابن هرمة، فقال: يا أبا إسحاق، ألا تستعلف محمد بن عمران وهو يريد أن يعرضه لمنعه فيهجوه. فأرسل ابن هرمة في أثر الحمولة رسولا حتى وقف على ابن عمران، فأبلغه رسالته؛ فرد إليه الإبل بما عليها، وقال: أن احتجت إلى غيرها زدناك. فأقبل ابن هرمة على محمد بن عبد العزيز فقال له: اغسلها عني، فإنه إن علم أني استعلفته ولا دابة لي وقعت منه في سوءة. قال: بماذا? قال: تعطيني حمارك. قال: هو لك بسرجه ولجامه. فقال بن هرمة: من حفر حفرة سوء وقع فيها.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو يحيى هارون بن عبد الله الزهري عن ابن زريق، وكان منقطعا إلى أبي العباس بن محمد وكان من أروى الناس، قال: كنت مع السري بن عبد الله باليمامة، وكان يتشوق إلى إبراهيم بن علي بن هرمة ويحب أن يفد إليه؛ فأقول: ما يمنعك أن تكتب إليه? فيقول: أخاف أن يكلفني من المؤونة ما لا أطيق. فكنت أكتب بذلك إلى ابن هرمة، فكره أن يقدم عليه إلا بكتاب منه؛ ثم غلب فشخص إليه، فنزل علي ومعه راويته ابن ربيح. فقلت له: ما منعك من القدوم على الأمير وهو من الحرص على قدمك على ما كتبت به إليه? قال: الذي منعه من الكتاب إلي. فدخلت على السري فأخبرته بقدومه؛ فسر بذلك وجلس للناس مجلسا عاما، ثم أذن لابن هرمة فدخل عليه ومعه راويته ابن ربيح. وكان ابن هرمة قصيرا دميما أريمص، وكان ابن ربيح طويلا جسيما نقي الثياب. فسلم على السري ثم قال له: أصلحك الله إني قد قلت شعرا أثنيت فيه عليك. فقال: أنشد؛ فقال: هذا ينشد فجلس. فأنشده ابن ربيح قصيدته التي أولها:
عوجا على ربع ليلى أم محمـود كيما نسائله مـن دون عـبـود
عن أم محمود إذ نشط المزار بها لعل ذلك يشفي داء مـعـمـود
صفحة : 471
فعرجا بعد تغوير وقـد وقـفـت شمس النهار ولاذ الظل بالعـود
شيئا فما رجعت أطلال مـنـزلة قفر جوابا لمحزون الجوى مودي ثم قال فيها يمدح السري:
ذاك السري الذي لولا تـدفـقـه بالعرف متنا حليف المجد والجود
من يعتمدك ابن عبد الله مجتـديا لسيب عرفك يعمد خير معمـود
يا ابن الأساة الشفاة المستغاث بهم والمطعمين ذرى الكوم المقاحيد
والسابقين إلى الخيرات قومـهـم سبق الجياد إلى غاياتها الـقـود
أنت ابن مسلنطح البطحاء منبتكم بطحاء مكة لا روس القـراديد
لكم سقايتها قـدمـا ونـدوتـهـا قد حازها والد منكم لـمـولـود
لولا رجاؤك لم تعسف بنا قلـص أجواز مهمهة قفر الصوى بـيد
لكن دعاني وميض لاح معترضا من نحو أرضك في دهم مناضيد وأنشده أيضا قصيدة مدحه فيها، أولها:
أفي طلل قفر تحمـل آهـلـه وقفت وماء العين ينهل هامله
تسائل عن سلمى سفاها وقد نأت بسلمى نوى شحط فكيف تسائله
وترجو ولم ينطق وليس بناطق جوابا محيل قد تحمل آهـلـه
ونؤي كخط النون ما إن تبينـه عفته ذيول من شمال تـذايلـه ثم قال فيها يمدح السري:
فقل للسري الواصل البرذي الندى مديحا إذا ما بث صـدق قـائلـه
جواد على العلات يهتز لـلـنـدى كما اهتز غضب أخلصته صياقله
نفى الظلم عن أهل اليمامة عدلـه فعاشوا وزاح الظلم عنهم وباطله
وناموا بأمن بعـد خـوف وشـدة بسيرة عدل ما تخـاف غـوائلـه
وقد علم المعروف أنـك خـدنـه ويعلم هذا الجوع أنـك قـاتـلـه
بك الله أحيا الأرض حجر وغيرها من الأرض حتى عاش بالبقل آكله
وأنت ترجي للـذي أنـت أهـلـه وتنفع ذا القربى لـديك وسـائلـه وأنشده أيضا مما مدحه به قوله:
عوجا نحي الطلول بالكثـب
يقول فيها يمدحه:
دع عنك سلمى وقل محبرة لماجد الجد طيب الـنـسـب
محض مصفى العروق يحمده في العسر واليسر كل مرتغب
الواهب الخيل في أعنـتـهـا والوصفاء الحسان كالـذهـب
مجدا وحمـدا يفـيده كـرمـا والحمد في الناس خير مكتسب قال: فلما فرغ ابن ربيح، قال السري لابن هرمة: مرحبا بك يا أبا إسحاق ما حاجتك? قال: جئتك عبدا مملوكا. قال: لا بل حرا كريما وابن عم، فما ذاك? قال: ما تركت لي مالا إلا رهنته، ولا صديقا إلا كلفته - قال أبو يحيى: يقول لي ابن زريق: حتى كأن لي ديانا وعليه مالا - فقال له السري: وما دينك? قال: سبعمائة دينار. قال: قد قضاها الله عز وجل عنك. قال: فأقام أياما، ثم قال لي: قد اشتقت. فقلت له: قل شعرا تشوق فيه. فقال قصيدته التي يقول فيها:
أألحمامة في نخـل ابـن هـداج هاجت صبابة عاني القلب مهتاج
أم المخبر أن الغيث قد وضعـت منه العشار تماما غـير إخـداج
شقت سوائفها بالفرش من ملـل إلى الأعارف من حزن وأولاج
حتى كأن وجوه الأرض ملبـسة طرائفا من سدى عصب وديباج وهي طويلة مختارة من شعره، يقول فيها يمدح السري:
أما السري فإني سـوف أمـدحـه ما المادح الذاكر الإحسان كالهاجي
ذاك الذي هو بعد اللـه أنـقـذنـي فلست أنساه إنقاذي وإخـراجـي
ليث يحجر إذا ما هـاجـه فـزع هاج إلـيه بـإلـجـام وإسـراج
لأحبونك مما أصطـفـي مـدحـا مصاحبات لعـمـار وحـجـاج
أسدى الصنيعة من بر ومن لطـف إلى قروع لباب الـمـلـك ولاج
كم من يد لك في الأقوام قد سلفـت عند امرئ ذي غنى أو عند محتاج
صفحة : 472
فأمر له بسبعمائة دينار في قضاء دينه، ومائة دينار يتجهز بها، ومائة دينار يعرض بها أهله، ومائة دينار إذا قدم على أهله.
قوله: يعرض بها أهله أي يهدي لهم بها هدية، والعراضة: الهدية. قال الفرزدق يهجو هشام بن عبد الملك:
كانت عراضتك التي عرضتنا يوم المدينة زكمة وسعـالا إنكاره شعرا له في بني خوفا من العباسيين: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني نوفل بن ميمون قال أخبرني أبو مالك محمد بن علي بن هرمة قال: قال ابن هرمة:
ومهما ألام على حبـهـم فإني أحب بني فاطـمة
بني بنت من جاء بالمحكما ت والدين والسنة القائمه فلقيه بعد ذلك رجل فسأله: من قائلها? فقال: من عض بظر أمه. فقال له ابنه: يا أبت، ألست قائلها? قال: بلى. قال: فلم شتمت نفسك? قال: أليس أن يعض المرء بظر أمه خيرا من يأخذه ابن قحطبة خبره مع رجل يتجر بعرض ابنتيه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جعفر بن مدرك الجعدي قال: جاء ابن هرمة إلى رجل كان بسوق النبط، معه زوجة وله بنتان كأنهما ظبيتان يقود عليهما، بمال فدفعه إليه، فكان يشتري لهم طعاما وشرابا. فأقام ابن هرمة مع ابنتيه حتى خف ذلك المال، وجاء قوم آخرون معهم مال؛ فأخبرهم بمكان ابن هرمة؛ فاستثقلوه وكرهوا أن يعلم بهم؛ فأمر ابنتيه، فقالتا له: يا أبا إسحاق، أما دريت ما الناس فيه? قال: وما هم فيه? قالتا: زلزل بالروضة، فتغافلهما. ثم جاء أبوهما متفازعا فقال: أي أبا إسحاق، ألا تفزع لما الناس فيه قال: وما هم فيه? قال زلزل بالروضة. قال: قد جاءكم الآن إنسان معه مال، وقد نفضت ما جئتكم به وثقلت عليه؛ فأردت إدخاله وإخراجي. أيزلزل بروضة من رياض الجنة ويترك منزلك وأنت تجمع فيه الرجال على ابنتيك والله لاعدت إليه وخرج من عنده.
وروى هذا الخبر عن الزبير بن هارون بن محمد الزيات فزاد عليه، قال: ثم خرج من عندهم. فأتى عبد الله بن حسن فقال: إني قد مدحتك فاستمع مني. قال: لا حاجة لي بذلك.، أنا أعطيك ما تريد ولا أسمع. قال: إذا أسقط ويكسد سوقي. فسمع منه وأمر له بمائتي دينار؛ فأخذها وعاد إلى الرجل، وقال: قد جئتك بما تنفقه كيف شئت. ولم يزل مقيما عنده حتى نفذت.
قصته مع محمد بن عبد العزيز قال الزبير: وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:
صفحة : 473
وافينا الحج في عام من الأعوام الخالية، فأصبحت بالسيالة، فإذا إبراهيم بن علي ابن هرمة يأتينا؛ فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له؛ فدخل عليه فقال: يا أبا عبد الله، ألا أخبرك ببعض ما تستظرف? قال: بلى، وربما فعلت يا أبا إسحاق. قال: فإنه أصبح عندنا ها هنا منذ أيام محمد بن عمران وإسماعيل بن عبد الله بن جبير، وأصبح عمران بجملين له ظالعين، فإذا رسوله يأتيني أن أجب؛ فخرجت حتى أتيته، فأخبرني بظلع جمليه، وقال لي: أردت أن أبعث إلى ناضحين لي بعمق لعلي أوتي بهما إلى ها هنا لأمضي عليهما، ويصير هذان الظالعان إلى مكانهما. ففرغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك؛ فإنا مقيمون ها هنا حتى تأتينا جمالنا. فقلت: في الرحب والقرب، والدار فارغة، وزوجته طالق إن اشتريت عود علف، عندي حاجتك منه. فأنزلته ودخلت السوق، فما أبقيت فيه شيئا من رسل ولا جداء ولا طرفة ولا غير ذلك إلا ابتعت منه فاخره، وبعثت به إليه مع الدجاج كان عندنا. قال: فبينا أنا أدور في السوق إذ وقف علي عبد لإسماعيل بن عبد الله يساومني بحمل علف لي. فلم أزل أنا وهو حتى أخذه مني بعشرة دراهم، وذهب به فطرحه لظهره. وخرجت عند الرواح أتقاضى العبد ثمن حملي، فإذا هو لإسماعيل بن عبد الله ولم أكن دريت. فلما رآني مولاه حياني ورحب بي، وقال: هل من حاجة يا أبا إسحاق. فأعلمه العبد أن العلف لي. فأجلسني فتغديت عنده، ثم أمر لي مكان كل درهم منها بدينار، وكانت معه زوجته فاطمة بنت عباد، فبعثت إلي بخمسة دنانير. قال: وراحوا، وخرجت بالدنانير ففرقتها على غرمائي، وقلت: عند ابن عمران عوض منها. قال: فأقام عندي ثلاثا، وأتاه جملاه، فما فعل لي شيئا. فبينا هو يترحل وفي نفسه مني ما لا أدري به، إذ كلم غلاما له بشيء فلم يفهم. فأقبل علي فقال: ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي، قد والله آذيتني ومنعتني ما أردت. فقمت مغتما بالذي قال؛ حتى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان فسألني: هل فعل إليك شيئا? فقلت: أنا والله بخير إذ تلف مالي وربحت بدني. قال: وطلع علي وأنا أقولها، فشتمني والله يا أبا عبد الله حتى ما أبقى لي، وزعم أنه لو لا إحرامه لضربني؛ وراح وما أعطاني ردهما. فقلت:
يا من يعين على ضيف ألم بـنـا ليس بذي كـرم يرجـى ولا دين
أقام عندي ثلاثا سـنة سـلـفـت أغضيت منها على الأقذاء والهون
مسافة البيت عشر غير مشـكـلة وأنت تأتيه في شهر وعـشـرين
لست تبالي فوات الحج إن نصبت ذات الكلال وأسمنت ابن حرقين
تحدث الناس عما فيك مـن كـرم هيهات ذاك لضيفان المسـاكـين
أصبحت تخزن ما تحوي وتجمعه أبا سليمان مـن أشـلاء قـارون
مثل ابن عمران أباء له سلـفـوا يجزون فعل ذوي الإحسان بالدون
أن تكون كإسـمـاعـيل إن لـه رأيا أصيلا وفعلا غير ممـنـون
أو مثل زوجته فيمـا ألـم بـهـا هيهات من أمها ذات النطـاقـين فلما أنشدها قال له محمد بن عبد العزيز: نحن نعينك يا أبا إسحاق؛ لقوله: يا من يعين . قال: قد رفعك الله عن العون الذي أريده، ما أردت إلا رجلا مثل عبد الله بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلبة يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره. قال: ولما بلغ في إنشاده إلى قوله:
مثل ابن عمران أباء له سلفوا
صفحة : 474
أقبل علي فقال: عذرا إلى الله تعالى وإليكم إني لم أعن من آبائه طلحة بن عبيد الله. قال: ونزل إليه إسماعيل بن جعفر بن محمد، وكان عندنا، فلم يكلمه حتى ضرب أنفه، وقال له: فعنيت من آبائه أبا سليمان محمد بن طلحة يا دعي قال: فدخلنا بينهما. وجاء رسول محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى ابن هرمة يدعوه، فذهب إليه. فقال له: ما الذي بلغني من هجائك أبا سليمان والله لا أرضى حتى تحلف ألا تقول له أبدا إلا خيرا، وحتى تلقاه فترضاه إذا رجع، وتحتمل كل ما أنزل إليك وتمدحه. قال: أفعل، بالحب والكرامة. قال: وإسماعيل بن جعفر لا تعرض له إلا بخير؛ قال نعم. قال: فأخذ عليه الأيمان فيهما وأعطاه ثلاثين دينارا، وأعطاه محمد بن عبد العزيز مثلها. قال: واندفع ابن هرمة يمدح محمد بن عمران:
ألم تر أن القول يخلص صدقـه وتأبى فما تزكو لباغ بواطـلـه
ذممت امرأ لم يطبع الذم عرضه قليلا لدى تحصيله من يشاكلـه
فما بالحجاز من فتى ذي إمـارة ولا شرف إلا ابن عمران فاضله
فتى لا يطور الذم ساحة بـيتـه وتشقى به ليل التمام عـواذلـه خبره مع ابن عمران أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا أحمد بن عمر الزهري قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن جعفر المسوري قال: مدح إبراهيم بن هرمة محمد بن عمران الطلحي، فألقاه راويته وقد جاءته عير له تحمل غلة قد جاءته من الفرع أو خيبر. فقال له رجل كان عنده: أعلم والله أن أبا ثابت بن عمران بن عبد العزيز أغراه بك وأنا حاضر عنده وأخيره بعيرك هذه. فقال: إنما أراد أبو ثابت أن يعرضني للسانه، قودوا إليه القطار، فقيد إليه.
خبره مع عمر بن القاسم أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد عن عبد الله بن عمر بن القاسم قال: جاء أبي تمر من صدقة عمر؛ فجاءه ابن هرمة فقال: أمتع الله بك أعطني من هذا التمر. قال: يا أبا إسحاق لولا أني أخاف أن تعمل منه نبيذا لأعطيتك. قال: فإذا علمت أني عملت منه نبيذا لا تعطيني. قال: فخافه فأعطاه. فلقيه بعد ذلك؛ فقال له: ما في الدنيا أجود نبيذ يجيء من صدقة عمر؛ فأخجله.
سمع جرير شعره فمدحه أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال: قدم جرير المدينة، فأتاه ابن هرمة وابن أذينة فأنشداه؛ فقال جرير: القرشي أشعرهما، والعربي أفصحهما.
مدحه المطلب بن عبد الله وهوغلام أخبرنا يحيى بن علي إجازة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد: أن ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله:
لما رأيت الحادثات كنـفـنـنـي وأورثنني بؤسى ذكرت أبا الحكم
سليل ملوك سبعة قد تتـابـعـوا هم المصطفون والمصفون بالكرم فلاموه وقالوا: أتمدح غلاما حديث السن بمثل هذا قال نعم وكانت له ابنة يلقبها عيينة - وقال الزبير: كان يلقبها عينة - فقال:
كانت عيينة فينا وهي عاطـلة بين الجواري فحلاها أبو الحكم
فمن لحانا على حسن المقال له كان المليم وكنا نحن لم نـلـم شكايته لعبد العزيز بن المطلب قال يحيى وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري عن نوفل بن ميمون قال: أرسل ابن هرمة إلى عبد العزيز بن المطلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله؛ فبعث إليه بخمسة عشر دينارا. فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر بعد ذلك؛ فقال: أنا والله ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطلب. وكان عبد العزيز قد خطب امرأة من ولد عمر فردته، فخطب امرأة من بني عامر بن لؤي فزوجوه. فقال ابن هرمة:
خطبت إلى كعب فردوك صاغرا فحولت من كعب إلى جذم عامر
وفي عامر عـز قـديم وإنـمـا أجازك فيهم هزل أهل المقابـر وقال فيه أيضا:
أبا البخل تطلب ما قدمـت عرانين جادت بأموالـهـا
هيهات خالفت فعل الكرام خلاف الجمال بأبوالـهـا خبره مع امرأة تزوجها
صفحة : 475
وقال هارون بن محمد حدثني مغيرة بن محمد قال حدثني أبو محمد السهمي قال حدثني أبو كاسب قال: تزوج ابن هرمة بامرأة؛ فقالت له: أعطني شيئا؛ فقال: والله ما معي إلا نعلاي، فدفعهما إليها، ومضى معها فتوركها مرارا. فقالت له: أجفيتني؛ فقال لها: الذي أحفى صاحبه منا يعض بظر أمه.
جود الحكم بن المطلب أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني المسيبي أحمد بن إسحاق قال حدثني إبراهيم بن سكرة جار أبي ضمرة قال: جلس ابن هرمة مع قوم على شراب، فذكر الحكم بن المطلب فأطنب في مدحه. فقالوا له: إنك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها غراء تسأله إياها لردك عنها. فقال: أهو يفعل هذا? قالوا: إي والله. وكانوا قد عرفوا أن الحكم بها معجب، وكان في داره سبعون شاة تحلب. فخرج وفي رأسه ما فيه، فدق الباب فخرج إليه غلامه. فقال له: أعلم أبا مروان بمكاني - وقد كان أمر ألا يحجب إبراهيم بن هرمة عنه - فأعلمه به، فخرج إليه متشحا فقال: أفي مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق فقال: نعم جعلت فداك، ولد لأخ لي مولود فلم تدر عليه أمه، فطلبوا له شاة حلوبة فلم يجدوها، فذكروا لها شاة عندك يقال لها غراء ، فسألني أن أسألكها. فقال: أتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة والله لا تبقى في الدار شاة إلا انصرفت بها، سقهن معه يا غلام، فساقهن. فخرج بهن إلى القوم، فقالوا: ويحك أي شيء صنعت فقص عليهم القصة. قال: وكان فيهن والله ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر من عشرة.
لما سمع بقتل الوليد أنشد قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق قال ذكر أبي عن أيوب بن عباية عن عمر بن أيوب الليثي قال: شرب ابن هرمة عندنا يوما فسكر فنام. فلما حضرت الصلاة تحرك أو حركته. فقال لي وهو يتوضأ: ما كان حديثكم اليوم? قلت يزعمون أن الوليد قتل؛ فرفع رأسه إلي وقال:
وكانت أمور الناس منبتة القوى فشد الوليد حين قام نظامـهـا
خليفة حق لا خلـيفة بـاطـل رمى عن قناة الدين حتى أقامها ثم قال لي: إياك أن تذكر من هذا شيئا؛ فإني لا أدري ما يكون.
قول ابن الأعرابي ختم الشعراء بابن هرمة أخبرني علي بن سليمان النحوي قال حدثنا أبو العباس الأحول عن ابن الأعرابي: أنه كان يقول: ختم الشعراء بابن هرمة.
خبر سكره أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني أحمد بن يحيى البلاذري: أن ابن هرمة كان مغرما بالنبيذ، فمر على جيرانه وهو شديد السكر حتى دخل منزله. فلما كان من الغد دخلوا عليه فعاتبوه على الحال التي رأوه عليها؛ فقال لهم: أنا في طلب مثلها منذ دهر، أما سمعتم قولي:
أسأل الله سكرة قبل موتي وصياح الصبيان يا سكران قال: فنفضوا ثيابهم وخرجوا، وقالوا: ليس يفلح والله هذا أبدا.
لم يحمل جنازته إلا أربعة نفر
وكان ذلك مصداقا لشعر له: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: أنشدني عمي لابن هرمة:
ما أظن الزمان يا أم عمر تاركا إن هلكت من يبكيني قال فكان والله كذلك؛ لقد مات فأخبرني من رأى جنازته ما يحملها إلا أربعة نفر، حتى دفن بالبقيع.
مولده سنة 90
قال يحيى بن علي - أراه عن البلاذري -: ولد ابن هرمة سنة تسعين، وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة قصيدته التي يقول فيها:
إن الغواني قد أعرضن مقـلـية لما رمى هدف الخمسين ميلادي قال: ثم عمر بعدها مدة طويلة.
ذكر أخبار يونس الكاتب
نسب يونس الكاتب ومنشؤه
ومن أخذ عنهم، وهو أول من دون الغناء:
هو يونس بن سليمان بن كرد بن شهريار، ولد من هرمز. وقيل: إنه مولى لعمرو بن الزبير. ومنشؤه ومنزله بالمدينة. وكان أبوه فقيها، فأسلمه في الديوان فكان من كتابه. وأخذ الغناء عن معبد وابن سريج وابن محرز والغريض، وكان أكثر روايته عن معبد؛ ولم يكن في أصحاب معبد أحذق ولا أقوم بما أخذ عنه منه. وله غناء حسن، وصنعة كثيرة، وشعر جيد. وكتابه في الأغاني ونسبها إلى من غنى فيها هو الأصل الذي يعمل عليه ويرجع إليه. وهو أول من دون الغناء.
صفحة : 476
شعر مسعود بن خالد في مدحه
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال أنشدني مسعود بن خالد المورياني لنفسه في يونس:
يا يونس الكاتب يا يونـس طاب لنا اليوم بك المجلس
إن المغنـين إذا مـا هـم جاروك أخنى بهم المقبس
تنشر ديباجا وأشـبـاهـه وهم إذا ما نشروا كربسوا خبره مع بعض الفتيان في وادي دومة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: ذكر إبراهيم بن قدامة الجمحي قال: اجتمع فتيان من فتيان أهل المدينة فيهم يونس الكاتب وجماعة ممن يغني، فخرجوا إلى واد يقال له دومة من بطن العقيق، في أصحاب لهم فتغنوا، واجتمع إليهم نساء أهل الوادي - قال بعض من كان معهم: فرأيت حولنا مثل مراح الضأن -وأقبل محمد بن عائشة ومعه صاحب له؛ فلما رأى جماعة النساء عندهم حسدهم، فالتفت إلى صاحبه فقال: أما والله لأفرقن هذه الجماعة فأتى قصرا من قصور العقيق، فعلا سطحه وألقى رداءه واتكأ عليه وتغنى: صوت
هذا مقـام مـطـرد هدمت منازله ودوره
رقى عليه عـداتـه ظلما فعاقبه أمـيره - الغناء لابن عائشة رمل بالوسطى، والشعر لعبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب، وقيل: إنه لعبد الله بن أبي كثير مولى بني مخزوم - قال: فوالله ما قضى صوته حتى ما بقيت امرأة منهن إلا جلست تحت القصر الذي هو عليه وتفرق عامة أصحابهم. فقال يونس وأصحابه: هذا عمل ابن عائشة وحسده.
صاحب الشعر الذي تغنى به ابن عائشة أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى عن أبيه قال: تزوج عبد الله بن أبي كثير مولى بني مخزوم بالعراق في ولاية مصعب بن الزبير امرأة من بني عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي، ففرق مصعب بينهما. فخرج حتى قدم على عبد الله بن الزبير بمكة فقال:
هذا مـقـام مــطـــرد هدمت مـنـازلـه ودوره
رقـت عـلـيه عـداتــه كذبا فـعـاقـبـه أمـيره
في أن شربـت بـجـم مـا وكـان حـلا لـي غـديره
فلقد قطعت الـخـرق بـع د الخرق معتسفـا أسـيره
حتـى أتـيت خـلــيفة ال رحمن ممـهـودا سـريره
حييتـه بــتـــحـــية في مجلس حضرت صقوره فكتب عبد الله بن مصعب: أن ازدد عليه امرأته؛ فإني لا أرحم ما أحل الله عز وجل؛ فردها عليه. هذه رواية عمر بن شبة.
وأخبرني الحسن بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني عن سحيم بن حفص: أن المتزوج بهذه المرأة عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب، وأن المفرق. بينهما الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الذي يقال له القباع؛ وذكر باقي الخبر مثل الأول.
مع الوليد بن يزيد في الشام
أخبرني عمي قال حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي قال حدثني أحمد بن الهيثم قال: خرج يونس الكاتب من المدينة إلى الشام في تجارة؛ فبلغ الوليد بن يزيد مكانه؛ فلم يشعر يونس إلا برسله قد دخلوا عليه الخان، فقالوا له: أجب الأمير - والوليد إذ ذاك أمير - قال: فنهضت معهم حتى أدخلوني على الأمير، لا أدري من هو، إلا أنه من أحسن الناس وجها وأنبلهم، فسلمت عليه، فأمرني بالجلوس، ثم دعا بالشراب والجواري؛ فكنا يومنا وليلتنا في أمر عجيب. وغنيته فأعجب بغنائي إلى أن غنيته:
إن يعش مصعب فنحن بخير قد أتانا من عيشنا ما نرجي ثم تنبهت فقطعت الصوت. فقال: ما لك? فأخذت أعتذر من غنائي بشعر في مصعب. فضحك وقال: إن مصعبا قد مضى وانقطع أثره ولا عداوة بيني وبينه، وإنما أريد الغناء، فأمض الصوت؛ فعدت فيه فغنيته. فلم يزل يستعيدنيه حتى أصبح، فشرب مصطبحا وهو يستعيدني هذا الصوت ما يتجاوزه حتى مضت ثلاثة أيام. ثم قلت له: جعلني الله فداء الأمير أنا رجل تاجر خرجت مع تجار وأخاف أن يرتحلوا فيضيع مالي. فقال لي: أنت تغدو غدا؛ وشرب باقي ليلته، وأمر لي بثلاثة آلاف دينار فحملت إلي، وغدوت إلى أصحابي. فلما خرجت من عنده سألت عنه، فقيل لي: هذا الأمير الوليد بن يزيد ولي عهد أمير المؤمنين هشام. فلما استخلف بعث إلي فأتيته، فلم أزل معه حتى قتل.
صفحة : 477
صوت من المائة المختارة
أصواته المعروفة بالزبائب
أقصدت زينب قلبي بعـد مـا ذهب الباطل عني والـغـزل
وعلا المفرق شـيب شـامـل واضح في الرأس مني واشتعل الشعر لابن رهيمة المدني. والغناء في اللحن المختار لعمر الوادي ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وفيه ليونس الكاتب لحنان: أحدهما خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه أيضا. وفيه رملان بالوسطى والبنصر: أحدهما لابن المكي، والآخر لحكم، وقيل: إنه لإسحاق من رواية الهشامي. ولحن يونس في هذا الشعر من أصواته المعروفة بالزيانب، والشعر فيها كلها لابن رهيمة في زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ وهي سبعة: أحدها قد مضى. والآخر: <H6 صوت</H6
أقصدت زينب قلبي وسبت عقلي ولبي
تركتني مستهامـا أستغيث الله ربـي
ليس لي ذنب إليها فتجازيني بذنبـي
ولها عندي ذنـوب في تنائيها وقربي غناه يونس رملا بالبنصر. وفيه لحكم هزج خفيف بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها: <H6 صوت</H6
وجد الفؤاد بـزينـبـا وجدا شديدا متعـبـا
أصبحت من وجدي بها أدعى سقيما مسهبـا
وجعلت زينب ستـرة وأتيت أمرا معجـبـا غناه يونس ثقيلا أول مطلقا في مجرى البنصر عن عمرو وإسحاق، وهو مما يشك فيه من غناء يونس. ولعلية بنت المهدي فيه ثقيل أول آخر لا يشك فيه أنه لها، كنت فيها رشأ الخادم - وذكر أحمد بن عبيد أن فيه من الغناء لحنين هما جميعا من الثقيل الأول ليونس - ومن لا يعلم يزعم أن الشعر لها.
<H6 صوت</H6
إنما زينب الـمـنـى وهي الهم والـهـوى
ذات دل تضني الصحي ح وتبري من الجوى
لا يغـرنـك أن دعـو ت فؤادي فما التـوى
واحذري هجرة الحبي ب إذا مـل وانـزوى غناه يونس رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها: <H6 صوت</H6
إنمـا زينـب هـمـي بأبـي تـلـك وأمـي
بأبـي زينـــب لا أك ني ولكنـي أسـمـي
بأبي زينـب مـن قـا ض قضى عمدا بظلمي
بأبي مـن لـيس فـي قلبـه قـيراط رحـم غناه يونس رملا بالبنصر عن عمرو، وله فيه لحن آخر.
ومنها: <H6 صوت</H6
يا زينب الحسناء يا زينـب يا أكرم الناس إذا تنـسـب
تقيك نفسي حادثات الـردى والأم تفديك مـعـا والأب
هل لك في ود امرئ صادق لا يمذق الـود ولا يكـذب
لا يبتغي في وده محـرمـا هيهات منك العمل الأريب غناه يونس ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها: <H6 صوت</H6
فليت الذي يلحى على زينب المنى تعلقه ممـا لـقـيت عـشـير
فحسبي له بالعشر مما لـقـيتـه وذلك فيمـا قـد تـراه يسـير غناه يونس ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن الهشامي.
<H6 هذه سبعة أصوات قد مضت وهي المعروفة بالزيانب </H6 ومن الناس من يجعلها ثمانية، ويزيد فيها لحن يونس في:
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب وليس هذا منها؛ وإن كان ليونس لحنه، فإن شعره لحجية بن المضرب الكندي، وقد كتب في موضع آخر؛ وإنما الزيانب في شعر ابن رهيمة. ومنهم من يعدها تسعة ويضيف إليها:
قولا لـزينـب لـو رأي ت تشوقي لك واشترافي وهذا اللحن لحكم. والشعر لمحمد بن أبي العباس السفاح في زينب بنت سليمان بن علي، وقد كتب في موضع آخر.
انقضت أخبار يونس الكاتب.
أخبار ابن رهيمة
تشبيبه بزينب بنت عكرمة
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق قال:
صفحة : 478
كان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ويغني يونس بشعره، فافتضحت بذلك. فاستدعى عليه أخوها هشام بن عبد الملك، فأمر بضربه خمسمائة سوط، وأن يباح دمه إن وجد قد عاد لذكرها، وأن يفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره. فهرب هو ويونس فلم يقدر عليهما. فلما ولي الوليد بن يزيد ظهرا. وقال ابن رهيمة:
لئن كنت أطردتني ظالمـا لقد كشف الله ما أرهـب
ولو نلت مني ما تشتـهـي لقل إذا رضـيت زينـب
وما شئت فاصنعه بي بعد ذا فحبي لزينـب لا يذهـب وفي الأصوات المعروف
قصته مع أسلمي ضافه
حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: زرت عبد الله بن حسن بباديته وزاره ابن هرمة، فجاء رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله سل الأسلمي أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره. فقال له عبد الله بن حسن: ائذن له، فأذن له الأسلمي. فقال له إبراهيم بن هرمة: إني خرجت - أصلحك الله - أبغي ذودا لي، فأوحشت وضفت هذا الأسلمي، فذبح لي شاة وخبز لي خبزا وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء الله. ثم خرجت أيضا في بغاء ذود لي، فأوحشت فضفته فقراني بلبن وتمر، ثم غدوت من عنده فأقمت ما شاء الله. ثم خرجت في بغاء ذود لي، فأوحشت، فقلت: لو ضفت الأسلمي فاللبن والتمر خير من الطوى؛ فضفته فجاءني بلبن حامض. فقال: قد أجبته - أصلحك الله - إلى ما سأل، فسله أن يأذن لي أن أخبرك لما فعلت. فقال له: ائذن له؛ فأذن له. فقال الأسلمي: ضافني، فسألته من هو? فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشاة التي ذكر، ووالله لو كان غيرها عندي لذبحته له حين ذكر أنه من قريش. ثم غدا من عندي وغدا علي الحي فقالوا: من كان ضيفك البارحة? قلت: رجل من قريش؛ فقالوا: لا والله ما هو من قريش، ولكنه دعي فيها. ثم ضافني الثانية على أنه دعي في قريش، فجئته بلبن وتمر وقلت: دعي قريش خير من غيره. ثم غدا من عندي وغدا علي الحي فقالوا: من كان ضيفك البارحة? قلت الرجل الذي زعمتم أنه دعي في قريش؛ فقالوا: لا والله ما هو بدعي في قريش، ولكنه دعي أدعياء قريش. ثم جاءني الثالثة، فقريته لبنا حامضا، ووالله لو كان عندي شر منه لقريته إياه. قال: فانخذل ابن هرمة، وضحك عبد الله وضحكنا معه.
لقاؤه ابن ميادة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني نوفل بن ميمون قال: لقي ابن ميادة ابن هرمة، فقال ابن ميادة: والله لقد كنت أحب أن ألقاك، لا بد من أن نتهاجى، وقد فعل الناس ذلك قبلنا، فقال ابن هرمة: بئس والله ما دعوت إليه وأحببته، وهو يظنه جادا. ثم قال له ابن هرمة: أما والله إنني للذي أقول:
إني لميمون جـوارا وإنـنـي إذا زجر الطير العدا لمشـوم
وإني لملآن العنان مـنـاقـل إذا ما ونى يوما ألـف سـؤوم
فود رجال أن أمي تقـنـعـت بشيب يغشي الرأس وهي عقيم فقال ابن ميادة: وهل عندك جراء? ثكلتك أمك أنت ألأم من ذلك ما قلت إلا مازحا.
أخبرنا به وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال قال عبد العزيز بن عمران: اجتمع ابن هرمة وابن ميادة عند جميع بن عمر بن الوليد، فقال ابن ميادة لابن هرمة: قد كنت أحب أن القاك ثم ذكر نحوه.
أنكر عليه مضغه الناطف
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال حدثني أبو سلمة الغفاري عن أبيه قال:
صفحة : 467
وفدت على المهدي في جماعة من أهل المدينة، وكان فيمن وفد يوسف بن موهب وكان في رجال بني هاشم من بني نوفل، وكان معنا ابن هرمة؛ فجلسنا يوما على دكان قد هيئ لمسجد ولم يسقف، في عسكر المهدي؛ وقد كنا نلقي الوزراء وكبراء السلطان، وكانوا قد عرفونا؛ وإذا حيال الدكان رجل بين يديه ناطف يبيعه يوم شات شديد البرد، فأقبل إذ ضربه بفأسه فتطاير جفوفا؛ فأقبل ابن هرمة علينا، فقال ليوسف: يابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما معك درهم نأكل به من هذا الناطف? فقال له: متى عهدتني أحمل الدراهم قال: فقلت له: لكني أنا معي، فأعطيته درهما خفيفا، فاشترى به ناطفا على طبق للناطفي فجاء بشيء كثير، فأقبل يتمضغه وحده ويحدثنا ويضحك. فما راعنا إلا موكب أحد الوزيرين: أبي عبيد الله أو يعقوب بن داود. ثم أقبلت المطرقة؛ فقلنا: مالك قاتلك الله يهجم علينا هذا وأصحابه، فيرون الناطف بين أيدينا فيظنون أنا نأكل معك. قال: فوالله ما أحد أولى بالستر على أصحابه وتقلد البلية منك يا ابن عم رسول الله فضعه بين يديك. قال: اعزب قبحك الله قال: فأنت يابن أبي ذر، فزبرته. قال: فقال: قد علمت أنه لا يبتلى بهذا إلا دعي أدعياء عاض كذا من أمه. ثم أخذ الطبق في يده فحمله وتلقى به الموكب، فما مر به أحد له نباهة إلا مازحه، حتى مضى القوم جميعا.
مدح عبد الله بن حسن فأكرمه
وقال هارون حدثني أبو حذافة السهمي قال حدثنا إسحاق بن نسطاس قال: كان أبو هرمة مشتهرا بالنبيذ، فأتى عبد الله بن حسن وهو بالسيالة، فأنشده مديحا له. فقام عبد الله إلى غنم كانت له، فرمى بساجة عليها فافترقت فرقتين، فقال: أيهما شئت - قال: فإما أن تكون زادت بواحدة أو نقصت بواحدة على الأخرى. قال: وكانت ثلاثمائة - وكتب له إلى المدينة بدنانير. فقال له: يا ابن هرمة، انقل عيالك إلينا يكونوا مع عيالنا. فقال: أفعل يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قدم ابن هرمة المدينة وجهز عياله لينقلهم إلى عبد الله بن حسن، واكترى من رجل من مزينة.
فبينا هو قد شد متاعه وحمله والكري ينتظره أن يتحمل، إذا أتاه صديق له، فقال: أي أبا إسحاق، عندي والله نبيذ يسقط لحم الوجه. فقال: ويحك أما ترانا على مثل هذا الحال أعليها يمكن الشراب فقال: إنما هي ثلاثة لا تزد عليهن شيئا. فمضى معهم وهم وقوف ينظرون؛ فلم يزل يشرب حتى مضى من الليل صدر صالح؛ ثم أتي به وهو سكران، فطرح في شق المحمل وعادلته امرأته ومضوا.
فلما أسحروا رفع رأسه فقال: أين أنا? فأقبلت عليه امرأته تلومه وتعذله، وقالت: قد أفسد عليك هذا النبيذ دينك وديناك، فلو تعللت عنه بهذه الألبان فرفع رأسه إليها وقال:
لا نبتغي لبن البعير وعنـدنـا ماء الزبيب وناطف المعصار هو أحد من ختم بهم الشعراء
في رأي الأصمعي:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا زكريا بن يحيى بن خلاد قال: كان الأصمعي يقول: ختم الشعراء بابن هرمة، والحكم الخضري، وابن ميادة، وطفيل الكناني، ومكين العذري.
رهن رداءه في النبيذ
قال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثني أبو حذافة السهمي أحمد بن إسماعيل قال: كان ابن هرمة مدمنا للشراب مغرما به؛ فأتى أبا عمرو بن أبي راشد مولى عدوان؛ فأكرمه وسقاه أياما ثلاثة. فدعا ابن هرمة؛ فقال له غلام لأبي عمرو ابن أبي راشد: قد نفذ نبيذنا. فنزع ابن هرمة رداءه عن ظهره فقال للغلام: إذهب به إلى ابن حونك نباذ كان بالمدينة، فأرهنه عنده وأتنا بنبيذ، ففعل. وجاء ابن أبي راشد، فجعل يشرب معه من ذلك النبيذ. فقال له: أين رداؤك يا أبا إسحاق? فقال: نصف في القدح ونصف في بطنك.
طائفة من أخباره
قال هارون حدثني محمد بن عمر بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال حدثني عمي عبد العزيز بن إسماعيل قال: مدح ابن هرمة محمد بن عمران الطلحي، وبعث إليه بالمديح مع ابن ربيح، فاحتجب عنه؛ فمدح محمد بن عبد العزيز؛ وكان ابن هرمة مريضا، فقال قصيدته التي يقول فيها:
إني دعوتك إذ جفيت وشـفـنـي مرض تضاعفني شديد المشتكـى
وحسبت عن طلب المعيشة وارتقت دوني الحوائج في وعور المرتقى
صفحة : 468
فأجب أخاك فقـد أنـاف بـصـوتـه يا ذا الإخاء ويا كريم الـمـرتـجـى
ولقد حفيت صـبـيت عـكة بـيتـنـا ذوبا ومزت بصفوه عـنـك الـقـذى
فخذ الغنـيمة واغـتـنـمـي إنـنـي غنم لمثلك والـمـكـارم تـشـتـرى
لا ترمين بحـاجـتـي وقـضـائهـا ضرح الحجاب كما رمى بي من رمى فركب إلى جعفر بن سليمان نصف النهار؛ فقال: ما نزعك يا أبا عبد الله في هذا الوقت? قال: حاجة لم أر فيها أحدا أكفى مني. قال: وما هي? قال: قد مدحني ابن هرمة بهذه الأبيات، فأردت من أرزاقي مائة دينار. قال: ومن عندي مثلها. قال: ومن أمير المؤمنين أيضا قال: فجاءت المائتا الدينار إلى ابن هرمة، فما أنفق منها إلا دينارا واحدا حتى مات، وورث الباقي أهله.
وقال أحمد بن أبي خيثمة عن أبي الحسن المدائني قال: امتدح ابن هرمة أبا جعفر فوصله بعشرة آلاف درهم. فقال: لا تقع مني هذه. قال: ويحك إنها كثيرة. قال: إن أردت أن تهنئني فأبح لي الشراب فإني مغرم به. فقال: ويحك هذا حد من حدود الله. قال: احتل لي يا أمير المؤمنين. قال نعم. فكتب إلى والي المدينة: من أتاك بابن هرمة سكران فاضربه مائة واضرب ابن هرمة ثمانين. قال: فجعل الجلواز إذا مر بابن هرمة سكران، قال: من يشتري الثمانين بالمائة أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أبو سلمة الغفاري قال أخبرنا ابن ربيح راوية ابن هرمة: أصابت ابن هرمة أزمة؛ فقال لي في يوم حار: اذهب فتكار حمارين إلى ستة أميال، ولم يسم موضعا. فركب واحدا وكبت واحدا، ثم سرناحتى صرنا إلى قصور الحسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده. فلما مالت الشمس خرج علينا مشتملا على قميصه، فقال لمولى له: أذن فأذن، ولم يكلمنا كلمة. ثم قال له: أقم فأقام، فصلى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحبا بك يا أبا إسحاق، حاجتك? قال: نعم، بأبي أنت وأمي، أبيات قلتها - وقد كان عبد الله وحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن وعدوه شيئا فأخلفوه - فقال: هاتها. فقال:
أما بنو هاشم حولي فقد قـرعـوا نبل الضباب التي جمعت في قرن
فما بيثرب منهم مـن أعـاتـبـه إلا عوائد أرجوهن من حـسـن
الله أعطاك فضلا من عـطـيتـه على هن وهن فيما مضى وهـن قال: حاجتك قال: لابن أبي مضرس علي خمسون ومائة دينار. قال فقال لمولى له: يا هيثم، اركب هذه البغلة فأتني بابن أبي مضرس وذكر حقه. قال: فما صلينا العصر حتى جاء به. فقال له: مرحبا بك يابن أبي مضرس، أمعك ذكر حقك على ابن هرمة قال نعم. قال: فامحه، فمحاه. ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرس من تمر الخانقين بمائة وخمسين دينارا وزده على كل دينار ربع دينار، وكل ابن هرمة بخمسين ومائة دينار تمرا، وكل ابن ربيح بثلاثين دينارا تمرا. قال: فانصرفنا من عنده؛ فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته فقال: أي ماص بنظر أمه أنت القائل:
على هن وهن فيما مضى وهن فقال: لا والله ولكني الذي أقول لك:
لا والذي أنت منه نعمة سلفت نرجو عواقبها في آخر الزمن
لقد أتيت بأمر ما عمـدت لـه ولا تعمده قولي ولا سنـنـي
فكيف أمشي مع الأقوام معتدلا وقد رميت برئ العود بالأبن
ما غيرت وجهه أم مهـجـنة إذا القتام تغشى أوجه الهجـن قال هارون: فحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال:
صفحة : 469
لما قال ابن هرمة هذا الشعر في حسن بن زيد، قال عبد الله بن حسن: والله ما أراد الفاسق غيري وغير أخوي: حسن وإبراهيم. وكان عبد الله يجري على ابن هرمة رزقا فقطعه عنه وغضب عليه. فأتاه يعتذر، فنحي وطرد؛ فسأل رجالا أن يكلموه، فردهم؛ فيئس من رضاه واجتنبه وخافه. فمكث ما شاء الله، ثم مر عشية وعبد الله على زربية في ممر المنبر، ولم تكن تبسط لأحد غيره في ذلك المكان. فلما رأى عبد الله تضاءل وتقنفذ وتصاغر وأسرع على المشي. فكأن عبد الله رق له، فأمر به فرد عليه، فقال: يا فاسق، يا شارب الخمر، على هن وهن أتفضل الحسن علي وعلى أخوي فقال: بأبي أنت وأمي ورب هذا القبر ما عنيت إلا فرعون وهامان وقارون، أفتغضب لهم فضحك وقال: والله ما أحسبك إلا كاذبا. قال: والله ما كذبتك. فأمر بأن ترد عليه جرايته.
قصيدة له خالية من الحروف المعجمة أخبرني يحيى بن علي إجازة قال أخبرني أبو أيوب المديني عن مصعب قال: إنما اعتذر ابن هرمة بهذا إلى محمد بن عبد الله بن حسن: قال يحيى: وأخبرني أبو أيوب عن علي بن صالح قال: أنشدني عامر بن صالح قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا، ليس فيها حرف يعجم؛ وذكر هذه الأبيات منها. ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة، ولا كنت أظن أن أحدا تقدم رزينا العروضي إلى هذا الباب. وأولها:
أرسم سودة أمسى دارس الطلل معطلا رده الأحوال كالحلـل هكذا ذكر يحيى بن علي في خبره أن القصيدة نحو من أربعين بيتا، ووجدتها في رواية الأصمعي ويعقوب بن السكيت اثني عشر بيتا، فنسختها ها هنا للحاجة إلى ذلك. وليس فيها حرف يعجم إلا ما اصطلح عليه الكتاب من تصبيرهم مكان ألف ياء مثل أعلى فإنها في اللفظ بالألف وهي تكتب بالياء، ومثل رأى ونحو هذا، وهو في التحقيق في اللفظ بالألف، وإنما اصطلح الكتاب على كتابته بالياء كما ذكرناه. والقصيدة:
أرسم سودة محل دارس الطلـل معطل رده الأحوال كالحـلـل
لما رأى أهلها سدوا مطالعـهـا رام الصدود وعاد الود كالمهـل
وعـاد ودك داء لا دواء لـــه ولو دعاك طوال الدهر للرحـل
ما وصل سودة إلا وصل صارمة أحلها الدهر دارا مأكل الوعـل
وعاد أمواهها سدما وطار لـهـا سهم دعا أهلها للصرم والعلـل
وصدوا وصد وساء المرء صدهم وحام للورد ردها حومة العلـل - حومة الماء، كثرته وغمرته. والعلل: الشرب الثاني. والرده: مستنقع الماء -:
وحلئوه رداها مـاؤهـا عـسـل ما ماء رده لعمر الله كالعـسـل
دعا الحمام حماما سد مسمـعـه لما دعـاه رآه طـامـح الأمـل
طموح سارحة حوم مـلـمـعة وممرع السر سهل ما كد السهل
وحاولوا رد أمـر لا مـرد لـه والصرم داء لأهل اللوعة الوصل
أحلك الله أعلى كـل مـكـرمة والله أعطاك أعلى صالح العمـل
سهل موارده سـمـح مـواعـده مسود لـكـرام سـادة حـمـل هجاؤه المسور بن عبد الملك قال يحيى بن علي وحدثني أبو أيوب المديني عن أبي حذيفة قال: كان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة، وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسب؛ فقال ابن هرمة فيه:
إياك لا ألزمن لحييك من لجمـي نكلا ينكل قراصا من اللـجـم
يدق لحييك أو تنقاد مـتـبـعـا مشي المقيد ذي القردان والحلم
إني إذا ما امرؤ خفت نعامـتـه إلي واستحصدت منه قوى الوذم
عقدت في ملتقى أوداج لبـتـه طوق الحمامة لا يبلى على القدم
إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله كفاي لكن لساني صائغ الكـلـم
إن الأديم الذي أمسيت تقـرظـه جهلا لذو نغل بـاد وذو حـلـم
ولا يئط بأيدي الخـالـقـين ولا أيدي الخـوالـق إلا جـيد الأدم هجاؤه عبد الله بن مصعب قال يحيى وحدثني أبو أيوب عن مصعب بن عبد الله عن أبيه قال:
صفحة : 470
لقيني ابن هرمة فقال لي: يابن مصعب، أتفضل علي ابن أذينة أما شكرت قولي:
فمالك مختلا علـيك خـصـاصة كأنك لم تنبت ببعض المنـابـت
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفـر ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت -يعني مصعب بن عبد الله - قال: فقلت: يا أبا إسحاق، أقلني وروني من شعرك ما شئت؛ فإني لم أرو لك شيئا. فرواني عباسياته تلك.
أكرم من رأى قال يحيى: وأخبرني أبو أيوب المديني عن مصعب بن عبد الله عن مصعب بن عثمان قال: قال ابن هرمة: ما رأيت أحدا قط أسخى ولا أكرم من رجلين: إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد الله بن معمر. أما إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال: أحسنوا ضيافة أبي إسحاق، فأتيت بكل شيء من الطعام، فأردت أن أنشده؛ فقال: ليس هذا وقت الشعر. ثم أخرج الغلام إلي قطعة فقال: ائت بها الوكيل. فأتيته بها، فقال: إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به، وإن شئت أعطيتك القيمة. قلت: وما أمر لي به? فقال: مائتا شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمال ومظلة وما تحتاج إليه، وقوتك وقوت عيالك سنة. قلت: فاعطني القيمة؛ فأعطاني مائتي دينار. وأما إبراهيم بن عبد الله فأتيته في منزلة بمشاش على بئر ابن الوليد بن عثمان بن عفان؛ فدخل إلى منزله ثم خرج إلي برزمة من ثياب وصرة من دراهم ودنانير وحلي، ثم قال: لا والله ما بقينا في منزلنا ثوبا نواري به امرأة، ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:
أرقتني تلومـنـي أم بـكـر بعد هدء واللوم قـد يؤذينـي
حذرتني الزمان ثمت قالـت ليس هذا الزمان بالمأمـون
قلت لما هبت تحذرني الـده ر دعي اللوم عنك واستبقيني
إن ذا الجود والمكـارم إبـرا هيم يعنيه كل ما يعـنـينـي
قد خبرناه في القديم فألـفـي نا مواعيده كعـين الـيقـين
قلت ما قلت للذي هـو حـق مستبين لا للذي يعـطـينـي
نضحت أرضنا سماؤك بعد ال جدب منها وبعد سوء الظنون
فرعينا آثار غيث هـراقـت ه يدا محكم القوى مـيمـون وقال هارون حدثنا حماد عن عبد الله بن إبراهيم الحجبي: أن إبلا لمحمد بن عمران تحمل علفا مرت بمحمد بن عبد العزيز الزهري ومعه ابن هرمة، فقال: يا أبا إسحاق، ألا تستعلف محمد بن عمران وهو يريد أن يعرضه لمنعه فيهجوه. فأرسل ابن هرمة في أثر الحمولة رسولا حتى وقف على ابن عمران، فأبلغه رسالته؛ فرد إليه الإبل بما عليها، وقال: أن احتجت إلى غيرها زدناك. فأقبل ابن هرمة على محمد بن عبد العزيز فقال له: اغسلها عني، فإنه إن علم أني استعلفته ولا دابة لي وقعت منه في سوءة. قال: بماذا? قال: تعطيني حمارك. قال: هو لك بسرجه ولجامه. فقال بن هرمة: من حفر حفرة سوء وقع فيها.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو يحيى هارون بن عبد الله الزهري عن ابن زريق، وكان منقطعا إلى أبي العباس بن محمد وكان من أروى الناس، قال: كنت مع السري بن عبد الله باليمامة، وكان يتشوق إلى إبراهيم بن علي بن هرمة ويحب أن يفد إليه؛ فأقول: ما يمنعك أن تكتب إليه? فيقول: أخاف أن يكلفني من المؤونة ما لا أطيق. فكنت أكتب بذلك إلى ابن هرمة، فكره أن يقدم عليه إلا بكتاب منه؛ ثم غلب فشخص إليه، فنزل علي ومعه راويته ابن ربيح. فقلت له: ما منعك من القدوم على الأمير وهو من الحرص على قدمك على ما كتبت به إليه? قال: الذي منعه من الكتاب إلي. فدخلت على السري فأخبرته بقدومه؛ فسر بذلك وجلس للناس مجلسا عاما، ثم أذن لابن هرمة فدخل عليه ومعه راويته ابن ربيح. وكان ابن هرمة قصيرا دميما أريمص، وكان ابن ربيح طويلا جسيما نقي الثياب. فسلم على السري ثم قال له: أصلحك الله إني قد قلت شعرا أثنيت فيه عليك. فقال: أنشد؛ فقال: هذا ينشد فجلس. فأنشده ابن ربيح قصيدته التي أولها:
عوجا على ربع ليلى أم محمـود كيما نسائله مـن دون عـبـود
عن أم محمود إذ نشط المزار بها لعل ذلك يشفي داء مـعـمـود
صفحة : 471
فعرجا بعد تغوير وقـد وقـفـت شمس النهار ولاذ الظل بالعـود
شيئا فما رجعت أطلال مـنـزلة قفر جوابا لمحزون الجوى مودي ثم قال فيها يمدح السري:
ذاك السري الذي لولا تـدفـقـه بالعرف متنا حليف المجد والجود
من يعتمدك ابن عبد الله مجتـديا لسيب عرفك يعمد خير معمـود
يا ابن الأساة الشفاة المستغاث بهم والمطعمين ذرى الكوم المقاحيد
والسابقين إلى الخيرات قومـهـم سبق الجياد إلى غاياتها الـقـود
أنت ابن مسلنطح البطحاء منبتكم بطحاء مكة لا روس القـراديد
لكم سقايتها قـدمـا ونـدوتـهـا قد حازها والد منكم لـمـولـود
لولا رجاؤك لم تعسف بنا قلـص أجواز مهمهة قفر الصوى بـيد
لكن دعاني وميض لاح معترضا من نحو أرضك في دهم مناضيد وأنشده أيضا قصيدة مدحه فيها، أولها:
أفي طلل قفر تحمـل آهـلـه وقفت وماء العين ينهل هامله
تسائل عن سلمى سفاها وقد نأت بسلمى نوى شحط فكيف تسائله
وترجو ولم ينطق وليس بناطق جوابا محيل قد تحمل آهـلـه
ونؤي كخط النون ما إن تبينـه عفته ذيول من شمال تـذايلـه ثم قال فيها يمدح السري:
فقل للسري الواصل البرذي الندى مديحا إذا ما بث صـدق قـائلـه
جواد على العلات يهتز لـلـنـدى كما اهتز غضب أخلصته صياقله
نفى الظلم عن أهل اليمامة عدلـه فعاشوا وزاح الظلم عنهم وباطله
وناموا بأمن بعـد خـوف وشـدة بسيرة عدل ما تخـاف غـوائلـه
وقد علم المعروف أنـك خـدنـه ويعلم هذا الجوع أنـك قـاتـلـه
بك الله أحيا الأرض حجر وغيرها من الأرض حتى عاش بالبقل آكله
وأنت ترجي للـذي أنـت أهـلـه وتنفع ذا القربى لـديك وسـائلـه وأنشده أيضا مما مدحه به قوله:
عوجا نحي الطلول بالكثـب
يقول فيها يمدحه:
دع عنك سلمى وقل محبرة لماجد الجد طيب الـنـسـب
محض مصفى العروق يحمده في العسر واليسر كل مرتغب
الواهب الخيل في أعنـتـهـا والوصفاء الحسان كالـذهـب
مجدا وحمـدا يفـيده كـرمـا والحمد في الناس خير مكتسب قال: فلما فرغ ابن ربيح، قال السري لابن هرمة: مرحبا بك يا أبا إسحاق ما حاجتك? قال: جئتك عبدا مملوكا. قال: لا بل حرا كريما وابن عم، فما ذاك? قال: ما تركت لي مالا إلا رهنته، ولا صديقا إلا كلفته - قال أبو يحيى: يقول لي ابن زريق: حتى كأن لي ديانا وعليه مالا - فقال له السري: وما دينك? قال: سبعمائة دينار. قال: قد قضاها الله عز وجل عنك. قال: فأقام أياما، ثم قال لي: قد اشتقت. فقلت له: قل شعرا تشوق فيه. فقال قصيدته التي يقول فيها:
أألحمامة في نخـل ابـن هـداج هاجت صبابة عاني القلب مهتاج
أم المخبر أن الغيث قد وضعـت منه العشار تماما غـير إخـداج
شقت سوائفها بالفرش من ملـل إلى الأعارف من حزن وأولاج
حتى كأن وجوه الأرض ملبـسة طرائفا من سدى عصب وديباج وهي طويلة مختارة من شعره، يقول فيها يمدح السري:
أما السري فإني سـوف أمـدحـه ما المادح الذاكر الإحسان كالهاجي
ذاك الذي هو بعد اللـه أنـقـذنـي فلست أنساه إنقاذي وإخـراجـي
ليث يحجر إذا ما هـاجـه فـزع هاج إلـيه بـإلـجـام وإسـراج
لأحبونك مما أصطـفـي مـدحـا مصاحبات لعـمـار وحـجـاج
أسدى الصنيعة من بر ومن لطـف إلى قروع لباب الـمـلـك ولاج
كم من يد لك في الأقوام قد سلفـت عند امرئ ذي غنى أو عند محتاج
صفحة : 472
فأمر له بسبعمائة دينار في قضاء دينه، ومائة دينار يتجهز بها، ومائة دينار يعرض بها أهله، ومائة دينار إذا قدم على أهله.
قوله: يعرض بها أهله أي يهدي لهم بها هدية، والعراضة: الهدية. قال الفرزدق يهجو هشام بن عبد الملك:
كانت عراضتك التي عرضتنا يوم المدينة زكمة وسعـالا إنكاره شعرا له في بني خوفا من العباسيين: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني نوفل بن ميمون قال أخبرني أبو مالك محمد بن علي بن هرمة قال: قال ابن هرمة:
ومهما ألام على حبـهـم فإني أحب بني فاطـمة
بني بنت من جاء بالمحكما ت والدين والسنة القائمه فلقيه بعد ذلك رجل فسأله: من قائلها? فقال: من عض بظر أمه. فقال له ابنه: يا أبت، ألست قائلها? قال: بلى. قال: فلم شتمت نفسك? قال: أليس أن يعض المرء بظر أمه خيرا من يأخذه ابن قحطبة خبره مع رجل يتجر بعرض ابنتيه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جعفر بن مدرك الجعدي قال: جاء ابن هرمة إلى رجل كان بسوق النبط، معه زوجة وله بنتان كأنهما ظبيتان يقود عليهما، بمال فدفعه إليه، فكان يشتري لهم طعاما وشرابا. فأقام ابن هرمة مع ابنتيه حتى خف ذلك المال، وجاء قوم آخرون معهم مال؛ فأخبرهم بمكان ابن هرمة؛ فاستثقلوه وكرهوا أن يعلم بهم؛ فأمر ابنتيه، فقالتا له: يا أبا إسحاق، أما دريت ما الناس فيه? قال: وما هم فيه? قالتا: زلزل بالروضة، فتغافلهما. ثم جاء أبوهما متفازعا فقال: أي أبا إسحاق، ألا تفزع لما الناس فيه قال: وما هم فيه? قال زلزل بالروضة. قال: قد جاءكم الآن إنسان معه مال، وقد نفضت ما جئتكم به وثقلت عليه؛ فأردت إدخاله وإخراجي. أيزلزل بروضة من رياض الجنة ويترك منزلك وأنت تجمع فيه الرجال على ابنتيك والله لاعدت إليه وخرج من عنده.
وروى هذا الخبر عن الزبير بن هارون بن محمد الزيات فزاد عليه، قال: ثم خرج من عندهم. فأتى عبد الله بن حسن فقال: إني قد مدحتك فاستمع مني. قال: لا حاجة لي بذلك.، أنا أعطيك ما تريد ولا أسمع. قال: إذا أسقط ويكسد سوقي. فسمع منه وأمر له بمائتي دينار؛ فأخذها وعاد إلى الرجل، وقال: قد جئتك بما تنفقه كيف شئت. ولم يزل مقيما عنده حتى نفذت.
قصته مع محمد بن عبد العزيز قال الزبير: وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:
صفحة : 473
وافينا الحج في عام من الأعوام الخالية، فأصبحت بالسيالة، فإذا إبراهيم بن علي ابن هرمة يأتينا؛ فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له؛ فدخل عليه فقال: يا أبا عبد الله، ألا أخبرك ببعض ما تستظرف? قال: بلى، وربما فعلت يا أبا إسحاق. قال: فإنه أصبح عندنا ها هنا منذ أيام محمد بن عمران وإسماعيل بن عبد الله بن جبير، وأصبح عمران بجملين له ظالعين، فإذا رسوله يأتيني أن أجب؛ فخرجت حتى أتيته، فأخبرني بظلع جمليه، وقال لي: أردت أن أبعث إلى ناضحين لي بعمق لعلي أوتي بهما إلى ها هنا لأمضي عليهما، ويصير هذان الظالعان إلى مكانهما. ففرغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك؛ فإنا مقيمون ها هنا حتى تأتينا جمالنا. فقلت: في الرحب والقرب، والدار فارغة، وزوجته طالق إن اشتريت عود علف، عندي حاجتك منه. فأنزلته ودخلت السوق، فما أبقيت فيه شيئا من رسل ولا جداء ولا طرفة ولا غير ذلك إلا ابتعت منه فاخره، وبعثت به إليه مع الدجاج كان عندنا. قال: فبينا أنا أدور في السوق إذ وقف علي عبد لإسماعيل بن عبد الله يساومني بحمل علف لي. فلم أزل أنا وهو حتى أخذه مني بعشرة دراهم، وذهب به فطرحه لظهره. وخرجت عند الرواح أتقاضى العبد ثمن حملي، فإذا هو لإسماعيل بن عبد الله ولم أكن دريت. فلما رآني مولاه حياني ورحب بي، وقال: هل من حاجة يا أبا إسحاق. فأعلمه العبد أن العلف لي. فأجلسني فتغديت عنده، ثم أمر لي مكان كل درهم منها بدينار، وكانت معه زوجته فاطمة بنت عباد، فبعثت إلي بخمسة دنانير. قال: وراحوا، وخرجت بالدنانير ففرقتها على غرمائي، وقلت: عند ابن عمران عوض منها. قال: فأقام عندي ثلاثا، وأتاه جملاه، فما فعل لي شيئا. فبينا هو يترحل وفي نفسه مني ما لا أدري به، إذ كلم غلاما له بشيء فلم يفهم. فأقبل علي فقال: ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي، قد والله آذيتني ومنعتني ما أردت. فقمت مغتما بالذي قال؛ حتى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان فسألني: هل فعل إليك شيئا? فقلت: أنا والله بخير إذ تلف مالي وربحت بدني. قال: وطلع علي وأنا أقولها، فشتمني والله يا أبا عبد الله حتى ما أبقى لي، وزعم أنه لو لا إحرامه لضربني؛ وراح وما أعطاني ردهما. فقلت:
يا من يعين على ضيف ألم بـنـا ليس بذي كـرم يرجـى ولا دين
أقام عندي ثلاثا سـنة سـلـفـت أغضيت منها على الأقذاء والهون
مسافة البيت عشر غير مشـكـلة وأنت تأتيه في شهر وعـشـرين
لست تبالي فوات الحج إن نصبت ذات الكلال وأسمنت ابن حرقين
تحدث الناس عما فيك مـن كـرم هيهات ذاك لضيفان المسـاكـين
أصبحت تخزن ما تحوي وتجمعه أبا سليمان مـن أشـلاء قـارون
مثل ابن عمران أباء له سلـفـوا يجزون فعل ذوي الإحسان بالدون
أن تكون كإسـمـاعـيل إن لـه رأيا أصيلا وفعلا غير ممـنـون
أو مثل زوجته فيمـا ألـم بـهـا هيهات من أمها ذات النطـاقـين فلما أنشدها قال له محمد بن عبد العزيز: نحن نعينك يا أبا إسحاق؛ لقوله: يا من يعين . قال: قد رفعك الله عن العون الذي أريده، ما أردت إلا رجلا مثل عبد الله بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلبة يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره. قال: ولما بلغ في إنشاده إلى قوله:
مثل ابن عمران أباء له سلفوا
صفحة : 474
أقبل علي فقال: عذرا إلى الله تعالى وإليكم إني لم أعن من آبائه طلحة بن عبيد الله. قال: ونزل إليه إسماعيل بن جعفر بن محمد، وكان عندنا، فلم يكلمه حتى ضرب أنفه، وقال له: فعنيت من آبائه أبا سليمان محمد بن طلحة يا دعي قال: فدخلنا بينهما. وجاء رسول محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى ابن هرمة يدعوه، فذهب إليه. فقال له: ما الذي بلغني من هجائك أبا سليمان والله لا أرضى حتى تحلف ألا تقول له أبدا إلا خيرا، وحتى تلقاه فترضاه إذا رجع، وتحتمل كل ما أنزل إليك وتمدحه. قال: أفعل، بالحب والكرامة. قال: وإسماعيل بن جعفر لا تعرض له إلا بخير؛ قال نعم. قال: فأخذ عليه الأيمان فيهما وأعطاه ثلاثين دينارا، وأعطاه محمد بن عبد العزيز مثلها. قال: واندفع ابن هرمة يمدح محمد بن عمران:
ألم تر أن القول يخلص صدقـه وتأبى فما تزكو لباغ بواطـلـه
ذممت امرأ لم يطبع الذم عرضه قليلا لدى تحصيله من يشاكلـه
فما بالحجاز من فتى ذي إمـارة ولا شرف إلا ابن عمران فاضله
فتى لا يطور الذم ساحة بـيتـه وتشقى به ليل التمام عـواذلـه خبره مع ابن عمران أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا أحمد بن عمر الزهري قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن جعفر المسوري قال: مدح إبراهيم بن هرمة محمد بن عمران الطلحي، فألقاه راويته وقد جاءته عير له تحمل غلة قد جاءته من الفرع أو خيبر. فقال له رجل كان عنده: أعلم والله أن أبا ثابت بن عمران بن عبد العزيز أغراه بك وأنا حاضر عنده وأخيره بعيرك هذه. فقال: إنما أراد أبو ثابت أن يعرضني للسانه، قودوا إليه القطار، فقيد إليه.
خبره مع عمر بن القاسم أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد عن عبد الله بن عمر بن القاسم قال: جاء أبي تمر من صدقة عمر؛ فجاءه ابن هرمة فقال: أمتع الله بك أعطني من هذا التمر. قال: يا أبا إسحاق لولا أني أخاف أن تعمل منه نبيذا لأعطيتك. قال: فإذا علمت أني عملت منه نبيذا لا تعطيني. قال: فخافه فأعطاه. فلقيه بعد ذلك؛ فقال له: ما في الدنيا أجود نبيذ يجيء من صدقة عمر؛ فأخجله.
سمع جرير شعره فمدحه أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال: قدم جرير المدينة، فأتاه ابن هرمة وابن أذينة فأنشداه؛ فقال جرير: القرشي أشعرهما، والعربي أفصحهما.
مدحه المطلب بن عبد الله وهوغلام أخبرنا يحيى بن علي إجازة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد: أن ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله:
لما رأيت الحادثات كنـفـنـنـي وأورثنني بؤسى ذكرت أبا الحكم
سليل ملوك سبعة قد تتـابـعـوا هم المصطفون والمصفون بالكرم فلاموه وقالوا: أتمدح غلاما حديث السن بمثل هذا قال نعم وكانت له ابنة يلقبها عيينة - وقال الزبير: كان يلقبها عينة - فقال:
كانت عيينة فينا وهي عاطـلة بين الجواري فحلاها أبو الحكم
فمن لحانا على حسن المقال له كان المليم وكنا نحن لم نـلـم شكايته لعبد العزيز بن المطلب قال يحيى وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري عن نوفل بن ميمون قال: أرسل ابن هرمة إلى عبد العزيز بن المطلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله؛ فبعث إليه بخمسة عشر دينارا. فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر بعد ذلك؛ فقال: أنا والله ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطلب. وكان عبد العزيز قد خطب امرأة من ولد عمر فردته، فخطب امرأة من بني عامر بن لؤي فزوجوه. فقال ابن هرمة:
خطبت إلى كعب فردوك صاغرا فحولت من كعب إلى جذم عامر
وفي عامر عـز قـديم وإنـمـا أجازك فيهم هزل أهل المقابـر وقال فيه أيضا:
أبا البخل تطلب ما قدمـت عرانين جادت بأموالـهـا
هيهات خالفت فعل الكرام خلاف الجمال بأبوالـهـا خبره مع امرأة تزوجها
صفحة : 475
وقال هارون بن محمد حدثني مغيرة بن محمد قال حدثني أبو محمد السهمي قال حدثني أبو كاسب قال: تزوج ابن هرمة بامرأة؛ فقالت له: أعطني شيئا؛ فقال: والله ما معي إلا نعلاي، فدفعهما إليها، ومضى معها فتوركها مرارا. فقالت له: أجفيتني؛ فقال لها: الذي أحفى صاحبه منا يعض بظر أمه.
جود الحكم بن المطلب أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني المسيبي أحمد بن إسحاق قال حدثني إبراهيم بن سكرة جار أبي ضمرة قال: جلس ابن هرمة مع قوم على شراب، فذكر الحكم بن المطلب فأطنب في مدحه. فقالوا له: إنك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها غراء تسأله إياها لردك عنها. فقال: أهو يفعل هذا? قالوا: إي والله. وكانوا قد عرفوا أن الحكم بها معجب، وكان في داره سبعون شاة تحلب. فخرج وفي رأسه ما فيه، فدق الباب فخرج إليه غلامه. فقال له: أعلم أبا مروان بمكاني - وقد كان أمر ألا يحجب إبراهيم بن هرمة عنه - فأعلمه به، فخرج إليه متشحا فقال: أفي مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق فقال: نعم جعلت فداك، ولد لأخ لي مولود فلم تدر عليه أمه، فطلبوا له شاة حلوبة فلم يجدوها، فذكروا لها شاة عندك يقال لها غراء ، فسألني أن أسألكها. فقال: أتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة والله لا تبقى في الدار شاة إلا انصرفت بها، سقهن معه يا غلام، فساقهن. فخرج بهن إلى القوم، فقالوا: ويحك أي شيء صنعت فقص عليهم القصة. قال: وكان فيهن والله ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر من عشرة.
لما سمع بقتل الوليد أنشد قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق قال ذكر أبي عن أيوب بن عباية عن عمر بن أيوب الليثي قال: شرب ابن هرمة عندنا يوما فسكر فنام. فلما حضرت الصلاة تحرك أو حركته. فقال لي وهو يتوضأ: ما كان حديثكم اليوم? قلت يزعمون أن الوليد قتل؛ فرفع رأسه إلي وقال:
وكانت أمور الناس منبتة القوى فشد الوليد حين قام نظامـهـا
خليفة حق لا خلـيفة بـاطـل رمى عن قناة الدين حتى أقامها ثم قال لي: إياك أن تذكر من هذا شيئا؛ فإني لا أدري ما يكون.
قول ابن الأعرابي ختم الشعراء بابن هرمة أخبرني علي بن سليمان النحوي قال حدثنا أبو العباس الأحول عن ابن الأعرابي: أنه كان يقول: ختم الشعراء بابن هرمة.
خبر سكره أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني أحمد بن يحيى البلاذري: أن ابن هرمة كان مغرما بالنبيذ، فمر على جيرانه وهو شديد السكر حتى دخل منزله. فلما كان من الغد دخلوا عليه فعاتبوه على الحال التي رأوه عليها؛ فقال لهم: أنا في طلب مثلها منذ دهر، أما سمعتم قولي:
أسأل الله سكرة قبل موتي وصياح الصبيان يا سكران قال: فنفضوا ثيابهم وخرجوا، وقالوا: ليس يفلح والله هذا أبدا.
لم يحمل جنازته إلا أربعة نفر
وكان ذلك مصداقا لشعر له: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: أنشدني عمي لابن هرمة:
ما أظن الزمان يا أم عمر تاركا إن هلكت من يبكيني قال فكان والله كذلك؛ لقد مات فأخبرني من رأى جنازته ما يحملها إلا أربعة نفر، حتى دفن بالبقيع.
مولده سنة 90
قال يحيى بن علي - أراه عن البلاذري -: ولد ابن هرمة سنة تسعين، وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة قصيدته التي يقول فيها:
إن الغواني قد أعرضن مقـلـية لما رمى هدف الخمسين ميلادي قال: ثم عمر بعدها مدة طويلة.
ذكر أخبار يونس الكاتب
نسب يونس الكاتب ومنشؤه
ومن أخذ عنهم، وهو أول من دون الغناء:
هو يونس بن سليمان بن كرد بن شهريار، ولد من هرمز. وقيل: إنه مولى لعمرو بن الزبير. ومنشؤه ومنزله بالمدينة. وكان أبوه فقيها، فأسلمه في الديوان فكان من كتابه. وأخذ الغناء عن معبد وابن سريج وابن محرز والغريض، وكان أكثر روايته عن معبد؛ ولم يكن في أصحاب معبد أحذق ولا أقوم بما أخذ عنه منه. وله غناء حسن، وصنعة كثيرة، وشعر جيد. وكتابه في الأغاني ونسبها إلى من غنى فيها هو الأصل الذي يعمل عليه ويرجع إليه. وهو أول من دون الغناء.
صفحة : 476
شعر مسعود بن خالد في مدحه
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال أنشدني مسعود بن خالد المورياني لنفسه في يونس:
يا يونس الكاتب يا يونـس طاب لنا اليوم بك المجلس
إن المغنـين إذا مـا هـم جاروك أخنى بهم المقبس
تنشر ديباجا وأشـبـاهـه وهم إذا ما نشروا كربسوا خبره مع بعض الفتيان في وادي دومة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: ذكر إبراهيم بن قدامة الجمحي قال: اجتمع فتيان من فتيان أهل المدينة فيهم يونس الكاتب وجماعة ممن يغني، فخرجوا إلى واد يقال له دومة من بطن العقيق، في أصحاب لهم فتغنوا، واجتمع إليهم نساء أهل الوادي - قال بعض من كان معهم: فرأيت حولنا مثل مراح الضأن -وأقبل محمد بن عائشة ومعه صاحب له؛ فلما رأى جماعة النساء عندهم حسدهم، فالتفت إلى صاحبه فقال: أما والله لأفرقن هذه الجماعة فأتى قصرا من قصور العقيق، فعلا سطحه وألقى رداءه واتكأ عليه وتغنى: صوت
هذا مقـام مـطـرد هدمت منازله ودوره
رقى عليه عـداتـه ظلما فعاقبه أمـيره - الغناء لابن عائشة رمل بالوسطى، والشعر لعبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب، وقيل: إنه لعبد الله بن أبي كثير مولى بني مخزوم - قال: فوالله ما قضى صوته حتى ما بقيت امرأة منهن إلا جلست تحت القصر الذي هو عليه وتفرق عامة أصحابهم. فقال يونس وأصحابه: هذا عمل ابن عائشة وحسده.
صاحب الشعر الذي تغنى به ابن عائشة أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى عن أبيه قال: تزوج عبد الله بن أبي كثير مولى بني مخزوم بالعراق في ولاية مصعب بن الزبير امرأة من بني عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي، ففرق مصعب بينهما. فخرج حتى قدم على عبد الله بن الزبير بمكة فقال:
هذا مـقـام مــطـــرد هدمت مـنـازلـه ودوره
رقـت عـلـيه عـداتــه كذبا فـعـاقـبـه أمـيره
في أن شربـت بـجـم مـا وكـان حـلا لـي غـديره
فلقد قطعت الـخـرق بـع د الخرق معتسفـا أسـيره
حتـى أتـيت خـلــيفة ال رحمن ممـهـودا سـريره
حييتـه بــتـــحـــية في مجلس حضرت صقوره فكتب عبد الله بن مصعب: أن ازدد عليه امرأته؛ فإني لا أرحم ما أحل الله عز وجل؛ فردها عليه. هذه رواية عمر بن شبة.
وأخبرني الحسن بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني عن سحيم بن حفص: أن المتزوج بهذه المرأة عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب، وأن المفرق. بينهما الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الذي يقال له القباع؛ وذكر باقي الخبر مثل الأول.
مع الوليد بن يزيد في الشام
أخبرني عمي قال حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي قال حدثني أحمد بن الهيثم قال: خرج يونس الكاتب من المدينة إلى الشام في تجارة؛ فبلغ الوليد بن يزيد مكانه؛ فلم يشعر يونس إلا برسله قد دخلوا عليه الخان، فقالوا له: أجب الأمير - والوليد إذ ذاك أمير - قال: فنهضت معهم حتى أدخلوني على الأمير، لا أدري من هو، إلا أنه من أحسن الناس وجها وأنبلهم، فسلمت عليه، فأمرني بالجلوس، ثم دعا بالشراب والجواري؛ فكنا يومنا وليلتنا في أمر عجيب. وغنيته فأعجب بغنائي إلى أن غنيته:
إن يعش مصعب فنحن بخير قد أتانا من عيشنا ما نرجي ثم تنبهت فقطعت الصوت. فقال: ما لك? فأخذت أعتذر من غنائي بشعر في مصعب. فضحك وقال: إن مصعبا قد مضى وانقطع أثره ولا عداوة بيني وبينه، وإنما أريد الغناء، فأمض الصوت؛ فعدت فيه فغنيته. فلم يزل يستعيدنيه حتى أصبح، فشرب مصطبحا وهو يستعيدني هذا الصوت ما يتجاوزه حتى مضت ثلاثة أيام. ثم قلت له: جعلني الله فداء الأمير أنا رجل تاجر خرجت مع تجار وأخاف أن يرتحلوا فيضيع مالي. فقال لي: أنت تغدو غدا؛ وشرب باقي ليلته، وأمر لي بثلاثة آلاف دينار فحملت إلي، وغدوت إلى أصحابي. فلما خرجت من عنده سألت عنه، فقيل لي: هذا الأمير الوليد بن يزيد ولي عهد أمير المؤمنين هشام. فلما استخلف بعث إلي فأتيته، فلم أزل معه حتى قتل.
صفحة : 477
صوت من المائة المختارة
أصواته المعروفة بالزبائب
أقصدت زينب قلبي بعـد مـا ذهب الباطل عني والـغـزل
وعلا المفرق شـيب شـامـل واضح في الرأس مني واشتعل الشعر لابن رهيمة المدني. والغناء في اللحن المختار لعمر الوادي ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وفيه ليونس الكاتب لحنان: أحدهما خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه أيضا. وفيه رملان بالوسطى والبنصر: أحدهما لابن المكي، والآخر لحكم، وقيل: إنه لإسحاق من رواية الهشامي. ولحن يونس في هذا الشعر من أصواته المعروفة بالزيانب، والشعر فيها كلها لابن رهيمة في زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ وهي سبعة: أحدها قد مضى. والآخر: <H6 صوت</H6
أقصدت زينب قلبي وسبت عقلي ولبي
تركتني مستهامـا أستغيث الله ربـي
ليس لي ذنب إليها فتجازيني بذنبـي
ولها عندي ذنـوب في تنائيها وقربي غناه يونس رملا بالبنصر. وفيه لحكم هزج خفيف بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها: <H6 صوت</H6
وجد الفؤاد بـزينـبـا وجدا شديدا متعـبـا
أصبحت من وجدي بها أدعى سقيما مسهبـا
وجعلت زينب ستـرة وأتيت أمرا معجـبـا غناه يونس ثقيلا أول مطلقا في مجرى البنصر عن عمرو وإسحاق، وهو مما يشك فيه من غناء يونس. ولعلية بنت المهدي فيه ثقيل أول آخر لا يشك فيه أنه لها، كنت فيها رشأ الخادم - وذكر أحمد بن عبيد أن فيه من الغناء لحنين هما جميعا من الثقيل الأول ليونس - ومن لا يعلم يزعم أن الشعر لها.
<H6 صوت</H6
إنما زينب الـمـنـى وهي الهم والـهـوى
ذات دل تضني الصحي ح وتبري من الجوى
لا يغـرنـك أن دعـو ت فؤادي فما التـوى
واحذري هجرة الحبي ب إذا مـل وانـزوى غناه يونس رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها: <H6 صوت</H6
إنمـا زينـب هـمـي بأبـي تـلـك وأمـي
بأبـي زينـــب لا أك ني ولكنـي أسـمـي
بأبي زينـب مـن قـا ض قضى عمدا بظلمي
بأبي مـن لـيس فـي قلبـه قـيراط رحـم غناه يونس رملا بالبنصر عن عمرو، وله فيه لحن آخر.
ومنها: <H6 صوت</H6
يا زينب الحسناء يا زينـب يا أكرم الناس إذا تنـسـب
تقيك نفسي حادثات الـردى والأم تفديك مـعـا والأب
هل لك في ود امرئ صادق لا يمذق الـود ولا يكـذب
لا يبتغي في وده محـرمـا هيهات منك العمل الأريب غناه يونس ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها: <H6 صوت</H6
فليت الذي يلحى على زينب المنى تعلقه ممـا لـقـيت عـشـير
فحسبي له بالعشر مما لـقـيتـه وذلك فيمـا قـد تـراه يسـير غناه يونس ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن الهشامي.
<H6 هذه سبعة أصوات قد مضت وهي المعروفة بالزيانب </H6 ومن الناس من يجعلها ثمانية، ويزيد فيها لحن يونس في:
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب وليس هذا منها؛ وإن كان ليونس لحنه، فإن شعره لحجية بن المضرب الكندي، وقد كتب في موضع آخر؛ وإنما الزيانب في شعر ابن رهيمة. ومنهم من يعدها تسعة ويضيف إليها:
قولا لـزينـب لـو رأي ت تشوقي لك واشترافي وهذا اللحن لحكم. والشعر لمحمد بن أبي العباس السفاح في زينب بنت سليمان بن علي، وقد كتب في موضع آخر.
انقضت أخبار يونس الكاتب.
أخبار ابن رهيمة
تشبيبه بزينب بنت عكرمة
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق قال:
صفحة : 478
كان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ويغني يونس بشعره، فافتضحت بذلك. فاستدعى عليه أخوها هشام بن عبد الملك، فأمر بضربه خمسمائة سوط، وأن يباح دمه إن وجد قد عاد لذكرها، وأن يفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره. فهرب هو ويونس فلم يقدر عليهما. فلما ولي الوليد بن يزيد ظهرا. وقال ابن رهيمة:
لئن كنت أطردتني ظالمـا لقد كشف الله ما أرهـب
ولو نلت مني ما تشتـهـي لقل إذا رضـيت زينـب
وما شئت فاصنعه بي بعد ذا فحبي لزينـب لا يذهـب وفي الأصوات المعروف
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin