عروضه من الطويل. الشعر للأحوص، وقيل: إنه لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان. والغناء لمعبد ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وذكر يونس أن لمالك لحنا فيه -
أكلثم فكي عانيا بك مغـرمـا وشدي قوى حبل لنا قد تصرما
فإن تسعفيه مرة بـنـوالـكـم فقد طالما لم ينج منك مسلمـا
كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا وأمسي قريبا لا أزورك كلثما وبعده هذه الأبيات التي مضت.
اتفاق المغنين على تفضيل لحن ابن سريج
وليس بتزويق اللسان... الخ
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد وذكر الثقفي عن دحمان قال: تذاكرنا ونحن في المسجد أنا والربيع بن أبي الهيثم الغناء أيه أحسن، فجعل يقول وأقول فلا نجتمع على شيء. فقلت: اذهب بنا إلى مالك بن أبي السمح. فذهبنا إليه فوجدناه في المسجد، فقال: ما جاء بكما? فأخبرناه. فقال: قد جرى هذا بيني وبين معبد وقال وقلت، فجاءني معبد يوما وأنا في المسجد وقال: قد جئتك بشيء لا ترده. فقلت: وما هو? قال: لحن ابن سريج:
وليس بتزويق اللسان وصوغه ولكنه قد خالط اللحم والدمـا ثم قال لي معبد: أسمعكه? قلت: نعم، وأريته أني لم أسمعه قبل، فقال: اسمعه مني؛ فغنى فيه ونحن في المسجد، فما سمعت شيئا قط أحسن منه، فافترقنا وقد اجتمعنا عليه.
وقرأت في فصل لإبراهيم بن المهدي إلى إسحاق الموصلي. وكتبت رقعتي هذه وأنا في غمرة من الحمى تصدف عن المفترضات. ولولا خوفي من تشنيعك وتجنيك لم يكن في للإجابة فضل، غير أني قد تكلفت الجواب على ما الله به عالم من صعوبة علتي وما أقاسيه من الحرارة الحادثة بي.
وليس بتزويق اللسان وصوغه ولكنه قد خالط اللحم والدمـا تفضيل غناء ابن سريج
على غناء معبد ومالك بن أبي السمح
وقال إسحاق حدثني شيخ من موالي المنصور قال: قدم علينا فتيان من بني أمية يريدون مكة، فسمعوا معبدا ومالكا فأعجبوا بهما، ثم قدموا مكة فسألوا عن ابن سريج فوجدوه مريضا، فأتوا صديقا له فسألوه أن يسمعهم غناءه، فخرج معهم حتى دخلوا عليه. فقالوا: نحن فتيان من قريش، أتيناك مسلمين عليك، وأحببنا أن نسمع منك. فقال: أنا مريض كما ترون. فقالوا: إن الذي نكتفي منك به يسير - وكان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس - فقال: يا جارية، هاتي جلبابي وعودي، فأتته خادمة بخامة فسدلها على وجهه - وكان يفعل ذلك إذا تغنى لقبح وجهه - ثم أخذ العود فغناهم، فأرخى ثوبه على عينيه وهو يغني، حتى إذا اكتوا ألقى عوده وقال: معذرة. فقالوا: نعم، قد قبل الله عذرك فأحسن الله إليك، ومسح ما بك، وانصرفوا يتعجبون مما سمعوا. فمروا بالمدينة منصرفين، فسمعوا من معبد ومالك، فجعلوا لا يطربون لهما ولا يعجبون بهما كما كانوا يطربون. فقال أهل المدينة: نحلف بالله لقد سمعتم بعدنا ابن سريج قالوا: أجل لقد سمعناه فسمعنا ما لم نسمع مثله قط، ولقد نغص علينا ما بعده.
تغني رقطاء الحبطية برمله
في شعر ابن عمارة السلمي
وذكر العتابي أن زكريا بن يحيى حدثه قال حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان العثماني عن بعض أهل الحجاز قال: التقى قنديل الجصاص وأبو الجديد بشعب الصفراء، فقال قنديل لأبي الجديد: من أين وإلى أين? قال: مررت برقطاء الحبطية رائحة تترنم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السلمي: صوت
سقى مأزمي نجد إلى بـئر خـالـد فوادي نصاع فالقرون إلى عـمـد
وجادت بروق الرائحـات بـمـزنة تسح شآبيبا بمـرتـجـز الـرعـد
منازل هند إذ تواصـلـنـي بـهـا ليالي تسبيني بمسـتـطـرف الـود
ينير ظلام الليل من حسن وجهـهـا وتهدي بطيب الريح من جاء من نجد
صفحة : 77
- الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي - فزففت خلفها زفيف النعامة، فما انجلت غشاوتي إلا وأنا بالمشاش حسير، فأودعتها قلبي وخلفته لديها، وأقبلت أهوي كالرخمة بغير قلب. فقال لي قنديل: ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك، سمعت شعر ابن عمارة في غناء ابن سريج من رقطاء الحبطية؛ لقد أوتيت جزءا من النبوة. قال: وكانت رقطاء هذه من أضرب الناس؛ فدخل رجل من أهل المدينة منزلها فغنته صوتا. فقال له بعض من حضر: هل رأيت قط أو ترى أفصح من وتر هذه? فطرب المدني وقال: علي العهد إن لم يكن وترها من معي بشكست النحوي، فكيف لا يكون فصيحا وبشكست هذا كان نحويا بالمدينة، وقتل مع الشراة الخارجين مع أبي حمزة صاحب عبد الله بن يحيى الكندي الشاري المعروف بطالب الحق.
غناؤه مخلوق من قلوب الناس جميعا
قال محمد بن الحسن وحدث عن إسحاق عن أبيه أنه كان يقول: غناء كل مغن مخلوق من قلب رجل واحد، وغناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا. وكان يقول: الغناء على ثلاثة أضرب، فضرب مله مطرب يحرك ويستخف، وضرب ثان له شجا ورقة، وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة.
قال: وكل هذا مجموع في غناء ابن سريج.
تغني ابن سلمة الزهري بغنائه
والتقاء ابن سلمة الزهري والأخضر الجدي ببئر الفصح
قال العتابي وحدثني زكريا بن يحيى عن عبد الله بن محمد العثماني قال: ذكر بعض أصحابنا الحجازيين قال: التقى ابن سلمة الزهري والأخضر الجدي ببئر الفصح، فقال ابن سلمة: هل لك في الاجتماع نستمتع بك? فقال له الأخضر: لقد كنت إلى ذلك مشتاقا، قال: فقعدا يتحدثان، فمر بهما أبو السائب، فقال: يا مطربي الحجاز، ألشيء كان اجتماعكما? فقالا: لغير موعد كان ذلك، أفتؤنسنا? قال: فقعدوا يتحدثون. فلما مضى بعض الليل قال الأخضر لابن سلمة: يا أبا الأزهر، قد ابهار الليل وساعدك القمر، فأوقع بقهقهة ابن سريج وأصب معناك. فاندفع يغني: صوت
تجنت بلا جرم وصدت تغضبـا وقالت لتربيها مقالة عـاتـب
سيعلم هذا أنني بـنـت حـرة سأمنع نفسي من ظنون كواذب
فقولي له عنا تـنـح فـإنـنـا أبيات فحش طاهرات المناسب - الغناء لابن سريج ولم يذكر طريقته - قال: فجعل أبو السائب يزفن ويقول: أبشر حبيبي؛ فلأنت أفضل من شهداء قزوين. قال: ثم قال ابن سلمة للأخضر: نعم المساعد على هم الليل أنت فأوقع بنوح ابن سريج ولا تعد معناك. فاندفع يغني: صوت
فلما التقينا بالحجون تنـفـسـت تنفس محزون الفـؤاد سـقـيم
وقالت وما يرقا من الخوف دمعها أقاطنها أم أنـت غـير مـقـيم
فإنا غدا تحدى بنا العيس بالضحى وأنت بما نلقـاه غـير عـلـيم
فقطع قلبي قولها ثم أسـبـلـت محاجز عيني دمعها بـسـجـوم قال: فجعل أبو السائب يتأفف ويقول: أعتق ما أملك إن لم تكن فردوسية الطينة، وإنها بعلمها لأفضل من آسية امرأة فرعون.
تغني الذلفاء بلحن ابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: بلغني أن أبا دهبل الجمحي قال: كنت أنا وأبو السائب المخزومي عند مغنية بالمدينة يقال لها الذلفاء ، فغنتنا بشعر جميل بن معمر العذري، واللحن لابن سريج: صوت
لهن الوجى لم أكن عونا على النوى ولا زال منها ظالـع وكـسـير
كأني سقيت السم يوم تحـمـلـوا وجد بهم حـاد وحـان مـسـير فقال أبو السائب: يا أبا دهبل، نحن والله على خطر من هذا الغناء، فنسأل الله السلامة وأن يكفينا كل محذور، فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني. قال: وجعل يبكي.
تأثير غناء ابن سريج في الحاج
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا الزبير بن بكار عن بكار بن رباح عن إسحاق بن مقمة عن أمه قالت: سمعت ابن سريج على أخشب منى غداة النفر وهو يغني:
جدوي الوصل يا قريب وجودي لمحب فـراقـه قـد ألـمـا
ليس بين الحياة والـمـوت إلا أن يردوا جمالهم فـتـرمـا
صفحة : 78
- ونسبة هذا الصوت تأتي بعد هذه الأخبار - قالت: فما تشاء أن تسمع من خباء ولا مضرب حنينا ولا أنينا إلا سمعته.
مذاكرة ابن المهدي وإسحاق في تفضيله
وذكر يوسف بن إبراهيم أنه حضر إسحاق بن إبراهيم الموصلي ليلة وهو يذاكر إبراهيم بن المهدي، إلى أن قال إسحاق في بعض مخاطبته إياه: هذا صوت قد تمعبد فيه ابن سريج. فقال له إبراهيم: ما ظننت أنك يا أبا محمد مع علمك وتقدمك تقول مثل هذا في ابن سريج، فكيف يجوز أن تقول: تمعبد ابن سريج، وإنما معبد إذا أحسن قال: أصبحت سريجيا قد أغنى الله ابن سريج عن هذا ورفع قدره عن مثله، وأعيذك بالله أن تستشعر مثله في ابن سريج. قال: فما رأيت إسحاق دفع ذلك ولا أباه، ولا زاد على أن قال: هي كلمة يقولها الناس، لم أقلها اعتقادا لها فيه، وإنما تكلمت بها على العادة.
اعتراف معبد له بالتفوق أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن سلام قال: قال لي شعيب بن صخر: كان معبد إذا غنى فأجاد قال: أنا اليوم سريجي.
كان المغنون يغنون فإذا جاء سكتوا حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن سلام قال حدثنا شعيب بن صخر قال: كان نعمان المغني عندي نازلا، وكان يغني، وكنت أراه يأتيه قوم. قال أبو عبد الله: فقلت له: فأيهم كان أحذق? قال: لا أدري، إلا أنهم كانوا إذا جاء ابن سريج سكتوا.
الأحوص وابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني الهيثم بن عياش قال حدثني عبد الرحمن بن عيينة قال: بينما نحن بمنى ونحن نريد الغدو إلى عرفات، إذ أتانا الأحوص فقال: أبيت بكم الليلة? قلنا: بالرحب والسعة. فلما جنه الليل لم يلبث أن غاب عنا ثم عاد ورأسه يقطر ماء. قلت: ما لك? قال: صوت
تعرض سلماك لمـا حـرم ت ضل ضلالك من محرم
تريد بـه الـبـر يا لـيتـه كفافا من البر والـمـأثـم - الغناء لابن سريج ولم يجنسه - قال قلت: زنيت ورب الكعبة قال: قل ما بدا لك. ثم لقي ابن سريج فقال: إني قد قلت بيتين حسنين أحب أن تغنيني بهما. قال: ما هما? فأنشده إياهما؛ فغنى بهما من ساعته، ففتن من حضر ممن سمع صوته.
ارتحال جرير إلى مكة ليسمع غناءه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: قدم جرير بن الخطفي المدينة ونحن يومئذ شباب نطلب الشعر، فاحتشدنا له ومعنا أشعب. فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة وأقمنا لم نبرح. وجاء الأحوص بن محمد الشاعر من قباء على حمار فقال: أين هذا? فقلنا: قام لحاجة، فما حاجتك إليه? قال: أريد والله أن أعلمه أن الفرزدق أشعر منه وأشرف. قلنا: ويحك لا تعرض له وانصرف، فانصرف وخرج. فجاء جرير فلم يكن بأسرع من أن أقبل الأحوص الشاعر فأقبل عليه، فقال: السلام عليك يا جرير. قال جرير: وعليك السلام. فقال الأحوص: يابن الخطفى، الفرزدق أشرف منك وأشعر. قال جرير: من هذا أخزاه الله قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فقال: نعم هذا الخبيث ابن الطيب، أأنت القائل:
يقر بعيني ما يقر بـعـينـهـا وأحسن شيء ما به العين قرت قال نعم. قال: فإنه يقر بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقر ذلك بعينك? قال: وكان الأحوص يرمى بالحلاق فانصرف، فبعث إليهم بتمر وفاكهة. وأقبلنا على جرير نسائله، وأشعب عند الباب وجرير في مؤخر البيت، فألح عليه أشعب يسأل. فقال: والله إني لأراك أقبحهم وجها وأراك ألأمهم حسبا؛ فقد أبرمتني منذ اليوم. قال: إني والله أنفعهم وخيرهم لك. فانتبه جرير وقال: ويحك كيف ذاك? قال: إني أملح شعرك وأجيد مقاطعه ومبادئه. فقال: قل، ويحك فاندفع أشعب فنادى بلحن ابن سريج:
يا أخت ناجية السلام عليكـم قبل الرحيل وقبل عدل العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
صفحة : 79
فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى ألصق بركبته ركبته، وقال: لعمري لقد صدقت، إنك لأنفعهم لي وقد حسنته وأجدته وزينته، أحسنت والله، ثم وصله وكساه. فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت، قال له بعض أهل المجلس: فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء? قال: أو إن له لواضعا غير هذا? فقلنا نعم. قال: فأين هو? قلنا: بمكة قال: فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه. فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته وكنت فيهم، فأتيناه جميعا، فإذا هو في فتية من قريش كأنهم المها مع ظرف كثير، فأدنوا ورحبوا وسألوا عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحبوا بجرير وأدنوه وسروا بمكانه، وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال: سل ما تريد جعلت فداءك قال: أريد أن تغنيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك. قال: وما هو? قال:
يا أخت ناجية السلام عليكـم قبل الرحيل وقبل عذل العذل فغناه ابن سريج وبيده قضيب يوقع به وينكت، فوالله ما سمعت شيئا قط أحسن من ذلك. فقال جرير: لله دركم يا أهل مكة، ما أعطيتم والله لو أن نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظا ونصيبا، فكيف ومع هذا بيت الله الحرام، ووجوهكم الحسان، ورقة ألسنتكم، وحسن شارتكم، وكثرة فوائدكم أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده إبراهيم قال: الوليد بن عبد الملك وابن سريج
كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج، فأشخصه. فلما قدم مكث أياما لا يدعو به ولا يلتفت إليه. قال: ثم إنه ذكره، فقال: ويلكم أين ابن سريج? قالوا: هو حاضر. قال: علي به. فقالوا: أجب أمير المؤمنين. فتهيأ ولبس وأقبل حتى دخل عليه فسلم. فأشار إليه أن اجلس، فجلس بعيدا . فاستدناه فدنا حتى كان منه قريبا، وقال: ويحك يا عبيد لقد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة اختيارك مع ظرف لسانك وحلاوة مجلسك. فقال: جعلت فداءك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي خير من أن تراه . قال الوليد: إني لأرجو ألا تكون أنت ذاك، ثم قال: هات ما عندك. فاندفع ابن سريج فغنى بشعر الأحوص:
أمنزلتي سلمى على القدم اسلـمـا فقد هجتما للشوق قلبـا مـتـيمـا
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى وجدة وصل حبله قـد تـجـذمـا
وإني إذا حلـت بـبـيش مـقـيمة وحل بوج جالسـا أو تـتـهـمـا
يمانية شطت فأصبـح نـفـعـهـا رجاء وظنا بالمغـيب مـرجـمـا
أحب دنو الدار منـهـا وقـد أبـى بها صدع شعب الدار إلا تثـلـمـا
بكاها وما يدري سوى الظن من بكى أحيا يبكى أم ترابـا وأعـظـمـا
فدعها وأخلف للـخـلـيفة مـدحة تزل عنك بؤس أو تفيدك أنعـمـا
فإن بكـفـيه مـفـاتـيح رحـمة وغيث حيا يحيا به الناس مرهـمـا
إمام أتاه الملك عـفـوا ولـم يثـب على ملكه مالا حـرامـا ولا دمـا
تخيره رب العـبـاد لـخـلـقـه وليا وكان الله بالنـاس أعـلـمـا
فلما قضاه الله لم يدع مـسـلـمـا لبـيعـتـه إلا أجـاب وسـلـمـا
ينال الغنى والعـز مـن نـال وده ويرهب موتا عاجلا من تـشـأمـا فقال الوليد: أحسنت والله وأحسن الأحوص علي بالأحوص. ثم قال: يا عبيد هيه فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد: صوت
طار الكرى وألم الهم فاكتـنـعـا وحيل بيني وبين النوم فامتنـعـا
كان الشباب قناعا أسـتـكـن بـه وأستظل زمانا ثمت انقـشـعـا
فاستبدل الرأس شيبا بعـد داجـية فينانة ما ترى في صدغها نزعـا
فإن تكن ميعة من باطل ذهـبـت وأعقب الله بعد الصبوة الورعـا
فقد أبيت أراعي الـخـود راقـدة على الوسائد مسرورا بها ولـعـا
براقة الثغر تشفي القلب لذتـهـا إذا مقبلها في ريقـهـا كـرعـا
كالأقحوان بضاحي الروض صبحه غيث أرش بتنضاح وما نـقـعـا
صفحة : 80
صلى الذي الصلوات الطيبات له والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا
على الذي سبق الأقوام ضاحـية بالأجر والحمد حتى صاحباه معا
هو الذي جمع الرحمن أمـتـه على يديه وكانوا قبلـه شـيعـا
عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده وان نكون لراع بعده تـبـعـا
إن الوليد أمير المؤمـنـين لـه ملك عليه أعان الله فارتفـعـا
لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم له عباد ولا يعطون ما منـعـا فقال له الوليد: صدقت يا عبيد أنى لك هذا? قال: هو من عند الله. قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك. قال ابن سريج: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال الوليد: يزيد في الخلق ما يشاء. قال ابن سريج: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر. قال الوليد: لعلمك والله أكبر وأعجب إلي من غنائك غنني. فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد:
عرف الديار توهما فاعتـادهـا من بعد ما شمل البلى أبلادهـا
ولرب واضحة العوارض طفلة كالريم قد ضربت بها أوتادهـا
إني إذا ما لم تصلني خـلـتـي وتباعدت مني اغتفرت بعادهـا
صلى الإله على امرىء ودعته وأتم نعمتـه عـلـيه وزادهـا
وإذا الربيع تتابـعـت أنـواؤه فسقى خناصرة الأحص فجادها
نزل الوليد بها فكان لأهـلـهـا غيثا أغاث أنيسهـا وبـلادهـا
أولا ترى أن البـرية كـلـهـا ألقت خزائمها إليه فـقـادهـا
ولقد أراد الـلـه إذ ولاكـهـا من أمة إصلاحها ورشـادهـا
أعمرت أرض المسلمين فأقبلت وكففت عنها من يروم فسادها
وأصبت في أرض العدو مصيبة عمت أقاصي غورها ونجادها
ظفرا ونصرا ما تناول مثـلـه أحد من الخلفاء كـان أرادهـا
فإذا نشرت له الثنـاء وجـدتـه جمع المكارم طرفها وتلادهـا
صفحة : 81
فأشار الوليد إلى بعض الخدم، فغطوه بالخلع ووضعوا بين يديه كيسا من الدنانير وبدرا من الدراهم، ثم قال الوليد بن عبد الملك: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمرا جليلا. فقال ابن سريج: يا أمير المؤمنين لقد آتاك الله ملكا عظيما وشرفا عاليا، وعزا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك ولا يفعل إن شاء الله. فأدام الله لك ما ولاك، وحفظك فيما استرعاك، فإنك أهل لما أعطاك، ولا نزعه منك إذ رآك له موضعا. قال: يا نوفلي، وخطيب أيضا قال ابن سريج: عنك نطقت، وبلسانك تكلمت، وبعزك بينت. وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرقاع العاملي. فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج، فأنزلا منزلا إلى جنب ابن سريج. فقالا: والله لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من قربك يا مولى بني نوفل، وإن في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد. فقال لهما ابن سريج: أو قلة شكر فقال له عدي: كأنك يابن اللخناء تمن علينا علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين. وأما الأحوص فقال: أو لا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة وكفارة يمين خير من عدم المحبة، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة فتحول عدي، وبقي عنده الأحوص. وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا ابن سريج وأدخله بيتا وأرخى دونه سترا، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلمتيهما أن يغنى. فلما دخلا وأنشداه مدائح فيه، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه وضرب بعوده. فقال عدي: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أتكلم? فقال: قل يا عاملي. قال: أمثل هذا عند أمير المؤمنين، ويبعث إلى ابن سريج يتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشأم، ترفعه أرض وتخفضه أخرى فيقال: من هذا. فيقال: عبيد بن سريج مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه، ليسمع غناءه فقال: ويحك يا عدي أو لا تعرف هذا الصوت? قال: لا، والله ما سمعته قط ولا سمعت مثله حسنا، ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت: طائفة من الجن يتغنون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج. فقال عدي: حق لهذا أن يحمل حق لهذا أن يحمل - ثلاثا - ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، وارتحل القوم. وكان الذي غناه ابن سريج من شعر عمر بن أبي ربيعة:
بالله يا ظبي بني الـحـارث هل من وفى بالعهد كالناكث
لا تخدعني بالمنى بـاطـلا وأنت بي تلعب كالعـابـث
حتى متى أنت لنـا هـكـذا نفسي فداء لك يا حـارثـي
يا منتهى همي ويا منـيتـي ويا هوى نفسي ويا وارثـي عتاب الناس له في صنعة الغناء
ثم رجوعهم بعد أن يسمعوا صوته
قال: وبلغني أن رجلا من الأشراف من قريش من موالي ابن سريج عاتبه يوما على الغناء وأنكره عليه، وقال له: لو أقبلت على غيره من الآداب لكان أزين بمواليك وبك فقال: جعلت فداك امرأته طالق إن أنت لم تدخل الدار. فقال الشيخ: ويحك ما حملك على هذا? قال: جعلت فداك قد فعلت. فالتفت النوفلي إلى بعض من كان معه متعجبا مما فعل. فقال له القوم: قد طلقت امرأته إن أنت لم تدخل الدار. فدخل ودخل القوم معه. فلما توسطوا الدار قال: امرأته طالق إن أنت لم تسمع غنائي. قال: اغرب عني يا لكع ثم بدر الشيخ ليخرج. فقال له أصحابه: أتطلق امرأته وتحمل وزر ذلك? قال: فوزر الغناء أشد. قالوا: كلا ما سوى الله عز وجل بينهما. فأقام الشيخ مكانه. ثم اندفع ابن سريج يغني في شعر عمر بن أبي ربيعة في زينب:
أليست بالتي قالـت لمولاة لها ظهـرا
أشيري بالسلام لـه إذا هو نحونا خطرا
وقولي في ملاطـفة لزينب نولي عمـرا
أهذا سحرك النسـوا ن قد خبرنني الخبرا فقال للجماعة: هذا والله حسن ما بالحجاز مثله ولا في غيره. وانصرفوا.
صفحة : 82
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قال: قال عبد الله بن عمير الليثي لابن سريج: لو تركت الغناء وعاتبه على ذلك. فقال: جعلت فداك لو سمعته ما تركته. ثم قال: امرأته طالق ثلاثا إن لم تدخل الدار حتى تسمع غنائي. فالتفت عبد الله إلى رفيق له كان معه فقال: ما تنتظر? ادخل بنا وإلا طلقت امرأة الرجل. فدخلا مع ابن سريج، فغنى بشعر الأحوص: صوت
لقد شاقك الحي إذ ودعوا فعينك في إثرهم تدمع
وناداك للبين غربـانـه فظلت كأنك لا تسمـع ثم قال: امرأته طالق إن أنت لم تستحسنه لأتركنه. فتبسم عبد الله وخرج.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات منها: الصوت الذي أوله في الخبر:
جددي الوصل يا قريب وجودي أوله: صوت
إن طيف الخيال حـين ألـمـا هاج لي ذكرة وأحدث هـمـا
جددي الوصل يا قريب وجودي لمحب فـراقـه قـد ألـمـا
ليس بين الحياة والـمـوت ألا أن يردوا جمالهـم فـتـزمـا
ولقد قلت مخفـيا لـغـريض هل ترى ذلك الغزال الأحمـا
هل ترى مثله من الناس شخصا أكمل الناس صـورة وأتـمـا عروضه من الخفيف. الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي. وفيه للغريض أيضا ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال: أنشد جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين قول عمر:
ليس بين الحياة والموت إلا أن يردوا جمالهم فتزمـا فطرب وارتاح وجعل يقول: لقد عجلوا البين، أفلا يوكون قربة أفلا يودعون صديقا أفلا يشدون رحلا حتى جرت دموعه.
وحدثنا الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير فذكر مثله.
ومنها: صوت
يا أخت ناجية السلام عليكـم قبل الرحيل وقبل عذل العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل عروضه من الكامل. الشعر لجرير. والغناء لابن سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن المكي أيضا. ومما يشك فيه أنه لمعبد أو لكردم ابنه في البيت الثاني والأول ثاني ثقيل. ولعريب في هذين البيتين لحن من رواية ابن المعتز غير مجنس.
ومنها: صوت
أمنزلتي سلمى على القدم أسلـمـا فقد هجتما للشوق قلبا مـتـيمـا
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى وجدة وصل حبله قد تـجـذمـا عروضه من الطويل. والشعر للأحوص. والغناء لكردم ثاني ثقيل بالوسطى، وقيل: إن هذا الثقيل الثاني لمحمد الرف، وإن فيه لحنا من الثقيل الأول لكردم.
ومنها: صوت
عرف الديار توهما فاعتادهـا من بعد ما شمل البلى أبلادها
إلا رواكد كلهن قد اصطلـى حمراء أكثر أهلها إيقادهـا عروضه من الكامل. الشعر لعدي بن الرقاع العاملي. والغناء لابن محرز ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمالك ثقيل أول بالبنصر عن عمرو. وفيه لحن لإبراهيم، وفي هذه الأخبار أنه لابن سريج، وذكر حماد في كتاب ابن محرز أنه مما ينسب إلى ابن مسجح، أو إلى ابن محرز.
ومنها: صوت
بالله يا ظبي بني الـحـارث هل من وفى بالعهد كالناكث
لا تخدعني بالمنى بـاطـلا وأنت بي تلعب كالعـابـث عروضه من السريع. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أنه لسياط. وذكر الهشامي وبذل أن فيه لإبراهيم الموصلي لحنا آخر. وفيه خفيف رمل بالبنصر ذكر حبش أنه لإبراهيم بن المهدي، وغيره ينسبه إلى إسحاق.
ومنها: صوت
- وهو الذي أوله في الخبر:
أليست بالتي قالـت لمولاة لها ظهـرا
تصابى القلب فادكرا هواه ولم يكن ظهرا
لزينب إذ تجد لـنـا صفاء لم يكن كدرا
صفحة : 83
أليست بالتي قـالـت لمولاة لها ظـهـرا
أشيري بالسـلام لـه إذا هو نحونا نظـرا
وقولي في مـلاطـفة لزينب نولي عـمـرا
فهزت رأسها عجـبـا وقالت من بذا أمـرا
أهذا سحرك النـسـوا ن قد خبرنني الخبـرا
طربت ورد من تهوى جمال الحي فابتكـرا
فقل للـبـربـرية لا تلومي القلب إن جهرا
بطرت وهكذا الإنسـا ن ذو بطر إذا ظفـرا
فأين العهد والـمـيثـا ق لا تخبر بنا بشـرا عروضه من الوافر. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج في الثالث والرابع والخامس والأول خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وللغريض في السابع والثامن والأول لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها عن إسحاق. ولمعبد في هذا الأبيات كلها لحن عن يونس ودنانير ولم يجنساه، وذكر الهشامي أنه خفيف ثقيل. وفي السابع والثامن والتاسع رمل لدحمان، ويقال إنه للزبير ابنه ولمالك لحن أوله: صوت
لقد أرسلت جـاريتـي وقلت لها خذي حذرك
وقولي في مـلاطـفة لزينب نولي عمـرك
فهزت رأسها عجـبـا وقالت من بذا أمـرك
أهذا سحرك النـسـوا ن قد خبرنني خبـرك ولحن مالك هذا خفيف ثقيل بالوسطى من رواية ابن المكي. وهذا يروي الشعر ويجعل قوافيه كلها على الكاف. وفي هذا الأبيات بعينها على هذا القافية خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى الغريض. وذكر حبش أن فيه لمعبد لحنا من الرمل أوله الثالث من الأبيات الأول المذكورة.
رجع الخبر إلى أحاديث ابن سريج
ابن سريج أحسن الناس غناء
أخبرنا يحيى بن علي ووكيع وجحظة قالوا: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قال لي الفضل بن يحيى: سألت أباك ليلة وقد أخذ منه الشراب عن أحسن الناس غناء، فقال لي؛ من النساء أم من الرجال? قلت: من الرجال. قال: ابن محرز. فقلت: فمن النساء? قال: ابن سريج، قال إسحاق لي: ويقال أحسن الرجال غناء من تشبه بالنساء، وأحسن النساء غناء من تشبه بالرجال. قال يحيى بن علي خاصة: ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كل واحد، فهو يغني له بما يشتهي.
ابن سريج ببعض أندية مكة
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد: قرأت على أبي عن الهيثم بن عدي قال: قال ابن سريج: مررت ببعض أندية مكة وفيه جماعة، فحضرت فقلت: كيف أجوزهم مع تعبي وما أنا فيه فسمعتهم يقولون: قد جاء ابن سريج، فقال بعضهم ممن لم يعرفني: ومن ابن سريج? فقال: الذي يغني:
ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا قال ابن سريج: فلما سمعت ذلك قويت نفسي واشتدت منتي، ومررت بهم أخطر في مصبغاتي. فلما حاذيتهم قاموا بأجمعهم فسلموا علي، ثم قالوا لأحداثهم: امشوا مع أبي يحيى.
ابن سريج مع فتية من بني مروان
وقد حدثني عمي بهذا الخبر فقال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلام عن جرير قال: قال لي ابن سريج: دعاني فتية من بني مروان، فدخلت إليهم وأنا في ثياب الحجاز الغلاظ الجافية، وهم في القوهي والوشي يرفلون كأنهم الدنانير الهرقلية، فغنيتهم وأنا محتقر لنفسي عندهم لحنا لي، وهو: صوت
أبا لفرع لم تظعن مع الحي زينب بنفسي عن النأي الحبيب المغيب
بوجهك عن مس التراب مضـنة فلا تبعدي إذ كل حي سيعطـب - ولحن ابن سريج هذا رمل بالخنصر في مجرى البنصر - قال: فتضاءلوا في عيني حتى ساويتهم في نفسي لما رأيتهم عليه من الإعظام لي. ثم غنيتهم:
ودع لبابة قبل أن تترحـلا واسأل فإن قلاله أن تسألا فطربوا وعظموني وتواضعوا لي، حتى صرت في نفسي بمنزلتهم لما رأيتهم عليه، وصاروا في عيني بمنزلتي. ثم غنيتهم:
ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا فطربوا ومثلوا بين يدي ورموا بحللهم كلها حتى غطوني بها، فمثلت لي نفسي أنها نفس الخليفة وأنهم لي خول، فما رفعت طرفي إليهم بعد ذلك تيها. وقد مضت نسبة ودع لبابة في أخبار عمر بن أبي ربيعة وغيره. وأما:
صفحة : 84
ألا هل هاجك الأظعا ن...... فنذكر نسبته: نسبة هذا الصوت صوت
ألا هل هاجك الأظعـا ن إذ جاوزن مطلـحـا
نعم ولو شك بـينـهـم جرى لك طائر سنحـا
أجزن الماء من ركـك وضوء الفجر قد وضحا
فقلن مقـيلـنـا قـرن نباكر ماءه صـبـحـا
تبعتهم بطرف الـعـي ن حتى قيل لي افتضحا
يودع بعضنا بـعـضـا وكل بالهوى جـرحـا
فمن يفـرح بـينـهـم فغيري إذ غدوا فرحـا عروضه من الوافر. الشعر لأبي دهبل الجمحي. والغناء لمالك وله فيه لحنان: ثقيل أول بالبنصر عن إسحاق، وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. ولمعبد فيه ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى . ولابن سريج في الخامس وما بعده ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
مدح جرير الشاعر لغناء ابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قدم جرير المدينة أو مكة فجلس مع قوم، فجعلوا يعرضون عليه غناء رجل رجل من المغنين، حتى غنوه لابن سريج، فطرب وقال: هذا أحسن ما أسمعتموني من الغناء كله.
قالوا: وكيف قلت ذاك يا أبا حزرة? قال: مخرج كل ما أسمعتموني من الغناء من الرأس، ومخرج هذا من الصدر.
غناء رقطاء الحبطية وصفراء العلقمية
وتحكيم الأفلح المخزومي في ذلك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن محمد الشافعي قال: جاء سندة الخياط المغني إلى الأفلح المخزومي - وكان يوصف بعقل وفضل - فقال له: من أين أقبلت? وإلى أين تمضي? فقال: إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيين أقبلت محاكما إليك. قال: فيماذا? قال: كنت عند هذا الرجل وحضرت مجلسه رقطاء الحبطيين، وصفراء العلقميين، فتناولتا بينهما رمل ابن سريج:
ليت شعري كيف أبقى ساعة مع ما ألقى إذا الليل حضر
من يذق نوما ويهدأ لـيلـه فلقد بدلت بالنوم السـهـر
قلت مهلا إنـهـا جـنـية إن نخالطها تفز منها بشـر فغنتاه جميعا، واختلفتا في تفضيلهما، ففضل كل فريق منا إحداهما، فرضينا جميعا بحكمك، فاحكم بيننا وبينهما. قال: فوجم ساعة - وأهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأملوا ساعة ثم حكموا، فإذا حكم المحكم مضى حكمه كائنا ما كان، ففضل من فضله وأسقط من أسقطه، إذا تراضى الخصمان به - فكره الأفلح أن يرضي قوما ويسخط آخرين، فقال لسندة: صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنتاه واشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت، وأنا أحكم بعد ذلك. فقال: سندة أما جارية الحبطيين، فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغن، والله ما ابتدأته فتوسطته وأنا أعقل، ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظن أني رأيته في نومي. وأما صفراء العلقميين، فإنها أحسنهما حلقا، وأصحهما صوتا، وألينهما تثنيا، والله ما سمعها أحد قط فانتفع بنفسه ولا دينه. هذا ما عندي، فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم. فقال: قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس، فبأيهما نظرت أبصرت، ولو كان في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا. قال: فانصرفوا جميعا راضين بحكمه.
ثناء جرير المديني على ابن سريج
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال: سألت جرير المديني عن ابن سريج، فقال: أتذكره ويحك باسمه، ولا تقول: سيد من غنى وواحد من ترنم ثناء الشعبي عليه
قال حماد وحدثني أبي عن هارون بن مسلم عن محمد بن زهير السعدي الكوفي عن أبي بكر بن عياش عن الحسن بن عمرو الفقيمي قال: دخلت على الشعبي، فبينا أنا عنده في غرفته، إذ سمعت صوت غناء، فقلت: أهذا في جوارك? فأشرف بي على منزله، فإذا بغلام كأنه فلقة قمر وهو يتغنى - قال إسحاق: وهذا الغناء لابن سريج -:
وقمير بدا ابن خمس وعشري ن له قالت الفتاتان قـومـا قال: فقال لي الشعبي: أتعرف هذا? قلت لا. فقال: هذا الذي أوتي الحكم صبيا، هذا ابن سريج.
ثناؤه على نفسه في تغنيه بشعر لعمر
صفحة : 85
وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبو أيوب المديني قال: حدثني الهشامي الربعي عن إسحاق الموصلي قال: تغنى ابن سريج في شعر لعمر بن أبي ربيعة وهو: صوت
خانك من تهوى فلا تخنه وكن وفيا إن سلوت عنه
واسلك سبيل وصله وصنه إن كان غدارا فلا تكنـه
عسى تباريح تجيء منـه فيرجع الوصل ولم تشنه قال المكيون: قال ابن سريج: ما تغنين بهذا الشعر قط إلا ظننت أني أحل محل الخليفة.
قال مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج الأصفهاني: وجدت في هذا الشعر لحنين - أحدهما ثقيل أول والآخر رمل - مجهولين جميعا، فلا أدري أيهما لحنه.
وصفه للمصيب المحسن من المغنين
ونسخت من كتاب العتابي: أخبرني عون بن محمد قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع عن جده الفضل عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن مالك بن أبي السمح قال: سألت ابن سريج عن قول الناس: فلان يصيب وفلان يخطىء، وفلان يحسن وفلان يسيء؛ فقال: المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الإعرب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات. فعرضت ما قال على معبد، فقال: لو جاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا.
يزيد بن عبد الملك ومولى حبابة المغنية
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني الزبير بن بكار عن ظبية: أن يزيد بن عبد الملك قال لحبابة يوما: أتعرفين أحدا هو أرب مني? قالت: نعم، مولاي الذي باعني. فأمر بإشخاصه فأشخص إليه مقيدا، وأعلم بحاله فأذن في إدخاله، فمثل بين يديه وحبابة ولاسمة تغنيان؛ فغنته سلامة لحن الغريض في:
تشط غدا دار جيراننا فطرب وتحرك في أقياده. ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل في قيده ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني فيه، حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت، وجعل يصيح: الحريق الحريق يا أولاد الزنا. فضحك يزيد وقال: هذا والله أطرب الناس حقا، ووصله وسرحه إلى بلده.
سماع عطاء وابن جريج لغناء ابن سريج
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا فضل اليزيدي عن إسحاق: أن ابن سريج كان جالسا فمر به عطاء وابن جريج، فحلف عليهما بالطلاق أن يغنيهما، على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه. فوقفا له وغناهما:
إخوتي لا تبعدوا أبدا وابلى والله قد بعدوا فغني على ابن جريج، وقام عطاء فرقص. ونسبة هذا الصوت وخبره يذكر في موضع آخر.
غناؤه ووقفة الحاج لاستماعه
عند بستان ابن عامر
أخبرني الحسن قال حدثنا الفضل عن إسحاق: أن ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغني:
لمن نار بأعلى الخـي ف دون البئر ما تخبو
أرقت لذكر موقعهـا فحن لذكرها القلـب
إذا ما أخمدت ألقـي عليها المندل الرطب فجعل الحاج يركب بعضهم بعضا، حتى جاء إنسان من آخر القطرات فقال: يا هذا قد قطعت على الحاج وحبستهم، والوقت قد ضاق، فاتق الله وقم عنهم فقام وسار الناس.
استحقاق ابن سريج لجائزة سليمان
أخبرني الحسن قال حدثني محمد بن زكريا قال حدثني يزيد بن محمد عن إسحاق الموصلي: أن سليمان بن عبد الملك لما حج سبق بين المغنين بدرة. فجاء ابن سريج وقد أغلق الباب، فلم يأذن له الحاجب، فأمسك حتى سكتوا وغنى:
سرى همي وهم المرء يسري فأمر سليمان بدفع البدرة إليه.
نسبة هذا الصوت صوت
سرى همي وهم المرء يسري وغاب النجم إلا قيس فـتـر
أراقب في المجرة كل نجـم تعرض للمجرة كيف يجري
لهـم لا أزال لـه مـديمـا كأن القلب أسعر حر جمـر
على بكر أخي ولى حـمـيدا وأي العيش يصفو بعد بكـر الشعر لعروة بن أذينة، والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، وفيه لأبي عباد رمل بالوسطى، وذكر الهشامي أن هذا اللحن لصاحب الحرون.
وفاة ابن سريج في خلافة سليمان
صفحة : 86
ابن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال ابن مقمة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى? فقال: أصبحت والله كما قال الشاعر:
كأني من تذكر ما ألاقي إذا ما أظلم الليل البهـيم
سقيم مل منه أقـربـوه وأسلمه المداوي والحميم ثم مات.
قال إسحاق: قال ابن مقمة: لما احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى، وقال: إن من أكبر همي أنت، وأخشى أن تضيعي بعدي. فقالت: لا تخف؛ فما غنيت شيئا إلا وأنا أغنيه. فقال: هاتي. فاندفعت تغني أصواتا وهو مصغ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، وهونت علي أمرك. ثم دعا سعيد بن مسعود الهذلي فزوجه إياها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله؛ فهو الآن ينسب إليه. قال إسحاق: فقال كثير بن كثير السهمي يرثيه:
ما اللهو بعد عبيد حين يخـبـره من كان يلهو به منه بمطلـب
لله قبر عبيد ما تضـمـن مـن لذاذة العيش والإحسان والطرب
لولا الغريض ففيه من شمائلـه مشابه لم أكن فيها بـذي أرب قال إسحاق: وحدثني هشام بن المرية أن قادما قدم المدينة فسار معبدا بشيء، فقال معبد: أصبحت أحسن الناس غناء. فقلنا: أو لم تكن كذلك? فقال: ألا تدرون ما أخبرني به هذا? قالوا لا. قال: أعلمني أن عبيد بن سريج مات، ولم أكن أحسن الناس غناء وهو حي. وفي ابن سريج يقول عمر بن أبي ربيعة: صوت
قالت وعيناها تجودانـهـا صوحبت والله لك الراعي
يابن سريج لا تذع سرنـا قد كنت عندي غير مذياع غنى فيه ابن سريج من رواية يونس.
قال أبو أيوب المديني: توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة، في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد، بمكة ودفن في موضع بها يقال له دسم.
وقفة على قبر ابن سريج بدسم أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني هارون بن أبي بكر قال حدثني إسحاق بن يعقوب العثماني مولى آل عثمان عن أبيه قال: إنا لبفناء دار عمرو بن عثمان بالأبطح في صبح خامسة من الثمان - يعني أيام الحج - قال: كنت جالسا أيام الحج، فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا، فوقفا علي وسألاني، فانتسبت لهما عثمانيا. فنزلا وقالا: رجلان من أهلك لهما حاجة ونحب أن تقضيها قبل أن نشده بأمر الحج. فقلت ما حاجتكما? قالا: نريد إنسانا يقفنا على قبر عبيد بن سريج. قال: فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلة بني أبي قارة من خزاعة بمكة، وهم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتى يقفهما على قبره بدسم، فوجدت ابن أبي دباكل فأنهضته معهما. فأخبرني بعد: أنه لما وقفهما على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه، فإذا هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فعقر ناقته واندفع يندب بصوت شجي كليل حسن ويقول:
وقفنا على قبر بدسم فهاجـنـا وذكرنا بالعيش إذ هو مصحب
فجالت بأرجاء الجفون سوافـح من الدمع تستتلي الذي يتعقب
إذا أبطأت عن ساحة الخد ساقها دم بعد دمع إثره يتـصـبـب
فإن تسعدا نندب عبيدا بـعـولة وقل له منا البكا والتـحـوب ثم نزل صاحبه فعقر ناقته، وقال له القرشي: خذ في صوت أبي يحيى؛ فاندفع يتغنى:
أسعدانـي بـعـبـرة أسـراب من دموع كثيرة الـتـسـكـاب
إن أهل الحصاب قد تركـونـي مولها مولعا بأهل الحـصـاب
أهل بيت تتابعـوا لـلـمـنـايا ما على الموت بعدهم من عتاب
فارقوني وقد علـمـت يقـينـا ما لمـن ذاق مـيتة مـن إياب
كم بذاك الحجون من أهل صدق كهـول أعـفة وشـبـــاب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مـو سى إلى النخل من صفي السباب
فلي الويل بعدهـم وعـلـيهـم صرت فردا وملني أصحـابـي
صفحة : 87
قال ابن أبي دباكل: فوالله ما تمم صاحبه منها ثلاثا حتى غشي على صاحبه، وأقبل يصلح السرج على بغلته وهو غير معرج عليه. فسألته من هو? فقال: رجل من جذام. قلت: بمن تعرف? قال: بعبد الله بن المنتشر. قال: ولم يزل القرشي على حاله ساعة ثم أفاق، ثم جعل الجذامي ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له: أنت أبدا مصبوب على نفسك ومن كلفك ما ترى ثم قرب إليه الفرس، فلما علاه استخرج الجذامي من خرج على بغل قدحا وإداوة ماء، فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج وصب عليه ماء من الإداوة، ثم قال: هاك فاشرب هذه السلوة فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، وركب على البغل وأردفني. فخرجا والله ما يعرضان بذكر شيء مما كنا فيه، ولا أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل ذلك. فلما اشتمل علينا أبطح مكة قالا: انزل يا خزاعي فنزلت. وأومأ الفتى إلى الجذامي بكلام، فمد يده إلي وفيها شيء فأخذته، فإذا هو عشرون ينارا، ومضيا. فانصرفت إلى قبره ببعيرين، فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتهما بثلاثين دينارا.
صوت من المائة المختارة
ثالث الثلاثة الأصوات المختارة
وهو الثالث من الثلاثة المختارة.
أهاج هواك المنزل المتقادم نعم وبه ممن شجاك معالـم
مضارب أوتاد وأشعث دائر مقيم وسفع في المحل جواثم عروضه من الطويل. الشعر لنصيب. والغناء في اللحن المختار لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وله فيه أيضا هزج بالسبابة في مجرى البنصر، وذكر جحظة عن أصحابه أنه هو المختار. وحكى إن أصحابه أنه ليس في الغناء كله نغمة إلا وهي في الثلاثة الأصوات المختارة التي ذكرها.
ومن قصيدة نصيب هذا مما يغنى فيه قوله:
لقد راعني للبين نوح حمـامة على غصن بان جاوبتها حمائم
هواتف أما من بكين فعـهـده قديم وأما شجـوهـن فـدائم الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن يونس ويحيى المكي وإسحاق، وأظنه مع البيتين الأولين وأن الجميع لحن واحد، ولكنه تفرق لصعوبة اللحن وكثرة ما فيه من العمل. فجعلا صوتين.
ذكر نصيب وأخباره
نسب نصيب ونشأته
هو نصيب بن رباح، مولى عبد العزيز بن مروان، وكان لبعض العرب من بني كنانة السكان بودان، فاشتراه بعد العزيز منهم، وقيل: بل كانوا أعتقوه، فاشترى عبد العزيز ولاءه منهم، وقيل: بل كاتب مواليه، فأدى عنه مكاتبته.
وقال ابن دأب: كان نصيب من قضاعة ثم من بلي. وكانت أمه سوداء فوقع عليها سيدها فحبلت بنصيب، فوثب عليه عمه بعد وفاة أبيه فباعه من عبد العزيز.
وقال أبو اليقظان: كان أبوه من كنانة من بني ضمرة. وكان شاعرا فحلا فصيحا مقدما في النسيب والمديح، ولم يكن له حظ في الهجاء، وكان عفيفا، وكا يقال: أنه لم ينسب قط إلا بامرأته.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: كتب إلي عبد الله بن عبد العزيز بن محجن بن نصيب بن رباح يذكر عن عمته غرضة بنت النصيب: أن النصيب كان ابن نوبيين سبيين كانا لخزاعة، ثم اشترت سلامة أم نصيب امرأة من خزاعة ضمرية حاملا بالنصيب، فأعتقت ما في بطنها.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال: كان نصيب من أهل ودان عبدا لرجل من كنانة هو وأهل بيته. وكان أهل البادية يدعونه النصيب تفخيما له، ويروون شعره. وكان عفيفا كبير النفس مقدما عند الملوك، يجيد مديحهم ومراثيهم.
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي قال: كان نصيب من بلي بن
أكلثم فكي عانيا بك مغـرمـا وشدي قوى حبل لنا قد تصرما
فإن تسعفيه مرة بـنـوالـكـم فقد طالما لم ينج منك مسلمـا
كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا وأمسي قريبا لا أزورك كلثما وبعده هذه الأبيات التي مضت.
اتفاق المغنين على تفضيل لحن ابن سريج
وليس بتزويق اللسان... الخ
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد وذكر الثقفي عن دحمان قال: تذاكرنا ونحن في المسجد أنا والربيع بن أبي الهيثم الغناء أيه أحسن، فجعل يقول وأقول فلا نجتمع على شيء. فقلت: اذهب بنا إلى مالك بن أبي السمح. فذهبنا إليه فوجدناه في المسجد، فقال: ما جاء بكما? فأخبرناه. فقال: قد جرى هذا بيني وبين معبد وقال وقلت، فجاءني معبد يوما وأنا في المسجد وقال: قد جئتك بشيء لا ترده. فقلت: وما هو? قال: لحن ابن سريج:
وليس بتزويق اللسان وصوغه ولكنه قد خالط اللحم والدمـا ثم قال لي معبد: أسمعكه? قلت: نعم، وأريته أني لم أسمعه قبل، فقال: اسمعه مني؛ فغنى فيه ونحن في المسجد، فما سمعت شيئا قط أحسن منه، فافترقنا وقد اجتمعنا عليه.
وقرأت في فصل لإبراهيم بن المهدي إلى إسحاق الموصلي. وكتبت رقعتي هذه وأنا في غمرة من الحمى تصدف عن المفترضات. ولولا خوفي من تشنيعك وتجنيك لم يكن في للإجابة فضل، غير أني قد تكلفت الجواب على ما الله به عالم من صعوبة علتي وما أقاسيه من الحرارة الحادثة بي.
وليس بتزويق اللسان وصوغه ولكنه قد خالط اللحم والدمـا تفضيل غناء ابن سريج
على غناء معبد ومالك بن أبي السمح
وقال إسحاق حدثني شيخ من موالي المنصور قال: قدم علينا فتيان من بني أمية يريدون مكة، فسمعوا معبدا ومالكا فأعجبوا بهما، ثم قدموا مكة فسألوا عن ابن سريج فوجدوه مريضا، فأتوا صديقا له فسألوه أن يسمعهم غناءه، فخرج معهم حتى دخلوا عليه. فقالوا: نحن فتيان من قريش، أتيناك مسلمين عليك، وأحببنا أن نسمع منك. فقال: أنا مريض كما ترون. فقالوا: إن الذي نكتفي منك به يسير - وكان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس - فقال: يا جارية، هاتي جلبابي وعودي، فأتته خادمة بخامة فسدلها على وجهه - وكان يفعل ذلك إذا تغنى لقبح وجهه - ثم أخذ العود فغناهم، فأرخى ثوبه على عينيه وهو يغني، حتى إذا اكتوا ألقى عوده وقال: معذرة. فقالوا: نعم، قد قبل الله عذرك فأحسن الله إليك، ومسح ما بك، وانصرفوا يتعجبون مما سمعوا. فمروا بالمدينة منصرفين، فسمعوا من معبد ومالك، فجعلوا لا يطربون لهما ولا يعجبون بهما كما كانوا يطربون. فقال أهل المدينة: نحلف بالله لقد سمعتم بعدنا ابن سريج قالوا: أجل لقد سمعناه فسمعنا ما لم نسمع مثله قط، ولقد نغص علينا ما بعده.
تغني رقطاء الحبطية برمله
في شعر ابن عمارة السلمي
وذكر العتابي أن زكريا بن يحيى حدثه قال حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان العثماني عن بعض أهل الحجاز قال: التقى قنديل الجصاص وأبو الجديد بشعب الصفراء، فقال قنديل لأبي الجديد: من أين وإلى أين? قال: مررت برقطاء الحبطية رائحة تترنم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السلمي: صوت
سقى مأزمي نجد إلى بـئر خـالـد فوادي نصاع فالقرون إلى عـمـد
وجادت بروق الرائحـات بـمـزنة تسح شآبيبا بمـرتـجـز الـرعـد
منازل هند إذ تواصـلـنـي بـهـا ليالي تسبيني بمسـتـطـرف الـود
ينير ظلام الليل من حسن وجهـهـا وتهدي بطيب الريح من جاء من نجد
صفحة : 77
- الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي - فزففت خلفها زفيف النعامة، فما انجلت غشاوتي إلا وأنا بالمشاش حسير، فأودعتها قلبي وخلفته لديها، وأقبلت أهوي كالرخمة بغير قلب. فقال لي قنديل: ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك، سمعت شعر ابن عمارة في غناء ابن سريج من رقطاء الحبطية؛ لقد أوتيت جزءا من النبوة. قال: وكانت رقطاء هذه من أضرب الناس؛ فدخل رجل من أهل المدينة منزلها فغنته صوتا. فقال له بعض من حضر: هل رأيت قط أو ترى أفصح من وتر هذه? فطرب المدني وقال: علي العهد إن لم يكن وترها من معي بشكست النحوي، فكيف لا يكون فصيحا وبشكست هذا كان نحويا بالمدينة، وقتل مع الشراة الخارجين مع أبي حمزة صاحب عبد الله بن يحيى الكندي الشاري المعروف بطالب الحق.
غناؤه مخلوق من قلوب الناس جميعا
قال محمد بن الحسن وحدث عن إسحاق عن أبيه أنه كان يقول: غناء كل مغن مخلوق من قلب رجل واحد، وغناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا. وكان يقول: الغناء على ثلاثة أضرب، فضرب مله مطرب يحرك ويستخف، وضرب ثان له شجا ورقة، وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة.
قال: وكل هذا مجموع في غناء ابن سريج.
تغني ابن سلمة الزهري بغنائه
والتقاء ابن سلمة الزهري والأخضر الجدي ببئر الفصح
قال العتابي وحدثني زكريا بن يحيى عن عبد الله بن محمد العثماني قال: ذكر بعض أصحابنا الحجازيين قال: التقى ابن سلمة الزهري والأخضر الجدي ببئر الفصح، فقال ابن سلمة: هل لك في الاجتماع نستمتع بك? فقال له الأخضر: لقد كنت إلى ذلك مشتاقا، قال: فقعدا يتحدثان، فمر بهما أبو السائب، فقال: يا مطربي الحجاز، ألشيء كان اجتماعكما? فقالا: لغير موعد كان ذلك، أفتؤنسنا? قال: فقعدوا يتحدثون. فلما مضى بعض الليل قال الأخضر لابن سلمة: يا أبا الأزهر، قد ابهار الليل وساعدك القمر، فأوقع بقهقهة ابن سريج وأصب معناك. فاندفع يغني: صوت
تجنت بلا جرم وصدت تغضبـا وقالت لتربيها مقالة عـاتـب
سيعلم هذا أنني بـنـت حـرة سأمنع نفسي من ظنون كواذب
فقولي له عنا تـنـح فـإنـنـا أبيات فحش طاهرات المناسب - الغناء لابن سريج ولم يذكر طريقته - قال: فجعل أبو السائب يزفن ويقول: أبشر حبيبي؛ فلأنت أفضل من شهداء قزوين. قال: ثم قال ابن سلمة للأخضر: نعم المساعد على هم الليل أنت فأوقع بنوح ابن سريج ولا تعد معناك. فاندفع يغني: صوت
فلما التقينا بالحجون تنـفـسـت تنفس محزون الفـؤاد سـقـيم
وقالت وما يرقا من الخوف دمعها أقاطنها أم أنـت غـير مـقـيم
فإنا غدا تحدى بنا العيس بالضحى وأنت بما نلقـاه غـير عـلـيم
فقطع قلبي قولها ثم أسـبـلـت محاجز عيني دمعها بـسـجـوم قال: فجعل أبو السائب يتأفف ويقول: أعتق ما أملك إن لم تكن فردوسية الطينة، وإنها بعلمها لأفضل من آسية امرأة فرعون.
تغني الذلفاء بلحن ابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: بلغني أن أبا دهبل الجمحي قال: كنت أنا وأبو السائب المخزومي عند مغنية بالمدينة يقال لها الذلفاء ، فغنتنا بشعر جميل بن معمر العذري، واللحن لابن سريج: صوت
لهن الوجى لم أكن عونا على النوى ولا زال منها ظالـع وكـسـير
كأني سقيت السم يوم تحـمـلـوا وجد بهم حـاد وحـان مـسـير فقال أبو السائب: يا أبا دهبل، نحن والله على خطر من هذا الغناء، فنسأل الله السلامة وأن يكفينا كل محذور، فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني. قال: وجعل يبكي.
تأثير غناء ابن سريج في الحاج
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا الزبير بن بكار عن بكار بن رباح عن إسحاق بن مقمة عن أمه قالت: سمعت ابن سريج على أخشب منى غداة النفر وهو يغني:
جدوي الوصل يا قريب وجودي لمحب فـراقـه قـد ألـمـا
ليس بين الحياة والـمـوت إلا أن يردوا جمالهم فـتـرمـا
صفحة : 78
- ونسبة هذا الصوت تأتي بعد هذه الأخبار - قالت: فما تشاء أن تسمع من خباء ولا مضرب حنينا ولا أنينا إلا سمعته.
مذاكرة ابن المهدي وإسحاق في تفضيله
وذكر يوسف بن إبراهيم أنه حضر إسحاق بن إبراهيم الموصلي ليلة وهو يذاكر إبراهيم بن المهدي، إلى أن قال إسحاق في بعض مخاطبته إياه: هذا صوت قد تمعبد فيه ابن سريج. فقال له إبراهيم: ما ظننت أنك يا أبا محمد مع علمك وتقدمك تقول مثل هذا في ابن سريج، فكيف يجوز أن تقول: تمعبد ابن سريج، وإنما معبد إذا أحسن قال: أصبحت سريجيا قد أغنى الله ابن سريج عن هذا ورفع قدره عن مثله، وأعيذك بالله أن تستشعر مثله في ابن سريج. قال: فما رأيت إسحاق دفع ذلك ولا أباه، ولا زاد على أن قال: هي كلمة يقولها الناس، لم أقلها اعتقادا لها فيه، وإنما تكلمت بها على العادة.
اعتراف معبد له بالتفوق أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن سلام قال: قال لي شعيب بن صخر: كان معبد إذا غنى فأجاد قال: أنا اليوم سريجي.
كان المغنون يغنون فإذا جاء سكتوا حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن سلام قال حدثنا شعيب بن صخر قال: كان نعمان المغني عندي نازلا، وكان يغني، وكنت أراه يأتيه قوم. قال أبو عبد الله: فقلت له: فأيهم كان أحذق? قال: لا أدري، إلا أنهم كانوا إذا جاء ابن سريج سكتوا.
الأحوص وابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني الهيثم بن عياش قال حدثني عبد الرحمن بن عيينة قال: بينما نحن بمنى ونحن نريد الغدو إلى عرفات، إذ أتانا الأحوص فقال: أبيت بكم الليلة? قلنا: بالرحب والسعة. فلما جنه الليل لم يلبث أن غاب عنا ثم عاد ورأسه يقطر ماء. قلت: ما لك? قال: صوت
تعرض سلماك لمـا حـرم ت ضل ضلالك من محرم
تريد بـه الـبـر يا لـيتـه كفافا من البر والـمـأثـم - الغناء لابن سريج ولم يجنسه - قال قلت: زنيت ورب الكعبة قال: قل ما بدا لك. ثم لقي ابن سريج فقال: إني قد قلت بيتين حسنين أحب أن تغنيني بهما. قال: ما هما? فأنشده إياهما؛ فغنى بهما من ساعته، ففتن من حضر ممن سمع صوته.
ارتحال جرير إلى مكة ليسمع غناءه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: قدم جرير بن الخطفي المدينة ونحن يومئذ شباب نطلب الشعر، فاحتشدنا له ومعنا أشعب. فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة وأقمنا لم نبرح. وجاء الأحوص بن محمد الشاعر من قباء على حمار فقال: أين هذا? فقلنا: قام لحاجة، فما حاجتك إليه? قال: أريد والله أن أعلمه أن الفرزدق أشعر منه وأشرف. قلنا: ويحك لا تعرض له وانصرف، فانصرف وخرج. فجاء جرير فلم يكن بأسرع من أن أقبل الأحوص الشاعر فأقبل عليه، فقال: السلام عليك يا جرير. قال جرير: وعليك السلام. فقال الأحوص: يابن الخطفى، الفرزدق أشرف منك وأشعر. قال جرير: من هذا أخزاه الله قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فقال: نعم هذا الخبيث ابن الطيب، أأنت القائل:
يقر بعيني ما يقر بـعـينـهـا وأحسن شيء ما به العين قرت قال نعم. قال: فإنه يقر بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقر ذلك بعينك? قال: وكان الأحوص يرمى بالحلاق فانصرف، فبعث إليهم بتمر وفاكهة. وأقبلنا على جرير نسائله، وأشعب عند الباب وجرير في مؤخر البيت، فألح عليه أشعب يسأل. فقال: والله إني لأراك أقبحهم وجها وأراك ألأمهم حسبا؛ فقد أبرمتني منذ اليوم. قال: إني والله أنفعهم وخيرهم لك. فانتبه جرير وقال: ويحك كيف ذاك? قال: إني أملح شعرك وأجيد مقاطعه ومبادئه. فقال: قل، ويحك فاندفع أشعب فنادى بلحن ابن سريج:
يا أخت ناجية السلام عليكـم قبل الرحيل وقبل عدل العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
صفحة : 79
فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى ألصق بركبته ركبته، وقال: لعمري لقد صدقت، إنك لأنفعهم لي وقد حسنته وأجدته وزينته، أحسنت والله، ثم وصله وكساه. فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت، قال له بعض أهل المجلس: فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء? قال: أو إن له لواضعا غير هذا? فقلنا نعم. قال: فأين هو? قلنا: بمكة قال: فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه. فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته وكنت فيهم، فأتيناه جميعا، فإذا هو في فتية من قريش كأنهم المها مع ظرف كثير، فأدنوا ورحبوا وسألوا عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحبوا بجرير وأدنوه وسروا بمكانه، وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال: سل ما تريد جعلت فداءك قال: أريد أن تغنيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك. قال: وما هو? قال:
يا أخت ناجية السلام عليكـم قبل الرحيل وقبل عذل العذل فغناه ابن سريج وبيده قضيب يوقع به وينكت، فوالله ما سمعت شيئا قط أحسن من ذلك. فقال جرير: لله دركم يا أهل مكة، ما أعطيتم والله لو أن نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظا ونصيبا، فكيف ومع هذا بيت الله الحرام، ووجوهكم الحسان، ورقة ألسنتكم، وحسن شارتكم، وكثرة فوائدكم أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده إبراهيم قال: الوليد بن عبد الملك وابن سريج
كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج، فأشخصه. فلما قدم مكث أياما لا يدعو به ولا يلتفت إليه. قال: ثم إنه ذكره، فقال: ويلكم أين ابن سريج? قالوا: هو حاضر. قال: علي به. فقالوا: أجب أمير المؤمنين. فتهيأ ولبس وأقبل حتى دخل عليه فسلم. فأشار إليه أن اجلس، فجلس بعيدا . فاستدناه فدنا حتى كان منه قريبا، وقال: ويحك يا عبيد لقد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة اختيارك مع ظرف لسانك وحلاوة مجلسك. فقال: جعلت فداءك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي خير من أن تراه . قال الوليد: إني لأرجو ألا تكون أنت ذاك، ثم قال: هات ما عندك. فاندفع ابن سريج فغنى بشعر الأحوص:
أمنزلتي سلمى على القدم اسلـمـا فقد هجتما للشوق قلبـا مـتـيمـا
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى وجدة وصل حبله قـد تـجـذمـا
وإني إذا حلـت بـبـيش مـقـيمة وحل بوج جالسـا أو تـتـهـمـا
يمانية شطت فأصبـح نـفـعـهـا رجاء وظنا بالمغـيب مـرجـمـا
أحب دنو الدار منـهـا وقـد أبـى بها صدع شعب الدار إلا تثـلـمـا
بكاها وما يدري سوى الظن من بكى أحيا يبكى أم ترابـا وأعـظـمـا
فدعها وأخلف للـخـلـيفة مـدحة تزل عنك بؤس أو تفيدك أنعـمـا
فإن بكـفـيه مـفـاتـيح رحـمة وغيث حيا يحيا به الناس مرهـمـا
إمام أتاه الملك عـفـوا ولـم يثـب على ملكه مالا حـرامـا ولا دمـا
تخيره رب العـبـاد لـخـلـقـه وليا وكان الله بالنـاس أعـلـمـا
فلما قضاه الله لم يدع مـسـلـمـا لبـيعـتـه إلا أجـاب وسـلـمـا
ينال الغنى والعـز مـن نـال وده ويرهب موتا عاجلا من تـشـأمـا فقال الوليد: أحسنت والله وأحسن الأحوص علي بالأحوص. ثم قال: يا عبيد هيه فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد: صوت
طار الكرى وألم الهم فاكتـنـعـا وحيل بيني وبين النوم فامتنـعـا
كان الشباب قناعا أسـتـكـن بـه وأستظل زمانا ثمت انقـشـعـا
فاستبدل الرأس شيبا بعـد داجـية فينانة ما ترى في صدغها نزعـا
فإن تكن ميعة من باطل ذهـبـت وأعقب الله بعد الصبوة الورعـا
فقد أبيت أراعي الـخـود راقـدة على الوسائد مسرورا بها ولـعـا
براقة الثغر تشفي القلب لذتـهـا إذا مقبلها في ريقـهـا كـرعـا
كالأقحوان بضاحي الروض صبحه غيث أرش بتنضاح وما نـقـعـا
صفحة : 80
صلى الذي الصلوات الطيبات له والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا
على الذي سبق الأقوام ضاحـية بالأجر والحمد حتى صاحباه معا
هو الذي جمع الرحمن أمـتـه على يديه وكانوا قبلـه شـيعـا
عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده وان نكون لراع بعده تـبـعـا
إن الوليد أمير المؤمـنـين لـه ملك عليه أعان الله فارتفـعـا
لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم له عباد ولا يعطون ما منـعـا فقال له الوليد: صدقت يا عبيد أنى لك هذا? قال: هو من عند الله. قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك. قال ابن سريج: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال الوليد: يزيد في الخلق ما يشاء. قال ابن سريج: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر. قال الوليد: لعلمك والله أكبر وأعجب إلي من غنائك غنني. فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد:
عرف الديار توهما فاعتـادهـا من بعد ما شمل البلى أبلادهـا
ولرب واضحة العوارض طفلة كالريم قد ضربت بها أوتادهـا
إني إذا ما لم تصلني خـلـتـي وتباعدت مني اغتفرت بعادهـا
صلى الإله على امرىء ودعته وأتم نعمتـه عـلـيه وزادهـا
وإذا الربيع تتابـعـت أنـواؤه فسقى خناصرة الأحص فجادها
نزل الوليد بها فكان لأهـلـهـا غيثا أغاث أنيسهـا وبـلادهـا
أولا ترى أن البـرية كـلـهـا ألقت خزائمها إليه فـقـادهـا
ولقد أراد الـلـه إذ ولاكـهـا من أمة إصلاحها ورشـادهـا
أعمرت أرض المسلمين فأقبلت وكففت عنها من يروم فسادها
وأصبت في أرض العدو مصيبة عمت أقاصي غورها ونجادها
ظفرا ونصرا ما تناول مثـلـه أحد من الخلفاء كـان أرادهـا
فإذا نشرت له الثنـاء وجـدتـه جمع المكارم طرفها وتلادهـا
صفحة : 81
فأشار الوليد إلى بعض الخدم، فغطوه بالخلع ووضعوا بين يديه كيسا من الدنانير وبدرا من الدراهم، ثم قال الوليد بن عبد الملك: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمرا جليلا. فقال ابن سريج: يا أمير المؤمنين لقد آتاك الله ملكا عظيما وشرفا عاليا، وعزا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك ولا يفعل إن شاء الله. فأدام الله لك ما ولاك، وحفظك فيما استرعاك، فإنك أهل لما أعطاك، ولا نزعه منك إذ رآك له موضعا. قال: يا نوفلي، وخطيب أيضا قال ابن سريج: عنك نطقت، وبلسانك تكلمت، وبعزك بينت. وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرقاع العاملي. فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج، فأنزلا منزلا إلى جنب ابن سريج. فقالا: والله لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من قربك يا مولى بني نوفل، وإن في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد. فقال لهما ابن سريج: أو قلة شكر فقال له عدي: كأنك يابن اللخناء تمن علينا علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين. وأما الأحوص فقال: أو لا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة وكفارة يمين خير من عدم المحبة، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة فتحول عدي، وبقي عنده الأحوص. وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا ابن سريج وأدخله بيتا وأرخى دونه سترا، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلمتيهما أن يغنى. فلما دخلا وأنشداه مدائح فيه، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه وضرب بعوده. فقال عدي: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أتكلم? فقال: قل يا عاملي. قال: أمثل هذا عند أمير المؤمنين، ويبعث إلى ابن سريج يتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشأم، ترفعه أرض وتخفضه أخرى فيقال: من هذا. فيقال: عبيد بن سريج مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه، ليسمع غناءه فقال: ويحك يا عدي أو لا تعرف هذا الصوت? قال: لا، والله ما سمعته قط ولا سمعت مثله حسنا، ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت: طائفة من الجن يتغنون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج. فقال عدي: حق لهذا أن يحمل حق لهذا أن يحمل - ثلاثا - ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، وارتحل القوم. وكان الذي غناه ابن سريج من شعر عمر بن أبي ربيعة:
بالله يا ظبي بني الـحـارث هل من وفى بالعهد كالناكث
لا تخدعني بالمنى بـاطـلا وأنت بي تلعب كالعـابـث
حتى متى أنت لنـا هـكـذا نفسي فداء لك يا حـارثـي
يا منتهى همي ويا منـيتـي ويا هوى نفسي ويا وارثـي عتاب الناس له في صنعة الغناء
ثم رجوعهم بعد أن يسمعوا صوته
قال: وبلغني أن رجلا من الأشراف من قريش من موالي ابن سريج عاتبه يوما على الغناء وأنكره عليه، وقال له: لو أقبلت على غيره من الآداب لكان أزين بمواليك وبك فقال: جعلت فداك امرأته طالق إن أنت لم تدخل الدار. فقال الشيخ: ويحك ما حملك على هذا? قال: جعلت فداك قد فعلت. فالتفت النوفلي إلى بعض من كان معه متعجبا مما فعل. فقال له القوم: قد طلقت امرأته إن أنت لم تدخل الدار. فدخل ودخل القوم معه. فلما توسطوا الدار قال: امرأته طالق إن أنت لم تسمع غنائي. قال: اغرب عني يا لكع ثم بدر الشيخ ليخرج. فقال له أصحابه: أتطلق امرأته وتحمل وزر ذلك? قال: فوزر الغناء أشد. قالوا: كلا ما سوى الله عز وجل بينهما. فأقام الشيخ مكانه. ثم اندفع ابن سريج يغني في شعر عمر بن أبي ربيعة في زينب:
أليست بالتي قالـت لمولاة لها ظهـرا
أشيري بالسلام لـه إذا هو نحونا خطرا
وقولي في ملاطـفة لزينب نولي عمـرا
أهذا سحرك النسـوا ن قد خبرنني الخبرا فقال للجماعة: هذا والله حسن ما بالحجاز مثله ولا في غيره. وانصرفوا.
صفحة : 82
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قال: قال عبد الله بن عمير الليثي لابن سريج: لو تركت الغناء وعاتبه على ذلك. فقال: جعلت فداك لو سمعته ما تركته. ثم قال: امرأته طالق ثلاثا إن لم تدخل الدار حتى تسمع غنائي. فالتفت عبد الله إلى رفيق له كان معه فقال: ما تنتظر? ادخل بنا وإلا طلقت امرأة الرجل. فدخلا مع ابن سريج، فغنى بشعر الأحوص: صوت
لقد شاقك الحي إذ ودعوا فعينك في إثرهم تدمع
وناداك للبين غربـانـه فظلت كأنك لا تسمـع ثم قال: امرأته طالق إن أنت لم تستحسنه لأتركنه. فتبسم عبد الله وخرج.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات منها: الصوت الذي أوله في الخبر:
جددي الوصل يا قريب وجودي أوله: صوت
إن طيف الخيال حـين ألـمـا هاج لي ذكرة وأحدث هـمـا
جددي الوصل يا قريب وجودي لمحب فـراقـه قـد ألـمـا
ليس بين الحياة والـمـوت ألا أن يردوا جمالهـم فـتـزمـا
ولقد قلت مخفـيا لـغـريض هل ترى ذلك الغزال الأحمـا
هل ترى مثله من الناس شخصا أكمل الناس صـورة وأتـمـا عروضه من الخفيف. الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي. وفيه للغريض أيضا ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال: أنشد جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين قول عمر:
ليس بين الحياة والموت إلا أن يردوا جمالهم فتزمـا فطرب وارتاح وجعل يقول: لقد عجلوا البين، أفلا يوكون قربة أفلا يودعون صديقا أفلا يشدون رحلا حتى جرت دموعه.
وحدثنا الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير فذكر مثله.
ومنها: صوت
يا أخت ناجية السلام عليكـم قبل الرحيل وقبل عذل العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل عروضه من الكامل. الشعر لجرير. والغناء لابن سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن المكي أيضا. ومما يشك فيه أنه لمعبد أو لكردم ابنه في البيت الثاني والأول ثاني ثقيل. ولعريب في هذين البيتين لحن من رواية ابن المعتز غير مجنس.
ومنها: صوت
أمنزلتي سلمى على القدم أسلـمـا فقد هجتما للشوق قلبا مـتـيمـا
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى وجدة وصل حبله قد تـجـذمـا عروضه من الطويل. والشعر للأحوص. والغناء لكردم ثاني ثقيل بالوسطى، وقيل: إن هذا الثقيل الثاني لمحمد الرف، وإن فيه لحنا من الثقيل الأول لكردم.
ومنها: صوت
عرف الديار توهما فاعتادهـا من بعد ما شمل البلى أبلادها
إلا رواكد كلهن قد اصطلـى حمراء أكثر أهلها إيقادهـا عروضه من الكامل. الشعر لعدي بن الرقاع العاملي. والغناء لابن محرز ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمالك ثقيل أول بالبنصر عن عمرو. وفيه لحن لإبراهيم، وفي هذه الأخبار أنه لابن سريج، وذكر حماد في كتاب ابن محرز أنه مما ينسب إلى ابن مسجح، أو إلى ابن محرز.
ومنها: صوت
بالله يا ظبي بني الـحـارث هل من وفى بالعهد كالناكث
لا تخدعني بالمنى بـاطـلا وأنت بي تلعب كالعـابـث عروضه من السريع. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أنه لسياط. وذكر الهشامي وبذل أن فيه لإبراهيم الموصلي لحنا آخر. وفيه خفيف رمل بالبنصر ذكر حبش أنه لإبراهيم بن المهدي، وغيره ينسبه إلى إسحاق.
ومنها: صوت
- وهو الذي أوله في الخبر:
أليست بالتي قالـت لمولاة لها ظهـرا
تصابى القلب فادكرا هواه ولم يكن ظهرا
لزينب إذ تجد لـنـا صفاء لم يكن كدرا
صفحة : 83
أليست بالتي قـالـت لمولاة لها ظـهـرا
أشيري بالسـلام لـه إذا هو نحونا نظـرا
وقولي في مـلاطـفة لزينب نولي عـمـرا
فهزت رأسها عجـبـا وقالت من بذا أمـرا
أهذا سحرك النـسـوا ن قد خبرنني الخبـرا
طربت ورد من تهوى جمال الحي فابتكـرا
فقل للـبـربـرية لا تلومي القلب إن جهرا
بطرت وهكذا الإنسـا ن ذو بطر إذا ظفـرا
فأين العهد والـمـيثـا ق لا تخبر بنا بشـرا عروضه من الوافر. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج في الثالث والرابع والخامس والأول خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وللغريض في السابع والثامن والأول لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها عن إسحاق. ولمعبد في هذا الأبيات كلها لحن عن يونس ودنانير ولم يجنساه، وذكر الهشامي أنه خفيف ثقيل. وفي السابع والثامن والتاسع رمل لدحمان، ويقال إنه للزبير ابنه ولمالك لحن أوله: صوت
لقد أرسلت جـاريتـي وقلت لها خذي حذرك
وقولي في مـلاطـفة لزينب نولي عمـرك
فهزت رأسها عجـبـا وقالت من بذا أمـرك
أهذا سحرك النـسـوا ن قد خبرنني خبـرك ولحن مالك هذا خفيف ثقيل بالوسطى من رواية ابن المكي. وهذا يروي الشعر ويجعل قوافيه كلها على الكاف. وفي هذا الأبيات بعينها على هذا القافية خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى الغريض. وذكر حبش أن فيه لمعبد لحنا من الرمل أوله الثالث من الأبيات الأول المذكورة.
رجع الخبر إلى أحاديث ابن سريج
ابن سريج أحسن الناس غناء
أخبرنا يحيى بن علي ووكيع وجحظة قالوا: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قال لي الفضل بن يحيى: سألت أباك ليلة وقد أخذ منه الشراب عن أحسن الناس غناء، فقال لي؛ من النساء أم من الرجال? قلت: من الرجال. قال: ابن محرز. فقلت: فمن النساء? قال: ابن سريج، قال إسحاق لي: ويقال أحسن الرجال غناء من تشبه بالنساء، وأحسن النساء غناء من تشبه بالرجال. قال يحيى بن علي خاصة: ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كل واحد، فهو يغني له بما يشتهي.
ابن سريج ببعض أندية مكة
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد: قرأت على أبي عن الهيثم بن عدي قال: قال ابن سريج: مررت ببعض أندية مكة وفيه جماعة، فحضرت فقلت: كيف أجوزهم مع تعبي وما أنا فيه فسمعتهم يقولون: قد جاء ابن سريج، فقال بعضهم ممن لم يعرفني: ومن ابن سريج? فقال: الذي يغني:
ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا قال ابن سريج: فلما سمعت ذلك قويت نفسي واشتدت منتي، ومررت بهم أخطر في مصبغاتي. فلما حاذيتهم قاموا بأجمعهم فسلموا علي، ثم قالوا لأحداثهم: امشوا مع أبي يحيى.
ابن سريج مع فتية من بني مروان
وقد حدثني عمي بهذا الخبر فقال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلام عن جرير قال: قال لي ابن سريج: دعاني فتية من بني مروان، فدخلت إليهم وأنا في ثياب الحجاز الغلاظ الجافية، وهم في القوهي والوشي يرفلون كأنهم الدنانير الهرقلية، فغنيتهم وأنا محتقر لنفسي عندهم لحنا لي، وهو: صوت
أبا لفرع لم تظعن مع الحي زينب بنفسي عن النأي الحبيب المغيب
بوجهك عن مس التراب مضـنة فلا تبعدي إذ كل حي سيعطـب - ولحن ابن سريج هذا رمل بالخنصر في مجرى البنصر - قال: فتضاءلوا في عيني حتى ساويتهم في نفسي لما رأيتهم عليه من الإعظام لي. ثم غنيتهم:
ودع لبابة قبل أن تترحـلا واسأل فإن قلاله أن تسألا فطربوا وعظموني وتواضعوا لي، حتى صرت في نفسي بمنزلتهم لما رأيتهم عليه، وصاروا في عيني بمنزلتي. ثم غنيتهم:
ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا فطربوا ومثلوا بين يدي ورموا بحللهم كلها حتى غطوني بها، فمثلت لي نفسي أنها نفس الخليفة وأنهم لي خول، فما رفعت طرفي إليهم بعد ذلك تيها. وقد مضت نسبة ودع لبابة في أخبار عمر بن أبي ربيعة وغيره. وأما:
صفحة : 84
ألا هل هاجك الأظعا ن...... فنذكر نسبته: نسبة هذا الصوت صوت
ألا هل هاجك الأظعـا ن إذ جاوزن مطلـحـا
نعم ولو شك بـينـهـم جرى لك طائر سنحـا
أجزن الماء من ركـك وضوء الفجر قد وضحا
فقلن مقـيلـنـا قـرن نباكر ماءه صـبـحـا
تبعتهم بطرف الـعـي ن حتى قيل لي افتضحا
يودع بعضنا بـعـضـا وكل بالهوى جـرحـا
فمن يفـرح بـينـهـم فغيري إذ غدوا فرحـا عروضه من الوافر. الشعر لأبي دهبل الجمحي. والغناء لمالك وله فيه لحنان: ثقيل أول بالبنصر عن إسحاق، وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. ولمعبد فيه ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى . ولابن سريج في الخامس وما بعده ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
مدح جرير الشاعر لغناء ابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قدم جرير المدينة أو مكة فجلس مع قوم، فجعلوا يعرضون عليه غناء رجل رجل من المغنين، حتى غنوه لابن سريج، فطرب وقال: هذا أحسن ما أسمعتموني من الغناء كله.
قالوا: وكيف قلت ذاك يا أبا حزرة? قال: مخرج كل ما أسمعتموني من الغناء من الرأس، ومخرج هذا من الصدر.
غناء رقطاء الحبطية وصفراء العلقمية
وتحكيم الأفلح المخزومي في ذلك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن محمد الشافعي قال: جاء سندة الخياط المغني إلى الأفلح المخزومي - وكان يوصف بعقل وفضل - فقال له: من أين أقبلت? وإلى أين تمضي? فقال: إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيين أقبلت محاكما إليك. قال: فيماذا? قال: كنت عند هذا الرجل وحضرت مجلسه رقطاء الحبطيين، وصفراء العلقميين، فتناولتا بينهما رمل ابن سريج:
ليت شعري كيف أبقى ساعة مع ما ألقى إذا الليل حضر
من يذق نوما ويهدأ لـيلـه فلقد بدلت بالنوم السـهـر
قلت مهلا إنـهـا جـنـية إن نخالطها تفز منها بشـر فغنتاه جميعا، واختلفتا في تفضيلهما، ففضل كل فريق منا إحداهما، فرضينا جميعا بحكمك، فاحكم بيننا وبينهما. قال: فوجم ساعة - وأهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأملوا ساعة ثم حكموا، فإذا حكم المحكم مضى حكمه كائنا ما كان، ففضل من فضله وأسقط من أسقطه، إذا تراضى الخصمان به - فكره الأفلح أن يرضي قوما ويسخط آخرين، فقال لسندة: صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنتاه واشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت، وأنا أحكم بعد ذلك. فقال: سندة أما جارية الحبطيين، فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغن، والله ما ابتدأته فتوسطته وأنا أعقل، ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظن أني رأيته في نومي. وأما صفراء العلقميين، فإنها أحسنهما حلقا، وأصحهما صوتا، وألينهما تثنيا، والله ما سمعها أحد قط فانتفع بنفسه ولا دينه. هذا ما عندي، فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم. فقال: قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس، فبأيهما نظرت أبصرت، ولو كان في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا. قال: فانصرفوا جميعا راضين بحكمه.
ثناء جرير المديني على ابن سريج
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال: سألت جرير المديني عن ابن سريج، فقال: أتذكره ويحك باسمه، ولا تقول: سيد من غنى وواحد من ترنم ثناء الشعبي عليه
قال حماد وحدثني أبي عن هارون بن مسلم عن محمد بن زهير السعدي الكوفي عن أبي بكر بن عياش عن الحسن بن عمرو الفقيمي قال: دخلت على الشعبي، فبينا أنا عنده في غرفته، إذ سمعت صوت غناء، فقلت: أهذا في جوارك? فأشرف بي على منزله، فإذا بغلام كأنه فلقة قمر وهو يتغنى - قال إسحاق: وهذا الغناء لابن سريج -:
وقمير بدا ابن خمس وعشري ن له قالت الفتاتان قـومـا قال: فقال لي الشعبي: أتعرف هذا? قلت لا. فقال: هذا الذي أوتي الحكم صبيا، هذا ابن سريج.
ثناؤه على نفسه في تغنيه بشعر لعمر
صفحة : 85
وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبو أيوب المديني قال: حدثني الهشامي الربعي عن إسحاق الموصلي قال: تغنى ابن سريج في شعر لعمر بن أبي ربيعة وهو: صوت
خانك من تهوى فلا تخنه وكن وفيا إن سلوت عنه
واسلك سبيل وصله وصنه إن كان غدارا فلا تكنـه
عسى تباريح تجيء منـه فيرجع الوصل ولم تشنه قال المكيون: قال ابن سريج: ما تغنين بهذا الشعر قط إلا ظننت أني أحل محل الخليفة.
قال مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج الأصفهاني: وجدت في هذا الشعر لحنين - أحدهما ثقيل أول والآخر رمل - مجهولين جميعا، فلا أدري أيهما لحنه.
وصفه للمصيب المحسن من المغنين
ونسخت من كتاب العتابي: أخبرني عون بن محمد قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع عن جده الفضل عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن مالك بن أبي السمح قال: سألت ابن سريج عن قول الناس: فلان يصيب وفلان يخطىء، وفلان يحسن وفلان يسيء؛ فقال: المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الإعرب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات. فعرضت ما قال على معبد، فقال: لو جاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا.
يزيد بن عبد الملك ومولى حبابة المغنية
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني الزبير بن بكار عن ظبية: أن يزيد بن عبد الملك قال لحبابة يوما: أتعرفين أحدا هو أرب مني? قالت: نعم، مولاي الذي باعني. فأمر بإشخاصه فأشخص إليه مقيدا، وأعلم بحاله فأذن في إدخاله، فمثل بين يديه وحبابة ولاسمة تغنيان؛ فغنته سلامة لحن الغريض في:
تشط غدا دار جيراننا فطرب وتحرك في أقياده. ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل في قيده ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني فيه، حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت، وجعل يصيح: الحريق الحريق يا أولاد الزنا. فضحك يزيد وقال: هذا والله أطرب الناس حقا، ووصله وسرحه إلى بلده.
سماع عطاء وابن جريج لغناء ابن سريج
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا فضل اليزيدي عن إسحاق: أن ابن سريج كان جالسا فمر به عطاء وابن جريج، فحلف عليهما بالطلاق أن يغنيهما، على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه. فوقفا له وغناهما:
إخوتي لا تبعدوا أبدا وابلى والله قد بعدوا فغني على ابن جريج، وقام عطاء فرقص. ونسبة هذا الصوت وخبره يذكر في موضع آخر.
غناؤه ووقفة الحاج لاستماعه
عند بستان ابن عامر
أخبرني الحسن قال حدثنا الفضل عن إسحاق: أن ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغني:
لمن نار بأعلى الخـي ف دون البئر ما تخبو
أرقت لذكر موقعهـا فحن لذكرها القلـب
إذا ما أخمدت ألقـي عليها المندل الرطب فجعل الحاج يركب بعضهم بعضا، حتى جاء إنسان من آخر القطرات فقال: يا هذا قد قطعت على الحاج وحبستهم، والوقت قد ضاق، فاتق الله وقم عنهم فقام وسار الناس.
استحقاق ابن سريج لجائزة سليمان
أخبرني الحسن قال حدثني محمد بن زكريا قال حدثني يزيد بن محمد عن إسحاق الموصلي: أن سليمان بن عبد الملك لما حج سبق بين المغنين بدرة. فجاء ابن سريج وقد أغلق الباب، فلم يأذن له الحاجب، فأمسك حتى سكتوا وغنى:
سرى همي وهم المرء يسري فأمر سليمان بدفع البدرة إليه.
نسبة هذا الصوت صوت
سرى همي وهم المرء يسري وغاب النجم إلا قيس فـتـر
أراقب في المجرة كل نجـم تعرض للمجرة كيف يجري
لهـم لا أزال لـه مـديمـا كأن القلب أسعر حر جمـر
على بكر أخي ولى حـمـيدا وأي العيش يصفو بعد بكـر الشعر لعروة بن أذينة، والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، وفيه لأبي عباد رمل بالوسطى، وذكر الهشامي أن هذا اللحن لصاحب الحرون.
وفاة ابن سريج في خلافة سليمان
صفحة : 86
ابن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال ابن مقمة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى? فقال: أصبحت والله كما قال الشاعر:
كأني من تذكر ما ألاقي إذا ما أظلم الليل البهـيم
سقيم مل منه أقـربـوه وأسلمه المداوي والحميم ثم مات.
قال إسحاق: قال ابن مقمة: لما احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى، وقال: إن من أكبر همي أنت، وأخشى أن تضيعي بعدي. فقالت: لا تخف؛ فما غنيت شيئا إلا وأنا أغنيه. فقال: هاتي. فاندفعت تغني أصواتا وهو مصغ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، وهونت علي أمرك. ثم دعا سعيد بن مسعود الهذلي فزوجه إياها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله؛ فهو الآن ينسب إليه. قال إسحاق: فقال كثير بن كثير السهمي يرثيه:
ما اللهو بعد عبيد حين يخـبـره من كان يلهو به منه بمطلـب
لله قبر عبيد ما تضـمـن مـن لذاذة العيش والإحسان والطرب
لولا الغريض ففيه من شمائلـه مشابه لم أكن فيها بـذي أرب قال إسحاق: وحدثني هشام بن المرية أن قادما قدم المدينة فسار معبدا بشيء، فقال معبد: أصبحت أحسن الناس غناء. فقلنا: أو لم تكن كذلك? فقال: ألا تدرون ما أخبرني به هذا? قالوا لا. قال: أعلمني أن عبيد بن سريج مات، ولم أكن أحسن الناس غناء وهو حي. وفي ابن سريج يقول عمر بن أبي ربيعة: صوت
قالت وعيناها تجودانـهـا صوحبت والله لك الراعي
يابن سريج لا تذع سرنـا قد كنت عندي غير مذياع غنى فيه ابن سريج من رواية يونس.
قال أبو أيوب المديني: توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة، في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد، بمكة ودفن في موضع بها يقال له دسم.
وقفة على قبر ابن سريج بدسم أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني هارون بن أبي بكر قال حدثني إسحاق بن يعقوب العثماني مولى آل عثمان عن أبيه قال: إنا لبفناء دار عمرو بن عثمان بالأبطح في صبح خامسة من الثمان - يعني أيام الحج - قال: كنت جالسا أيام الحج، فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا، فوقفا علي وسألاني، فانتسبت لهما عثمانيا. فنزلا وقالا: رجلان من أهلك لهما حاجة ونحب أن تقضيها قبل أن نشده بأمر الحج. فقلت ما حاجتكما? قالا: نريد إنسانا يقفنا على قبر عبيد بن سريج. قال: فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلة بني أبي قارة من خزاعة بمكة، وهم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتى يقفهما على قبره بدسم، فوجدت ابن أبي دباكل فأنهضته معهما. فأخبرني بعد: أنه لما وقفهما على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه، فإذا هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فعقر ناقته واندفع يندب بصوت شجي كليل حسن ويقول:
وقفنا على قبر بدسم فهاجـنـا وذكرنا بالعيش إذ هو مصحب
فجالت بأرجاء الجفون سوافـح من الدمع تستتلي الذي يتعقب
إذا أبطأت عن ساحة الخد ساقها دم بعد دمع إثره يتـصـبـب
فإن تسعدا نندب عبيدا بـعـولة وقل له منا البكا والتـحـوب ثم نزل صاحبه فعقر ناقته، وقال له القرشي: خذ في صوت أبي يحيى؛ فاندفع يتغنى:
أسعدانـي بـعـبـرة أسـراب من دموع كثيرة الـتـسـكـاب
إن أهل الحصاب قد تركـونـي مولها مولعا بأهل الحـصـاب
أهل بيت تتابعـوا لـلـمـنـايا ما على الموت بعدهم من عتاب
فارقوني وقد علـمـت يقـينـا ما لمـن ذاق مـيتة مـن إياب
كم بذاك الحجون من أهل صدق كهـول أعـفة وشـبـــاب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مـو سى إلى النخل من صفي السباب
فلي الويل بعدهـم وعـلـيهـم صرت فردا وملني أصحـابـي
صفحة : 87
قال ابن أبي دباكل: فوالله ما تمم صاحبه منها ثلاثا حتى غشي على صاحبه، وأقبل يصلح السرج على بغلته وهو غير معرج عليه. فسألته من هو? فقال: رجل من جذام. قلت: بمن تعرف? قال: بعبد الله بن المنتشر. قال: ولم يزل القرشي على حاله ساعة ثم أفاق، ثم جعل الجذامي ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له: أنت أبدا مصبوب على نفسك ومن كلفك ما ترى ثم قرب إليه الفرس، فلما علاه استخرج الجذامي من خرج على بغل قدحا وإداوة ماء، فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج وصب عليه ماء من الإداوة، ثم قال: هاك فاشرب هذه السلوة فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، وركب على البغل وأردفني. فخرجا والله ما يعرضان بذكر شيء مما كنا فيه، ولا أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل ذلك. فلما اشتمل علينا أبطح مكة قالا: انزل يا خزاعي فنزلت. وأومأ الفتى إلى الجذامي بكلام، فمد يده إلي وفيها شيء فأخذته، فإذا هو عشرون ينارا، ومضيا. فانصرفت إلى قبره ببعيرين، فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتهما بثلاثين دينارا.
صوت من المائة المختارة
ثالث الثلاثة الأصوات المختارة
وهو الثالث من الثلاثة المختارة.
أهاج هواك المنزل المتقادم نعم وبه ممن شجاك معالـم
مضارب أوتاد وأشعث دائر مقيم وسفع في المحل جواثم عروضه من الطويل. الشعر لنصيب. والغناء في اللحن المختار لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وله فيه أيضا هزج بالسبابة في مجرى البنصر، وذكر جحظة عن أصحابه أنه هو المختار. وحكى إن أصحابه أنه ليس في الغناء كله نغمة إلا وهي في الثلاثة الأصوات المختارة التي ذكرها.
ومن قصيدة نصيب هذا مما يغنى فيه قوله:
لقد راعني للبين نوح حمـامة على غصن بان جاوبتها حمائم
هواتف أما من بكين فعـهـده قديم وأما شجـوهـن فـدائم الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن يونس ويحيى المكي وإسحاق، وأظنه مع البيتين الأولين وأن الجميع لحن واحد، ولكنه تفرق لصعوبة اللحن وكثرة ما فيه من العمل. فجعلا صوتين.
ذكر نصيب وأخباره
نسب نصيب ونشأته
هو نصيب بن رباح، مولى عبد العزيز بن مروان، وكان لبعض العرب من بني كنانة السكان بودان، فاشتراه بعد العزيز منهم، وقيل: بل كانوا أعتقوه، فاشترى عبد العزيز ولاءه منهم، وقيل: بل كاتب مواليه، فأدى عنه مكاتبته.
وقال ابن دأب: كان نصيب من قضاعة ثم من بلي. وكانت أمه سوداء فوقع عليها سيدها فحبلت بنصيب، فوثب عليه عمه بعد وفاة أبيه فباعه من عبد العزيز.
وقال أبو اليقظان: كان أبوه من كنانة من بني ضمرة. وكان شاعرا فحلا فصيحا مقدما في النسيب والمديح، ولم يكن له حظ في الهجاء، وكان عفيفا، وكا يقال: أنه لم ينسب قط إلا بامرأته.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: كتب إلي عبد الله بن عبد العزيز بن محجن بن نصيب بن رباح يذكر عن عمته غرضة بنت النصيب: أن النصيب كان ابن نوبيين سبيين كانا لخزاعة، ثم اشترت سلامة أم نصيب امرأة من خزاعة ضمرية حاملا بالنصيب، فأعتقت ما في بطنها.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال: كان نصيب من أهل ودان عبدا لرجل من كنانة هو وأهل بيته. وكان أهل البادية يدعونه النصيب تفخيما له، ويروون شعره. وكان عفيفا كبير النفس مقدما عند الملوك، يجيد مديحهم ومراثيهم.
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي قال: كان نصيب من بلي بن
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin