أراد العرجي أن ينزل عليها حين فر من مكة فأبت وأنزلته على الأحوص: قال وحدثني بعض المكيين قال: كان العرجي وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان شاعرا سخيا شجاعا أديبا ظريفا. ويشبه شعره بشعر عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد بن هشام وإن كانا قدما عليه، وقد نسيب كثير من شعره إلى شعرهما، وكان صاحب صيد. فخرج يوما متنزها من مكة ومعه جماعة من غلمانه ومواليه ومعه كلابه وفهوده وصقوره وبوازيه نحو الطائف إلى مال له بالعرج - وبهذا الموضع سمي العرجي - فجرى بينه وبين مولى لبني أمية كلام، فأمضه المولى فكف عنه العرجي حتى أوى إلى منزله، ثم هجم عليه ومعه غلمانه فأمرهم أن يوثقوه، ثم أمرهم أن ينكحوا امرأته وهو يراهم ففعلوا، ثم أخرجه فقتله. فبلغ أمير مكة ما فعل فطلبه، فخرج من منزلة وأخرج معه غلمانة ومواليه وآلة الصيد وتوجه نحو المدينة وقد ركب أفراسه وأعد عدته. فلم يزل يتصد ويقصف في طريقه حتى دخل المدينة ليلا، وأراد المقام في منزل جميلة، وكانت آلت ألا تغني بشعره ولا تدخله منزلها لكثرة عبثه وسفهه وحداثة سنه. فلما أعلمت بمكانه ليلا قالت: طارق إن له لشأنا فاستخبرت خبره فقيل لها: إنه قدم مستخفيا، ولم ير بالمدينة موضعا هو أطيب له من منزلك، والأيمان تكفر، والأشراف لا يردون. فقالت لرسولها إليه: منزلي منزل جواز. ولا يمكن مثلك الاستخفاء فيها، فعليك بالأحوص - وكان الأحوص مجانبا له لشيء جرى بينه وبينه في منزل جميلة - فقال أنى لي بالأحوص مع الذي كان بيننا قالت: ائته عني وقل له: قد غنينا بذلك الشعر، فأن أحببت أن تظهر وتبقى مودتنا لك، فأصلح ما بينك وبين عبد الله، إذ أصلح ما بيننا، وأنزله منزلك. قال لها: ليس هذا بمقنعي، أما إذ أبيت أن أقيم بمنزلك فوجهي معي رسولا إلى الأحوص، فإن منزله أحب إلي بعد منزلك. فوجهت معه إلى الأحوص بعض مولياته، فأنزله الأحوص وأكرمه وأحسن جواره وستر أمره. فقال شعرا ووجه به إلى جميلة:
ألا قاتل الله الهوى كيف أخلـقـا فلم تلفه إلا مشوبـا مـمـذقـا
وما من حبيب يستزير حـبـيبـه يعاتبه في الـود إلا تـفـرقـا
أمر وصال الغانيات فأصبـحـت مضاضته يشجى بها من تمطقـا
تعلق هذا القلب للحين معـلـقـا غزالا تحلى عقـد در ويارقـا
إذا قلت مهلا للفؤاد عن الـتـي دعتك إليها العين أغضى وأطرفا
دعانا فلم نستبق حبا بمـا نـرى فما منك هذا العذل إلا تخـرقـا
فقد سن هذا الحب من كان قبلنـا وقاد الصبا المرء الكريم فأعنقـا فلما قرأت شعره رقت له وقالت: كيف لي بإيلائي ألا يدخل منزلي ولا أغنيه بشعره? فقيل لها: يدخل منزلك وتغنين وتكفرين عن يمينك. فوجهت إليه أن صر إلينا والأحوص في تلك الليلة، فجاءاها، وعرفت الأحوص تكفير اليمين، فقال لها: وأنا والله شفيعه إليك، ففرجي ما به من غم فقد فارق من يحب ويهوى، فتؤنسينه وتسرينه وتغنينه بشعره. فغنت:
ألا قاتل الله الهوى كيف أخلقا فلم تلفه إلا مشوبا ممـذقـا وحدثني بعض أهلنا قال قال يونس بن محمد: كان الأحوص معجبا بها وملازما لها فصار إليها بغلام له جميل فأخرجته خوف الفتنة ثم دعتهما دعوة خاصة وغنتهما:
صفحة : 888
كان الأحوص معجبا بجميلة، ولم يكن يكاد يفارق منزلها إذا جلست. فصار إليها غلاما بغلام جميل الوجه يفتن من رآه، فشغل أهل المجلس، وذهبت اللحون عن الجواري وخلطن في غنائهن. فأشارت جميلة إلى الأحوص أن أخرج الغلام، فالخلل قد عم مجلسي وأفسد علي أمري. فأبى الأحوص وتغافل، وكان بالغلام معجبا، فآثر لذته بالنظر إلى الغلام مع السماع. ونظر الغلام إلى الوجوه الحسان من الجواري ونظرن إليه، وكان مجلسا عاما. فلما خافت عاقبة المجلس وظهور أمره أمرت بعض من حضر بإخراج الغلام فأخرج، وغضب الأحوص وخرج مع الغلام ولم يقل شيئا، فأحمد أهل المجلس ما كان من جميلة، وقال لها بعضهم: هذا كان الظن بك، أكرمك الله فقالت: إنه والله ما استأذنني في المجيء به ولا علمت به حتى رأيته في داري، ولا رأيت له وجها قبل ذلك، وإنه ليعز علي غضب الأحوص، ولكن الحق أولى، وكان ينبغي له ألا يعرض نفسه وإياي لما نكره مثله. فلما تفرق أهل المجلس بعثت إليه: الذنب لك ونحن منه برءاء، إذ كنت قد عرفت مذهبي، فلم عرضتني للذي كان، فقد ساءني ذلك وبلغ مني، ولكن لم أجد بدا من الذي رأيت إما حياء وإما تصنعا. فرد عليها: ليس هذا لك بعذر إن لم تجعلي لي وله مجلسا نخلو فيه جميعا تمحين به ما كان منك. قالت: أفعل ذلك سرا، قال الأحوص: قد رضيت. فجاءاها ليلا فأكرمتهما، ولم تظهر واحدة من جواريها على ذلك إلا عجائز من مواليها. وسألها الأحوص وأقسم عليها أن تغنيه من شعره:
وبالفقر دار من جميلة هـيجـت سوالف حب في فؤادك منصـب
وكانت إذا تنـأى أو تـفـرقـت شداد الهوى لم تدر ما قول مشغب
أسيلة مجرى الدمع خمصانة الحشا برود الثنايا ذات خلق مشرعـب
ترى العين ما تهوى وفيهـا زيادة من الحسن إذ تبدو وملهى لملعب قال يونس: ما لها صوت أحسن منه، وابن محرز يغنيه وعنها أخذه، وأنا أغنيه فتعجبني نفسي ويدخلني شيء لا أعرفه من النخوة والتيه. وقال المحدث لي بهذا الحديث عن يونس: إن هذا للأحوص في جميلة. والذي عندي أنه لطيفل الغنوي قال في ابن زيد الخيل، وهو زيد بن المهلهل بن المختلس بن عبد رضا أحد بني نبهان، ونبهان لقب له، ولكنه سودان بن عمرو بن الغوث بن طيىء، أغار على بني عامر فأصاب بني كلاب وبني كعب، واستحر القتل في غني بن أعصر ومالك بن أعصر ومالك بن أعصر، وأعصر هو الدخان، ولذلك قبل لهما ابنا دخان، وأخوهما الحارث وهو الطفاوة وهو مالك بن سعد بن قيس بن عيلان، وغطفان بن سعد عمهم. وكانت غني مع بني عامر في دارهم موالي لنمير، وكان فيهم فرسان وشعراء. ثم إن غنيا أغارت على طيىء وعليهم سيار بن هريم، فقال في ذلك قصيدته الطويلة:
وبالقفر دار من جميلة هيجـت سوالف شوق في فؤادك منصب لحنت قصيدة لعمرو بن أحمر بن العمرد في عمر بن الخطاب لحنا جميلا، ونبذة عن ترجمة ابن أحمر: وحدثني أيوب بن عباية قال: كان عمرو بن أحمر بن العمرد بن عامر بن عبد شمس بن فراص بن معن بن مالك ابن أعصر بن قيس بن عيلان بن مضر من شعراء الجاهلية المعدودين، وكان ينزل الشأم، وقد أدرك الإسلام وأسلم، وقال في الجاهلية والإسلام شعرا كثيرا وفي الخفاء الذين أدركهم: عمر بن الخطاب فمن دونه إلى عبد الملك بن مروان، وكان في خيل خالد بن الوليد حين وجه أبو بكر خالدا إلى الشأم، ولم يأت أبا بكر. وقال في خالد رحمه الله:
إذا قال سيف الله كروا علـيهـم كررت بقلب رابط الجأش صارم وقال في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصيدة له طويلة جيدة:
أدركت آل أبي حفص وأسرته وقبل ذاك ودهرا بعده كلبـا
قد ترتمى بقواف بينـنـا دول بين الهناتين لا جدا ولا لعبـا
الله يعلم ما قولي وقـولـهـم إذ يركبون جنانا مسهبا وربـا وقال في عثمان بن عفان رضي الله عنه:
حثى فليس إلى عثمان مرتجع إلا العداء وإلا مكنع ضـرر
إخالها سمعت عزفا فتحسبـه إهابة القسر ليلا حين تنتشر وقال في علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
من مبلغ مالكا عني أبا حسـن فارتح لخصم هداك الله مظلوم
صفحة : 889
فلما أنشدت جميلة قصيدته في عمر بن الخطاب، قالت: والله لأعلمن فيها لحنا لا يسمعه أحد أبدا إلا بكى. قال إبراهيم: وصدقت، والله ما سمعته قط إلا أبكاني، لأني أجد حين أسمعه شيئا يضغط قلبي ويحرقه فلا أملك عيني، وما رأيت أحدا قط سمعه إلا كانت هذه حاله.
صوت من المائة المختارة
يا دار عبلة من مشارق مـأسـل درس الشؤون وعهدها لم ينجـل
فاستبدلت عفر الظباء كـأنـمـا أبعارها في الصيف حب الفلفل
تمشي النعام به خـلاء حـولـه مشي النصارى حول بيت الهيكل
إحذر محل السوء لا تحلـل بـه وإذا نبا بك منـزل فـتـحـول الشعر، فيما ذكر يحيى بن علي عن إسحاق، لعنترة بن شداد العبسي. وما رأيت هذا الشعر في شيء من دواوين شعر عنترة، ولعله من رواية لم تقع إلينا، فذكر غير أبي أحمد أن الشعر لعبد قيس بن خفاف البرجمي، إلا أن البيت الأخير لعنترة صحيح لا يشك فيه. والغناء لأبي دلف القاسم بن عيسى العجلي، ولحنه المختار، على ما ذكره أبو أحمد، من الثقيل الأول. وذكر ابن خرداذبه أن لحن أبي دلف خفيف ثقيل بالوسطى. وذكر إسحاق أن فيه لمعبد لحنا من الثقيل الأول المطلق في مجرى الوسطى، وأن فيه لأبي دلف لحنا ولم يجنسه. وذكر حبش أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى. وأن لابن سريج في البيت الثاني ثقيلا أول، وذكر ابن خرداذبه أن خفيف الثقيل لمالك، وليس ممن يعتمد على قوله. وقد ذكر يونس أيضا أن فيه غناء لمالك ولم يذكر جنسه ولا طريقته.
ذكر عنترة ونسبه وشيء من أخباره
نسب عنترة: أمه أمة حبشية، كان أبوه نفاه ثم ألحقه بنسبه: هو عنترة بن شداد، وقيل: ابن عمرو بن شداد، وقيل: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة، وقيل: مخزوم بن عوف بن مالك ابن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وله لقب يقال له عنترة الفلحاء، وذلك لتشقق شفتيه. وأمه أمة حبشية يقال لها ربيبة، وكان لها ولد عبيد من غير شداد، وكانوا إخوته لأمه. وقد كان شداد نفاه مرة ثم اعترف به فألحق بنسبه. وكانت العرب تفعل ذلك، تستعبد بني الإماء، فإن أنجب اعترفت به وإلا بقي عبدا.
حرشت عليه امرأة أبيه فضربه أبوه فكفته عنه فقال فيها شعرا: فأخبرني علي بن سليمان النحوي الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، قالا: كان عنترة قبل أن يدعيه أبوه حرشت عليه امرأة أبيه وقالت: إنه يراودني عن نفسي، فغضب من ذلك شداد غضبا شديدا وضربه ضربا مبرحا وضربه بالسيف، فوقعت عليه امرأة أبيه وكفته عنه. فلما رأت ما به من الجراح بكت - وكان اسمها سمية وقيل: سهية - فقال عنترة: صوت
أمن سمية دمع الـعـين مـذروف لو أن ذا منك قبل اليوم معـروف
كأنها يوم صدت ما تـكـلـمـنـي ظبي بعسفان ساجي العين مطروف
تجللتنى إذ أهوى العصـا قـبـلـي كأنها صنم يعـتـاد مـعـكـوف
العبد عبدكـم والـمـال مـالـكـم فهل عذابك عني اليوم مصـروف
تنسى بلائي إذا ما غارة لـحـقـت تخرج منها الطوالات السراعـيف
يخرجن منها وقد بلت رحـائلـهـا بالماء تركضها الشم الغـطـاريف
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض تصفر كف أخيها وهو مـنـزوف غنى في البيت الأول والثاني علوية، ولحنه من الثقيل الأول مطلق في مجرى البنصر، وقيل: إنه لإبراهيم. وفيهما رمل بالوسطى يقال: إن لابن سريج، وهو من منحول ابن المكي.
صفحة : 890
قوله مذروف: من ذرفت عينه، يقال: ذرفت تذرف ذريفا وذرفا، وهو قطر يكاد يتصل. وقوله: لو أن ذامنك قيل اليوم معروف. أي قد أنكرت هذا الحنو والإشفاق منك، لأنه لو كان معروفا قبل ذلك لم ينكره. ساجي العين. ساكنها. والساجي: الساكن من كل شيء. مطروف: أصابت عينه طرفة، وإذا كان كذلك فهو أسكن لعينه. تجللتني: ألقت نفسها علي. وأهوى: اعتمد. صنم يعتاد أي يؤتى مرة بعد مرة. ومعكوف: يعكف عليه. والسراعيف: السراع، واحدتها سرعوفة. والطوالات: الخيل. والرحائل: السروج. والشمم: ارتفاع في الأنف. والغطاريف: الكرام والسادة أيضا. والغطرفة: ضرب من السير والمشيء يختال فيه. والنجلاء: الواسعة. يقال: سنان منجل: واسع الطعنة: عن عرض أي عن شق وحرف. وقال غيره: أعترضه اعتراضا حين أقاتله.
سبب ادعاء أبيه إياه: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال ابن الكلبي: شداد جد عنترة غلب على نسبه، وهو عنترة بن شداد، وقد سمعت من يقول: إنما شدادا عمه، كان نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه. قال: وإنما ادعاه أبوه بعد الكبر، وذلك لأن أمه كانت أمة سوداء يقال لها ربيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من أمة استعبدوه. وكان لعنترة إخوة من أمة عبيد. وكان سبب ادعاء أبي عنترة إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلا، فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم وعنترة يومئذ فيهم، فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر. فقال: كر وأنت حر. فكر وهو يقول:
أنا الهجين عـنـتـره كل امرىء يحمي حره
أسـوده وأحـمــره والشعرات المشعـره
الواردات مشـفـره وقاتل يومئذ قتالا حسنا، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه.
وحكى غير ابن الكلبي أن السبب في هذا أن عبسا أغاروا على طيىء، فأصابوا نعما، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيبا مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال الخطب بينهم كرت عليهم طيىء، فاعتزلهم عنترة وقال: دونكم القوم، فإنكم عددهم. واستنقذت طيىء الإبل. فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال: أو يحسن العبد الكر فقال له أبوه: فاعترف به، فكر واستنقذ النعم. وجعل يقول:
أنا الهجين عـنـتـره كل امرىء يحمي حره الأبيات.
قال ابن الكلبي: وعنترة أحد أغربه العرب، وهم ثلاثة: عنترة وأمه ربيبة، وخفاف بن عمير الشريدي وأمه ندبة، والسليك بن عمير السعدي وأمه السلكة، وإليهن ينسبون. وفي ذلك يقول عنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصبـا شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظـت ألفيت خيرا من معم مـخـول يقول: إن أبي من أكرم عبس بشطري، والشطر الآخر ينوب عن كرم أمي فيه ضربي بالسيف، فأنا خير في قومي، ممن عمه وخاله منهم وهو لا يغني غنائي. وأحسب أن في القصيدة هي التي يضاف إليها البيتان اللذان يغنى فيهما، وهذه الأبيات قالها في حرب داحس والغبراء.
حامى عن بني عبس حين انهزمت أمام تميم، فسبه قيس بن زهير فهجاه: قال أبو عمرو الشيباني: غزت بنو عبس بني تميم وعليهم قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقتهم كبكبة من الخيل، فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبر. وكان قيس بن زهير سيدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ، فقال حين رجع: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولا. فبلغ عنترة ما قال، فقال يعرض به قصيدته التي يقول فيها: صوت
بكرت تخوفني الحتـوف كـأنـنـي أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتهـا أن الـمـنـية مـنـهـل لا بد أن أسقى بكأس الـمـنـهـل
فاقنى حياءك لا أبالـك واعـلـمـي أني امرؤ سأمـوت إن لـم أقـتـل
إن المنية لـو تـمـثـل مـثـلـث مثلي إذا نزلوا بضنـك الـمـنـزل
إني امرؤ من خير عبس منـصـبـا شطري وأحمي سائري بالمنـصـل
وإذا الكتيبة أحجمت وتـلاحـظـت ألفيت خيرا مـن مـعـم مـخـول
صفحة : 891
والخيل تعلم والفوارس أنـنـي فرقت جمعهم بصربة فيصـل
إذا لا أبادر في المضيق فوارسي أو لا أوكل بـالـرعـيل الأول
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحمـوا أشدد وإن يلفوا بضنـك أنـزل
حين النزول يكون غاية مثلـنـا ويفر كل مضلل مسـتـوهـل
والخيل ساهمة الوجوه كأنـمـا تسقى فوارسها نقيع الحنـظـل
ولقد أبيت على الطوى وأظلـه حتى أنال به كريم الـمـأكـل عروضه من الكامل. غنت في الأربعة الأبيات الأول والبيت الثاني عريب خفيف رمل بالبنصر من رواية الهشامي وابن المعتز وأبي العبيس.
الحتوف: ما عرض للإنسان من المكاره والمتالف. عن عرض أي ما يعرف منها. بمعزل أي في ناحية معتزلة عن ذلك. ومنهل: مورد. وقوله: فاقني حياءك. أي احفظيه ولا تضيعيه. والضنك: الضيق. يقول: إن المنية لو خلقت مثالا لكانت في مثل صورتي. والمنصب: الأصل. والمنصل: السيف، ويقال منصل أيضا بفتح الصاد. وأحجمت: كعت. والكتيبة: الجماعة إذا اجتمعت ولم تنتشر. وتلاحظت: نظرت من يقدم على العدو. وأصل التلاحظ النظر من القوم بعضهم إلى بعض بمؤخر العين. والفيصل: الذي يفصل بين الناس. وقوله: لا أبادر في المضيق فوارسي أي لا أكون أول منهزم ولكني أكون حاميتهم. والرعيل: القطعة من كل شيء. ويستلحموا: يدركوا. والمستلحم: المدرك، وأنشد الأصمعي:
نجى علاجا وبشرا كل سلـهـبة واستلحم الموت أصحاب البراذين وساهمة: ضامرة متغيرة، قد كلح فوارسها لشدة الحرب وهولها. وقوله: ولقد أبيت على الطوى وأظله. قال الأصمعي: أبيت بالليل على الطوى وأظل بالنهار كذلك حتى أنال به كريم المأكل أي ما لا عيب فيه علي، ومثله قوله: إنه ليأتي علي اليومان لا أذوقهما طعاما ولا شرابا أي لا أذوق فيهما. والطوى: خمص البطن، يقال: رجل طيان وطاوي البطن.
أنشد النبي صلى الله عليه وسلم بيتا من شعره فود لو رآه: وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا ابن عائشة قال: أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكـل فقال صلى الله عليه وسلم: ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة.
كيف ألحق أخوته لأمه بنسب قومه: أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة: أن عنترة كان له إخوة من أمه، فأحب عنترة أن يدعيهم أقومه، فأمر أخا له كان خيرهم في نفسه يقال له حنبل، فقال له: أرو مهرك من اللبن ثم مر به علي عشاء. فإذا قلت لكم: ما شأن مهركم متخددا مهزولا ضامرا، فاضرب بطنه بالسيف كأنك تريهم أنك قد غضبت مما قلت: فمر عليهم، فقال له: يا حنبل، ما شأن مهركم متخددا أعجر من اللبن? فأهوى أخوه بالسيف إلى بطن مهره فضربه فظهر اللبن. فقال في ذلك عنترة:
أبني زبيبة ما لمهركم متخددا وبطونكم عجر
ألكم بإيغال الوليد على أثر الشياه بشدة خبـر وهي قصيدة. قال: فاستلاظه نفر من قومه ونفاه آخرون. ففي ذلك يقول عنترة:
ألا يا دار عبلة بـالـطـوي كرجع الوشم في كف الهدي وهي طويلة يعدد فيها بلاءه وآثاره عند قومه.
جوابه حين سئل أنت أشجع العرب: أخبرني عمي قال أخبرني الكراني عن النضر بن عمرو عن الهيثم بن عدي قال: قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدها? قال لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس? قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما، ولا أدخل إلا موضعا أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة قال:
صفحة : 892
قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم? قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك? قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازما فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت.
أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد السكري قال قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل عن أبي عبيدة وابن الكلبي قالا: موته واختلاف الروايات في سببه: أغار عنترة على بني نبهان من طيىء فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
آثار ظلمان بقاع محرب قال: وكان زر بن جابر النبهاني في فتوة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:
وإن ابن سلمى عنده فاعلمـوه دمـي وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
يحل بأكناف الشـعـاب وينـتـمـي مكان الثريا ليس بالـمـتـهـضـم
رماني ولم يدهـش بـأزرق لـهـذم عشية حلوا بين نـعـف ومـخـرم قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقب بالأسد الرهيص. وأما أبو عمرو الشيباني فذكر أنه غزا طيئا مع قومه، فانهزمت عبس، فخر عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب، فدخل دغلا، وأبصره ربيئة طيىء فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيرا فرماه وقتله.
وذكر أبو عبيدة أنه كان قد أسن واحتاج وعجر بكبر سنه عن الغارات. وكان له على رجل من غطفان بكر، فخرج يتقاضاه إياه، فهاجت عليه ريح من صيف وهو بين شرج وناظرة، فأصابته فقتلته.
كان أحد الذين يباليهم عمرو بن معد يكرب قال أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان عمرو بن معد يكرب يقول: ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها. يعني بالحرين عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة والسليك بن السلكة.
هذه أخبار عنترة قد ذكرت فيها ما حضر.
عبد قيس بن خفاف البرجمي
نبذة عن عبد قيس بن خفاف البرجمي: وأما عبد قيس بن خفاف البرجمي فإني لم أجد له خبرا أذكره إلا ما أخبرني به جعفر بن قدامة قال: قرأت في كتاب لأبي عثمان المازني: كان عبد قيس بن خفاف البرجمي أتى حاتم طيىء في دماء حملها عن قومه فأسلموه فيها وعجز عنها، فقال: والله لآتين من يحملها عني، وكان شريفا شاعرا شجاعا، فقدم على حاتم وقال له: إنه وقعت بيني وبين قومي دماء فتواكلوها، وإني حملتها في مالي وأهلي، فقدمت مالي وأخرت أهلي، وكنت أوثق الناس في نفسي. فإن تحملتها فكم من حق قضيته وهم كفيته، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك ولم أنس غدك، ثم أنشأ يقول:
حملت دماء للبـراجـم جـمة فجئتك لما أسلمتني البـراجـم
وقالوا سفاها لم حملت دماءنـا فقلت لهم يكفي الحمالة حاتـم
متى آته فيها يقل لي مرحـبـا وأهلا وسهلا أخطأتك الأشـائم
فيحملها عني وأن شئت زادنـي زيادة من حيزت إليه المكـارم
يعيش الندى ما عاش حام طيىء وإن مات قامت للسخاء مآتـم
ينادين مات الجود معك فلا نرى مجيبا له ما حام في الجو حائم
وقال رجال أنهب العام مـالـه فقلت لهم إني بذلـك عـالـم
ولكنه يعطى من اموال طـيىء إذا حلق المال الحقوق اللوازم
فيعطي التي فيها الغنى وكأنـه لتصغيره تلك العطـية جـارم
بذلك أوصاه عدي وحـشـرج وسعد وعبد الله تلك القمـاقـم فقال له حاتم: إني كنت لأحب أن يأتيني مثلك من قومك، وهذا مرباعي من الغارة على بني تميم فخذه وافرا، فإن وفى بالحمالة وإلا أكملتها لك، وهي مائتا بعير سوى نبيها وفصالها، مع أني لا أحب أن تؤبس قومك بأموالهم. فضحك أبو جبيل وقال: لكم ما أخذتم منا ولنا ما أخذنا منكم، وأي بعير دفعته إلي وليس ذنبه في يد صاحبه فأنت منه بريء. فأخذها وزاده مائة بعير، وانصرف راجعا إلى قومه. فقال حاتم:
صفحة : 893
أتاني البرجمي أبو جـبـيل لهم في حمالـتـه طـويل
فقلت له خذ المرباع منـهـا فإني لست أرضى بالقلـيل
على حال ولا عودت نفسـي على علاتها علل البـخـيل
فخذها إنها مـائتـا بـعـير سوى الناب الرذية والفصيل
ولا من عليك بهـا فـإنـي رأيت المن بزري بالجمـيل
فآب البرجمي وما عـلـيه من اعباء الحمالة من فتـيل
يجر الذيل ينفـض مـذرويه خفيف الظهر من حمل ثقيل
ذكر أبي دلف ونسبه وأخباره
نسب أبي دلف ومكانته: هو القاسم بن عيسى بن إدريس، أحد بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ومحله في الشجاعة وعلو المحل عند الخلفاء وعظم الغناء في المشاهد وحسن الأدب وجودة الشعر محل ليس لكبير أحد من نظرائه. وذكر ذلك أجمع مما لا معنى له لطوله، وفي هذا القدر من أخباره مقنع. وله أشعار جياد، وصنعة كثيرة حسنة. فمن جيد شعره وله فيه صنعة قوله: صوت
بنفسي يا جنان وأنت مـنـي محل الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان نفسـي خشيت عليك بادرة الزمـان
لإقدامي إذا ما الخيل حامـت وهاب كماتها حر الطعـان وله فيه لحن. وهذا البيت الأول أخذه من كلام إبراهيم النظام.
أخذ معنى من محاورة إبراهيم النظام لغلام: أخبرني به علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال: لقي إبراهيم النظام غلاما حسن الوجه، فاستحسنه وأراد كلامه فعارضه، ثم قال له: يا غلام، إنك لولا ما سبق من قول الحكماء مما جعلوا به السبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم: لا ينبغي لأحد أن يكبرأ عن أن يسأل، كما أنه لا ينبغي لأحد أن يصغر عن أن يقول، لما أنبت إلى مخاطبتك ولا انشرح صدري لمحادثتك، لكنه سبب الإخاء وعقد المودة، ومحلك من قلبي محل الروح من جسد الجبان. فقال له الغلام - وهو لا يعرفه - لئن قلت ذلك أيها الرجل لقد قال أستاذنا إبراهيم النظام: الطبائع تجاذب ما شاكلها بالمجانسة، وتميل إلى ما قاربها بالموافقة، وكياني مائل إلى كيانك بكليتي. ولو كان الذي انطوى عليه عرضا لم أعتد به ودا، ولكنه جوهر جسمي، فبقاؤه ببقاء النفس، وعدمه بعدمها، وأقول كما قال الهذلي:
فتيقني أن قد كلفت بـكـم ثم افعلي ما شئت عن علم فقال له النظام: إنما كلمتك بما سمعت وأنت عندي غلام مستحسن، ولو علمت أن محلك مثل محل معمر وطبقته في الجدل لما تعرضت لك. قال أبو الحسن: ومن هذا أخذ أبو دلف قوله:
أحبك يا جنان وأنت مـنـي محل الروح من جسد الجبان ومن جيد شعره وله فيه صنعة قوله صوت
في كل يوم أبى بيضـاء طـالـعة كأنما أنبتت في ناظر الـبـصـر
لئن قصصتك بالمقراض عن بصري لما قطعتك عن همي وعن فكـري بلغه طروق الشراة وهو بالسردان مع جارية له فأسرع لحربهم وردهم: أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب قال حدثني أبي قال سمعت عبد العزيز بن دلف بن أبي دلف يقول: حدثتني ظبية جارية أبي قالت: إني لمعه ليلة بالسرادن وهو جالس يشرب معي وعليه ثياب ممسكة، إذ أتاه الصريخ بطروق الشراة أطراف عسكره، فلبس الجوشن ومضى فقتل وأسر وانصرف إلي في آخر الليل وهو يغني - قالت: والشعر له - : صوت
ليلتي بالـسـرادن كللت بالمحاسـن
وجـوار أوانـس كالظباء الشـوادن
بدلت بالممسـكـا ت ادراع الجواشن الشعر لأبي دلف. والغناء له رمل بالسبابة في مجرى البنصر.
خرج مع الإفشين لحرب بابك فأراد قتله فأنقذه ابن أبي داود:
صفحة : 894
وقال أحمد بن أبي طاهر: كان أبو دلف القاسم بن عيسى في جملة من كان مع الإفشين خيذر بن كاووس لما خرج لمحاربة بابك، ثم تنكر له، فوجه يوما بمن جاء به ليقتله. وبلغ المعتصم الخبر، فبعث إليه بأحمد بن بي دواد وقال له: أدركه، وما أراك تلحقه، فاحتل في خلاصه منه كيف شئت. قال ابن أبي دواد: فمضيت ركضا حتى وافيته، فإذا أبو دلف واقف بين يديه وقد أخذ بيديه غلامان له تركيان، فرميت بنفسي على البساط، وكنت إذا جئته دعا لي بمصلى، فقال لي: سبحان الله ما حملك على هذا? قلت: أنت أجلستني هذا المجلس. ثم كلمته في القاسم وسألته فيه وخضعت له، فجعل لا يزداد إلا غلظة. فلما رأيت ذلك قلت: هذا عبد وقد أغرقت في الرفق به فلم ينفع، وليس إلا أخذه بالرهبة والصدق? فقمت فقلت: كم تراك قدرت تقتل أولياء أمير المؤمنين واحدا بعد واحد، وتخالف أمره في قائد بعد قائد قد حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب. قال: فذل حتى لصق بالأرض وبان لي الاضطراب فيه. فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف وأخذت بيده، وقلت له: قد أخذته بأمر أمير المؤمنين. فقال: لا تفعل يا أبا عبد الله. فقلت: قد فعلت وأخرجت القاسم فحملته على دابة ووافيت المعتصم. فلما بصر بي قال: بك يا أبا عبد الله وريت زنادي، ثم رد علي خبري مع الإفشين حدسا بظنه ما أخطأ فيه حرفا? ثم سألني عما ذكره لي وهو كما قال، فأخبرته أنه لم يخطىء حرفا.
وقال علي بن محمد حدثني جدي قال: كان أحمد بن أبي دواد ينكر أمر الغناء إنكارا شديدا. فأعلمه المعتصم أن صديقه أبا دلف يغني، فقال: ما أراه مع عقله يفعل ذلك. فستر أحمد بن أبي دواد في موضع وأحضر أبا دلف وأمره أن يغني، ففعل ذلك وأطال، ثم أخرج أحمد بن أبي دواد عليه من موضعه والكراهة ظاهرة في وجهه. فلما رآه أحمد قال له: سوءة لهذا من فعل بعد هذه السن وهذا المحل تضع نفسك كما أرى فحجل أبو دلف وتشور، وقال: إنهم أكرهوني على ذلك. فقال: هبهم أكرهوك على الغناء أفأكرهوك على الإحسان والإصابة.
قال علي وحدثني جدي: أن سبب منادمته للمعتصم أنه كان نديما للواثق، وكان أبو دلف قد وصف للمعتصم فأحب أن يسمعه، وسأل الواثق عنه? فقال: يا أمير المؤمنين، أنا على الفصد غدا وهم عندي. فقال له المعتصم: أحب ألا تخفى علي شيئا من خبركم. وفصد الواثق، فأتاه أبو دلف وأتته رسل الخليفة بالهدايا، وأعلمهم الواثق حضور أبي دلف عنده، فلم يلبث أن أقبل الخدم يقولون: قد جاء الخليفة. فقام الواثق وكل من عنده حتى تلقوه حين برز من الدهليز إلى الصحن، فجاء حتى جلس، وأمر بندماء الواثق فردوا إلى مجالسهم. قال حمدون: وخنست عن مجلسي الذي كنت فيه لحداثتي، فنظر المعتصم إلى مكاني خاليا، فسأل عن صاحبه فسميت له، فأمر بإحضاري فرجعت إلى مكاني، وأمر بأن يؤتى برطل من شرابه فأتي به? فأقبل على أبي دلف فقال له: يا قاسم، غن أمير المؤمنين صوتا، فما حصر ولا تثاقل وقال: أغني أمير المؤمنين صوتا بعينه أو ما اخترته? قال: بل غن صنعتك في شعر جرير:
بان الخليط برامتين فودعوا فغناه إياه. فقال المعتصم: أحسن أحسن ثلاثا، وشرب الرطل، ولم يزل يستعيده ويشرب عليه حتى والى بين سبعة أرطال، ثم دعا بحمار فركبه، وأمر أبا دلف أن ينصرف معه، وأمرني بالانصراف معهما، فخرجت أسعى مع ركابه، فثبت في ندمائه من ذلك اليوم، وأمر لأبي دلف بعشرين ألف دينار.
بان الخليط برامتين فودعـوا أو كلما اعتزموا لبين تجزع
كيف العزاء ولم أجد مذ غبتم قلبا يقر ولا شرابا ينـقـع عروضه من الكامل. الشعر لجرير، والغناء لأبي دلف ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وعمرو بن بانة.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: كان جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكردية يستخف مطيع بن إياس، وكان منقطعا إليه وله منه
صفحة : 895
منزلة حسنة. فذكر له مطيع بن إياس حمادا الراوية، وكان مطرحا مجفوا في أيامهم. فقال له: دعني، فإن دولتي كانت في بني أمية وما لي عند هؤلاء خير. فأبى مطيع إلا الذهاب به إليه. فاستعار سوادا وسيفا، ثم أتاه فدخل على جعفر فسلم عليه وجلس. فقال له جعفر: أنشدني. فقال: لمن أيها الأمير? قال: لجرير. قال حماد: فسلخ الله شعره أجمع من قلبي إلا قوله:
بان الخليط برامتين فودعوا فاندفعت أنشده إياه حتى بلغت إلى قوله:
وتقول بوزع قد دببت على العصا هلا هزئت بغـيرنـا يا بـوزع قال حماد فقال لي جعفر: أعد هذا البيت فأعدته، فقال: إيش هو بوزع? قلت: اسم امرأة. قال: امرأة اسمها بوزع هو بريء من الله ورسوله ومن العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلا غولا من الغيلان تركتني والله يا هذا لا أنام الليل من فزع بوزع يا غلمان، قفاه. قال: فصفعت والله حتى لم أدر أين أنا. ثم قال: جروا برجله، فجروا برجلي حتى أخرجت من بين يديه وقد تخرق السواد وانكسر جفن السيف ولقيت شرا عظيما مما جرى من ذلك. وكان أغلظ من ذلك علي غرامتي السواد والسيف. فلما انصرف إلي مطيع جعل يتوجع لي. فقلت له: ألم أخبرك أني لا أصيب منهم خيرا وأن حظي قد مضى مع من مضى من بني أمية.
رجع الحديث إلى أخبار أبي دلف.
وكان أبو دلف جوادا ممدحا، وفيه يقول علي بن جبلة:
إنما الدنيا أبـو دلـف بين مغزاه ومحتضره
وإذا ولى أبـو دلـف ولت الدنيا على أثره وهي من جيد شعره وحسن مدائحه. وفيها يقول:
ذاد ورد الغي عـن صـدره وارعوى واللهو من وطـره
ندمي أن الشبـاب مـضـى لم أبـلـغـه مـدى أشـره
حسرت عنـي بـشـاشـتـه وذوى المحمود من ثـمـره
ودم أهـدرت مـن رشــأ لم يرد عقلا عـلـى هـدره
فأتت دون الـصـبـا هـنة قلبت فوقي عـلـى وتـره
دع جدا قحطـان أم مـضـر في يمانية وفـي مـضـره
وامتـدح مـن وائل رجـلا عصر الآفاق من عـصـره
المـنـايا فـي مـقـانـبـه والعطايا فـي ذرا حـجـره
ملـك تـنـدى أنـامـلــه كانبلاج النوء عن مـطـره
مستهـل عـن مـواهـبـه كابتسام الروض عن زهـره
جبـل عـزت مـنـاكـبـه أمنت عدنـان فـي نـفـره
إنـمـا الـدنـيا أبـو دلـف بين مغزاه ومـحـتـضـره
فإذا ولـى أبــو دلـــف ولت الدنـيا عـلـى أثـره
كل من في الأرض من عرب بين بـاديه إلـى حـضـره
مستعـير مـنـه مـكـرمة يكتسيهـا يوم مـفـتـخـره وهذان البيتان هما اللذان أحفظا المأمون على علي بن جبلة حتى سل لسانه من قفاه، وقوله في أبي دلف أيضا:
أنت الذي تنزل الأيام منزلهـا وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد إلا قضيت بـأرزاق وآجـال وسنذكر ذلك في موضعه من أخبار علي بن جبلة إن شاء الله تعالى، إذ كان القصد ها هنا أمر أبي دلف.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: كنا عند أبي العباس المبرد يوما وعنده فتى من ولد أبي البختري وهب بن وهب القاضي أمرد حسن الوجه، وفتى من ولد أبي دلف العجلي شبيه به في الجمال. فقال المبرد لابن أبي البختري: أعرف لجدك قصة ظريفة من الكرم حسنة لم يستق إليها. قال: وما هي? قال: دعي رجل من أهل الأدب إلى بعض المواضع، فسقوه نبيذا غير الذي كانوا يشربون منه? فقال فيهم:
نبيذان في مجلـس واحـد لإيثار مثر على مـقـتـر
فلو كان فعلك ذا في الطعام لزمت قياسك في المسكر
ولو كنت تطلب شأو الكرام صنعت صنيع أبي البختري
تتبع إخوانه فـي الـبـلاد فأغنى المقل عن المكثـر
صفحة : 896
فبلغت الأبيات أبا البختري فبعث إليه بثلثمائة دينار. قال ابن عمار: فقلت: قد فعل جد هذا الفتى في هذا المعنى ما هو أحسن من هذا. قال: وما فعل? قلت: بلغه أن رجلا أفتقر بعد ثروة، فقالت له امرأته: افترض في الجند، فقال:
إليك عني فقد كلفتني شطـطـا حمل السلاح وقيل الدارعين قف
تمشي المنايا إلى غيري فأكرهها فكيف أمشي إليها عاري الكتيف
حسبت أن نفاد المـال غـيرنـي وأن روحي في جنبي أبي دلف فأحضره أبو دلف ثم قال له: كم أملت امرأتك أن يكون رزقك? قال: مائة دينار. قال: وكم أملت أن تعيش? قال: عشرين سنة. قال: فذلك لك علي على ما أملت امرأتك في مالنا دون مال السلطان، وأمر بإعطائه إياه. قال: فرأيت وجه ابن أبي دلف يتهلل، وانكسر ابن أبي البختري انكسارا شديدا.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد المبرد قال أخبرني علي بن القاسم قال: قال علي بن جبلة: زرت أبا دلف بالجبل، فكان يظهر من إكرامي وبري والتحفي بي أمرا مفرطا، حتى تأخرت عنه حينا حياء. فبعث إلي معقل بن عيسى، فقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عني، وأحسبك استقللت بري بك، فلا يغضبنك ذلك، فسأزيد فيه حتى ترضى. فقلت: والله ما قطعني إلا إفراطه في البر، وكتبت إليه.
هجرتك لم أهجرك من كفر نـعـمة وهل يرتجى نيل الزيادة بالـكـفـر
ولـكـنـنـي لـمـا أتـيتـك زائرا فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فم الان لا آتـيك إلا مـسـلـمـــا أزورك في الشهرين يوما أو الشهـر
فإن زدتنـي بـرا تـزايدت جـفـوة ولم تلقني طول الحياة إلى الحـشـر فلما قرأها معقل استحسنها جدا وقال: أحسنت والله أما إن الأمير لتعجبه هذه المعاني. فلما أوصلها إلى أبي دلف قال: قاتله الله. ما أشعره وأدق معانيه فأعجبته فأجابني لوقته - وكان حسن البديهة حاضر الجواب -:
ألا رب ضيف طارق قد بسـطـتـه وآنسته قبل الـضـيافة بـالـبـشـر
أتاني يرجـينـي فـمـا حـال دونـه ودون القرى والعرف من نائلي ستري
وجدت له فضلا عـلـي بـقـصـده إلي وبـرا زاد فـيه عـلـى بـري
فزودتـه مـالا يقـل بــقـــاؤه وزودني مدحا يدوم علـى الـدهـر قال: وبعث إلي بالأبيات مع وصيف له وبعث معه إلي بألف دينار، فقلت حينئذ: إنما الدنيا أبو دلف. الأبيات.
أخبرني علي بن سليمان قال أخبرنا المبرد قال أخبرني إبراهيم بن خلف قال: بينا أبو دلف يسير مع معقل، وهما إذ ذاك بالعراق، إذ مرا بقصر، فأشرفت منه جاريتان، فقالت إحداهما للأخرى: هذا أبو دلف الذي يقول فيه الشاعر:
إنما الدنيا أبو دلف فقالت الأخرى: أو هذا قد والله كنت أحب أن أراه منذ سمعت ما قيل فيه. فالتفت أبو دلف إلى معقل فقال: ما أنصفنا علي بن جبلة ولا وفيناه حقه، وإن ذلك لمن كبير همي. قال: وكان أعطاه ألف دينار.
أما القطاة فإني سوف أنعتـهـا نعتا يوافق منها بعض ما فيها
سكاء مخطوبة في ريشها طرق صهب قوادمها كدر خوافيهـا عروضه من البسيط. والشعر مختلف في قائله، ينسب إلى أوس بن غلفاء الهجيمي وإلى مزاحم العقيلي وإلى العباس بن يزيد بن الأسود الكندي وإلى العجير السلولي وإلى عمرو بن عقيل بن الحجاج الهجيمي وهو أصح الأقوال، رواه ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي. وعلى أن في هذه الروايات أبياتا ليست مما يغنى فيه وأبياتا ليست في الرواية. وقد روي أيضا أن الجماعة المذكورة تساجلوا هذه الأبيات فقال كل واحد منهم بعضا. وأخبار ذلك وما يحتاج إليه في شرح غريبه يذكر بعد هذا. والغناء في اللحن المختار لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى. في هذين البيتين مع أبيات أخر من القصيدة اشتراك كثير بين المغنين يتقدم بعض الأبيات فيه بعضا ويتأخر بعضها عن بعض على اختلاف تقديم ذلك وتأخيره. والأبيات تكتب ها هنا ثم تنسب صنعة كل صانع في شيء منها إليه، وهي بعد البيتين الأولين، إذ كانا قد مضيا واستغني عن إعادتهما،:
لما تبدى لها طارت وقد علمت أن قد أظل وأن الحي غاشيها
صفحة : 897
تشتق في حيث لم تبعد مصـعـدة ولم تصوب إلى أدنى مهـاويهـا
تنتاش صفراء مطروقا بقـيتـهـا قد كاد يأزي عن الدعموص آزيها
ما هاج عينك أم قد كاد يبكـيهـا من رسم دار كسحق البرد باقيها
فلا غنيمة توفي بالـذي وعـدت ولا فؤادك حتى الموت ناسـيهـا بسيط مولى عبد الله بن جعفر خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق في أما القطاة والذي بعده، وتنتاش صفراء خفيف ثقيل نصر عن عمرو. ولإبراهيم الموصلي في لما تبدى لها وأما القطاة خفيف رمل عن الهشامي. ولعمر الوادي في أما القطاة ثقيل بالوسطى. ولابن جامع في لما تبدى لها وبعده أما القطاة خفيف رمل. ولسياط في الأول والثاني وبعدهما تشتق في حيث لم تبعد خفيف ثقيل بالبنصر، ومن الناس من ينسب لحنه إلى عمر الوادي وينسب لحن عمر إليه. ولعلويه في أما القطاة والذي بعده رمل هو من صدور أغانيه ومقدمها. فجميع ما وجدتة في هذه الأبيات من الصنعة أحد عشر لحنا.
فأما خبر هذا الشعر، فإن ابن الكلبي زعم أن السبب فيه أن العجير السلولي أوس بن غلفاء الهجيمي ومزاحما العقيلي والعباس بن يزيد بن الأسود الكندي وحميد بن ثور الهلالي اجتمعوا فتفاخروا بأشعارهم وتناشدوا وادعى كل واحد منهم أنه أشعر من صاحبه. ومر بهم سرب قطا، فقال أحدهم: تعالوا حتى نصف القطا ثم نتحاكم إلى من نتراضى به، فأينا كان أحسن وصفا لها غلب أصحابه، فتراهنوا على ذلك. فقال أوس بن غلفاء الأبيات المذكورة وهي أما القطاة. وقال حميد أبياتا وصف ناقته فيها، ثم خرج إلى صفة القطاة فقال:
كما انصلتت كدراء تسقي فراخها بشمظة رفها والمياه شـعـوب
غدت لم تباعد في السماء ودونها إذا ما علت أهوية وصـبـوب
قرينة سبع إن تـواتـرن مـرة ضربن فصفت أرؤس وجنـوب
فجاءت وما جاء القطا ثم قلصت بمفحصها والواردات تـنـوب
وجاءت ومسقاها الذي وردت به إلى الصدر مشدود العصام كتيب
تبادر أطفالا مساكـين دونـهـا فلا لا تخطاه العـيون رغـيب
وصفن لها مزنا بأرض تـنـوفة فما هـي إلا نـهـلة وتـؤوب وقال العباس بن يزيد بن الأسود - هكذا ذكر ابن الكلبي وغيره يرويها لبعض بني مرة - :
حذاء مدبرة سـكـاء مـقـبـلة للماء في النحر منها نؤطة عجب
تسقى أزيغب ترويه مجاجتـهـا وذاك من ظمأة من ظمئها شرب
منهرت الشدق لم تنبت قـوادمـه في حاجب العين من تسبيده زبب
تدعو القطا بقصير الخطو ليس له قدام منحرهـا ريش ولا زغـب
تدعو القطا وبه تدعى إذا انتسبت يا صدقها حين تدعوه وتنتـسـب وقال مزاحم العقيلي:
أذلك أم كـدرية هـاج وردهـا من القيظ يوم واقـد وسـمـوم
غدت كنواة القسب لا مضمحـلة وناة ولا عجلى الفـتـور سـئوم
تواشك رجع المنكبين وترتـمـى إلى كلكل لـلـهـاديات قـدوم
فما انخفضت حتى رأت ما يسرها وفيء الضحى قد مال فهو ذميم
أباطح وانتصت على حيث تستقي بها شرك لـلـواردات مـقـيم
سقتها سيول المدجنات فأصبحـت علاجيم تـجـري مـرة وتـدوم
فلما استقت من بارد الماء وانجلى عن النفس منها لوحة وهـمـوم
دعت باسمها حين استقت فاستقلها قوادم حجن ريشـهـن مـلـيم
بجؤز كحق الـهـاجـرية زانـه بأطراف عود الفارسـي وشـوم يعني حق الطيب. شبه حوصلتها به. والوشوم يعني الشية التي في صدرها:
لتسقي زغبا بالتنوفة لـم يكـن خلاف مولاها لهن حـمـيم
ترائك بالأرض الفلاة ومن بدع بمنزلها الأولاد فهـو مـلـيم
إذا استقبلتها الريح طمت رفيقة وهن بمهرى كالكرات جثـوم
صفحة : 898
يراطن وقصاء القفا وحشة الشوى بدعوى القطا لحن لـهـن قـديم
فبتن قريرات العيون وقد جـرى عليهن شرب فاستقـين مـنـيم
صبيب سقاء نيط قد بركـت بـه معاودة سقـي الـفـراخ رءوم وقال العجير فيما روى ابن الكلبي، وقد تروى لغيره:
سأغلب والسماء ومن بناهـا قطاة مزاحم ومن انتحاهـا
قطاة مزاحم وأبي المثـنـى على حوزية صلب شواهـا
غدت كالقطرة السفواء تهوي أمام مجلجل زجل نفـاهـا
تكفأ كالجمانة لا تـبـالـي أبالموماة أضحت أم سواها
نبت منها العجيزة فاحزألـت ونبس للتقتل منـكـبـاهـا
كأن كعوبها أطراف نـبـل كساها الرازقية من براهـا قال: واحتكموا إلى ليلى الأخيلية، فحكمت لأوس بن غلفاء.
وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل عن قعنب بن محرز الباهلي قال حدثني رجل عن أبي عبيدة قال أخبرنا حميد بن ثور والعجير السلولي ومزاحم العقيلي وأوس بن غلفاء الهجيمي أنهم تحاكموا إلى ليلى الأخيلية لما وصفوا القطاة أيهم أحسن وصفا لها، فقالت:
ألا كل ما قال الرواة وأنشـدوا بها غير ما قال السلولي بهرج وحكمت له. فمال حميد بن ثور يهجوها:
كأنك ورهاء العنانين بـغـلة رأت حصنا فعارضتهن تشحج ووجدت هذه الحكاية عن أبي عبيدة مذكورة عن دماذ عنه وأنه سأله عن أبيات العجير فأنشده:
تجوب الدجى سكاء من دون فرخها بمطلى أريك نفنـف وسـهـوب
فجاءت وقرن الشمس باد كـأنـه هجان بصحراء الخبيب شـبـوب
لتسقي أفراخا لها قد تـبـلـلـت حلاقيم أسماط لـهـا وقـلـوب
قصار الخطا زغب الرؤوس كأنها كرات تلظـى مـرة وتـلـوب فأما ما ذكرت من رواية ثعلب في الأبيات التي فيها الغناء فإنه أنشدها عن أبي حاتم عن الأصمعي أن أبا الحضير أنشده لعمرو بن عقيل بن الحجاج الهجيمي:
أما القطاة فإني سوف أنعـتـهـا نعتا يوافق نعتي بعض ما فـيهـا
صفراء مطروقة في ريشها خطب صفر قوادمها سود خـوافـيهـا
منقارها كنواة القسب قـلـمـهـا بمبرد حاذق الكـفـين يبـريهـا
تمشي كمشي فتاة الحي مسـرعة حذار قوم إلى سـتـر يواريهـا قال الأصمعي: مطروقة يعني أن ريشها بعضه فوق بعض. والخطب: لون الرماد، يقال للمشبه به أخطب:
تنتاش صفراء مطروقا بقـيتـهـا قد كاد يأزي عن الدعموص آزيها تنتاش: تتناول بقية من الماء. وا
ألا قاتل الله الهوى كيف أخلـقـا فلم تلفه إلا مشوبـا مـمـذقـا
وما من حبيب يستزير حـبـيبـه يعاتبه في الـود إلا تـفـرقـا
أمر وصال الغانيات فأصبـحـت مضاضته يشجى بها من تمطقـا
تعلق هذا القلب للحين معـلـقـا غزالا تحلى عقـد در ويارقـا
إذا قلت مهلا للفؤاد عن الـتـي دعتك إليها العين أغضى وأطرفا
دعانا فلم نستبق حبا بمـا نـرى فما منك هذا العذل إلا تخـرقـا
فقد سن هذا الحب من كان قبلنـا وقاد الصبا المرء الكريم فأعنقـا فلما قرأت شعره رقت له وقالت: كيف لي بإيلائي ألا يدخل منزلي ولا أغنيه بشعره? فقيل لها: يدخل منزلك وتغنين وتكفرين عن يمينك. فوجهت إليه أن صر إلينا والأحوص في تلك الليلة، فجاءاها، وعرفت الأحوص تكفير اليمين، فقال لها: وأنا والله شفيعه إليك، ففرجي ما به من غم فقد فارق من يحب ويهوى، فتؤنسينه وتسرينه وتغنينه بشعره. فغنت:
ألا قاتل الله الهوى كيف أخلقا فلم تلفه إلا مشوبا ممـذقـا وحدثني بعض أهلنا قال قال يونس بن محمد: كان الأحوص معجبا بها وملازما لها فصار إليها بغلام له جميل فأخرجته خوف الفتنة ثم دعتهما دعوة خاصة وغنتهما:
صفحة : 888
كان الأحوص معجبا بجميلة، ولم يكن يكاد يفارق منزلها إذا جلست. فصار إليها غلاما بغلام جميل الوجه يفتن من رآه، فشغل أهل المجلس، وذهبت اللحون عن الجواري وخلطن في غنائهن. فأشارت جميلة إلى الأحوص أن أخرج الغلام، فالخلل قد عم مجلسي وأفسد علي أمري. فأبى الأحوص وتغافل، وكان بالغلام معجبا، فآثر لذته بالنظر إلى الغلام مع السماع. ونظر الغلام إلى الوجوه الحسان من الجواري ونظرن إليه، وكان مجلسا عاما. فلما خافت عاقبة المجلس وظهور أمره أمرت بعض من حضر بإخراج الغلام فأخرج، وغضب الأحوص وخرج مع الغلام ولم يقل شيئا، فأحمد أهل المجلس ما كان من جميلة، وقال لها بعضهم: هذا كان الظن بك، أكرمك الله فقالت: إنه والله ما استأذنني في المجيء به ولا علمت به حتى رأيته في داري، ولا رأيت له وجها قبل ذلك، وإنه ليعز علي غضب الأحوص، ولكن الحق أولى، وكان ينبغي له ألا يعرض نفسه وإياي لما نكره مثله. فلما تفرق أهل المجلس بعثت إليه: الذنب لك ونحن منه برءاء، إذ كنت قد عرفت مذهبي، فلم عرضتني للذي كان، فقد ساءني ذلك وبلغ مني، ولكن لم أجد بدا من الذي رأيت إما حياء وإما تصنعا. فرد عليها: ليس هذا لك بعذر إن لم تجعلي لي وله مجلسا نخلو فيه جميعا تمحين به ما كان منك. قالت: أفعل ذلك سرا، قال الأحوص: قد رضيت. فجاءاها ليلا فأكرمتهما، ولم تظهر واحدة من جواريها على ذلك إلا عجائز من مواليها. وسألها الأحوص وأقسم عليها أن تغنيه من شعره:
وبالفقر دار من جميلة هـيجـت سوالف حب في فؤادك منصـب
وكانت إذا تنـأى أو تـفـرقـت شداد الهوى لم تدر ما قول مشغب
أسيلة مجرى الدمع خمصانة الحشا برود الثنايا ذات خلق مشرعـب
ترى العين ما تهوى وفيهـا زيادة من الحسن إذ تبدو وملهى لملعب قال يونس: ما لها صوت أحسن منه، وابن محرز يغنيه وعنها أخذه، وأنا أغنيه فتعجبني نفسي ويدخلني شيء لا أعرفه من النخوة والتيه. وقال المحدث لي بهذا الحديث عن يونس: إن هذا للأحوص في جميلة. والذي عندي أنه لطيفل الغنوي قال في ابن زيد الخيل، وهو زيد بن المهلهل بن المختلس بن عبد رضا أحد بني نبهان، ونبهان لقب له، ولكنه سودان بن عمرو بن الغوث بن طيىء، أغار على بني عامر فأصاب بني كلاب وبني كعب، واستحر القتل في غني بن أعصر ومالك بن أعصر ومالك بن أعصر، وأعصر هو الدخان، ولذلك قبل لهما ابنا دخان، وأخوهما الحارث وهو الطفاوة وهو مالك بن سعد بن قيس بن عيلان، وغطفان بن سعد عمهم. وكانت غني مع بني عامر في دارهم موالي لنمير، وكان فيهم فرسان وشعراء. ثم إن غنيا أغارت على طيىء وعليهم سيار بن هريم، فقال في ذلك قصيدته الطويلة:
وبالقفر دار من جميلة هيجـت سوالف شوق في فؤادك منصب لحنت قصيدة لعمرو بن أحمر بن العمرد في عمر بن الخطاب لحنا جميلا، ونبذة عن ترجمة ابن أحمر: وحدثني أيوب بن عباية قال: كان عمرو بن أحمر بن العمرد بن عامر بن عبد شمس بن فراص بن معن بن مالك ابن أعصر بن قيس بن عيلان بن مضر من شعراء الجاهلية المعدودين، وكان ينزل الشأم، وقد أدرك الإسلام وأسلم، وقال في الجاهلية والإسلام شعرا كثيرا وفي الخفاء الذين أدركهم: عمر بن الخطاب فمن دونه إلى عبد الملك بن مروان، وكان في خيل خالد بن الوليد حين وجه أبو بكر خالدا إلى الشأم، ولم يأت أبا بكر. وقال في خالد رحمه الله:
إذا قال سيف الله كروا علـيهـم كررت بقلب رابط الجأش صارم وقال في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصيدة له طويلة جيدة:
أدركت آل أبي حفص وأسرته وقبل ذاك ودهرا بعده كلبـا
قد ترتمى بقواف بينـنـا دول بين الهناتين لا جدا ولا لعبـا
الله يعلم ما قولي وقـولـهـم إذ يركبون جنانا مسهبا وربـا وقال في عثمان بن عفان رضي الله عنه:
حثى فليس إلى عثمان مرتجع إلا العداء وإلا مكنع ضـرر
إخالها سمعت عزفا فتحسبـه إهابة القسر ليلا حين تنتشر وقال في علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
من مبلغ مالكا عني أبا حسـن فارتح لخصم هداك الله مظلوم
صفحة : 889
فلما أنشدت جميلة قصيدته في عمر بن الخطاب، قالت: والله لأعلمن فيها لحنا لا يسمعه أحد أبدا إلا بكى. قال إبراهيم: وصدقت، والله ما سمعته قط إلا أبكاني، لأني أجد حين أسمعه شيئا يضغط قلبي ويحرقه فلا أملك عيني، وما رأيت أحدا قط سمعه إلا كانت هذه حاله.
صوت من المائة المختارة
يا دار عبلة من مشارق مـأسـل درس الشؤون وعهدها لم ينجـل
فاستبدلت عفر الظباء كـأنـمـا أبعارها في الصيف حب الفلفل
تمشي النعام به خـلاء حـولـه مشي النصارى حول بيت الهيكل
إحذر محل السوء لا تحلـل بـه وإذا نبا بك منـزل فـتـحـول الشعر، فيما ذكر يحيى بن علي عن إسحاق، لعنترة بن شداد العبسي. وما رأيت هذا الشعر في شيء من دواوين شعر عنترة، ولعله من رواية لم تقع إلينا، فذكر غير أبي أحمد أن الشعر لعبد قيس بن خفاف البرجمي، إلا أن البيت الأخير لعنترة صحيح لا يشك فيه. والغناء لأبي دلف القاسم بن عيسى العجلي، ولحنه المختار، على ما ذكره أبو أحمد، من الثقيل الأول. وذكر ابن خرداذبه أن لحن أبي دلف خفيف ثقيل بالوسطى. وذكر إسحاق أن فيه لمعبد لحنا من الثقيل الأول المطلق في مجرى الوسطى، وأن فيه لأبي دلف لحنا ولم يجنسه. وذكر حبش أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى. وأن لابن سريج في البيت الثاني ثقيلا أول، وذكر ابن خرداذبه أن خفيف الثقيل لمالك، وليس ممن يعتمد على قوله. وقد ذكر يونس أيضا أن فيه غناء لمالك ولم يذكر جنسه ولا طريقته.
ذكر عنترة ونسبه وشيء من أخباره
نسب عنترة: أمه أمة حبشية، كان أبوه نفاه ثم ألحقه بنسبه: هو عنترة بن شداد، وقيل: ابن عمرو بن شداد، وقيل: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة، وقيل: مخزوم بن عوف بن مالك ابن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وله لقب يقال له عنترة الفلحاء، وذلك لتشقق شفتيه. وأمه أمة حبشية يقال لها ربيبة، وكان لها ولد عبيد من غير شداد، وكانوا إخوته لأمه. وقد كان شداد نفاه مرة ثم اعترف به فألحق بنسبه. وكانت العرب تفعل ذلك، تستعبد بني الإماء، فإن أنجب اعترفت به وإلا بقي عبدا.
حرشت عليه امرأة أبيه فضربه أبوه فكفته عنه فقال فيها شعرا: فأخبرني علي بن سليمان النحوي الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، قالا: كان عنترة قبل أن يدعيه أبوه حرشت عليه امرأة أبيه وقالت: إنه يراودني عن نفسي، فغضب من ذلك شداد غضبا شديدا وضربه ضربا مبرحا وضربه بالسيف، فوقعت عليه امرأة أبيه وكفته عنه. فلما رأت ما به من الجراح بكت - وكان اسمها سمية وقيل: سهية - فقال عنترة: صوت
أمن سمية دمع الـعـين مـذروف لو أن ذا منك قبل اليوم معـروف
كأنها يوم صدت ما تـكـلـمـنـي ظبي بعسفان ساجي العين مطروف
تجللتنى إذ أهوى العصـا قـبـلـي كأنها صنم يعـتـاد مـعـكـوف
العبد عبدكـم والـمـال مـالـكـم فهل عذابك عني اليوم مصـروف
تنسى بلائي إذا ما غارة لـحـقـت تخرج منها الطوالات السراعـيف
يخرجن منها وقد بلت رحـائلـهـا بالماء تركضها الشم الغـطـاريف
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض تصفر كف أخيها وهو مـنـزوف غنى في البيت الأول والثاني علوية، ولحنه من الثقيل الأول مطلق في مجرى البنصر، وقيل: إنه لإبراهيم. وفيهما رمل بالوسطى يقال: إن لابن سريج، وهو من منحول ابن المكي.
صفحة : 890
قوله مذروف: من ذرفت عينه، يقال: ذرفت تذرف ذريفا وذرفا، وهو قطر يكاد يتصل. وقوله: لو أن ذامنك قيل اليوم معروف. أي قد أنكرت هذا الحنو والإشفاق منك، لأنه لو كان معروفا قبل ذلك لم ينكره. ساجي العين. ساكنها. والساجي: الساكن من كل شيء. مطروف: أصابت عينه طرفة، وإذا كان كذلك فهو أسكن لعينه. تجللتني: ألقت نفسها علي. وأهوى: اعتمد. صنم يعتاد أي يؤتى مرة بعد مرة. ومعكوف: يعكف عليه. والسراعيف: السراع، واحدتها سرعوفة. والطوالات: الخيل. والرحائل: السروج. والشمم: ارتفاع في الأنف. والغطاريف: الكرام والسادة أيضا. والغطرفة: ضرب من السير والمشيء يختال فيه. والنجلاء: الواسعة. يقال: سنان منجل: واسع الطعنة: عن عرض أي عن شق وحرف. وقال غيره: أعترضه اعتراضا حين أقاتله.
سبب ادعاء أبيه إياه: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال ابن الكلبي: شداد جد عنترة غلب على نسبه، وهو عنترة بن شداد، وقد سمعت من يقول: إنما شدادا عمه، كان نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه. قال: وإنما ادعاه أبوه بعد الكبر، وذلك لأن أمه كانت أمة سوداء يقال لها ربيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من أمة استعبدوه. وكان لعنترة إخوة من أمة عبيد. وكان سبب ادعاء أبي عنترة إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلا، فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم وعنترة يومئذ فيهم، فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر. فقال: كر وأنت حر. فكر وهو يقول:
أنا الهجين عـنـتـره كل امرىء يحمي حره
أسـوده وأحـمــره والشعرات المشعـره
الواردات مشـفـره وقاتل يومئذ قتالا حسنا، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه.
وحكى غير ابن الكلبي أن السبب في هذا أن عبسا أغاروا على طيىء، فأصابوا نعما، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيبا مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال الخطب بينهم كرت عليهم طيىء، فاعتزلهم عنترة وقال: دونكم القوم، فإنكم عددهم. واستنقذت طيىء الإبل. فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال: أو يحسن العبد الكر فقال له أبوه: فاعترف به، فكر واستنقذ النعم. وجعل يقول:
أنا الهجين عـنـتـره كل امرىء يحمي حره الأبيات.
قال ابن الكلبي: وعنترة أحد أغربه العرب، وهم ثلاثة: عنترة وأمه ربيبة، وخفاف بن عمير الشريدي وأمه ندبة، والسليك بن عمير السعدي وأمه السلكة، وإليهن ينسبون. وفي ذلك يقول عنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصبـا شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظـت ألفيت خيرا من معم مـخـول يقول: إن أبي من أكرم عبس بشطري، والشطر الآخر ينوب عن كرم أمي فيه ضربي بالسيف، فأنا خير في قومي، ممن عمه وخاله منهم وهو لا يغني غنائي. وأحسب أن في القصيدة هي التي يضاف إليها البيتان اللذان يغنى فيهما، وهذه الأبيات قالها في حرب داحس والغبراء.
حامى عن بني عبس حين انهزمت أمام تميم، فسبه قيس بن زهير فهجاه: قال أبو عمرو الشيباني: غزت بنو عبس بني تميم وعليهم قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقتهم كبكبة من الخيل، فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبر. وكان قيس بن زهير سيدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ، فقال حين رجع: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولا. فبلغ عنترة ما قال، فقال يعرض به قصيدته التي يقول فيها: صوت
بكرت تخوفني الحتـوف كـأنـنـي أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتهـا أن الـمـنـية مـنـهـل لا بد أن أسقى بكأس الـمـنـهـل
فاقنى حياءك لا أبالـك واعـلـمـي أني امرؤ سأمـوت إن لـم أقـتـل
إن المنية لـو تـمـثـل مـثـلـث مثلي إذا نزلوا بضنـك الـمـنـزل
إني امرؤ من خير عبس منـصـبـا شطري وأحمي سائري بالمنـصـل
وإذا الكتيبة أحجمت وتـلاحـظـت ألفيت خيرا مـن مـعـم مـخـول
صفحة : 891
والخيل تعلم والفوارس أنـنـي فرقت جمعهم بصربة فيصـل
إذا لا أبادر في المضيق فوارسي أو لا أوكل بـالـرعـيل الأول
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحمـوا أشدد وإن يلفوا بضنـك أنـزل
حين النزول يكون غاية مثلـنـا ويفر كل مضلل مسـتـوهـل
والخيل ساهمة الوجوه كأنـمـا تسقى فوارسها نقيع الحنـظـل
ولقد أبيت على الطوى وأظلـه حتى أنال به كريم الـمـأكـل عروضه من الكامل. غنت في الأربعة الأبيات الأول والبيت الثاني عريب خفيف رمل بالبنصر من رواية الهشامي وابن المعتز وأبي العبيس.
الحتوف: ما عرض للإنسان من المكاره والمتالف. عن عرض أي ما يعرف منها. بمعزل أي في ناحية معتزلة عن ذلك. ومنهل: مورد. وقوله: فاقني حياءك. أي احفظيه ولا تضيعيه. والضنك: الضيق. يقول: إن المنية لو خلقت مثالا لكانت في مثل صورتي. والمنصب: الأصل. والمنصل: السيف، ويقال منصل أيضا بفتح الصاد. وأحجمت: كعت. والكتيبة: الجماعة إذا اجتمعت ولم تنتشر. وتلاحظت: نظرت من يقدم على العدو. وأصل التلاحظ النظر من القوم بعضهم إلى بعض بمؤخر العين. والفيصل: الذي يفصل بين الناس. وقوله: لا أبادر في المضيق فوارسي أي لا أكون أول منهزم ولكني أكون حاميتهم. والرعيل: القطعة من كل شيء. ويستلحموا: يدركوا. والمستلحم: المدرك، وأنشد الأصمعي:
نجى علاجا وبشرا كل سلـهـبة واستلحم الموت أصحاب البراذين وساهمة: ضامرة متغيرة، قد كلح فوارسها لشدة الحرب وهولها. وقوله: ولقد أبيت على الطوى وأظله. قال الأصمعي: أبيت بالليل على الطوى وأظل بالنهار كذلك حتى أنال به كريم المأكل أي ما لا عيب فيه علي، ومثله قوله: إنه ليأتي علي اليومان لا أذوقهما طعاما ولا شرابا أي لا أذوق فيهما. والطوى: خمص البطن، يقال: رجل طيان وطاوي البطن.
أنشد النبي صلى الله عليه وسلم بيتا من شعره فود لو رآه: وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا ابن عائشة قال: أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكـل فقال صلى الله عليه وسلم: ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة.
كيف ألحق أخوته لأمه بنسب قومه: أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة: أن عنترة كان له إخوة من أمه، فأحب عنترة أن يدعيهم أقومه، فأمر أخا له كان خيرهم في نفسه يقال له حنبل، فقال له: أرو مهرك من اللبن ثم مر به علي عشاء. فإذا قلت لكم: ما شأن مهركم متخددا مهزولا ضامرا، فاضرب بطنه بالسيف كأنك تريهم أنك قد غضبت مما قلت: فمر عليهم، فقال له: يا حنبل، ما شأن مهركم متخددا أعجر من اللبن? فأهوى أخوه بالسيف إلى بطن مهره فضربه فظهر اللبن. فقال في ذلك عنترة:
أبني زبيبة ما لمهركم متخددا وبطونكم عجر
ألكم بإيغال الوليد على أثر الشياه بشدة خبـر وهي قصيدة. قال: فاستلاظه نفر من قومه ونفاه آخرون. ففي ذلك يقول عنترة:
ألا يا دار عبلة بـالـطـوي كرجع الوشم في كف الهدي وهي طويلة يعدد فيها بلاءه وآثاره عند قومه.
جوابه حين سئل أنت أشجع العرب: أخبرني عمي قال أخبرني الكراني عن النضر بن عمرو عن الهيثم بن عدي قال: قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدها? قال لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس? قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما، ولا أدخل إلا موضعا أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة قال:
صفحة : 892
قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم? قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك? قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازما فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت.
أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد السكري قال قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل عن أبي عبيدة وابن الكلبي قالا: موته واختلاف الروايات في سببه: أغار عنترة على بني نبهان من طيىء فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
آثار ظلمان بقاع محرب قال: وكان زر بن جابر النبهاني في فتوة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:
وإن ابن سلمى عنده فاعلمـوه دمـي وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
يحل بأكناف الشـعـاب وينـتـمـي مكان الثريا ليس بالـمـتـهـضـم
رماني ولم يدهـش بـأزرق لـهـذم عشية حلوا بين نـعـف ومـخـرم قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقب بالأسد الرهيص. وأما أبو عمرو الشيباني فذكر أنه غزا طيئا مع قومه، فانهزمت عبس، فخر عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب، فدخل دغلا، وأبصره ربيئة طيىء فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيرا فرماه وقتله.
وذكر أبو عبيدة أنه كان قد أسن واحتاج وعجر بكبر سنه عن الغارات. وكان له على رجل من غطفان بكر، فخرج يتقاضاه إياه، فهاجت عليه ريح من صيف وهو بين شرج وناظرة، فأصابته فقتلته.
كان أحد الذين يباليهم عمرو بن معد يكرب قال أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان عمرو بن معد يكرب يقول: ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها. يعني بالحرين عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة والسليك بن السلكة.
هذه أخبار عنترة قد ذكرت فيها ما حضر.
عبد قيس بن خفاف البرجمي
نبذة عن عبد قيس بن خفاف البرجمي: وأما عبد قيس بن خفاف البرجمي فإني لم أجد له خبرا أذكره إلا ما أخبرني به جعفر بن قدامة قال: قرأت في كتاب لأبي عثمان المازني: كان عبد قيس بن خفاف البرجمي أتى حاتم طيىء في دماء حملها عن قومه فأسلموه فيها وعجز عنها، فقال: والله لآتين من يحملها عني، وكان شريفا شاعرا شجاعا، فقدم على حاتم وقال له: إنه وقعت بيني وبين قومي دماء فتواكلوها، وإني حملتها في مالي وأهلي، فقدمت مالي وأخرت أهلي، وكنت أوثق الناس في نفسي. فإن تحملتها فكم من حق قضيته وهم كفيته، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك ولم أنس غدك، ثم أنشأ يقول:
حملت دماء للبـراجـم جـمة فجئتك لما أسلمتني البـراجـم
وقالوا سفاها لم حملت دماءنـا فقلت لهم يكفي الحمالة حاتـم
متى آته فيها يقل لي مرحـبـا وأهلا وسهلا أخطأتك الأشـائم
فيحملها عني وأن شئت زادنـي زيادة من حيزت إليه المكـارم
يعيش الندى ما عاش حام طيىء وإن مات قامت للسخاء مآتـم
ينادين مات الجود معك فلا نرى مجيبا له ما حام في الجو حائم
وقال رجال أنهب العام مـالـه فقلت لهم إني بذلـك عـالـم
ولكنه يعطى من اموال طـيىء إذا حلق المال الحقوق اللوازم
فيعطي التي فيها الغنى وكأنـه لتصغيره تلك العطـية جـارم
بذلك أوصاه عدي وحـشـرج وسعد وعبد الله تلك القمـاقـم فقال له حاتم: إني كنت لأحب أن يأتيني مثلك من قومك، وهذا مرباعي من الغارة على بني تميم فخذه وافرا، فإن وفى بالحمالة وإلا أكملتها لك، وهي مائتا بعير سوى نبيها وفصالها، مع أني لا أحب أن تؤبس قومك بأموالهم. فضحك أبو جبيل وقال: لكم ما أخذتم منا ولنا ما أخذنا منكم، وأي بعير دفعته إلي وليس ذنبه في يد صاحبه فأنت منه بريء. فأخذها وزاده مائة بعير، وانصرف راجعا إلى قومه. فقال حاتم:
صفحة : 893
أتاني البرجمي أبو جـبـيل لهم في حمالـتـه طـويل
فقلت له خذ المرباع منـهـا فإني لست أرضى بالقلـيل
على حال ولا عودت نفسـي على علاتها علل البـخـيل
فخذها إنها مـائتـا بـعـير سوى الناب الرذية والفصيل
ولا من عليك بهـا فـإنـي رأيت المن بزري بالجمـيل
فآب البرجمي وما عـلـيه من اعباء الحمالة من فتـيل
يجر الذيل ينفـض مـذرويه خفيف الظهر من حمل ثقيل
ذكر أبي دلف ونسبه وأخباره
نسب أبي دلف ومكانته: هو القاسم بن عيسى بن إدريس، أحد بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ومحله في الشجاعة وعلو المحل عند الخلفاء وعظم الغناء في المشاهد وحسن الأدب وجودة الشعر محل ليس لكبير أحد من نظرائه. وذكر ذلك أجمع مما لا معنى له لطوله، وفي هذا القدر من أخباره مقنع. وله أشعار جياد، وصنعة كثيرة حسنة. فمن جيد شعره وله فيه صنعة قوله: صوت
بنفسي يا جنان وأنت مـنـي محل الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان نفسـي خشيت عليك بادرة الزمـان
لإقدامي إذا ما الخيل حامـت وهاب كماتها حر الطعـان وله فيه لحن. وهذا البيت الأول أخذه من كلام إبراهيم النظام.
أخذ معنى من محاورة إبراهيم النظام لغلام: أخبرني به علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال: لقي إبراهيم النظام غلاما حسن الوجه، فاستحسنه وأراد كلامه فعارضه، ثم قال له: يا غلام، إنك لولا ما سبق من قول الحكماء مما جعلوا به السبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم: لا ينبغي لأحد أن يكبرأ عن أن يسأل، كما أنه لا ينبغي لأحد أن يصغر عن أن يقول، لما أنبت إلى مخاطبتك ولا انشرح صدري لمحادثتك، لكنه سبب الإخاء وعقد المودة، ومحلك من قلبي محل الروح من جسد الجبان. فقال له الغلام - وهو لا يعرفه - لئن قلت ذلك أيها الرجل لقد قال أستاذنا إبراهيم النظام: الطبائع تجاذب ما شاكلها بالمجانسة، وتميل إلى ما قاربها بالموافقة، وكياني مائل إلى كيانك بكليتي. ولو كان الذي انطوى عليه عرضا لم أعتد به ودا، ولكنه جوهر جسمي، فبقاؤه ببقاء النفس، وعدمه بعدمها، وأقول كما قال الهذلي:
فتيقني أن قد كلفت بـكـم ثم افعلي ما شئت عن علم فقال له النظام: إنما كلمتك بما سمعت وأنت عندي غلام مستحسن، ولو علمت أن محلك مثل محل معمر وطبقته في الجدل لما تعرضت لك. قال أبو الحسن: ومن هذا أخذ أبو دلف قوله:
أحبك يا جنان وأنت مـنـي محل الروح من جسد الجبان ومن جيد شعره وله فيه صنعة قوله صوت
في كل يوم أبى بيضـاء طـالـعة كأنما أنبتت في ناظر الـبـصـر
لئن قصصتك بالمقراض عن بصري لما قطعتك عن همي وعن فكـري بلغه طروق الشراة وهو بالسردان مع جارية له فأسرع لحربهم وردهم: أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب قال حدثني أبي قال سمعت عبد العزيز بن دلف بن أبي دلف يقول: حدثتني ظبية جارية أبي قالت: إني لمعه ليلة بالسرادن وهو جالس يشرب معي وعليه ثياب ممسكة، إذ أتاه الصريخ بطروق الشراة أطراف عسكره، فلبس الجوشن ومضى فقتل وأسر وانصرف إلي في آخر الليل وهو يغني - قالت: والشعر له - : صوت
ليلتي بالـسـرادن كللت بالمحاسـن
وجـوار أوانـس كالظباء الشـوادن
بدلت بالممسـكـا ت ادراع الجواشن الشعر لأبي دلف. والغناء له رمل بالسبابة في مجرى البنصر.
خرج مع الإفشين لحرب بابك فأراد قتله فأنقذه ابن أبي داود:
صفحة : 894
وقال أحمد بن أبي طاهر: كان أبو دلف القاسم بن عيسى في جملة من كان مع الإفشين خيذر بن كاووس لما خرج لمحاربة بابك، ثم تنكر له، فوجه يوما بمن جاء به ليقتله. وبلغ المعتصم الخبر، فبعث إليه بأحمد بن بي دواد وقال له: أدركه، وما أراك تلحقه، فاحتل في خلاصه منه كيف شئت. قال ابن أبي دواد: فمضيت ركضا حتى وافيته، فإذا أبو دلف واقف بين يديه وقد أخذ بيديه غلامان له تركيان، فرميت بنفسي على البساط، وكنت إذا جئته دعا لي بمصلى، فقال لي: سبحان الله ما حملك على هذا? قلت: أنت أجلستني هذا المجلس. ثم كلمته في القاسم وسألته فيه وخضعت له، فجعل لا يزداد إلا غلظة. فلما رأيت ذلك قلت: هذا عبد وقد أغرقت في الرفق به فلم ينفع، وليس إلا أخذه بالرهبة والصدق? فقمت فقلت: كم تراك قدرت تقتل أولياء أمير المؤمنين واحدا بعد واحد، وتخالف أمره في قائد بعد قائد قد حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب. قال: فذل حتى لصق بالأرض وبان لي الاضطراب فيه. فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف وأخذت بيده، وقلت له: قد أخذته بأمر أمير المؤمنين. فقال: لا تفعل يا أبا عبد الله. فقلت: قد فعلت وأخرجت القاسم فحملته على دابة ووافيت المعتصم. فلما بصر بي قال: بك يا أبا عبد الله وريت زنادي، ثم رد علي خبري مع الإفشين حدسا بظنه ما أخطأ فيه حرفا? ثم سألني عما ذكره لي وهو كما قال، فأخبرته أنه لم يخطىء حرفا.
وقال علي بن محمد حدثني جدي قال: كان أحمد بن أبي دواد ينكر أمر الغناء إنكارا شديدا. فأعلمه المعتصم أن صديقه أبا دلف يغني، فقال: ما أراه مع عقله يفعل ذلك. فستر أحمد بن أبي دواد في موضع وأحضر أبا دلف وأمره أن يغني، ففعل ذلك وأطال، ثم أخرج أحمد بن أبي دواد عليه من موضعه والكراهة ظاهرة في وجهه. فلما رآه أحمد قال له: سوءة لهذا من فعل بعد هذه السن وهذا المحل تضع نفسك كما أرى فحجل أبو دلف وتشور، وقال: إنهم أكرهوني على ذلك. فقال: هبهم أكرهوك على الغناء أفأكرهوك على الإحسان والإصابة.
قال علي وحدثني جدي: أن سبب منادمته للمعتصم أنه كان نديما للواثق، وكان أبو دلف قد وصف للمعتصم فأحب أن يسمعه، وسأل الواثق عنه? فقال: يا أمير المؤمنين، أنا على الفصد غدا وهم عندي. فقال له المعتصم: أحب ألا تخفى علي شيئا من خبركم. وفصد الواثق، فأتاه أبو دلف وأتته رسل الخليفة بالهدايا، وأعلمهم الواثق حضور أبي دلف عنده، فلم يلبث أن أقبل الخدم يقولون: قد جاء الخليفة. فقام الواثق وكل من عنده حتى تلقوه حين برز من الدهليز إلى الصحن، فجاء حتى جلس، وأمر بندماء الواثق فردوا إلى مجالسهم. قال حمدون: وخنست عن مجلسي الذي كنت فيه لحداثتي، فنظر المعتصم إلى مكاني خاليا، فسأل عن صاحبه فسميت له، فأمر بإحضاري فرجعت إلى مكاني، وأمر بأن يؤتى برطل من شرابه فأتي به? فأقبل على أبي دلف فقال له: يا قاسم، غن أمير المؤمنين صوتا، فما حصر ولا تثاقل وقال: أغني أمير المؤمنين صوتا بعينه أو ما اخترته? قال: بل غن صنعتك في شعر جرير:
بان الخليط برامتين فودعوا فغناه إياه. فقال المعتصم: أحسن أحسن ثلاثا، وشرب الرطل، ولم يزل يستعيده ويشرب عليه حتى والى بين سبعة أرطال، ثم دعا بحمار فركبه، وأمر أبا دلف أن ينصرف معه، وأمرني بالانصراف معهما، فخرجت أسعى مع ركابه، فثبت في ندمائه من ذلك اليوم، وأمر لأبي دلف بعشرين ألف دينار.
بان الخليط برامتين فودعـوا أو كلما اعتزموا لبين تجزع
كيف العزاء ولم أجد مذ غبتم قلبا يقر ولا شرابا ينـقـع عروضه من الكامل. الشعر لجرير، والغناء لأبي دلف ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وعمرو بن بانة.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: كان جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكردية يستخف مطيع بن إياس، وكان منقطعا إليه وله منه
صفحة : 895
منزلة حسنة. فذكر له مطيع بن إياس حمادا الراوية، وكان مطرحا مجفوا في أيامهم. فقال له: دعني، فإن دولتي كانت في بني أمية وما لي عند هؤلاء خير. فأبى مطيع إلا الذهاب به إليه. فاستعار سوادا وسيفا، ثم أتاه فدخل على جعفر فسلم عليه وجلس. فقال له جعفر: أنشدني. فقال: لمن أيها الأمير? قال: لجرير. قال حماد: فسلخ الله شعره أجمع من قلبي إلا قوله:
بان الخليط برامتين فودعوا فاندفعت أنشده إياه حتى بلغت إلى قوله:
وتقول بوزع قد دببت على العصا هلا هزئت بغـيرنـا يا بـوزع قال حماد فقال لي جعفر: أعد هذا البيت فأعدته، فقال: إيش هو بوزع? قلت: اسم امرأة. قال: امرأة اسمها بوزع هو بريء من الله ورسوله ومن العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلا غولا من الغيلان تركتني والله يا هذا لا أنام الليل من فزع بوزع يا غلمان، قفاه. قال: فصفعت والله حتى لم أدر أين أنا. ثم قال: جروا برجله، فجروا برجلي حتى أخرجت من بين يديه وقد تخرق السواد وانكسر جفن السيف ولقيت شرا عظيما مما جرى من ذلك. وكان أغلظ من ذلك علي غرامتي السواد والسيف. فلما انصرف إلي مطيع جعل يتوجع لي. فقلت له: ألم أخبرك أني لا أصيب منهم خيرا وأن حظي قد مضى مع من مضى من بني أمية.
رجع الحديث إلى أخبار أبي دلف.
وكان أبو دلف جوادا ممدحا، وفيه يقول علي بن جبلة:
إنما الدنيا أبـو دلـف بين مغزاه ومحتضره
وإذا ولى أبـو دلـف ولت الدنيا على أثره وهي من جيد شعره وحسن مدائحه. وفيها يقول:
ذاد ورد الغي عـن صـدره وارعوى واللهو من وطـره
ندمي أن الشبـاب مـضـى لم أبـلـغـه مـدى أشـره
حسرت عنـي بـشـاشـتـه وذوى المحمود من ثـمـره
ودم أهـدرت مـن رشــأ لم يرد عقلا عـلـى هـدره
فأتت دون الـصـبـا هـنة قلبت فوقي عـلـى وتـره
دع جدا قحطـان أم مـضـر في يمانية وفـي مـضـره
وامتـدح مـن وائل رجـلا عصر الآفاق من عـصـره
المـنـايا فـي مـقـانـبـه والعطايا فـي ذرا حـجـره
ملـك تـنـدى أنـامـلــه كانبلاج النوء عن مـطـره
مستهـل عـن مـواهـبـه كابتسام الروض عن زهـره
جبـل عـزت مـنـاكـبـه أمنت عدنـان فـي نـفـره
إنـمـا الـدنـيا أبـو دلـف بين مغزاه ومـحـتـضـره
فإذا ولـى أبــو دلـــف ولت الدنـيا عـلـى أثـره
كل من في الأرض من عرب بين بـاديه إلـى حـضـره
مستعـير مـنـه مـكـرمة يكتسيهـا يوم مـفـتـخـره وهذان البيتان هما اللذان أحفظا المأمون على علي بن جبلة حتى سل لسانه من قفاه، وقوله في أبي دلف أيضا:
أنت الذي تنزل الأيام منزلهـا وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد إلا قضيت بـأرزاق وآجـال وسنذكر ذلك في موضعه من أخبار علي بن جبلة إن شاء الله تعالى، إذ كان القصد ها هنا أمر أبي دلف.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: كنا عند أبي العباس المبرد يوما وعنده فتى من ولد أبي البختري وهب بن وهب القاضي أمرد حسن الوجه، وفتى من ولد أبي دلف العجلي شبيه به في الجمال. فقال المبرد لابن أبي البختري: أعرف لجدك قصة ظريفة من الكرم حسنة لم يستق إليها. قال: وما هي? قال: دعي رجل من أهل الأدب إلى بعض المواضع، فسقوه نبيذا غير الذي كانوا يشربون منه? فقال فيهم:
نبيذان في مجلـس واحـد لإيثار مثر على مـقـتـر
فلو كان فعلك ذا في الطعام لزمت قياسك في المسكر
ولو كنت تطلب شأو الكرام صنعت صنيع أبي البختري
تتبع إخوانه فـي الـبـلاد فأغنى المقل عن المكثـر
صفحة : 896
فبلغت الأبيات أبا البختري فبعث إليه بثلثمائة دينار. قال ابن عمار: فقلت: قد فعل جد هذا الفتى في هذا المعنى ما هو أحسن من هذا. قال: وما فعل? قلت: بلغه أن رجلا أفتقر بعد ثروة، فقالت له امرأته: افترض في الجند، فقال:
إليك عني فقد كلفتني شطـطـا حمل السلاح وقيل الدارعين قف
تمشي المنايا إلى غيري فأكرهها فكيف أمشي إليها عاري الكتيف
حسبت أن نفاد المـال غـيرنـي وأن روحي في جنبي أبي دلف فأحضره أبو دلف ثم قال له: كم أملت امرأتك أن يكون رزقك? قال: مائة دينار. قال: وكم أملت أن تعيش? قال: عشرين سنة. قال: فذلك لك علي على ما أملت امرأتك في مالنا دون مال السلطان، وأمر بإعطائه إياه. قال: فرأيت وجه ابن أبي دلف يتهلل، وانكسر ابن أبي البختري انكسارا شديدا.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد المبرد قال أخبرني علي بن القاسم قال: قال علي بن جبلة: زرت أبا دلف بالجبل، فكان يظهر من إكرامي وبري والتحفي بي أمرا مفرطا، حتى تأخرت عنه حينا حياء. فبعث إلي معقل بن عيسى، فقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عني، وأحسبك استقللت بري بك، فلا يغضبنك ذلك، فسأزيد فيه حتى ترضى. فقلت: والله ما قطعني إلا إفراطه في البر، وكتبت إليه.
هجرتك لم أهجرك من كفر نـعـمة وهل يرتجى نيل الزيادة بالـكـفـر
ولـكـنـنـي لـمـا أتـيتـك زائرا فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فم الان لا آتـيك إلا مـسـلـمـــا أزورك في الشهرين يوما أو الشهـر
فإن زدتنـي بـرا تـزايدت جـفـوة ولم تلقني طول الحياة إلى الحـشـر فلما قرأها معقل استحسنها جدا وقال: أحسنت والله أما إن الأمير لتعجبه هذه المعاني. فلما أوصلها إلى أبي دلف قال: قاتله الله. ما أشعره وأدق معانيه فأعجبته فأجابني لوقته - وكان حسن البديهة حاضر الجواب -:
ألا رب ضيف طارق قد بسـطـتـه وآنسته قبل الـضـيافة بـالـبـشـر
أتاني يرجـينـي فـمـا حـال دونـه ودون القرى والعرف من نائلي ستري
وجدت له فضلا عـلـي بـقـصـده إلي وبـرا زاد فـيه عـلـى بـري
فزودتـه مـالا يقـل بــقـــاؤه وزودني مدحا يدوم علـى الـدهـر قال: وبعث إلي بالأبيات مع وصيف له وبعث معه إلي بألف دينار، فقلت حينئذ: إنما الدنيا أبو دلف. الأبيات.
أخبرني علي بن سليمان قال أخبرنا المبرد قال أخبرني إبراهيم بن خلف قال: بينا أبو دلف يسير مع معقل، وهما إذ ذاك بالعراق، إذ مرا بقصر، فأشرفت منه جاريتان، فقالت إحداهما للأخرى: هذا أبو دلف الذي يقول فيه الشاعر:
إنما الدنيا أبو دلف فقالت الأخرى: أو هذا قد والله كنت أحب أن أراه منذ سمعت ما قيل فيه. فالتفت أبو دلف إلى معقل فقال: ما أنصفنا علي بن جبلة ولا وفيناه حقه، وإن ذلك لمن كبير همي. قال: وكان أعطاه ألف دينار.
أما القطاة فإني سوف أنعتـهـا نعتا يوافق منها بعض ما فيها
سكاء مخطوبة في ريشها طرق صهب قوادمها كدر خوافيهـا عروضه من البسيط. والشعر مختلف في قائله، ينسب إلى أوس بن غلفاء الهجيمي وإلى مزاحم العقيلي وإلى العباس بن يزيد بن الأسود الكندي وإلى العجير السلولي وإلى عمرو بن عقيل بن الحجاج الهجيمي وهو أصح الأقوال، رواه ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي. وعلى أن في هذه الروايات أبياتا ليست مما يغنى فيه وأبياتا ليست في الرواية. وقد روي أيضا أن الجماعة المذكورة تساجلوا هذه الأبيات فقال كل واحد منهم بعضا. وأخبار ذلك وما يحتاج إليه في شرح غريبه يذكر بعد هذا. والغناء في اللحن المختار لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى. في هذين البيتين مع أبيات أخر من القصيدة اشتراك كثير بين المغنين يتقدم بعض الأبيات فيه بعضا ويتأخر بعضها عن بعض على اختلاف تقديم ذلك وتأخيره. والأبيات تكتب ها هنا ثم تنسب صنعة كل صانع في شيء منها إليه، وهي بعد البيتين الأولين، إذ كانا قد مضيا واستغني عن إعادتهما،:
لما تبدى لها طارت وقد علمت أن قد أظل وأن الحي غاشيها
صفحة : 897
تشتق في حيث لم تبعد مصـعـدة ولم تصوب إلى أدنى مهـاويهـا
تنتاش صفراء مطروقا بقـيتـهـا قد كاد يأزي عن الدعموص آزيها
ما هاج عينك أم قد كاد يبكـيهـا من رسم دار كسحق البرد باقيها
فلا غنيمة توفي بالـذي وعـدت ولا فؤادك حتى الموت ناسـيهـا بسيط مولى عبد الله بن جعفر خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق في أما القطاة والذي بعده، وتنتاش صفراء خفيف ثقيل نصر عن عمرو. ولإبراهيم الموصلي في لما تبدى لها وأما القطاة خفيف رمل عن الهشامي. ولعمر الوادي في أما القطاة ثقيل بالوسطى. ولابن جامع في لما تبدى لها وبعده أما القطاة خفيف رمل. ولسياط في الأول والثاني وبعدهما تشتق في حيث لم تبعد خفيف ثقيل بالبنصر، ومن الناس من ينسب لحنه إلى عمر الوادي وينسب لحن عمر إليه. ولعلويه في أما القطاة والذي بعده رمل هو من صدور أغانيه ومقدمها. فجميع ما وجدتة في هذه الأبيات من الصنعة أحد عشر لحنا.
فأما خبر هذا الشعر، فإن ابن الكلبي زعم أن السبب فيه أن العجير السلولي أوس بن غلفاء الهجيمي ومزاحما العقيلي والعباس بن يزيد بن الأسود الكندي وحميد بن ثور الهلالي اجتمعوا فتفاخروا بأشعارهم وتناشدوا وادعى كل واحد منهم أنه أشعر من صاحبه. ومر بهم سرب قطا، فقال أحدهم: تعالوا حتى نصف القطا ثم نتحاكم إلى من نتراضى به، فأينا كان أحسن وصفا لها غلب أصحابه، فتراهنوا على ذلك. فقال أوس بن غلفاء الأبيات المذكورة وهي أما القطاة. وقال حميد أبياتا وصف ناقته فيها، ثم خرج إلى صفة القطاة فقال:
كما انصلتت كدراء تسقي فراخها بشمظة رفها والمياه شـعـوب
غدت لم تباعد في السماء ودونها إذا ما علت أهوية وصـبـوب
قرينة سبع إن تـواتـرن مـرة ضربن فصفت أرؤس وجنـوب
فجاءت وما جاء القطا ثم قلصت بمفحصها والواردات تـنـوب
وجاءت ومسقاها الذي وردت به إلى الصدر مشدود العصام كتيب
تبادر أطفالا مساكـين دونـهـا فلا لا تخطاه العـيون رغـيب
وصفن لها مزنا بأرض تـنـوفة فما هـي إلا نـهـلة وتـؤوب وقال العباس بن يزيد بن الأسود - هكذا ذكر ابن الكلبي وغيره يرويها لبعض بني مرة - :
حذاء مدبرة سـكـاء مـقـبـلة للماء في النحر منها نؤطة عجب
تسقى أزيغب ترويه مجاجتـهـا وذاك من ظمأة من ظمئها شرب
منهرت الشدق لم تنبت قـوادمـه في حاجب العين من تسبيده زبب
تدعو القطا بقصير الخطو ليس له قدام منحرهـا ريش ولا زغـب
تدعو القطا وبه تدعى إذا انتسبت يا صدقها حين تدعوه وتنتـسـب وقال مزاحم العقيلي:
أذلك أم كـدرية هـاج وردهـا من القيظ يوم واقـد وسـمـوم
غدت كنواة القسب لا مضمحـلة وناة ولا عجلى الفـتـور سـئوم
تواشك رجع المنكبين وترتـمـى إلى كلكل لـلـهـاديات قـدوم
فما انخفضت حتى رأت ما يسرها وفيء الضحى قد مال فهو ذميم
أباطح وانتصت على حيث تستقي بها شرك لـلـواردات مـقـيم
سقتها سيول المدجنات فأصبحـت علاجيم تـجـري مـرة وتـدوم
فلما استقت من بارد الماء وانجلى عن النفس منها لوحة وهـمـوم
دعت باسمها حين استقت فاستقلها قوادم حجن ريشـهـن مـلـيم
بجؤز كحق الـهـاجـرية زانـه بأطراف عود الفارسـي وشـوم يعني حق الطيب. شبه حوصلتها به. والوشوم يعني الشية التي في صدرها:
لتسقي زغبا بالتنوفة لـم يكـن خلاف مولاها لهن حـمـيم
ترائك بالأرض الفلاة ومن بدع بمنزلها الأولاد فهـو مـلـيم
إذا استقبلتها الريح طمت رفيقة وهن بمهرى كالكرات جثـوم
صفحة : 898
يراطن وقصاء القفا وحشة الشوى بدعوى القطا لحن لـهـن قـديم
فبتن قريرات العيون وقد جـرى عليهن شرب فاستقـين مـنـيم
صبيب سقاء نيط قد بركـت بـه معاودة سقـي الـفـراخ رءوم وقال العجير فيما روى ابن الكلبي، وقد تروى لغيره:
سأغلب والسماء ومن بناهـا قطاة مزاحم ومن انتحاهـا
قطاة مزاحم وأبي المثـنـى على حوزية صلب شواهـا
غدت كالقطرة السفواء تهوي أمام مجلجل زجل نفـاهـا
تكفأ كالجمانة لا تـبـالـي أبالموماة أضحت أم سواها
نبت منها العجيزة فاحزألـت ونبس للتقتل منـكـبـاهـا
كأن كعوبها أطراف نـبـل كساها الرازقية من براهـا قال: واحتكموا إلى ليلى الأخيلية، فحكمت لأوس بن غلفاء.
وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل عن قعنب بن محرز الباهلي قال حدثني رجل عن أبي عبيدة قال أخبرنا حميد بن ثور والعجير السلولي ومزاحم العقيلي وأوس بن غلفاء الهجيمي أنهم تحاكموا إلى ليلى الأخيلية لما وصفوا القطاة أيهم أحسن وصفا لها، فقالت:
ألا كل ما قال الرواة وأنشـدوا بها غير ما قال السلولي بهرج وحكمت له. فمال حميد بن ثور يهجوها:
كأنك ورهاء العنانين بـغـلة رأت حصنا فعارضتهن تشحج ووجدت هذه الحكاية عن أبي عبيدة مذكورة عن دماذ عنه وأنه سأله عن أبيات العجير فأنشده:
تجوب الدجى سكاء من دون فرخها بمطلى أريك نفنـف وسـهـوب
فجاءت وقرن الشمس باد كـأنـه هجان بصحراء الخبيب شـبـوب
لتسقي أفراخا لها قد تـبـلـلـت حلاقيم أسماط لـهـا وقـلـوب
قصار الخطا زغب الرؤوس كأنها كرات تلظـى مـرة وتـلـوب فأما ما ذكرت من رواية ثعلب في الأبيات التي فيها الغناء فإنه أنشدها عن أبي حاتم عن الأصمعي أن أبا الحضير أنشده لعمرو بن عقيل بن الحجاج الهجيمي:
أما القطاة فإني سوف أنعـتـهـا نعتا يوافق نعتي بعض ما فـيهـا
صفراء مطروقة في ريشها خطب صفر قوادمها سود خـوافـيهـا
منقارها كنواة القسب قـلـمـهـا بمبرد حاذق الكـفـين يبـريهـا
تمشي كمشي فتاة الحي مسـرعة حذار قوم إلى سـتـر يواريهـا قال الأصمعي: مطروقة يعني أن ريشها بعضه فوق بعض. والخطب: لون الرماد، يقال للمشبه به أخطب:
تنتاش صفراء مطروقا بقـيتـهـا قد كاد يأزي عن الدعموص آزيها تنتاش: تتناول بقية من الماء. وا
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin