إني لآمل أن أخلد والمنية في طلابي قال: فجعلها ينشدها وإن دموعه لتسيل على خدثه. فما رأيت ذلك لم أصبر أن ملت فكتبتها. وسألت عن الشيخ فقيل لي: هو أبو العاتهية.
كان ابن الأعرابي يعيب شعره
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أبو العباس محم بن لأحمد قال: كان ابن الأعرابي يعيب أبا العتاهية ويثلبه، فأنشدته:
كم من سفيه غاظني سفهـا فشفيت نفسي منه بالحلـم
وكفيت نفسي ظلم عاديتـي ومنحت صفو مودتي سلمي
ولقد رزقت لظالمي غلظا ورحمته إذ لج في ظلمـي أحب شعره إليه
أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني محمد بن إسحاق قالحدثني محمد بن أحمد الأزدي قال: قال لي أبو العاتهية: لم اقل شيئا قط أحب إلي من هذين البيتين في معناهما:
ليت شعري فإنني لست أدري أي يوم يكون آخر عمـري
وبأي البلاد يقبـض روحـي وبأي البقاع يحفر قـبـري راهن جماعة على قول الشعر فغلبهم
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن الفضل قال حدثني محمد بن عبد الجبار الفزاري قال: اجتاز أبو العاتهية في أول أمره وعلى ظهر قفص فيه فخار يدور في الكوفة ويبيع منه، فمر بفتيان جلوس يتذاكرون الشعر ويتناشدونه، فسلم ووضع القفص على ظهره، ثم قال: يافتيان أراكم تذاكرون الشعر، فأقول شيئا منه فتجيرونه، لإان فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم عشرة دراهم؛ فهزئوا منه وشخروا وقالوا نعم. قال: لابد أن يشتري بأحد القمارين رطب يؤكل فإنه قمار حاصل، وجعل رهنه تحت يد أحدهم، ففعلوا. فقال: أجيزوا: ساكني الأجداث أنتم وجعل بينه وبينهم وقتا في ذلك الموضع إذا بلغته الشمس ولم يجيزوا البيت، غرموا الخطر؛ وجعل يهزأ لهم وتممه:
.................. مثلنا بالأمس كنتـم
ليت شعري ماصنعتم أربحتم أم حسرتـم وهي قصدة طويلة ف يشعره.
هجاه أبو حبش وذم شعره
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله عن أبي خيثم العنزي قال: لما حبس الرشيد أبا العتاهية وحلف ألا يطلقه أو يقول شعرا ، قال لي أبو حبش: أسمعت بأعجب من هذا الأمر، تقول الشعراء الشعر الجيد النادر فلا يسمع منهم، ويقول هذا المخنث المفكك تلك الأشعار بالشفاعة ثم أنشدني:
أبا إسحاق راجعت الجمـاعة وعدت إلى القوافي والصناعة
وكنت كجامح في الغي عاص وأنت اليوم ذو سمع وطـاعة
فجر الخز مما كنت تكـسـى ودع عنك التقشف والبشـاعة
وشبب بالتي تهـوى وخـبـر بأنك ميت فـي كـل سـاعة
كسدنا مـانـراه وإن أجـدنـا وأنت تقول شعرك بالشفـاعة خروجه مع المهدي في الصيد
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني أبو خيم العنزي، وكان صديقا لأبي العتاهية، قال حدثني أبو العتاهية قال: أخرجني المهدي معه إلى الصيد، فوقعنا منه على شيء كثير، فتفرق أصحابه في طلبه وأخذ هو في طريق غير طريقهم فلم يلتقوا، وعرض لما واد جرار وتغيمت السماء وبدأت تمطر فتحيرنا، وأشرفنا على الوادي فإذا فيه ملاح يعبر الناس، فلجأنا إليه فسألناه عن الطريق، فجعل يضعف رأينا ويعجزنا في بذلنا أنفسنا في ذلك الغيم للصيد حتى أبعدنا، ثم أجخلنا كوخا له. وكاد المهدي يموت بردا ؛ فقال له: أغطيك بجبتي هذه الصوف? فقال نعم؛ فغطاه بها، فتماسك قليلا ونام. فافتقده غلمانه وتبعوا أثره حتى جاءونا. فلما رأى الملاح كثرتهم علم أنه الخليفة فهرب، وتبادر الغلمان فنحوا الجبة عنه وألقوا عليه الخز والوشي. فملا انتبه قاللي: ويحك مافعل الملاح? فقد والله وجب حقه علينا. فقلت: هرب والله خوفا من قبح ماخاطبنا به. قال: إنا لله والله لقد أردت أن أغنيه، وبأي شيء خاطبنا نحن والله مستحقون لأقبح مما خاطبنا به بحياتي عليك إلا ماهجوتني. فقلت: ياأمير المؤمنين، كيف تطيب نفسي بأن أهجوك قال: والله لتفعلن؛ فإني ضعيف الرأي مغرم بالصيد. فقلت:
يالابس الوشي على ثوبه ماأقبح الأشيب في الراح
صفحة : 361
فقال: زدني بحياتي؛ فقلت:
لو شئت أيضا جلت في خامه وفي وشـاحـين وأوشـاح فقال: ويلك هذا معنى سوء يرويه عنك الناس، وأنا استأهل. زدني شيئا آخر. فقلت: أخاف أن تغضب. قال: لاوالله. فقلت:
كم من عظيم القدر في نفسه قد نام فـي جـبة مـلاح فقال: معنى سوء عليك لعنة الله وقمنا وركبنا وانصرفنا.
في عسكر المأمون
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال حدثنا جماعة من كتاب الحسن بن سهل قالوا: وقعت رقعة فيها بيتا شعر في عسكر المأمون؛ فجيء بها إلى مجاشع بن مسعدة، فقال: هذا كلام أبي العتاهية، وهو صديقي، وليست المخاطبة لي ولكنها للأمير الفضل بن سهل. فذهبوا بها، فقرأها وقال: ماأعرف هذه العلامة. فبلغ المأمون خبرها فقال: هذه إلي وأنا أعرف العلامة. والبيتان: صوت
ما على ذا كنا افترقنا بسـنـدا ن وماهكذا عهـدنـا الإخـاء
تضرب الناس بالمهندة الـبـي ض على غدرهم وتنسى الوفاء قال: فبعث إلى المأمون بمال.
في هذين البيتين لأبي عيسى بن المتوكل رمل من رواية ابن المعتز برابن يقطين له
قال: وكان علي بن يقطين صديقا لأبي العتاهية، وكان يبره في كل سنة ببر واسع، فأبطأ عليه بالبر في سنة من السنين، وكان يبره في كل سنة ببر واسع، فأبطأ عليه بالبر في سنة من السنين، وكان إذا لقيه أبو العتاهيةأو دخل عليه يسر به ويرفهع مجلسه ولايزيده على ذلك. فلقيه ذات يوم وهو يريد دار الخليفة، فاستوقفه فوقف له، فأنشده:
حتى متى ليت شعري يابن يقطين أثني عليك بما لامنك تولـينـي
إن السلام وإن البشر من رجـل في مثل ماأنت فيه ليس يكفيني
هذا زمان ألح الناس فيه عـلـى تيه الملوك وأخلاق المساكـين
أما علمت جزاك الله صـالـحة وزادك الله فضلا يابن اليقطين
أني أريدك للدنيا وعـاجـلـهـا ولاأريدك يوم الـدين لـلــدين فقال علي بن يقطين: لست والله أبرح ولاتبرح من موضعنا هذا إلا راضيا ، وأمر له بكما كان يبعث به إليه في كل سنة، فحمل من وقته وعلي واقف إلى أن تسلمه.
من شعره في الحبس
وأخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثنا محمد بن يزيد قال: بلغني من غير وجه: أن الرشيد لما ضرب أبا العتاهية وحبسه، وكل به صاحب خبر يكتب إليه بكل ما يسمعه. فكتب إليه أنه سمعه ينشد:
أما والله إن الظـلـم لـوم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـي وعند الله تجتمع الخصـوم قال: فيكى الرشيد، وأمر بإحضار أبي العتاهية وإطلاقه، وأمر بألفي دينار.
المنصور بن عمار يرميه بالزندقة
أخبنري محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن موسى عن أحمد بن حرب عن محمد بن أبي العتاهية قال: لما قال أبي في عتبة:
كأن عتابة من حسـنـهـا دمية قس فتنت قـسـهـا
يارب لو أنسيتنيهـا لـمـا في جنة الفردوس لم أنسها شنع عليه منصور بن عمار بالزندقة، وقال: يتهاون بالجنة ويبتذل ذكرها في شعره بمثل هذا التهاون وشنع عليه أيضا بقوله:
إن الـمـلـيك رآك أح سن خلقه وراى جمالك
فحذا بقـدرة نـفـسـه حور الجنان على مثالك وقال: أيصور الحور على مثال امرأة آدمية لايحتاج إلى مثال وأوقع له هذا على ألسنة العامة؛ فلقي منهم بلاء.
سأله الباذغيسي عن أحسن شعره فأجابه
حدثي هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا خليل بن أسد قال حدثني أبو سلمة الباذغيسي قال: قلت لأبي العتاهية: في أي شعر أنت أشعر? قال: قولي:
الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحن أنشد المأمون شعره في الموت فوصله
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني بحيى بن عبد الل القرشي قال حدثني المعلى بن أيوب قال:
صفحة : 362
دخلت على المأمون يوما وهو مقبل على شيخ حسن اللحية خضيب شديد بياض الثياب على رأسه لاطئة، فقلت للحسن بن أبي سعيد-قال: وهو ابن خالة المعلى بن أيوب. وكان الحسن كاتب المأمون على العامة-: من هذا? فقال: أما تعرفه? فقلت: لوعرفته ما سألتك عنه. فقال: هذا أبوالعتاهية. فسمعت المأمون يقول له: أنشدني أحسن ماقلت في الموت؛ فانشده:
أنساك محياك الممـاتـا فطلبت في الدنيا الثباتا
أوثقت بـالـدنـيا وأن ت ترى جماعتها شتاتا
وعزمت منك على الحيا ة وطولها عزما بتاتـا
يامن رأى أبـويه فـي من قد رأى كانا فماتـا
هل فيهما لك عـبـرة أم خلت أن لك انفلاتـا
ومن الذي طلب التفـل ت من منيته فـفـاتـا
كل تصبحـه الـمـن ية أو تبـييتـه بـيتـا قال: فلما نهض تبعته فقبضت عليه في الصحن أو في الدهليز، فكتبتها عنه.
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الجاحظ عن ثمامة قال: دخل أبو العتاهية على المأمون فانشده:
ماأحسن الدنيا وإقـبـالـهـا إذا أطاع الله من نـالـهـا
من لم يواس الناس من فضلها عرض للإدبار إقبـالـهـا فقال له المأمون: ماأجود البيت الأول فأما الثاني فما صنعت فيه شيئا ، الدنيا تدبر عمن واسى منها أو ضن بها، وإنما يوجب السماحة بها الأجر، والضن بها الوزر. فقال: صدقت ياأمير المؤمنين، أهل الفضل أولى بالفضل، وأهل النقصأولى بالنقص. فقال المأمون: ادفع إليه عشرة آلاف درهم لاعترافه بالحق. فلما كان بعد أيام عاد فامشده:
كم غافل أودى به الموت لم يأخذ الأهبة للفـوت
من لم تزل نعمته قبلـه زال عن النعمة بالموت فاقل له: أحسنت الآن طيبت المعنى؛ وأمر له بعشرين ألف درهم.
تأخرت عنه عادة المأمون سنة فقال أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني ابن سنان العجلي عن الحسن بن عائذ قال: كان أبو العتاهية يحج في كل سنة، فإذا قدم أهدى إلى المأمون بردا ومطرقا ونعلا سوداء ومساويك أراك، فيبعث إليه بعشرين ألف درهم. وكان يوصل الهدية من جهته منجاب مولى المأمون ويجيئه بالمال. فأهدى مرة له كما كان يهدي كل سنة إذا قدم، فلم يبثه ولابعث إليه بالوظيفة. فكتب إليه أبو العتاهية:
خبروني أن من ضرب السنة جددا بيضا وصفرا حسنة
أحدثت لكنـنـي لـم أرهـا مثل ما كنت أرى كل سـنة فأمر المأمون بحمل العشرين آلاف درهم، وقال: أغفلناه حتى ذكرنا كان الهادي واجدا عليه فلما تولى استعطفه
حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عروة بن يوسف الثقفي قال: لما ولي الهادي الخلافة كان واجدا على ابي العتاهية لملازمته أخاه هارون وانقكطاعه إليه وتركه موسى، وكان أيضا قد أمر أن يخرج معه إلى الري فأبى ذلك؛ فخافه وقال يستعطفه:
ألا شافع عند الخـلـيفة يشـفـع فيدفع عـنـا شـر مـايتـوقـع
وإني على عظم الرجاء لـخـائف كأن على رأسي الأسنة تـشـرع
يروعني موسى على غير عـثـرة ومالي أرى موسى من العفو أوسع
وماآمن يمسـي ويصـبـح عـائدا يعفو أمي رالـمـؤمـنـين يروع مدح الهادي فأمر خازنه بإعطائه فمطله فقال شعرا في ابن عقال فعجلها له: حدثني الصولي قال حدثني علي بن الصباح قال حدثني محمد بن أبي العتاهية قال: دخل أبي علي الهادي فأنشده:
ياأمين الـلـه مـالـي لست أدري اليوم مالي
لم أنل منك الـذي قـد نال غيري من نـوال
تبذل الحق وتعـطـي عن يمين وشـمـال
وأنا الـبـائس لاتـن ظر في رقة حالـي
صفحة : 363
قال: فأمر المعلى الخازن أن يعطيه عشرة آلاف درهم. قال أبو العتاهية: فأتيته فأبى أن يعطيها. ذلك أن الهادي امتحنني في شيء من الشعر، وكان مهيبا ، فكنت أخافه فلم يطعني طبعي، فأمر لي بهذا المال، فخرجت. فلما منعنيه المعلى صرت إلى ابي الوليد أحمد بن عقال، وكان يجالس الهادي، فقلت له:
أبلغ سلمت أبا الوليد سـلامـي عني أمير الؤمنـين إمـامـي
وإذا فرغت من السلام فقل لـه قد كان ماشاهدت من إفحامـي
وإذا حصرت فليس ذاك بمبطـل ماقد مضى من حرمتي وذمامي
ولطالما وفدت إليك مـدائحـي مخطوطة فلـيأت كـل مـلام
أيام لـي لـسـن ورقة جــدة والمرء قد يبـلـي مـع الأيام قال: فاستخرج لي الراهم وأنفذها إلي: كان الهادي واجدا عليه فلما تولى استعطفه ومدحه فأجازه: حدثني الصولي ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال: ولهد للهادي ولد في أول يوم ولي الخلافة؛ فدخل أبو العتاهية فأنشده:
أكثر موسى غيظ حساده وزين الأرض بـأولاده
وجاءنا من صلبـه سـيد أصيد في تقطيع أجداده
فاكتست الأرص به بهجة واستبشر الملك بمـيلاده
وابتسم المنبر عن فرحة عليت بها ذروة أعـواده
كأنني بعـد قـلـيل بـه بين مـوالـيه وقـواده
في محفل تخفق راياتـه قد طبق الأرض بأجناده قال: فأمر له موسى بألف دينار وطيب كثير، وكان ساخطا عليه فرضب عنه.
حضر غضب المهدي على أبي عبيد الله
وترضاه عنه بشعر فرضي عنه:
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني علي بن يزيد الخزرجي الشاعر عن يحيى بن الربيع قال: دخل أبو عبيد الله علي المهدي، وكان قد وجد عليه في أمر بلغه عنه، وأبو العتاهية حاضر المجلس، فجعل المهدي يشتم أبا عبيد الله وبتغيظ عليه، ثم أمر به فجر برجله وحبس، ثم أطرق المهدي طويلا . فلما سكن أنشده أبوالعتاهية:
أرى الدنيا لمن هي في يديه عذابا كلما كثـرت لـديه
تهين المكرمين لها بصغـر وتكرم كل من هانت عليه
إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذه ماأنت محتاج إلـيه فتبسم المهدي وقال لأبي العتاهية: أحسنت فقام أبو العتاهية ثم قال: والله ياأمير المؤمنين، مارأيت أحدا أشد إكراما للدنيا ولاأصون لها ولاأشح عليها من هذا الذي جر برجله الساعة. ولقد دخلت إلى أمير المؤمنين ودخل هو وهو أعز الناس، فما برحت حتى رأيته أذل الناس، ولو رضي من الدنيا بما يكفيه لاستوت أحواله ولم تتفاوت. فتبسم المهدي ودعا بأبي عبيد الله فرضي عنه. فكان أبو عبيد الله يشكر ذلك لأبي العتاهية.
روحانيان يطيران بين السماء والأرض
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني محمد بن الحسن قالحدثني إسحاق بن حفص قال: أنشدني هارون بن مخلد الرازي لأبي العتاهية:
ما إن يطيب لذي الرعاية لل أيام ولالـعـب ولالـهـو
إذ كان يطرب في مسرتـه فيموت من أجزائه جـزو فقلت: ماأحسنهما فقال: أهكذا تقول والله لهما روحانيان يطيران بين السماء والأرض فضله ابن مناذر على جميع المحدثين
أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي عن ابن عكرمة عن مسعود بن بشر المازني قال: لقيت ابن مناذر بمكة، فقلت له: من أشعر أهل الإسلام? فقال: أترى من إذا شئت هزل، وإذا شئت جد? قالت: من? قال: مثل جرير حين يقول في النسيب:
إن الذين غدوا بلبك غـادروا وشلا بعينك مايزال معينـا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينـا ثم قال حين جد:
إن الذي حرم المكارم تغلـبـا جعل النبوة والخـلافة فـينـا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ياآل تغلب منـأب كـأبـينـا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ساقكم إلي قـطـينـا
صفحة : 364
ومن المحدثين هذا الخبيث الذي يتناول شعره في كمه. فقلت: من? قال: أبو العتاهية. قلت: في ماذا? قال: قوله:
الله بيني وبين مـولاتـي أبدت لي الصد والملالات
لاتغفر الذنب إن أسأت ولا تقبل عذري ولامواتاتـي
منحتها مهجتي وخالصتي فكان هجرانها مكافاتـي
أقلقني حبها وصـيرنـي أحدوثة في جميع جاراتي ثم قال حين جد:
ومهمه قد قطعت طامـسـه قفر على الهول والمحـامـاة
بحـرة جـسة عـذافـــرة خوصاء عـيرانة عـلـنـداة
تبادر الشمس كلما طـلـعـت بالسير تبغي بذاك كرضاتـي
ياناق خبي بـنـا ولاتـعـدي نفسك ممـا تـرين راحـات
حتىتناخي بنـا إلـى مـلـك توجه الله بـالـمـهـابـات
عليه تاجان فوق مـفـرقـه تاج جلال وتـاج إخـبـات
يقول للريح كلما عـصـفـت هل لك ياريح في مبـاراتـي
من مثل من عمه الرسول ومن أخواله أكـرم الـخـؤولات إسحاق بن وعبادة معشوقته
أخبرني وكيع قال: قال الزبير بن بكار حدثني أبو غزية، وكان قاضيا على المدينة، قال: كان اسحاق بن عزيز يتعشق عبادة جارية المهلبية، وكانت المهلبية منقطعة إلى الخيرزان. فركب إسحاق يوما ومعه عبد الله بن مصعب يريديان المهدي، فلقيا عبادة؛ فقال إسحاق: يا أبا بكر، هذه عبادة، وحرك دابته حتى سبقها فنظر إليها، فجعل عبد الله بن مصعب يتعجب من فعله. ومضيا فدخلا على المهدي، فحدثه عبد الله بن مصعب بحديث إسحاق ومات فعل. فقال: أنا اشتريها لك ياإسحاق. ودخل علىالخيرزان فدعا بالمهلبية. فحضرت، فأعطاها بعبادة خمسين ألف درهم. لإسحاق بن عزيز. فبكت وقالت: أتؤثر علي إسحاق بن عزيز وهي يدي ورجلي ولساني في جميع حوائجي فقالت لها الخيرزان عند ذلك: ما يبكيك? والله لاوصل إليها ابن عزيز أبدا ، صار يتعشق جواري الناس فخرج المهدي فأخبر ابن عزيز بما جرى، وقال له: الخمسون ألف درهم لك مكانها، وأمر له بها، فأخذها عن عبادة. فقال أبو العتاهية يعيره بذلك:
من صدق الحـب لأحـبـابـه فإن حب ابن عـزيز غـرور
أنساه عـبـادة ذات الـهـوى وأذهب الحب الذي في اضلمير
خسمون ألفا كـلـهـا راجـح حسنا لها في كل كيس صرير وقال أبو العتاهية في ذلك ايضا :
حبك للمال لاكحبك عـب ادة يافاضح المحـبـينـا
لو كنت أصفيتها الوداد كما قلت لما بعتها بخمسـينـا طال وجع عينه فقال شعرا
حدثني الصولي قال حدثني جبلة بن محمد قال حدثني أبي قال: رأيت أبا العتاهية بعدما تخلص من حبس المهدي وهويلزم طبيبا على بابنا ليكحل عينه. فقيل له: قد طال وجع عينيك؛ فأنشأ يقول: صوت
أيا ويح نفسي ويحها ثم ويحـهـا أمامن خلاص من شباك الحبائل
أيا ويح عيني قد اضر بها البكـا فلم يغن عنها طب مافي المكاحل في هذين البيتين لإبراهيم الموصلي لحن من الثقيل الأول.
كان الهادي واجدا عليه لاتصاله بهارون
فلما ولي الخلافة مدحه فأجزل صلته:
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا عمر بن شبة قال: كان الهادي واجدا علي أبي العتاهية لملازمته أخاه هارون في خلافة المهدي، فلما ولي موسى الخلافة، قال أبو العتاهية يمدحه: صوت
يضطرب الخوف والرجاء إذا حرك موسى القضيب أو فكر
ماأبين الفضل في مغيب مـا أورد من رأيه ومـاأصـدر في هذين البيتين لأبي عيسى بن المتوكل لحن من الثقيل الأول في نهاية الجودة، ومابان به فضله في الصناعة-:
فكم ترى عز عند ذلـك مـن معشر قوم وذل من معشـر
يثمر من مسه القضيب ولـو يمسه غيره لـمـا أثـمـر
من مثل موسى ومثل والده ال مهدي أو جده أبي جعـفـر قال: فرضي عنه. فلما دخل عليه أنشده:
لهفي على الزمن القصير بين الخورنق والسـدير
صفحة : 365
إذ نـحـن فـي غـرف الــجـــنـــا ن نـعـوم فـي بـحـر الــســـرور
في فـتـية مـلــكـــو عـــنـــا ن الـدهـر أمـثـال الـصـــقـــور
مامـنــهـــم إلا الـــجـــســـو ر عـلـى الـهـوى غـير الـحـصـور
يتـــعـــــاورون مـــــــدامة صهـبـاء مـن حـلـب الـعـصـــير
عذراء رابـــهـــا شـــعــــــا ع الـشـمـس فـي حـر الـهـجـــير
لم تـــدن مـــن نـــار ولـــــم يعـلـق بـهـا وضـر الـــقـــدور
ومـقـرطــق يمـــشـــي أمـــا م الـقـوم كـالـرشــأ الـــغـــرير
بزجاجة تستخرج السر الدفين من الضمـير
زهراء مثل الكوكب الدري في كف المدير
تدع الكريم وليس يد ري مـاقـــبـــيل مـــن دبـــي
ومــخـــصـــرات زرنـــنـــا بعـد الـهـدو مـــن الـــخـــدور
ريا روادفـــــــهــــــــن يل بسـن الـخـواتـم فـي الـخـصـــور
غر الـوجـوه مـــحـــجـــبـــا ت قـاصـرات الـطـــرف حـــور
متـنـعـمـات فـي الـــنـــعـــي م مـضـمـخـات بـالــعـــبـــير
يرفـلـن فـي حـلـل الــمـــحـــا سن والـمـجـاســد والـــحـــرير
ماإن يرين الشمس إلا الفرط من خلل الستور
وإلى أمين الله مه ر بـنـا مـن الـدهـر الـعــثـــور
وإلـيه أتـعـبـنــا الـــمـــطـــا يا بـالـرواح وبــالـــبـــكـــور
ضغـر الـخـــدود كـــأنـــمـــا جنـحـن أجـنـحة الــنـــســـور
متـسـربـــلات بـــالـــظـــلا م عـلـى الـسـهـولة والــوعـــور
حتـى وصـلـــن بـــنـــا إلـــى رب الـمــدائن والـــقـــصـــور
مازال قــبـــل فـــطـــامـــه في سـن مـكـتـهـــل كـــبـــير -قال: قيل لو كان جزل اللفظ لكان أشعر الناس - فأجزل صلته. وعاد إلى أفضل ما كان له عليه.
في خلافة المأمون
أخبرن يعمي الحسن بن محمد قال حدثني الكراني عن أبي حاتم قال: قدم علينا ابو العتاهية في خلافة المأمون. فصار إليه أصحابنا فاستنشدوه، فكان أول ماأنشدهم:
ألم تر ريب الدهر في كل سـاعة له عارض فيه المنـية تـلـمـع
أيا باني الدنيا لغـيرك تـنـتـنـي وياجامع الدنيا لغيرك تـجـمـع
أرى المرء وثابا على كل فـرصة وللمرء يوما لامحالة مـصـرع
تبارك من لايملك المـلـك غـيره متى تنقضي حاجات من ليس يشبع
وأي امرىء في غاية ليس نفسـه إلى غاية أخرى سواها تـطـلـع قال: وكان أصحابنا يقولون: لو أن طبع أبي العتاهية بجزالة لفظ لكان أشعر الناس.
تمثل الفضل بشعر له
حين انحطت مرتبته في دار المأمون:
أخبرني السحن بن علي قال حدثنا ابن مهروية قال حدثني سليمان بن جعفر الجزري قال حدثني أحمد بن عبد الله قال: كانت مرتبة أبي العتاهية مع الفضل بن الربيع في موضع واحد في دار المأمون. فقال الفضل لأبي العتاهية: يا أبا إسحاق، ماأحسن بيتين لك وأصدقهما قال: وماهما? قال: قولك:
ماالناس إلا للكثير المـال أو لمسلط مادام في سلطـانـه
فإذا الزمان وماهما ببـلـية كان الثقات هناك من أعوانه يعني: من أعوان الزمان. قال: وإنما تمثل الفضل بن الربيع بهذين البيتين لانحطاط مرتبته في دار المأمون وتقدم غيره. وكان المأمون أمر بذلك لتحريره مع اخيه.
كان ملازما للرشيد فلماتنسك حبسه
ولما استعطفه أطلقه:
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: قال لي محمد بن أبي العتاهية: كان لأبي لايفارق الرشيد في سفر ولاحضر إلا في طريق الحج، وكان يجري عليه في كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والمعاون. فلما قدم الرشيد الرقة، لبس أبي الصوف وتزهد وترك حضور المنادمة والقول في الغزل، وأمر الرشيد بحبسه فحبس؛ فكتب إليه من وقته: صوت
أنا اليوم لي والحمد لله أشهـر يروح علي الهم منكم ويبكـر
تذكر أمين الله حقي وحرمتـي وماكنت توليني لعلك تـذكـر
ليالي تدني منك بالقرب مجلسي ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مـرة إلي بها في سالف الدهر تنظر قال: فلما قرأ الرشيد الأبيات قال: قولوا له: لابأس عليك. فكتب غليه: صوت
صفحة : 366
أرقت وطار عن عيني النعاس ونام السامرون ولم يواسـوا
أمين الله أمنـك خـير أمـن عليك من التقى فيه لـبـاس
تساس من السماء بكـل بـر وأنت به تسوس كما تسـاس
كأن الخلق ركب فـيه روح له جسد وأنت عـلـيه رأس
أمين الله إن الحـبـس بـأس وقد أرسلت: ليس عليك باس -غنى في هذه الأبيات إبراهيم، ولحنه ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسكى. وفيهأيضا ثقيل أول عن الهشامي-قال: وكتب عليه أيضا في الحبس:
وكلفتني ماحلت بيني وبـينـه وقلت سأبغي ماتريد وماتهوى
فلو كان لي قلبان كلفت واحدا هواك وكلفت الخلي لما يهوى قال: فأمر بإطلاقه.
حدثني عمي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني ثابت بن الزبير بن حبيب قال حدثني ابن أخت أبي خالد الحربي قال: قال لي الرشيد: احبس أباالعتاهية وضيق عليه حتى يقول الشعر الرقيق في الغزل كما كان يقول. فحبسته في بيت خمسة أشبار في مثلها؛ فصاح: الموت، أخرجوني، فأنا أقول كل ماشئتم. فقلت: قل. فقال: حتى أتنفس. فأخرجته وأعطيته دواة وقرطاسا ؛ فقالأبياته اللتي أولها:
من لعبد أذلـه مـولاه ماله شافع إليه سـواه
يشتكي مابه إليه ويخشا ه ويرجوه مثل مايخشاه قال: فدفعتها إلي مسرور الخادم فأوصلها، وتقدم الرشيد إلى إبراهيم الموصلي فغنى فيها، وأمر بإحذار ابي العتاهية فأحضر. فلما أحضر قال له: أنشدني قولك: صوت
ياعتب سـيدتـي أمـالـك دين حتىمتى قلبي لـديك رهـين
وأنا الذلول لكل ماحملـتـنـي وأنا الشقي البائس المسـكـين
وأنا الغداة لكل باك مـسـعـد ولكل صب صاحـب وخـدين
لابأس إن لذاك عـنـدي راحة للصب أن يلقى الحزين حزين
ياعتب أيين أفر منك أمـيرتـي وعلي حصن من هواك حصين -لإبراهيم في هذه الأبيات هزج عن الهشامي -فأمر له الرشيد بخمسن ألف درهم وله في الرشيد لما حبسه أشعار كثيرة منها قوله:
يارشيد الأمر أرشدني إلـيى وجه نجحي لاعدمت الرشدا
لاأراك اللـه سـوءا أبـدا مارأت مثلك عـين أحـدا
أعن الخائف وارحم صوتـه رافعا نحـوك يدعـوك يدا
وابلائي من دعـاوى أمـل كلما قلت تـدانـي بـعـدا
كم أمني بغـد بـعـد غـد ينفذ العمر ولم ألـق غـدا هجا القاسم بن الرشيد فشربه وحبسه ولما اشتكى إلى زبيدة بره الرشيد وأجازه: نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: حدثني علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال: مر القاسم بن الرشيد في موكب عظيم وكان من أتيه الناس، وأبو العتاهية جالس مع قوم على ظهر الطريق، فقام أبو العتاهية حين رآه إعظاما له، فلم يزل قائما حتى جاز، فأجازه ولم يلتفت إليه؛ فقال أبو العتاهية:
يتيه ابن آدم من جهـلـه كأن رحا الموت لاتطحنه فسمع بعض من في موكبه ذلك فأخبر به القاسم؛ فيعث إلى أبي العتاهية وضربه مائة مقرعة، وقال له: يا ابن الفاعلة? أتعرض لي في مثل ذلك الموضع? وحبسه في داره. فدس أبو العتاهية إلى زبيدة بنت جفعر، وكانت تزجب له حفه ، هذه الأبيات:
حتى متى ذو التيه في تيهه أصلحه الـلـه ةعـافـاه
يتيه أهل التيه من جهلهـم وهم يموتون وإن تاهـوا
من طلب العو ليبقى بـه فإن عز المرء تـقـواه
لم يعتصم بالله منخلـقـه من ليس يرجوه ويخشـاه وكتب إليها بحالة وضيق حبسه، وكانت مائلة إليه، فرثت له وأخبرت الرشيد بأمره وكلمته فيه؛ فأحضره وكساه ووصله، ولمك يرض عن القاسم حتى بر أبا العتاهية وأدناه واعتذر إليه.
ونسخت من كتاب هارون بن علي: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني محمد بن سهل عن خالد بن أبي الأزهر قال:
صفحة : 367
بعث الرشيد بالحرشي إلى ناحيى الموصل، فجبى له منها مالا عظيما من بقايا الخراج، فوافى به باب الرشيد، فأمر بصرف المال أجمع إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدثوا به؛ فرأيت أبا العتاهية وقد أخذه شبه الجنون، فقلت له: مالك ويحك?? فقال لي: سبحان الله أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، ولاتتعلق كفي بشيء منه ثم دخل إلى الرشيد بعد أيام فأنشده:
الله هون عندك الدنيا وبغضها إليكا
فأبيت إلا تصغر كل شيء في يديكا
ماهانت الدني على أحد كـمـا هـانـت عـلـيكـا فقال له الفضل بن الربيع: ياأمير المؤمنين، مامدحت الخلفاء بأصدق من هذا المدح. فقال: يافضل، أعطه عشرين ألف درهم. فغدا أبو العتاهية على الفضل فأنشده:
إذا ما كنت متخذا خـلـيلا فمثل الفضل فاتخذ الخلـيلا
يرى الشكر القليل له عظيما ويعطي من مواهبه الجزيلا
أراني حيثما يممت طرفـي وجدت على مكارمه دلـيلا فقال له الفضل: والله لولا أن اساوي أمير المؤمنين لأعطيتك مثلها، ولكن سأوصلها إليك في دفعات، ثم أعطاه ما أمر به الرشيد، وزاد له خمسة آلاف درهم من عنده.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا المبرد قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال: سمعت الأمير علي بن عيسى بن جعفر يقول: كنت صبيا في دار الرشيد، فراست شيخا ينشد والناس حوله:
ليس للإنسان إلا مـارزق أستعين الله بالـلـه أثـق
علق الهم بقلـبـي كـلـه وإذا ماعلق الهم عـلـق
بأبي من كان لي من قلبـه مرة ود قلـيل فـسـرق
يابني الإسلام فيكم مـلـك جامع الإسلام عنه يفترق
لندى هارون فيكـم ولـه فيكم صوب هطول وورق
لم يزل هارون خيرا كلـه قتل الشر به يوم خـلـق فقلت لبعض الهاشميين: أما ترى إعجاب الناس بشعر هذا الرجل? فقال: يابني، إن الأعناق لتقطع دون هذا الطبع. قال: ثم كان الشيخ أبا العتاهية، والذي سأله إبارهيم بن المهدي استعطف الرشيد وهو محبوس فأطلقه حدثنا الصولي قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد القوي بن محمد بن أبي العتاهية عن أبيه قال: لبس أبو العتاهية كساء صوف ودراعة صوف، وآلى على نفسه ألا يقول شعرا في الغزل، وأمر الرشيد بحبسه والتضييق عليه؛ فقال: صوت
يابن عم النبي سمعـا وطـاعة قد خلعنا الكسـاء والـدراعة
ورجعنا إلى الصنـاعة لـمـا كان سخط الإمام ترك الصناعة وقال أيضا :
أما رحمتني يوم ولت فأسرعت وقد تركتني واقفا أتـلـفـت
أقلب طرفي كي أراها فلا أرى وأحلب عيني درها وأصـوت فلم يزل الرشيد متوانيا في إخراجه إلى أن قال:
أما والله إن الظـلـم لـوم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـي وعند الله تجتمع الخصـوم
لأمر ماتصرفت اللـيالـي وأمر ماتوليت الـنـجـوم
تموت غدا وأنت قرير عين من الغفلات في لجج تعوم
تنام ولم تنم عنك الـمـنـايا تنبه لـلـمـنـية يانـؤوم
سل الأيام عن أمم تقضـت سنخبرك المعالم والرسـوم
تروم الخلد في دار المنـايا وكم قد رام غيرك ماتروم
ألا يا أيها الملك المـرجـى عليه نواهض الدنيا تحـوم
أقلني زلة لم أجر مـنـهـا إلى لوم ومامثلي مـلـوم
وخلصني تخلص يوم بعـث لإذا للناس برزت الجحـيم فرق له وأمر بإطلاقه.
حديثه عن شعره ورأى أبي نواس فيه
نسخت من كتبا هارون بن علي: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني ابن أبي الأبيض قال:
صفحة : 368
أيتيت أبا العتاهية فقلت له: إني رجل أقول الشعر في الزهد، ولي فيه أشعار كثيرة، وهو مذهب أستحسنه؛ لأني أرجو ألا آثم فيه، وسمعت شعرك في هذا المعنى فأحببت أن أستزيد منه، فأحب أن تنشدني من جيد ماقلت؛ فقال: أعلم أن ماقلته رديء. قلت: وكيف? قال: لأن الشعر ينبغي أن يكون مثل أشعار الفحول المتقدمين أو مثل شعر بشار وابن هرمة، فإن لم يكن كذلك فالصواب لقائله أن تكون ألفاظه مما لا تخفى علي جمهور الناس مثل شعري، ولا سيما الأشعار التي في الزهد؛ فإن الزهد ليس من مذاهب الملوك ولا من مذاهب رواة الشعر ولا طلاب الغريب، وهو مذهب أشغف الناس به الزهاد وأصحاب الحديث والفقهاء وأصحاب الرياء والعامة، وأعجب الأشياء إليهم ما فهموه. فقلت: صدقت. ثم أنشدني قصيدته:
لدوا الموت وابنوا للـخـراب فكلكم يصير إلـى تـبـاب
ألا يا موت لم أر منـك بـدا أتيت وما تحيف وما تحابـي
كأنك قد هجمت على مشيبي كما هجم المشيب على شبابي قال: فصرت إلى أبي نواس فأعلمته ما دار بيننا؛ فقال: والله ما أحسب في شعره مثل ما أنشدك بيتا آخر. فصرت غليه فأخبرته بقول أبي نواس؛ فأنشدني قصيدته التي يقول فيها:
طول النعاشر بين الناس ممـلـول ما لابن آدم إن فتشت مـعـقـول
يا راعي الشاء لا تغفل رعايتـهـا فأنت عن كل ما استرعيت مسؤول
إني لفي منزل مازلـت أعـمـره على يقين بأني عنـه مـنـقـول
وليس في موضع يأتيه ذو نـفـس إلا وللموت سيف فيه مـسـلـل
لم يشغل الموت عنا مذ أعج لـنـا وكلنا عنه باللـذات مـشـغـول
ومن يمت فهو مقطوع ومجتـنـب والحي ماعاش مغشي وموصـول
كل مابدا لـك فـالآكـال فـانـية وكـل ذي أكـل لابـد مـأكـول قال: ثم أنشدني عدة قصائد ما هي بدون هذه، فصرت إلى أبي نواس فأخبرته؛ فتغير لونه وقال: لم خبرته بما قلت قد والله أجاد ولم يقل فيه سوءا .
كان أبو نواس يجله ويعظمه أخبرن يالحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني علي بن عبد الله بن سعد قال حدثني هارون بن سعدان وملى البجليين قال: كنت مع ابو نواس قريبا من دور بين نيبخت بنهر طابق وعنده جماعة، فجعل يمر به القواد والكتاب وبنو هاشم فيسلمون عليه وهو متكىء ممدود الرجل لايتحرك أحد منهم، حتى نظرنا إليه قد قبض رجليه ووثب وقام إلى شيخ قد أقبل علي حمار له، فاعتنق أبا نواس ووقف أبو نواس يحادثه، فلم يزل واقفا معه يروح بين رجليه يرفع رجلا ويضع أخرى، ثم مضى الشيخ ورجع إلينا أبو نواس وهو يتأوه. فقال له بعض من حضر: والله لأنت أشعر منه. فقال: والله مارأيته قط إلا ظننت أنه سماء وأنا أرض رأي بشارفيه
قال محمد بن القاسم حدثني علي بن محمد بن عبد الله الكوفي قال حدثني السري بن الصباح مولى ثوبان بن علي قال: كنت عند بشار فقلت له: من أشعر أهل زماننا? فقال: مخنث أهل بغداد )يعني أبا العتاهية( عزى المهدي في وفاة ابنته فأجازه
أخبرني يحيىبن علي المنجم إجازة: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الخزجي الشاعر قال حدثني عبد الله بن أيوب الأنصاري قال حدثني أبو العتاهية قال: ماتت بنت المهدي فحزن عليها حزنا شديدا حتى امتنع من الطعام والشراب، فقلت أبياتا أعزيه بها؛ فوافيته وقد سلا وضحك وأكل وهويقول: لابد من الصبر على مالابد منه، ولئن سلونا عمن فقدنا ليسلون عنا من يفقدنا، ومايأتي الليل والنهار على شيء إلا أبليه. فلما سمعت هذا منه قلت: ياأمير المؤمنين، أتأذن لي أن أنشدك? قال هات؛ فأنشدته:
ما للجديدين لايبلى اختلافـهـمـا وكل غض جديد فيهمـا بـالـي
يامن سلا عن حبيب بعد مـيتـتـه كم بعد موتك أيضا عنك من سالي
كأن كـل نـعـيم أنـت ذائقــه من لذة العيش يحكي لمـعة الآل
لاتلعبن بك الـدنـيا وأنـت تـرى ماشئت من عبر فيهـا وأمـثـال
ماحيلة الموت إلا كـل صـالـحة أولا فما حيلة فيه لـمـحـتـال
صفحة : 369
فقال لي: أحسنت ويحك وأصبت مافي نفسي وأوجزت ثم أمر لكل بيت بأفل درهم حبسه الرشيد مع إبراهيم الموصلي ثم أطلقهما
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن خلاد قال حدثني أبي قال: لما مات موسى الهادي قال الرشيد لأبي العتاهية: قل شعرا في الغمزل؛ فقال: لاأقول شعرا بعد موسى أبدا ، فحبسه. وأمر إبراهيم الموصلي أن يغني؛ فقال: لاأغني بعد موسى أبدا ، وكان محسنا إليهما، فحبسه. فلما شخص إلى الرقه حفر لهما حفرة واسعة وقطع بينهما بحائط، وقال: كونا بهذا المكان لاتخرجا منه حتى تشعر أنت ويغني هذا. فصبرا على ذلك برهة. وكان الرشيد يشرب ذات يوم وجعفر بن يحيى معه، فغنت جارية صوتا فاستحسناه وطربا عليه طربا شديدا ، وكان بيتا واحدا . فقال الرشيد: يماكان أحوجه إلى بيت ثان ليطول الغناء فيه فنستمتع مدة طويلةبه فقال له جعفر: قد أصبته. قال: من أين? قال: تبعث إلى أبي العتاهية فيلحقه به لقدرته على الشعر وسرعته. قال: هو أنكد من ذلك، لايجيبنا وهو محبوس ونحن في نعيم وطرب. قال: بلى فاكتب إليه حتى تعلم صحة ماقلت لك. فكتب غليه بالقصة وقال: ألحق لنا بالبيت بيتا ثانيا . فكتب إليه أبوالعتاهية:
شغل المسكين عن تلك المحن فارق الروح وأخلى من بدن
ولفد كلفت أمرا عـجـبـا اسأل التفريخ نم بيت الحزن فلما وصلت قال الرشيد: قد عرفتك أنه لايفعل. قال: فتخرجه حتى يفعل. قال: لا حتى يشعر؛ فقد حلفت. فأقام أياما لايفعل. قال: ثم قال أبو العتاهية لإبراهيم: إلى كم هذا نلاج الخلفاء هلم أقل شعرا وتغن فيه. فقال أبو العتاهية:
بأبي من كان في قلبي له مرة حب قليل فـسـرق
يابني العباس فيكم مـلـك شعب الإحسان منه تفترق
إنما هارون خـير كـلـه مات كل الشرمذ يوم خلق وغنى فيه إبراهيم. فدعا بهماالرشيد؛ فأنشده أبوالعتاهية وغناه إبراهيم، فأعطى كل واحد منهما مائة ألف درهم ومائة ثوب.
حدثني الصولي بهذا الحديث عن الحسين بن يحيى عن عبدالله بن العباس بن الفضل بن الربيع، فقال فيه: غضب الرشيد على جارية له فحلف ألا يدخل إليها أياما ، ثم ندم فقال:
صد عني إذ رآني مفتـتـن وأطال الصد لما أن فطـن
كان مملوكي فأضحى مالكي إن هذا من أعاجيب الزمن وقال لجعفر بن يحيى: اطلب لي من يزيد على هذين البيتين. فقال له: ليس غير ابي العتاهية. فبعث إليه فأجاب بالجواب المذكور، فأمر بإطلاقه وصلته. فقال: الآن طاب القول؛ ثم قال:
عزة الحب أرته ذلـتـي في هواه وله وجه حسن
ولهذا صرت مملوكا له ولهذا شاع مابي وعلـن فقال: احسنت والله وأصبت مافي نفسي وأضعف صلته شعره في ذم الناس
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الهيثم بن عثمان قال حدثني شبيب بن منصور قال: كنت في الموقف واقفا على باب الرشيد، فإذا رجل بشع الهيئة على بغل قد جاء فوقف، وجعل الناس يسلمون عليه ويسائلونه ويضاحكونه، ثم وقف في الموقف، فأقبل الناس يشكون أحوالهم: فواحد يقول: كنت منقطعا إلىفلان فلم يصنع بي خيرا ، ويقول آخر: أملت فلانا فخاب أملي وفعل بي، ويشكو آخر من حاله؛ فقال الرجل:
فتشت ذي الدنيا فليس بها أحد أراه لآخر حـامـد
حتى كأن الناس كلـهـم قد أفرغوا في قالب واحد فسألت عنه فقيل: هو أبو العتاهية يخاطب سلما الخاسر:
تعالى الله ياسلم بن عمـرو إذل الحرص أعناق الرجال فقال المأمون: إن الحرص لمفسد للذين والمروءة، والله ماعرفت من رجل قط حرصا ولا شرها فرأيت فيه مصطنعا . فبلغ ذلك سلما فقال: ويلي على المخنث الجرارالزنديق جمع الأموال وكنزها وعبأ البدور في بيته ثم تزهد مراءاة ونفاقا ، فأخذ يهتف بي إذا تصديت للطلب.
اقتص منه الجماز لخاله مسلم فاعتذر له
أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا أحمد بن خلاد عن أبيه عن عبد الله بن الحسن قال: انشد المأمون بيت أبي العتاهية يخاطب سلما الخاسر:
صفحة : 370
تعالى الله ياسلم بن عمـرو أذل الحرص أعناق الرجال فقال المأمون: إن الحرص لمفسد للدين والمروءة، والله ماعرفت من رجل قط حرصا ولا شرها فرأيت فيه مصطنعا . فبلغ ذلك سلما فقال: ويلي على المخنث الجرار الزنديق جمع الأموال وكنزها وعبأ البذور في بيته ثم تزهد مراءاة ونفاقا ، فأخذ يهتف بي إذا تصديت للطلب.
اقتص منه الجماز لخاله مسلم فاعتذر له: أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب ومحمد بن عمران الصيرفي قلا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن أحمد بن سليمان العتكي قال حدثني العباس بن عبيد الله بن سنان بن عبد الملك بن مسمع قال: كنا عند قثم بن جعفر وعنده أبو العاهية ينشد في الزهد، فقال قثم: ياعباس، اطلب الساعة الجماز حيث كان، ولك عندي سبق. فطلبته فوجدته عند ركن جعفر بن سليمان، فقلت: أجب الأمير؛ فقام معي حتى أتى قثم؛ فجلس في ناحية مجلسه وأبوالعتاهية ينشده؛ فأنشأ الجماز يقول:
ماأقبح التزهيد مـن واعـظ يزهـد الـنـاس ولايزهـد
لو كان في تزهيده صـادقـا أضحى وأمسى بيته المسجد
يخاف أن تـنـفـذ أرزاقـه والرزق عند اللـه لاينـفـد
والرزق مقسوم على من ترى ينـالـه الأبـيض والأسـود قال: فالتفت أبوالعتاهية إليه فقال: من هذا? قالوا: هذا الجماز وهو ابن أخت الحاسر، اقتص لهخاله منك. فأقبل عليه وقال: يابن أخي، إني لم أذهب حيث ظننت ولاظن خالك، ولاأردت أن أهتف به؛ وإنما خاطبته كما يخاطب الرجل صديقه، فالله يغفر لكما، ثم قام غناه مخارق بشعره
أخبرني أحمد بن عبيد بن عمار قال حدثني محمد بن أحمد بن خلف الشمري عن أبيه قال: كنت عند مخارق، فجا أبو العتهاية في يوم الجمعة فقال: لي حاجة وأريد الصلاة؛ فقال مخارق: لاأبرح حتى تعود. قال: فرجع وطرح ثيابه، وهي صوف، وغسل وجهه، ثم قال له: غنني: صوت
قال لـي أحــمـــد ولـــم يدر مـــابـــي أتـحـب الـغــداة عـــتـــبة حـــقـــا
فتنفست ثم قلت نعم حبا جرى في العروق عرقا فعرقا فجذب مخارق دواة كانت بين يديه فأوقع عليها ثم غناه؛ فاستعاده ثلاث مرات فأعاده عليه، ثم قام يقول: لايسمع والله هذا الغناء أحد فيفلح. وهذا الخبر رواية محمد بن القاسم بن مهروية عنه.
زحدثنا به أيضا في كتاب هارون بن علي بن يحيى عن ابن مهروية عن ابن عمار قال حدثني أحمد بن يعقوب عن محمد بن حسان الضبي قال حدثنا مخارق قال: لقيني أبو العتاهية فقال: بلغني أنك خرجت قولي:
قال لي أحمد ولم يدر مابي أتحب الغداة عتبة حـقـا فقلت نعم. فقال: غنه فملت معه إلى خراب، فيه قوم فقراء سكان، فغنيته إياه؛ فقال: أحسنت والله منذ ابتدأت حتى سكت؛ ثم قال لي: أبتدأت حتى سكت؛ ثم قال لي: أماترى مافعل الملك بأهل هذا الخراب شعره في تبخيل الناس
أخبرني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال: قال مخارق: لقيت أبا العتاهية على الجسر، فقلت له: يا أبا إسحاق، أتنشدني قولك في تبخيلك الناس كلهم? فضحك وقال لي: هاهنا? قلت نعم. فأنشدني:
إن كنت متخذا خـلـيلا فتنق وانتقـد الـخـلـيلا
من لم يكن لك منصـفـا في الود فأبغ بـه بـديلا
ولربما سـئل الـبـخـي ل الشيء لايسوى فتـيلا
فيقول لاأجـد الـسـبـي ل إلـيه يكـره أن ينـيلا
فلـذاك لاجـعــل الإل ه له إلى خـير سـبـيلا
فاضرب بطرفك حيث شئ ت فلن ترى إلا بـخـيلا فقلت له: أفرطت يا أبا إسحاق فقال: فديتك فأكذبني بجواد واحد. فأحببت موافقته، فالتفت يمينا وشمالا ثم قلت: ماأجد. فقبل بين عيني وقال: فديتك يابني لقدر رفقت حتى كدت تسرف كان بعد تنسكه يطرب لحديث ابن مخارق
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن مخارق قال: كان أبو العتاهية لما نسك يقول لي: يابني، حدثني؛ فإن ألفاظك تطرب كما يطرب غناؤك جفاه أحمد بن يوسف فعاتبه بشعر
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري قال حدثني أبو هفان قال حدثني موسى بن عبد الملك قال:
صفحة : 371
كان أحمد بن يوسف صدقا لأبي العتاهية، فلما خدم المأمون وخص به، رأى منه أبو العتاهية جفوة، فكتب إليه:
أبا جعفر إن الشـريف يشـينـه تتايهه على اللأخلاء بـالـوفـر
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنـى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر
فإن نلت تيها بالذي نهلت من غنى فإن غناي في التجمل والصبـر قال: فبعث إليه بألفي درهم، وكتب إليه يعتذر مما أنكره.
طلب إليه أن يجيز شعرا
فأجازه على البديهة:
أخبرني الحسن ين علي قال حدثنا ابن مهروية قال حدثني
كان ابن الأعرابي يعيب شعره
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أبو العباس محم بن لأحمد قال: كان ابن الأعرابي يعيب أبا العتاهية ويثلبه، فأنشدته:
كم من سفيه غاظني سفهـا فشفيت نفسي منه بالحلـم
وكفيت نفسي ظلم عاديتـي ومنحت صفو مودتي سلمي
ولقد رزقت لظالمي غلظا ورحمته إذ لج في ظلمـي أحب شعره إليه
أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني محمد بن إسحاق قالحدثني محمد بن أحمد الأزدي قال: قال لي أبو العاتهية: لم اقل شيئا قط أحب إلي من هذين البيتين في معناهما:
ليت شعري فإنني لست أدري أي يوم يكون آخر عمـري
وبأي البلاد يقبـض روحـي وبأي البقاع يحفر قـبـري راهن جماعة على قول الشعر فغلبهم
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن الفضل قال حدثني محمد بن عبد الجبار الفزاري قال: اجتاز أبو العاتهية في أول أمره وعلى ظهر قفص فيه فخار يدور في الكوفة ويبيع منه، فمر بفتيان جلوس يتذاكرون الشعر ويتناشدونه، فسلم ووضع القفص على ظهره، ثم قال: يافتيان أراكم تذاكرون الشعر، فأقول شيئا منه فتجيرونه، لإان فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم عشرة دراهم؛ فهزئوا منه وشخروا وقالوا نعم. قال: لابد أن يشتري بأحد القمارين رطب يؤكل فإنه قمار حاصل، وجعل رهنه تحت يد أحدهم، ففعلوا. فقال: أجيزوا: ساكني الأجداث أنتم وجعل بينه وبينهم وقتا في ذلك الموضع إذا بلغته الشمس ولم يجيزوا البيت، غرموا الخطر؛ وجعل يهزأ لهم وتممه:
.................. مثلنا بالأمس كنتـم
ليت شعري ماصنعتم أربحتم أم حسرتـم وهي قصدة طويلة ف يشعره.
هجاه أبو حبش وذم شعره
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله عن أبي خيثم العنزي قال: لما حبس الرشيد أبا العتاهية وحلف ألا يطلقه أو يقول شعرا ، قال لي أبو حبش: أسمعت بأعجب من هذا الأمر، تقول الشعراء الشعر الجيد النادر فلا يسمع منهم، ويقول هذا المخنث المفكك تلك الأشعار بالشفاعة ثم أنشدني:
أبا إسحاق راجعت الجمـاعة وعدت إلى القوافي والصناعة
وكنت كجامح في الغي عاص وأنت اليوم ذو سمع وطـاعة
فجر الخز مما كنت تكـسـى ودع عنك التقشف والبشـاعة
وشبب بالتي تهـوى وخـبـر بأنك ميت فـي كـل سـاعة
كسدنا مـانـراه وإن أجـدنـا وأنت تقول شعرك بالشفـاعة خروجه مع المهدي في الصيد
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني أبو خيم العنزي، وكان صديقا لأبي العتاهية، قال حدثني أبو العتاهية قال: أخرجني المهدي معه إلى الصيد، فوقعنا منه على شيء كثير، فتفرق أصحابه في طلبه وأخذ هو في طريق غير طريقهم فلم يلتقوا، وعرض لما واد جرار وتغيمت السماء وبدأت تمطر فتحيرنا، وأشرفنا على الوادي فإذا فيه ملاح يعبر الناس، فلجأنا إليه فسألناه عن الطريق، فجعل يضعف رأينا ويعجزنا في بذلنا أنفسنا في ذلك الغيم للصيد حتى أبعدنا، ثم أجخلنا كوخا له. وكاد المهدي يموت بردا ؛ فقال له: أغطيك بجبتي هذه الصوف? فقال نعم؛ فغطاه بها، فتماسك قليلا ونام. فافتقده غلمانه وتبعوا أثره حتى جاءونا. فلما رأى الملاح كثرتهم علم أنه الخليفة فهرب، وتبادر الغلمان فنحوا الجبة عنه وألقوا عليه الخز والوشي. فملا انتبه قاللي: ويحك مافعل الملاح? فقد والله وجب حقه علينا. فقلت: هرب والله خوفا من قبح ماخاطبنا به. قال: إنا لله والله لقد أردت أن أغنيه، وبأي شيء خاطبنا نحن والله مستحقون لأقبح مما خاطبنا به بحياتي عليك إلا ماهجوتني. فقلت: ياأمير المؤمنين، كيف تطيب نفسي بأن أهجوك قال: والله لتفعلن؛ فإني ضعيف الرأي مغرم بالصيد. فقلت:
يالابس الوشي على ثوبه ماأقبح الأشيب في الراح
صفحة : 361
فقال: زدني بحياتي؛ فقلت:
لو شئت أيضا جلت في خامه وفي وشـاحـين وأوشـاح فقال: ويلك هذا معنى سوء يرويه عنك الناس، وأنا استأهل. زدني شيئا آخر. فقلت: أخاف أن تغضب. قال: لاوالله. فقلت:
كم من عظيم القدر في نفسه قد نام فـي جـبة مـلاح فقال: معنى سوء عليك لعنة الله وقمنا وركبنا وانصرفنا.
في عسكر المأمون
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال حدثنا جماعة من كتاب الحسن بن سهل قالوا: وقعت رقعة فيها بيتا شعر في عسكر المأمون؛ فجيء بها إلى مجاشع بن مسعدة، فقال: هذا كلام أبي العتاهية، وهو صديقي، وليست المخاطبة لي ولكنها للأمير الفضل بن سهل. فذهبوا بها، فقرأها وقال: ماأعرف هذه العلامة. فبلغ المأمون خبرها فقال: هذه إلي وأنا أعرف العلامة. والبيتان: صوت
ما على ذا كنا افترقنا بسـنـدا ن وماهكذا عهـدنـا الإخـاء
تضرب الناس بالمهندة الـبـي ض على غدرهم وتنسى الوفاء قال: فبعث إلى المأمون بمال.
في هذين البيتين لأبي عيسى بن المتوكل رمل من رواية ابن المعتز برابن يقطين له
قال: وكان علي بن يقطين صديقا لأبي العتاهية، وكان يبره في كل سنة ببر واسع، فأبطأ عليه بالبر في سنة من السنين، وكان يبره في كل سنة ببر واسع، فأبطأ عليه بالبر في سنة من السنين، وكان إذا لقيه أبو العتاهيةأو دخل عليه يسر به ويرفهع مجلسه ولايزيده على ذلك. فلقيه ذات يوم وهو يريد دار الخليفة، فاستوقفه فوقف له، فأنشده:
حتى متى ليت شعري يابن يقطين أثني عليك بما لامنك تولـينـي
إن السلام وإن البشر من رجـل في مثل ماأنت فيه ليس يكفيني
هذا زمان ألح الناس فيه عـلـى تيه الملوك وأخلاق المساكـين
أما علمت جزاك الله صـالـحة وزادك الله فضلا يابن اليقطين
أني أريدك للدنيا وعـاجـلـهـا ولاأريدك يوم الـدين لـلــدين فقال علي بن يقطين: لست والله أبرح ولاتبرح من موضعنا هذا إلا راضيا ، وأمر له بكما كان يبعث به إليه في كل سنة، فحمل من وقته وعلي واقف إلى أن تسلمه.
من شعره في الحبس
وأخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثنا محمد بن يزيد قال: بلغني من غير وجه: أن الرشيد لما ضرب أبا العتاهية وحبسه، وكل به صاحب خبر يكتب إليه بكل ما يسمعه. فكتب إليه أنه سمعه ينشد:
أما والله إن الظـلـم لـوم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـي وعند الله تجتمع الخصـوم قال: فيكى الرشيد، وأمر بإحضار أبي العتاهية وإطلاقه، وأمر بألفي دينار.
المنصور بن عمار يرميه بالزندقة
أخبنري محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن موسى عن أحمد بن حرب عن محمد بن أبي العتاهية قال: لما قال أبي في عتبة:
كأن عتابة من حسـنـهـا دمية قس فتنت قـسـهـا
يارب لو أنسيتنيهـا لـمـا في جنة الفردوس لم أنسها شنع عليه منصور بن عمار بالزندقة، وقال: يتهاون بالجنة ويبتذل ذكرها في شعره بمثل هذا التهاون وشنع عليه أيضا بقوله:
إن الـمـلـيك رآك أح سن خلقه وراى جمالك
فحذا بقـدرة نـفـسـه حور الجنان على مثالك وقال: أيصور الحور على مثال امرأة آدمية لايحتاج إلى مثال وأوقع له هذا على ألسنة العامة؛ فلقي منهم بلاء.
سأله الباذغيسي عن أحسن شعره فأجابه
حدثي هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا خليل بن أسد قال حدثني أبو سلمة الباذغيسي قال: قلت لأبي العتاهية: في أي شعر أنت أشعر? قال: قولي:
الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحن أنشد المأمون شعره في الموت فوصله
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني بحيى بن عبد الل القرشي قال حدثني المعلى بن أيوب قال:
صفحة : 362
دخلت على المأمون يوما وهو مقبل على شيخ حسن اللحية خضيب شديد بياض الثياب على رأسه لاطئة، فقلت للحسن بن أبي سعيد-قال: وهو ابن خالة المعلى بن أيوب. وكان الحسن كاتب المأمون على العامة-: من هذا? فقال: أما تعرفه? فقلت: لوعرفته ما سألتك عنه. فقال: هذا أبوالعتاهية. فسمعت المأمون يقول له: أنشدني أحسن ماقلت في الموت؛ فانشده:
أنساك محياك الممـاتـا فطلبت في الدنيا الثباتا
أوثقت بـالـدنـيا وأن ت ترى جماعتها شتاتا
وعزمت منك على الحيا ة وطولها عزما بتاتـا
يامن رأى أبـويه فـي من قد رأى كانا فماتـا
هل فيهما لك عـبـرة أم خلت أن لك انفلاتـا
ومن الذي طلب التفـل ت من منيته فـفـاتـا
كل تصبحـه الـمـن ية أو تبـييتـه بـيتـا قال: فلما نهض تبعته فقبضت عليه في الصحن أو في الدهليز، فكتبتها عنه.
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الجاحظ عن ثمامة قال: دخل أبو العتاهية على المأمون فانشده:
ماأحسن الدنيا وإقـبـالـهـا إذا أطاع الله من نـالـهـا
من لم يواس الناس من فضلها عرض للإدبار إقبـالـهـا فقال له المأمون: ماأجود البيت الأول فأما الثاني فما صنعت فيه شيئا ، الدنيا تدبر عمن واسى منها أو ضن بها، وإنما يوجب السماحة بها الأجر، والضن بها الوزر. فقال: صدقت ياأمير المؤمنين، أهل الفضل أولى بالفضل، وأهل النقصأولى بالنقص. فقال المأمون: ادفع إليه عشرة آلاف درهم لاعترافه بالحق. فلما كان بعد أيام عاد فامشده:
كم غافل أودى به الموت لم يأخذ الأهبة للفـوت
من لم تزل نعمته قبلـه زال عن النعمة بالموت فاقل له: أحسنت الآن طيبت المعنى؛ وأمر له بعشرين ألف درهم.
تأخرت عنه عادة المأمون سنة فقال أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني ابن سنان العجلي عن الحسن بن عائذ قال: كان أبو العتاهية يحج في كل سنة، فإذا قدم أهدى إلى المأمون بردا ومطرقا ونعلا سوداء ومساويك أراك، فيبعث إليه بعشرين ألف درهم. وكان يوصل الهدية من جهته منجاب مولى المأمون ويجيئه بالمال. فأهدى مرة له كما كان يهدي كل سنة إذا قدم، فلم يبثه ولابعث إليه بالوظيفة. فكتب إليه أبو العتاهية:
خبروني أن من ضرب السنة جددا بيضا وصفرا حسنة
أحدثت لكنـنـي لـم أرهـا مثل ما كنت أرى كل سـنة فأمر المأمون بحمل العشرين آلاف درهم، وقال: أغفلناه حتى ذكرنا كان الهادي واجدا عليه فلما تولى استعطفه
حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عروة بن يوسف الثقفي قال: لما ولي الهادي الخلافة كان واجدا على ابي العتاهية لملازمته أخاه هارون وانقكطاعه إليه وتركه موسى، وكان أيضا قد أمر أن يخرج معه إلى الري فأبى ذلك؛ فخافه وقال يستعطفه:
ألا شافع عند الخـلـيفة يشـفـع فيدفع عـنـا شـر مـايتـوقـع
وإني على عظم الرجاء لـخـائف كأن على رأسي الأسنة تـشـرع
يروعني موسى على غير عـثـرة ومالي أرى موسى من العفو أوسع
وماآمن يمسـي ويصـبـح عـائدا يعفو أمي رالـمـؤمـنـين يروع مدح الهادي فأمر خازنه بإعطائه فمطله فقال شعرا في ابن عقال فعجلها له: حدثني الصولي قال حدثني علي بن الصباح قال حدثني محمد بن أبي العتاهية قال: دخل أبي علي الهادي فأنشده:
ياأمين الـلـه مـالـي لست أدري اليوم مالي
لم أنل منك الـذي قـد نال غيري من نـوال
تبذل الحق وتعـطـي عن يمين وشـمـال
وأنا الـبـائس لاتـن ظر في رقة حالـي
صفحة : 363
قال: فأمر المعلى الخازن أن يعطيه عشرة آلاف درهم. قال أبو العتاهية: فأتيته فأبى أن يعطيها. ذلك أن الهادي امتحنني في شيء من الشعر، وكان مهيبا ، فكنت أخافه فلم يطعني طبعي، فأمر لي بهذا المال، فخرجت. فلما منعنيه المعلى صرت إلى ابي الوليد أحمد بن عقال، وكان يجالس الهادي، فقلت له:
أبلغ سلمت أبا الوليد سـلامـي عني أمير الؤمنـين إمـامـي
وإذا فرغت من السلام فقل لـه قد كان ماشاهدت من إفحامـي
وإذا حصرت فليس ذاك بمبطـل ماقد مضى من حرمتي وذمامي
ولطالما وفدت إليك مـدائحـي مخطوطة فلـيأت كـل مـلام
أيام لـي لـسـن ورقة جــدة والمرء قد يبـلـي مـع الأيام قال: فاستخرج لي الراهم وأنفذها إلي: كان الهادي واجدا عليه فلما تولى استعطفه ومدحه فأجازه: حدثني الصولي ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال: ولهد للهادي ولد في أول يوم ولي الخلافة؛ فدخل أبو العتاهية فأنشده:
أكثر موسى غيظ حساده وزين الأرض بـأولاده
وجاءنا من صلبـه سـيد أصيد في تقطيع أجداده
فاكتست الأرص به بهجة واستبشر الملك بمـيلاده
وابتسم المنبر عن فرحة عليت بها ذروة أعـواده
كأنني بعـد قـلـيل بـه بين مـوالـيه وقـواده
في محفل تخفق راياتـه قد طبق الأرض بأجناده قال: فأمر له موسى بألف دينار وطيب كثير، وكان ساخطا عليه فرضب عنه.
حضر غضب المهدي على أبي عبيد الله
وترضاه عنه بشعر فرضي عنه:
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني علي بن يزيد الخزرجي الشاعر عن يحيى بن الربيع قال: دخل أبو عبيد الله علي المهدي، وكان قد وجد عليه في أمر بلغه عنه، وأبو العتاهية حاضر المجلس، فجعل المهدي يشتم أبا عبيد الله وبتغيظ عليه، ثم أمر به فجر برجله وحبس، ثم أطرق المهدي طويلا . فلما سكن أنشده أبوالعتاهية:
أرى الدنيا لمن هي في يديه عذابا كلما كثـرت لـديه
تهين المكرمين لها بصغـر وتكرم كل من هانت عليه
إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذه ماأنت محتاج إلـيه فتبسم المهدي وقال لأبي العتاهية: أحسنت فقام أبو العتاهية ثم قال: والله ياأمير المؤمنين، مارأيت أحدا أشد إكراما للدنيا ولاأصون لها ولاأشح عليها من هذا الذي جر برجله الساعة. ولقد دخلت إلى أمير المؤمنين ودخل هو وهو أعز الناس، فما برحت حتى رأيته أذل الناس، ولو رضي من الدنيا بما يكفيه لاستوت أحواله ولم تتفاوت. فتبسم المهدي ودعا بأبي عبيد الله فرضي عنه. فكان أبو عبيد الله يشكر ذلك لأبي العتاهية.
روحانيان يطيران بين السماء والأرض
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني محمد بن الحسن قالحدثني إسحاق بن حفص قال: أنشدني هارون بن مخلد الرازي لأبي العتاهية:
ما إن يطيب لذي الرعاية لل أيام ولالـعـب ولالـهـو
إذ كان يطرب في مسرتـه فيموت من أجزائه جـزو فقلت: ماأحسنهما فقال: أهكذا تقول والله لهما روحانيان يطيران بين السماء والأرض فضله ابن مناذر على جميع المحدثين
أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي عن ابن عكرمة عن مسعود بن بشر المازني قال: لقيت ابن مناذر بمكة، فقلت له: من أشعر أهل الإسلام? فقال: أترى من إذا شئت هزل، وإذا شئت جد? قالت: من? قال: مثل جرير حين يقول في النسيب:
إن الذين غدوا بلبك غـادروا وشلا بعينك مايزال معينـا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينـا ثم قال حين جد:
إن الذي حرم المكارم تغلـبـا جعل النبوة والخـلافة فـينـا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ياآل تغلب منـأب كـأبـينـا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ساقكم إلي قـطـينـا
صفحة : 364
ومن المحدثين هذا الخبيث الذي يتناول شعره في كمه. فقلت: من? قال: أبو العتاهية. قلت: في ماذا? قال: قوله:
الله بيني وبين مـولاتـي أبدت لي الصد والملالات
لاتغفر الذنب إن أسأت ولا تقبل عذري ولامواتاتـي
منحتها مهجتي وخالصتي فكان هجرانها مكافاتـي
أقلقني حبها وصـيرنـي أحدوثة في جميع جاراتي ثم قال حين جد:
ومهمه قد قطعت طامـسـه قفر على الهول والمحـامـاة
بحـرة جـسة عـذافـــرة خوصاء عـيرانة عـلـنـداة
تبادر الشمس كلما طـلـعـت بالسير تبغي بذاك كرضاتـي
ياناق خبي بـنـا ولاتـعـدي نفسك ممـا تـرين راحـات
حتىتناخي بنـا إلـى مـلـك توجه الله بـالـمـهـابـات
عليه تاجان فوق مـفـرقـه تاج جلال وتـاج إخـبـات
يقول للريح كلما عـصـفـت هل لك ياريح في مبـاراتـي
من مثل من عمه الرسول ومن أخواله أكـرم الـخـؤولات إسحاق بن وعبادة معشوقته
أخبرني وكيع قال: قال الزبير بن بكار حدثني أبو غزية، وكان قاضيا على المدينة، قال: كان اسحاق بن عزيز يتعشق عبادة جارية المهلبية، وكانت المهلبية منقطعة إلى الخيرزان. فركب إسحاق يوما ومعه عبد الله بن مصعب يريديان المهدي، فلقيا عبادة؛ فقال إسحاق: يا أبا بكر، هذه عبادة، وحرك دابته حتى سبقها فنظر إليها، فجعل عبد الله بن مصعب يتعجب من فعله. ومضيا فدخلا على المهدي، فحدثه عبد الله بن مصعب بحديث إسحاق ومات فعل. فقال: أنا اشتريها لك ياإسحاق. ودخل علىالخيرزان فدعا بالمهلبية. فحضرت، فأعطاها بعبادة خمسين ألف درهم. لإسحاق بن عزيز. فبكت وقالت: أتؤثر علي إسحاق بن عزيز وهي يدي ورجلي ولساني في جميع حوائجي فقالت لها الخيرزان عند ذلك: ما يبكيك? والله لاوصل إليها ابن عزيز أبدا ، صار يتعشق جواري الناس فخرج المهدي فأخبر ابن عزيز بما جرى، وقال له: الخمسون ألف درهم لك مكانها، وأمر له بها، فأخذها عن عبادة. فقال أبو العتاهية يعيره بذلك:
من صدق الحـب لأحـبـابـه فإن حب ابن عـزيز غـرور
أنساه عـبـادة ذات الـهـوى وأذهب الحب الذي في اضلمير
خسمون ألفا كـلـهـا راجـح حسنا لها في كل كيس صرير وقال أبو العتاهية في ذلك ايضا :
حبك للمال لاكحبك عـب ادة يافاضح المحـبـينـا
لو كنت أصفيتها الوداد كما قلت لما بعتها بخمسـينـا طال وجع عينه فقال شعرا
حدثني الصولي قال حدثني جبلة بن محمد قال حدثني أبي قال: رأيت أبا العتاهية بعدما تخلص من حبس المهدي وهويلزم طبيبا على بابنا ليكحل عينه. فقيل له: قد طال وجع عينيك؛ فأنشأ يقول: صوت
أيا ويح نفسي ويحها ثم ويحـهـا أمامن خلاص من شباك الحبائل
أيا ويح عيني قد اضر بها البكـا فلم يغن عنها طب مافي المكاحل في هذين البيتين لإبراهيم الموصلي لحن من الثقيل الأول.
كان الهادي واجدا عليه لاتصاله بهارون
فلما ولي الخلافة مدحه فأجزل صلته:
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا عمر بن شبة قال: كان الهادي واجدا علي أبي العتاهية لملازمته أخاه هارون في خلافة المهدي، فلما ولي موسى الخلافة، قال أبو العتاهية يمدحه: صوت
يضطرب الخوف والرجاء إذا حرك موسى القضيب أو فكر
ماأبين الفضل في مغيب مـا أورد من رأيه ومـاأصـدر في هذين البيتين لأبي عيسى بن المتوكل لحن من الثقيل الأول في نهاية الجودة، ومابان به فضله في الصناعة-:
فكم ترى عز عند ذلـك مـن معشر قوم وذل من معشـر
يثمر من مسه القضيب ولـو يمسه غيره لـمـا أثـمـر
من مثل موسى ومثل والده ال مهدي أو جده أبي جعـفـر قال: فرضي عنه. فلما دخل عليه أنشده:
لهفي على الزمن القصير بين الخورنق والسـدير
صفحة : 365
إذ نـحـن فـي غـرف الــجـــنـــا ن نـعـوم فـي بـحـر الــســـرور
في فـتـية مـلــكـــو عـــنـــا ن الـدهـر أمـثـال الـصـــقـــور
مامـنــهـــم إلا الـــجـــســـو ر عـلـى الـهـوى غـير الـحـصـور
يتـــعـــــاورون مـــــــدامة صهـبـاء مـن حـلـب الـعـصـــير
عذراء رابـــهـــا شـــعــــــا ع الـشـمـس فـي حـر الـهـجـــير
لم تـــدن مـــن نـــار ولـــــم يعـلـق بـهـا وضـر الـــقـــدور
ومـقـرطــق يمـــشـــي أمـــا م الـقـوم كـالـرشــأ الـــغـــرير
بزجاجة تستخرج السر الدفين من الضمـير
زهراء مثل الكوكب الدري في كف المدير
تدع الكريم وليس يد ري مـاقـــبـــيل مـــن دبـــي
ومــخـــصـــرات زرنـــنـــا بعـد الـهـدو مـــن الـــخـــدور
ريا روادفـــــــهــــــــن يل بسـن الـخـواتـم فـي الـخـصـــور
غر الـوجـوه مـــحـــجـــبـــا ت قـاصـرات الـطـــرف حـــور
متـنـعـمـات فـي الـــنـــعـــي م مـضـمـخـات بـالــعـــبـــير
يرفـلـن فـي حـلـل الــمـــحـــا سن والـمـجـاســد والـــحـــرير
ماإن يرين الشمس إلا الفرط من خلل الستور
وإلى أمين الله مه ر بـنـا مـن الـدهـر الـعــثـــور
وإلـيه أتـعـبـنــا الـــمـــطـــا يا بـالـرواح وبــالـــبـــكـــور
ضغـر الـخـــدود كـــأنـــمـــا جنـحـن أجـنـحة الــنـــســـور
متـسـربـــلات بـــالـــظـــلا م عـلـى الـسـهـولة والــوعـــور
حتـى وصـلـــن بـــنـــا إلـــى رب الـمــدائن والـــقـــصـــور
مازال قــبـــل فـــطـــامـــه في سـن مـكـتـهـــل كـــبـــير -قال: قيل لو كان جزل اللفظ لكان أشعر الناس - فأجزل صلته. وعاد إلى أفضل ما كان له عليه.
في خلافة المأمون
أخبرن يعمي الحسن بن محمد قال حدثني الكراني عن أبي حاتم قال: قدم علينا ابو العتاهية في خلافة المأمون. فصار إليه أصحابنا فاستنشدوه، فكان أول ماأنشدهم:
ألم تر ريب الدهر في كل سـاعة له عارض فيه المنـية تـلـمـع
أيا باني الدنيا لغـيرك تـنـتـنـي وياجامع الدنيا لغيرك تـجـمـع
أرى المرء وثابا على كل فـرصة وللمرء يوما لامحالة مـصـرع
تبارك من لايملك المـلـك غـيره متى تنقضي حاجات من ليس يشبع
وأي امرىء في غاية ليس نفسـه إلى غاية أخرى سواها تـطـلـع قال: وكان أصحابنا يقولون: لو أن طبع أبي العتاهية بجزالة لفظ لكان أشعر الناس.
تمثل الفضل بشعر له
حين انحطت مرتبته في دار المأمون:
أخبرني السحن بن علي قال حدثنا ابن مهروية قال حدثني سليمان بن جعفر الجزري قال حدثني أحمد بن عبد الله قال: كانت مرتبة أبي العتاهية مع الفضل بن الربيع في موضع واحد في دار المأمون. فقال الفضل لأبي العتاهية: يا أبا إسحاق، ماأحسن بيتين لك وأصدقهما قال: وماهما? قال: قولك:
ماالناس إلا للكثير المـال أو لمسلط مادام في سلطـانـه
فإذا الزمان وماهما ببـلـية كان الثقات هناك من أعوانه يعني: من أعوان الزمان. قال: وإنما تمثل الفضل بن الربيع بهذين البيتين لانحطاط مرتبته في دار المأمون وتقدم غيره. وكان المأمون أمر بذلك لتحريره مع اخيه.
كان ملازما للرشيد فلماتنسك حبسه
ولما استعطفه أطلقه:
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: قال لي محمد بن أبي العتاهية: كان لأبي لايفارق الرشيد في سفر ولاحضر إلا في طريق الحج، وكان يجري عليه في كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والمعاون. فلما قدم الرشيد الرقة، لبس أبي الصوف وتزهد وترك حضور المنادمة والقول في الغزل، وأمر الرشيد بحبسه فحبس؛ فكتب إليه من وقته: صوت
أنا اليوم لي والحمد لله أشهـر يروح علي الهم منكم ويبكـر
تذكر أمين الله حقي وحرمتـي وماكنت توليني لعلك تـذكـر
ليالي تدني منك بالقرب مجلسي ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مـرة إلي بها في سالف الدهر تنظر قال: فلما قرأ الرشيد الأبيات قال: قولوا له: لابأس عليك. فكتب غليه: صوت
صفحة : 366
أرقت وطار عن عيني النعاس ونام السامرون ولم يواسـوا
أمين الله أمنـك خـير أمـن عليك من التقى فيه لـبـاس
تساس من السماء بكـل بـر وأنت به تسوس كما تسـاس
كأن الخلق ركب فـيه روح له جسد وأنت عـلـيه رأس
أمين الله إن الحـبـس بـأس وقد أرسلت: ليس عليك باس -غنى في هذه الأبيات إبراهيم، ولحنه ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسكى. وفيهأيضا ثقيل أول عن الهشامي-قال: وكتب عليه أيضا في الحبس:
وكلفتني ماحلت بيني وبـينـه وقلت سأبغي ماتريد وماتهوى
فلو كان لي قلبان كلفت واحدا هواك وكلفت الخلي لما يهوى قال: فأمر بإطلاقه.
حدثني عمي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني ثابت بن الزبير بن حبيب قال حدثني ابن أخت أبي خالد الحربي قال: قال لي الرشيد: احبس أباالعتاهية وضيق عليه حتى يقول الشعر الرقيق في الغزل كما كان يقول. فحبسته في بيت خمسة أشبار في مثلها؛ فصاح: الموت، أخرجوني، فأنا أقول كل ماشئتم. فقلت: قل. فقال: حتى أتنفس. فأخرجته وأعطيته دواة وقرطاسا ؛ فقالأبياته اللتي أولها:
من لعبد أذلـه مـولاه ماله شافع إليه سـواه
يشتكي مابه إليه ويخشا ه ويرجوه مثل مايخشاه قال: فدفعتها إلي مسرور الخادم فأوصلها، وتقدم الرشيد إلى إبراهيم الموصلي فغنى فيها، وأمر بإحذار ابي العتاهية فأحضر. فلما أحضر قال له: أنشدني قولك: صوت
ياعتب سـيدتـي أمـالـك دين حتىمتى قلبي لـديك رهـين
وأنا الذلول لكل ماحملـتـنـي وأنا الشقي البائس المسـكـين
وأنا الغداة لكل باك مـسـعـد ولكل صب صاحـب وخـدين
لابأس إن لذاك عـنـدي راحة للصب أن يلقى الحزين حزين
ياعتب أيين أفر منك أمـيرتـي وعلي حصن من هواك حصين -لإبراهيم في هذه الأبيات هزج عن الهشامي -فأمر له الرشيد بخمسن ألف درهم وله في الرشيد لما حبسه أشعار كثيرة منها قوله:
يارشيد الأمر أرشدني إلـيى وجه نجحي لاعدمت الرشدا
لاأراك اللـه سـوءا أبـدا مارأت مثلك عـين أحـدا
أعن الخائف وارحم صوتـه رافعا نحـوك يدعـوك يدا
وابلائي من دعـاوى أمـل كلما قلت تـدانـي بـعـدا
كم أمني بغـد بـعـد غـد ينفذ العمر ولم ألـق غـدا هجا القاسم بن الرشيد فشربه وحبسه ولما اشتكى إلى زبيدة بره الرشيد وأجازه: نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: حدثني علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال: مر القاسم بن الرشيد في موكب عظيم وكان من أتيه الناس، وأبو العتاهية جالس مع قوم على ظهر الطريق، فقام أبو العتاهية حين رآه إعظاما له، فلم يزل قائما حتى جاز، فأجازه ولم يلتفت إليه؛ فقال أبو العتاهية:
يتيه ابن آدم من جهـلـه كأن رحا الموت لاتطحنه فسمع بعض من في موكبه ذلك فأخبر به القاسم؛ فيعث إلى أبي العتاهية وضربه مائة مقرعة، وقال له: يا ابن الفاعلة? أتعرض لي في مثل ذلك الموضع? وحبسه في داره. فدس أبو العتاهية إلى زبيدة بنت جفعر، وكانت تزجب له حفه ، هذه الأبيات:
حتى متى ذو التيه في تيهه أصلحه الـلـه ةعـافـاه
يتيه أهل التيه من جهلهـم وهم يموتون وإن تاهـوا
من طلب العو ليبقى بـه فإن عز المرء تـقـواه
لم يعتصم بالله منخلـقـه من ليس يرجوه ويخشـاه وكتب إليها بحالة وضيق حبسه، وكانت مائلة إليه، فرثت له وأخبرت الرشيد بأمره وكلمته فيه؛ فأحضره وكساه ووصله، ولمك يرض عن القاسم حتى بر أبا العتاهية وأدناه واعتذر إليه.
ونسخت من كتاب هارون بن علي: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني محمد بن سهل عن خالد بن أبي الأزهر قال:
صفحة : 367
بعث الرشيد بالحرشي إلى ناحيى الموصل، فجبى له منها مالا عظيما من بقايا الخراج، فوافى به باب الرشيد، فأمر بصرف المال أجمع إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدثوا به؛ فرأيت أبا العتاهية وقد أخذه شبه الجنون، فقلت له: مالك ويحك?? فقال لي: سبحان الله أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، ولاتتعلق كفي بشيء منه ثم دخل إلى الرشيد بعد أيام فأنشده:
الله هون عندك الدنيا وبغضها إليكا
فأبيت إلا تصغر كل شيء في يديكا
ماهانت الدني على أحد كـمـا هـانـت عـلـيكـا فقال له الفضل بن الربيع: ياأمير المؤمنين، مامدحت الخلفاء بأصدق من هذا المدح. فقال: يافضل، أعطه عشرين ألف درهم. فغدا أبو العتاهية على الفضل فأنشده:
إذا ما كنت متخذا خـلـيلا فمثل الفضل فاتخذ الخلـيلا
يرى الشكر القليل له عظيما ويعطي من مواهبه الجزيلا
أراني حيثما يممت طرفـي وجدت على مكارمه دلـيلا فقال له الفضل: والله لولا أن اساوي أمير المؤمنين لأعطيتك مثلها، ولكن سأوصلها إليك في دفعات، ثم أعطاه ما أمر به الرشيد، وزاد له خمسة آلاف درهم من عنده.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا المبرد قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال: سمعت الأمير علي بن عيسى بن جعفر يقول: كنت صبيا في دار الرشيد، فراست شيخا ينشد والناس حوله:
ليس للإنسان إلا مـارزق أستعين الله بالـلـه أثـق
علق الهم بقلـبـي كـلـه وإذا ماعلق الهم عـلـق
بأبي من كان لي من قلبـه مرة ود قلـيل فـسـرق
يابني الإسلام فيكم مـلـك جامع الإسلام عنه يفترق
لندى هارون فيكـم ولـه فيكم صوب هطول وورق
لم يزل هارون خيرا كلـه قتل الشر به يوم خـلـق فقلت لبعض الهاشميين: أما ترى إعجاب الناس بشعر هذا الرجل? فقال: يابني، إن الأعناق لتقطع دون هذا الطبع. قال: ثم كان الشيخ أبا العتاهية، والذي سأله إبارهيم بن المهدي استعطف الرشيد وهو محبوس فأطلقه حدثنا الصولي قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد القوي بن محمد بن أبي العتاهية عن أبيه قال: لبس أبو العتاهية كساء صوف ودراعة صوف، وآلى على نفسه ألا يقول شعرا في الغزل، وأمر الرشيد بحبسه والتضييق عليه؛ فقال: صوت
يابن عم النبي سمعـا وطـاعة قد خلعنا الكسـاء والـدراعة
ورجعنا إلى الصنـاعة لـمـا كان سخط الإمام ترك الصناعة وقال أيضا :
أما رحمتني يوم ولت فأسرعت وقد تركتني واقفا أتـلـفـت
أقلب طرفي كي أراها فلا أرى وأحلب عيني درها وأصـوت فلم يزل الرشيد متوانيا في إخراجه إلى أن قال:
أما والله إن الظـلـم لـوم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضـي وعند الله تجتمع الخصـوم
لأمر ماتصرفت اللـيالـي وأمر ماتوليت الـنـجـوم
تموت غدا وأنت قرير عين من الغفلات في لجج تعوم
تنام ولم تنم عنك الـمـنـايا تنبه لـلـمـنـية يانـؤوم
سل الأيام عن أمم تقضـت سنخبرك المعالم والرسـوم
تروم الخلد في دار المنـايا وكم قد رام غيرك ماتروم
ألا يا أيها الملك المـرجـى عليه نواهض الدنيا تحـوم
أقلني زلة لم أجر مـنـهـا إلى لوم ومامثلي مـلـوم
وخلصني تخلص يوم بعـث لإذا للناس برزت الجحـيم فرق له وأمر بإطلاقه.
حديثه عن شعره ورأى أبي نواس فيه
نسخت من كتبا هارون بن علي: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني ابن أبي الأبيض قال:
صفحة : 368
أيتيت أبا العتاهية فقلت له: إني رجل أقول الشعر في الزهد، ولي فيه أشعار كثيرة، وهو مذهب أستحسنه؛ لأني أرجو ألا آثم فيه، وسمعت شعرك في هذا المعنى فأحببت أن أستزيد منه، فأحب أن تنشدني من جيد ماقلت؛ فقال: أعلم أن ماقلته رديء. قلت: وكيف? قال: لأن الشعر ينبغي أن يكون مثل أشعار الفحول المتقدمين أو مثل شعر بشار وابن هرمة، فإن لم يكن كذلك فالصواب لقائله أن تكون ألفاظه مما لا تخفى علي جمهور الناس مثل شعري، ولا سيما الأشعار التي في الزهد؛ فإن الزهد ليس من مذاهب الملوك ولا من مذاهب رواة الشعر ولا طلاب الغريب، وهو مذهب أشغف الناس به الزهاد وأصحاب الحديث والفقهاء وأصحاب الرياء والعامة، وأعجب الأشياء إليهم ما فهموه. فقلت: صدقت. ثم أنشدني قصيدته:
لدوا الموت وابنوا للـخـراب فكلكم يصير إلـى تـبـاب
ألا يا موت لم أر منـك بـدا أتيت وما تحيف وما تحابـي
كأنك قد هجمت على مشيبي كما هجم المشيب على شبابي قال: فصرت إلى أبي نواس فأعلمته ما دار بيننا؛ فقال: والله ما أحسب في شعره مثل ما أنشدك بيتا آخر. فصرت غليه فأخبرته بقول أبي نواس؛ فأنشدني قصيدته التي يقول فيها:
طول النعاشر بين الناس ممـلـول ما لابن آدم إن فتشت مـعـقـول
يا راعي الشاء لا تغفل رعايتـهـا فأنت عن كل ما استرعيت مسؤول
إني لفي منزل مازلـت أعـمـره على يقين بأني عنـه مـنـقـول
وليس في موضع يأتيه ذو نـفـس إلا وللموت سيف فيه مـسـلـل
لم يشغل الموت عنا مذ أعج لـنـا وكلنا عنه باللـذات مـشـغـول
ومن يمت فهو مقطوع ومجتـنـب والحي ماعاش مغشي وموصـول
كل مابدا لـك فـالآكـال فـانـية وكـل ذي أكـل لابـد مـأكـول قال: ثم أنشدني عدة قصائد ما هي بدون هذه، فصرت إلى أبي نواس فأخبرته؛ فتغير لونه وقال: لم خبرته بما قلت قد والله أجاد ولم يقل فيه سوءا .
كان أبو نواس يجله ويعظمه أخبرن يالحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني علي بن عبد الله بن سعد قال حدثني هارون بن سعدان وملى البجليين قال: كنت مع ابو نواس قريبا من دور بين نيبخت بنهر طابق وعنده جماعة، فجعل يمر به القواد والكتاب وبنو هاشم فيسلمون عليه وهو متكىء ممدود الرجل لايتحرك أحد منهم، حتى نظرنا إليه قد قبض رجليه ووثب وقام إلى شيخ قد أقبل علي حمار له، فاعتنق أبا نواس ووقف أبو نواس يحادثه، فلم يزل واقفا معه يروح بين رجليه يرفع رجلا ويضع أخرى، ثم مضى الشيخ ورجع إلينا أبو نواس وهو يتأوه. فقال له بعض من حضر: والله لأنت أشعر منه. فقال: والله مارأيته قط إلا ظننت أنه سماء وأنا أرض رأي بشارفيه
قال محمد بن القاسم حدثني علي بن محمد بن عبد الله الكوفي قال حدثني السري بن الصباح مولى ثوبان بن علي قال: كنت عند بشار فقلت له: من أشعر أهل زماننا? فقال: مخنث أهل بغداد )يعني أبا العتاهية( عزى المهدي في وفاة ابنته فأجازه
أخبرني يحيىبن علي المنجم إجازة: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الخزجي الشاعر قال حدثني عبد الله بن أيوب الأنصاري قال حدثني أبو العتاهية قال: ماتت بنت المهدي فحزن عليها حزنا شديدا حتى امتنع من الطعام والشراب، فقلت أبياتا أعزيه بها؛ فوافيته وقد سلا وضحك وأكل وهويقول: لابد من الصبر على مالابد منه، ولئن سلونا عمن فقدنا ليسلون عنا من يفقدنا، ومايأتي الليل والنهار على شيء إلا أبليه. فلما سمعت هذا منه قلت: ياأمير المؤمنين، أتأذن لي أن أنشدك? قال هات؛ فأنشدته:
ما للجديدين لايبلى اختلافـهـمـا وكل غض جديد فيهمـا بـالـي
يامن سلا عن حبيب بعد مـيتـتـه كم بعد موتك أيضا عنك من سالي
كأن كـل نـعـيم أنـت ذائقــه من لذة العيش يحكي لمـعة الآل
لاتلعبن بك الـدنـيا وأنـت تـرى ماشئت من عبر فيهـا وأمـثـال
ماحيلة الموت إلا كـل صـالـحة أولا فما حيلة فيه لـمـحـتـال
صفحة : 369
فقال لي: أحسنت ويحك وأصبت مافي نفسي وأوجزت ثم أمر لكل بيت بأفل درهم حبسه الرشيد مع إبراهيم الموصلي ثم أطلقهما
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن خلاد قال حدثني أبي قال: لما مات موسى الهادي قال الرشيد لأبي العتاهية: قل شعرا في الغمزل؛ فقال: لاأقول شعرا بعد موسى أبدا ، فحبسه. وأمر إبراهيم الموصلي أن يغني؛ فقال: لاأغني بعد موسى أبدا ، وكان محسنا إليهما، فحبسه. فلما شخص إلى الرقه حفر لهما حفرة واسعة وقطع بينهما بحائط، وقال: كونا بهذا المكان لاتخرجا منه حتى تشعر أنت ويغني هذا. فصبرا على ذلك برهة. وكان الرشيد يشرب ذات يوم وجعفر بن يحيى معه، فغنت جارية صوتا فاستحسناه وطربا عليه طربا شديدا ، وكان بيتا واحدا . فقال الرشيد: يماكان أحوجه إلى بيت ثان ليطول الغناء فيه فنستمتع مدة طويلةبه فقال له جعفر: قد أصبته. قال: من أين? قال: تبعث إلى أبي العتاهية فيلحقه به لقدرته على الشعر وسرعته. قال: هو أنكد من ذلك، لايجيبنا وهو محبوس ونحن في نعيم وطرب. قال: بلى فاكتب إليه حتى تعلم صحة ماقلت لك. فكتب غليه بالقصة وقال: ألحق لنا بالبيت بيتا ثانيا . فكتب إليه أبوالعتاهية:
شغل المسكين عن تلك المحن فارق الروح وأخلى من بدن
ولفد كلفت أمرا عـجـبـا اسأل التفريخ نم بيت الحزن فلما وصلت قال الرشيد: قد عرفتك أنه لايفعل. قال: فتخرجه حتى يفعل. قال: لا حتى يشعر؛ فقد حلفت. فأقام أياما لايفعل. قال: ثم قال أبو العتاهية لإبراهيم: إلى كم هذا نلاج الخلفاء هلم أقل شعرا وتغن فيه. فقال أبو العتاهية:
بأبي من كان في قلبي له مرة حب قليل فـسـرق
يابني العباس فيكم مـلـك شعب الإحسان منه تفترق
إنما هارون خـير كـلـه مات كل الشرمذ يوم خلق وغنى فيه إبراهيم. فدعا بهماالرشيد؛ فأنشده أبوالعتاهية وغناه إبراهيم، فأعطى كل واحد منهما مائة ألف درهم ومائة ثوب.
حدثني الصولي بهذا الحديث عن الحسين بن يحيى عن عبدالله بن العباس بن الفضل بن الربيع، فقال فيه: غضب الرشيد على جارية له فحلف ألا يدخل إليها أياما ، ثم ندم فقال:
صد عني إذ رآني مفتـتـن وأطال الصد لما أن فطـن
كان مملوكي فأضحى مالكي إن هذا من أعاجيب الزمن وقال لجعفر بن يحيى: اطلب لي من يزيد على هذين البيتين. فقال له: ليس غير ابي العتاهية. فبعث إليه فأجاب بالجواب المذكور، فأمر بإطلاقه وصلته. فقال: الآن طاب القول؛ ثم قال:
عزة الحب أرته ذلـتـي في هواه وله وجه حسن
ولهذا صرت مملوكا له ولهذا شاع مابي وعلـن فقال: احسنت والله وأصبت مافي نفسي وأضعف صلته شعره في ذم الناس
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الهيثم بن عثمان قال حدثني شبيب بن منصور قال: كنت في الموقف واقفا على باب الرشيد، فإذا رجل بشع الهيئة على بغل قد جاء فوقف، وجعل الناس يسلمون عليه ويسائلونه ويضاحكونه، ثم وقف في الموقف، فأقبل الناس يشكون أحوالهم: فواحد يقول: كنت منقطعا إلىفلان فلم يصنع بي خيرا ، ويقول آخر: أملت فلانا فخاب أملي وفعل بي، ويشكو آخر من حاله؛ فقال الرجل:
فتشت ذي الدنيا فليس بها أحد أراه لآخر حـامـد
حتى كأن الناس كلـهـم قد أفرغوا في قالب واحد فسألت عنه فقيل: هو أبو العتاهية يخاطب سلما الخاسر:
تعالى الله ياسلم بن عمـرو إذل الحرص أعناق الرجال فقال المأمون: إن الحرص لمفسد للذين والمروءة، والله ماعرفت من رجل قط حرصا ولا شرها فرأيت فيه مصطنعا . فبلغ ذلك سلما فقال: ويلي على المخنث الجرارالزنديق جمع الأموال وكنزها وعبأ البدور في بيته ثم تزهد مراءاة ونفاقا ، فأخذ يهتف بي إذا تصديت للطلب.
اقتص منه الجماز لخاله مسلم فاعتذر له
أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا أحمد بن خلاد عن أبيه عن عبد الله بن الحسن قال: انشد المأمون بيت أبي العتاهية يخاطب سلما الخاسر:
صفحة : 370
تعالى الله ياسلم بن عمـرو أذل الحرص أعناق الرجال فقال المأمون: إن الحرص لمفسد للدين والمروءة، والله ماعرفت من رجل قط حرصا ولا شرها فرأيت فيه مصطنعا . فبلغ ذلك سلما فقال: ويلي على المخنث الجرار الزنديق جمع الأموال وكنزها وعبأ البذور في بيته ثم تزهد مراءاة ونفاقا ، فأخذ يهتف بي إذا تصديت للطلب.
اقتص منه الجماز لخاله مسلم فاعتذر له: أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب ومحمد بن عمران الصيرفي قلا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن أحمد بن سليمان العتكي قال حدثني العباس بن عبيد الله بن سنان بن عبد الملك بن مسمع قال: كنا عند قثم بن جعفر وعنده أبو العاهية ينشد في الزهد، فقال قثم: ياعباس، اطلب الساعة الجماز حيث كان، ولك عندي سبق. فطلبته فوجدته عند ركن جعفر بن سليمان، فقلت: أجب الأمير؛ فقام معي حتى أتى قثم؛ فجلس في ناحية مجلسه وأبوالعتاهية ينشده؛ فأنشأ الجماز يقول:
ماأقبح التزهيد مـن واعـظ يزهـد الـنـاس ولايزهـد
لو كان في تزهيده صـادقـا أضحى وأمسى بيته المسجد
يخاف أن تـنـفـذ أرزاقـه والرزق عند اللـه لاينـفـد
والرزق مقسوم على من ترى ينـالـه الأبـيض والأسـود قال: فالتفت أبوالعتاهية إليه فقال: من هذا? قالوا: هذا الجماز وهو ابن أخت الحاسر، اقتص لهخاله منك. فأقبل عليه وقال: يابن أخي، إني لم أذهب حيث ظننت ولاظن خالك، ولاأردت أن أهتف به؛ وإنما خاطبته كما يخاطب الرجل صديقه، فالله يغفر لكما، ثم قام غناه مخارق بشعره
أخبرني أحمد بن عبيد بن عمار قال حدثني محمد بن أحمد بن خلف الشمري عن أبيه قال: كنت عند مخارق، فجا أبو العتهاية في يوم الجمعة فقال: لي حاجة وأريد الصلاة؛ فقال مخارق: لاأبرح حتى تعود. قال: فرجع وطرح ثيابه، وهي صوف، وغسل وجهه، ثم قال له: غنني: صوت
قال لـي أحــمـــد ولـــم يدر مـــابـــي أتـحـب الـغــداة عـــتـــبة حـــقـــا
فتنفست ثم قلت نعم حبا جرى في العروق عرقا فعرقا فجذب مخارق دواة كانت بين يديه فأوقع عليها ثم غناه؛ فاستعاده ثلاث مرات فأعاده عليه، ثم قام يقول: لايسمع والله هذا الغناء أحد فيفلح. وهذا الخبر رواية محمد بن القاسم بن مهروية عنه.
زحدثنا به أيضا في كتاب هارون بن علي بن يحيى عن ابن مهروية عن ابن عمار قال حدثني أحمد بن يعقوب عن محمد بن حسان الضبي قال حدثنا مخارق قال: لقيني أبو العتاهية فقال: بلغني أنك خرجت قولي:
قال لي أحمد ولم يدر مابي أتحب الغداة عتبة حـقـا فقلت نعم. فقال: غنه فملت معه إلى خراب، فيه قوم فقراء سكان، فغنيته إياه؛ فقال: أحسنت والله منذ ابتدأت حتى سكت؛ ثم قال لي: أبتدأت حتى سكت؛ ثم قال لي: أماترى مافعل الملك بأهل هذا الخراب شعره في تبخيل الناس
أخبرني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال: قال مخارق: لقيت أبا العتاهية على الجسر، فقلت له: يا أبا إسحاق، أتنشدني قولك في تبخيلك الناس كلهم? فضحك وقال لي: هاهنا? قلت نعم. فأنشدني:
إن كنت متخذا خـلـيلا فتنق وانتقـد الـخـلـيلا
من لم يكن لك منصـفـا في الود فأبغ بـه بـديلا
ولربما سـئل الـبـخـي ل الشيء لايسوى فتـيلا
فيقول لاأجـد الـسـبـي ل إلـيه يكـره أن ينـيلا
فلـذاك لاجـعــل الإل ه له إلى خـير سـبـيلا
فاضرب بطرفك حيث شئ ت فلن ترى إلا بـخـيلا فقلت له: أفرطت يا أبا إسحاق فقال: فديتك فأكذبني بجواد واحد. فأحببت موافقته، فالتفت يمينا وشمالا ثم قلت: ماأجد. فقبل بين عيني وقال: فديتك يابني لقدر رفقت حتى كدت تسرف كان بعد تنسكه يطرب لحديث ابن مخارق
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن مخارق قال: كان أبو العتاهية لما نسك يقول لي: يابني، حدثني؛ فإن ألفاظك تطرب كما يطرب غناؤك جفاه أحمد بن يوسف فعاتبه بشعر
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري قال حدثني أبو هفان قال حدثني موسى بن عبد الملك قال:
صفحة : 371
كان أحمد بن يوسف صدقا لأبي العتاهية، فلما خدم المأمون وخص به، رأى منه أبو العتاهية جفوة، فكتب إليه:
أبا جعفر إن الشـريف يشـينـه تتايهه على اللأخلاء بـالـوفـر
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنـى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر
فإن نلت تيها بالذي نهلت من غنى فإن غناي في التجمل والصبـر قال: فبعث إليه بألفي درهم، وكتب إليه يعتذر مما أنكره.
طلب إليه أن يجيز شعرا
فأجازه على البديهة:
أخبرني الحسن ين علي قال حدثنا ابن مهروية قال حدثني
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin