سمعت إبراهيم بن سعد يحلف للرشيد وقد سأله عمن بالمدينة يكره الغناء، فقال: من قنعه الله بخزيه مالك بن أنس، ثم حلف له إنه سمع مالكا يغني:
سليمى أزمعت بينا فأين تقولها أينـا في عرس رجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة.
خبر ابن عائشة وابن أذينة
وطلبه إليه أن يقول له شعرا يغنيه
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن بعض أصحابه قال: مر ابن عائشة بابن أذينة فقال له: قل أبياتا هزجا أغن فيها؛ فقال له: اجلس فجلس؛ فقال:
سليمى أزمعت فينا الأبيات. قال أبو غسان: فحدثت أن ابن عائشة رواها، ثم ضحك لما سمع قوله:
تمنين مناهن فكنا ما تمنينا ثم قال له: يا أبا عامر، تمنيتك لما أقبل بخرك، وأدبرذفرك، وذبل ذكرك فجعل يشتمه. هذا لفظ إسماعيل بن يونس.
أخبرني الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال فحدثني حماد الخشبي قال: ذكر ابن أذينة عند عمر بن عبد العزيز، فقال: نعم الرجل أبو عامر، على أنه الذي يقول:
وقد قالت لأتراب لها زهر تلاقينا غنى للوليد بن يزيد بمكة فأجازه
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد عن أبيه عن المدائني عن إسحاق بن أيوب القرشي قال: كان هشام بن عبد الملك مكرما للوليد بن يزيد، وكان عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدبا للوليد، وكان، فيما يقال، زنديقا، فحمل الوليد على الشراب والاستخفاف بدينه، فاتخذ ندماء وشرب وتهتك، فأراد هشام قطعهم عنه، فولاه الموسم في سنة عشر ومائة، فرأى الناس منه تهاونا واستخفافا بدينه، وأمر مولاه عيسى فصلى بالناس، وبعث إلى المغنين فغنوه وفيهم ابن عائشة فغناه:
سليمى أجمعت بينا فنعر الوليد نعرة أذن لها أهل مكة. وأمر لابن عائشة بألف دينار، وخلع عليه عدة خلع، وحمله.
فخرج ابن عائشة من عنده بأمر أنكره الناس، وأمر للمغنين بدون ذلك، فتكلم أهل الحجاز وقالوا: أهذا ولي عهد المسلمين وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه، وأراده على ذلك فأبى؛ وتنكر هشام للوليد، وتمادى الوليد في الشرب واللذات فأفرط، وتعبث هشام بالوليد وخاصته ومواليه، فنزل بالأزرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدق، حتى مات هشام. انقضت أخباره .
ومن المائة صوت المختارة من أغانيه
غناؤه في صوت من المائة الصوت المختارة
صوت
من رواية علي بن يحيى:
حنت إلى برق فقلت لها قـري بعض الحنين فإن شجوك شائقي
بأبي الوليد وأم نفسي كـلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشـارق
أثوى فأكرم في الثواء وقضـيت حاجاتنا من عند أروع بـاسـق
لا تبـعـدن إداوة مـطـروحة كانت حديثا للشراب العـاتـق ويروي: بالشراب العاتق. عروضه من الكامل. حنت، يعني ناقته. وهذا البيت يتبع بيتا قبله وهو:
فإلى الوليد اليوم حنت ناقتي تهوي بمغبر المتون سمالق وبعده حنت إلى برق... وقوله: قري من الوقار، كأنها لما حنت أسرعت ونازعت إلى الوطن أو المقصد، فقال يخاطبها: قري. وذر قرن الشارق: طلع قرن الشمس؛ يريد: بأبي الوليد وأمي في كل ليل ونهار أبدا. وأثوى: أنزل.
والثواء: الإقامة؛ قال الأعشى:
لقد كان في حول ثواء ثويته تقضى لبانات ويسأم سـائم والباسق: الطويل؛ قال الله عز وجل: والنخل باسقات أي طوالا. ويروي:
لا تبعدن إداوة مطروحة الشعر لعبد الرحمن بن أرطاة المحاربي. والغناء لابن عائشة. ولحنه المختار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للهذلي لحن آخر من الثقيل الأول عن الهشامي وابن المكي. فأول لحن الهذلي استهلال في:
حنت إلى برق فقلت لها قري وأول لحن ابن عائشة:
بأبي الوليد وأم نفسي كلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشارق
أخبار ابن أرطاة ونسبه
نسبه
صفحة : 187
هو عبد الرحمن بن أرطاة، وقيل: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطاة بن سيحان بن عمرو بن نجيد بن سعد بن لاحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوف بن زيد بن بكر بن عمير بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار. وأم جسر بن محارب كأس بنت لكيز بن أقصى بن عبد القيس، وأم علي بن جسر ماوية بنت علي بن بكر بن وائل، هذه رواية أبي عمرو الشيباني أخبرني بها عمي والصولي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه، قال وشكم بن عبد الله أول محاربي ساد قومه وأبذهم رأسا بنفسه، وكانوا جيرانا في هوازن؛ وآل سيحان حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وبمنزلة بعضهم عندهم خاصة وعند سائر بني أمية عامة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال: بنو سيحان من بني جسر بن محارب، وبنو مناف تقوي حلفهم، وهم عندي أعزاؤهم وليسوا بأحلافهم.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال: لما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر، بعثت قريش أرطاة بن سيحان حليف حرب بن أمية إلى الشراة يحذر من بها من تجار قريش، وخرج حاجز الأزدي ليخبر قومه، فسبقه أرطاة، وقال في ذلك وقد حذرهم فنجوا:
مثل الحليف يشد عـروتـه يثني العناج لها مع الكرب
زلم إذا يسـروا بـه يسـر ومناضل يحمي عن الحسب
هل تشكرن فهر وتاجرهـا دأب الشرى بالليل والخبب
حتى جلوت لهم يقـينـهـم ببيان لا ألـس ولا كـذب وكان حليفا لبني أمية ومدحهم
وكان عبد الرحمن شاعرا مقلا إسلاميا ليس من الفحول المشهورين ولكنه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدح أحلافه من بني أمية، وهو أحد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه، وكان بني أمية كواحد منهم إلا أن اختصاصه بآل أبي سفيان وآل عثمان خاصة كان أكثر، وخصوصه بالوليد بن عثمان ومؤانسته إياه أزيد من خصوصه بسائرهم، لأنهما كانا يتنادمان على الشراب.
وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها في الوليد بن عثمان، وقيل: بل في الوليد بن عتبة. وخبره في ذلك يذكر بعد هذا.
أصابه خمار فداواه منه الوليد بن عثمان
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال عتبة بن المنهال المهلبي حدثني غير واحد من أهل الحجاز قالوا: كان ابن سيحان حليفا لقريش ينزل بالمدينة، وكان نديما للوليد بن عثمان، فأصابه ذات يوم خمار، فذهب لسانه وسكنت أطرافه وصرخ أهله عليه، فأقبل الوليد إليه فزعا، فلما رآه قال: أخي مخمور ورب الكعبة، ثم أمر غلاما له فأتاه بشراب من منزله في إداوة فأمر به فأسخن ثم سقاه إياه وقيأه، وصنع له حساء وجعل على رأسه دهنا وجعل رجليه في ماء سخن، فما لبث أن انطلق وذهب ما كان به. ومات الوليد بعد ذلك. فبينا ابن سيحان يوما جالس وبعض متاعه ينقل من بيت إلى بيت، إذ مرت الخادم بإدواة الوليد التي كان داواه بما فيها من الشراب وقد يبست وتقبضت، فانتحب وقال:
لا تبعدن إداوة مطـروحة كانت حديثا للشراب العاتق وذكر باقي الأبيات.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال: كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر فأصابه من ذلك شيء شديد حتى خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب، فدعي له ابن سيحان، فلما رآه قال: اخرجن عني وعن أخي، فقال له: الصبوح أبا عبد الله، فجلس مفيقا؛ فذلك حين يقول ابن سيحان:
بأبي الوليد وأم نفسي كلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشارق
أثوى فأكرم في الثواء وقضيت حاجاتنا من عند أروع باسـق
كم عنده من نائل وسـمـاحة وفضائل معـدودة وخـلائق
وسماحة للمعتفين إذا اعتفـوا في ماله حقا وقول صـادق
لا تبعـدن إداوة مـطـروحة كانت حديثا للشراب العاتـق كان من ندماء الوليد بن عثمان
صفحة : 188
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم، وكان لابن سيحان صديقا ونديما، وكان صاحب شراب، فمرض فعاده الوليد وقال: ما تشتهي? قال: شرابا، فبعث فجاءه بشراب في إدواة. ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله.
<H6 قيل إنه خرج معه إلى الحجاز لجني تمره</H6 <H6 ولما عاد أعطاه إداوة وذكره بها فمدحه </H6 أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال: كان الوليد بن عثمان ذا غلة في الحجاز يخرج إليها في زمان التمر بنفر من قومه، يجنون له ويعاونونه، فكان إذا حضر خروجهم دفع إليهم نفقات لأهليهم إلى رجعتهم، فخرج بهم مرة كما كان يخرج وفيهم ابن سيحان، فأتى ابن سيحان كتاب من أهله يسألونه القدوم لحاجة لابد منها، فاستأذنه فأذن له، فقال له ابن سيحان: زودوني من شرابكم هذا، فزودوه إداوة ملأها له من شرابهم، فكان يشربها في طريقه حتى قدم على أهله، فألقاها في جانب بيته فارغة، فمكث زمانا لا يذكرها، ثم كنسوا البيت فرآها ملقاة في الكناسة فقال:
لا تبـعـدن إداوة مـطـروحة كانت حديثا للشراب العـاتـق
إن تصبحي لا شيء فيك فربمـا أترعت من كأس تلـذ لـذائق
بأبي الوليد وأم نفسي كـلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشـارق
كم عنده من نـائل وسـمـاحة وشمـائل مـيمـونة وخـلائق
وكرامة للمعتفين إذا اعتـفـوا في ماله حقا وقـول صـادق
أثوى فأكرم في الثواء وقضـيت حاجاتنا من عند أروع بـاسـق
لما أتينـاه أتـينـا مـاجـد ال أخلاق سباقا لـقـرم سـابـق
قال الوليد يدي لكم رهن ربمـا حاولتم من صامت أو نـاطـق
فإلى الوليد اليوم حنت ناقـتـي تهوي بمغبر المتون سمـالـق
حنت إلى برق فقلت لها قـري بعض الحنين فإن شجوك شائقي حده مروان بالخمر ومنع منه معاوية
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الأصبهاني المعروف بالحزنبل قال حدثني عمرو ابن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق: قرأت على أبي، قالا جميعا: كان عبد الرحمن بن سيحان قد غاظ مروان بن الحكم أيام كان معاوية يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص في ولاية الحرمين، وأنكر عليه أشياء بلغته فغاظته: من مدحه سعيدا وانقطاعه إليه وسروره بولايته، فرصده حتى وجده خارجا من دار الوليد بن عثمان وهو سكران فضربه الحد ثمانين سوطا. وقدم البريد من المدينة على معاوية فسأله عن أخبار الناس فجعل يخبره بها، حتى انتهى به الحديث إلى ابن سيحان فأخبره أن مروان ضربه الحد ثمانين؛ فغضب معاوية وقال: والله لو كان حليف أبي العاص لما ضربه ولكنه ضربه لأنه حليف حرب، أليس هو الذي يقول:
وإني آمرؤ حلف إلى أفضل الورى عديدا إذا ارفضت عصا المتخلف كذب والله مروان، لا يضربه في نبيذ أهل المدينة وشكهم وحمقهم؛ ثم قال لكاتبه: أكتب إلى مروان: فليبطل الحد عن ابن سيحان، وليخطب بذلك على المنبر، وليقل إنه كان ضربه على شبهة ثم بان له أنه لم يشرب مسكرا، وليعطه ألفي درهم. فلما ورد الكتاب على مروان عظم ذلك عليه، ودعا بابنه عبد الملك فقرأه عليه وشاوره فيه؛ فقال له عبد الملك: راجعه ولا تكذب نفسك، ولا تبطل حكمك؛ فقال مروان: أنا أعلم بمعاوية إذا عزم على شيء أو أراده، لا والله لا أراجعه. فلما كان يوم الجمعة وفرغ من الخطبة قال: وابن سيحان فإنا كشفنا أمره فإذا هو لم يشرب مسكرا، وإذا نحن قد عجلنا عليه؛ وقد أبطلت عنه الحد. ثم نزل فأرسل إليه بألفي درهم.
خبر الوليد ومروان أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال:
صفحة : 189
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعرا، وكان حلو الحديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان على ذلك يصيب من الشراب، فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه، فلما ولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه وكان قد سبعه، فحقد عليه مروان واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان فيشرب معه، وابن سليمان لا يطن أن مروان يفعل به الذي فعله، وقد كان مدحه ابن سليمان ووصله مروان، ولكن مروان أراد فضيحة الوليد، فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج في السحر من عند الوليد ثملا فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي، وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء يبيتون في المسجد يتهجدون، فلما خرج ابن سيحان ثملا من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة فأشهدهما على سكره وقد سأله أن يقرأ أم القرآن فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطته فحبسه؛ فلما أصبح الوليد بلغه الخبر وشاع في المدينة وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه، وأنه لو لقي ابن سيحان ثملا خارجا من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطته فضربه الحد ثم أرسله.
مكث في بيته استحياء فحمله عبد الرحمن بن الحارث على الخروج إلى المسجد فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده وكان له جليسا فقال له: ما يجلسك في بيتك? قال: الاستحياء من الناس؛ قال: اخرج أيها الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها ورح معنا إلى المسجد فهذا أحرى أن يكذب به مكذب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين فتخبره بما صنع بك الوليد فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك؛ فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطا لهم حتى دخل المسجد فصلى ركعتين، ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة؛ فقائل يقول: لم يضرب، وقائل يقول: رحل إلى معاوية وشفع فيه يزيد فعفا عنه وكتب بذلك إلى الوليد أنا رأيته يضرب، وقائل يقول: عزر أسواطا. فمكث أياما ثم رحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشرب معه، وكلم يزيد أباه معاوية في أمره فدعا به فأخبره بقصته وما صنعه به مروان، فقال: قبح الله الوليد ما أضعف عقله أما استحيا من ضربك فيما شرب وأما مروان فإني كنت لا أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له، ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي ولم يصب، وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه، صار شرطيا ثم قال لكاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فالعجيب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الد عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد وأخبرهم أن صاحب شرطك تعدى عليه وظلمه، وأن أمير المؤمنين قد أبطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول:
وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الورى عديدا إذا ارفضت عصا المتحلف
إلى نضد من عبد شمس كأنـهـم هضاب أجا أركانها لم تقـصـف
ميامين يرضون الكفاية إن كفـوا ويكفون ما ولوا بغير تـكـلـف
غطارفة ساسوا البلاد فأحسـنـوا سياستها حتى أقـرت لـمـردف
فمن يك منهم موسرا يفش فضلـه ومن يك منهم معسرا يتعـفـف
وإن تبسط النعمى لهم يبسطوا بهـا أكفا سباطا نفعها غير مـقـرف
وإن تزو عنهم لا يضجوا وتلفهـم قليلي التشكي عندها والتكـلـف
إذا انصرفوا للحق يوما تصرفـوا إذا الجاهل الحيران لم يتصـرف
سموا فعلوا فوق البرية كـلـهـا ببنيان عال من منيف ومـشـرف
صفحة : 190
قال: وكتب له بأن يعطى أربعمائة شاة وثلاثين لقحة مما يوطن السيالة وأعطاه هو خمسمائة دينار، وأعطاه يزيد مائتي دينار. ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحد عنه، وأعطاه ما كتب به له معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما يفعله بابن سيحان، وما أراده بذلك. ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان إلى أن يعود للشرب معه؛ فقال: والله لا ذقت معك شرابا ابدا.
<H6 ضربه مروان الحد فأبطله معاوية</H6 أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلم الغفاري قال حدثني موسى بن عبد العزيز قال: أخذ ابن سيحان الجسري - هكذا قال وهو غلط - في شراب في إمارة مروان، وكان حليفا لأبي سفيان ابن حرب، فضربه مروان ثمانين سوطا على رؤوس الناس، فكتب إلى معاوية يشكوه، فكتب إليه معاوية: أما بعد فإنك أخذت حليف حرب فضربته ثمانين على رؤوس الناس، والله لتبطلنها عنه، أو لأقيدنه منك؛ فقال مروان لابنه عبد الملك: ماترى? قال: أرى والله ألا تفعل؛ قال: ويحك أنا أعلم بعزمات معاوية منك، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنا كنا ضربنا ابن سيحان بشهادة رجل من الحرس ووجدناه غير عدل ولا رضا، فاشهدوا أني قد أبطلت ذلك الحد عنه.
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال: ضرب مروان عبد الرحمن بن سيحان في الخمر ثمانين سوطا، فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنك ضربت عبد الرحمن في نبيذ أهل الشأم الذي يستعملونه وليس بحرام، وإنما ضربته حيث كان حلفه إلى أبي سفيان بن حرب، وايم الله لو كان حليفا للحكم ما ضربته، فأبطل عنه الحد قبل أن أضرب من أخذ معه: أخاك عبد الرحمن بن الحكم؛ فأبطل مروان عنه الحد؛ فقال ابن سيحان في ذلك يذكر حلفه:
إني امرؤ عقدي إلى أفضل الورى عديدا إذا ارفضت عصا المتحلف وقال الطوسي: كان عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان يشرب مع ابن سيحان، فلما ضربه مروان الحد كتب إليه معاوية: والله لتبطلنه عنه أو لأبعثن إلى أخيك من يضرب ظهره بالسوط في السوق، أليس ابن سيحان الذي يقول:
سموت بحلفي للطوال من الـربـى ولم تلقني قنا لدى مبرك الـجـرب
إذا ما حليف الذل اقمـأ شـخـصـه ودب كما دب الحسير على نـقـب
وهصت الحصى لا أخنس الأنف قابعا إذا أنا راخى لي خناقي بنو حـرب كان مع سعيد بن عثمان حين قتله
وهرب عنه ثم رثاه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء وأحمد بن سليمان الطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وغيره قالوا: قدم سعيد بن عثمان المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصغد، وكان معه عبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان حليف بني حرب بن أمية، فهرب عنه لما قتلوه، فقال خالد بن عقبة بن أبي معيط يرثي سعيد بن عثمان - وعثمان أخوه لأمه -:
يا عين جودي بدمع منك تهتانـا وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا
إن ابن زينة لم تصدق مودتـه وفر عنه ابن أرطاة بن سيحانا فقال ابن سيحان يعتذر من ذلك:
يقول رجال قد دعاك فلم تـجـب وذلك من تلقاء مـثـلـك رائع
فإن كان نادى دعوة فسمعـتـهـا فشلت يدي واستك مني المسامع
وإلا فكانت بالذي قـال بـاطـلا ودارت عليه الدائرات القـوارع
يلومونني أن كنت في الدار حاسرا وقد فر عنه خـالـد هـو دارع فقال بعض الشعراء يجيبه:
فإنك لم تسمـع ولـكـن رأيتـه بعينيك إذ مجراك في الدار واسع
وأسلمته للصغد تدمي كـلـومـه وفارقته والصوت في الدار شائع
وما كان فيها خالـد بـمـعـذر سواء عليه صم أو هو سـامـع
فلا زلتما في غل سوء بعـبـرة ودارت عليكم بالشمات القـوارع أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال: لما قتل سعيد بن عثمان بن عفان قالت أمه: أشتهي أن يرثيه شاعر كما في نفسي حتى أعطيه ما يحتكم؛ فقال ابن سيحان:
إن كنت باكـية فـتـى فابكي هبلت على سعيد:
صفحة : 191
فارقت أهـلـك بـغـتة وجلبت حتفك من بعـيد
أذري دموعك والـدمـا ء على الشهيد ابن الشهيد فقالت: هكذا كنت أشتهي أن يقال فيه، ووصلت ابن سيحان. وكانت تندبه بهذا الشعر.
وقال أبو عمرو في روايته التي ذكرتها عن عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال: جلس ابن سيحان وخالد بن عقبة بعد مقتل سعيد بن عثمان يتحدثان، فجرى ذكره فبكيا جميعا عليه، فقال ابن سيحان يرثيه:
ألا إن خير الناس إن كنت سائلا سعيد بن عثمان القتيل بلا ذحل
تداعت عليه عصبة فـارسـية فأضحى سعيد لا يمر ولا يحلي وقال خالد بن عقبة:
ألا إن خير الناس نفسـا ووالـدا سعيد بن عثمان قتيل الأعـاجـم
بكت عين من لم يبكه وسط يثرب مدى الدهر منه بالدموع السواجم
فإن تكن الأيام أردت صروفهـا سعيدا، فمن هذا عليها بسـالـم قال الحزنبل: أنشدني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه لابن سيحان قال عمي وأنشدني السكري عن ابن حبيب والطوسي له: صوت
رحم الله صاحبي ابـنـي الـحـا رث إذ ينهـانـنـي أن أبـوحـا
بالـتـي تـيمـت فـؤادي وأن أذ ري دموعي على ردائي سفوحـا
في مغاني منـازل مـن حـبـيب باشرت بعـده قـطـارا وريحـا
ولقد قـلـت لـلـفـؤاد ولـكـن كان قدما إلى هـواه جـمـوحـا
قلت أقصر عن بعض حبك أروى إن بعض الحباب كان فضـوحـا
فعصاني، فلـيس يسـمـع قـولا من حمام على الأراك، جنـوحـا
أم يحيى تـقـبـل الـلـه يحـيى بقبول كـمـا تـقـبـل نـوحـا
أم يحيى لولا طلابك قـد سـحـت مع الوحش أو لبست المسـوحـا
ولـقـد قـلـت لا أحـدث سـرا سر أخرى ما دامت أمشي صحيحا الغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. وفيه للغريض ثقيل أول عن الهشامي. وفيه لزريق رمل.
قال أبو عمرو: وابن سيحان الذي يقول:
ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا بنو مطيع وذمه لهم
والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا. وقال أبو عمرو في خبره: كان ابن سيحان يحدث قال: كنت آلف من قريش أهل بيتين سوى من كنت منقطعا إليه من بني أمية: بني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وبني مطيع، فلما ضربني مروان الحد جئت فجلست إلى بني مطيع كما كنت أجلس، فلما رأوني عرفت الكراهة في وجوههم، والله ما أقبلوا بوجوههم علي بحديثم ولا وسعوا لي، فانصرفت ورحت إلى بني عبد الرحمن، فلما رأوني أقبلوا بوجوههم علي وحيوا ورحبوا وسهلوا ووسعوا ورفعوني إلى حيث لم أكن أجلس وأقبلوا علي بوجوههم يحدثونني، وقالوا: لعلك خشعت للذي لحقك، أما والله لقد علم الناس أنك مظلوم، وظلموا مروان في فعله، ورأوا أنه قد أساء وأخطأ في شأنك، وقالوا: ما ضرك ذلك ولا نقصك ولا زادك إلا خيرا، ولم يزالوا حتى بسطوني، فقلت أمدحهم وأذم بني مطيع:
لقد حرمت ود بني مـطـيع حرام الدهن للرجل الحـرام
وإن جنف الزمان مددت حبلا متينا من حبال بني هـشـام
رطيب عودهـم أبـدا وريق إذا ما اغبر عيدان الـلـئام ما وقع له مع إمرأته بسبب سكره
وقال أبو عمرو في خبره: كان عبد الرحم بن سيحان ينادم الوليد بن عثمان على الشراب فيبيت عنده خوفا من أن يظهر وهو سكران فيحد، فقالت له امرأته: قد صرت لا تبيت في منزلك وأظنك قد تزوجت، وإلا فما مبيتك عن أهلك فقال لها:
لا تعدميني نديما مـاجـدا أنـفـا لا قائلا قاذفا خلقا بـبـهـتـان
أغر راووقـه مـلآن صـافـية تنفي القذى عن جبين غير خزيان
سبيئة من قرى بيروت صـافـية عذراء أو سبئت من أرض بيسان
إنا لنشربها حتـى تـمـيل بـنـا كما تمايل وسنـان بـوسـنـان حثه ابن عمه على شرب الخمر
صفحة : 192
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال: كان ابن سيحان صاحب شراب، فدخل على ابن عم له يقال له الحارث بن سريع فوجده يشرب نبيذ زبيب، فجعل يعظه ويأمره بشرب الخمر، وقال له: يابن سريع، إن كنت تشربه على أن نبيذ الزبيب حلال فإنك أحمق، وإن كنت تشربه على أنه حرام تستغفر الله منه وتنوي التوبة فاشرب أجوده فإن الوزر واحد، ثم قال:
دع ابن سريع شرب ما مات مـرة وخذها سلافا حية مزة الطـعـم
تدعك على ملك ابن ساسان قـادرا إذا حرمت قراؤنا حلب الـكـرم
فشتان بين الحي والميت فاعـتـزم على مزة صفراء راووقها يهمي
فإن سريعا كان أوصى بحـبـهـا بنيه وعمي جاوز الله عن عمـي
ويا رب يوم قد شهدت بنـي أبـي عليها إلى أن غاب تالية النـجـم
حسوها صلاة العصر والشمس حية تدار عليهم بالصغير وبالضـخـم
فماتوا وعاشوا والمدامة بـينـهـم مشعشعة كالنجم توصف بالوهـم أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال: كان ابن سيحان حليف حرب بن أمية ينادم الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ويشرب معه الخمر، وهو القائل:
إصبح نديمك من صهباء صافـية حتى يروح كريما ناعم الـبـال
واشرب هديت أبا وهب مجاهرة واختل فإنك من قوم أولى خـال
أنت الجواد أبا وهب إذا جمـدت أيدي الرجال بما تحويه من مال
لولا رجاؤك قد شمرت مرتحـلا عنسا تعاقب تخـويدا بـإرقـال
لما تواصوا بقتلي قمت معتزمـا حتى حميت من الأعداء أوصالي
عم الوليد بمعروف عـشـيرتـه والأبعدون حظوا منه بإفضـال شعره في الوليد وقد حماه من أخواله
قال: وكان ابن سيحان قد ضرب رجلا من أخواله بالسيف فقطع يده ولم تقم عليه بينة، فتآمر به القوم ومنع منه ابن خال له منهم؛ وخاف الوليد بن عقبة أن يرجع إلى المدينة هاربا منهم وخوفا من جنايته عليهم فيفارقه وينقطع عنه، فدعاهم وأرضاهم وأعطاهم دية صاحبهم. فلم يزل عند الوليد حتى عزل وهو نديمه وصفيه. وهو القائل في الوليد - وفيه غناء -: صوت
بات الوليد يعاطيني مشعـشـعة حتى هويت صريعا بين أصحابي في الغناء: بات الكريم يعاطيني.
لا أستطيع نهوضا إن هممت به وما أنهنه من حسو وتشـراب
حتى إذا الصبح لاحت لي جوانبه وليت أسحب نحو الفوم أثوابـي
كأنني من حميا كأسـه جـمـل صحت قوائمه من بعد أوصاب ويروى:
كأنني من حميا كأسه ظلع الغناء ليحيى المكي - وروي: ضلع - خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي وبذل: قالت بذل: وفيه لحن آخر ليحيى، ولم تذكر طريقته.
خبره مع سعيد بن العاص
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو فهيرة قال: دخل عبد الرحمن بن أرطاة على سعيد بن العاص وهو أمير المدينة؛ فقال له: ألست القائل:
إنا لنشربها حتى تميل بنا كما تمايل وسنان بوسنان فقال له عبد الرحمن: معاذ الله أن أشربها وأنعتها، ولكني الذي أقول:
سموت بحلفي للطـوال مـن الـذرى ولم تلقني كالنسر في ملتقـى جـدب
إذا ما حليف القوم أقعـى مـكـانـه ودب كما يمشي الحسير من النقـب
وهصت الحصى لا أرهب الضيم قائما إذا أنا راخى لي خناقي بنـو حـرب وقام يجر مطرفه بين الصفين حتى خرج. فأقبل عمرو بن سعيد على أبيه فقال: لو أمرت بهذا الكب فضرب مائتي سوط كان خيرا له؛ فقال: يا بني، أضربه وهو حليف حرب بن أمية ومعاوية خليفة بالشأم إذا لا يرضى فلما حج معاوية لقيه بمنى، فقال: إيه يا سعيد أمرك أحمقك بأن تضرب حليفي مائتي سوط أما والله لو جلدته سوطا لجلدتك سوطين فقال له سعيد: ولم ذاك? أو لم تجلد أنت حليفك عمر بن جبلة فقال له معاوية: هو لحمي آكله ولا أوكله. قال: وكان ابن سيحان قد قال:
صفحة : 193
لا يعدمني نديمي ماجدا أنـفـا لا قائلا خالطا زورا ببهـتـان
أمسي أعاطيه كأسا لذ مشربها كالمسك حفت بنسرين وريحان
سبيئة من قرى بيروت صافـية أو التي سبئت من أرض بيسان
إنا لنشربها حتى تمـيل بـنـا كما تمايل وسنان بـوسـنـان انقضت أخباره.
أحد الأصوات من المائة المختارة
من رواية علي بن يحيى
يا خليلي هجرا كي تروحـا هجتما للرواح قلبا قريحـا
إن تريغا لتعلما سر سعـدى تجداني بسر سعدى شحيحا
إن سعدى لمنية المتمـنـي جمعت عفة ووجها صبيحا
كلمتني وذاك ما نلت منهـا إن سعدى ترى الكلام ربيحا الشعر لابن ميادة. والغناء لحنين، ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أن فيه لدحمان لحنا من الثقيل الأول بالبنصر، وأظنه هذا، وأن عمرا غلط في نسبته إلى دحمان.
أخبار ابن ميادة ونسبه
نسبه
اسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة، هكذا قال الزبير بن بكار في نسبه. وقال ابن الكلبي: ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم ويقال سراقة بن قيس بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر.
كان يزعم أن أمه فارسية وأمه ميادة أم ولد بربرية، وروي أنها كانت صقلبية. ويكنى أبا شرحبيل، وقيل بل يكنى أبا شراحيل.
وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية، وذكر ذلك في شعره فقال:
أنا ابن سلمى وجـدي ظـالـم وأمي حصان أخلصتها الأعاجم
أليس غلام بين كسرى وظالـم بأكرم من نيطت عليه التمـائم <H6 كذبه موسى بن سيار أن أمه فارسية</H6 أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة مرهوب بن سيد وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير الفزاري قال أخبرني موسى بن سيار بن نجيح المزني قال: أنشدني ابن ميادة أبياته التي يقول فيها:
أليس غلام بين كسرى وظالم بأكرم من نيطت عليه التمائم فقلت له: لقد أشحطت بدار العجوز وأبعدت بها النجعة، فهلا غربت يريد أنها صقلبية ومحلها بناحية المغرب فقال: إي بأبي أنت، إنه من جاع انتجع، فدعها تسر في الناس فإنه من يسمع يخل . قال الزبير قال ابن مسلمة: ولما قال ابن ميادة هذه الأبيات قال الحكم الخضري يرد عليه: <H6 رد عليه الحكم الخضري فخره بأمه وهجاه</H6
وما لك فيهم من أب ذي دسيعة ولا ولدتك المحصنات الكـرائم
وما أنت إلا عبدهم إن تربـهـم من الدهر يوما تستربك المقاسم
رمى نهبل في فرج أمك رمية بحوقاء تسقيها العروق الثواجم قال أبو مسلمة: ونهبل عبد لبني مرة كانت ميادة تزوجته بعد سيدها، وكانت صقلبية. وابن ميادة شاعر فصيح مقدم مخضرم من شعراء الدولتين. وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة، وقرن به عمر بن لجأ والعجيف العقيلي والعجير السلولي.
<H6 كان يتعرض للمهاجاة ويقول لأمه اصبري</H6 <H6 على الهجو </H6 أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا الحسن بن الحسين السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال: كان ابن ميادة عريضا للشر، طالبا مهاجاة الشعراء ومسابة الناس. وكان يضرب بيده على جنب أمه ويقول:
اعرنزمي مياد للقوافي أي إني سأهجو الناس فيهجونك.
وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي هفان بهذه الحكاية مثله، وزاد فيها:
اعرنزمي مياد للقوافي واستسمعيهن ولاتخافي
ستجدين ابنك ذا قذاف <H6 استنشد امرأة أمام أمه ما هجيت به</H6
صفحة : 194
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا داود بن علفة الأسدي قال: جاورة امرأة من الخضر: رهط الحكم الخضري أبيات ابن ميادة، فجاءت ذات يوم تطلب رحى وثفالا لتطحن، فأعاروها إياهما فقال لها ابن ميادة: يا أخت الخضر، أتروين شيئا مما قاله الحكم الخضري لنا، يريد بذلك أن تسمع أمه، فجعلت تأبى، فلم يزل حتى أنشدته:
أمياد قد أفسدت سيف ابن ظالم ببظرك حتى عاد أثلم بـالـيا قال: وميادة جالسة تسمع. فضحك الرماح، وثارت ميادة إليها بالعمود تضربها به وتقول: أي زانية هيا زانية أإياي تعنين وقام ابن ميادة يخلصها، فبعد لأي ما أنقذها، وقد انتزعت منها الرحى والثفال.
<H6 إنشاده شماطيط هجاء أمه</H6 أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري قال حدثني شماطيط - وهو الذي يقول:
أنا شماطيط الذي حدثت به متى أنبه للغداء أنتـبـه
حتى يقال شره ولست به - قال: كنت جالسا مع ابن ميادة فوردت عليه أبيات للحكم الخضري يقول فيها:
أأنت ابن أشبانية أدلجت بـه إلى اللؤم مقلات لئيم جنينها - أشبانية: صقلبية - قال: وأمه ميادة تسمع فضرب جنبها وقال:
اعرنزمي مياد للقوافي فقالت: هذه جنايتك يابن من خبث وشر، وأهوت إلى عصا تريد ضربه بها؛ ففر منها وهو يقول:
يا صدقها ولم تكن صدوقا فصحت به: أيهما المعني? فقال: أضرعهما خدين وألأمهما جدين؛ فضربت جنبها الآخر وقلت: فهي إذا ميادة، وخرجت أعدو في أثر الرماح، وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها.
أمه ميادة وقصة تزوجها أبرد أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاري: أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل، فاشتراها بنو ثوبان بن سراقة فأقبلوا بها من الشأم، فلما قدموا وصبحوا بها المليحة وهي ماءة لبني سلمى ورحل بن ظالم بن جذيمة نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها، فقال: ما هذه? قالوا: اشتراها بنو ثوبان؛ فقال: وأبيكم إنها لميادة تميد وتميل على بعيرها، فغلب عليها ميادة . وكان أبرد ضلة من الضلل ورثة من الرثث جلفا لا تخلص إحدى يديه من الأخرى، يرعى على إخوته وأهله، وكانت إخوته كلهم ظرفاء غيره. فأرسلوا ميادة ترعى الإبل معه فوقع عليها، فلم يشعروا بها إلا قد أقعسها بطنها، فقالوا لها: لمن ما في بطنك. قالت: لأبرد، وسألوه فجعل يسكت ولا يجيبهم، حتى رمت بالرماح فرأوا غلاما فدغما نجيبا، فأقر به أبرد. وقالت بنو سلمى: ويلكم يا بني ثوبان ابتطنوه فلعله ينجب؛ فقالوا: والله ما له غير ميادة، فبنوا لها بيتا وأقعدوها فيه، فجاءت بعد الرماح بثوبان وخليل وبشير بني أبرد، وكانت أول نسائه وآخرهن، وكانت امرأة صدق، ما رميت بشيء ولا سبت إلا بنهبل. قال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي في هجائه ابن ميادة:
لعمري لئن شابت حليلة نهبل لبئس شباب المرء كان شبابها
ولم تدر حمراء العجان أنهبل أبوه أم المري تب تبابـهـا هجا بني مازن فرد عليه رجل منهم قال أبو داود: وكان ابن ميادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان، وذلك أنهم ظلموا بني الصارد - والصارد من مرة - فأخذوا مالهم وغلبوهم عليه حتى الساعة؛ فقال ابن ميادة:
فلأوردن على جماعة مـازن خيلا مقلصة الحصى ورجالا
ظلوا بذي أرك كأن رءوسهم شجر تخطاه الربيع فـحـالا فقال رجل من بني مازن يرد عليه:
يابن الخبيثة يابن طلة نهـبـل هلا جمعت كما زعمت رجالا
أببظر ميدة أم بخصيي نهـبـل أم بالفساة تنـازل الأبـطـالا
ولئن وردت على جماعة مازن تبغي القتال لتلـقـين قـتـالا قال: وبنو مرة يسمون الفساة لكثرة امتيارهم التمر، وكانت منازلهم بين فدك وخيبر فلقبوا بذلك لأكلهم التمر. وقال يحيى بن علي في خبره - ولم يذكره عن أحد -: وقال ابن ميادة يفتخر بأمه: شعره في الفخر بنسبه
أنا ابن ميادة تهوي نجبـي صلت الجبين حسن مركبي
صفحة : 195
ترفعني أمي وينمينـي أبـي فوق السحاب ودوين الكوكب قال يحيى بن علي في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود الفزاري: إن ابن ميادة قال يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمه في العجم:
أليس غلام بين كسرى وظالم بأكرم من نيطت عليه التمائم
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وجئت بجدي ظالم وابن ظالم
لظلت رقاب الناس خاضعة لنا سجودا على أقدامنا بالجماجم سمع الفرزدق شيئا من شعره فانتحله
فأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: كان ابن ميادة واقفا في الموسم ينشد:
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وذكر تمام البيت والذي بعده. قال: والفرزدق واقف عليه في جماعة وهو متلثم، فلما سمع هذين البيتين أقبل عليه ثم قال: أنت يابن أبرد صاحب هذه الصفة كذبت والله وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذبك؛ فأقبل عليه فقال: فمه يا أبا فراس؛ فقال: أنا والله أولى بهما منك، ثم أقبل على روايته فقال: اضممهما إليك:
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وجئت بجدي دارم وابن دارم
لظلت رقاب الناس خاضعة لنا سجودا على أقدامنا بالجماجم قال: فأطرق ابن ميادة فما أجابه بحرف، ومضى الفرزدق فانتحلهما.
كان له أخوان شاعران
وقد أتاهم الشعر من قبل جدهم زهير
أم بني ثوبان - وهو أبرد أبو ابن ميادة والعوثبان وقريض وناعضة، وكان العوثبان وقريض شاعرين - أمهم جميعا سلمى بنت كعب بن زهير بن أبي سلمى.
مهاجاته لعقبة بن كعب بن زهير ويقال: إن الشعر أتى ابن ميادة عن أعمامه من قبل جدهم زهير. قال إسحاق في خبره هذا: وحدثني حميد بن الحارث أن عقبة بن كعب بن زهير نزل المليحة على بني سلمى بن ظالم فأكلوا له بعيرا، وبلغ ابن ميادة أن عقبة قال في ذلك شعرا، فقال ابن ميادة يرد عليه:
ولقد حلفت برب مكة صادقا لولا قرابة نسوة بالحاجـر
لكسوت عقبة كسوة مشهورة ترد المناهل من كلام عائر وهي قصيدة؛ فقال له عقبة:
ألوما أنني أصبحـت خـالا وذكر الخال ينقص أو يزيد
لقد قلدت من سلمى رجالا عليهم مسحة وهم العبـيد فقال ابن ميادة:
أن تك خالنا فقبحت خـالا فأنت الخال تنقص لا تزيد
فيوما في مزينة أنت حـر ويوما أنت محتدك العبـيد
أحق الناس أن يلقى هوانا ويؤكل ماله العبد الطريد أوصاف ابن ميادة
قال إسحاق فحدثني عجرمة قال: كان ابن ميادة أحمر سبطا عظيم الخلق طويل اللحية، وكان لباسا عطرا، ما دنوت من رجل كان أطيب عرفا منه.
مقارنة بينه وبين النابغة
قال إسحاق: وحدثني أبو داود قال: سمعت شيخا عالما من غطفان يقول: كان الرماح أشعر غطفان في الجاهلية والإسلام، وكان خيرا لقومه من النابغة، لم يمدح غير قريش وقيس، وكان النابغة إنما يهذي باليمن مضللا حتى مات.
هو كثير السقط في شعره
قال إسحاق: وحدثني أبو داود أن بني ذبيان تزعم أن الرماح بن ميادة كان آخر الشعراء. قال إسحاق: وحدثني أبو صالح الفزاري أن القاسم بن جندب الفزاري، وكان عالما، قال لابن ميادة: والله لو أصلحت شعرك لذكرت به، فإني لأراه كثير السقط؛ فقال له ابن ميادة: يابن جندب، إنما الشعر كنبل في جفيرك ترمى به الغرض، فطالع وواقع وعاصد وقاصد.
كان زمن هشام وبقي إلى خلافة المنصور
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال: كان ابن ميادة حديث العهد لم يدرك زمان قتيبة بن مسلم، ولا دخل فيمن عناه حين قال: أشعر قيس الملقبون من بني عامر والمنسوبون إلى أمهاتهم من غطفان ، ولكنه شاعر مجيد كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور.
مدح بني أمية وبني هاشم
أخبرنا يحيى بن علي قال: كان ابن ميادة فصيحا يحتج بشعره، وقد مدح بني أمية وبني هاشم: مدح من بني أمية الوليد بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان، ومدح من بني هاشم المنصور وجعفر بن سليمان.
علم أنه شاعر حين وافق الحطيئة
صفحة : 196
في بيت قاله
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال أخبرني طماح ابن أخي الرماح ابن ميادة قال: قال لي عمي الرماح: ما علمت أني شاعر حتى واطأت الحطيئة، فإنه قال:
عفا مسحلان من سليمى فحامره تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فوالله ما سمعته ولا رويته فواطأته بطبعي فقلت:
فذو العش والممدور أصبح قاويا تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فلما أنشدتها قيل لي: قد قال الحطيئة:
تمشى به ظلمانه وجآذره فعلمت أني شاعر حينئذ.
كان ينسب بأم جحدر وشعره فيها
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير بن مضرس قال: كان الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة ينسب بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة، فحلف أبوها ليخرجنها إلى رجل من غير عشيرته ولا يزوجها بنجد؛ فقدم عليه رجل من الشأم فزوجه إياها؛ فلقي عليها ابن ميادة شدة، فرأيته وما لقي عليها، فأتاها نساؤها ينظرن إليها عند خروج الشأمي بها. قال: فوالله ما ذكرن منها جمالا بارعا ولا حسنا مشهورا، ولكنها كانت أكسب الناس لعجب. فلما خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميادة يقول:
ألا ليت شعري هل إلى أم جحدر سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا
إذا نزلت بصرى تراخى مزارها وأغلق بوابان من دونها قصـرا
فهل تأتيني الريح تدرج موهـنـا برياك تعروري بها جرعا عفرا قال الزبير: وزادني عمي مصعب فيها:
فلو كان نذر مدنـيا أم جـحـدر إلي لقد أوجبت في عنقي نـذرا
ألا لا تلطي الستر يا أم جحـدر كفى بذرا الأعلام من دوننا سترا
لعمري لئن أمسيت يا أم جحـدر نأيت لقد أبليت في طلب عـذرا
فبهرا لقومي إذ يبيعون مهجتـي بغانية بهرا لهم بعدهـا بـهـرا قال الزبير: بهرا ها هنا: يدعو عليهم أن ينزل بهم من الأمور ما يبهرهم، كما تقول: جدعا وعقرا. وفي أول هذه القصيدة - على ما رواه يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن حميد بن الحارث - يقول:
ألا لا تعدلي لوعة مثل لوعـتـي عليك بأدمى والهوى يرجع الذكرا
عشية ألوي بالرداء على الحـشـا كأن ردائي مشعل دونه جـمـرا زاوج أم جحدر وما قاله في ذلك قال حميد بن الحارث: وأم جحدر امرأة من بني رحل بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة.
أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير عن موهوب بن رشيد عن جبر بن رباط النعامي: أن أم جحدر كانت امرأة من بني مرة ثم من بني رحل، وأن أباها بلغه مصير ابن ميادة إليها، فحلف ليزوجنها رجلا من غير ذلك البلد، فزوجها رجلا من أهل الشأم فاهتداها وخرج بها إلى الشأم، فتبعها ابن ميادة، حتى أدركه أهل بيته فردوه مصمتا لا يتكلم من الوجد بها؛ فقال قصيدة أولها:
خليلي من أبنـاء عـذرة بـلـغـا رسائل منا لا تـزيدكـمـا وقـرا
ألما على تيماء نـسـأل يهـودهـا فإن لدى تيماء من ركبهـا خـبـرا
وبالغمر قد جازت وجاز مطـيهـا عليه فسل عن ذاك نيان فالغـمـرا
ويا ليت شعري هل يحلن أهـلـهـا وأهلك روضات ببطن اللوى خضرا قصة عشقه لها
صفحة : 197
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر بن وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال: كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء، فإذا أعرابي يقول: يا معشر العرب، أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعني? فجئت إليه فقلت: من أنت? فقال: أنا الرماح بن أبرد، قلت: فأخبرني ببدء أمركما؛ قال: كانت أم جحدر من عشيرتي فأعجبتني، وكانت بيني وبينها خلة، ثم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها، فأتيتها فقلت: يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود؛ فقالت: ما قضى الله فهو خير. فلبثت على تلك الحال سنة، وذهبت بهم نجعة فتباعدوا، واشتقت إليها شوقا شديدا، فقلت لامرأة أخ لي: والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لآتينها ولأطلبن إليها أن ترد الوصل بيني وبينها، ولئن ردته لا نقضته أبدا، ولم يكن يومان حتى رجعوا، فلما أصبحت غدوت عليهم فإذا أنا ببيتين نازلين إلى سند أبرق طويل، وإذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين، فجئت فسلمت، فردت إحداهما ولم ترد الأخرى، فقالت: ما جاء بك يا رماح إلينا? ما كنا حسبنا إلا أنه قد انقطع ما بيننا وبينك؛ فقلت: إني جعلت علي نذرا لئن دنت بأم جحدر دار لآتينها ولأطلبن منها أن ترد الوصل بيني وبينها، ولئن هي فعلت لا نقضته أبدا وإذا التي تكلمني امرأة أخيها وإذا الساكتة أم جحدر؛ فقالت امرأة أخيها: فادخل مقدم البيت فدخلت، وجاءت فدخلت من مؤخره فدنت قليلا، ثم إذا هي قد برزت، فساعة برزت
سليمى أزمعت بينا فأين تقولها أينـا في عرس رجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة.
خبر ابن عائشة وابن أذينة
وطلبه إليه أن يقول له شعرا يغنيه
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن بعض أصحابه قال: مر ابن عائشة بابن أذينة فقال له: قل أبياتا هزجا أغن فيها؛ فقال له: اجلس فجلس؛ فقال:
سليمى أزمعت فينا الأبيات. قال أبو غسان: فحدثت أن ابن عائشة رواها، ثم ضحك لما سمع قوله:
تمنين مناهن فكنا ما تمنينا ثم قال له: يا أبا عامر، تمنيتك لما أقبل بخرك، وأدبرذفرك، وذبل ذكرك فجعل يشتمه. هذا لفظ إسماعيل بن يونس.
أخبرني الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال فحدثني حماد الخشبي قال: ذكر ابن أذينة عند عمر بن عبد العزيز، فقال: نعم الرجل أبو عامر، على أنه الذي يقول:
وقد قالت لأتراب لها زهر تلاقينا غنى للوليد بن يزيد بمكة فأجازه
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد عن أبيه عن المدائني عن إسحاق بن أيوب القرشي قال: كان هشام بن عبد الملك مكرما للوليد بن يزيد، وكان عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدبا للوليد، وكان، فيما يقال، زنديقا، فحمل الوليد على الشراب والاستخفاف بدينه، فاتخذ ندماء وشرب وتهتك، فأراد هشام قطعهم عنه، فولاه الموسم في سنة عشر ومائة، فرأى الناس منه تهاونا واستخفافا بدينه، وأمر مولاه عيسى فصلى بالناس، وبعث إلى المغنين فغنوه وفيهم ابن عائشة فغناه:
سليمى أجمعت بينا فنعر الوليد نعرة أذن لها أهل مكة. وأمر لابن عائشة بألف دينار، وخلع عليه عدة خلع، وحمله.
فخرج ابن عائشة من عنده بأمر أنكره الناس، وأمر للمغنين بدون ذلك، فتكلم أهل الحجاز وقالوا: أهذا ولي عهد المسلمين وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه، وأراده على ذلك فأبى؛ وتنكر هشام للوليد، وتمادى الوليد في الشرب واللذات فأفرط، وتعبث هشام بالوليد وخاصته ومواليه، فنزل بالأزرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدق، حتى مات هشام. انقضت أخباره .
ومن المائة صوت المختارة من أغانيه
غناؤه في صوت من المائة الصوت المختارة
صوت
من رواية علي بن يحيى:
حنت إلى برق فقلت لها قـري بعض الحنين فإن شجوك شائقي
بأبي الوليد وأم نفسي كـلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشـارق
أثوى فأكرم في الثواء وقضـيت حاجاتنا من عند أروع بـاسـق
لا تبـعـدن إداوة مـطـروحة كانت حديثا للشراب العـاتـق ويروي: بالشراب العاتق. عروضه من الكامل. حنت، يعني ناقته. وهذا البيت يتبع بيتا قبله وهو:
فإلى الوليد اليوم حنت ناقتي تهوي بمغبر المتون سمالق وبعده حنت إلى برق... وقوله: قري من الوقار، كأنها لما حنت أسرعت ونازعت إلى الوطن أو المقصد، فقال يخاطبها: قري. وذر قرن الشارق: طلع قرن الشمس؛ يريد: بأبي الوليد وأمي في كل ليل ونهار أبدا. وأثوى: أنزل.
والثواء: الإقامة؛ قال الأعشى:
لقد كان في حول ثواء ثويته تقضى لبانات ويسأم سـائم والباسق: الطويل؛ قال الله عز وجل: والنخل باسقات أي طوالا. ويروي:
لا تبعدن إداوة مطروحة الشعر لعبد الرحمن بن أرطاة المحاربي. والغناء لابن عائشة. ولحنه المختار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للهذلي لحن آخر من الثقيل الأول عن الهشامي وابن المكي. فأول لحن الهذلي استهلال في:
حنت إلى برق فقلت لها قري وأول لحن ابن عائشة:
بأبي الوليد وأم نفسي كلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشارق
أخبار ابن أرطاة ونسبه
نسبه
صفحة : 187
هو عبد الرحمن بن أرطاة، وقيل: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطاة بن سيحان بن عمرو بن نجيد بن سعد بن لاحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوف بن زيد بن بكر بن عمير بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار. وأم جسر بن محارب كأس بنت لكيز بن أقصى بن عبد القيس، وأم علي بن جسر ماوية بنت علي بن بكر بن وائل، هذه رواية أبي عمرو الشيباني أخبرني بها عمي والصولي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه، قال وشكم بن عبد الله أول محاربي ساد قومه وأبذهم رأسا بنفسه، وكانوا جيرانا في هوازن؛ وآل سيحان حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وبمنزلة بعضهم عندهم خاصة وعند سائر بني أمية عامة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال: بنو سيحان من بني جسر بن محارب، وبنو مناف تقوي حلفهم، وهم عندي أعزاؤهم وليسوا بأحلافهم.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال: لما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر، بعثت قريش أرطاة بن سيحان حليف حرب بن أمية إلى الشراة يحذر من بها من تجار قريش، وخرج حاجز الأزدي ليخبر قومه، فسبقه أرطاة، وقال في ذلك وقد حذرهم فنجوا:
مثل الحليف يشد عـروتـه يثني العناج لها مع الكرب
زلم إذا يسـروا بـه يسـر ومناضل يحمي عن الحسب
هل تشكرن فهر وتاجرهـا دأب الشرى بالليل والخبب
حتى جلوت لهم يقـينـهـم ببيان لا ألـس ولا كـذب وكان حليفا لبني أمية ومدحهم
وكان عبد الرحمن شاعرا مقلا إسلاميا ليس من الفحول المشهورين ولكنه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدح أحلافه من بني أمية، وهو أحد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه، وكان بني أمية كواحد منهم إلا أن اختصاصه بآل أبي سفيان وآل عثمان خاصة كان أكثر، وخصوصه بالوليد بن عثمان ومؤانسته إياه أزيد من خصوصه بسائرهم، لأنهما كانا يتنادمان على الشراب.
وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها في الوليد بن عثمان، وقيل: بل في الوليد بن عتبة. وخبره في ذلك يذكر بعد هذا.
أصابه خمار فداواه منه الوليد بن عثمان
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال عتبة بن المنهال المهلبي حدثني غير واحد من أهل الحجاز قالوا: كان ابن سيحان حليفا لقريش ينزل بالمدينة، وكان نديما للوليد بن عثمان، فأصابه ذات يوم خمار، فذهب لسانه وسكنت أطرافه وصرخ أهله عليه، فأقبل الوليد إليه فزعا، فلما رآه قال: أخي مخمور ورب الكعبة، ثم أمر غلاما له فأتاه بشراب من منزله في إداوة فأمر به فأسخن ثم سقاه إياه وقيأه، وصنع له حساء وجعل على رأسه دهنا وجعل رجليه في ماء سخن، فما لبث أن انطلق وذهب ما كان به. ومات الوليد بعد ذلك. فبينا ابن سيحان يوما جالس وبعض متاعه ينقل من بيت إلى بيت، إذ مرت الخادم بإدواة الوليد التي كان داواه بما فيها من الشراب وقد يبست وتقبضت، فانتحب وقال:
لا تبعدن إداوة مطـروحة كانت حديثا للشراب العاتق وذكر باقي الأبيات.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال: كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر فأصابه من ذلك شيء شديد حتى خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب، فدعي له ابن سيحان، فلما رآه قال: اخرجن عني وعن أخي، فقال له: الصبوح أبا عبد الله، فجلس مفيقا؛ فذلك حين يقول ابن سيحان:
بأبي الوليد وأم نفسي كلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشارق
أثوى فأكرم في الثواء وقضيت حاجاتنا من عند أروع باسـق
كم عنده من نائل وسـمـاحة وفضائل معـدودة وخـلائق
وسماحة للمعتفين إذا اعتفـوا في ماله حقا وقول صـادق
لا تبعـدن إداوة مـطـروحة كانت حديثا للشراب العاتـق كان من ندماء الوليد بن عثمان
صفحة : 188
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم، وكان لابن سيحان صديقا ونديما، وكان صاحب شراب، فمرض فعاده الوليد وقال: ما تشتهي? قال: شرابا، فبعث فجاءه بشراب في إدواة. ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله.
<H6 قيل إنه خرج معه إلى الحجاز لجني تمره</H6 <H6 ولما عاد أعطاه إداوة وذكره بها فمدحه </H6 أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال: كان الوليد بن عثمان ذا غلة في الحجاز يخرج إليها في زمان التمر بنفر من قومه، يجنون له ويعاونونه، فكان إذا حضر خروجهم دفع إليهم نفقات لأهليهم إلى رجعتهم، فخرج بهم مرة كما كان يخرج وفيهم ابن سيحان، فأتى ابن سيحان كتاب من أهله يسألونه القدوم لحاجة لابد منها، فاستأذنه فأذن له، فقال له ابن سيحان: زودوني من شرابكم هذا، فزودوه إداوة ملأها له من شرابهم، فكان يشربها في طريقه حتى قدم على أهله، فألقاها في جانب بيته فارغة، فمكث زمانا لا يذكرها، ثم كنسوا البيت فرآها ملقاة في الكناسة فقال:
لا تبـعـدن إداوة مـطـروحة كانت حديثا للشراب العـاتـق
إن تصبحي لا شيء فيك فربمـا أترعت من كأس تلـذ لـذائق
بأبي الوليد وأم نفسي كـلـمـا بدت النجوم وذر قرن الشـارق
كم عنده من نـائل وسـمـاحة وشمـائل مـيمـونة وخـلائق
وكرامة للمعتفين إذا اعتـفـوا في ماله حقا وقـول صـادق
أثوى فأكرم في الثواء وقضـيت حاجاتنا من عند أروع بـاسـق
لما أتينـاه أتـينـا مـاجـد ال أخلاق سباقا لـقـرم سـابـق
قال الوليد يدي لكم رهن ربمـا حاولتم من صامت أو نـاطـق
فإلى الوليد اليوم حنت ناقـتـي تهوي بمغبر المتون سمـالـق
حنت إلى برق فقلت لها قـري بعض الحنين فإن شجوك شائقي حده مروان بالخمر ومنع منه معاوية
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الأصبهاني المعروف بالحزنبل قال حدثني عمرو ابن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق: قرأت على أبي، قالا جميعا: كان عبد الرحمن بن سيحان قد غاظ مروان بن الحكم أيام كان معاوية يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص في ولاية الحرمين، وأنكر عليه أشياء بلغته فغاظته: من مدحه سعيدا وانقطاعه إليه وسروره بولايته، فرصده حتى وجده خارجا من دار الوليد بن عثمان وهو سكران فضربه الحد ثمانين سوطا. وقدم البريد من المدينة على معاوية فسأله عن أخبار الناس فجعل يخبره بها، حتى انتهى به الحديث إلى ابن سيحان فأخبره أن مروان ضربه الحد ثمانين؛ فغضب معاوية وقال: والله لو كان حليف أبي العاص لما ضربه ولكنه ضربه لأنه حليف حرب، أليس هو الذي يقول:
وإني آمرؤ حلف إلى أفضل الورى عديدا إذا ارفضت عصا المتخلف كذب والله مروان، لا يضربه في نبيذ أهل المدينة وشكهم وحمقهم؛ ثم قال لكاتبه: أكتب إلى مروان: فليبطل الحد عن ابن سيحان، وليخطب بذلك على المنبر، وليقل إنه كان ضربه على شبهة ثم بان له أنه لم يشرب مسكرا، وليعطه ألفي درهم. فلما ورد الكتاب على مروان عظم ذلك عليه، ودعا بابنه عبد الملك فقرأه عليه وشاوره فيه؛ فقال له عبد الملك: راجعه ولا تكذب نفسك، ولا تبطل حكمك؛ فقال مروان: أنا أعلم بمعاوية إذا عزم على شيء أو أراده، لا والله لا أراجعه. فلما كان يوم الجمعة وفرغ من الخطبة قال: وابن سيحان فإنا كشفنا أمره فإذا هو لم يشرب مسكرا، وإذا نحن قد عجلنا عليه؛ وقد أبطلت عنه الحد. ثم نزل فأرسل إليه بألفي درهم.
خبر الوليد ومروان أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال:
صفحة : 189
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعرا، وكان حلو الحديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان على ذلك يصيب من الشراب، فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه، فلما ولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه وكان قد سبعه، فحقد عليه مروان واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان فيشرب معه، وابن سليمان لا يطن أن مروان يفعل به الذي فعله، وقد كان مدحه ابن سليمان ووصله مروان، ولكن مروان أراد فضيحة الوليد، فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج في السحر من عند الوليد ثملا فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي، وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء يبيتون في المسجد يتهجدون، فلما خرج ابن سيحان ثملا من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة فأشهدهما على سكره وقد سأله أن يقرأ أم القرآن فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطته فحبسه؛ فلما أصبح الوليد بلغه الخبر وشاع في المدينة وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه، وأنه لو لقي ابن سيحان ثملا خارجا من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطته فضربه الحد ثم أرسله.
مكث في بيته استحياء فحمله عبد الرحمن بن الحارث على الخروج إلى المسجد فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده وكان له جليسا فقال له: ما يجلسك في بيتك? قال: الاستحياء من الناس؛ قال: اخرج أيها الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها ورح معنا إلى المسجد فهذا أحرى أن يكذب به مكذب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين فتخبره بما صنع بك الوليد فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك؛ فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطا لهم حتى دخل المسجد فصلى ركعتين، ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة؛ فقائل يقول: لم يضرب، وقائل يقول: رحل إلى معاوية وشفع فيه يزيد فعفا عنه وكتب بذلك إلى الوليد أنا رأيته يضرب، وقائل يقول: عزر أسواطا. فمكث أياما ثم رحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشرب معه، وكلم يزيد أباه معاوية في أمره فدعا به فأخبره بقصته وما صنعه به مروان، فقال: قبح الله الوليد ما أضعف عقله أما استحيا من ضربك فيما شرب وأما مروان فإني كنت لا أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له، ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي ولم يصب، وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه، صار شرطيا ثم قال لكاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فالعجيب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الد عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد وأخبرهم أن صاحب شرطك تعدى عليه وظلمه، وأن أمير المؤمنين قد أبطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول:
وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الورى عديدا إذا ارفضت عصا المتحلف
إلى نضد من عبد شمس كأنـهـم هضاب أجا أركانها لم تقـصـف
ميامين يرضون الكفاية إن كفـوا ويكفون ما ولوا بغير تـكـلـف
غطارفة ساسوا البلاد فأحسـنـوا سياستها حتى أقـرت لـمـردف
فمن يك منهم موسرا يفش فضلـه ومن يك منهم معسرا يتعـفـف
وإن تبسط النعمى لهم يبسطوا بهـا أكفا سباطا نفعها غير مـقـرف
وإن تزو عنهم لا يضجوا وتلفهـم قليلي التشكي عندها والتكـلـف
إذا انصرفوا للحق يوما تصرفـوا إذا الجاهل الحيران لم يتصـرف
سموا فعلوا فوق البرية كـلـهـا ببنيان عال من منيف ومـشـرف
صفحة : 190
قال: وكتب له بأن يعطى أربعمائة شاة وثلاثين لقحة مما يوطن السيالة وأعطاه هو خمسمائة دينار، وأعطاه يزيد مائتي دينار. ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحد عنه، وأعطاه ما كتب به له معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما يفعله بابن سيحان، وما أراده بذلك. ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان إلى أن يعود للشرب معه؛ فقال: والله لا ذقت معك شرابا ابدا.
<H6 ضربه مروان الحد فأبطله معاوية</H6 أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلم الغفاري قال حدثني موسى بن عبد العزيز قال: أخذ ابن سيحان الجسري - هكذا قال وهو غلط - في شراب في إمارة مروان، وكان حليفا لأبي سفيان ابن حرب، فضربه مروان ثمانين سوطا على رؤوس الناس، فكتب إلى معاوية يشكوه، فكتب إليه معاوية: أما بعد فإنك أخذت حليف حرب فضربته ثمانين على رؤوس الناس، والله لتبطلنها عنه، أو لأقيدنه منك؛ فقال مروان لابنه عبد الملك: ماترى? قال: أرى والله ألا تفعل؛ قال: ويحك أنا أعلم بعزمات معاوية منك، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنا كنا ضربنا ابن سيحان بشهادة رجل من الحرس ووجدناه غير عدل ولا رضا، فاشهدوا أني قد أبطلت ذلك الحد عنه.
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال: ضرب مروان عبد الرحمن بن سيحان في الخمر ثمانين سوطا، فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنك ضربت عبد الرحمن في نبيذ أهل الشأم الذي يستعملونه وليس بحرام، وإنما ضربته حيث كان حلفه إلى أبي سفيان بن حرب، وايم الله لو كان حليفا للحكم ما ضربته، فأبطل عنه الحد قبل أن أضرب من أخذ معه: أخاك عبد الرحمن بن الحكم؛ فأبطل مروان عنه الحد؛ فقال ابن سيحان في ذلك يذكر حلفه:
إني امرؤ عقدي إلى أفضل الورى عديدا إذا ارفضت عصا المتحلف وقال الطوسي: كان عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان يشرب مع ابن سيحان، فلما ضربه مروان الحد كتب إليه معاوية: والله لتبطلنه عنه أو لأبعثن إلى أخيك من يضرب ظهره بالسوط في السوق، أليس ابن سيحان الذي يقول:
سموت بحلفي للطوال من الـربـى ولم تلقني قنا لدى مبرك الـجـرب
إذا ما حليف الذل اقمـأ شـخـصـه ودب كما دب الحسير على نـقـب
وهصت الحصى لا أخنس الأنف قابعا إذا أنا راخى لي خناقي بنو حـرب كان مع سعيد بن عثمان حين قتله
وهرب عنه ثم رثاه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء وأحمد بن سليمان الطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وغيره قالوا: قدم سعيد بن عثمان المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصغد، وكان معه عبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان حليف بني حرب بن أمية، فهرب عنه لما قتلوه، فقال خالد بن عقبة بن أبي معيط يرثي سعيد بن عثمان - وعثمان أخوه لأمه -:
يا عين جودي بدمع منك تهتانـا وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا
إن ابن زينة لم تصدق مودتـه وفر عنه ابن أرطاة بن سيحانا فقال ابن سيحان يعتذر من ذلك:
يقول رجال قد دعاك فلم تـجـب وذلك من تلقاء مـثـلـك رائع
فإن كان نادى دعوة فسمعـتـهـا فشلت يدي واستك مني المسامع
وإلا فكانت بالذي قـال بـاطـلا ودارت عليه الدائرات القـوارع
يلومونني أن كنت في الدار حاسرا وقد فر عنه خـالـد هـو دارع فقال بعض الشعراء يجيبه:
فإنك لم تسمـع ولـكـن رأيتـه بعينيك إذ مجراك في الدار واسع
وأسلمته للصغد تدمي كـلـومـه وفارقته والصوت في الدار شائع
وما كان فيها خالـد بـمـعـذر سواء عليه صم أو هو سـامـع
فلا زلتما في غل سوء بعـبـرة ودارت عليكم بالشمات القـوارع أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال: لما قتل سعيد بن عثمان بن عفان قالت أمه: أشتهي أن يرثيه شاعر كما في نفسي حتى أعطيه ما يحتكم؛ فقال ابن سيحان:
إن كنت باكـية فـتـى فابكي هبلت على سعيد:
صفحة : 191
فارقت أهـلـك بـغـتة وجلبت حتفك من بعـيد
أذري دموعك والـدمـا ء على الشهيد ابن الشهيد فقالت: هكذا كنت أشتهي أن يقال فيه، ووصلت ابن سيحان. وكانت تندبه بهذا الشعر.
وقال أبو عمرو في روايته التي ذكرتها عن عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال: جلس ابن سيحان وخالد بن عقبة بعد مقتل سعيد بن عثمان يتحدثان، فجرى ذكره فبكيا جميعا عليه، فقال ابن سيحان يرثيه:
ألا إن خير الناس إن كنت سائلا سعيد بن عثمان القتيل بلا ذحل
تداعت عليه عصبة فـارسـية فأضحى سعيد لا يمر ولا يحلي وقال خالد بن عقبة:
ألا إن خير الناس نفسـا ووالـدا سعيد بن عثمان قتيل الأعـاجـم
بكت عين من لم يبكه وسط يثرب مدى الدهر منه بالدموع السواجم
فإن تكن الأيام أردت صروفهـا سعيدا، فمن هذا عليها بسـالـم قال الحزنبل: أنشدني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه لابن سيحان قال عمي وأنشدني السكري عن ابن حبيب والطوسي له: صوت
رحم الله صاحبي ابـنـي الـحـا رث إذ ينهـانـنـي أن أبـوحـا
بالـتـي تـيمـت فـؤادي وأن أذ ري دموعي على ردائي سفوحـا
في مغاني منـازل مـن حـبـيب باشرت بعـده قـطـارا وريحـا
ولقد قـلـت لـلـفـؤاد ولـكـن كان قدما إلى هـواه جـمـوحـا
قلت أقصر عن بعض حبك أروى إن بعض الحباب كان فضـوحـا
فعصاني، فلـيس يسـمـع قـولا من حمام على الأراك، جنـوحـا
أم يحيى تـقـبـل الـلـه يحـيى بقبول كـمـا تـقـبـل نـوحـا
أم يحيى لولا طلابك قـد سـحـت مع الوحش أو لبست المسـوحـا
ولـقـد قـلـت لا أحـدث سـرا سر أخرى ما دامت أمشي صحيحا الغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. وفيه للغريض ثقيل أول عن الهشامي. وفيه لزريق رمل.
قال أبو عمرو: وابن سيحان الذي يقول:
ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا بنو مطيع وذمه لهم
والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا. وقال أبو عمرو في خبره: كان ابن سيحان يحدث قال: كنت آلف من قريش أهل بيتين سوى من كنت منقطعا إليه من بني أمية: بني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وبني مطيع، فلما ضربني مروان الحد جئت فجلست إلى بني مطيع كما كنت أجلس، فلما رأوني عرفت الكراهة في وجوههم، والله ما أقبلوا بوجوههم علي بحديثم ولا وسعوا لي، فانصرفت ورحت إلى بني عبد الرحمن، فلما رأوني أقبلوا بوجوههم علي وحيوا ورحبوا وسهلوا ووسعوا ورفعوني إلى حيث لم أكن أجلس وأقبلوا علي بوجوههم يحدثونني، وقالوا: لعلك خشعت للذي لحقك، أما والله لقد علم الناس أنك مظلوم، وظلموا مروان في فعله، ورأوا أنه قد أساء وأخطأ في شأنك، وقالوا: ما ضرك ذلك ولا نقصك ولا زادك إلا خيرا، ولم يزالوا حتى بسطوني، فقلت أمدحهم وأذم بني مطيع:
لقد حرمت ود بني مـطـيع حرام الدهن للرجل الحـرام
وإن جنف الزمان مددت حبلا متينا من حبال بني هـشـام
رطيب عودهـم أبـدا وريق إذا ما اغبر عيدان الـلـئام ما وقع له مع إمرأته بسبب سكره
وقال أبو عمرو في خبره: كان عبد الرحم بن سيحان ينادم الوليد بن عثمان على الشراب فيبيت عنده خوفا من أن يظهر وهو سكران فيحد، فقالت له امرأته: قد صرت لا تبيت في منزلك وأظنك قد تزوجت، وإلا فما مبيتك عن أهلك فقال لها:
لا تعدميني نديما مـاجـدا أنـفـا لا قائلا قاذفا خلقا بـبـهـتـان
أغر راووقـه مـلآن صـافـية تنفي القذى عن جبين غير خزيان
سبيئة من قرى بيروت صـافـية عذراء أو سبئت من أرض بيسان
إنا لنشربها حتـى تـمـيل بـنـا كما تمايل وسنـان بـوسـنـان حثه ابن عمه على شرب الخمر
صفحة : 192
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال: كان ابن سيحان صاحب شراب، فدخل على ابن عم له يقال له الحارث بن سريع فوجده يشرب نبيذ زبيب، فجعل يعظه ويأمره بشرب الخمر، وقال له: يابن سريع، إن كنت تشربه على أن نبيذ الزبيب حلال فإنك أحمق، وإن كنت تشربه على أنه حرام تستغفر الله منه وتنوي التوبة فاشرب أجوده فإن الوزر واحد، ثم قال:
دع ابن سريع شرب ما مات مـرة وخذها سلافا حية مزة الطـعـم
تدعك على ملك ابن ساسان قـادرا إذا حرمت قراؤنا حلب الـكـرم
فشتان بين الحي والميت فاعـتـزم على مزة صفراء راووقها يهمي
فإن سريعا كان أوصى بحـبـهـا بنيه وعمي جاوز الله عن عمـي
ويا رب يوم قد شهدت بنـي أبـي عليها إلى أن غاب تالية النـجـم
حسوها صلاة العصر والشمس حية تدار عليهم بالصغير وبالضـخـم
فماتوا وعاشوا والمدامة بـينـهـم مشعشعة كالنجم توصف بالوهـم أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال: كان ابن سيحان حليف حرب بن أمية ينادم الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ويشرب معه الخمر، وهو القائل:
إصبح نديمك من صهباء صافـية حتى يروح كريما ناعم الـبـال
واشرب هديت أبا وهب مجاهرة واختل فإنك من قوم أولى خـال
أنت الجواد أبا وهب إذا جمـدت أيدي الرجال بما تحويه من مال
لولا رجاؤك قد شمرت مرتحـلا عنسا تعاقب تخـويدا بـإرقـال
لما تواصوا بقتلي قمت معتزمـا حتى حميت من الأعداء أوصالي
عم الوليد بمعروف عـشـيرتـه والأبعدون حظوا منه بإفضـال شعره في الوليد وقد حماه من أخواله
قال: وكان ابن سيحان قد ضرب رجلا من أخواله بالسيف فقطع يده ولم تقم عليه بينة، فتآمر به القوم ومنع منه ابن خال له منهم؛ وخاف الوليد بن عقبة أن يرجع إلى المدينة هاربا منهم وخوفا من جنايته عليهم فيفارقه وينقطع عنه، فدعاهم وأرضاهم وأعطاهم دية صاحبهم. فلم يزل عند الوليد حتى عزل وهو نديمه وصفيه. وهو القائل في الوليد - وفيه غناء -: صوت
بات الوليد يعاطيني مشعـشـعة حتى هويت صريعا بين أصحابي في الغناء: بات الكريم يعاطيني.
لا أستطيع نهوضا إن هممت به وما أنهنه من حسو وتشـراب
حتى إذا الصبح لاحت لي جوانبه وليت أسحب نحو الفوم أثوابـي
كأنني من حميا كأسـه جـمـل صحت قوائمه من بعد أوصاب ويروى:
كأنني من حميا كأسه ظلع الغناء ليحيى المكي - وروي: ضلع - خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي وبذل: قالت بذل: وفيه لحن آخر ليحيى، ولم تذكر طريقته.
خبره مع سعيد بن العاص
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو فهيرة قال: دخل عبد الرحمن بن أرطاة على سعيد بن العاص وهو أمير المدينة؛ فقال له: ألست القائل:
إنا لنشربها حتى تميل بنا كما تمايل وسنان بوسنان فقال له عبد الرحمن: معاذ الله أن أشربها وأنعتها، ولكني الذي أقول:
سموت بحلفي للطـوال مـن الـذرى ولم تلقني كالنسر في ملتقـى جـدب
إذا ما حليف القوم أقعـى مـكـانـه ودب كما يمشي الحسير من النقـب
وهصت الحصى لا أرهب الضيم قائما إذا أنا راخى لي خناقي بنـو حـرب وقام يجر مطرفه بين الصفين حتى خرج. فأقبل عمرو بن سعيد على أبيه فقال: لو أمرت بهذا الكب فضرب مائتي سوط كان خيرا له؛ فقال: يا بني، أضربه وهو حليف حرب بن أمية ومعاوية خليفة بالشأم إذا لا يرضى فلما حج معاوية لقيه بمنى، فقال: إيه يا سعيد أمرك أحمقك بأن تضرب حليفي مائتي سوط أما والله لو جلدته سوطا لجلدتك سوطين فقال له سعيد: ولم ذاك? أو لم تجلد أنت حليفك عمر بن جبلة فقال له معاوية: هو لحمي آكله ولا أوكله. قال: وكان ابن سيحان قد قال:
صفحة : 193
لا يعدمني نديمي ماجدا أنـفـا لا قائلا خالطا زورا ببهـتـان
أمسي أعاطيه كأسا لذ مشربها كالمسك حفت بنسرين وريحان
سبيئة من قرى بيروت صافـية أو التي سبئت من أرض بيسان
إنا لنشربها حتى تمـيل بـنـا كما تمايل وسنان بـوسـنـان انقضت أخباره.
أحد الأصوات من المائة المختارة
من رواية علي بن يحيى
يا خليلي هجرا كي تروحـا هجتما للرواح قلبا قريحـا
إن تريغا لتعلما سر سعـدى تجداني بسر سعدى شحيحا
إن سعدى لمنية المتمـنـي جمعت عفة ووجها صبيحا
كلمتني وذاك ما نلت منهـا إن سعدى ترى الكلام ربيحا الشعر لابن ميادة. والغناء لحنين، ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أن فيه لدحمان لحنا من الثقيل الأول بالبنصر، وأظنه هذا، وأن عمرا غلط في نسبته إلى دحمان.
أخبار ابن ميادة ونسبه
نسبه
اسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة، هكذا قال الزبير بن بكار في نسبه. وقال ابن الكلبي: ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم ويقال سراقة بن قيس بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر.
كان يزعم أن أمه فارسية وأمه ميادة أم ولد بربرية، وروي أنها كانت صقلبية. ويكنى أبا شرحبيل، وقيل بل يكنى أبا شراحيل.
وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية، وذكر ذلك في شعره فقال:
أنا ابن سلمى وجـدي ظـالـم وأمي حصان أخلصتها الأعاجم
أليس غلام بين كسرى وظالـم بأكرم من نيطت عليه التمـائم <H6 كذبه موسى بن سيار أن أمه فارسية</H6 أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة مرهوب بن سيد وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير الفزاري قال أخبرني موسى بن سيار بن نجيح المزني قال: أنشدني ابن ميادة أبياته التي يقول فيها:
أليس غلام بين كسرى وظالم بأكرم من نيطت عليه التمائم فقلت له: لقد أشحطت بدار العجوز وأبعدت بها النجعة، فهلا غربت يريد أنها صقلبية ومحلها بناحية المغرب فقال: إي بأبي أنت، إنه من جاع انتجع، فدعها تسر في الناس فإنه من يسمع يخل . قال الزبير قال ابن مسلمة: ولما قال ابن ميادة هذه الأبيات قال الحكم الخضري يرد عليه: <H6 رد عليه الحكم الخضري فخره بأمه وهجاه</H6
وما لك فيهم من أب ذي دسيعة ولا ولدتك المحصنات الكـرائم
وما أنت إلا عبدهم إن تربـهـم من الدهر يوما تستربك المقاسم
رمى نهبل في فرج أمك رمية بحوقاء تسقيها العروق الثواجم قال أبو مسلمة: ونهبل عبد لبني مرة كانت ميادة تزوجته بعد سيدها، وكانت صقلبية. وابن ميادة شاعر فصيح مقدم مخضرم من شعراء الدولتين. وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة، وقرن به عمر بن لجأ والعجيف العقيلي والعجير السلولي.
<H6 كان يتعرض للمهاجاة ويقول لأمه اصبري</H6 <H6 على الهجو </H6 أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا الحسن بن الحسين السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال: كان ابن ميادة عريضا للشر، طالبا مهاجاة الشعراء ومسابة الناس. وكان يضرب بيده على جنب أمه ويقول:
اعرنزمي مياد للقوافي أي إني سأهجو الناس فيهجونك.
وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي هفان بهذه الحكاية مثله، وزاد فيها:
اعرنزمي مياد للقوافي واستسمعيهن ولاتخافي
ستجدين ابنك ذا قذاف <H6 استنشد امرأة أمام أمه ما هجيت به</H6
صفحة : 194
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا داود بن علفة الأسدي قال: جاورة امرأة من الخضر: رهط الحكم الخضري أبيات ابن ميادة، فجاءت ذات يوم تطلب رحى وثفالا لتطحن، فأعاروها إياهما فقال لها ابن ميادة: يا أخت الخضر، أتروين شيئا مما قاله الحكم الخضري لنا، يريد بذلك أن تسمع أمه، فجعلت تأبى، فلم يزل حتى أنشدته:
أمياد قد أفسدت سيف ابن ظالم ببظرك حتى عاد أثلم بـالـيا قال: وميادة جالسة تسمع. فضحك الرماح، وثارت ميادة إليها بالعمود تضربها به وتقول: أي زانية هيا زانية أإياي تعنين وقام ابن ميادة يخلصها، فبعد لأي ما أنقذها، وقد انتزعت منها الرحى والثفال.
<H6 إنشاده شماطيط هجاء أمه</H6 أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري قال حدثني شماطيط - وهو الذي يقول:
أنا شماطيط الذي حدثت به متى أنبه للغداء أنتـبـه
حتى يقال شره ولست به - قال: كنت جالسا مع ابن ميادة فوردت عليه أبيات للحكم الخضري يقول فيها:
أأنت ابن أشبانية أدلجت بـه إلى اللؤم مقلات لئيم جنينها - أشبانية: صقلبية - قال: وأمه ميادة تسمع فضرب جنبها وقال:
اعرنزمي مياد للقوافي فقالت: هذه جنايتك يابن من خبث وشر، وأهوت إلى عصا تريد ضربه بها؛ ففر منها وهو يقول:
يا صدقها ولم تكن صدوقا فصحت به: أيهما المعني? فقال: أضرعهما خدين وألأمهما جدين؛ فضربت جنبها الآخر وقلت: فهي إذا ميادة، وخرجت أعدو في أثر الرماح، وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها.
أمه ميادة وقصة تزوجها أبرد أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاري: أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل، فاشتراها بنو ثوبان بن سراقة فأقبلوا بها من الشأم، فلما قدموا وصبحوا بها المليحة وهي ماءة لبني سلمى ورحل بن ظالم بن جذيمة نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها، فقال: ما هذه? قالوا: اشتراها بنو ثوبان؛ فقال: وأبيكم إنها لميادة تميد وتميل على بعيرها، فغلب عليها ميادة . وكان أبرد ضلة من الضلل ورثة من الرثث جلفا لا تخلص إحدى يديه من الأخرى، يرعى على إخوته وأهله، وكانت إخوته كلهم ظرفاء غيره. فأرسلوا ميادة ترعى الإبل معه فوقع عليها، فلم يشعروا بها إلا قد أقعسها بطنها، فقالوا لها: لمن ما في بطنك. قالت: لأبرد، وسألوه فجعل يسكت ولا يجيبهم، حتى رمت بالرماح فرأوا غلاما فدغما نجيبا، فأقر به أبرد. وقالت بنو سلمى: ويلكم يا بني ثوبان ابتطنوه فلعله ينجب؛ فقالوا: والله ما له غير ميادة، فبنوا لها بيتا وأقعدوها فيه، فجاءت بعد الرماح بثوبان وخليل وبشير بني أبرد، وكانت أول نسائه وآخرهن، وكانت امرأة صدق، ما رميت بشيء ولا سبت إلا بنهبل. قال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي في هجائه ابن ميادة:
لعمري لئن شابت حليلة نهبل لبئس شباب المرء كان شبابها
ولم تدر حمراء العجان أنهبل أبوه أم المري تب تبابـهـا هجا بني مازن فرد عليه رجل منهم قال أبو داود: وكان ابن ميادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان، وذلك أنهم ظلموا بني الصارد - والصارد من مرة - فأخذوا مالهم وغلبوهم عليه حتى الساعة؛ فقال ابن ميادة:
فلأوردن على جماعة مـازن خيلا مقلصة الحصى ورجالا
ظلوا بذي أرك كأن رءوسهم شجر تخطاه الربيع فـحـالا فقال رجل من بني مازن يرد عليه:
يابن الخبيثة يابن طلة نهـبـل هلا جمعت كما زعمت رجالا
أببظر ميدة أم بخصيي نهـبـل أم بالفساة تنـازل الأبـطـالا
ولئن وردت على جماعة مازن تبغي القتال لتلـقـين قـتـالا قال: وبنو مرة يسمون الفساة لكثرة امتيارهم التمر، وكانت منازلهم بين فدك وخيبر فلقبوا بذلك لأكلهم التمر. وقال يحيى بن علي في خبره - ولم يذكره عن أحد -: وقال ابن ميادة يفتخر بأمه: شعره في الفخر بنسبه
أنا ابن ميادة تهوي نجبـي صلت الجبين حسن مركبي
صفحة : 195
ترفعني أمي وينمينـي أبـي فوق السحاب ودوين الكوكب قال يحيى بن علي في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود الفزاري: إن ابن ميادة قال يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمه في العجم:
أليس غلام بين كسرى وظالم بأكرم من نيطت عليه التمائم
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وجئت بجدي ظالم وابن ظالم
لظلت رقاب الناس خاضعة لنا سجودا على أقدامنا بالجماجم سمع الفرزدق شيئا من شعره فانتحله
فأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: كان ابن ميادة واقفا في الموسم ينشد:
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وذكر تمام البيت والذي بعده. قال: والفرزدق واقف عليه في جماعة وهو متلثم، فلما سمع هذين البيتين أقبل عليه ثم قال: أنت يابن أبرد صاحب هذه الصفة كذبت والله وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذبك؛ فأقبل عليه فقال: فمه يا أبا فراس؛ فقال: أنا والله أولى بهما منك، ثم أقبل على روايته فقال: اضممهما إليك:
لو أن جميع الناس كانوا بتلعة وجئت بجدي دارم وابن دارم
لظلت رقاب الناس خاضعة لنا سجودا على أقدامنا بالجماجم قال: فأطرق ابن ميادة فما أجابه بحرف، ومضى الفرزدق فانتحلهما.
كان له أخوان شاعران
وقد أتاهم الشعر من قبل جدهم زهير
أم بني ثوبان - وهو أبرد أبو ابن ميادة والعوثبان وقريض وناعضة، وكان العوثبان وقريض شاعرين - أمهم جميعا سلمى بنت كعب بن زهير بن أبي سلمى.
مهاجاته لعقبة بن كعب بن زهير ويقال: إن الشعر أتى ابن ميادة عن أعمامه من قبل جدهم زهير. قال إسحاق في خبره هذا: وحدثني حميد بن الحارث أن عقبة بن كعب بن زهير نزل المليحة على بني سلمى بن ظالم فأكلوا له بعيرا، وبلغ ابن ميادة أن عقبة قال في ذلك شعرا، فقال ابن ميادة يرد عليه:
ولقد حلفت برب مكة صادقا لولا قرابة نسوة بالحاجـر
لكسوت عقبة كسوة مشهورة ترد المناهل من كلام عائر وهي قصيدة؛ فقال له عقبة:
ألوما أنني أصبحـت خـالا وذكر الخال ينقص أو يزيد
لقد قلدت من سلمى رجالا عليهم مسحة وهم العبـيد فقال ابن ميادة:
أن تك خالنا فقبحت خـالا فأنت الخال تنقص لا تزيد
فيوما في مزينة أنت حـر ويوما أنت محتدك العبـيد
أحق الناس أن يلقى هوانا ويؤكل ماله العبد الطريد أوصاف ابن ميادة
قال إسحاق فحدثني عجرمة قال: كان ابن ميادة أحمر سبطا عظيم الخلق طويل اللحية، وكان لباسا عطرا، ما دنوت من رجل كان أطيب عرفا منه.
مقارنة بينه وبين النابغة
قال إسحاق: وحدثني أبو داود قال: سمعت شيخا عالما من غطفان يقول: كان الرماح أشعر غطفان في الجاهلية والإسلام، وكان خيرا لقومه من النابغة، لم يمدح غير قريش وقيس، وكان النابغة إنما يهذي باليمن مضللا حتى مات.
هو كثير السقط في شعره
قال إسحاق: وحدثني أبو داود أن بني ذبيان تزعم أن الرماح بن ميادة كان آخر الشعراء. قال إسحاق: وحدثني أبو صالح الفزاري أن القاسم بن جندب الفزاري، وكان عالما، قال لابن ميادة: والله لو أصلحت شعرك لذكرت به، فإني لأراه كثير السقط؛ فقال له ابن ميادة: يابن جندب، إنما الشعر كنبل في جفيرك ترمى به الغرض، فطالع وواقع وعاصد وقاصد.
كان زمن هشام وبقي إلى خلافة المنصور
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال: كان ابن ميادة حديث العهد لم يدرك زمان قتيبة بن مسلم، ولا دخل فيمن عناه حين قال: أشعر قيس الملقبون من بني عامر والمنسوبون إلى أمهاتهم من غطفان ، ولكنه شاعر مجيد كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور.
مدح بني أمية وبني هاشم
أخبرنا يحيى بن علي قال: كان ابن ميادة فصيحا يحتج بشعره، وقد مدح بني أمية وبني هاشم: مدح من بني أمية الوليد بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان، ومدح من بني هاشم المنصور وجعفر بن سليمان.
علم أنه شاعر حين وافق الحطيئة
صفحة : 196
في بيت قاله
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال أخبرني طماح ابن أخي الرماح ابن ميادة قال: قال لي عمي الرماح: ما علمت أني شاعر حتى واطأت الحطيئة، فإنه قال:
عفا مسحلان من سليمى فحامره تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فوالله ما سمعته ولا رويته فواطأته بطبعي فقلت:
فذو العش والممدور أصبح قاويا تمشى به ظلمـانـه وجـآذره فلما أنشدتها قيل لي: قد قال الحطيئة:
تمشى به ظلمانه وجآذره فعلمت أني شاعر حينئذ.
كان ينسب بأم جحدر وشعره فيها
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير بن مضرس قال: كان الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة ينسب بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة، فحلف أبوها ليخرجنها إلى رجل من غير عشيرته ولا يزوجها بنجد؛ فقدم عليه رجل من الشأم فزوجه إياها؛ فلقي عليها ابن ميادة شدة، فرأيته وما لقي عليها، فأتاها نساؤها ينظرن إليها عند خروج الشأمي بها. قال: فوالله ما ذكرن منها جمالا بارعا ولا حسنا مشهورا، ولكنها كانت أكسب الناس لعجب. فلما خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميادة يقول:
ألا ليت شعري هل إلى أم جحدر سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا
إذا نزلت بصرى تراخى مزارها وأغلق بوابان من دونها قصـرا
فهل تأتيني الريح تدرج موهـنـا برياك تعروري بها جرعا عفرا قال الزبير: وزادني عمي مصعب فيها:
فلو كان نذر مدنـيا أم جـحـدر إلي لقد أوجبت في عنقي نـذرا
ألا لا تلطي الستر يا أم جحـدر كفى بذرا الأعلام من دوننا سترا
لعمري لئن أمسيت يا أم جحـدر نأيت لقد أبليت في طلب عـذرا
فبهرا لقومي إذ يبيعون مهجتـي بغانية بهرا لهم بعدهـا بـهـرا قال الزبير: بهرا ها هنا: يدعو عليهم أن ينزل بهم من الأمور ما يبهرهم، كما تقول: جدعا وعقرا. وفي أول هذه القصيدة - على ما رواه يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن حميد بن الحارث - يقول:
ألا لا تعدلي لوعة مثل لوعـتـي عليك بأدمى والهوى يرجع الذكرا
عشية ألوي بالرداء على الحـشـا كأن ردائي مشعل دونه جـمـرا زاوج أم جحدر وما قاله في ذلك قال حميد بن الحارث: وأم جحدر امرأة من بني رحل بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة.
أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير عن موهوب بن رشيد عن جبر بن رباط النعامي: أن أم جحدر كانت امرأة من بني مرة ثم من بني رحل، وأن أباها بلغه مصير ابن ميادة إليها، فحلف ليزوجنها رجلا من غير ذلك البلد، فزوجها رجلا من أهل الشأم فاهتداها وخرج بها إلى الشأم، فتبعها ابن ميادة، حتى أدركه أهل بيته فردوه مصمتا لا يتكلم من الوجد بها؛ فقال قصيدة أولها:
خليلي من أبنـاء عـذرة بـلـغـا رسائل منا لا تـزيدكـمـا وقـرا
ألما على تيماء نـسـأل يهـودهـا فإن لدى تيماء من ركبهـا خـبـرا
وبالغمر قد جازت وجاز مطـيهـا عليه فسل عن ذاك نيان فالغـمـرا
ويا ليت شعري هل يحلن أهـلـهـا وأهلك روضات ببطن اللوى خضرا قصة عشقه لها
صفحة : 197
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر بن وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال: كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء، فإذا أعرابي يقول: يا معشر العرب، أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعني? فجئت إليه فقلت: من أنت? فقال: أنا الرماح بن أبرد، قلت: فأخبرني ببدء أمركما؛ قال: كانت أم جحدر من عشيرتي فأعجبتني، وكانت بيني وبينها خلة، ثم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها، فأتيتها فقلت: يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود؛ فقالت: ما قضى الله فهو خير. فلبثت على تلك الحال سنة، وذهبت بهم نجعة فتباعدوا، واشتقت إليها شوقا شديدا، فقلت لامرأة أخ لي: والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لآتينها ولأطلبن إليها أن ترد الوصل بيني وبينها، ولئن ردته لا نقضته أبدا، ولم يكن يومان حتى رجعوا، فلما أصبحت غدوت عليهم فإذا أنا ببيتين نازلين إلى سند أبرق طويل، وإذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين، فجئت فسلمت، فردت إحداهما ولم ترد الأخرى، فقالت: ما جاء بك يا رماح إلينا? ما كنا حسبنا إلا أنه قد انقطع ما بيننا وبينك؛ فقلت: إني جعلت علي نذرا لئن دنت بأم جحدر دار لآتينها ولأطلبن منها أن ترد الوصل بيني وبينها، ولئن هي فعلت لا نقضته أبدا وإذا التي تكلمني امرأة أخيها وإذا الساكتة أم جحدر؛ فقالت امرأة أخيها: فادخل مقدم البيت فدخلت، وجاءت فدخلت من مؤخره فدنت قليلا، ثم إذا هي قد برزت، فساعة برزت
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin