سواء علينا يا جميل بن معمر إذا مت بأساء الحياة ولينهـا قال: فلم أر يوما كان أكثر باكيا وباكية منه يومئذ.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
أمسى الشباب مودعا محمودا والشيب مؤتنف المحل جديدا
وتغير البيض الأوانس بعدما حملتهن مواثقا وعـهـودا عروضه من الكامل. الشعر ليزيد بن الطثرية، والغناء لإسحاق، ولحنه المختار من الثقيل الأول بالبنصر. وفيه لبابويه خفيف ثقيل بالوسطى، كلاهما من رواية عمرو بن بانة.
ذكر يزيد بن الطثرية وأخباره ونسبه
نسبه ونسب أمه: ذكر ابن الكلبي أن اسمه يزيد بن الصمة أحد بني سلمة الخير بن قشير. وذكر البصريون أنه من ولد الأعور بن قشير. وقال أبو عمرو الشيباني: اسمه يزيد بن سلمة بن سمرة بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وإنما قيل له سلمة الخير لأنه كان لقشير ابن آخر يقال له سلمة الشر. قال: وقد قيل: إنه يزيد بن المنتشر بن سلمة. والطثرية أمه، فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب، امرأة من طثر، وهم حي من اليمن عدادهم في جرم. وقال غيره: إن طثرا من عنز بن وائل إخوة بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وكان أبو جراد أحد بني المنتفق بن عامر بن عقيل أسر طثرا فمكث عنده زمانا ثم خلاه وأخذ عليه إصرا ليبعثن إليه بفدائه أو ليأتينه بنفسه وأهله فلم يجد فداء، فاحتمل بأهله حتى دخل على أبي جراد فوسمه سمة إبله، فهم حلفاء لبني المنتفق إلى اليوم نحو من خمسمائة رجل متفرقين في بني عقيل يوالون بني المنتفق، وهم يعيرون ذلك الوسم. وقال بعض من يهجوهم:
عليه الوسم وسم أبي جراد وفيهم يقول يزيد بن الطثرية:
ألا بئسما أن تجرموني وتغضبوا علي إذا عاتبتكم يا بني طثـر وزعم بعض البصريين: أن الطثرية أم يزيد كانت مولعة بإخراج زبد اللبن، فسميت الطثرية. وطثرة اللبن: زبدته.
كان يلقب مودقا لجماله، وكان كثير التحدث إلى النساء: ويكنى يزيد أبا المكشوح. وكان يلقب مودقا، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.
أخبرني محمد بن خلف عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان يزيد بن الطثرية يقول: من أفحم عند النساء فلينشد من شعري. قال: وكان كثيرا ما يتحدث إلى النساء، وكان يقال: إنه عنين.
ما جرى بين جرم وقشير وما كان من مياد الجرمي ويزيد بن الطثرية:
صفحة : 864
وروى عنه عبد الله بن عمر عن يحيى بن جابر أحد بني عمرو بن كلاب عن سعاد بنت يزيد بن زريق امرأة منهم: أن يزيد بن الطثرية كان من أحسن من مضى وجها وأطيبه حديثا، وأن النساء كانت مفتونة به، وذكر الناس أنه كان عنينا، وذلك أنه لا عقب له، وأن الناس أمحلوا حتى ذهبت الدقيقة من المال ونهكت الجليلة، فأقبل صرم من جرم ساقته السنة والجدب من بلاده إلى بلاد بني قشير، وكان بينهم وبين بني قشير حرب عظيمة، فلم يجدوا بدا من رمي قشير بأنفسهم لما قد ساقهم من الجدب والمجاعة ودقة الأموال وما أشرفوا عليه من الهلكة، ووقع الربيع في بلاد بني قشير فانتجعها الناس وطلبوها، فلم يعد أن لقيت جرم قشيرا، فنصبت قشير لهم الحرب. فقالت جرم: إنما جئنا مستجيرين غير محاربين. قالوا: مما ذا? قالوا: من السنة والجدب والهلكة التي لا باقية لها. فأجارتهم قشير وسالمتهم وأرعتهم طرفا من بلادها. وكان في جرم فتى يقال له مياد، وكان غزلا حسن الوجه تام القامة آخذا بقلوب النساء. والغزل في جرم جائز حسن، وهو في قشير نائرة. فلما نازلت جرم قشيرا وجاورتها أصبح مياد الجرمي فغدا إلى القشيريات يطلب منهن الغزل والصبا والحديث واستبراز الفتيات عند غيبة الرجال واشتغالهم بالسقي والرعية وما أشبه ذلك، فدفعنه عنهم وأسمعنه ما يكره. وراحت رجالهن عليهن وهن مغضبات، فقال عجائز منهن: والله ما ندري أرعيتم جرما المرعى أم أرعيتموهم نساءكم فاشتد ذلك عليهم وقالوا: وما أدراكنه? قلن: رجل منذ اليوم ظل مجحرا لنا ما يطلع منا رأس واحدة، يدور بين بيوتنا. فقال بعضهم: بيتوا جرما فاصطلموها. وقال بعضهم: قبيح قوم قد سقيتموهم مياهكم وأرعيتموهم مراعيكم وخلطتموهم بأنفسهم وأجرتموهم من القحط والسنة تفتاتون عليه هذه الافتيات لا تفعلوا، ولكن تصبحوا وتقدموا إلى هؤلاء القوم في هذا الرجل، فإنه سفيه من سفهائهم فليأخذوا على يديه. فإن يفعلوا فأتموا لهم إحسانكم، وإن يمتنعوا ويقروا ما كان منه يحل لكم البسط عليهم وتخرجوا من ذمتهم، فأجمعوا على ذلك. فلما أصبحوا غدا نفر منهم إلى جرم فقالوا: ما هذه البدعة التي قد جاورتمونا بها إن كانت هذه البدعة سجية لكم فليس لكم عندنا إرعاء ولا إسقاء، فبرزوا عنا أنفسكم وأذنوا بحرب. وإن كان افتتانا فغيروا على من فعله. وإنهم لم يعدوا أن قالوا لجرم ذلك. فقام رجال من جرم وقالوا: ما هذا الذي نالكم? قالوا: رجل منكم أمس ظل يجر أذياله بين أبياتنا ما ندري علام كان أمره فقهقهت جرم من جفاء القشيريين وعجرفيتها وقالوا: إنكم لتحسون من نسائكم ببلاء، ألا فابعثوا إلى بيوتنا رجلا ورجلا. فقالوا: والله ما نحس من نسائنا ببلاء، وما نعرف منهن إلا العفة والكرم، ولكن فيكم الذي قلتم. قالوا: فإنا نبعث رجلا إلى بيوتكم يا بني قشير إذا غدت الرجال وأخلف النساء، وتبعثون رجلا إلى البيوت، ونتحالف أنه لا يتقدم رجل منا إلى زوجة ولا أخت ولا بنت ولا يعلمها بشيء مما دار بين القوم، فيظل كلاهما في بيوت أصحابه حتى يردا علينا عشيا الماء وتخلى لهما البيوت، ولا تبرز عليهما امرأة ولا تصادق منهما واحدا فيقبل منهما صرف ولا عدل إلا بموثق يأخذه عليها وعلامة تكون معه منها. قالوا: اللهم نعم. فظلوا يومهم ذلك وباتوا ليلتهم، حتى إذا كان من الغد غدوا إلى الماء وتحالفوا أنه لا يعود إلى البيوت منهم أحد دون الليل. وغدا مياد الجرمي إلى القشيريات، وغدا يزيد بن الطثرية القشيري إلى الجرميات، فظل عندهن بأكرم مظل لا يصير إلى واحدة منهن إلا افتتنت به وتابعته إلى المودة والإخاء وقبض منها رهنا وسألته ألا يدخل من بيوت جرم إلا بيتها، فيقول لها: وأي شيء تخافين وقد أخذت مني المواثيق والعهود وليس لأحد في قلبي نصيب غيرك، حتى صليت العصر. فانصرف يزيد بفتخ كثير وذبل وبراقع وانصرف مكحولا مدهونا شبعان ريان مرجل اللمة. وظل مياد الجرمي يدور بين بيوت القشيريات مرجوما مقصى لا يتقرب إلى بيت إلا استقبلته الولائد بالعمد والجندل، فتهالك لهن وظن انه ارتياد منهن له، حتى أخذه ضرب كثير بالجندل ورأى البأس منهن وجهده العطش، فانصرف حتى جاء إلى سمرة قريبا إلى نصف النهار، فتوسد يده ونام تحتها نويمة حتى أفرجت عنه الظهيرة وفاءت الأظلال
صفحة : 865
وسكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا، ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد، فوج أمة تذود غنما في بعض الظعن، فأخذ برقعها فقال: هذا برقع واحدة من نسائكم، فطرحه بين يدي القوم، وجاءت الأمة تعدو فتعلقت ببرقعها فرد عليها وخجل مياد خجلا شديدا. وجاء يزيد ممسيا وقد كاد القوم أن يتفرقوا، فنثر كمه بين أيديهم ملآن براقع وذبلا وفتخا، وقد حلف القوم ألا يعرف رجل شيئا إلا رفعه. فلما نثر ما معه اسودت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم إمساكة. فقالت قشير: أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرج الأموال والأهل، فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده، فبسط كل رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرقوا عن حرب، وقالوا: هذه مكيدة يا قشير. فقال في ذلك يزيد بن الطثرية:سكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا، ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد، فوج أمة تذود غنما في بعض الظعن، فأخذ برقعها فقال: هذا برقع واحدة من نسائكم، فطرحه بين يدي القوم، وجاءت الأمة تعدو فتعلقت ببرقعها فرد عليها وخجل مياد خجلا شديدا. وجاء يزيد ممسيا وقد كاد القوم أن يتفرقوا، فنثر كمه بين أيديهم ملآن براقع وذبلا وفتخا، وقد حلف القوم ألا يعرف رجل شيئا إلا رفعه. فلما نثر ما معه اسودت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم إمساكة. فقالت قشير: أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرج الأموال والأهل، فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده، فبسط كل رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرقوا عن حرب، وقالوا: هذه مكيدة يا قشير. فقال في ذلك يزيد بن الطثرية:
فإن شئت يا مياد زرنا وزرتـم ولم ننفس الدنيا على من يصيبها
أيذهب مياد بألباب نـسـوتـي ونسوة مياد صحيح قلـوبـهـا وقال مياد الجرمي:
لعمرك إن جمع بني قشير لجرم في يزيد لظالمونـا
أليس الظلم أن أباك منـا وأنك في كتيبة آخـرينـا
أحالفة عليك بنو قـشـير يمين الصبر أم متحرجونا أحب وحشية ومرض لبعدها فأعانه ابن عمه على رؤيتها فبرىء:
صفحة : 866
قال: وبلي يزيد بعشق جارية من جرم في ذلك اليوم يقال لها وحشية، وكانت من أحسن النساء. ونافرتهم جرم فلم يجد إليها سبيلا، فصار من العشق إلى أن أشرف على الموت واشتد به الجهد، فجاء إلى ابن عم له يقال له خليفة بن بوزل، بعد اختلاف الأطباء إليه ويأسهم منه، فقال له: يا بن عم، قد تعلم أنه ليس إلى هذه المرأة سبيل، وأن التعزي أجمل، فما أربك في أن تقتل نفسك وتأثم بربك. قال: وما همي يا بن عم بنفسي وما لي فيها أمر ولا نهي، ولا همي إلا نفس الجرمية، فإن كنت تريد حياتي فأرنيها. قال: كيف الحيلة? قال: تحملني إليها. فحمله إليها وهو لا يطمع في الجرمية، إلا أنهم كانوا إذا قالوا له نذهب بك إلى وحشية أبل قليلا وراجع وطمع، وإذا أيس منها اشتد به الوجع. فخرج به خليفة بن بوزل فحمله فتخلل به اليمن، حتى إذا دخل في قبيلة انتسب إلى أخرى ويخبر أنه طالب حاجة. وأبل حتى صلح بعض الصلاح، وطمع فيه ابن عمه، وصارا بعد زمان إلى حي وحشية فلقيا الرعيان وكمنا في جبل من الجبال. فجعل خليفة ينزل فيتعرض لرعيان الشاء فيسألهم عن راعي وحشية، حتى لقي غلامها وغنمها، فواعدهم موعدا وسألهم ما حال وحشية? فقال غلامها: هي والله بشر لا حفظ الله بني قشير ولا يوما رأيناهم فيه فما زالت عليلة منذ رأيناهم وكان بها طرف مما بابن الطثرية فقال: ويحك فإن ها هنا إنسانا يداويها، فلا تقل لأحد غيرها. قال: نعم إن شاء الله تعالى. فأعلمها الراعي ما قال له الرجل حين صار إليها. فقالت له: ويحك فجيء به. ثم إنه خرج فلقيه بالغد فأعلمه، وطل عنده يرعى غنمه، وتأخر عن الشاء حتى تقدمته الشاء وجنح الليل، وانحدر بين يدي غنمه حتى أراحها. ومشى فيها يزيد حتى قربت من البيت على أربع وتجلل شملة سوداء بلون شاة من الغنم، فصار إلى وحشية، فسرت به سرورا شديدا، وأدخلته سترا لها وجمعت عليه من الغد من تثق به من صواحباتها وأترابها. وقد كان عهد إلى ابن عمه أن يقيم في الجبل ثلاث ليال، فإن لم يره فلينصرف. فأقام يزيد عندها ثلاث ليال ورجع إلى أصح ما كان عليه، ثم انصرف فصار إلى صاحبه. فقال: ما وراءك يا يزيد? ورأى من سروره وطيب نفسه ما سره. فقال:
لو انك شاهدت الصبا يا بن بوزل بفرع الغضى إذ راجعتني غياطله
لشاهدت لهوا بعد شحط من النوى على سخط الأعداء حلوا شمائلـه صوت
ويوما كإبهام القطاة مزينـا لعيني ضحاه غالبا لي باطله غنى في البيت الثالث وبعده البيت الثاني، وروايته:
تشاهد لهوا بعد شحط من النوى مخارق ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني علي بن الصباح قلا: قال أبو محضة الأعرابي وأنشد هذه الأبيات ليزيد بن الطثرية، فلما بلغ إلى قوله:
بنفسي من لو مر برد بنـانـه على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل أمر وهبته فلا هو يعطيني ولا أنا سائله طرب لذلك وقال: هذا والله من مغنج الكلام.
كتب إلى وحشية شعرا فأجابته: ونسخت من كتاب الحسن بن علي: حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني هشام بن محمد بن موسى قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الطائي قال حدثني عبد الله بن روح الغنوي قال حدثتني ظبية بنت وزير الجاهلية قالت: كتب يزيد بن الطثرية إلى وحشية:
أحبك أطراف النهار بشـاشة وبالليل يدعوني الهوى فأجيب
لئن أصبحت ريح المودة بيننـا شمالا لقدما كنت وهي جنوب فأجابته بقولها:
أحبك حب اليأس إن نفع الحـيا وإن لم يكن لي من هواك طبيب يزيد بن الطثرية وابن بوزل برملة حائل: أخبرني يحيى بن علي إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني هانىء بن سعد: أن ابن الطثرية وابن بوزل، وهو قطري بن بوزل، خرجا يسيران حتى نزلا برملة حائل بين قفار الملح، فقال يزيد لابن بوزل: اذهب فاسق راحلتك واسقنا. فلما جاوز أوفى يزيد على أجرع، فرأى أشباحا فأتاها. فقيل له: هذه والله فلانة وأهلها عجيبة بها أي معجبون بها. فأتاها فظل عشيته وبات ليلته وأقام الغد حتى راح عشيا وقد لقي ابن بوزل كل شر ومات غيظا. فلما دنا منه قال:
صفحة : 867
لو أنك شاهدت الصبا يا بن بـوزل بجزع الغضى إذ راجعتني غياطله
بأسفل خل الملح إذ دين ذي الهوى مؤدى وإذ خير الوصـال أوائلـه
لشاهدت يوما بعد شحط من النوى وبعد تنائي الدار حلوا شـمـائلـه وقد روي:
وغيم الصبا إذ راجعتني غياطله فاخترط سيفه ابن بوزل، وحاوطه يزيد بعصاه، ثم اعتذر إليه وأخبره خبره فقبل منه. وقد روى هذه الأبيات أبو عمرو الشيباني وغيره فزاد فيها على إسحاق هذه الأبيات:
ألا حبذا عينـاك يا أم شـنـبـل إذا الكحل في جفنيهما جال جائله
فداك من الخلان كـل مـمـزج تكون لأدنى من يلاقي وسـائلـه
فرحنا تلقـانـا بـه أم شـنـبـل ضحيا وأبكتنا عشـيا أصـائلـه
وكنت كأني حين كان كلامـهـا وداعا وخلى موثق العهد حاملـه
رهين بنفس لم تفـك كـبـولـه عن الساق حتى جرد السيف قاتله
فقال دعوني سجدتـين وأرعـدت حذار الردى أحشاؤه ومفاصلـه بنو سدرة ويزيد ابن الطثرية: قال إسحاق وقال أبو عثمان سعيد بن طارق: نزلت سارية من بني سدرة على بني قشير بمالهم، فجعلت فتيان قشير تترجل وتتزين وتزور بيوت سدرة. فاستنهوهم، فقال يزيد بن الطثرية: وما في هذا عليكم زوروا بيوتنا كما نزور بيوتكم، وقال:
دعوهن يتبعن الصبا وتبادلوا بنا ليس بأس بيننا بالتبـادل ثم إن بني سدرة قالوا لنسائهم: ويحكن فضحتننا نأتي نساء هؤلاء فلا نقدر عليهم ويأتونكن فلا تحتجبن عنهم. فقالت كهلة منهن: مروا نساءكم يجتمعن إلى بيتي، فإذا جاءوا لم يجدوا امرأة إلا عندي، فإن يزيد أتاني لم يعد في بيوتكم ففعلوا. فجاء يزيد فقال:
سلام عليكن الغداة فما لنا إليكن إلا أن تشأن سبيل فقالت الكهلة: ومن أنت? فقال:
أنا الهائم الصب الذي قاده الهوى إليك فأمسى في حبالك مسلمـا
برته دواعي الحب حتى تركنـه سقيما ولم يتركن لحما ولا دما فقالت: اختر إحدى ثلاث خصال: إما أن تمضي ثم ترجع علينا فإنا نرقب عيون الرجال فإنهم قد سبونا فيك، وإما أن تختار أحبنا إليك، وأن تطلب امرأة واحدة خير من أن يشهرك الناس، ونسي الثالثة. فقال: سآخذ إحداهن، فاختاري أنت إحدى ثلاث خصال. قالت: وما هن? قال: إما أن أحملك على مرضوف من أمري فتركبيه، وإما أن تحمليني على مشروج من أمرك فأركبه، وإما أن تلزي بكري بين قلوصيك. قالت: لو وقع بكرك بين قلوصي لطمرتا به طمرة يتطامن عنقه منها. قال: كلا إنه شديد الوجيف، عارم الوظيف، فغلبها. فلما أتاهما القوم قالت لهم: إنه أتاني رجل لا تمتنع عليه امرأة. فإما أن تغمضوا له، وإما أن ترحلوا عن مكانكم هذا، فرحلوا وذهبوا. فقال حكيم بن أبي الخلاف السدري في قصيدة له يذكر أنه إنما ارتحلوا عنهم لأنهم آذوهم بكثرة ما يصنعون بها:
فكان الذي تهدون للجار منكم بخاتج حبات كثيرا سعالهـا يزيد بن الطثرية وأسماء الجعفرية: قال إسحاق فأخبرني الفزاري: أن قوما من بني نمير وقوما من بني جعفر تزاوروا، فزار شبان من بني جعفر بيوت بني نمير، فقبلوا وحدثوا، وزار بنو نمير بني جعفر فلم يقبلوا، فاستنجدوا ابن الطثرية فزار معهم بيوت بني جعفر، فأنشدهن وحدثهن فأعجبن به واجتمعن إليه من البيوت. فتوعد بنو جعفر ابن الطثرية، فتتاركوا وأمسك بعضهم عن بعض. فأرسلت أسماء الجعفرية إلى ابن الطثرية أن لا تقطعني، وإن منعت فإني سأتخلص إلى لقائك. فأنشأ يقول:
خليلي بين المنحنى من مـخـمـر وبين اللوى من عرفجاء المقابـل
قفا بين أعناق الـلـوى لـمـرية جنوب تداوي غل شوق مماطـل
لكيما أرى أسماء أو لتمـسـنـي رياح برياها لـذاذ الـشـمـائل
لقد حادلت أسماء دونك بالـلـوى عيون العد سقيا لها من مـحـادل
ودست رسولا أن حولي عصـابة هم الحرب فاستبطن سلاح المقاتل
عشية مالي من نصير بأرضـهـا سوى السيف ضمته إلي حمائلـي
صفحة : 868
فيأيها الواشون بالـغـش بـينـنـا فرادى ومثنى من عـدو وعـاذل
دعوهن يتبعن الهوى وتـبـادلـوا بنا ليس بأس بيننـا بـالـتـبـادل
تروا حين نأتيهن نـحـن وأنـتـم لمن وعلى من وطأة المتـثـاقـل
ومن عريت للهو قدمـا ركـابـه وشاعت قوافي شعره في القبـائل
تبرز وجوه السابقـين ويخـتـلـط على المقرف الكافي غبار القنابل
فإن تمنعوا أسماء أو يك نفـعـهـا لكم أو تدبوا بينـنـا بـالـغـوائل
فلن تمنعوني أن أعلل صحبـتـي على كل شيء من مدى العين قابل حبسه لديون لزمته وما وقع في ذلك بينه وبين عقبة بن شريك: قال إسحاق وحدثني أبو زياد الكلابي: أن يزيد بن الطثرية كان شريفا متلافا يغشاه الدين، فإذا أخذ به قضاه عنه أخ له يقال له ثور، ثم إنه كثر عليه دين لمولى لعقبة بن شريك الحرشي يقال له البربري فحبسه له عقبة بالعقيق من بلاد بني عقيل، وعقبة عليها يومئذ أمير. وقال المفضل بن سلمة قال أبو عمرو الشيباني: كان يزيد قد هرب منه، فرجع إليه من حب أسماء، وكانت جارة البربري، فأخذه البربري. ويقال: إنه أعطاه بعيرا من إبل ثور أخيه. فقال يزيد في السجن:
قضى غرمائي حب أسماء بعد ما تخونني ظلم لـهـم وفـجـور
فلو قل دين البربري قـضـيتـه ولكن دين البـربـري كـثـير
وكنت إذا حلت علـي ديونـهـم أضم جناحي منـهـم فـأطـير
علي لهم في كـل شـهـر أدية ثمانون واف نقدهـا وجـزور
نجيء إلى ثور ففيم رحـيلـنـا وثور علينا في الحياة صـبـور
أشد على ثـور وثـور إذا رأى بنا خلة جزل العطاء غـفـور
فذلك دأبي ما بقيت وما مـشـى لثور على ظهر البلاد بـعـير ويرى: فهذا له ما دمت حيا ثم إن عقبة حج على جمل له يقال له ابن الكميت أنجب ما ركب الناس، وثبت ابن الطثرية في السجن حتى انصرف عقبة بن شريك من مكة، فأرسل ابن الكميت في مخاضه مستقبلة الربيع وهي حاضرة العقيق، تأكل الغضى وتشرب بأحسائه، وانحدر عقبة نحو اليمامة وعليها المهاجر بن عبد الله الكلابي. فلما ضاقت بابن الطثرية المخارج قال له صاحب له: لا أعلم لك أنجى إن قدرت على الخروج من السجن إلا أن تركب ابن الكميت فينجيك نحو بلد من البلاد. فلم يزل حتى جعل للحداد، على أن يرسله ليلة إلى ابن عمه، جعلا، فشكا إليه وجده بها فأرسله. فمضى يزيد نحو الإبل عشاء فاحتكم ابن الكميت حتى جلس عليه فوجهه قصد اليمامة يريد عقبة بن شريك، وقال في طريقه:
لعمري إن ابن الكميت على الوجا وسيري خمسا بعد خمس مكمل
لطلق الهوادي بالوجيف إذا ونـى ذوات البقايا والعتيق الهمرجـل فورد اليمامة فأناخ بابن الكميت على باب المهاجر، فكان أول من خرج عليه عقبة بن شريك. فلما نظر إليه عرفه وعرف الجمل فقال: ويحك أيزيد أنت? قال نعم وهذا ابن الكميت? قال نعم قال: ويحك فما شأنك? قال: يا عقبة، فار منك إليك، وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
يا عقب قد شذب اللحاء عن العصا عني وكنت مؤزرا مـحـمـودا
صل لي جناحي واتخذنـي عـدة ترمي بي المتعاشي الصـنـديدا فقال له عقبة - وكانت من خير فعلة علمناه فعلها: - أشهدكم أني قد أبرأته من دين البربري وأن له ابن الكميت، وأمره أن يحتكم فيما سوى ذلك من ماله. وهذا البيتان من القصيدة التي أولها:
أمسى الشباب مودعا محمودا وهي من جيد شعره، يقول فيها:
ومدلة عند التبـذل يفـتـري منها الوشاح مخصرا أملودا
نازعتها غنم الصبا إن الصبا قد كان مني للكواعب عـيدا
يا للرجال وإنما يشكو الفتـى مر الحوادث أو يكون جليدا
بكرت نوار تجد باقية القوى يوم الفراق وتخلف الموعودا
ولرب أمر هوى يكون ندامة وسبيل مكرهة يكون رشيدا ثم قال يفخر:
لا أتقي حسك الضغائن بالرقى فعل الذليل وإن بقيت وحـيدا
صفحة : 869
لكن أجرد للضغائن مثلهـا حتى تموت وللحقود حقودا أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح قال: قال أبو محضة الأعرابي وأنشد هذه الأبيات ليزيد بن الطثرية: هي والله من مغنج الكلام:
بنفسي من لو مر برد بنـانـه على كبدي كانت شفاء أناملـه
ومن هابني في كل شيء وهبته فلا هو يعطيني ولا أنا سائلـه وهذه الأبيات من قصيدته التي قالها في وحشية الجرمية التي مضى ذكرها.
تبعه أعداء له فترك راحلته وفر، وشعره في ذلك: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية قالت: مر يزيد بن الطثرية بأعداء له، فأرادوه وهو على راحلته فركضها وركضوا الإبل على أثره، فخشي أن يدركوه وكانت نفسه عنده أوثق من الراحلة، فنزل فسبقهم عدوا، وأدركوا الراحلة فعقروها. فقال في ذلك:
ألا هل أتى ليلى على نأي دارها بأي لم أقاتل يوم صخر مـذودا
وأني أسلمت الركاب فعقـرت وقد كنت مقداما بسيفي مفـردا
أثرت فلم أسطع قتالا ولا تـرى أخا شيعة يوما كآخـر أوحـدا
فهل تصر من الغانيات مودتـي إذا قيل قد هاب المنون فعـردا هاجى فديكا الجرمي لأنه عذب وحشية بالنار ليصدها عنه: أخبرني يحيى إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي زياد قال: كان يزيد بن الطثرية يتحدث إلى نساء فديك بن حنظلة الجرمي، ومنزلهما بالفلج فبلغ ذلك فديكا فشق عليه فزجر نساءه عن ذللك، فأبين إلا أن يدخل عليهن يزيد. فدخل عليهن فديك ذات يوم وقد جمعهن جميعا أخواته وبنات عمه وغيرهن من حرمه، ثم قال لهن: قد بلغني أن يزيد دخل عليكن وقد نهيتكن عنه، وإن لله علي نذرا واجبا واخترط سيفه إن لم أضرب أعناقكن به. فلما ملأهن رعبا ضرب عنق غلام له مولد يقال له عصام فقتله، ثم أنشأ يقول:
جعلت عصاما عبرة حين رابني أناسي من أهلي مراض قلوبها ثم إن فديكا رأى يزيد قائما عند باب أهله، فظن أنه يواعد بعض نسائه، فارتصده على طريقه وأمر بزبية فحفرت على الطريق ثم أوقد فيها نارا لينة ثم اختبأ في مكان ومعه عبدان له وقال لهما: تبصرا هل تريان أحدا، فلم يلبثا إلا قليلا حتى خرجت بنت أخي فديك، وكان يقال لها وحشية، تتهادى في برودها لميعاد يزيد، فأيقظه العبدان، ومضت حتى وقعت على الزبية فاحترق بعضها، وأمر بها فأخرجت، واحتملها العبدان فانطلقا بها إلى داره. فقال فديك:
شفى النفس من وحشية اليوم أنها تهادى وقد كانت سريعا عنيقهـا
فإلا تدعى خبط الموارد في الدجى تكن قمنا من غشية لا تفيقـهـا
دواء طبـيب كـان يعـلـم أنـه يداوي المجانين المخلى طريقهـا فبلغ ذلك يزيد فقال:
ستبرأ من بعد الضمانة رجلـهـا وتأتي الذي تهوى مخلى طريقها
علي هدايا البدن إن لـم ألاقـهـا وإن لم يكن إلا فديك يسوقـهـا
يحصنها منـي فـديك سـفـاهة وقد ذهبت فيها الكباس وحوقهـا
تذيقونها شيئا من النـار كـلـمـا رأت من بني كعب غلاما يروقها قال: وإنما كانت وضعت رجلها فأحرقتها النار.
وقال يزيد أيضا:
يا سخنة العين للجرمي إذ جمعت بيني وبين نوار وحـشة الـدار
خبرتهم عذبوا بالنار جارتـهـم ومن يعذب غير الله بـالـنـار فبلغ ذلك فديكا فقال:
أحالفة عليك بنو قـشـير يمين الصبر أم متحرجونا ويروى: يمين الله:
فإن تنكل قشير تقض جرم وتقض لها مع الشبه اليقينا
أليس الجور أن أباك مـنـا وأنك في قبيلة آخـرينـا
لعمر الله أن بني قـشـير لجرم في يزيد لظالمونـا
فإلا يلحفوا فعليك شـكـل ونجر ليس مما يعرفونـا
وأعرف فيك سيما آل صقر ومشيتهم إذا يتخـيلـونـا قال: وكانت جرم تدعيه، وقشير تدعيه، فأراد أن يخبر أنه دعي.
وقال فديك بن حنظلة يهجوه:
صفحة : 870
وإنا لسيارون بالسـنة الـتـي أحلت وفينا جفوة حين نظلـم
ومنا الذي لاقته أمك خـالـيا فلم تدر ما أي الشهور المحرم فقال يزيد يهجو فديكا:
أنعت عيرا من عيور القهر أقمر من شر خمير قمـر
صبح أبيات فـديك يجـري منزلة اللؤم ودار الـغـدر
فلقيته عند باب الـعـقـر ينشطها والدرع عند الصدر
نشطك بالدلو قراح الجفر حاور حسناء عرفته من حديثه: أخبرنا يحيى بن علي إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثنا أبو الحارث هانىء بن سعد الخفاجي قال: ذكرت ليزيد بن الطثرية امرأة حدثة جميلة، فخرج حتى يدفع إليها، فوجد عندها رجلين قاعدين يتحدثان، فسلم عليهم، فأوجست أنه يزيد ولم تتثبت، ورأت عليه مسحة. فقالت: أي ريح جاءت بك يا رجل? قال: الجنوب. قالت: فأي طير جرت لك الغداة? قال: عنز زنمة رأيتها يداورها ثعلبان، فانقض عليها سرحان فراغ الثعلبان. قال: فطفرت وراء سترها، وعرفت أنه يزيد.
ذهب معه قطري لرؤية نساء يحتجبن عنه، وشعره في ذلك: قال إسحاق وحدثني عطرد قال: قال قطري بن بوزل ليزيد بن الطثرية: انطلق معي إلى فلانة وفلانة فإنهن يبرزن لك ويستترن عني، عسى أن أراهن اليوم على وجهك. فذهب به معه، فخرج عليهما النسوة وظلا يتحدثان عندهن حتى تروحا. وقال يزيد في ذلك:
على قطري نعمة إن جرى بهـا يزيد وإلا يجزه الله لـي أجـرا
ذنوت به حتى رمى الوحش بعدما رأى قطري من أوائلها نـفـرا قصته مع رجل من صداء أحب خثعمية فأعانه عليها: أخبرني يحيى إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عطرد قال: نزل نفر من صداء بناحية العقيق، وهو منزل ابن الطثرية، نصف النهار فلم يأتهم أحد، فأبصرهم ابن الطثرية فمر عليهم وهو منصرف وليسوا قريبا من أهله. فلما رآهم مرملين أنفذ إليهم هدية ومضى على حياله ولم يراجعهم. فسألوا عنه بعد حتى عرفوه، فحلا عندهم وأعجبهم. ثم إن فتى منهم واده فآخاه فأهدى له بردا وجبة ونعلين. ثم أغار المقدم بن عمرو بن همام بن مطرف بن الأعلم بن ربيعة بن عقيل على ناس من خثعم. وفي ذلك يقول الشاعر:
مغار ابن همام على حي خثعما فأخذ منهم إبلا ورقيقا، وكانت فيهن جارية من حسان الوجوه، وكان يهواها الذي آخى يزيد، فأصابه عليها بلاء عظيم حتى نحل جسمه وتغيرت حاله، فأقبل الفتى حتى نزل العقيق متنكرا، فشكا إلى يزيد ما أصابه في تلك الجارية. فقال: أفيك خير? قال نعم: فإني أدفعها إليك. فخبأه في عريش له أياما حتى خطف الجارية فدفعها إليه. فبعث إليها قطري بن بوزل، فاعترض لها بين أهلا وبين السوق فذهب بها حتى دفعها إليه وقد وطن له ناقة مفاجة فقال: النجاة فإنك لن تصبح حتى تخرج من بلاد قشير وتصير إلى دار نهد فقد نجوت، وأنا أخفي أثرك فعفى أثره، وقال لابنة خمارة كان يشرب عندها: اسحبي ذيلك على أثره ففعلت. ثم بحث على ذلك حتى قيل: قد كان قطري أحدث الناس بها عهدا، فاستعدى عليه فظفر بيزيد فأخذ مكانه فحبس بحجر، حبسه المهاجر. ففي ذلك يقول يزيد:
ألا لا أبالي إن نجا لي ابن بوزل ثوائي وتقييدي بحجر لـيالـيا
إذا حم أمر فهو لا بـد واقـع له لا أبالي ما علـي ولا لـيا
هو العسل الماذي طورا وتارة هو السم والذيفان والليث عاديا نحر ناقة من إبل أخيه لنسوة فسبه فقال شعرا: أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام الجمحي قال حدثني أبو الغراف قال.
صفحة : 871
كان يزيد بن الطثرية صاحب غزل ومحادثة للنساء، وكان ظريفا جميلا من أحسن الناس كلهم شعرا، وكان أخوه ثور سيدا كثير المال والنخل والرقيق، وكان متنسكا كثير الحج والصدقة كثير الملازمة لإبله ونخله، فلا يكاد يلم بالحي إلا الفلتة والوقعة، وكانت إبله ترد مع الرعاء على أخيه يزيد بن الطثرية فتسقى على عينه. فبينا يزيد مار في الإبل وقد صدر عن الماء إذ مر بخباء فيه نسوة من الحاضر، فلما رأينه قلن: يا يزيد: أطعمنا لحما. فقال: أعطينني سكينا فأعطينه، ونحر لهن ناقة من إبل أخيه. وبلغ الخبر أخاه، فلما جاءه أخذ بشعره وفسقه وشتمه. فأنشأ يزيد يقول:
يا ثور لا تشتمن عرضي فداك أبي فإنما الشتم للـقـوم الـعـواوير
ما عقر ناب لأمثال الدمى خـرد عين كرام وأبكار مـعـاصـير
عطفن حولي يسألن القرى أصـلا وليس يرضين مني بالمـعـاذير
هبهن ضيفا عراكم بعد هجعتكـم في قطقط من سقيط الليل منثور
وليس قـربـكـم شـاء ولا لـين أيرحل الضيف عنكم غير مجبور
ما خير واردة للـمـاء صـادرة لا تنجلي عن عقير الرجل منحور أحب امرأة وعلم أن سعة يحبونها فقال شعرا: أخبرني أبو خليفة قال قال ابن سلام: كان يزيد بن الطثرية يتحدث إلى امرأة ويعجب بها. فبينما هو عندها إذ حدث لها شاب سواه قد طلع عليه، ثم جاء آخر ثم آخر، فلم يزالوا كذلك حتى تموا سبعة وهو الثامن، فقال:
أرى سبعة يسعون للوصل كـلـهـم له عند لـيلـى دينة يسـتـدينـهـا
فألقيت سهمي وسطهم حين أوخشـوا فما صار لي من ذاك إلا ثمينـهـا
وكنت عزوف النفس أشنـأ أن أرى على الشرك من ورهاء طوع قرينها
فيوما تراهـا بـالـعـهـود وفـية ويوما على دين ابن خاقان دينـهـا
يدا بيد من جاء بالـعـين مـنـهـم ومن لم يجيء بالعين حيزت رهونها وقال فيها وقد صارمها:
ألا بأبي من قد برى الجسم حـبـه ومن هو مومـوق إلـي حـبـيب
ومن هـو لا يزداد إلا تـشـوقـا ولـيس يرى إلا عـلـيه رقـيب
وإني وإن أحموا علي كـلامـهـا وحالت أعـاد دونـهـا وحـروب
لمثن على لـيلـى ثـنـاء يزيدهـا قواف بأفـواه الـرواة تـطـيب
أليلى احذري نقض القوى لا يزل لنا على النأي والهجران منك نصـيب
وكوني على الواشين لداء شـغـبة كما أنا للـواشـي ألـد شـغـوب
فإن خفت ألا تحكمي مرة الـقـوى فردي فؤادي والـمـزار قـريب كتب والي اليمامة إلى أخيه ليؤدبه فحلق لمته فقال شعرا: أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن رجل من بني عامر ثم من بني خفاجة قال: استعدت جرم على ابن الطثرية في وحشية امرأة منهم كان يشبب بها فكتب بها صاحب اليمامة إلى ثور أخي يزيد بن الطثرية وأمره بأدبه، فجعل عقوبته حلق لمته فحلقها، فقال يزيد:
أقول لثور وهو يحلق لمتي بحجناء مردود عليها نصابها قال عبد الرحمن: كان عمي يحتج في تأنيث الموسى بهذا البيت
ترفق بها يا ثور ليس ثـوابـهـا بهذا ولكن غير هذا ثـوابـهـا
ألا ربما يا ثور قد غل وسطهـا أنامل رخصات حديث خضابهـا
وتسلك مدرى العاج في مدلهمة إذا لم تفرج مات غما صوابهـا
فراح بها ثور تـرف كـأنـهـا سلاسل درع خيره وانسكابـهـا
منعمة كالشرية الفرد جـادهـا نجاء الثريا هطلها وذهـابـهـا
فأصبح رأسي كالصخيرة أشرفت عليها عقاب ثم طارت عقابهـا أخبار من حلق رؤوسهم: ونظير هذا الخبر من حلقت جمته فرثاها، وليس من هذا الباب، ولكن يذكر الشيء بمثله: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن بن عمه قال: شرب طخيم الأسدي بالحيرة، فأخذه العباس بن معبد المري، وكان على شرط يوسف بن عمر، فحلق رأسه، فقال:
صفحة : 872
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلـط إذا حلف الأيمان باللـه بـرت
لقد حلقوا منا غدافا كـأنـهـا عناقيد كرم أينعت فاسبطرت
يظل العذارى حين تحلق لمتي على عجل يلقطنها حين جزت أخبرني محمد عن عبد الرحمن عن عمه عن بعض بني كلاب قال: أخذ فتى منا مع بعض فتيات الحي، فحلق رأسه فقال:
يا لمتي ولقد خلقـت جـمـيلة وكرمت حين أصابك الجلمـان
أمست تروق الناظرين وأصبحت قصصا تكون فواصل المرجان شعره في أخيه ثور: أخبرني وكيع قال حدثني علي بن الحسين بن عبد الأعلى قال حدثنا أبو محلم قال: كان ليزيد ين الطثرية أخ يقال له ثور أكبر منه، فكان يزيد يغير على ماله ويتلفه، فيتحمله ثور لمحبته إياه. فقال يزيد في ذلك:
نغير على ثور وثور يسرنـا وثور علينا في الحياة صبور
وذلك دأبي ما حييت وما مشى لثور على عفر التراب بعير الحرب بين عقيل وبني حنيفة ومقتل يزيد وما رثاه به الشعراء: وقتل يزيد بن الطثرية في خلافة بني العباس، قتلته بنو حنيفة.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل بن سلمة عن أبي عبيدة وابن الكلبي، وأخبرنا يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي الجراح العقيلي قال: أغارت بنو حنيفة على طائفة من بني عقيل ومعهم رجل من بني قشير جار لهم، فقتل القشيري رجل من بني عقيل واطردت إبل من العقيليين، فأتى الصريخ عقيلا فلحقوا القوم فقاتلوهم فقتلوا من بني حنيفة رجالا وعقروا أفراسا ثلاثة من خيل حنيفة وانصرفوا، فلبثوا سنة. ثم إن عقيلا انحدرت منتجعة من بلادها إلى بلاد بني تميم، فذكر لحنيفة وهم بالكوكبة والقيضاف، فغزتهم حنيفة، وحذر العقيليون وأتتهم النذر من نمير فانكشفوا فلم يقدروا عليهم، فبلغ ذلك من بني عقيل وتلهفوا على بني حنيفة، فجمعوا جمعا ليغزوا حنيفة، ثم تشاوروا. فقال بعضهم: لا تغزوا قوما في منازلهم ودورهم فيتحصنوا دونكم ويمتنعوا منكم، ولا نأمن أن يفضحوكم، فأقاموا بالعقيق. وجاءت حنيفة غازية كعبا لا تتعداها حتى وقعت بالفلج، فتطاير الناس، ورأس حنيفة يومئذ المندلف، وجاء صريخ كعب إلى أبي لطيفة بن مسلم العقيلي وهو بالعقيق أمير عليها، فضاق بالرسول ذرعا وأتاه هول شديد، فأرسل في عقيل يستمدها، فأتته ربيعة بن عقيل وقشير بن كعب والحريش بن كعب وأفناه خفاجة، وجاش إليه الناس، فقال: إني قد أرسلت طليعة فانتظروها حتى تجيء ونعلم ما تشير به. قال أبو الجراح: فأصبح صبح ثالثة على فرس له يهتف: أعز الله نصركم وأمتعنا بكم انصرفوا راشدين فلم يكن بأس، فانصرف الناس، وصار في بني عمه ورهطه دنية. وإنما فعل ذلك لتكون له السمعة والذكر. فكان فيمن سار معه القحيف بن خمير ويزيد بن الطثرية الشاعران، فساروا حتى واجهوا القوم، فواقعوهم، فقتلوا المندلف، رموه في عينه، وسبوا وأسروا ومثلوا بهم وقطعوا أيدي اثنين منهم وأرسلوهما إلى اليمامة وصنعوا ما أرادوا. ولم يقتل ممن كان مع أبي لطيفة غير يزيد بن الطثرية، نشب ثوبه في جذل من عشرة فانقلب، وخبطه القوم فقتل. فقال القحيف يرثيه:
ألا نبكي سراة بـنـي قـشـير على صنديدها وعلى فتـاهـا
فإن يقتل يزيد فقـد قـتـلـنـا سراتهم الكهول على لحـاهـا
أبا المكشوح بعدك من يحامـي ومن يزجي المطي على وجاها وقال القحيف أيضا يرثيه:
إن تقتلوا منا شهيدا صابـرا فقد تركنا منكم مـجـازرا
عشرين لما يدخلوا المقابرا قتلى أصيبت قعصا نحائرا
نعجا ترى أرجلها شواغرا وهذه من رواية ابن حبيب وحده. وقال القحيف أيضا ولم يروها إلا ابن حبيب:
يا عين بكي هملا على همل على يزيد ويزيد بن حمـل
قتال أبطال وجرار حلـل قال: ويزيد بن حمل قشيري قتل يومئذ أيضا. وقالت زينت بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد وعن أبي عمرو الشيباني أن الأبيات لأم يزيد، قال: وهي من الأزد. ويقال: إنها لوحشية الجرمية:
صفحة : 873
أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري مقيما وقد غالـت يزيد غـوائلـه
فتى قد قد السـيف لا مـتـضـائل ولا رهـل لـبـاتـه وبـآدلــه
فتى لا ترى قد القميص بخـصـره ولكنما توهي القميص كواهـلـه
إذا نزل الضـيفـان كـان عـذورا على الحي حتى تستقل مراجـلـه
يسرك مظلوما ويرضيك ظالـمـا وكل الذي حملته فهو حـامـلـه
إذا جد عند الجـد أرضـاك جـده وذو باطل إن شئت ألهاك باطـلـه
إذا القوم أموا بيته فـهـو عـامـد لأفضل ما أموا له فهو فـاعـلـه
مضى وورثنـاه دريس مـفـاضة وأبيض هنديا طـويلا حـمـائلـه
وقد كان يحمي المحجرين بسـيفـه ويبلغ أقصى حجرة الحي نـائلـه
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى بصاحبه يوما دما فـهـو آكـلـه
سيبكيه مولاه إذا مـا تـرفـعـت عن الساق عند الروع يوما ذلاذلـه الذلذل: هدب الثياب.
وقد أخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمر بن إبراهيم السعدي عن عباس بن عبد الصمد قال: قال هشام بن عبد الملك للعجير السلولي: أصدقت فيما قلت في ابن عمك? قال: نعم يا أمير المؤمنين، ألا إني قلت:
فتى قد قد السيف لا متضائل ولا رهل لباته وأباجـلـه فذكر هذا البيت وحده ونسبه إلى العجير السلولي من الأبيات المنسوبة إلى أخت يزيد بن الطثرية أو إلى أمه وأتى بأبيات أخر ليست منها، وسيذكر ذلك في أخبار العجير مشروحا إن شاء الله تعالى.
ومما يغنى فيه من شعر يزيد بن الطثرية قوله: صوت
بنفسي من لا بـد أنـي هـاجـره ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره
ومن قد رماه الناس بي فاتقـاهـم ببغضي إلا ما تجـن ضـمـائره عروضه من الطويل. غنى في هذين البيتين عبد الله بن العباس الربيعي لحنا من خفيف الثقيل بالبنصر. وغنت فيه عريب وفي أبيات أضافتها إليها لحنا من خفيف الثقيل الأول آخر. وغنت علية بنت المهدي فيها خفيف رمل. وذكر الهشامي أن لإبراهيم فيها لحنا ماخوريا. والأبيات المضافة:
بنفسي من لا أخبر الناس باسمـه وإن حملت حقدا علي عشـائره
بأهلي وما لي من جلبت له الأذى ومن ذكره مني قريب أسامـره
ومن لو جرت شحناء بيني وبينه وحاورني لم أدر كيف أحـاوره صوت من المائة المختارة
شأتك المنـازل بـالأبـرق دوارس كالعين في المهرق
لآل جميلة قـد أخـلـقـت ومهما يطل عهده يخـلـق
فإن يقل الناس لي عاشـق فأين الذي هو لم يعـشـق
ولم يبك نؤيا على عـبـرة بداء الصبابة والمـعـلـق شأتك: بعدت عنك. والشأو. البعد. يقال: جرى الفرس شأوا، يريد طلقا. والمهرق: الصحيفة، والجمع المهارق. يريد أن الدار قد بقيت منها طرائق كالصحف وما فيها.
الشعر للأحوص. والغناء لجميلة. ولحنها المختار خفيف رمل بالوسطى عن إسحاق. وفيه لعطرد ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى. وفيه لمعبد خفيف ثقيل عن حبش: وفيه رمل يقال: إنه لفريدة، ويقال: إنه لمالك. وقيل: إن الثقيل الأول لابن عائشة. وذكر عمرو بن بانة أن خفيف الرمل لعطرد أيضا.
ذكر جميلة وأخبارها
ولاء جميلة وشعر عبد الرحمن بن أرطأة فيها: هي جميلة مولاة بني سليم ثم مولاة بطن منهم يقال لهم بنو بهز، وكان لها زوج من موالي بني الحارث بن الخزرج، وكانت تنزل فيهم، فغلب عليها ولاء زوجها، فقيل: إنها مولاة للأنصار، تنزل بالسنح وهو الموضع الذي كان ينزله أبو بكر الصديق، ذكر ذلك إبراهيم بن زياد الأنصاري الأموي السعيدي. وذكر عبد العزيز بن عمران أنها مولاة للحجاج بن علاط السلمي وهي أصل من أصول الغناء. وعنها أخذ معبد وابن عائشة وحبابة وسلامة وعقيلة العقيقية والشماسيتان خليدة وربيحة. وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطأة: صوت
إن الدلال وحسن الغـنـا ء سط بيوت بني الخزرج
وتلكم جميلة زين النسـاء إذا هي تزدان للمخـرج
صفحة : 874
إذا جئتها بذلت ودها بوجه منير لها أبلج الشعر لعبد الرحمن بن أرطأة. والغناء لمالك خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى، ويقال: فيه الدلال وجميلة لحنان.
كانت أعلم خلق الله بالغناء: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي جعفر القرشي عن المحرزي قال: كانت جميلة أعلم خلق الله بالغناء، وكان معبد يقول: أصل الغناء جميلة وفرعه نحن، ولولا جميلة لم نكن نحن مغنين.
كيف تعلمت الغناء: قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال حدثني رجل من الأنصار قال: سئلت جميلة: أنى لك هذا الغناء? قالت: والله ما هو إلهام ولا تعليم ولكن أبا جعفر سائب خاثر كان لنا جارا وكنت أسمعه يغني ويضرب بالعود فلا أفهمه، فأخذت تلك النغمات فبنيت عليها غنائي، فجاءت أجود من تأليف ذلك الغناء، فعلمت وألقيت، فسمعني موالياتي يوما وأنا أغني سرا ففهمنني ودخلن علي وقلن: قد علمنا فما تكتمينا. فأقسمن علي، فرفعت صوتي وغنيتهن بشعر زهير بن أبي سلمى:
وما ذكرتك إلا هجت لي طربـا إن المحب ببعض الأمر معـذور
ليس المحب بمن إن شـط غـيره هجر الحبيب وفي الهجران تغيير صوت
نام الخلي فنوم العـين تـعـذير مما ادكرت وهم النفس مذكور
ذكرت سلمى وما ذكري براجعها ودونها سبسب يهوي به المـور الشعر لزهير. والغناء في هذين البيتين لجميلة فقط رمل بالوسطى عن حبش فحينئذ ظهر أمري وشاع ذكري، فقصدني الناس وجلست للتعليم، فكان الجواري يتكاوسنني، فربما انصرف أكثرهن ولم يأخذن شيئا سوى ما سمعنني أطارح لغيرهن، ولقد كسبت لموالي ما لم يخطر لهن ببال، وأهل ذلك كانوا وكنت.
إجماع الناس على تقديمها في الغناء: وحدثني أبو خليفة قال حدثني ابن سلام قال حدثني مسلمة بن محمد بن مسلمة الثقفي قال: كانت جميلة ممن لا يشك في فضيلتها في الغناء، ولم يدع أحد مقاربتها في ذلك، وكل مدني ومكي يشهد لها بالفضل.
وصف مجلس من مجالسها غنت فيه وغنى فيه مغنو مكة والمدينة: قال إسحاق وحدثني هشام بن المرية المدني قال حدثني جرير المدني - قال إسحاق: وكانا جميعا مغنيين حاذقين شيخين جليلين عالمين ظريفين، وكانا قد أسنا، فأما هشام فبلغ الثمانين، وأما جرير فلا أدري - قال جرير: وفد ابن سريج والغريض وسعيد بن مسجح ومسلم بن محرز المدينة لبعض من وفدوا عليه، فأجمع رأيهم على النزول على جميلة مولاة بهز، فنزلوا عليها فخرجوا يوما إلى العقيق متنزهين، فوردوا على معبد وابن عائشة فجلسوا إليهما فتحدثوا ساعة، ثم سأل معبد ابن سريج وأصحابه أن يعرضوا عليهم بعض ما ألفوا. فقال ابن عائشة: إن للقوم أعمالا كثيرة حسنة ولك أيضا يا أبا عباد، ولكن قد اجتمع علماء مكة، وأنا وأنت من أهل المدينة، فليعمل كل واحد منا صوتا ساعته ثم يغن به. قال: معبد: يا بن عائشة، قد أعجبتك نفسك حتى بلغتك هذه المرتبة قال ابن عائشة: أو غضبت يا أبا عباد، إني لم أقل هذا وأنا أريد أن أتنقصك فإنك لأنت المفاد منه. قال معبد: أما إذا قد اختلفنا وأصحابنا المكيون سكوت فلنجعل بيننا حكما. قال ابن عائشة: إن أصحابنا شركاء في الحكومة. قال ابن سريج: على شريطة، قال: على أن يكون ما نغني به من الشعر ما حكمت فيه امرأة. قال ابن عائشة ومعبد: رضينا، وهي وأم جندب. فأجمع رأيهم على الاجتماع في منزل جميلة من غد. فلما حضروا قال ابن عائشة: ما ترى يا أبا عباد? قال: أرى أن يبتدىء أصحابنا أو أحدهم. قال ابن سريج: بل أنتما أولى. قالا: لم نكن لنفعل. فأقبل ابن سريج على سعيد بن مسجح فسأله أن يبتدىء فأبى. فأجمع رأي المكيين على أن يتبدىء ابن سريج. فغنى ابن سريج: صوت
ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقا كل هذا التـجـنـب
خليلي مرا بي علـى أم جـنـدب أقض لبانات الفؤاد الـمـعـذب
فإنكما إن تـنـظـرانـي سـاعة من الدهر تنفعني لدى أم جنـدب
ألم ترياني كلمـا جـئت طـارقـا وجدت بها طيبا وإن لم تـطـيب الشعر لامرىء القيس. ولابن سريج فيه
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
أمسى الشباب مودعا محمودا والشيب مؤتنف المحل جديدا
وتغير البيض الأوانس بعدما حملتهن مواثقا وعـهـودا عروضه من الكامل. الشعر ليزيد بن الطثرية، والغناء لإسحاق، ولحنه المختار من الثقيل الأول بالبنصر. وفيه لبابويه خفيف ثقيل بالوسطى، كلاهما من رواية عمرو بن بانة.
ذكر يزيد بن الطثرية وأخباره ونسبه
نسبه ونسب أمه: ذكر ابن الكلبي أن اسمه يزيد بن الصمة أحد بني سلمة الخير بن قشير. وذكر البصريون أنه من ولد الأعور بن قشير. وقال أبو عمرو الشيباني: اسمه يزيد بن سلمة بن سمرة بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وإنما قيل له سلمة الخير لأنه كان لقشير ابن آخر يقال له سلمة الشر. قال: وقد قيل: إنه يزيد بن المنتشر بن سلمة. والطثرية أمه، فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب، امرأة من طثر، وهم حي من اليمن عدادهم في جرم. وقال غيره: إن طثرا من عنز بن وائل إخوة بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وكان أبو جراد أحد بني المنتفق بن عامر بن عقيل أسر طثرا فمكث عنده زمانا ثم خلاه وأخذ عليه إصرا ليبعثن إليه بفدائه أو ليأتينه بنفسه وأهله فلم يجد فداء، فاحتمل بأهله حتى دخل على أبي جراد فوسمه سمة إبله، فهم حلفاء لبني المنتفق إلى اليوم نحو من خمسمائة رجل متفرقين في بني عقيل يوالون بني المنتفق، وهم يعيرون ذلك الوسم. وقال بعض من يهجوهم:
عليه الوسم وسم أبي جراد وفيهم يقول يزيد بن الطثرية:
ألا بئسما أن تجرموني وتغضبوا علي إذا عاتبتكم يا بني طثـر وزعم بعض البصريين: أن الطثرية أم يزيد كانت مولعة بإخراج زبد اللبن، فسميت الطثرية. وطثرة اللبن: زبدته.
كان يلقب مودقا لجماله، وكان كثير التحدث إلى النساء: ويكنى يزيد أبا المكشوح. وكان يلقب مودقا، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.
أخبرني محمد بن خلف عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان يزيد بن الطثرية يقول: من أفحم عند النساء فلينشد من شعري. قال: وكان كثيرا ما يتحدث إلى النساء، وكان يقال: إنه عنين.
ما جرى بين جرم وقشير وما كان من مياد الجرمي ويزيد بن الطثرية:
صفحة : 864
وروى عنه عبد الله بن عمر عن يحيى بن جابر أحد بني عمرو بن كلاب عن سعاد بنت يزيد بن زريق امرأة منهم: أن يزيد بن الطثرية كان من أحسن من مضى وجها وأطيبه حديثا، وأن النساء كانت مفتونة به، وذكر الناس أنه كان عنينا، وذلك أنه لا عقب له، وأن الناس أمحلوا حتى ذهبت الدقيقة من المال ونهكت الجليلة، فأقبل صرم من جرم ساقته السنة والجدب من بلاده إلى بلاد بني قشير، وكان بينهم وبين بني قشير حرب عظيمة، فلم يجدوا بدا من رمي قشير بأنفسهم لما قد ساقهم من الجدب والمجاعة ودقة الأموال وما أشرفوا عليه من الهلكة، ووقع الربيع في بلاد بني قشير فانتجعها الناس وطلبوها، فلم يعد أن لقيت جرم قشيرا، فنصبت قشير لهم الحرب. فقالت جرم: إنما جئنا مستجيرين غير محاربين. قالوا: مما ذا? قالوا: من السنة والجدب والهلكة التي لا باقية لها. فأجارتهم قشير وسالمتهم وأرعتهم طرفا من بلادها. وكان في جرم فتى يقال له مياد، وكان غزلا حسن الوجه تام القامة آخذا بقلوب النساء. والغزل في جرم جائز حسن، وهو في قشير نائرة. فلما نازلت جرم قشيرا وجاورتها أصبح مياد الجرمي فغدا إلى القشيريات يطلب منهن الغزل والصبا والحديث واستبراز الفتيات عند غيبة الرجال واشتغالهم بالسقي والرعية وما أشبه ذلك، فدفعنه عنهم وأسمعنه ما يكره. وراحت رجالهن عليهن وهن مغضبات، فقال عجائز منهن: والله ما ندري أرعيتم جرما المرعى أم أرعيتموهم نساءكم فاشتد ذلك عليهم وقالوا: وما أدراكنه? قلن: رجل منذ اليوم ظل مجحرا لنا ما يطلع منا رأس واحدة، يدور بين بيوتنا. فقال بعضهم: بيتوا جرما فاصطلموها. وقال بعضهم: قبيح قوم قد سقيتموهم مياهكم وأرعيتموهم مراعيكم وخلطتموهم بأنفسهم وأجرتموهم من القحط والسنة تفتاتون عليه هذه الافتيات لا تفعلوا، ولكن تصبحوا وتقدموا إلى هؤلاء القوم في هذا الرجل، فإنه سفيه من سفهائهم فليأخذوا على يديه. فإن يفعلوا فأتموا لهم إحسانكم، وإن يمتنعوا ويقروا ما كان منه يحل لكم البسط عليهم وتخرجوا من ذمتهم، فأجمعوا على ذلك. فلما أصبحوا غدا نفر منهم إلى جرم فقالوا: ما هذه البدعة التي قد جاورتمونا بها إن كانت هذه البدعة سجية لكم فليس لكم عندنا إرعاء ولا إسقاء، فبرزوا عنا أنفسكم وأذنوا بحرب. وإن كان افتتانا فغيروا على من فعله. وإنهم لم يعدوا أن قالوا لجرم ذلك. فقام رجال من جرم وقالوا: ما هذا الذي نالكم? قالوا: رجل منكم أمس ظل يجر أذياله بين أبياتنا ما ندري علام كان أمره فقهقهت جرم من جفاء القشيريين وعجرفيتها وقالوا: إنكم لتحسون من نسائكم ببلاء، ألا فابعثوا إلى بيوتنا رجلا ورجلا. فقالوا: والله ما نحس من نسائنا ببلاء، وما نعرف منهن إلا العفة والكرم، ولكن فيكم الذي قلتم. قالوا: فإنا نبعث رجلا إلى بيوتكم يا بني قشير إذا غدت الرجال وأخلف النساء، وتبعثون رجلا إلى البيوت، ونتحالف أنه لا يتقدم رجل منا إلى زوجة ولا أخت ولا بنت ولا يعلمها بشيء مما دار بين القوم، فيظل كلاهما في بيوت أصحابه حتى يردا علينا عشيا الماء وتخلى لهما البيوت، ولا تبرز عليهما امرأة ولا تصادق منهما واحدا فيقبل منهما صرف ولا عدل إلا بموثق يأخذه عليها وعلامة تكون معه منها. قالوا: اللهم نعم. فظلوا يومهم ذلك وباتوا ليلتهم، حتى إذا كان من الغد غدوا إلى الماء وتحالفوا أنه لا يعود إلى البيوت منهم أحد دون الليل. وغدا مياد الجرمي إلى القشيريات، وغدا يزيد بن الطثرية القشيري إلى الجرميات، فظل عندهن بأكرم مظل لا يصير إلى واحدة منهن إلا افتتنت به وتابعته إلى المودة والإخاء وقبض منها رهنا وسألته ألا يدخل من بيوت جرم إلا بيتها، فيقول لها: وأي شيء تخافين وقد أخذت مني المواثيق والعهود وليس لأحد في قلبي نصيب غيرك، حتى صليت العصر. فانصرف يزيد بفتخ كثير وذبل وبراقع وانصرف مكحولا مدهونا شبعان ريان مرجل اللمة. وظل مياد الجرمي يدور بين بيوت القشيريات مرجوما مقصى لا يتقرب إلى بيت إلا استقبلته الولائد بالعمد والجندل، فتهالك لهن وظن انه ارتياد منهن له، حتى أخذه ضرب كثير بالجندل ورأى البأس منهن وجهده العطش، فانصرف حتى جاء إلى سمرة قريبا إلى نصف النهار، فتوسد يده ونام تحتها نويمة حتى أفرجت عنه الظهيرة وفاءت الأظلال
صفحة : 865
وسكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا، ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد، فوج أمة تذود غنما في بعض الظعن، فأخذ برقعها فقال: هذا برقع واحدة من نسائكم، فطرحه بين يدي القوم، وجاءت الأمة تعدو فتعلقت ببرقعها فرد عليها وخجل مياد خجلا شديدا. وجاء يزيد ممسيا وقد كاد القوم أن يتفرقوا، فنثر كمه بين أيديهم ملآن براقع وذبلا وفتخا، وقد حلف القوم ألا يعرف رجل شيئا إلا رفعه. فلما نثر ما معه اسودت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم إمساكة. فقالت قشير: أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرج الأموال والأهل، فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده، فبسط كل رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرقوا عن حرب، وقالوا: هذه مكيدة يا قشير. فقال في ذلك يزيد بن الطثرية:سكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا، ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد، فوج أمة تذود غنما في بعض الظعن، فأخذ برقعها فقال: هذا برقع واحدة من نسائكم، فطرحه بين يدي القوم، وجاءت الأمة تعدو فتعلقت ببرقعها فرد عليها وخجل مياد خجلا شديدا. وجاء يزيد ممسيا وقد كاد القوم أن يتفرقوا، فنثر كمه بين أيديهم ملآن براقع وذبلا وفتخا، وقد حلف القوم ألا يعرف رجل شيئا إلا رفعه. فلما نثر ما معه اسودت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم إمساكة. فقالت قشير: أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرج الأموال والأهل، فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده، فبسط كل رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرقوا عن حرب، وقالوا: هذه مكيدة يا قشير. فقال في ذلك يزيد بن الطثرية:
فإن شئت يا مياد زرنا وزرتـم ولم ننفس الدنيا على من يصيبها
أيذهب مياد بألباب نـسـوتـي ونسوة مياد صحيح قلـوبـهـا وقال مياد الجرمي:
لعمرك إن جمع بني قشير لجرم في يزيد لظالمونـا
أليس الظلم أن أباك منـا وأنك في كتيبة آخـرينـا
أحالفة عليك بنو قـشـير يمين الصبر أم متحرجونا أحب وحشية ومرض لبعدها فأعانه ابن عمه على رؤيتها فبرىء:
صفحة : 866
قال: وبلي يزيد بعشق جارية من جرم في ذلك اليوم يقال لها وحشية، وكانت من أحسن النساء. ونافرتهم جرم فلم يجد إليها سبيلا، فصار من العشق إلى أن أشرف على الموت واشتد به الجهد، فجاء إلى ابن عم له يقال له خليفة بن بوزل، بعد اختلاف الأطباء إليه ويأسهم منه، فقال له: يا بن عم، قد تعلم أنه ليس إلى هذه المرأة سبيل، وأن التعزي أجمل، فما أربك في أن تقتل نفسك وتأثم بربك. قال: وما همي يا بن عم بنفسي وما لي فيها أمر ولا نهي، ولا همي إلا نفس الجرمية، فإن كنت تريد حياتي فأرنيها. قال: كيف الحيلة? قال: تحملني إليها. فحمله إليها وهو لا يطمع في الجرمية، إلا أنهم كانوا إذا قالوا له نذهب بك إلى وحشية أبل قليلا وراجع وطمع، وإذا أيس منها اشتد به الوجع. فخرج به خليفة بن بوزل فحمله فتخلل به اليمن، حتى إذا دخل في قبيلة انتسب إلى أخرى ويخبر أنه طالب حاجة. وأبل حتى صلح بعض الصلاح، وطمع فيه ابن عمه، وصارا بعد زمان إلى حي وحشية فلقيا الرعيان وكمنا في جبل من الجبال. فجعل خليفة ينزل فيتعرض لرعيان الشاء فيسألهم عن راعي وحشية، حتى لقي غلامها وغنمها، فواعدهم موعدا وسألهم ما حال وحشية? فقال غلامها: هي والله بشر لا حفظ الله بني قشير ولا يوما رأيناهم فيه فما زالت عليلة منذ رأيناهم وكان بها طرف مما بابن الطثرية فقال: ويحك فإن ها هنا إنسانا يداويها، فلا تقل لأحد غيرها. قال: نعم إن شاء الله تعالى. فأعلمها الراعي ما قال له الرجل حين صار إليها. فقالت له: ويحك فجيء به. ثم إنه خرج فلقيه بالغد فأعلمه، وطل عنده يرعى غنمه، وتأخر عن الشاء حتى تقدمته الشاء وجنح الليل، وانحدر بين يدي غنمه حتى أراحها. ومشى فيها يزيد حتى قربت من البيت على أربع وتجلل شملة سوداء بلون شاة من الغنم، فصار إلى وحشية، فسرت به سرورا شديدا، وأدخلته سترا لها وجمعت عليه من الغد من تثق به من صواحباتها وأترابها. وقد كان عهد إلى ابن عمه أن يقيم في الجبل ثلاث ليال، فإن لم يره فلينصرف. فأقام يزيد عندها ثلاث ليال ورجع إلى أصح ما كان عليه، ثم انصرف فصار إلى صاحبه. فقال: ما وراءك يا يزيد? ورأى من سروره وطيب نفسه ما سره. فقال:
لو انك شاهدت الصبا يا بن بوزل بفرع الغضى إذ راجعتني غياطله
لشاهدت لهوا بعد شحط من النوى على سخط الأعداء حلوا شمائلـه صوت
ويوما كإبهام القطاة مزينـا لعيني ضحاه غالبا لي باطله غنى في البيت الثالث وبعده البيت الثاني، وروايته:
تشاهد لهوا بعد شحط من النوى مخارق ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني علي بن الصباح قلا: قال أبو محضة الأعرابي وأنشد هذه الأبيات ليزيد بن الطثرية، فلما بلغ إلى قوله:
بنفسي من لو مر برد بنـانـه على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل أمر وهبته فلا هو يعطيني ولا أنا سائله طرب لذلك وقال: هذا والله من مغنج الكلام.
كتب إلى وحشية شعرا فأجابته: ونسخت من كتاب الحسن بن علي: حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني هشام بن محمد بن موسى قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الطائي قال حدثني عبد الله بن روح الغنوي قال حدثتني ظبية بنت وزير الجاهلية قالت: كتب يزيد بن الطثرية إلى وحشية:
أحبك أطراف النهار بشـاشة وبالليل يدعوني الهوى فأجيب
لئن أصبحت ريح المودة بيننـا شمالا لقدما كنت وهي جنوب فأجابته بقولها:
أحبك حب اليأس إن نفع الحـيا وإن لم يكن لي من هواك طبيب يزيد بن الطثرية وابن بوزل برملة حائل: أخبرني يحيى بن علي إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني هانىء بن سعد: أن ابن الطثرية وابن بوزل، وهو قطري بن بوزل، خرجا يسيران حتى نزلا برملة حائل بين قفار الملح، فقال يزيد لابن بوزل: اذهب فاسق راحلتك واسقنا. فلما جاوز أوفى يزيد على أجرع، فرأى أشباحا فأتاها. فقيل له: هذه والله فلانة وأهلها عجيبة بها أي معجبون بها. فأتاها فظل عشيته وبات ليلته وأقام الغد حتى راح عشيا وقد لقي ابن بوزل كل شر ومات غيظا. فلما دنا منه قال:
صفحة : 867
لو أنك شاهدت الصبا يا بن بـوزل بجزع الغضى إذ راجعتني غياطله
بأسفل خل الملح إذ دين ذي الهوى مؤدى وإذ خير الوصـال أوائلـه
لشاهدت يوما بعد شحط من النوى وبعد تنائي الدار حلوا شـمـائلـه وقد روي:
وغيم الصبا إذ راجعتني غياطله فاخترط سيفه ابن بوزل، وحاوطه يزيد بعصاه، ثم اعتذر إليه وأخبره خبره فقبل منه. وقد روى هذه الأبيات أبو عمرو الشيباني وغيره فزاد فيها على إسحاق هذه الأبيات:
ألا حبذا عينـاك يا أم شـنـبـل إذا الكحل في جفنيهما جال جائله
فداك من الخلان كـل مـمـزج تكون لأدنى من يلاقي وسـائلـه
فرحنا تلقـانـا بـه أم شـنـبـل ضحيا وأبكتنا عشـيا أصـائلـه
وكنت كأني حين كان كلامـهـا وداعا وخلى موثق العهد حاملـه
رهين بنفس لم تفـك كـبـولـه عن الساق حتى جرد السيف قاتله
فقال دعوني سجدتـين وأرعـدت حذار الردى أحشاؤه ومفاصلـه بنو سدرة ويزيد ابن الطثرية: قال إسحاق وقال أبو عثمان سعيد بن طارق: نزلت سارية من بني سدرة على بني قشير بمالهم، فجعلت فتيان قشير تترجل وتتزين وتزور بيوت سدرة. فاستنهوهم، فقال يزيد بن الطثرية: وما في هذا عليكم زوروا بيوتنا كما نزور بيوتكم، وقال:
دعوهن يتبعن الصبا وتبادلوا بنا ليس بأس بيننا بالتبـادل ثم إن بني سدرة قالوا لنسائهم: ويحكن فضحتننا نأتي نساء هؤلاء فلا نقدر عليهم ويأتونكن فلا تحتجبن عنهم. فقالت كهلة منهن: مروا نساءكم يجتمعن إلى بيتي، فإذا جاءوا لم يجدوا امرأة إلا عندي، فإن يزيد أتاني لم يعد في بيوتكم ففعلوا. فجاء يزيد فقال:
سلام عليكن الغداة فما لنا إليكن إلا أن تشأن سبيل فقالت الكهلة: ومن أنت? فقال:
أنا الهائم الصب الذي قاده الهوى إليك فأمسى في حبالك مسلمـا
برته دواعي الحب حتى تركنـه سقيما ولم يتركن لحما ولا دما فقالت: اختر إحدى ثلاث خصال: إما أن تمضي ثم ترجع علينا فإنا نرقب عيون الرجال فإنهم قد سبونا فيك، وإما أن تختار أحبنا إليك، وأن تطلب امرأة واحدة خير من أن يشهرك الناس، ونسي الثالثة. فقال: سآخذ إحداهن، فاختاري أنت إحدى ثلاث خصال. قالت: وما هن? قال: إما أن أحملك على مرضوف من أمري فتركبيه، وإما أن تحمليني على مشروج من أمرك فأركبه، وإما أن تلزي بكري بين قلوصيك. قالت: لو وقع بكرك بين قلوصي لطمرتا به طمرة يتطامن عنقه منها. قال: كلا إنه شديد الوجيف، عارم الوظيف، فغلبها. فلما أتاهما القوم قالت لهم: إنه أتاني رجل لا تمتنع عليه امرأة. فإما أن تغمضوا له، وإما أن ترحلوا عن مكانكم هذا، فرحلوا وذهبوا. فقال حكيم بن أبي الخلاف السدري في قصيدة له يذكر أنه إنما ارتحلوا عنهم لأنهم آذوهم بكثرة ما يصنعون بها:
فكان الذي تهدون للجار منكم بخاتج حبات كثيرا سعالهـا يزيد بن الطثرية وأسماء الجعفرية: قال إسحاق فأخبرني الفزاري: أن قوما من بني نمير وقوما من بني جعفر تزاوروا، فزار شبان من بني جعفر بيوت بني نمير، فقبلوا وحدثوا، وزار بنو نمير بني جعفر فلم يقبلوا، فاستنجدوا ابن الطثرية فزار معهم بيوت بني جعفر، فأنشدهن وحدثهن فأعجبن به واجتمعن إليه من البيوت. فتوعد بنو جعفر ابن الطثرية، فتتاركوا وأمسك بعضهم عن بعض. فأرسلت أسماء الجعفرية إلى ابن الطثرية أن لا تقطعني، وإن منعت فإني سأتخلص إلى لقائك. فأنشأ يقول:
خليلي بين المنحنى من مـخـمـر وبين اللوى من عرفجاء المقابـل
قفا بين أعناق الـلـوى لـمـرية جنوب تداوي غل شوق مماطـل
لكيما أرى أسماء أو لتمـسـنـي رياح برياها لـذاذ الـشـمـائل
لقد حادلت أسماء دونك بالـلـوى عيون العد سقيا لها من مـحـادل
ودست رسولا أن حولي عصـابة هم الحرب فاستبطن سلاح المقاتل
عشية مالي من نصير بأرضـهـا سوى السيف ضمته إلي حمائلـي
صفحة : 868
فيأيها الواشون بالـغـش بـينـنـا فرادى ومثنى من عـدو وعـاذل
دعوهن يتبعن الهوى وتـبـادلـوا بنا ليس بأس بيننـا بـالـتـبـادل
تروا حين نأتيهن نـحـن وأنـتـم لمن وعلى من وطأة المتـثـاقـل
ومن عريت للهو قدمـا ركـابـه وشاعت قوافي شعره في القبـائل
تبرز وجوه السابقـين ويخـتـلـط على المقرف الكافي غبار القنابل
فإن تمنعوا أسماء أو يك نفـعـهـا لكم أو تدبوا بينـنـا بـالـغـوائل
فلن تمنعوني أن أعلل صحبـتـي على كل شيء من مدى العين قابل حبسه لديون لزمته وما وقع في ذلك بينه وبين عقبة بن شريك: قال إسحاق وحدثني أبو زياد الكلابي: أن يزيد بن الطثرية كان شريفا متلافا يغشاه الدين، فإذا أخذ به قضاه عنه أخ له يقال له ثور، ثم إنه كثر عليه دين لمولى لعقبة بن شريك الحرشي يقال له البربري فحبسه له عقبة بالعقيق من بلاد بني عقيل، وعقبة عليها يومئذ أمير. وقال المفضل بن سلمة قال أبو عمرو الشيباني: كان يزيد قد هرب منه، فرجع إليه من حب أسماء، وكانت جارة البربري، فأخذه البربري. ويقال: إنه أعطاه بعيرا من إبل ثور أخيه. فقال يزيد في السجن:
قضى غرمائي حب أسماء بعد ما تخونني ظلم لـهـم وفـجـور
فلو قل دين البربري قـضـيتـه ولكن دين البـربـري كـثـير
وكنت إذا حلت علـي ديونـهـم أضم جناحي منـهـم فـأطـير
علي لهم في كـل شـهـر أدية ثمانون واف نقدهـا وجـزور
نجيء إلى ثور ففيم رحـيلـنـا وثور علينا في الحياة صـبـور
أشد على ثـور وثـور إذا رأى بنا خلة جزل العطاء غـفـور
فذلك دأبي ما بقيت وما مـشـى لثور على ظهر البلاد بـعـير ويرى: فهذا له ما دمت حيا ثم إن عقبة حج على جمل له يقال له ابن الكميت أنجب ما ركب الناس، وثبت ابن الطثرية في السجن حتى انصرف عقبة بن شريك من مكة، فأرسل ابن الكميت في مخاضه مستقبلة الربيع وهي حاضرة العقيق، تأكل الغضى وتشرب بأحسائه، وانحدر عقبة نحو اليمامة وعليها المهاجر بن عبد الله الكلابي. فلما ضاقت بابن الطثرية المخارج قال له صاحب له: لا أعلم لك أنجى إن قدرت على الخروج من السجن إلا أن تركب ابن الكميت فينجيك نحو بلد من البلاد. فلم يزل حتى جعل للحداد، على أن يرسله ليلة إلى ابن عمه، جعلا، فشكا إليه وجده بها فأرسله. فمضى يزيد نحو الإبل عشاء فاحتكم ابن الكميت حتى جلس عليه فوجهه قصد اليمامة يريد عقبة بن شريك، وقال في طريقه:
لعمري إن ابن الكميت على الوجا وسيري خمسا بعد خمس مكمل
لطلق الهوادي بالوجيف إذا ونـى ذوات البقايا والعتيق الهمرجـل فورد اليمامة فأناخ بابن الكميت على باب المهاجر، فكان أول من خرج عليه عقبة بن شريك. فلما نظر إليه عرفه وعرف الجمل فقال: ويحك أيزيد أنت? قال نعم وهذا ابن الكميت? قال نعم قال: ويحك فما شأنك? قال: يا عقبة، فار منك إليك، وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
يا عقب قد شذب اللحاء عن العصا عني وكنت مؤزرا مـحـمـودا
صل لي جناحي واتخذنـي عـدة ترمي بي المتعاشي الصـنـديدا فقال له عقبة - وكانت من خير فعلة علمناه فعلها: - أشهدكم أني قد أبرأته من دين البربري وأن له ابن الكميت، وأمره أن يحتكم فيما سوى ذلك من ماله. وهذا البيتان من القصيدة التي أولها:
أمسى الشباب مودعا محمودا وهي من جيد شعره، يقول فيها:
ومدلة عند التبـذل يفـتـري منها الوشاح مخصرا أملودا
نازعتها غنم الصبا إن الصبا قد كان مني للكواعب عـيدا
يا للرجال وإنما يشكو الفتـى مر الحوادث أو يكون جليدا
بكرت نوار تجد باقية القوى يوم الفراق وتخلف الموعودا
ولرب أمر هوى يكون ندامة وسبيل مكرهة يكون رشيدا ثم قال يفخر:
لا أتقي حسك الضغائن بالرقى فعل الذليل وإن بقيت وحـيدا
صفحة : 869
لكن أجرد للضغائن مثلهـا حتى تموت وللحقود حقودا أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح قال: قال أبو محضة الأعرابي وأنشد هذه الأبيات ليزيد بن الطثرية: هي والله من مغنج الكلام:
بنفسي من لو مر برد بنـانـه على كبدي كانت شفاء أناملـه
ومن هابني في كل شيء وهبته فلا هو يعطيني ولا أنا سائلـه وهذه الأبيات من قصيدته التي قالها في وحشية الجرمية التي مضى ذكرها.
تبعه أعداء له فترك راحلته وفر، وشعره في ذلك: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية قالت: مر يزيد بن الطثرية بأعداء له، فأرادوه وهو على راحلته فركضها وركضوا الإبل على أثره، فخشي أن يدركوه وكانت نفسه عنده أوثق من الراحلة، فنزل فسبقهم عدوا، وأدركوا الراحلة فعقروها. فقال في ذلك:
ألا هل أتى ليلى على نأي دارها بأي لم أقاتل يوم صخر مـذودا
وأني أسلمت الركاب فعقـرت وقد كنت مقداما بسيفي مفـردا
أثرت فلم أسطع قتالا ولا تـرى أخا شيعة يوما كآخـر أوحـدا
فهل تصر من الغانيات مودتـي إذا قيل قد هاب المنون فعـردا هاجى فديكا الجرمي لأنه عذب وحشية بالنار ليصدها عنه: أخبرني يحيى إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي زياد قال: كان يزيد بن الطثرية يتحدث إلى نساء فديك بن حنظلة الجرمي، ومنزلهما بالفلج فبلغ ذلك فديكا فشق عليه فزجر نساءه عن ذللك، فأبين إلا أن يدخل عليهن يزيد. فدخل عليهن فديك ذات يوم وقد جمعهن جميعا أخواته وبنات عمه وغيرهن من حرمه، ثم قال لهن: قد بلغني أن يزيد دخل عليكن وقد نهيتكن عنه، وإن لله علي نذرا واجبا واخترط سيفه إن لم أضرب أعناقكن به. فلما ملأهن رعبا ضرب عنق غلام له مولد يقال له عصام فقتله، ثم أنشأ يقول:
جعلت عصاما عبرة حين رابني أناسي من أهلي مراض قلوبها ثم إن فديكا رأى يزيد قائما عند باب أهله، فظن أنه يواعد بعض نسائه، فارتصده على طريقه وأمر بزبية فحفرت على الطريق ثم أوقد فيها نارا لينة ثم اختبأ في مكان ومعه عبدان له وقال لهما: تبصرا هل تريان أحدا، فلم يلبثا إلا قليلا حتى خرجت بنت أخي فديك، وكان يقال لها وحشية، تتهادى في برودها لميعاد يزيد، فأيقظه العبدان، ومضت حتى وقعت على الزبية فاحترق بعضها، وأمر بها فأخرجت، واحتملها العبدان فانطلقا بها إلى داره. فقال فديك:
شفى النفس من وحشية اليوم أنها تهادى وقد كانت سريعا عنيقهـا
فإلا تدعى خبط الموارد في الدجى تكن قمنا من غشية لا تفيقـهـا
دواء طبـيب كـان يعـلـم أنـه يداوي المجانين المخلى طريقهـا فبلغ ذلك يزيد فقال:
ستبرأ من بعد الضمانة رجلـهـا وتأتي الذي تهوى مخلى طريقها
علي هدايا البدن إن لـم ألاقـهـا وإن لم يكن إلا فديك يسوقـهـا
يحصنها منـي فـديك سـفـاهة وقد ذهبت فيها الكباس وحوقهـا
تذيقونها شيئا من النـار كـلـمـا رأت من بني كعب غلاما يروقها قال: وإنما كانت وضعت رجلها فأحرقتها النار.
وقال يزيد أيضا:
يا سخنة العين للجرمي إذ جمعت بيني وبين نوار وحـشة الـدار
خبرتهم عذبوا بالنار جارتـهـم ومن يعذب غير الله بـالـنـار فبلغ ذلك فديكا فقال:
أحالفة عليك بنو قـشـير يمين الصبر أم متحرجونا ويروى: يمين الله:
فإن تنكل قشير تقض جرم وتقض لها مع الشبه اليقينا
أليس الجور أن أباك مـنـا وأنك في قبيلة آخـرينـا
لعمر الله أن بني قـشـير لجرم في يزيد لظالمونـا
فإلا يلحفوا فعليك شـكـل ونجر ليس مما يعرفونـا
وأعرف فيك سيما آل صقر ومشيتهم إذا يتخـيلـونـا قال: وكانت جرم تدعيه، وقشير تدعيه، فأراد أن يخبر أنه دعي.
وقال فديك بن حنظلة يهجوه:
صفحة : 870
وإنا لسيارون بالسـنة الـتـي أحلت وفينا جفوة حين نظلـم
ومنا الذي لاقته أمك خـالـيا فلم تدر ما أي الشهور المحرم فقال يزيد يهجو فديكا:
أنعت عيرا من عيور القهر أقمر من شر خمير قمـر
صبح أبيات فـديك يجـري منزلة اللؤم ودار الـغـدر
فلقيته عند باب الـعـقـر ينشطها والدرع عند الصدر
نشطك بالدلو قراح الجفر حاور حسناء عرفته من حديثه: أخبرنا يحيى بن علي إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثنا أبو الحارث هانىء بن سعد الخفاجي قال: ذكرت ليزيد بن الطثرية امرأة حدثة جميلة، فخرج حتى يدفع إليها، فوجد عندها رجلين قاعدين يتحدثان، فسلم عليهم، فأوجست أنه يزيد ولم تتثبت، ورأت عليه مسحة. فقالت: أي ريح جاءت بك يا رجل? قال: الجنوب. قالت: فأي طير جرت لك الغداة? قال: عنز زنمة رأيتها يداورها ثعلبان، فانقض عليها سرحان فراغ الثعلبان. قال: فطفرت وراء سترها، وعرفت أنه يزيد.
ذهب معه قطري لرؤية نساء يحتجبن عنه، وشعره في ذلك: قال إسحاق وحدثني عطرد قال: قال قطري بن بوزل ليزيد بن الطثرية: انطلق معي إلى فلانة وفلانة فإنهن يبرزن لك ويستترن عني، عسى أن أراهن اليوم على وجهك. فذهب به معه، فخرج عليهما النسوة وظلا يتحدثان عندهن حتى تروحا. وقال يزيد في ذلك:
على قطري نعمة إن جرى بهـا يزيد وإلا يجزه الله لـي أجـرا
ذنوت به حتى رمى الوحش بعدما رأى قطري من أوائلها نـفـرا قصته مع رجل من صداء أحب خثعمية فأعانه عليها: أخبرني يحيى إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عطرد قال: نزل نفر من صداء بناحية العقيق، وهو منزل ابن الطثرية، نصف النهار فلم يأتهم أحد، فأبصرهم ابن الطثرية فمر عليهم وهو منصرف وليسوا قريبا من أهله. فلما رآهم مرملين أنفذ إليهم هدية ومضى على حياله ولم يراجعهم. فسألوا عنه بعد حتى عرفوه، فحلا عندهم وأعجبهم. ثم إن فتى منهم واده فآخاه فأهدى له بردا وجبة ونعلين. ثم أغار المقدم بن عمرو بن همام بن مطرف بن الأعلم بن ربيعة بن عقيل على ناس من خثعم. وفي ذلك يقول الشاعر:
مغار ابن همام على حي خثعما فأخذ منهم إبلا ورقيقا، وكانت فيهن جارية من حسان الوجوه، وكان يهواها الذي آخى يزيد، فأصابه عليها بلاء عظيم حتى نحل جسمه وتغيرت حاله، فأقبل الفتى حتى نزل العقيق متنكرا، فشكا إلى يزيد ما أصابه في تلك الجارية. فقال: أفيك خير? قال نعم: فإني أدفعها إليك. فخبأه في عريش له أياما حتى خطف الجارية فدفعها إليه. فبعث إليها قطري بن بوزل، فاعترض لها بين أهلا وبين السوق فذهب بها حتى دفعها إليه وقد وطن له ناقة مفاجة فقال: النجاة فإنك لن تصبح حتى تخرج من بلاد قشير وتصير إلى دار نهد فقد نجوت، وأنا أخفي أثرك فعفى أثره، وقال لابنة خمارة كان يشرب عندها: اسحبي ذيلك على أثره ففعلت. ثم بحث على ذلك حتى قيل: قد كان قطري أحدث الناس بها عهدا، فاستعدى عليه فظفر بيزيد فأخذ مكانه فحبس بحجر، حبسه المهاجر. ففي ذلك يقول يزيد:
ألا لا أبالي إن نجا لي ابن بوزل ثوائي وتقييدي بحجر لـيالـيا
إذا حم أمر فهو لا بـد واقـع له لا أبالي ما علـي ولا لـيا
هو العسل الماذي طورا وتارة هو السم والذيفان والليث عاديا نحر ناقة من إبل أخيه لنسوة فسبه فقال شعرا: أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام الجمحي قال حدثني أبو الغراف قال.
صفحة : 871
كان يزيد بن الطثرية صاحب غزل ومحادثة للنساء، وكان ظريفا جميلا من أحسن الناس كلهم شعرا، وكان أخوه ثور سيدا كثير المال والنخل والرقيق، وكان متنسكا كثير الحج والصدقة كثير الملازمة لإبله ونخله، فلا يكاد يلم بالحي إلا الفلتة والوقعة، وكانت إبله ترد مع الرعاء على أخيه يزيد بن الطثرية فتسقى على عينه. فبينا يزيد مار في الإبل وقد صدر عن الماء إذ مر بخباء فيه نسوة من الحاضر، فلما رأينه قلن: يا يزيد: أطعمنا لحما. فقال: أعطينني سكينا فأعطينه، ونحر لهن ناقة من إبل أخيه. وبلغ الخبر أخاه، فلما جاءه أخذ بشعره وفسقه وشتمه. فأنشأ يزيد يقول:
يا ثور لا تشتمن عرضي فداك أبي فإنما الشتم للـقـوم الـعـواوير
ما عقر ناب لأمثال الدمى خـرد عين كرام وأبكار مـعـاصـير
عطفن حولي يسألن القرى أصـلا وليس يرضين مني بالمـعـاذير
هبهن ضيفا عراكم بعد هجعتكـم في قطقط من سقيط الليل منثور
وليس قـربـكـم شـاء ولا لـين أيرحل الضيف عنكم غير مجبور
ما خير واردة للـمـاء صـادرة لا تنجلي عن عقير الرجل منحور أحب امرأة وعلم أن سعة يحبونها فقال شعرا: أخبرني أبو خليفة قال قال ابن سلام: كان يزيد بن الطثرية يتحدث إلى امرأة ويعجب بها. فبينما هو عندها إذ حدث لها شاب سواه قد طلع عليه، ثم جاء آخر ثم آخر، فلم يزالوا كذلك حتى تموا سبعة وهو الثامن، فقال:
أرى سبعة يسعون للوصل كـلـهـم له عند لـيلـى دينة يسـتـدينـهـا
فألقيت سهمي وسطهم حين أوخشـوا فما صار لي من ذاك إلا ثمينـهـا
وكنت عزوف النفس أشنـأ أن أرى على الشرك من ورهاء طوع قرينها
فيوما تراهـا بـالـعـهـود وفـية ويوما على دين ابن خاقان دينـهـا
يدا بيد من جاء بالـعـين مـنـهـم ومن لم يجيء بالعين حيزت رهونها وقال فيها وقد صارمها:
ألا بأبي من قد برى الجسم حـبـه ومن هو مومـوق إلـي حـبـيب
ومن هـو لا يزداد إلا تـشـوقـا ولـيس يرى إلا عـلـيه رقـيب
وإني وإن أحموا علي كـلامـهـا وحالت أعـاد دونـهـا وحـروب
لمثن على لـيلـى ثـنـاء يزيدهـا قواف بأفـواه الـرواة تـطـيب
أليلى احذري نقض القوى لا يزل لنا على النأي والهجران منك نصـيب
وكوني على الواشين لداء شـغـبة كما أنا للـواشـي ألـد شـغـوب
فإن خفت ألا تحكمي مرة الـقـوى فردي فؤادي والـمـزار قـريب كتب والي اليمامة إلى أخيه ليؤدبه فحلق لمته فقال شعرا: أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن رجل من بني عامر ثم من بني خفاجة قال: استعدت جرم على ابن الطثرية في وحشية امرأة منهم كان يشبب بها فكتب بها صاحب اليمامة إلى ثور أخي يزيد بن الطثرية وأمره بأدبه، فجعل عقوبته حلق لمته فحلقها، فقال يزيد:
أقول لثور وهو يحلق لمتي بحجناء مردود عليها نصابها قال عبد الرحمن: كان عمي يحتج في تأنيث الموسى بهذا البيت
ترفق بها يا ثور ليس ثـوابـهـا بهذا ولكن غير هذا ثـوابـهـا
ألا ربما يا ثور قد غل وسطهـا أنامل رخصات حديث خضابهـا
وتسلك مدرى العاج في مدلهمة إذا لم تفرج مات غما صوابهـا
فراح بها ثور تـرف كـأنـهـا سلاسل درع خيره وانسكابـهـا
منعمة كالشرية الفرد جـادهـا نجاء الثريا هطلها وذهـابـهـا
فأصبح رأسي كالصخيرة أشرفت عليها عقاب ثم طارت عقابهـا أخبار من حلق رؤوسهم: ونظير هذا الخبر من حلقت جمته فرثاها، وليس من هذا الباب، ولكن يذكر الشيء بمثله: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن بن عمه قال: شرب طخيم الأسدي بالحيرة، فأخذه العباس بن معبد المري، وكان على شرط يوسف بن عمر، فحلق رأسه، فقال:
صفحة : 872
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلـط إذا حلف الأيمان باللـه بـرت
لقد حلقوا منا غدافا كـأنـهـا عناقيد كرم أينعت فاسبطرت
يظل العذارى حين تحلق لمتي على عجل يلقطنها حين جزت أخبرني محمد عن عبد الرحمن عن عمه عن بعض بني كلاب قال: أخذ فتى منا مع بعض فتيات الحي، فحلق رأسه فقال:
يا لمتي ولقد خلقـت جـمـيلة وكرمت حين أصابك الجلمـان
أمست تروق الناظرين وأصبحت قصصا تكون فواصل المرجان شعره في أخيه ثور: أخبرني وكيع قال حدثني علي بن الحسين بن عبد الأعلى قال حدثنا أبو محلم قال: كان ليزيد ين الطثرية أخ يقال له ثور أكبر منه، فكان يزيد يغير على ماله ويتلفه، فيتحمله ثور لمحبته إياه. فقال يزيد في ذلك:
نغير على ثور وثور يسرنـا وثور علينا في الحياة صبور
وذلك دأبي ما حييت وما مشى لثور على عفر التراب بعير الحرب بين عقيل وبني حنيفة ومقتل يزيد وما رثاه به الشعراء: وقتل يزيد بن الطثرية في خلافة بني العباس، قتلته بنو حنيفة.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل بن سلمة عن أبي عبيدة وابن الكلبي، وأخبرنا يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي الجراح العقيلي قال: أغارت بنو حنيفة على طائفة من بني عقيل ومعهم رجل من بني قشير جار لهم، فقتل القشيري رجل من بني عقيل واطردت إبل من العقيليين، فأتى الصريخ عقيلا فلحقوا القوم فقاتلوهم فقتلوا من بني حنيفة رجالا وعقروا أفراسا ثلاثة من خيل حنيفة وانصرفوا، فلبثوا سنة. ثم إن عقيلا انحدرت منتجعة من بلادها إلى بلاد بني تميم، فذكر لحنيفة وهم بالكوكبة والقيضاف، فغزتهم حنيفة، وحذر العقيليون وأتتهم النذر من نمير فانكشفوا فلم يقدروا عليهم، فبلغ ذلك من بني عقيل وتلهفوا على بني حنيفة، فجمعوا جمعا ليغزوا حنيفة، ثم تشاوروا. فقال بعضهم: لا تغزوا قوما في منازلهم ودورهم فيتحصنوا دونكم ويمتنعوا منكم، ولا نأمن أن يفضحوكم، فأقاموا بالعقيق. وجاءت حنيفة غازية كعبا لا تتعداها حتى وقعت بالفلج، فتطاير الناس، ورأس حنيفة يومئذ المندلف، وجاء صريخ كعب إلى أبي لطيفة بن مسلم العقيلي وهو بالعقيق أمير عليها، فضاق بالرسول ذرعا وأتاه هول شديد، فأرسل في عقيل يستمدها، فأتته ربيعة بن عقيل وقشير بن كعب والحريش بن كعب وأفناه خفاجة، وجاش إليه الناس، فقال: إني قد أرسلت طليعة فانتظروها حتى تجيء ونعلم ما تشير به. قال أبو الجراح: فأصبح صبح ثالثة على فرس له يهتف: أعز الله نصركم وأمتعنا بكم انصرفوا راشدين فلم يكن بأس، فانصرف الناس، وصار في بني عمه ورهطه دنية. وإنما فعل ذلك لتكون له السمعة والذكر. فكان فيمن سار معه القحيف بن خمير ويزيد بن الطثرية الشاعران، فساروا حتى واجهوا القوم، فواقعوهم، فقتلوا المندلف، رموه في عينه، وسبوا وأسروا ومثلوا بهم وقطعوا أيدي اثنين منهم وأرسلوهما إلى اليمامة وصنعوا ما أرادوا. ولم يقتل ممن كان مع أبي لطيفة غير يزيد بن الطثرية، نشب ثوبه في جذل من عشرة فانقلب، وخبطه القوم فقتل. فقال القحيف يرثيه:
ألا نبكي سراة بـنـي قـشـير على صنديدها وعلى فتـاهـا
فإن يقتل يزيد فقـد قـتـلـنـا سراتهم الكهول على لحـاهـا
أبا المكشوح بعدك من يحامـي ومن يزجي المطي على وجاها وقال القحيف أيضا يرثيه:
إن تقتلوا منا شهيدا صابـرا فقد تركنا منكم مـجـازرا
عشرين لما يدخلوا المقابرا قتلى أصيبت قعصا نحائرا
نعجا ترى أرجلها شواغرا وهذه من رواية ابن حبيب وحده. وقال القحيف أيضا ولم يروها إلا ابن حبيب:
يا عين بكي هملا على همل على يزيد ويزيد بن حمـل
قتال أبطال وجرار حلـل قال: ويزيد بن حمل قشيري قتل يومئذ أيضا. وقالت زينت بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد وعن أبي عمرو الشيباني أن الأبيات لأم يزيد، قال: وهي من الأزد. ويقال: إنها لوحشية الجرمية:
صفحة : 873
أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري مقيما وقد غالـت يزيد غـوائلـه
فتى قد قد السـيف لا مـتـضـائل ولا رهـل لـبـاتـه وبـآدلــه
فتى لا ترى قد القميص بخـصـره ولكنما توهي القميص كواهـلـه
إذا نزل الضـيفـان كـان عـذورا على الحي حتى تستقل مراجـلـه
يسرك مظلوما ويرضيك ظالـمـا وكل الذي حملته فهو حـامـلـه
إذا جد عند الجـد أرضـاك جـده وذو باطل إن شئت ألهاك باطـلـه
إذا القوم أموا بيته فـهـو عـامـد لأفضل ما أموا له فهو فـاعـلـه
مضى وورثنـاه دريس مـفـاضة وأبيض هنديا طـويلا حـمـائلـه
وقد كان يحمي المحجرين بسـيفـه ويبلغ أقصى حجرة الحي نـائلـه
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى بصاحبه يوما دما فـهـو آكـلـه
سيبكيه مولاه إذا مـا تـرفـعـت عن الساق عند الروع يوما ذلاذلـه الذلذل: هدب الثياب.
وقد أخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمر بن إبراهيم السعدي عن عباس بن عبد الصمد قال: قال هشام بن عبد الملك للعجير السلولي: أصدقت فيما قلت في ابن عمك? قال: نعم يا أمير المؤمنين، ألا إني قلت:
فتى قد قد السيف لا متضائل ولا رهل لباته وأباجـلـه فذكر هذا البيت وحده ونسبه إلى العجير السلولي من الأبيات المنسوبة إلى أخت يزيد بن الطثرية أو إلى أمه وأتى بأبيات أخر ليست منها، وسيذكر ذلك في أخبار العجير مشروحا إن شاء الله تعالى.
ومما يغنى فيه من شعر يزيد بن الطثرية قوله: صوت
بنفسي من لا بـد أنـي هـاجـره ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره
ومن قد رماه الناس بي فاتقـاهـم ببغضي إلا ما تجـن ضـمـائره عروضه من الطويل. غنى في هذين البيتين عبد الله بن العباس الربيعي لحنا من خفيف الثقيل بالبنصر. وغنت فيه عريب وفي أبيات أضافتها إليها لحنا من خفيف الثقيل الأول آخر. وغنت علية بنت المهدي فيها خفيف رمل. وذكر الهشامي أن لإبراهيم فيها لحنا ماخوريا. والأبيات المضافة:
بنفسي من لا أخبر الناس باسمـه وإن حملت حقدا علي عشـائره
بأهلي وما لي من جلبت له الأذى ومن ذكره مني قريب أسامـره
ومن لو جرت شحناء بيني وبينه وحاورني لم أدر كيف أحـاوره صوت من المائة المختارة
شأتك المنـازل بـالأبـرق دوارس كالعين في المهرق
لآل جميلة قـد أخـلـقـت ومهما يطل عهده يخـلـق
فإن يقل الناس لي عاشـق فأين الذي هو لم يعـشـق
ولم يبك نؤيا على عـبـرة بداء الصبابة والمـعـلـق شأتك: بعدت عنك. والشأو. البعد. يقال: جرى الفرس شأوا، يريد طلقا. والمهرق: الصحيفة، والجمع المهارق. يريد أن الدار قد بقيت منها طرائق كالصحف وما فيها.
الشعر للأحوص. والغناء لجميلة. ولحنها المختار خفيف رمل بالوسطى عن إسحاق. وفيه لعطرد ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى. وفيه لمعبد خفيف ثقيل عن حبش: وفيه رمل يقال: إنه لفريدة، ويقال: إنه لمالك. وقيل: إن الثقيل الأول لابن عائشة. وذكر عمرو بن بانة أن خفيف الرمل لعطرد أيضا.
ذكر جميلة وأخبارها
ولاء جميلة وشعر عبد الرحمن بن أرطأة فيها: هي جميلة مولاة بني سليم ثم مولاة بطن منهم يقال لهم بنو بهز، وكان لها زوج من موالي بني الحارث بن الخزرج، وكانت تنزل فيهم، فغلب عليها ولاء زوجها، فقيل: إنها مولاة للأنصار، تنزل بالسنح وهو الموضع الذي كان ينزله أبو بكر الصديق، ذكر ذلك إبراهيم بن زياد الأنصاري الأموي السعيدي. وذكر عبد العزيز بن عمران أنها مولاة للحجاج بن علاط السلمي وهي أصل من أصول الغناء. وعنها أخذ معبد وابن عائشة وحبابة وسلامة وعقيلة العقيقية والشماسيتان خليدة وربيحة. وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطأة: صوت
إن الدلال وحسن الغـنـا ء سط بيوت بني الخزرج
وتلكم جميلة زين النسـاء إذا هي تزدان للمخـرج
صفحة : 874
إذا جئتها بذلت ودها بوجه منير لها أبلج الشعر لعبد الرحمن بن أرطأة. والغناء لمالك خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى، ويقال: فيه الدلال وجميلة لحنان.
كانت أعلم خلق الله بالغناء: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي جعفر القرشي عن المحرزي قال: كانت جميلة أعلم خلق الله بالغناء، وكان معبد يقول: أصل الغناء جميلة وفرعه نحن، ولولا جميلة لم نكن نحن مغنين.
كيف تعلمت الغناء: قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال حدثني رجل من الأنصار قال: سئلت جميلة: أنى لك هذا الغناء? قالت: والله ما هو إلهام ولا تعليم ولكن أبا جعفر سائب خاثر كان لنا جارا وكنت أسمعه يغني ويضرب بالعود فلا أفهمه، فأخذت تلك النغمات فبنيت عليها غنائي، فجاءت أجود من تأليف ذلك الغناء، فعلمت وألقيت، فسمعني موالياتي يوما وأنا أغني سرا ففهمنني ودخلن علي وقلن: قد علمنا فما تكتمينا. فأقسمن علي، فرفعت صوتي وغنيتهن بشعر زهير بن أبي سلمى:
وما ذكرتك إلا هجت لي طربـا إن المحب ببعض الأمر معـذور
ليس المحب بمن إن شـط غـيره هجر الحبيب وفي الهجران تغيير صوت
نام الخلي فنوم العـين تـعـذير مما ادكرت وهم النفس مذكور
ذكرت سلمى وما ذكري براجعها ودونها سبسب يهوي به المـور الشعر لزهير. والغناء في هذين البيتين لجميلة فقط رمل بالوسطى عن حبش فحينئذ ظهر أمري وشاع ذكري، فقصدني الناس وجلست للتعليم، فكان الجواري يتكاوسنني، فربما انصرف أكثرهن ولم يأخذن شيئا سوى ما سمعنني أطارح لغيرهن، ولقد كسبت لموالي ما لم يخطر لهن ببال، وأهل ذلك كانوا وكنت.
إجماع الناس على تقديمها في الغناء: وحدثني أبو خليفة قال حدثني ابن سلام قال حدثني مسلمة بن محمد بن مسلمة الثقفي قال: كانت جميلة ممن لا يشك في فضيلتها في الغناء، ولم يدع أحد مقاربتها في ذلك، وكل مدني ومكي يشهد لها بالفضل.
وصف مجلس من مجالسها غنت فيه وغنى فيه مغنو مكة والمدينة: قال إسحاق وحدثني هشام بن المرية المدني قال حدثني جرير المدني - قال إسحاق: وكانا جميعا مغنيين حاذقين شيخين جليلين عالمين ظريفين، وكانا قد أسنا، فأما هشام فبلغ الثمانين، وأما جرير فلا أدري - قال جرير: وفد ابن سريج والغريض وسعيد بن مسجح ومسلم بن محرز المدينة لبعض من وفدوا عليه، فأجمع رأيهم على النزول على جميلة مولاة بهز، فنزلوا عليها فخرجوا يوما إلى العقيق متنزهين، فوردوا على معبد وابن عائشة فجلسوا إليهما فتحدثوا ساعة، ثم سأل معبد ابن سريج وأصحابه أن يعرضوا عليهم بعض ما ألفوا. فقال ابن عائشة: إن للقوم أعمالا كثيرة حسنة ولك أيضا يا أبا عباد، ولكن قد اجتمع علماء مكة، وأنا وأنت من أهل المدينة، فليعمل كل واحد منا صوتا ساعته ثم يغن به. قال: معبد: يا بن عائشة، قد أعجبتك نفسك حتى بلغتك هذه المرتبة قال ابن عائشة: أو غضبت يا أبا عباد، إني لم أقل هذا وأنا أريد أن أتنقصك فإنك لأنت المفاد منه. قال معبد: أما إذا قد اختلفنا وأصحابنا المكيون سكوت فلنجعل بيننا حكما. قال ابن عائشة: إن أصحابنا شركاء في الحكومة. قال ابن سريج: على شريطة، قال: على أن يكون ما نغني به من الشعر ما حكمت فيه امرأة. قال ابن عائشة ومعبد: رضينا، وهي وأم جندب. فأجمع رأيهم على الاجتماع في منزل جميلة من غد. فلما حضروا قال ابن عائشة: ما ترى يا أبا عباد? قال: أرى أن يبتدىء أصحابنا أو أحدهم. قال ابن سريج: بل أنتما أولى. قالا: لم نكن لنفعل. فأقبل ابن سريج على سعيد بن مسجح فسأله أن يبتدىء فأبى. فأجمع رأي المكيين على أن يتبدىء ابن سريج. فغنى ابن سريج: صوت
ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقا كل هذا التـجـنـب
خليلي مرا بي علـى أم جـنـدب أقض لبانات الفؤاد الـمـعـذب
فإنكما إن تـنـظـرانـي سـاعة من الدهر تنفعني لدى أم جنـدب
ألم ترياني كلمـا جـئت طـارقـا وجدت بها طيبا وإن لم تـطـيب الشعر لامرىء القيس. ولابن سريج فيه
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin