قال: فبعثت إليه فأتاني، فقلت له: أما رعيت حقا ولا ذماما ولا مودة فقال لي: ما قلت سوءا . قلت: فما حملك علي هذا? قال: أغيب عنك عشرة أيام فلا تسأل عني ولا تبعث إلي رسولا فقلت: يا أبا اسحاق، أنسيت قولك:
يأبى المعلق بالمـنـى إلا رواحـا وادلاجـا
أرفق فعمرك عود ذي أود رأيت به اعوجاجا
من عاج من شيء إلى شيء أصاب له معاجا فقال: حسبك حسبك أوسعتني عذرا .
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي الزارع قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن عمران بن عبد الصمد الزارع قال حدثنا ابن عائشة قال: قال أبو العتاهية لابن مناذر: شعرك مهجن لا يلحق بالفحول، وأنت خارج عن طبقة المحدثين. فإن كنت تشبهت بالعجاج ورؤبة فما لحقتها ولاأنت في طريقهما، وإن كنت تذهب مذهب المحدثين فما صنعت شيئا . أخبرني عن قولك: ومن عاداك لاقى المرمريسا أخبرني عن المرمريس ماهو? قال: فخجل ابن مناذر وماراجعه حرفا . قال: وكان بينهما تناغر.
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثني الحسين بن إسماعيل المهدي قال حدثني رجاء بن سلمة قال: وجد المأمون علي في شيء، فاستأذنته في الحج فأذن لي، فقدمت البصرة وعبيد الله بن إسحاق بن الفضل الهاشمي عليها وإليه أمر الحج، فزاملته إلى مكة. فينا نحن في الطواف رأيت أبا العتاهية، فقلت لعبيد الله: جعلت فداك أتحب أن ترى أبا العتاهية? فقال: والله إني لأحب أن أراه وأعاشرهز قلت: فافرغ من طوافك واخرج، ففعل. فأخذت بيد أبي العتاهية فقلت له: يا أبا إسحاق، هل لك في رجل من أهل البصرة شاعر أديب ظريف? قال: وكيف لي بذلك? فأخذت بيده فجئت به إلى عبيد الله، وكان لايعرفه، فتحدثا ساعة ، ثم قال له أبو العتاهية: هل لك في بيتين تجيزهما? فقال له عبيد الله: إنه لارفث ولافسوق ولاجدال في الحج. فقال له: لانرفث ولا نفسق ولانجادل. فقال: هات إذا . فقال أبو العتاهية:
إن المنون غدوها ورواحهـا في الناس دائبة تجيل قداحها
ياساكر الدنيا لقد أوطنتـهـا ولتنزحن وإن كرهت نواحها فأطرق عبيد الله ينظر إلى الأرض ساعة ، ثم رفع رأسه فقال:
خذ لاأبالـك لـلـمـنـية عـدة واحتل لنفسك إن أردت صلاحها
لاتغترر فكأننـي بـعـقـاب ري ب الموت قد نشرت عليها جناحها قال: ثم سمعت الناس ينحلون أبا العتاهية هذه الأربعة الأبيات كلها، وليس له إلا البيتان الأولان.
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا ميمون بت هارون قال حدثني إبراهيم بن رباح قال أخبرني إبراهيم بن عبد الله، وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا هارون بن مخارق قال حدثني إبراهيم بن دسكرة، وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال: قال أبو العتاهية: حبسني الرشيد لما تركت قول الشعر، فأدخلت السجن وأغلق الباب علي، فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال، وإذا أنا برجل جالس في جانب مقيد، فجعلت أنظر إليه ساعة ، ثم تمثل: صوت
تعودت مر الصبر حتىألـفـتـه وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس راجـيا لحسن صنيع الله من حيث لاأدري
صفحة : 376
فقلت له: أعد، يرحمك الله، هذين البيتين. فقال لي: ويلك أبا العتاهية ماأسوأ أدبك وأقل عقلك دخلت علي الحبس فما سلمت تسليم المسلم على المسلم، ولاسألت مسألة الحر للحر، ولاتوجعت توجع المبتلى للمبتلى، حتى إذا سمعت بيتين من الشعر الذي لافضل فيك غيره، لم تصبر عن استعادتهما، ولم تقدم قبل مسألتك عنهما عذرا لنفسك في طلبهما فقلت: ياأخي إني دهشت لهذه الحال، فلا تعذلني واعذرني متفضلا بذلك. فقال: أنا والله أولى بالدهش والحيرة؛ لأنك حبست في في أن تقول شعرا به ارتفعت وبلغت، فإذا قلت أمنت، وأنا مأخوذ بأن أدل على ابن الرسول الله صلى الله علسه وسلم ليقتل أو أقتل دونه، ووالله لا أدل عليه أبدا ، والساعة يدعى بي فأقتل، فأينا أحق بالدهش? فقلت له: أنت والله أولى، سلمك الله وكفاك، ولو علمت أن هذه حالك ماسألتك. قال: فلا تبخل عليك إذا ، ثم أعاد البيتين حتى حفظتهما. قال: فسألأته من هو? فقال: أنا خاص داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد. ولم نلبث أن سمعنا صوت الأقفال، فقام فسكب عليه ماء كان عنده في جره، ولبس ثوبا نظيفا كان عنده، ودخل الحرس والجند معهم الشمع فأخرجونا جميعا ، وقدم قبلي إلى الرشد. فسأله عن أحمد بن عيسى؛ فقال: لاتسألني عنه واصنع ماأنت صانع، فو أنه تحت ثوبي هذا مااكتشفته عنه. وأمر بضرب عنقه فضرب. ثم قال لي: أظنك قد ارتعت ياإسماعيل فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس. فقال: ردوه إلى محبسه فرددت، وانتحلت هذين البيتين وزدت فيهما:
إذا أنا لم أقبل من الدهر كـل مـا تكرهت منه طال عتبي على الدهر لزرزور غلام المارقي في هذين البيتين المذكورين خفيف رمل. وفيهما لعريب خفيف ثقيل.
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: حدثني علي بن مهدي قال حدثني ناجية بن عبد الواحد قال: قال لي أبو العباس الخزيمي: كان أبو العتاهية خلفا في الشعر، بينما هو يقول في موسى الهادي:
لهفي على الزمن القصير بين الخورنق والسـدير إذ قال:
أيا ذوي الوخـامة أكثرتم المـلامة
فليس لي على ذا صبر ولاقـلامة
نعم عشقت موقا هل قامت القيامة
لأركبن فـيمـن هويته الصرامة ونسخت من كتابه: حدثني علي بن مهدي قال حدثني أحمد بن عيسى قال حدثني الجماز قال: قال سلم الخاسر: صار إلي إبو العتاهية فقال: جئتك زائرا ؛ فقلت: مقبول منك ومشكور أنت عليه، فأقم. فقال: إن هذا مما يشتد علي. قلت: ولم يشتد عليك مايسهل علىأهل الأدب? فقال: لمعرفتي بضيق صدرك. فقلت له وأنا أضحك وأعجب من مكابرته: رمتني بدائها وانسلت . فقال: دعني من هذا واسمع مني أبيتا . فقلت: هات؛ فأنشدني:
نغص الموت كل لذة عـيش يالقومي للموت مـاأوحـاه
عجبا أنـه إذا مـات مـيت صد عنه حبيبـه وجـفـاه
حيثما وجه امرؤ ليفـوت ال موت فالموت واقف بحـذاه
إنما الشيبـد لابـن آدم نـاع قام في عارضيه ثم نـعـاه
من تمنى المنى فأغرق فيها مات من قبل أن ينال منـاه
ماأذل المقل في أيعن الـنـا س لإقلالـه ومـاأقـمـاه
إنما تنظر العيون من الـنـا س إلى من ترجوه أو تخشاه ثم قال لي: كيف رأيتها? فقلت له: لقد جودتها لو لم تكن ألفاظها سوقية . فقال: والله مايرغبني فيها إإلا الذي زهدك فيها.
ونسخت من كتابه: عن علي بن مهدي قال حدثني عبد الله بن عطية عن محمد بن عيسى الحربي قال: كنت جالسا مع أبي العتاهية، إذ مر بنا حميد الطوسي في موكبه وبين يديه الفرسان والرجالة، وكان بقرب أبي العتاهية سوادي على أتان، فضربوا وجه الأتان ونحوه عن الطريق، وحميد واضع طرفه على معرفة فرسه والناس ينظرون إليه يعجبون منه وهو لايلتفت تيها ؛ فقال أبو العتاهية:
للموت أبـنـا بـهـم ماشئت من صلف وتيه
وكأنني بالـمـوت قـد دارت رحاه علي بنيه قال: فلما جاز حميد مع صاحب الأتان قال أبو العتاهية:
ماأذل المقل في أعين النا س لإقلاله وماأقـمـاه
صفحة : 377
إنما تنظر العيون من الـنـا س إلى من ترجوه أو تخشاه اعترض عليه في بخله فأجاب
قال علي بن مهدي وحدثني الحسين بن أبي السري قال: قيل لأبي العتاهية: مالك تبخل بما رزقك الله? فقال: والله مابخلت بما رزقني الله قط. قيل له: وكيف ذاك وفي بيتك من المال مالايحصى? قال: ليس في ذلك رزقي، ولو كان رزقي لأنفقته.
قال علي بن مهدي وحدثني محمد بن جعفري الشهزوري قال حدثني رجاء مولى صالح الشهزوري قال: كان أبو العتاهية صديقا لصالح الشهزوري وآنس الناس به، فسأله أن يكلم الفضل بن يحيى في حاجة له؛ فقال له صالح: لستأكلمه في أشباه هذا، ولكن حملني ماشئت في مالي. فانصرف عنه أبو العتاهية وأقام أياما لا يأتيه؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
أقلل زيارتك الصديق ولاتطل إتيانه فتلج في هـجـرانـه
إن الصديق يلج في غشيانـه لصديقه فيمل من غشيانـه
حتى تراه بعد طول مسـرة بمكانه متبرما بمـكـانـه
وأقل مايلفى الفتى ثقلا على إخوانه ما كف عن إخوانـه
وإذا توانى عن صيانة نفسـه رجل تنقص واستخف بشانه فلما قرأ الأبيات قال: سبحان الله أتهجرني لمنعي إياك شيئا تعلم أني ماابتذلت نفسي قط، وتنسى مودتي وأخوتي، ومن دون مابيني وبين وبينك ماأوجب عليك أن تعذرني فكتب إليه:
أهل التخلق لو يدوم تخـلـق لسكنت ظل جناح من يتخلق
ماالناس في غلإمسك إلا واحد فبأيهم إن حصلوا أتـعـلـق
هذا زمان قد تعـود أهـلـه تيه الملوك وقعل من يتصدق فلما أصبح صالح غدا بالأبيات على الفضل بن يحيى وحدثه بالحديث؛ فقال له: لا والله ماعلى الأرض أبغض إلي من إسداء عارفة إلى أبي العتاهية؛ لأنه ممن ليس يظهر عليه أثر صنيعه، وقد قضيت حاجته لك؛ فرجع وأرسلني إليه بقضاء حاجته. فقال أبو العتاهية:
جزى الله عني صالحا بوفـائه وأضعف أضعافا له في جزائه
بلوت رجالا بعده في إخـائهـم فما ازددت إلا رغبة في إخائه
صديق إذا ماجئت أبغيه حـاجة رجعت بما أبغي ووجهي بمائه. أخبرني الصولي قالحدثني محمد بن موسى قال حدثني أحمد بن حرب قال: أنشدني محمد بن أبي العتاهية لأبيه يعاتب صالحا هذا في تأخيره قضاء حاجته: صوت
أعيني جوادا وابكيا ود سالـح وهيجا عليه معولات النـوائح
فمازال سلطانا أخ لـي أوده فيقطعني جرما قطيعة صالح الغناء في هذين البيتين للإبارهين ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
أمر الرشيد مؤدب ولده أن يرويهم شعره: أخبرن محمد بن أبي الأزهر قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده قال: كان الرشيد معجبا بشعر أبي العتاهية، فخرج إلينا يوما وفي يده رقعتان على نسخة واحدة، فبعث بإحداهما إلى مؤدب لولده وقال: ليروهم ما فيها، ودفع الأخرى إلي وقال: غن في هذه الأبيات. ففتحتها فإذا فيها: صوت
قل لمن ضن بـوده وكوى القلب بصده
ما ابتلى الله فؤادي بك إلا شؤم جـده
أيها السارق عقلي لا تضنـن بـرده
ما أرى حبـك إلا بالغا بي فوق حده تمثل المعتصم عند موته بشعر له
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عبد الله بن محمد الأموي العتبي قال قال لي محمد بن عبد الملك الزيات: لما أحس المعتصم بالموت قال لابنه الواثق: ذهب والله أبوك يا هارون لله در أبي العتاهية حيث يقول:
الموت بين الخلق مشتـرك لا سوقة يبقى ولا مـلـك
ما ضر أصحاب القليل وما أغنى عن الأملاك ما ملكوا عد أبو تمام خمسة أبيات من شعره وقال
لم يشركه فيها غيره:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي الحسن والكوكبي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: قال لي أبو تمام الطائي: لأبي العتاهية خمسة أبيات ما شركه فيها أحد، ولاقدر على مثلها متقدم ولا متأخر، وهو قوله:
الناس في غفلاتهـم ورحى المنية تطحن
صفحة : 378
وقوله لأحمد بن يوسف:
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنـى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر وقوله في موسى الهادي:
ولما استقلوا بأثقـالـهـم وقد أزمعوا للذي أزمعوا
قرنت التفاتي بآثـارهـم وأتبعتهم مقـلة تـدمـع وقوله:
هب الدنيا تصير إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى زوال أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن سعيد المهدي عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: مات شيخ لنا ببغداد، فلما دفناه أقبل الناس على أخيه يعزونه، فجاء أبو العتاهية إليه وبه جزع شديد، فعزاه ثم أنشده:
لاتأمن الدهر وألبس لكل حين لبـاسـا
ليدفـنـنـا أنـاس كما دفنا أنـاسـا قال: فانصرف الناس، وما حفظوا غير قول أبي العتاهية.
نسخت من كتاب هارون بن علي: حدثني علي بن مهدي قال حدثني حبيب بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه: قال: كنت في مجلس خزيمة، فجرى حديث ما يسفك من الدماء، فقال: والله ما لنا عند الله عذر ولا حجة إلا رجاء عفوه ومغفرته. ولولا عز السلطان وكراهة الذلة، وأن أصير بعد الرياسة سوقة وتابعا بعد ما كنت متبوعا، ما كان في الأرض أزهد ولا أعبد مني؛ فإذا هو بالحاجب قد دخل عليه برقعة من أبي العتاهية فيها مكتوب:
أراك امرأ ترجو من الله عفوه وأنت على ما لا يحب مقـيم
تدل على التقوى وأنت مقصر أيا من يداوي الناس وهو سقيم
وإن امرأ لم يلهه اليوم عن غد تخوف ما يأتي به لـحـكـيم
وإن امرأ لم يجعل البر كنـزه وإن كانت الدنيا لـه لـعـديم فغضب خزيمة وقال: والله ما المعروف عند هذا المعتوه الملحف من كنوز البر فيرغب فيه حر. فقيل له: وكيف ذاك? فقال: لأنه من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله.
ونسخت من كتابه: عن علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال قال لي الفضل بن العباس: قال لي أبو العتاهية: دخلت على يزيد بن مزيد، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:
وما ذاك إلا أننـي واثـق بـمـا لديك وأني عـالـم بـوفـائكـا
كأنك في صدري إذا جئت زائرا تقدر فيه حاجتي بـابـتـدائكـا
وإن أمير المـؤمـنـين وغـيره ليعلم في الهيجاء فضل غنائكـا
كأنك عند الكر في الحرب إنمـا تفر من السلم الذي من ورائكـا
فما آفة الأملاك غيرك في الوغى ولا آفة الأموال غير حـبـائكـا قال: فأعطاني عشرة آلاف درهم، ودابة بسرجها ولجامها..
وعظ راهب رجلا عابدا بشعره
وأخبرني عيسى بن الحسين الوراق وعمي الحسن بن محمد وحبيب بن نصر المهلبي قالوا: حدثنا عمر بن شبة قال: مر عابد براهب في صومعة؛ فقال له عظني. فقال: أعظك وعليكم نزل القرآن، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم قريب العهد بكم? قلت نعم. قال: فاتعظ ببيت من شعر شاعركم أبي العتاهية حين يقول:
تجرد من الدنيا فإنك إنـمـا وقعت إلى الدنيا وأنت مجرد فضله العتأبي على أبي نواس
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني الفضل بن محمد الزارع قال حدثني جعفر بن جميل قال: قدم العتأبي الشاعر على المأمون، فأنزله على إسحاق بن إبراهيم، فأنزله على كاتبه ثوابة بن يونس، وكنا نختلف إليه نكتب عنه. فجرى ذات يوم ذكر الشعراء؛ فقال: لكم يا أهل العراق شاعر منوه الكنية، ما فعل? فذكر االقوم أبا نواس؛ فانتهرهم ونفض يده وقال: ليس ذلك، حتى طال الكلام. فقلت: لعلك تريد أبا العتاهية. فقال: نعم ذاك أشعر الأولين والآخرين في وقته.
لام أبا نواس في استماع الغناء أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني محمد بن إسحاق عن علي بن عبد الله الكندي قال: جلس أبو العتاهية يوما يعذل أبا نواس ويلومه في استماع الغناء ومجالسته لأصحابه؛ فقال له أبو نواس:
أتراني يا عتاهـي تاركا تلك الملاهي
صفحة : 379
أتراني مفسدا بالنسك عند القوم جاهي قال: فوثب أبو العتاهية وقال: لا بارك الله عليك وجعل أبو نواس يضحك.
بلغه أن إبراهيم بن المهدي رماه بالزندقة
فبعث إليه يعاتبه فرد عليه إبراهيم:
أخبرني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: بلغ أبا العتاهية أن أبي رماه في مجلسه بالزندقة وذكره بها؛ فبعث إليه يعاتبه على لسان إسحاق الموصلي، فأدى إليه إسحاق الرسالة؛ فكتب إليه أبي:
إن المنية أمهلتك عـتـاهـي والموت لا يسهو وقلبك ساهي
يا ويح ذي السن الضعيف أماله عن غيه قبل الممات تناهـي
وكلت بالدنيا تبـكـيهـا وتـن دبها وأنت عن القيامة لاهـي
والعيش حلو والمنون مـريرة والدار دار تفاخر وتبـاهـي
فاختر لنفسك دونها سبـلا ولا تتحامقن لها فـإنـك لاهـي
لا يعجبنك أن يقـال مـفـوه حسن البلاغة أو عريض الجاه
أصلح جهولا من سريرك التي تخلوا بها وارهب مقام الـلـه
إني رأيتك مظهرا لـزهـادة تحتاج منك لها إلـى أشـبـاه أخبار متفرقة
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين ين يحيى الصولي قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال: رآني الرشيد مشغوفا بالغناء في شعر أبي العتاهية: صوت
أحـمـد قـال لـــي ولـــم يدر مـــا بـــي أتـحـب الـغـــداة عـــتـــبة حـــقـــا
فتنفست ثم قلت نعم حببا جرى في العروق عرقا فعرقا
لو تجسين يا عتيبة قلبي لوجـدت الـفـؤاد قــرحـــا تـــفـــقـــا
قد لعمري مل الطبيب ومل الأهل مني مما أقاسي وألقى
ليتني مت فاسترحت فإني أبـدا مـا حـييت مـنـهـــا مـــلـــقـــى ولا سيما من مخارق، وكان يغني فيه رملا لإبراهيم أخذه عنه. وفيه لحن لفريدة رمل. هكذا قال الصولي: فريدة بالياء، وغيره يقول: فرندة بالنون.
حدثني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا محمد بن صالح العدوي قال أخبرني أبو العتاهية قال: كان الرشيد مما يعجبه غناء الملاحين في الزلالات إذا ركبها، وكان يتأذى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال: قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعرا يغنون فيه. قيل له: ليس أحد أقدر على هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس. قال: فوجه إلي الرشيد: قل شعرا حتى أسمعه منهم، ولم يأمر بإطلاقي؛ فغاظني ذلك فقلت: والله لأقولن شعرا يحزنه ولايسر به، فعملت شعرا ودفعته إلى من حفظه الملاحين. فلما ركب الحراقة سمعه، وهو:
خانـك الـطـرف الـطـمـــوح أيهـا الـقـلـب الـجــمـــوح
لدواعي الخير والشر دنـو ونـزوح
هل لمطلوب بذنب توبة مــنـــه نـــصـــوح
كيف إصـــلاح قـــلــــوب إنـــمـــا هـــن قـــروح
أحسن الله بنا أن الخطـايا لا تـفـوح
فإذا المستور منا بين ثــوبـــيه نـــضـــوح
كم رأينـــا مـــن عـــــزيز طويت عـنـه الـكـــشـــوح
صاح مــنـــه بـــرحـــيل صائح الـدهـر الـــصـــدوح
موت بـعـض الـنـاس فــي الأر ض عـلـى قــوم فـــتـــوح
سيصـير الـــمـــرء يومـــا جســـدا مـــا فــــيه روح
بين عــينـــي كـــل حـــي علــم الـــمـــوت يلـــوح
كلـنـا فـــي غـــفـــلة وال موت يغــــــــــدو ويروح
لبـنـي الـدنــيا مـــن الـــدن يا غــبـــوق وصـــبـــوح
رحـن فـي الـوشـى وأصـبـــح ن عـلـيهـن الــمـــســـوح
كل نــطـــاح مـــن الـــده ر لـــه يوم نـــطـــــوح
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمرت ما عـــمـــر نـــــــوح قال: فلما سمع ذلك الرشيد جعل يبكي وينتحب، وكان الرشيد من أغزر الناس دموعا في وقت الموعظة، وأشدهم عسفا في وقت الغضب والغلظة. فلما رأى الفضل بن الربيع كثرة بكائه، أومأ إلى الملاحين أن يسكتوا.
حدثني الصولي قال حدثني الحسن بن جابر كاتب الحسن بن رجاء قال:
صفحة : 380
لما حبس الرشيد أبا العتاهية دفعه إلى منجاب، فكان يعنف به؛ فقال أبو العتاهية:
منجاب مـات بـدائه فاعجل لـه بـدوائه
إن الإمـام أعـلـه ظلما بحد شـقـائه
لا تعنفـن سـياقـه ما كل ذاك بـرائه
ما شمت هذا في مخا يل بارقات سمـائه : أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن معاوية القرشي قال: لما عقد الرشيد ولاية العهد لبنيه الثلاثة: الأمين، والمأمون، والمؤتمن، قال أبو العتاهية:
رحلت عن الربع المحيل قعـودي إلى ذي زحوف جـمة وجـنـود
وراع يراعي الليل في حفـظ أمة يدافع عنها الشـر غـير رقـود
بألوية جـبـريل يقـدم أهـلـهـا ورايات نصر حـولـه وبـنـود
تجافى عن الدنـيا وأيقـن أنـهـا مفارقة لـيسـت بـدار خـلـود
وشد عرا الإسلام منـه بـفـتـية ثلاثة أمـلاك ولاة عـهـــود
هم خير أولاد، لهـم خـير والـد له خير أبـاء مـضـت وجـدود
بنو المصطفى هارون حول سريره فخـير قـيام حـولـه وقـعـود
تقلب ألحاظ المـهـابة بـينـهـم عيون ظباء في قـلـوب أسـود
جدودهم شمس أتـت فـي أهـلة تبدت لراء في نـجـوم سـعـود قال: فوصله الرشيد بصلة ما وصل بمثلها شاعرا قط.
ذكر لملك الروم فالتمسه من الرشيد
فاستعفى هو، فكتب من شعره في مجلسه وعلى باب مدينته:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي إجازة قال حدثنا الرياشي قال: قدم رسول لملك الروم إلى الرشيد، فسأل عن أبي العتاهية وأنشده شيئا من شعره، وكان يحسن العربية، فمضى إلى ملك الروم وذكره له؛ فكتب ملك الروم إليه، ورد سوله يسأل الرشيد أن يوجه بأبي العتاهية ويأخذ فيه رهائن من أراد، وألح في ذلك. فكلم الرشيد أبا العتاهية في ذلك، فاستعفى منه وأباه. واتصل بالرشيد أن ملك الروم أمر أن يكتب بيتان من شعر أبي العتاهية على أبواب مجالسه وباب مدينته، وهما: صوت
ما اختلف الليل والنهـار ولا دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل السلطان عن مـلـك قد انقضى ملكه إلى ملـك مع الرشيد
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا الربيع بن محمد الختلي الوراق قال اخبرني ابن أبي العتاهية: أن الرشيد لما أطلق أباه من الحبس، لزم بيته وقطع الناس؛ فذكره الرشيد فعرف خبره، فقال: قولوا له: صرت زير نساء وحلس بيت؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
برمت بالناس وأخلاقهـم فصرت أستأنس بالوحده
ما أكثر الناس لعمري وما أقلهم في منتهى العـده ثم قال: لا ينبغي أن يمضي شعر إلى أمير المؤمنين ليس فيه مدح له، فقرن هذين البيتين بأربعة أبيات مدحه فيها، وهي: صوت
عاد لي من ذكرها نصب فدموع العين تنسـكـب
وكذاك الحب صاحـبـه يعتريه الهم والوصـب
خير من يرجى ومن يهب ملك دانت له الـعـرب
وحـقـيق أن يدان لـه من أبوه للـنـبـي أب أمره الرشيد أن يعظه فقال شعرا فبكى حدثنا الصولي قال حدثنا عون بن محمد قال حدثنا محمد بن أبي العتاهية قال: قال الرشيد لأبي: عظني؛ فقال له: أخافك. فقال له: أنت آمن. فأنشده:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس إذا تسترت بالأبواب والـحـرس
واعلم بأن سهام الموت قـاصـدة لكل مـدرع مـنـا ومـتـرس
ترجو النجاة ولم تسلك طريقتـهـا إن السفينة لا تجري على اليبـس قال: فبكى الرشيد حتى بل كمه.
تناظر ابن أبي فنن وابن خاقان فيه
وفي أبي نواس، ثم حكما ابن الضحاك ففضله:
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال:
صفحة : 381
قال لي أحمد بن أبي فنن: تناظرت أنا والفتح بن خاقان في منزله: أيما الرجلين أشعر: أبو نواس أم أبو العتاهية. فقال الفتح: أبو نواس، وقلت: أبو العتاهية. ثم قلت: لو وضعت أشعار العرب كلها بإزاء شعر أبي العتاهية لفضلها، وليس بيننا خلاف في أن له في كل قصيدة جيدا ووسطا وضعيفا، فإذا جمع جيده كان أكثر من جيد كل مجود. ثم قلت له: بمن ترضى? قال: بالحسين بن الضحاك. فما انقطع كلامنا حتى دخل الحسين بن الضحاك؛ فقلت: ما تقول في رجلين تشاجرا، فضل أحدهما أبا نواس وفضل الآخر أبا العتاهية? فقال الحسين: أم من فضل أبا نواس على أبي العتاهية زانية؛ فخجل الفتح حتى تبين ذلك فيه، ثم لم يعاودني في شيء من ذكرهما حتى افترقنا.
مع مخارق
وقد حدثني الحسن بن محمد بهذا الخبر على خلاف ما ذكره إبراهيم بن المهدي فيما تقدم، فقال: حدثني هارون بن مخارق قال حدثني أبي قال: جاءني أبو العتاهية فقال: قد عزمت على أن أتزود منك يوما تهبه لي، فمتى تنشط? فقلت: متى شئت. فقال: أخاف أن تقطع بي فقلت: والله لا فعلت وإن طلبني الخليفة. فقال: يكون ذلك في غد. فقلت: أفعل. فلما كان من غد باكرني رسوله فجئته، فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذ وخل وبقل وملح وجدي مشوي فأكلنا منه، ثم دعا بسمك مشوي فأصبنا منه حتى اكتفينا، ثم دعا بحلواء فأصبنا منها وغسلنا أيدينا، وجاؤونا بفاكهة وريحان وألوان من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك منها؛ فاخترت وشربت؛ وصب قدحا ثم قال: غنني في قولي:
أحمد قال لي ولم يدر ما بي أتحب الغداة عتبة حـقـا فغنيته، فشرب قدحا وهو يبكي أحر بكاء. ثم قال: غنني في قولي:
ليس لمن ليست له حيلة موجودة خير من الصبر فغنيته وهو يبكي وينشج، ثم شرب قدحا آخر ثم قال: غنني، فديتك، في قولي:
خليلي ما لي لا تزال مضرتـي تكون من الأقدار حتما من الحتم فغنيته إياه. وما زال يقترح علي كل صوت غني به في شعره فأغنيه ويشرب ويبكي حتى صار العتمة. فقال: أحب أن تصبر حتى ترى ما أصنع فجلست. فأمر ابنه وغلامه فكسرا كل ما بين أيدينا من النبيذ وآلته والملاهي، ثم أمر بإخراج كل ما في بيته من النبيذ وآلته، فأخرج جميعه، فما زال يكسره ويصب النبيذ وهو يبكي حتى لم يبق من ذلك شيء، ثم نزع ثيابه واغتسل، ثم لبس ثيأبا بيضا من صوف، ثم عانقني وبكى، ثم قال: السلام عليك يا حبيببي وفرحي من الناس كلهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛ وجعل يبكي، وقال: هذا آخر عهدي بك في حال تعاشر أهل الدنيا؛ فظننت أنها بعض حماقاته، فانصرفت، وما لقيته زمانا. ثم تشوقته فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت، فإذا هو قد أخذ قوصرتين وثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها وأقامها مقام القميص، وثقب الأخرى وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السراويل. فلما رأيته نسيت كل ما كان عندي من الغم عليه والوحشة لعشرته، وضحكت والله ضحكا ما ضحكت مثله قط. فقال: من أي شيء تضحك? فقلت: أسخن الله عينك هذا أي شيء هو? من بلغك عنه أنه فعل مثل هذا من الأنبياء والزهاد والصحابة والمجانين، انزع عنك هذا يا ???سخين العين ????????????فكأنه أستحيا مني. ثم بلغني أنه جلس حجاما، فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره. ثم مرض، فبلغني أنه اشتهى أن أغنيه، فأتيته عائدا، فخرج إلي رسوله يقول: إن دخلت إلي جددت لي حزنا وتاقت نفسي من سماعك إلى ما قد غلبتها عليه، وأنا أستودعك الله وأعتذر إليك من ترك الالتقاء، ثم كان آخر عهدي به.
??تمنى عند موته أن يجيء مخارق فيغنيه حدثني جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قيل لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي? فقال: أشتهي أن يجيء مخارق فيضع فمه على أذني ثم يغنيني.
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ويحدث بعدي للخـلـيل خـلـيل
إذا ما انقضت عني من الدهر مدتي فإن غنـاء الـبـاكـيات قـلـيل وأخبرني به أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال:
صفحة : 382
قال بشر بن الوليد لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي? فذكر مثل الأول.
وأخبرني به ابن عمار أبو العباس عن ابن أبي سعد عن محمد بن صالح: أن بشرا قال ذلك لأبي العتاهية عند الموت، فأجابه بهذا الجواب.
?آخر شعر قاله في مرضه الذي مات فيه
نسخت من كتاب هارون بن علي: حدثني علي بن مهدي قال حدثني عبد الله بن عطية قال حدثني محمد بن أبي العتاهية قال: آخر شعر قاله أبي في مرضه الذي مات فيه:
إلهي لا تعـذبـنـي فـإنـي مقر بالذي قـد كـان مـنـي
فمـا لـي حـيلة إلا رجـائي لعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطـايا وأنت علي ذو فضـل ومـن
إذا فكرت في ندمي عـلـيهـا عضضت أناملي وقرعت سني
أجن بزهرة الدنـيا جـنـونـا وأقطع طول عمري بالتمنـي
ولو أني صدقت الزهد عنـهـا قلبت لأهلها ظهر الـمـجـن
يظن الناس بـي خـيرا وإنـي لشر الخلق إن لم تعف عنـي أمر بنته أن تندبه بشعر له
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن حمزة الضبعي قال أخبرني أبو محمد المؤدب قال: قال أبو العتاهية لابنته رقية في علته التي مات فيها: قومي يا بنية فاندبي أباك بهذه الأبيات؛ فقامت فندبته بقوله:
لعب البلى بمعالمي ورسومي وقبرت حيا تحت ردم همومي
لزم البلى جسمي فأوهن قوتي إن البلى لموكل بـلـزومـي تاريخ وفاته ومدفنه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثني علي بن محمد قال حدثني مخارق المغني قال: توفي أبو العتاهية، وإبراهيم الموصلي، وأبو عمروا الشيباني عبد السلام في يوم واحد في خلافة المأمون، وذلك في سنة ثلاث عشرة ومائتين.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن أحمد بن يوسف عن أحمد بن الخليل عن إسماعيل بن أبي قتيبة قال: مات أبو العتاهية، وراشد الخناق، وهشيمة الخمارة في يوم واحد سنة تسع ومائتين.
وذكر الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن سعد كاتب الواقدي: أن أبا العتاهية مات في يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة ومائتين، ودفن حيال قنطرة الزياتين في الجانب الغربي ببغداد.
أخبرني الصولي عن محمد بن موسى عن أبي محمد الشيباني عن محمد بن أبي العتاهية: أن أباه توفي سنة عشر ومائتين.
الشعر الذي أمر أن يكتب على قبره أخبرني الصولي قال حدثني محمد بن موسى عن محمد بن القاسم عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن إسحاق بن عبد الله بن شعيب قال: أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره:
أذن حي تـسـمـعـي اسمعي ثم عي وعـي
أنا رهن بمضجـعـي فاحذري مثل مصرعي
عشت تسعـين حـجة أسلمتني لمضجـعـي
كم ترى الحي ثـابـتـا في ديار التـزعـزع
ليس زاد سوى التقـى فخذي منـه أو دعـي رثاه ابنه بشعر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: لما مات أبو العتاهية رثاه ابنه محمد بن أبي العتاهية فقال:
يا أبي ضمك الثـرى وطوى الموت أجمعك
ليتني يوم مـت صـر ت إلى حفرة معـك
رحم الله مصـرعـك برد الله مضجـعـك أنكر ابنه أنه أوصى بذلك أخبرني الحسن قال حدثني أحمد بن زهير قال: قال محمد بن أبي العتاهية: لقيني محمد بن أبي محمد اليزيدي فقال: أنشدني الأبيات التي أوصى أبوك أن تكتب على قبره؛ فأنشأت أقول له:
كذبت على أخ لك في مماته وكم كذب فشا لك في حياته
وأكذب ما تكون على صديق كذبت عليه حيا في مماتـه فخجل وانصرف. قال: والناس يقولون: إنه أوصى أن يكتب على قبره شعر له، وكان ابنه ينكر ذلك.
وذكر هارون بن علي بن مهدي عن عبد الرحمن بن الفضل أنه قرأ الأبيات العينية التي أولها:
أذن حي تسمعي
صفحة : 383
على حجر عند قبر أبي العتاهية.
ولم أذكر هاهنا مع أخبار أبي العتاهية أخباره مع عتبة، وهي من أعظم أخباره؛ لأنها طويلة، وفيها أغان كثيرة، وقد طالت أخباره هاهنا فأفردتها.
أخبار فريدة
أخبار فريدة الكبرى ونشأتها ومصيرها
قال مؤلف هذا الكتاب: هما اثنتان محسنتان لهما صنعة تسميان بفريدة. فأما إحداهما، وهي الكبرى، فكانت مولدة نشأت بالحجاز، ثم وقعت إلى آل الربيع، فعلمت الغناء في دورهم، ثم صارت إلى البرامكة. فلما قتل جعفر بن يحيى ونكبوا هربت، وطلبها الرشيد فلم يجدها، ثم صارت إلى الأمين، فلما قتل خرجت، فتزوجها الهيثم بن مسلم فولدت له ابنه عبد الله، ثم مات عنها، فتزوجها السندي بن الحرشي وماتت عنده. ولها صنعة جيدة، منها في شعر الوليد بن يزيد: بعض الشعر الذي لها في صنعته
صوت
ويح سلمى لو تراني لعناها ما عنـانـي
واقفا في الدار أبكي عاشقا حور الغواني ولحنا فيه خفيف رمل.
ومن صنعتها: صوت
ألا أيها الـركـب ألا هـبـوا نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
ألا رب ركب قد وقفت مطيهم عليك ولولا أنت لم يقف الركب لحنها فيه ثاني ثقيل. وفيه لابن جامع خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى.
سأل صالح بن حسان الهيثم بن عدي عن بيت نصفه بدوي والآخر حضري ثم ذكره:
فحدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني العمري قال حدثني الهيثم بن عدي قال: قال صالح بن حسان يوما: ما نصف بيت كأنه أعرأبي في شملة، والنصف الآخر كأنه مخنث مفكك? قلت: لا أدري. فقال: قد أجلتك حولا. فقلت: لو أجلتني عشرة أحوال ما عرفته. فقال: أوه أف لك قد كنت أحسبك أجود ذهنا مما أرى. فقلت: فما هو الآن? قال: قول جميل.
ألا أيها الركب النيام ألا هبوا هذا كلام أعرأبي، ثم قال:
أسائلكم هل يقتل الرجل الحب كأنه والله من مخنثي العقيق.
أخبار فريدة المحسنة
وأما فريدة الأخرى فهي التي أرى بل لا أشك في أن اللحن المختار لها؛ لأن إسحاق اختار هذه المائة الصوت للواثق، فاختار فيها لمتيم لحنا، ولأبي دلف لحنا، ولسليم بن سلام لحنا، ولرياض جارية أبي حماد لحنا. وكانت فريدة أثيرة عند الواثق وحظية لديه جدا، فاختار لها هذا الصوت، لمكانها من الواثق، ولأنها ليست دون من اختار له من نظرائها.
قدمت هي وشارية في الطيب وإحكام الغناء
أخبرني الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى عن ريق: أنها اجتمعت هي وخشف الواضحية يوما، فتذاكرتا أحسن ما سمعتاه من المغنيات؛ فقالت ريق: شارية أحسنهن غناء ومتيم، وقالت خشف: عريب وفريدة؛ ثم اجتمعتا على تساويهن، وتقديم متيم في الصنعة، وعريب في الغزارة والكثرة، وشارية وفريدة في الطيب وإحكام الغناء.
أهداها ابن بانة للواثق
حدثني جحظة قال حدثني أبو عبد اله الهشامي قال: كانت فريدة جارية الواثق لعمروا بن بانة، وهو أهداها إلى الواثق، وكانت من الموصوفات المحسنات، وربيت عند عمروا بن بانة مع صاحبة لها اسمها خل ، وكانت حسنة الوجه، حسنة الغناء، حادة الفطنة والفهم.
سألت ابن بانة عن صاحبة لها بالإشارة قال الهشامي فحدثني عمروا بن بانة قال: غنيت الواثق:
قلت حلا فاقبلي معـذرتـي ما كذا يجزى محب من أحب فقال لي: تقدم على الستارة فألقه على فريدة، فألقيته عليها؛ فقالت: هو حل أو خل كيف هو? فعلمت أنها سألتني عن صاحبتها في خفاء من الواثق.
تزوجها المتوكل ثم ضربها حتى غنت ولما تزوجها المتوكل أرادها على الغناء، فأبت أن تغني وفاء للواثق، فأقام على رأسها خادما وأمره أن يضرب رأسها أبدا أو تغني؛ فاندفعت وغنت:
فلا تبعد فكل فتى سـيأتـي عليه الموت يطرق أو يغادي نقل ابن بسخنر قصة لها مع الواثق وغيرته من جعفر المتوكل: أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال حدثني محمد بن الحارث بن بسخنر قال:
صفحة : 384
كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار؛ فإن نشط إلى الشرب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت. وكان رسمنا ألا يحضر أحد منا إلا في يوم نوبته. فإني لفي منزلي في غير يوم نوبتي إذا رسل الخليفة قد هجموا علي وقالوا لي: احضر. فقلت: ألخير? قالوا: خير. فقلت: إن هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قط، ولعلكم غلطتم. فقالوا: الله المستعان، لا تطل وبادر؛ فقد أمرنا ألا ندعك تستقر علي الأرض. فداخلني فزع شديد؛ وخفت أن يكون ساع قد سعى بي، أو بلية قد حدثت في رأي الخليفة علي؛ فتقدمت بما أردت وركبت حتى وافيت الدار؛ فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كنت أدخل، فمنعت، وأخذ بيدي الخدم فأدخلوني وعدلوا بي إلى ممرات لا أعرفها، فزاد ذلك في جزعي وغمي. ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن، ملبسة الحيطان بالوشى المنسوج بالذهب، ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك، وإذا الواثق في صدره على سرير مرصع بالجوهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته، عليها مثل ثيابه وفي حجرها عود. فلما رآني قال: جودت والله يا محمد إلينا. فقبلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين خيرا قال: خيرا، أما ترانا طلبت والله ثالثا يؤنسنا فلم أر أحق بذلك منك، فبحياتي بادر فكل شيئا وبادر إلينا. فقلت: قد والله يا سيدي أكلت وشربت أيضا. قال: فاجلس فجلست، وقال: هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضرت ذلك، واندفعت فريدة تغني:
أهابك إجلالا وما بك قـدرة علي ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النفس يا ليل أنها قلتك ولا أن قل منك نصيبها فجاءت والله بالسحر، وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغني الصوت بعد الصوت، وأغني أنا في خلال غنائها، فمر لنا أحسن ما مر لأحد. فإنا لكذلك إذ رفع رجله فضرب بها صدر فريدة ضربة تدحرجت منها من أعلى السرير إلى الأرض وتفتت عودها ومرت تعدو وتصيح، وبقيت أنا كالمنزوع الروح؛ ولم أشك في أن عينه وقعت علي وقد نظرت إليها ونظرت إلي؛ فأطرق ساعة إلى الأرض متحيرا وأطرقت أتوقع ضرب العنق. فإني لكذلك إذ قال لي: يا محمد، فوثبت. فقال: ويحك أرأيت أغرب مما تهيأ علينا فقلت: يا سيدي، الساعة والله تخرج روحي، فعلى من أصابنا بالعين لعنه الله فما كان السبب? ألذنب? قال: لا والله ولكن فكرت أن جعفرا يقعد هذا المقعد ويقعد معها كما هي قاعدة معي، فلم أطق الصبر وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت. فسري عني وقلت: بل يقتل الله جعفرا، ويحيا أمير المؤمنين أبدا، وقبلت الأرض وقلت: يا سيدي الله الله ارحمها ومر بردها. فقال: لبعض الخدم الوقوف: من يجيء بها? فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفي يدها عودها وعليها غير الثياب التي كانت عليها. فلما رآها جذبها وعانقها، فبكت وجعل هو يبكي، واندفعت أنا في البكاء. فقالت: ما ذنبي يا مولاي ويا سيدي? وبأي شيء استوجبت هذا? فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي وهي تيكي. فقالت: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا ضربت عنقي الساعة وأرحتني من الفكر في هذا، وأرحت قلبك من الهم بي، وجعلت تبكي ويبكي، ثم مسحا أعينهما ورجعت إلى مكانها؛ وأومأ إلى خدم وقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين وورق، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه وأخرج منه عقدا ما رأيت قط مثل جوهر كان فيه، فألبسها إياه، وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف درهم فجعلت بين يدي وخمسة تخوت فيها ثياب، وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن مما كنا؛ فلم نزل كذلك إلى الليل، ثم تفرقنا.
قصتها مع المتوكل بعد الواثق وضرب الدرهم ضربه وتقلد المتوكل. فوالله إني لفي منزلي بعد يوم نوبتي إذ هجم علي رسل الخليفة، فما أمهلوني حتى ركبت وصرت إلى الدار، فأدخلت والله الحجرة بعينها، وإذا المتوكل في الموضع الذي كان فيه الواثق على السرير بعينه وإلى جانب فريدة. فلما رآني قال: ويحك أما ترى ما أنا فيه من هذه أنا منذ غدوة أطالبها بأن تغنيني فتأبى ذلك فقلت: يا سبحان الله أتخالفين سيدك وسيدنا وسيد البشر بحياته غني فعرفت والله ثم اندفعت تغني:
صفحة : 385
مقيم بالمجازة من قنـونـي وأهلك بالأجيفر فالـثـمـاد
فلا تبعد فكل فتى سـيأتـي عليه الموت يطرق أو يغادي ثم ضربت بالعود الأرض، ثم رمت بنفسها على السرير ومرت تعدو وهي تصيح واسيداه فقال لي: ويحك ما هذا? فقلت: لا أدري والله يا سيدي. فقال: فما ترى? فقلت: أرى أن أنصرف أنا وتحضر هذه ومعها غيرها؛ فإن الأمر يؤول إلى ما يريد أمير المؤمنين. قال: فانصرف في حفظ الله فانصرفت ولم أدر ما كانت القصة.
مدح محمد بن عبد الملك غناءها
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الملك قال: سمعت فريدة تغني:
أخلاي بي شجو وبليس بكم شـجـو وكل امرئ مما بصاحبـه خـلـو
أذاب الهوى لحمي وجسمي ومفصلي فلم يبق إلا الروح والجسد النضـو فما سمعت قبله ولا بعده غناء أحسن منه.
الشعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي، وله أيضا فيه خفيف ثقيل بالسبابة والبنصر عن ابن المكي. وفيه لعمرو بن بانة رمل بالوسطى من مجموع أغانيه. وفيه لعريب خفيف ثقيل آخر صحيح في غنائها من جمع ابن المعتز وعلي بن يحيى. وتمام هذه الأبيات:
وما من محب نال ممن يحبه هوى صادقا إلا سيدخله زهو وفيها كل غناء مفترق الألحان في أبياته -:
بليت وكان المزح بجدء بليتي فأحببت جهلا والبلايا لها بدو
وعلقت من يزهو علي تجبرا وإني في كل الخصال له كفو
صوت من المائة المختارة
من رواية جحظة عن أصحابه
باتت همومي تسري طوارقها أكف عيني والدمع سابقهـا
لما أتاها من الـيقـين ولـم تكن تراه يلـم طـارقـهـا الشعر لأمية بن أبي الصلت، والغناء للهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى. وفيه لابن محرز لحنان: هزج وثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش. وذكر يونس: أن فيه لابن محرز لحنا واحدا مجنسا.
ذكر امية بن أبي الصلت ونسبه وخبره
نسبه من قبل أبويه
واسم أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن عنزة بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوزان. هكذا يقول من نسبهم إلى قيس، وقد شرح ذلك في خبر طريح. وأم أمية بن أبي الصلت رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف. وكان أبو الصلت شاعرا، وهو الذي يقول في مدح سيف بن ذي يزن:
ليطلب الثأر أمثال ابـن ذي يزن إذ صار في البحر للأعداء أحوالا وقد كتب خبر ذلك في موضعه.
أولاد أمية
وكان له أربع بنين: عمرو وربيعة ووهب والقاسم. وكان القاسم شاعرا، وهو الذي يقول - أنشدنيه الأخفش وغيره عن ثعلب، وذكر الزبير أنها لأمية -: صوت
قوم إذا نزل الغريب بدارهـم ردوه رب صواهل وقـيان
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتلمس العلات بـالـعـيدان يمدح عبد الله بن جدعان بها، وأولها:
قومي ثقيف إن سألت وأسرتي وبهم أدافع ركن من عاداني غناه الغريض، ولحنه ثقيل أول بالبنصر. ولابن محرز فيه خفيف ثقيل أول بالوسطى، عن الهشامي جميعا. وكان ربيعة ابنه شاعرا، وهو الذي يقول:
وإن يك حيا من إياد فـإنـنـا وقيسا سواء ما بقينا وما بقوا
ونحن خيار الناس طرا بطانة لقيس وهم خير لنا إن هم بقوا كان يستعمل في شعره كلمات غريبة
أخبرني إبراهيم بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال: كان أمية بن أبي الصلت قد قرأ كتاب الله عز وجل الأول، فكان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب؛ فمنها قوله:
قمر وساهور يسل ويغمد وكان يسمي الله عز وجل في شعره السلطيط، فقال:
والسلطيط فوق الأرض مقتدر وسماه في موضع آخر التغرور فقال: وأيده التغرور . وقال ابن قتيبة: وعلماؤنا لا يحتجون بشيء من شعره لهذه العلة.
من أشعر ثقيف بل أشعر الناس
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال:
صفحة : 386
قال أبو عبيدة: اتفقت العرب على أن أشعر أهل المدن أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف، وأن أشعر ثقيف أمية بن أبي الصلت.
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال: قال يحيى بن محمد: قال الكميت: أمية أشعر الناس، قال كما قلنا ولم نقل كما قال.
تعبد والتمس الدين وطمع في النبوة
قال الزبير وحدثني عمي مصعب عن مصعب بن عثمان قال: كان أمية بن أبي الصلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية، وحرم الخمر وشك في الأوثان، وكان محققا، والتمس الدين وطمع في النبوة؛ لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب، فكان يرجو أن يكونه. قال: فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هذا الذي كنت تستريث وتقول فيه؛ فحسده عدو الله وقال: إنما كنت أرجو أن أكونه؛ فأنزل الله فيه عز وجل: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها . قال: وهو الذي يقول:
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة زور كان يحرض قريشا بعد بدر
قال الزبير وحدثني يحيى بن محمد قال: كان أمية يحرض قريشا بعد وقعة بدر، وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر؛ فمن ذلك قوله:
ماذا ببـدر والـعـقـن قل من مرازبة جحاجح وقال: وهي قصيدة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رواياتها. ويقال: إن أمية قدم على أهل مكة باسمك اللهم ؛ فجعلوها في أول كتبهم مكان بسم الله الرحمن الرحيم .
?أسف الحجاج على ضياع شعره
قال الزبير وحدثني علي بن محمد المدائني قال: قال الحجاج على المنبر: ذهب قوم يعرفون شعر أمية، وكذلك اندراس الكلام.
كان يتحسس أخبار نبي العرب
فلما أخبر ببعثته تكدر:
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمر بن أبي بكر المؤملي وغيره قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين
يأبى المعلق بالمـنـى إلا رواحـا وادلاجـا
أرفق فعمرك عود ذي أود رأيت به اعوجاجا
من عاج من شيء إلى شيء أصاب له معاجا فقال: حسبك حسبك أوسعتني عذرا .
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي الزارع قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن عمران بن عبد الصمد الزارع قال حدثنا ابن عائشة قال: قال أبو العتاهية لابن مناذر: شعرك مهجن لا يلحق بالفحول، وأنت خارج عن طبقة المحدثين. فإن كنت تشبهت بالعجاج ورؤبة فما لحقتها ولاأنت في طريقهما، وإن كنت تذهب مذهب المحدثين فما صنعت شيئا . أخبرني عن قولك: ومن عاداك لاقى المرمريسا أخبرني عن المرمريس ماهو? قال: فخجل ابن مناذر وماراجعه حرفا . قال: وكان بينهما تناغر.
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثني الحسين بن إسماعيل المهدي قال حدثني رجاء بن سلمة قال: وجد المأمون علي في شيء، فاستأذنته في الحج فأذن لي، فقدمت البصرة وعبيد الله بن إسحاق بن الفضل الهاشمي عليها وإليه أمر الحج، فزاملته إلى مكة. فينا نحن في الطواف رأيت أبا العتاهية، فقلت لعبيد الله: جعلت فداك أتحب أن ترى أبا العتاهية? فقال: والله إني لأحب أن أراه وأعاشرهز قلت: فافرغ من طوافك واخرج، ففعل. فأخذت بيد أبي العتاهية فقلت له: يا أبا إسحاق، هل لك في رجل من أهل البصرة شاعر أديب ظريف? قال: وكيف لي بذلك? فأخذت بيده فجئت به إلى عبيد الله، وكان لايعرفه، فتحدثا ساعة ، ثم قال له أبو العتاهية: هل لك في بيتين تجيزهما? فقال له عبيد الله: إنه لارفث ولافسوق ولاجدال في الحج. فقال له: لانرفث ولا نفسق ولانجادل. فقال: هات إذا . فقال أبو العتاهية:
إن المنون غدوها ورواحهـا في الناس دائبة تجيل قداحها
ياساكر الدنيا لقد أوطنتـهـا ولتنزحن وإن كرهت نواحها فأطرق عبيد الله ينظر إلى الأرض ساعة ، ثم رفع رأسه فقال:
خذ لاأبالـك لـلـمـنـية عـدة واحتل لنفسك إن أردت صلاحها
لاتغترر فكأننـي بـعـقـاب ري ب الموت قد نشرت عليها جناحها قال: ثم سمعت الناس ينحلون أبا العتاهية هذه الأربعة الأبيات كلها، وليس له إلا البيتان الأولان.
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا ميمون بت هارون قال حدثني إبراهيم بن رباح قال أخبرني إبراهيم بن عبد الله، وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا هارون بن مخارق قال حدثني إبراهيم بن دسكرة، وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال: قال أبو العتاهية: حبسني الرشيد لما تركت قول الشعر، فأدخلت السجن وأغلق الباب علي، فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال، وإذا أنا برجل جالس في جانب مقيد، فجعلت أنظر إليه ساعة ، ثم تمثل: صوت
تعودت مر الصبر حتىألـفـتـه وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس راجـيا لحسن صنيع الله من حيث لاأدري
صفحة : 376
فقلت له: أعد، يرحمك الله، هذين البيتين. فقال لي: ويلك أبا العتاهية ماأسوأ أدبك وأقل عقلك دخلت علي الحبس فما سلمت تسليم المسلم على المسلم، ولاسألت مسألة الحر للحر، ولاتوجعت توجع المبتلى للمبتلى، حتى إذا سمعت بيتين من الشعر الذي لافضل فيك غيره، لم تصبر عن استعادتهما، ولم تقدم قبل مسألتك عنهما عذرا لنفسك في طلبهما فقلت: ياأخي إني دهشت لهذه الحال، فلا تعذلني واعذرني متفضلا بذلك. فقال: أنا والله أولى بالدهش والحيرة؛ لأنك حبست في في أن تقول شعرا به ارتفعت وبلغت، فإذا قلت أمنت، وأنا مأخوذ بأن أدل على ابن الرسول الله صلى الله علسه وسلم ليقتل أو أقتل دونه، ووالله لا أدل عليه أبدا ، والساعة يدعى بي فأقتل، فأينا أحق بالدهش? فقلت له: أنت والله أولى، سلمك الله وكفاك، ولو علمت أن هذه حالك ماسألتك. قال: فلا تبخل عليك إذا ، ثم أعاد البيتين حتى حفظتهما. قال: فسألأته من هو? فقال: أنا خاص داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد. ولم نلبث أن سمعنا صوت الأقفال، فقام فسكب عليه ماء كان عنده في جره، ولبس ثوبا نظيفا كان عنده، ودخل الحرس والجند معهم الشمع فأخرجونا جميعا ، وقدم قبلي إلى الرشد. فسأله عن أحمد بن عيسى؛ فقال: لاتسألني عنه واصنع ماأنت صانع، فو أنه تحت ثوبي هذا مااكتشفته عنه. وأمر بضرب عنقه فضرب. ثم قال لي: أظنك قد ارتعت ياإسماعيل فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس. فقال: ردوه إلى محبسه فرددت، وانتحلت هذين البيتين وزدت فيهما:
إذا أنا لم أقبل من الدهر كـل مـا تكرهت منه طال عتبي على الدهر لزرزور غلام المارقي في هذين البيتين المذكورين خفيف رمل. وفيهما لعريب خفيف ثقيل.
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى: حدثني علي بن مهدي قال حدثني ناجية بن عبد الواحد قال: قال لي أبو العباس الخزيمي: كان أبو العتاهية خلفا في الشعر، بينما هو يقول في موسى الهادي:
لهفي على الزمن القصير بين الخورنق والسـدير إذ قال:
أيا ذوي الوخـامة أكثرتم المـلامة
فليس لي على ذا صبر ولاقـلامة
نعم عشقت موقا هل قامت القيامة
لأركبن فـيمـن هويته الصرامة ونسخت من كتابه: حدثني علي بن مهدي قال حدثني أحمد بن عيسى قال حدثني الجماز قال: قال سلم الخاسر: صار إلي إبو العتاهية فقال: جئتك زائرا ؛ فقلت: مقبول منك ومشكور أنت عليه، فأقم. فقال: إن هذا مما يشتد علي. قلت: ولم يشتد عليك مايسهل علىأهل الأدب? فقال: لمعرفتي بضيق صدرك. فقلت له وأنا أضحك وأعجب من مكابرته: رمتني بدائها وانسلت . فقال: دعني من هذا واسمع مني أبيتا . فقلت: هات؛ فأنشدني:
نغص الموت كل لذة عـيش يالقومي للموت مـاأوحـاه
عجبا أنـه إذا مـات مـيت صد عنه حبيبـه وجـفـاه
حيثما وجه امرؤ ليفـوت ال موت فالموت واقف بحـذاه
إنما الشيبـد لابـن آدم نـاع قام في عارضيه ثم نـعـاه
من تمنى المنى فأغرق فيها مات من قبل أن ينال منـاه
ماأذل المقل في أيعن الـنـا س لإقلالـه ومـاأقـمـاه
إنما تنظر العيون من الـنـا س إلى من ترجوه أو تخشاه ثم قال لي: كيف رأيتها? فقلت له: لقد جودتها لو لم تكن ألفاظها سوقية . فقال: والله مايرغبني فيها إإلا الذي زهدك فيها.
ونسخت من كتابه: عن علي بن مهدي قال حدثني عبد الله بن عطية عن محمد بن عيسى الحربي قال: كنت جالسا مع أبي العتاهية، إذ مر بنا حميد الطوسي في موكبه وبين يديه الفرسان والرجالة، وكان بقرب أبي العتاهية سوادي على أتان، فضربوا وجه الأتان ونحوه عن الطريق، وحميد واضع طرفه على معرفة فرسه والناس ينظرون إليه يعجبون منه وهو لايلتفت تيها ؛ فقال أبو العتاهية:
للموت أبـنـا بـهـم ماشئت من صلف وتيه
وكأنني بالـمـوت قـد دارت رحاه علي بنيه قال: فلما جاز حميد مع صاحب الأتان قال أبو العتاهية:
ماأذل المقل في أعين النا س لإقلاله وماأقـمـاه
صفحة : 377
إنما تنظر العيون من الـنـا س إلى من ترجوه أو تخشاه اعترض عليه في بخله فأجاب
قال علي بن مهدي وحدثني الحسين بن أبي السري قال: قيل لأبي العتاهية: مالك تبخل بما رزقك الله? فقال: والله مابخلت بما رزقني الله قط. قيل له: وكيف ذاك وفي بيتك من المال مالايحصى? قال: ليس في ذلك رزقي، ولو كان رزقي لأنفقته.
قال علي بن مهدي وحدثني محمد بن جعفري الشهزوري قال حدثني رجاء مولى صالح الشهزوري قال: كان أبو العتاهية صديقا لصالح الشهزوري وآنس الناس به، فسأله أن يكلم الفضل بن يحيى في حاجة له؛ فقال له صالح: لستأكلمه في أشباه هذا، ولكن حملني ماشئت في مالي. فانصرف عنه أبو العتاهية وأقام أياما لا يأتيه؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
أقلل زيارتك الصديق ولاتطل إتيانه فتلج في هـجـرانـه
إن الصديق يلج في غشيانـه لصديقه فيمل من غشيانـه
حتى تراه بعد طول مسـرة بمكانه متبرما بمـكـانـه
وأقل مايلفى الفتى ثقلا على إخوانه ما كف عن إخوانـه
وإذا توانى عن صيانة نفسـه رجل تنقص واستخف بشانه فلما قرأ الأبيات قال: سبحان الله أتهجرني لمنعي إياك شيئا تعلم أني ماابتذلت نفسي قط، وتنسى مودتي وأخوتي، ومن دون مابيني وبين وبينك ماأوجب عليك أن تعذرني فكتب إليه:
أهل التخلق لو يدوم تخـلـق لسكنت ظل جناح من يتخلق
ماالناس في غلإمسك إلا واحد فبأيهم إن حصلوا أتـعـلـق
هذا زمان قد تعـود أهـلـه تيه الملوك وقعل من يتصدق فلما أصبح صالح غدا بالأبيات على الفضل بن يحيى وحدثه بالحديث؛ فقال له: لا والله ماعلى الأرض أبغض إلي من إسداء عارفة إلى أبي العتاهية؛ لأنه ممن ليس يظهر عليه أثر صنيعه، وقد قضيت حاجته لك؛ فرجع وأرسلني إليه بقضاء حاجته. فقال أبو العتاهية:
جزى الله عني صالحا بوفـائه وأضعف أضعافا له في جزائه
بلوت رجالا بعده في إخـائهـم فما ازددت إلا رغبة في إخائه
صديق إذا ماجئت أبغيه حـاجة رجعت بما أبغي ووجهي بمائه. أخبرني الصولي قالحدثني محمد بن موسى قال حدثني أحمد بن حرب قال: أنشدني محمد بن أبي العتاهية لأبيه يعاتب صالحا هذا في تأخيره قضاء حاجته: صوت
أعيني جوادا وابكيا ود سالـح وهيجا عليه معولات النـوائح
فمازال سلطانا أخ لـي أوده فيقطعني جرما قطيعة صالح الغناء في هذين البيتين للإبارهين ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
أمر الرشيد مؤدب ولده أن يرويهم شعره: أخبرن محمد بن أبي الأزهر قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده قال: كان الرشيد معجبا بشعر أبي العتاهية، فخرج إلينا يوما وفي يده رقعتان على نسخة واحدة، فبعث بإحداهما إلى مؤدب لولده وقال: ليروهم ما فيها، ودفع الأخرى إلي وقال: غن في هذه الأبيات. ففتحتها فإذا فيها: صوت
قل لمن ضن بـوده وكوى القلب بصده
ما ابتلى الله فؤادي بك إلا شؤم جـده
أيها السارق عقلي لا تضنـن بـرده
ما أرى حبـك إلا بالغا بي فوق حده تمثل المعتصم عند موته بشعر له
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عبد الله بن محمد الأموي العتبي قال قال لي محمد بن عبد الملك الزيات: لما أحس المعتصم بالموت قال لابنه الواثق: ذهب والله أبوك يا هارون لله در أبي العتاهية حيث يقول:
الموت بين الخلق مشتـرك لا سوقة يبقى ولا مـلـك
ما ضر أصحاب القليل وما أغنى عن الأملاك ما ملكوا عد أبو تمام خمسة أبيات من شعره وقال
لم يشركه فيها غيره:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي الحسن والكوكبي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: قال لي أبو تمام الطائي: لأبي العتاهية خمسة أبيات ما شركه فيها أحد، ولاقدر على مثلها متقدم ولا متأخر، وهو قوله:
الناس في غفلاتهـم ورحى المنية تطحن
صفحة : 378
وقوله لأحمد بن يوسف:
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنـى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر وقوله في موسى الهادي:
ولما استقلوا بأثقـالـهـم وقد أزمعوا للذي أزمعوا
قرنت التفاتي بآثـارهـم وأتبعتهم مقـلة تـدمـع وقوله:
هب الدنيا تصير إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى زوال أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن سعيد المهدي عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: مات شيخ لنا ببغداد، فلما دفناه أقبل الناس على أخيه يعزونه، فجاء أبو العتاهية إليه وبه جزع شديد، فعزاه ثم أنشده:
لاتأمن الدهر وألبس لكل حين لبـاسـا
ليدفـنـنـا أنـاس كما دفنا أنـاسـا قال: فانصرف الناس، وما حفظوا غير قول أبي العتاهية.
نسخت من كتاب هارون بن علي: حدثني علي بن مهدي قال حدثني حبيب بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه: قال: كنت في مجلس خزيمة، فجرى حديث ما يسفك من الدماء، فقال: والله ما لنا عند الله عذر ولا حجة إلا رجاء عفوه ومغفرته. ولولا عز السلطان وكراهة الذلة، وأن أصير بعد الرياسة سوقة وتابعا بعد ما كنت متبوعا، ما كان في الأرض أزهد ولا أعبد مني؛ فإذا هو بالحاجب قد دخل عليه برقعة من أبي العتاهية فيها مكتوب:
أراك امرأ ترجو من الله عفوه وأنت على ما لا يحب مقـيم
تدل على التقوى وأنت مقصر أيا من يداوي الناس وهو سقيم
وإن امرأ لم يلهه اليوم عن غد تخوف ما يأتي به لـحـكـيم
وإن امرأ لم يجعل البر كنـزه وإن كانت الدنيا لـه لـعـديم فغضب خزيمة وقال: والله ما المعروف عند هذا المعتوه الملحف من كنوز البر فيرغب فيه حر. فقيل له: وكيف ذاك? فقال: لأنه من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله.
ونسخت من كتابه: عن علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال قال لي الفضل بن العباس: قال لي أبو العتاهية: دخلت على يزيد بن مزيد، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:
وما ذاك إلا أننـي واثـق بـمـا لديك وأني عـالـم بـوفـائكـا
كأنك في صدري إذا جئت زائرا تقدر فيه حاجتي بـابـتـدائكـا
وإن أمير المـؤمـنـين وغـيره ليعلم في الهيجاء فضل غنائكـا
كأنك عند الكر في الحرب إنمـا تفر من السلم الذي من ورائكـا
فما آفة الأملاك غيرك في الوغى ولا آفة الأموال غير حـبـائكـا قال: فأعطاني عشرة آلاف درهم، ودابة بسرجها ولجامها..
وعظ راهب رجلا عابدا بشعره
وأخبرني عيسى بن الحسين الوراق وعمي الحسن بن محمد وحبيب بن نصر المهلبي قالوا: حدثنا عمر بن شبة قال: مر عابد براهب في صومعة؛ فقال له عظني. فقال: أعظك وعليكم نزل القرآن، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم قريب العهد بكم? قلت نعم. قال: فاتعظ ببيت من شعر شاعركم أبي العتاهية حين يقول:
تجرد من الدنيا فإنك إنـمـا وقعت إلى الدنيا وأنت مجرد فضله العتأبي على أبي نواس
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني الفضل بن محمد الزارع قال حدثني جعفر بن جميل قال: قدم العتأبي الشاعر على المأمون، فأنزله على إسحاق بن إبراهيم، فأنزله على كاتبه ثوابة بن يونس، وكنا نختلف إليه نكتب عنه. فجرى ذات يوم ذكر الشعراء؛ فقال: لكم يا أهل العراق شاعر منوه الكنية، ما فعل? فذكر االقوم أبا نواس؛ فانتهرهم ونفض يده وقال: ليس ذلك، حتى طال الكلام. فقلت: لعلك تريد أبا العتاهية. فقال: نعم ذاك أشعر الأولين والآخرين في وقته.
لام أبا نواس في استماع الغناء أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني محمد بن إسحاق عن علي بن عبد الله الكندي قال: جلس أبو العتاهية يوما يعذل أبا نواس ويلومه في استماع الغناء ومجالسته لأصحابه؛ فقال له أبو نواس:
أتراني يا عتاهـي تاركا تلك الملاهي
صفحة : 379
أتراني مفسدا بالنسك عند القوم جاهي قال: فوثب أبو العتاهية وقال: لا بارك الله عليك وجعل أبو نواس يضحك.
بلغه أن إبراهيم بن المهدي رماه بالزندقة
فبعث إليه يعاتبه فرد عليه إبراهيم:
أخبرني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: بلغ أبا العتاهية أن أبي رماه في مجلسه بالزندقة وذكره بها؛ فبعث إليه يعاتبه على لسان إسحاق الموصلي، فأدى إليه إسحاق الرسالة؛ فكتب إليه أبي:
إن المنية أمهلتك عـتـاهـي والموت لا يسهو وقلبك ساهي
يا ويح ذي السن الضعيف أماله عن غيه قبل الممات تناهـي
وكلت بالدنيا تبـكـيهـا وتـن دبها وأنت عن القيامة لاهـي
والعيش حلو والمنون مـريرة والدار دار تفاخر وتبـاهـي
فاختر لنفسك دونها سبـلا ولا تتحامقن لها فـإنـك لاهـي
لا يعجبنك أن يقـال مـفـوه حسن البلاغة أو عريض الجاه
أصلح جهولا من سريرك التي تخلوا بها وارهب مقام الـلـه
إني رأيتك مظهرا لـزهـادة تحتاج منك لها إلـى أشـبـاه أخبار متفرقة
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين ين يحيى الصولي قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال: رآني الرشيد مشغوفا بالغناء في شعر أبي العتاهية: صوت
أحـمـد قـال لـــي ولـــم يدر مـــا بـــي أتـحـب الـغـــداة عـــتـــبة حـــقـــا
فتنفست ثم قلت نعم حببا جرى في العروق عرقا فعرقا
لو تجسين يا عتيبة قلبي لوجـدت الـفـؤاد قــرحـــا تـــفـــقـــا
قد لعمري مل الطبيب ومل الأهل مني مما أقاسي وألقى
ليتني مت فاسترحت فإني أبـدا مـا حـييت مـنـهـــا مـــلـــقـــى ولا سيما من مخارق، وكان يغني فيه رملا لإبراهيم أخذه عنه. وفيه لحن لفريدة رمل. هكذا قال الصولي: فريدة بالياء، وغيره يقول: فرندة بالنون.
حدثني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا محمد بن صالح العدوي قال أخبرني أبو العتاهية قال: كان الرشيد مما يعجبه غناء الملاحين في الزلالات إذا ركبها، وكان يتأذى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال: قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعرا يغنون فيه. قيل له: ليس أحد أقدر على هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس. قال: فوجه إلي الرشيد: قل شعرا حتى أسمعه منهم، ولم يأمر بإطلاقي؛ فغاظني ذلك فقلت: والله لأقولن شعرا يحزنه ولايسر به، فعملت شعرا ودفعته إلى من حفظه الملاحين. فلما ركب الحراقة سمعه، وهو:
خانـك الـطـرف الـطـمـــوح أيهـا الـقـلـب الـجــمـــوح
لدواعي الخير والشر دنـو ونـزوح
هل لمطلوب بذنب توبة مــنـــه نـــصـــوح
كيف إصـــلاح قـــلــــوب إنـــمـــا هـــن قـــروح
أحسن الله بنا أن الخطـايا لا تـفـوح
فإذا المستور منا بين ثــوبـــيه نـــضـــوح
كم رأينـــا مـــن عـــــزيز طويت عـنـه الـكـــشـــوح
صاح مــنـــه بـــرحـــيل صائح الـدهـر الـــصـــدوح
موت بـعـض الـنـاس فــي الأر ض عـلـى قــوم فـــتـــوح
سيصـير الـــمـــرء يومـــا جســـدا مـــا فــــيه روح
بين عــينـــي كـــل حـــي علــم الـــمـــوت يلـــوح
كلـنـا فـــي غـــفـــلة وال موت يغــــــــــدو ويروح
لبـنـي الـدنــيا مـــن الـــدن يا غــبـــوق وصـــبـــوح
رحـن فـي الـوشـى وأصـبـــح ن عـلـيهـن الــمـــســـوح
كل نــطـــاح مـــن الـــده ر لـــه يوم نـــطـــــوح
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمرت ما عـــمـــر نـــــــوح قال: فلما سمع ذلك الرشيد جعل يبكي وينتحب، وكان الرشيد من أغزر الناس دموعا في وقت الموعظة، وأشدهم عسفا في وقت الغضب والغلظة. فلما رأى الفضل بن الربيع كثرة بكائه، أومأ إلى الملاحين أن يسكتوا.
حدثني الصولي قال حدثني الحسن بن جابر كاتب الحسن بن رجاء قال:
صفحة : 380
لما حبس الرشيد أبا العتاهية دفعه إلى منجاب، فكان يعنف به؛ فقال أبو العتاهية:
منجاب مـات بـدائه فاعجل لـه بـدوائه
إن الإمـام أعـلـه ظلما بحد شـقـائه
لا تعنفـن سـياقـه ما كل ذاك بـرائه
ما شمت هذا في مخا يل بارقات سمـائه : أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن معاوية القرشي قال: لما عقد الرشيد ولاية العهد لبنيه الثلاثة: الأمين، والمأمون، والمؤتمن، قال أبو العتاهية:
رحلت عن الربع المحيل قعـودي إلى ذي زحوف جـمة وجـنـود
وراع يراعي الليل في حفـظ أمة يدافع عنها الشـر غـير رقـود
بألوية جـبـريل يقـدم أهـلـهـا ورايات نصر حـولـه وبـنـود
تجافى عن الدنـيا وأيقـن أنـهـا مفارقة لـيسـت بـدار خـلـود
وشد عرا الإسلام منـه بـفـتـية ثلاثة أمـلاك ولاة عـهـــود
هم خير أولاد، لهـم خـير والـد له خير أبـاء مـضـت وجـدود
بنو المصطفى هارون حول سريره فخـير قـيام حـولـه وقـعـود
تقلب ألحاظ المـهـابة بـينـهـم عيون ظباء في قـلـوب أسـود
جدودهم شمس أتـت فـي أهـلة تبدت لراء في نـجـوم سـعـود قال: فوصله الرشيد بصلة ما وصل بمثلها شاعرا قط.
ذكر لملك الروم فالتمسه من الرشيد
فاستعفى هو، فكتب من شعره في مجلسه وعلى باب مدينته:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي إجازة قال حدثنا الرياشي قال: قدم رسول لملك الروم إلى الرشيد، فسأل عن أبي العتاهية وأنشده شيئا من شعره، وكان يحسن العربية، فمضى إلى ملك الروم وذكره له؛ فكتب ملك الروم إليه، ورد سوله يسأل الرشيد أن يوجه بأبي العتاهية ويأخذ فيه رهائن من أراد، وألح في ذلك. فكلم الرشيد أبا العتاهية في ذلك، فاستعفى منه وأباه. واتصل بالرشيد أن ملك الروم أمر أن يكتب بيتان من شعر أبي العتاهية على أبواب مجالسه وباب مدينته، وهما: صوت
ما اختلف الليل والنهـار ولا دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل السلطان عن مـلـك قد انقضى ملكه إلى ملـك مع الرشيد
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا الربيع بن محمد الختلي الوراق قال اخبرني ابن أبي العتاهية: أن الرشيد لما أطلق أباه من الحبس، لزم بيته وقطع الناس؛ فذكره الرشيد فعرف خبره، فقال: قولوا له: صرت زير نساء وحلس بيت؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
برمت بالناس وأخلاقهـم فصرت أستأنس بالوحده
ما أكثر الناس لعمري وما أقلهم في منتهى العـده ثم قال: لا ينبغي أن يمضي شعر إلى أمير المؤمنين ليس فيه مدح له، فقرن هذين البيتين بأربعة أبيات مدحه فيها، وهي: صوت
عاد لي من ذكرها نصب فدموع العين تنسـكـب
وكذاك الحب صاحـبـه يعتريه الهم والوصـب
خير من يرجى ومن يهب ملك دانت له الـعـرب
وحـقـيق أن يدان لـه من أبوه للـنـبـي أب أمره الرشيد أن يعظه فقال شعرا فبكى حدثنا الصولي قال حدثنا عون بن محمد قال حدثنا محمد بن أبي العتاهية قال: قال الرشيد لأبي: عظني؛ فقال له: أخافك. فقال له: أنت آمن. فأنشده:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس إذا تسترت بالأبواب والـحـرس
واعلم بأن سهام الموت قـاصـدة لكل مـدرع مـنـا ومـتـرس
ترجو النجاة ولم تسلك طريقتـهـا إن السفينة لا تجري على اليبـس قال: فبكى الرشيد حتى بل كمه.
تناظر ابن أبي فنن وابن خاقان فيه
وفي أبي نواس، ثم حكما ابن الضحاك ففضله:
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال:
صفحة : 381
قال لي أحمد بن أبي فنن: تناظرت أنا والفتح بن خاقان في منزله: أيما الرجلين أشعر: أبو نواس أم أبو العتاهية. فقال الفتح: أبو نواس، وقلت: أبو العتاهية. ثم قلت: لو وضعت أشعار العرب كلها بإزاء شعر أبي العتاهية لفضلها، وليس بيننا خلاف في أن له في كل قصيدة جيدا ووسطا وضعيفا، فإذا جمع جيده كان أكثر من جيد كل مجود. ثم قلت له: بمن ترضى? قال: بالحسين بن الضحاك. فما انقطع كلامنا حتى دخل الحسين بن الضحاك؛ فقلت: ما تقول في رجلين تشاجرا، فضل أحدهما أبا نواس وفضل الآخر أبا العتاهية? فقال الحسين: أم من فضل أبا نواس على أبي العتاهية زانية؛ فخجل الفتح حتى تبين ذلك فيه، ثم لم يعاودني في شيء من ذكرهما حتى افترقنا.
مع مخارق
وقد حدثني الحسن بن محمد بهذا الخبر على خلاف ما ذكره إبراهيم بن المهدي فيما تقدم، فقال: حدثني هارون بن مخارق قال حدثني أبي قال: جاءني أبو العتاهية فقال: قد عزمت على أن أتزود منك يوما تهبه لي، فمتى تنشط? فقلت: متى شئت. فقال: أخاف أن تقطع بي فقلت: والله لا فعلت وإن طلبني الخليفة. فقال: يكون ذلك في غد. فقلت: أفعل. فلما كان من غد باكرني رسوله فجئته، فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذ وخل وبقل وملح وجدي مشوي فأكلنا منه، ثم دعا بسمك مشوي فأصبنا منه حتى اكتفينا، ثم دعا بحلواء فأصبنا منها وغسلنا أيدينا، وجاؤونا بفاكهة وريحان وألوان من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك منها؛ فاخترت وشربت؛ وصب قدحا ثم قال: غنني في قولي:
أحمد قال لي ولم يدر ما بي أتحب الغداة عتبة حـقـا فغنيته، فشرب قدحا وهو يبكي أحر بكاء. ثم قال: غنني في قولي:
ليس لمن ليست له حيلة موجودة خير من الصبر فغنيته وهو يبكي وينشج، ثم شرب قدحا آخر ثم قال: غنني، فديتك، في قولي:
خليلي ما لي لا تزال مضرتـي تكون من الأقدار حتما من الحتم فغنيته إياه. وما زال يقترح علي كل صوت غني به في شعره فأغنيه ويشرب ويبكي حتى صار العتمة. فقال: أحب أن تصبر حتى ترى ما أصنع فجلست. فأمر ابنه وغلامه فكسرا كل ما بين أيدينا من النبيذ وآلته والملاهي، ثم أمر بإخراج كل ما في بيته من النبيذ وآلته، فأخرج جميعه، فما زال يكسره ويصب النبيذ وهو يبكي حتى لم يبق من ذلك شيء، ثم نزع ثيابه واغتسل، ثم لبس ثيأبا بيضا من صوف، ثم عانقني وبكى، ثم قال: السلام عليك يا حبيببي وفرحي من الناس كلهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛ وجعل يبكي، وقال: هذا آخر عهدي بك في حال تعاشر أهل الدنيا؛ فظننت أنها بعض حماقاته، فانصرفت، وما لقيته زمانا. ثم تشوقته فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت، فإذا هو قد أخذ قوصرتين وثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها وأقامها مقام القميص، وثقب الأخرى وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السراويل. فلما رأيته نسيت كل ما كان عندي من الغم عليه والوحشة لعشرته، وضحكت والله ضحكا ما ضحكت مثله قط. فقال: من أي شيء تضحك? فقلت: أسخن الله عينك هذا أي شيء هو? من بلغك عنه أنه فعل مثل هذا من الأنبياء والزهاد والصحابة والمجانين، انزع عنك هذا يا ???سخين العين ????????????فكأنه أستحيا مني. ثم بلغني أنه جلس حجاما، فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره. ثم مرض، فبلغني أنه اشتهى أن أغنيه، فأتيته عائدا، فخرج إلي رسوله يقول: إن دخلت إلي جددت لي حزنا وتاقت نفسي من سماعك إلى ما قد غلبتها عليه، وأنا أستودعك الله وأعتذر إليك من ترك الالتقاء، ثم كان آخر عهدي به.
??تمنى عند موته أن يجيء مخارق فيغنيه حدثني جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قيل لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي? فقال: أشتهي أن يجيء مخارق فيضع فمه على أذني ثم يغنيني.
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ويحدث بعدي للخـلـيل خـلـيل
إذا ما انقضت عني من الدهر مدتي فإن غنـاء الـبـاكـيات قـلـيل وأخبرني به أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال:
صفحة : 382
قال بشر بن الوليد لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي? فذكر مثل الأول.
وأخبرني به ابن عمار أبو العباس عن ابن أبي سعد عن محمد بن صالح: أن بشرا قال ذلك لأبي العتاهية عند الموت، فأجابه بهذا الجواب.
?آخر شعر قاله في مرضه الذي مات فيه
نسخت من كتاب هارون بن علي: حدثني علي بن مهدي قال حدثني عبد الله بن عطية قال حدثني محمد بن أبي العتاهية قال: آخر شعر قاله أبي في مرضه الذي مات فيه:
إلهي لا تعـذبـنـي فـإنـي مقر بالذي قـد كـان مـنـي
فمـا لـي حـيلة إلا رجـائي لعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطـايا وأنت علي ذو فضـل ومـن
إذا فكرت في ندمي عـلـيهـا عضضت أناملي وقرعت سني
أجن بزهرة الدنـيا جـنـونـا وأقطع طول عمري بالتمنـي
ولو أني صدقت الزهد عنـهـا قلبت لأهلها ظهر الـمـجـن
يظن الناس بـي خـيرا وإنـي لشر الخلق إن لم تعف عنـي أمر بنته أن تندبه بشعر له
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن حمزة الضبعي قال أخبرني أبو محمد المؤدب قال: قال أبو العتاهية لابنته رقية في علته التي مات فيها: قومي يا بنية فاندبي أباك بهذه الأبيات؛ فقامت فندبته بقوله:
لعب البلى بمعالمي ورسومي وقبرت حيا تحت ردم همومي
لزم البلى جسمي فأوهن قوتي إن البلى لموكل بـلـزومـي تاريخ وفاته ومدفنه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثني علي بن محمد قال حدثني مخارق المغني قال: توفي أبو العتاهية، وإبراهيم الموصلي، وأبو عمروا الشيباني عبد السلام في يوم واحد في خلافة المأمون، وذلك في سنة ثلاث عشرة ومائتين.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن أحمد بن يوسف عن أحمد بن الخليل عن إسماعيل بن أبي قتيبة قال: مات أبو العتاهية، وراشد الخناق، وهشيمة الخمارة في يوم واحد سنة تسع ومائتين.
وذكر الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن سعد كاتب الواقدي: أن أبا العتاهية مات في يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة ومائتين، ودفن حيال قنطرة الزياتين في الجانب الغربي ببغداد.
أخبرني الصولي عن محمد بن موسى عن أبي محمد الشيباني عن محمد بن أبي العتاهية: أن أباه توفي سنة عشر ومائتين.
الشعر الذي أمر أن يكتب على قبره أخبرني الصولي قال حدثني محمد بن موسى عن محمد بن القاسم عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن إسحاق بن عبد الله بن شعيب قال: أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره:
أذن حي تـسـمـعـي اسمعي ثم عي وعـي
أنا رهن بمضجـعـي فاحذري مثل مصرعي
عشت تسعـين حـجة أسلمتني لمضجـعـي
كم ترى الحي ثـابـتـا في ديار التـزعـزع
ليس زاد سوى التقـى فخذي منـه أو دعـي رثاه ابنه بشعر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: لما مات أبو العتاهية رثاه ابنه محمد بن أبي العتاهية فقال:
يا أبي ضمك الثـرى وطوى الموت أجمعك
ليتني يوم مـت صـر ت إلى حفرة معـك
رحم الله مصـرعـك برد الله مضجـعـك أنكر ابنه أنه أوصى بذلك أخبرني الحسن قال حدثني أحمد بن زهير قال: قال محمد بن أبي العتاهية: لقيني محمد بن أبي محمد اليزيدي فقال: أنشدني الأبيات التي أوصى أبوك أن تكتب على قبره؛ فأنشأت أقول له:
كذبت على أخ لك في مماته وكم كذب فشا لك في حياته
وأكذب ما تكون على صديق كذبت عليه حيا في مماتـه فخجل وانصرف. قال: والناس يقولون: إنه أوصى أن يكتب على قبره شعر له، وكان ابنه ينكر ذلك.
وذكر هارون بن علي بن مهدي عن عبد الرحمن بن الفضل أنه قرأ الأبيات العينية التي أولها:
أذن حي تسمعي
صفحة : 383
على حجر عند قبر أبي العتاهية.
ولم أذكر هاهنا مع أخبار أبي العتاهية أخباره مع عتبة، وهي من أعظم أخباره؛ لأنها طويلة، وفيها أغان كثيرة، وقد طالت أخباره هاهنا فأفردتها.
أخبار فريدة
أخبار فريدة الكبرى ونشأتها ومصيرها
قال مؤلف هذا الكتاب: هما اثنتان محسنتان لهما صنعة تسميان بفريدة. فأما إحداهما، وهي الكبرى، فكانت مولدة نشأت بالحجاز، ثم وقعت إلى آل الربيع، فعلمت الغناء في دورهم، ثم صارت إلى البرامكة. فلما قتل جعفر بن يحيى ونكبوا هربت، وطلبها الرشيد فلم يجدها، ثم صارت إلى الأمين، فلما قتل خرجت، فتزوجها الهيثم بن مسلم فولدت له ابنه عبد الله، ثم مات عنها، فتزوجها السندي بن الحرشي وماتت عنده. ولها صنعة جيدة، منها في شعر الوليد بن يزيد: بعض الشعر الذي لها في صنعته
صوت
ويح سلمى لو تراني لعناها ما عنـانـي
واقفا في الدار أبكي عاشقا حور الغواني ولحنا فيه خفيف رمل.
ومن صنعتها: صوت
ألا أيها الـركـب ألا هـبـوا نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
ألا رب ركب قد وقفت مطيهم عليك ولولا أنت لم يقف الركب لحنها فيه ثاني ثقيل. وفيه لابن جامع خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى.
سأل صالح بن حسان الهيثم بن عدي عن بيت نصفه بدوي والآخر حضري ثم ذكره:
فحدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني العمري قال حدثني الهيثم بن عدي قال: قال صالح بن حسان يوما: ما نصف بيت كأنه أعرأبي في شملة، والنصف الآخر كأنه مخنث مفكك? قلت: لا أدري. فقال: قد أجلتك حولا. فقلت: لو أجلتني عشرة أحوال ما عرفته. فقال: أوه أف لك قد كنت أحسبك أجود ذهنا مما أرى. فقلت: فما هو الآن? قال: قول جميل.
ألا أيها الركب النيام ألا هبوا هذا كلام أعرأبي، ثم قال:
أسائلكم هل يقتل الرجل الحب كأنه والله من مخنثي العقيق.
أخبار فريدة المحسنة
وأما فريدة الأخرى فهي التي أرى بل لا أشك في أن اللحن المختار لها؛ لأن إسحاق اختار هذه المائة الصوت للواثق، فاختار فيها لمتيم لحنا، ولأبي دلف لحنا، ولسليم بن سلام لحنا، ولرياض جارية أبي حماد لحنا. وكانت فريدة أثيرة عند الواثق وحظية لديه جدا، فاختار لها هذا الصوت، لمكانها من الواثق، ولأنها ليست دون من اختار له من نظرائها.
قدمت هي وشارية في الطيب وإحكام الغناء
أخبرني الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى عن ريق: أنها اجتمعت هي وخشف الواضحية يوما، فتذاكرتا أحسن ما سمعتاه من المغنيات؛ فقالت ريق: شارية أحسنهن غناء ومتيم، وقالت خشف: عريب وفريدة؛ ثم اجتمعتا على تساويهن، وتقديم متيم في الصنعة، وعريب في الغزارة والكثرة، وشارية وفريدة في الطيب وإحكام الغناء.
أهداها ابن بانة للواثق
حدثني جحظة قال حدثني أبو عبد اله الهشامي قال: كانت فريدة جارية الواثق لعمروا بن بانة، وهو أهداها إلى الواثق، وكانت من الموصوفات المحسنات، وربيت عند عمروا بن بانة مع صاحبة لها اسمها خل ، وكانت حسنة الوجه، حسنة الغناء، حادة الفطنة والفهم.
سألت ابن بانة عن صاحبة لها بالإشارة قال الهشامي فحدثني عمروا بن بانة قال: غنيت الواثق:
قلت حلا فاقبلي معـذرتـي ما كذا يجزى محب من أحب فقال لي: تقدم على الستارة فألقه على فريدة، فألقيته عليها؛ فقالت: هو حل أو خل كيف هو? فعلمت أنها سألتني عن صاحبتها في خفاء من الواثق.
تزوجها المتوكل ثم ضربها حتى غنت ولما تزوجها المتوكل أرادها على الغناء، فأبت أن تغني وفاء للواثق، فأقام على رأسها خادما وأمره أن يضرب رأسها أبدا أو تغني؛ فاندفعت وغنت:
فلا تبعد فكل فتى سـيأتـي عليه الموت يطرق أو يغادي نقل ابن بسخنر قصة لها مع الواثق وغيرته من جعفر المتوكل: أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال حدثني محمد بن الحارث بن بسخنر قال:
صفحة : 384
كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار؛ فإن نشط إلى الشرب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت. وكان رسمنا ألا يحضر أحد منا إلا في يوم نوبته. فإني لفي منزلي في غير يوم نوبتي إذا رسل الخليفة قد هجموا علي وقالوا لي: احضر. فقلت: ألخير? قالوا: خير. فقلت: إن هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قط، ولعلكم غلطتم. فقالوا: الله المستعان، لا تطل وبادر؛ فقد أمرنا ألا ندعك تستقر علي الأرض. فداخلني فزع شديد؛ وخفت أن يكون ساع قد سعى بي، أو بلية قد حدثت في رأي الخليفة علي؛ فتقدمت بما أردت وركبت حتى وافيت الدار؛ فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كنت أدخل، فمنعت، وأخذ بيدي الخدم فأدخلوني وعدلوا بي إلى ممرات لا أعرفها، فزاد ذلك في جزعي وغمي. ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن، ملبسة الحيطان بالوشى المنسوج بالذهب، ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك، وإذا الواثق في صدره على سرير مرصع بالجوهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته، عليها مثل ثيابه وفي حجرها عود. فلما رآني قال: جودت والله يا محمد إلينا. فقبلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين خيرا قال: خيرا، أما ترانا طلبت والله ثالثا يؤنسنا فلم أر أحق بذلك منك، فبحياتي بادر فكل شيئا وبادر إلينا. فقلت: قد والله يا سيدي أكلت وشربت أيضا. قال: فاجلس فجلست، وقال: هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضرت ذلك، واندفعت فريدة تغني:
أهابك إجلالا وما بك قـدرة علي ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النفس يا ليل أنها قلتك ولا أن قل منك نصيبها فجاءت والله بالسحر، وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغني الصوت بعد الصوت، وأغني أنا في خلال غنائها، فمر لنا أحسن ما مر لأحد. فإنا لكذلك إذ رفع رجله فضرب بها صدر فريدة ضربة تدحرجت منها من أعلى السرير إلى الأرض وتفتت عودها ومرت تعدو وتصيح، وبقيت أنا كالمنزوع الروح؛ ولم أشك في أن عينه وقعت علي وقد نظرت إليها ونظرت إلي؛ فأطرق ساعة إلى الأرض متحيرا وأطرقت أتوقع ضرب العنق. فإني لكذلك إذ قال لي: يا محمد، فوثبت. فقال: ويحك أرأيت أغرب مما تهيأ علينا فقلت: يا سيدي، الساعة والله تخرج روحي، فعلى من أصابنا بالعين لعنه الله فما كان السبب? ألذنب? قال: لا والله ولكن فكرت أن جعفرا يقعد هذا المقعد ويقعد معها كما هي قاعدة معي، فلم أطق الصبر وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت. فسري عني وقلت: بل يقتل الله جعفرا، ويحيا أمير المؤمنين أبدا، وقبلت الأرض وقلت: يا سيدي الله الله ارحمها ومر بردها. فقال: لبعض الخدم الوقوف: من يجيء بها? فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفي يدها عودها وعليها غير الثياب التي كانت عليها. فلما رآها جذبها وعانقها، فبكت وجعل هو يبكي، واندفعت أنا في البكاء. فقالت: ما ذنبي يا مولاي ويا سيدي? وبأي شيء استوجبت هذا? فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي وهي تيكي. فقالت: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا ضربت عنقي الساعة وأرحتني من الفكر في هذا، وأرحت قلبك من الهم بي، وجعلت تبكي ويبكي، ثم مسحا أعينهما ورجعت إلى مكانها؛ وأومأ إلى خدم وقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين وورق، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه وأخرج منه عقدا ما رأيت قط مثل جوهر كان فيه، فألبسها إياه، وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف درهم فجعلت بين يدي وخمسة تخوت فيها ثياب، وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن مما كنا؛ فلم نزل كذلك إلى الليل، ثم تفرقنا.
قصتها مع المتوكل بعد الواثق وضرب الدرهم ضربه وتقلد المتوكل. فوالله إني لفي منزلي بعد يوم نوبتي إذ هجم علي رسل الخليفة، فما أمهلوني حتى ركبت وصرت إلى الدار، فأدخلت والله الحجرة بعينها، وإذا المتوكل في الموضع الذي كان فيه الواثق على السرير بعينه وإلى جانب فريدة. فلما رآني قال: ويحك أما ترى ما أنا فيه من هذه أنا منذ غدوة أطالبها بأن تغنيني فتأبى ذلك فقلت: يا سبحان الله أتخالفين سيدك وسيدنا وسيد البشر بحياته غني فعرفت والله ثم اندفعت تغني:
صفحة : 385
مقيم بالمجازة من قنـونـي وأهلك بالأجيفر فالـثـمـاد
فلا تبعد فكل فتى سـيأتـي عليه الموت يطرق أو يغادي ثم ضربت بالعود الأرض، ثم رمت بنفسها على السرير ومرت تعدو وهي تصيح واسيداه فقال لي: ويحك ما هذا? فقلت: لا أدري والله يا سيدي. فقال: فما ترى? فقلت: أرى أن أنصرف أنا وتحضر هذه ومعها غيرها؛ فإن الأمر يؤول إلى ما يريد أمير المؤمنين. قال: فانصرف في حفظ الله فانصرفت ولم أدر ما كانت القصة.
مدح محمد بن عبد الملك غناءها
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الملك قال: سمعت فريدة تغني:
أخلاي بي شجو وبليس بكم شـجـو وكل امرئ مما بصاحبـه خـلـو
أذاب الهوى لحمي وجسمي ومفصلي فلم يبق إلا الروح والجسد النضـو فما سمعت قبله ولا بعده غناء أحسن منه.
الشعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي، وله أيضا فيه خفيف ثقيل بالسبابة والبنصر عن ابن المكي. وفيه لعمرو بن بانة رمل بالوسطى من مجموع أغانيه. وفيه لعريب خفيف ثقيل آخر صحيح في غنائها من جمع ابن المعتز وعلي بن يحيى. وتمام هذه الأبيات:
وما من محب نال ممن يحبه هوى صادقا إلا سيدخله زهو وفيها كل غناء مفترق الألحان في أبياته -:
بليت وكان المزح بجدء بليتي فأحببت جهلا والبلايا لها بدو
وعلقت من يزهو علي تجبرا وإني في كل الخصال له كفو
صوت من المائة المختارة
من رواية جحظة عن أصحابه
باتت همومي تسري طوارقها أكف عيني والدمع سابقهـا
لما أتاها من الـيقـين ولـم تكن تراه يلـم طـارقـهـا الشعر لأمية بن أبي الصلت، والغناء للهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى. وفيه لابن محرز لحنان: هزج وثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش. وذكر يونس: أن فيه لابن محرز لحنا واحدا مجنسا.
ذكر امية بن أبي الصلت ونسبه وخبره
نسبه من قبل أبويه
واسم أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن عنزة بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوزان. هكذا يقول من نسبهم إلى قيس، وقد شرح ذلك في خبر طريح. وأم أمية بن أبي الصلت رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف. وكان أبو الصلت شاعرا، وهو الذي يقول في مدح سيف بن ذي يزن:
ليطلب الثأر أمثال ابـن ذي يزن إذ صار في البحر للأعداء أحوالا وقد كتب خبر ذلك في موضعه.
أولاد أمية
وكان له أربع بنين: عمرو وربيعة ووهب والقاسم. وكان القاسم شاعرا، وهو الذي يقول - أنشدنيه الأخفش وغيره عن ثعلب، وذكر الزبير أنها لأمية -: صوت
قوم إذا نزل الغريب بدارهـم ردوه رب صواهل وقـيان
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتلمس العلات بـالـعـيدان يمدح عبد الله بن جدعان بها، وأولها:
قومي ثقيف إن سألت وأسرتي وبهم أدافع ركن من عاداني غناه الغريض، ولحنه ثقيل أول بالبنصر. ولابن محرز فيه خفيف ثقيل أول بالوسطى، عن الهشامي جميعا. وكان ربيعة ابنه شاعرا، وهو الذي يقول:
وإن يك حيا من إياد فـإنـنـا وقيسا سواء ما بقينا وما بقوا
ونحن خيار الناس طرا بطانة لقيس وهم خير لنا إن هم بقوا كان يستعمل في شعره كلمات غريبة
أخبرني إبراهيم بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال: كان أمية بن أبي الصلت قد قرأ كتاب الله عز وجل الأول، فكان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب؛ فمنها قوله:
قمر وساهور يسل ويغمد وكان يسمي الله عز وجل في شعره السلطيط، فقال:
والسلطيط فوق الأرض مقتدر وسماه في موضع آخر التغرور فقال: وأيده التغرور . وقال ابن قتيبة: وعلماؤنا لا يحتجون بشيء من شعره لهذه العلة.
من أشعر ثقيف بل أشعر الناس
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال:
صفحة : 386
قال أبو عبيدة: اتفقت العرب على أن أشعر أهل المدن أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف، وأن أشعر ثقيف أمية بن أبي الصلت.
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال: قال يحيى بن محمد: قال الكميت: أمية أشعر الناس، قال كما قلنا ولم نقل كما قال.
تعبد والتمس الدين وطمع في النبوة
قال الزبير وحدثني عمي مصعب عن مصعب بن عثمان قال: كان أمية بن أبي الصلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية، وحرم الخمر وشك في الأوثان، وكان محققا، والتمس الدين وطمع في النبوة؛ لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب، فكان يرجو أن يكونه. قال: فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هذا الذي كنت تستريث وتقول فيه؛ فحسده عدو الله وقال: إنما كنت أرجو أن أكونه؛ فأنزل الله فيه عز وجل: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها . قال: وهو الذي يقول:
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة زور كان يحرض قريشا بعد بدر
قال الزبير وحدثني يحيى بن محمد قال: كان أمية يحرض قريشا بعد وقعة بدر، وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر؛ فمن ذلك قوله:
ماذا ببـدر والـعـقـن قل من مرازبة جحاجح وقال: وهي قصيدة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رواياتها. ويقال: إن أمية قدم على أهل مكة باسمك اللهم ؛ فجعلوها في أول كتبهم مكان بسم الله الرحمن الرحيم .
?أسف الحجاج على ضياع شعره
قال الزبير وحدثني علي بن محمد المدائني قال: قال الحجاج على المنبر: ذهب قوم يعرفون شعر أمية، وكذلك اندراس الكلام.
كان يتحسس أخبار نبي العرب
فلما أخبر ببعثته تكدر:
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمر بن أبي بكر المؤملي وغيره قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin