ومأثرة عادية لن تـنـالـهـا وبيت رفيع لم تخنه القواعـد
وهل أنت إلا ثعلب في ديارهم تشل فتغسا أو يقـودك قـائد
أرى خالدا يختال مشيا كـأنـه من الكبرياء نفشل أو عطارد
وما كان يربوع شبيهـا لـدارم وما عدلت شمس النهارالفراقد قالوا: ولما خرج ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف حشد معه أهل الكوفة، فلم يبق من وجوههم وقرائهم أحد له نباهة إلا خرج معه لثقل وطأة الحجاج عليهم. فكان عامر الشعبي وأعشى همدان ممن خرج معه، وخرج، أحمد النضبي أبو اسامة الهمذاني المغني مع الأعشى لالفته إياه، وجعل الأعشى يقول الشعر في ابن الأشعث يمدحه، ولا يزال يحرض أهل الكوفة بأشعاره على القتال، وكان مما قاله في ابن الأشعث يمدحه:
يأبى الإله وعزة ابن مـحـمـد وجدود ملك قبـل آل ثـمـود
أن تأنسوا بمذممين، عروقـهـم في الناس إن نسبواعروق عبيد
كم من أب لك كان يعقد تاجـه بجبين أبلج مـقـول صـنـديد
وإذا سألت: المجد أين محـلـه فالمجد بين محمـد وسـعـيد
بين الأشج وبـين قـيس بـاذخ بخ بخ لوالـده ولـلـمـولـود
ماقضرت بك أن تنال مدى العلا أخلاق مكـرمة وإرث جـدود
قرم إذا سامى القروم ترى لـه أعراق مجد طـارف وتـلـيد
وإذا دعا لعظيمة حشـدت لـه همدان تحت لوائه المعـقـود
يمشون في حلق الحديد كأنهـم أشد الإباء سمعـن زأرأسـود
وإذا دعوت بال كندة أجفـلـوا بكهول صدق سـيد ومـسـود
وشباب مأسدة كأن سـيوفـهـم في كل ملحمة بروق رعـود
ما إن ترى قيسا يقارب قيسكـم في المكرمات ولاترى كسعـيد وقال حماد الراوية في خبره: كانت لأعشى همدان مع ابن الأشعث مواقف محمودة وبلاء حسن وآثار مشهورة، وكان الأعشى من أخواله، لأن أم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أم عمرو بنت سعيد بن قيس الهمداني. قال: فلما صار ابن الأشعث إلىسجستان جبى مالا كثيرا، فسأله أعشى همدان أن يعطيه منه زيادة على عطائه فمنعه، فقال الأعشى في ذلك:
هل تعرف الدار عفا رسمهـا بالحضر فالروضة من آمـد
دار لـخـود طـفـلة رودة بانت فأمسىحبها عـامـدي
بيضاء مثل الشمس رقـراقة تنسم عن فـي اشـر بـارد
لم يخط قلبي سهمها إذ رمت يا عجبا من سهمها القاصـد
يأيها القزم الهـجـان الـذي ينطش بطش الأسد الـلابـد
والفاعل الفعل الشريف الـذي ينمى إلى الغائب والشـاهـد
كم قد اسدي لك من مـدحـه تروى مع الصادر والـوارد
وكم أجبنا لـك مـن دعـوة فاعرف فما العارف كالجاحد
نحن حميناك وما تحـتـمـي في الروع من مثنى ولا واحد
يوم انتصرنا لك مـن عـابـد ويوم أنجينـاك مـن خـالـد
ووقعة الري التي نـلـتـهـا بجحفل من جمعنـا عـاقـد
وكم لقينـا لـك مـن واتـر يصرف نابي حنـق حـارد
ثم وطـئنـاه بـأقـدامـنـا وكان مثل الحية الـراصـد
إلى بلاء حسن قـد مـضـى وأنت في ذلك كـالـزاهـد
فاذكـر أيادينـا وآلاءنـــا بعوده من حلمـك الـراشـد
ويوم الأهواز فـلا تـنـسـه ليس النثا والقول بـالـبـائد
إنا لنرجوك كما نـزتـجـي صوب الغمام المبرق الراعد
فانفخ بكفيك ومـا ضـمـتـا وافعل فعال الشيد المـاجـد
ما لك لا تعطي وأنت امـرؤ مثر من الطارف والتـالـد
تجبي سجستان وما حولـهـا متكئا في عيشـك الـراغـد
لاترهـب الـدهـر وأيامـه وتجرد الأرض مع الجـارد
إن يك مكروه تهجـنـا لـه وأنت في المعروف كالراقد
صفحة : 631
ثم ترى أنا سـنـرضـى بـذا كلا ورب الراكع الـسـاجـد
وحـرمة الـبـيت وأسـتـاره ومن به من نـاسـك عـابـد
تلك لـكـم أمـنـية بـاطـل وغفوة مـن حـلـم الـراقـد
ما أنا إن هاجك من بـعـدهـا هيج بـآتـيك ولا كـابـــد
ولا إذا ناطـوك فـي حـلـقة بحامـل عـنـك ولا فـاقـد
فأعط ما أعـطـيتـه طـيبـا لا خير في المنكود والنـاكـد
نحن ولدنـاك فـلا تـجـفـن والله قـد وصـاك بـالـوالـد
إن تك من كندة فـي بـيتـهـا فإن أخوالـك هـن حـاشـد
شم العرانـين وأهـل الـنـدى ومنتهى الضـينـان والـرائد
كم فيهم من فـارس مـعـلـم وسائس لـلـجـيش أو قـائد
وراكب للـهـول يجـتـابـه مثل شهاب القبـس الـواقـد
أو ملأ يشفـى بـأحـلامـهـم من سفه الجاهـل والـمـارد
لم يجعل اللـه بـأحـسـابـنـا نقصا وما الناقـص كـالـزائد
ورب خال لك، فـي قـومـه فرع طويل الباع والـسـاعـد
يحتضرالبـأس ومـايبـتـغـى سوى إسار البطل الـنـاجـد
والطعن بالراية مستـمـكـنـا في الصف في العادية الناهـد
فارتح لأخـوالـك واذكـرهـم وارحمهم للسـلـف الـعـائد
فإن أخـوالـك لـم يبـرحـوا يربون بالرفد علـى الـرافـد
لم يبخلوا يوما ولـم يجـبـنـوا في السلف الغافي ي ولا القاعد
ورب خال لـك فـي قـومـه حمال أثـقـال لـهـا واجـد
معترف للـرزء فـي مـالـه والحق للـسـائل والـعـامـد وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي، وأخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي، وذكره العنزي عن أصحابه، قالوا جميعا: خرج أعشى همدان إلى الشأم في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظا فجاء إلى النعمان بن بشير وهوعامل على حمص، فشكا إليه حاله، فكلم له النعمان بن بشير اليمانية وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له، فقالوا: نعم، يعطيه كل رجل منا دينارين من عطائه، فقال: لا، بل أعطوه دينارا دينارا واجعلوا ذلك معجلا، فقالوا: أعطه إياه من بيت المال واحتسبها على كل رجل من عطائه، ففعل النعمان وكانوا عشرين ألفا فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:
ولم أر للحاجات عند التماسهـا كنعمان نعمان الندى ابن بشير
إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن كمدل إلى الأقوام حبل غرور
متى أكفرالنعمان لم ألف شاكرا وماخيرمن لايقتدي بشـكـور
فلولا أخو الأنصار كنت كنازل ثوى ماثوى لم ينقلب بنـقـير وقال الهيثم بن عدي في خبره: حاصر المهلب بن أبي صفرة نصيبين، وفيها أبو قارب يزيد بن أبي صخرومعه الخشبية فقال المهلب: يأيها الناس، لا يهولنكم هؤلاء القوم فإنما هم العبيد بأيديها العصي. فحمل عليهم المهلب وأصحابه فلقوهم بالعصي فهزموهم حتى أزالوهم عن موقفهم. فدس المهلب رجلا من عبد القيس إلى يزيد بن أبي صخر ليغتاله، وجعل له على ذلك جعلا سنيا قال الهيثم: بلغني أنه أعطاه مائتي ألف درهم قبل أن يمضي ووعده بمثلها إذا عاد فاندس له العبدي فاغتاله فقتله وقتل بعده. ققال أعشى همدان في ذلك:
يسمون أصحاب العصي وما أرى مع القوم إلا المشرفية من عصا
ألا أيها الليث الذي جـاء حـاذرا وألقى بنا جرمى الخيام وعرصا
أتحسب غزو الشأم يوما وحربـه كبيض ينظمن الجمان المفصصا
وسيرك بالأهواز إذ أنـت امـن وشربك ألبان الخلايا المقرصـا
فأقسمت لاتجبي لك الدهردرهما نصيبون حتى تبتلى وتمحـصـا
ولا أنت من أثوابها الخضرلابس ولكن خشبانا شدادا ومشقـصـا
فكم رد من ذي حاجة لاينالـهـا جديع العتيك رده الله أبـرصـا
صفحة : 632
وشيد بنيانا وظاهـر كـسـوة وطال جديع بعد ما كان أوقصا تصغير جدع جديع بالدال غير معجمة. والأبيات التي كان فيها الغناء المذكور معه خبر الأعشى في هذا الكتاب يقولها في زوجة له من هفدان يقال لها جزلة، هكذا رواه الكوفيون، وهو الصحيح. وذكر الأصمعي أنها خولة، هكذا رواه في شعر الأعشى.
فذكر العنزي في أخبار الأعشى المتقدم إسنادها: أنها كانت عند الأعشى امرأة من قومه يقال لها أم الجلال، فطالت مدتها معه وأبغضها، ثم خطب امرأة من قومه يقال لها جزلة وقال الأصمعي: خولة فقالت له: لا، حتى تطلق أم الجلال فطلقها وقال في ذلك:
تقــــادم ودك أم الـــــــجـــــــلال فطـاشـت نـبـالـك عـنـد الـنـــضـــال
وطال لزومك لي حقبة فرثت قوى الحبل بعد الوصال
وكان الفؤاد بهامعجبا فقـدأصـبـح الـيوم عـــن ذاك ســـالـــي
صحـا لا مـــســـيئا ولا ظـــالـــمـــا ولـكـن سـلاســـوة فـــي جـــمـــال
ورضـت خـلائفـــنـــا كـــلـــهـــا ورضـنـا خـلائقـــكـــم كـــل حـــال
فأكـييتـنـا فـــي الـــذي بـــينـــنـــا تسـومـينـنـي كــل أمـــرعـــضـــال
وقـدتـأمـرين بـقــطـــع الـــصـــديق وكـان الـصـديق لـنـا غـــير قـــالـــي
وإتـيان مـا قـد تـــجـــنـــبـــتـــه ولـيدا ولـمـت عـــلـــيه رجـــالـــي
أفـالــيوم أركـــبـــه بـــعـــد مـــا علا الـشـيب مـنـي صـمــيم الـــقـــذال
لعـمـرأبـيك لـقــد خـــلـــتـــنـــي ضعـيف الـقـوى أوشـديد الـــمـــحـــال
هلـمـي اسـألـي نـائلا فـــانـــظـــري أأحـرمـك الـخـيرعـنـــد الـــســـؤال
ألـم تـعـلـمـي أنـــنـــي مـــغـــرق نمـانـي إلـى الـمـجـد عـمـي وخـالـــي
وأنـــي إذا ســـاءنـــي مـــنـــــزل عزمـت فـأوشـكـت مـنـه ارتـحــالـــي
فبـعـض الـعـتـاب، فـلاتـهــلـــكـــي فلا لـــك فـــي ذاك خـــير ولالـــــي
فلـمـا بـدا لـي مـنـــهـــا الـــبـــذا ء صـبـحـتـهـا بـثـــلاث عـــجـــال
ثلاثـا خـرجـن جــمـــيعـــا بـــهـــا فخـلـــينـــهـــا ذات بـــيت ومـــال
إلـى أهـلـهـا غـــير مـــخـــلـــوعة ومـامـسـهـاعـنـدنـامـــن نـــكـــال
فأمـسـت تـحـن حـنــين الـــلـــقـــا ح مـن جـزع إثــر مـــن لايبـــالـــي
فحـنـي حـنـينـك واســـتـــيقـــنـــي بأنـا اطـرحـنــاك ذات الـــشـــمـــال
وأن لا رجـــوع فـــلا تـــكـــذبـــي ن مـا حـنـت الـنـيب إثـر الـفـــصـــال
ولا تـحـسـبــينـــي بـــأنـــي نـــدم ت كـلا وخـالـقــنـــا ذي الـــجـــلال فقالت له أم الجلال: بئس والله بعل الحرة وقرين الزوجة المسلمة أنت ويحك أعددت طول الصحبة والحرمة ذنبا تسبني وتهجوني به ثم دعت عليه أن يبغضه الله إلى زوجته التي اختارها، وفارقته. فلما انتقلت إلى أ أهلها وصارت جزلة إليه، ودخل بها لم يحظ عندها، ففركته وتنكرت له واشتد شغفه بها ثم خرج مع ابن الأشعث فقال فيها:
حييا جزلة مـنـي بـالـسـلام درة البحر ومصباح الـظـلام
لا تصـدي بـعـد ود ثـابـت واسمعي يا أم عيسى من كلامي
إن تدومي لي فـوصـلـي دائم أو تهمي لي بهجر أو صـرام
أو تكوني مثـل بـرق خـلـب خادع يلمع في عرض الغمـام
أو كتخييل سـراب مـغـرض بفلاة أو طروق في الـمـنـام
فاعلمي إن كنت لما تعـلـمـي ومتى ما تفعلي ذاك تـلامـي
بعد ما كـان الـذي كـان فـلا تتبعي الإحسان إلا بالـتـمـام
لا تناسيئ كل ما أعطـيتـنـي من عهود ومواثـيق عـظـام
واذكري الوعد الذي واعدتـنـي ليلة النصف من الشهر الحـرام
فلئن بدلـت أو خـسـت بـنـا وتجرأت عـلـى أم صـمـام أم صمام: الغدر والحنث:
لا تبالين إذا من بـعـدهـا أبدا ترك صـلاة أو صـيام
راجعي الوصل وردي نظرة لا تلجي في طمـاح وأثـام
وإذا أنكرت مـنـي شـيمة ولقد ينكر مـا لـيس بـذام
فاذكريها لي أزل عنهـا ولا تسفحي عينيك بالدمع السجام
وأرى حبلك رثـا خـلـقـا وحبالي جددا غـير رمـام
صفحة : 633
عجبت جـزلة مـنـي أن رأت لمتي حفت بشيب كـالـثـغـام
ورأت جسمـي عـلاه كـبـرة وصروف الدهر قد أبلت عظامي
وصليت الحرب حتـى تـركـت جسدي نضوا كأشلاء الـلـجـام
وهي بيضاءعلى مـنـكـبـهـا قطط جـعـد ومـيال سـخـام
وإذا تضحـك تـبـدي حـبـبـا كرضاب المسك في الراح المدام
كملت مـا بـين قـرن فـإلـى موضع الخلخال منها والـخـدام
فأراها اليوم لـي قـد أحـدثـت خلقا لـيس عـلـى الـعـهـد أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعيد الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي: أنه أتى البصرة أيام ابن الزبير، فجلس في المسجد إلى قوم من تميم فيهم الأحنف بن قيس فتذاكروا أهل الكوفة وأهل البصرة وفاخروا بينهم، إلى أن قال قائل من أهل البصرة: وهل أهل الكوفة إلا خولنا? استنقذناهم من عبيدهم -يعني الخوارج-. قال الشعبي: فهجس في صدري أن تمثلت قول أعشى همدان:
أفخرتم أن قتلتم أعـبـدا وهزمتم مرة آل عـزل
نحن سقناهم إليكم عنـوة وجمعنا أمركم بعد فشـل
فإذا فاخرتمونا فاذكـروا مافعلنا بكم يوم الجـمـل
بين شيخ خاضب عثنونـه وفتى أبيض وضاح رفل
جاءنا يرفل في سـابـغة فذبحناه ضحى ذبح الحمل
وعفونا فنسيتم عـفـونـا وكفرتم نحمة الله الأجـل قال: فضحك الأحنف، ثم قال: يأهل البصرة، قد فخر عليكم الشعبي وصدق وانتصف، فأحسنوا مجالسته.
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثنا الرياشي عن أبي محلم عن الخليل بن عبد الحميد عن أبيه قال: بعث بشر بن مروان الزبير بن خزيمة الخثعمي إلى الري فلقيه الخوارج بجلولاء، فقتلوا جيشه وهزموه وأبادوا عسكره، وكان معه أعشى همدان، فقال في ذلك:
أمرت خثعم على غـير خـير ثم أوصاهم الأمـير بـسـير
أين ماكنتم تعـيفـون لـلـنـا س وما تزجرون من كل طير
ضلت الطيرعنكم بـجـلـولا ءوغرتكم أمانـي الـزبـير
قدرما أتيح لي من فلسـطـي ن على فالج ثـقـال وعـير
خثعمي مغصص جزجـمـان ي محل غزامع ابن نـمـير أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال: سألت الأصمعي عن أعشى همدان فقال: هو من الفحول وهو إسلامي كثير الشعر ثم قال لي: العجب من ابن دأب حين يزعم أن أعشى همدان قال:
من دعا لي غزيلي أربح الله تجارته نم قال: سبحان الله أمثل هذا يجوز على الأعشى? أن يجزم اسم الله عز وجل ويرفع تجارته وهو نصب.
ثم قال لي خلف الأحمر: والله لقد طمع ابن دأب في الخلافة حين ظن أن هذا يقبل منه وأن له من المحل مثل أن يجوز مثل هذا. قال ثم قال: ومع ذلك أيضا إن قوله: من دعا لي غزيلي لا يجوز، إنما هو: من دعا لغزيلي، ومن دعا لبعير ضال.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: أملق أعشى همدان فأتى خالد بن عتاب بن وزقاء فأنشده:
رأيت ثناء الناس بالقول طـيبـا عليك وقالوا ماجد وابن ماجـد
بني الحارث السامين للمجد، إنكم بنيتم بنـاء ذكـره غـيربـائد
هنيئا لما أعطاكم الله واعلمـوا بأني ساطري خالدا في القصائد فأن يك عتاب مضى لسبيله فما مات من يبقى له مثل خالد فأمر له بخمسة آلاف درهم.
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان قال: قال عمر بن عبد العزيز يوما لسابق البربري ودخل عليه: أنشدني يا سابق شيئا من شعرك تذكرني به فقال: أو خيرا من شعري? فقال: هات قال قال أعشى همدان:
وبينما المرء أمسى ناعما جـذلا في أهله معجبا بالعيش ذا أنـق
غرا، أتيح له من حينه عـرض فما تلبث حتى مات كالصـعـق
ثمت أضحى ضحى من غب ثالثة مقنعا غير ذي روح ولا رمـق
صفحة : 634
يبكى عليه وأدنوه لمظـلـمة تغلى جوانبها بالترب والفلق
فماتزود مما كان يجمـعـه إلاحنوطا وماواراه من خرق
وغيرنفحة أعواد تشـب لـه وقل ذلك من زاد لمنطلـق قال: فبكى عمر حتى أخضل لحيته.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الحسين بن محمد بن أبي طالب الديناري قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال: سأل أعشى همدان شجرة بن سليمان العبسي حاجة فرده عنها، فقال يهجوه:
لقد كنت خياطا فأصبحت فارسـا تعد إذا عد الفوارس من مضـر
فإن كنت قد أنكرت هذا فقل كذا وبين لي الجرح الذي كان قد دثر
وإصبعك الوسطى عليه شـهـيدة وما ذاك إلا وخزها الثوب بالإبر قال وكان يقال: إن شجرة كان خياطا، وقد كان ولي للحجاج بعض أعمال السواد. فلما قدم على الحجاج فال له: يا شجرة، ارني إصبعك أنظز إليها قال: أصلح الله الأمير، وما تصنع بها? قال: أنظر إلى صفة الأعشى ة فخجل شجرة. فقال الحجاج لحاجبه: مر المعطي أن يعطى الأعشى من عطاء شجرة كذا وكذا. يا شجرة، إذا أتاك امرؤ ذو حسب ولسان فاشتر عرضك منه.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد الأزدي قال حدثنا أحمد بن عمرو الحنفي عن جماعة قال المبرد: أحسب أن أحدهم مؤرج بن عمرو السدوسي قالوا: لما اتي الحجاج بن يوسف الثقفي بأعشى همدان أسيرا، قال: الحمد لله الذي أمكن منك، ألست القائل:
لما سفؤنا للكفور الـفـتـان بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالقطا من قحطان ومن معد قد أتى ابن عدنـان
أمكن ربي من ثقيف هفـدان يوما إلى الليل يسلي ما كان
إن ثقيفا منهـم الـكـذابـان كذابها الماضي وكذاب ثـان أو لست القائل:
يابن الأشـج قـريع كـن دة لا أبالي فيك عـتـبـا
أنت الرئيس ابـن الـرئي س وأنت أعلى الناس كعبا
نبـئت حـجـاج بـن يو سف خرمن زلق فتـبـا
فانهض فـديت لـعـلـه يجلوبك الرحمن كـربـا
وابعث عطية في الـخـيو ل يكبهن عـلـيه كـبـا كلا يا عدو الله، بل عبد الرحمن بن الأشعث هو الذي خر من زلق فتب، وحار وانكب، وما لقي ما أحب ورفع بها صوته واربد وجهه واهتز منكباه، فلم يبق أحد في المجلس إلا أهمته نفسه وأرتعدت فرائصه. فقال له الأعشى بل أنا القائل أيها الأمير:
أبى الـلـه إلا أن يتـمـم نـوره ويطفىء نار الفاسقين فتـخـمـدا
وينزل ذلا بـالـعـراق وأهـلـه كما نقضوا العهد الوثيق المؤكـدا
ومالبث الحجاج أن سـل سـيفـه علينا فولى جمـعـنـا وتـبـددا
وما زاحف الـحـجـاج إلارأيتـه حساما ملقى للحـروب مـعـودا
فكيف رأيت الله فرق جمـعـهـم ومزقهم عرض البـلاد وشـردا
بمانكثوامـن بـيعة بـعـد بـيعة إذاضمنوها اليوم خاسوا بهـاغـدا
وما أحدثوامن بـدعة وعـظـيمة من القول لم تصعد إلى الله مصعدا
ولما دلفنـا لابـن يوسـف ضـلة وأبرق منا العارضـان وأرعـدا
قطعنا إليه الخـنـدقـين وإنـمـا قطعناوأفضينا إلى الموت مرصدا
فصادمنا الحجاج دون صفـوفـنـا كفاحا ولم يضرب لذلك مـوعـدا
بجند أمير المـؤمـنـين وخـيلـه وسلطانه أمسى مـعـانـا مـؤيدا
ليهنىءأمير المؤمنـين ظـهـوره على أمة كانوابـغـاة وحـسـدا
وجدنا بـنـي مـروان خـيرأئمة وأعظم هذا الخلق حلما وسـؤددا
وخيرقـريش فـي قـريش أرومة وأكرمهم إلا النـبـي مـحـمـدا
إذا ما تدبرنـا عـواقـب أمـرنـا وجدنا أمير المؤمنين الـمـسـددا
سيغلب قومأ غالبوا اللـه جـهـرة وإن كايدوه كـان أقـوى وأكـيدا
صفحة : 635
كذاك يضل الله من كان قـلـبـه ضعيفا ومن والى النفاق وألحـدا
فقد تركوا الأموال والأهل خلفهـم وبيضا عليهن الجـلابـيب خـردا
ينادينهم مسـتـعـبـرات إلـيهـم ويذرين دمعا في الخدود وإثـمـدا
وإلاتناولـهـن مـنـك بـرحـمة يكن سبايا والـبـعـولة أعـبـدا
تعطف أمير المؤمنـين عـلـيهـم فقد تركوا أمرالسفـاهة والـردى
لعلهم أن يحـدثـوا الـعـام تـوبة وتعرف نصحا مـنـهـم وتـوددا
لقد شمت يابن الأشعث العام مصرنا فظلوا وما لاقوا من الطيرأسعـدا
كما شاء الله الـنـجـير وأهـلـه بجدك من قد كان أشقى وأنـكـدا فقال من حضر من أهل الشام: قد أحسن أيها الأمير، فخل سبيله فقال: أتظنون أنه أراد المدح لا والله لكنه قال هذا أسفا لغلبتكم إياه وأراد به أن يحرض أصحابه. ثم أقبل عليه فقال له: أظننت يا عدو الله أنك تخدعني بهذا الشعر وتنفلت من يدي حتى تنجو ألست القائل ويحك.
وإذاسألت: المجد أين محله فالمجد بين محمد وسعيد
بين الأغروبين قيس باذخ بخ بخ لوالده وللمـولـود والله لا تبخبخ بعدها أبدا. أو لست القائل:
وأصابني قوم وكنت أصيبهـم فاليوم أصبر للزمان وأعرف كذبت والله، ما كنت صبورا ولا عروفا. ثم قلت بعده:
وإذاتصبك من الحوادث نكبة فاصبرفكل غيابة ستكشف أما والله لتكونن نكبة لا تنكشف غيابتها عنك أبدا يا حرسي، اضرب عنقه فضرب عنقه.
وذكر مؤرج السدوسي أن الأعشى كان شديد التحريض على الحجاج في تلك الحروب، فجال أهل العراق جولة ثم عادوا، فنزل عن سرجه ونزعه عن فرسه، ونزع درعه فوضعها فوق السرج، ثم جلس عليها فأحدث والناس يرونه، ثم أقبل عليهم فقال لهم: لعلكم أنكرتم ما صنعت قالوا: أو ليس هذا موضع نكير. قال: لا، كلكم قد سلح في سرجه ودرعه خوفا وفرقا، ولكنكم سترتموه وأظهرته ة فحمي القوم وقاتلوا أشد قتال يومهم إلى الليل، وشاعت فيهم الجراح والقتلى، وانهزم أهل الشأم يومئذ، ثم عاودوهم من غد وقد نكأتهم الحرب ة وجاء مدد من أهل الشأم، فباكروهم القتال وهم مستريحون فكانت الهزيمة وقتل ابن الأشعث. وقد حكيت هذه الحكاية عن أبي كلدة اليشكري أنه فعلها في هذه الوقعة، وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني في أخبار أبي كلدة ، وقد ذكر ما حكاه مع أخباره في موضعه من، هذا الكتاب.
النصبي هو صاحب الأنصاب. وأول من غنى بها وعنه أخذ النصب في الغناء هو أحمد بن اسامة الهمداني، من رهط الأعشى الأدنين. ولم أجد نسبه متصلا فأذكره. وكان يغني بالطنبور في الإسلام. وكان، فيما يقال، ينادم عبيد الله بن زياد سرا ويغنيه. وله صنعة كثيرة حسنة لم يلحقها أحد من الطنبوريين ولا كثير ممن يغني بالعود.
وذكره جحظة في كتاب الطتبوريين فأتى من ذكره بشيء ليس من جنس أخباره ولا زمانه، وثلبه فيما ذكره.
وكان مذهبه عفا الله عنا وعنه في هذا الكتاب أن يثلب جميع من ذكره من أهل صناعته بأقبح ما قدرعليه، وكان يجب عليه ضد هذا، لأن من أنتسب إلى صناعة، ثم ذكر متقدمي أهلها، كان الأجمل به أن يذكر محاسن أخبارهم وظريف قصصهم ومليح ما عرفه منهم لا أن يثلبهم بما لا يعلم وما يعلم. فكان فيما قرأت عليه من هذا الكتاب أخبار أحمد النصبي، وبه صدر كتابه فقال: أحمد النصبي أول من غنى الأنصاب على الطنبور وأظهرها وسيرها ولم يخدم خليفة ولا كان له شعر ولا أدب.
وحذثني جماعة من الكوفيين أنه لم يكن بالكوفة أبخل منه مع يساره، وأنه كان يفرض الناس بالربا، وأنه اغتص في دعوة دعي إليها بفالوذجة حارة فبلعها فجمعت أحشاءه فمات. وهذا كله باطل. أما الغناء فله منه صنعة في الثقيل الأول وخفيف الثقيل والثقيل الثاني، ليس لكثير أحد مثلها. منها الصوت الفي تقذم ذكرهوهو قوله: حييا خولة مني بالسلام ومنها:
سلبت الجواري حفيهن فلـم تـدع لسورا ولا طوقا على النحر مذهبا وهو من الثقيل الثاني، والشعر للعديل بن الفرخ ، وقد ذكرت ذلك في أخباره.
ومنها:
يأيها القلب المطيع الهـوى أنى اعتراك الطرب النازخ
صفحة : 636
وهو أيضا من الثقيل الثاني، وأصوات كثيرة نالمحرة تدل على تقدمه.
وأما ما وصفه من بخله وقرضه للناس بالربا وموته من فالوذجة حارة أكلها، فلا أدري من من الكوفيين حدثه بهذا الحديث، ليس يخلو من أن يكون كاذبا، أو نحل هو هذه الحكاية ووضعها هنا، لأن أحمد النصبي خرج مع أعشى همدان وكان قرابته وإلفه في عسكر ابن الأشعث، فقتل فيمن قتل. روى ذلك الثقات من أهل الكوفة والعلم بأخبار الناس، وذلك يذكر في جملة أخباره.
أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، وذكره العنزي في أخبار أعشى همدان المذكورة عنه عن رجاله المسفين قال: كان أحمد النصبي مواخيا لأعشى همدان مواصلا له، فأكثر غنائه في أشعاره مثل صنعته في شعره:
حييا خولة مني بالسلام
ولمن الظعائن سيرهن ترجف
ويأيها القلب المطيع الهوى وهذه الأصوات قلائد صنعته وغرر أغانيه. قال: وكان سبب قوله الشعر في سليم بن صالح بن سعد بن جابر العنبري وكان منزل سليم ساباط المدائن- أن أعشى همدان وأحمد النضبي خرجا في بعض مغازيهما، فنزلا على سليم فأحسن قراهما وأمر لدوابهما بعلوفة وقضيم، وأقسم عليهما أن ينتقلا إلى منزله ففعلا، فعرض عليهما الشراب فأنعما به وطلباه فوضعه بين أيديهما وجلسا يشربان ة فقال أحمد النصبي للأعشى: قل في هذا الرجل الكريم شعرا تمدحه به حتى أغني فيه فقال الأعشى يمدحه:
يأيها القلب المطيع الهـوى أنى اعتراك الطرب النازح
تذكر جملا فـإذا مـا نـأت طار شعاعا قلبك الطامـح
هلا تناهيت وكنـت امـرأ يزجرك المرشد والناصـح
ما لك لا تترك جهل الصبـا وقد علاك الشمط الواضـح
فصار من ينهاك عن حبهـا لم تـر إلا أنـه كـاشـح
يا جمل ما حبي لـكـم زائل عني ولا عن كبدي نـازح
حملت ودا لكم خـالـصـا جدا إذا ما هزل الـمـازح
ثم لقد طـال طـلابـيكـم أسعى وخير العمل الناجـح
إني توسمت امرأ مـاجـدا يصدق في مدحته المـادح
ذؤابة العنبر فـاخـتـرتـه والمرء قهد ينعشه الصالـح
أبلج بهلـولا وظـنـي بـه أن ثنـائي عـنـده رابـح
سليم ما أنت بـنـكـس ولا ذمـك لـي غـاد ولا رائح
أعطيت ودي وثنائي مـعـا وخلة مـيزانـهـا راجـح
أرعاك بالغيب وأهوى لك ال مرشد وجيبي فاعلمن ناصح
إني لمن سالمت سلم ومـن عاديت أمسي وله نـاطـح
في الرأس منه وعلى أنفـه من نقماتـي مـيسـم لائح
نعم فتى الـحـي إذا لـيلة لم يور فيها زنده الـقـادح
وراح بالشول إلى أهلـهـا مغبرة أذقانـهـا كـالـح
وهـبـت الـريح شـامـية فانجحر القابس والـنـابـح
قد علم الحي إذا أمـحـلـوا أنك رفـاد لـهـم مـانـح
في الليلة القالي قراها التـي لا عابق فيها ولا صـابـح
فالضيف معروف له حقـه له على أبوابـكـم فـاتـح
والخيل قد تعلم يوم الوغـى أنك من جمرتهـانـاضـح قال: فغنى أحمد النصبي في بعض هذه الأبيات، وجارية لسليم في السطح، فسمعت الغناء، فنزلت إلى مولاها وقالت: إني سمعت من أضيافك شعرا ما سمعت أحسن منه فخرج معها مولاها فاستمع حتى فهم ثم نزل فدخل عليهما، فقال لأحمد: لمن هذا الشعر والغناء? ومن أنتما. فقال: الشعر لهذا، وهو أبو المصبح أعشى همدان، والغناء لي، وأنا أحمد النصبي الهمداني فانكب على رأس أعشى همدان فقبله وقال: كتمتماني أنفسكما، وكدتما أن تفارقاني ولم أعرفكما، ولم أعلم خبركما، واحتبسهما شهرا ثم حملهما على فرسين، وقال: خلفا عندي
صفحة : 637
ما كان من دوابكما، وإرجعا من مغزاكما إلي. فمضيا إلى مغزاهما، فأقاما حينا ثم انصرفا، فلما شارفا منزله قال أحمد للأعشى: إني أرى عجبا قال: وما هو. فال: أرى فوق قصر سليم ثعلبا، قال: لئن كنت صادقا فما بقي في القرية أحد. فدخلا القرية، فوجدا سليما وجميع أهل القرية قد أصابهم الطاعون، فمات أكثرهم وانتقل باقيهم. هكذا ذكر إسحاق، وذكر غيره: أن الحجاج طالب سليما بمال عظيم، فلم يخرج منه حتى باع كل ما يملكه، وخربت قريته وتفرق أهلها ثم باعه الحجاج عبدا، فاشتراه بعض أشراف أهل الكوفة، إما أسماء بن خارجة وإما بعض نظرائه، فأعتقه.
يأيها القلب المطيع الهـوى أنى اعتراك الطرب النازح
تذكرجملا فـإذا مـا نـأت طارشعاعا قلبك الطامـح
أعطيت ودي وثنائي مـعـا وخلة ميزانـهـا راجـح
إني تخيرت امـرأمـاجـدا يصدق في مدحته المـادح
سليم ما أنت بـنـكـس ولا ذمـك لـي غـاد ولارائح
نعم فتى الـحـي إذا لـيلة لم يورفيها زنده الـقـادح
وراح بالشول إلى أهلـهـا مغبرة أذقانـهـا كـالـح
وهـئت الـريح شـآمـية فانجحرالقابسى والنـابـح الشعر لأعشى همدان. والغناء لأحمد النصبي، ولحنه ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولسنان الكاتب لحنأ اخر.
تنكر من سعدى وأقفر من هند مقامهما بين الرغامين فالفرد
محل لسعدى طالما سكنت بـه فأوحش ممن كان يسكنه بعدي الشعر لحفاد الراوية. والغناء لعبادل، ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف ثقيل أول بالوسطى، ذكر الهشافي أنه للهذلي، وذكر عمرو بن بانة أنه لعبادل بن عطية.
هو حماد بن ميسرة، فيما ذكره الهيثم بن عدي، وكان صاحبه وراويته وأعلم الناس به، وزعم أنه مولى بني شيبان. وذكر المدائني والقحذمي أنه حماد بن سابور، وكان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها. وكانت ملوك بني أمية تقدمه وتؤثره وتستزيوه، فيفد عليهم وينادمهم ويسألونه عن أيام العرب وعلومها ويجزلون صلته.
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي وعمي إسماعيل العتكي قالوا حدثنا الرياشي قال: قال الأصمعي: كان حماد أعلم الناس إذا نصح. قال وقلت لحماد: ممن أنتم. قال: كان أبي من سبى سلمان بن ربيعة، فطرحتنا سلمان لبني شيبان، فولاؤنا لهم. قال: وكان أبوه يسمى ميسرة، ويكنى أبا ليلى. قال العتكي في خبره: قال الرياشي: وكذلك ذكر الهيثم بن عدي في أمر حماد.
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي والهيثم بن عدي ولقيط قالوا: قال الوليد بن يزيد لحماد الراوية: بم استحققت هذا اللقب فقيل لك الراوية. فقال: بأني أروي لكل شاعر، تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي لاكثر منهم ممن تعرف أنك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعرا قديما ولا محدثا إلا ميزت القديم منه من المحدث فقال: إن هذا لعلم وأبيك كثير فكم مقدار ما تحفظ من الشعر? قال: كثيرا، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام قال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد. فأنشد الوليد حتى ضجر، ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفى عليه فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهليين، وأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمائة ألف درهم.
أخبرني يحيى بن علي المنجم قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق الموصلي عن مروان بن أبي حفصة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري عن الأثرم عن مروان بن أبي حفصة قال:
صفحة : 638
دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثقفي والحسين بن مطير الأسدي في جماعة من الشعراء على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده، كلما أنشد شاعر شعرا، وقف الوليد بن يزيد على بيت بيت من شعره وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كدا وكذا من شعر فلان، حضى أتى على أكثر، الشعر، فقلت: من هذا. فقالوا: حماد الراوية. فلما وقفت بين يدي الوليد أنشده قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحنة لحانة فأقبل الشيخ علي وقال: يابن أخي، إني رجل أكلم العامة فأتكلم بكلامها، فهل تروي من أشعار العرب شيئا. فذهب عني الشعر كله إلا شعر ابن مقبل، فقلت له: نعم، شعر ابن مقبل قال: أنشد، فأنشدته قوله:
سل الدار من جنبي حبر فواهـب إذا مارأى هضب القليب المضيح ثم جزت فقال لي: قف فوقفت فقال لي: ماذا يقول? فلم أدر ما يقول فقال لي حماد: يابن أخي، أنا أعلم الناس بكلام العرب. يقال: تراءى الموضعان إذا تقابلا.
حدثني عمي قال حدثني الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال: قلت لحماد الراوية يوما: ألق علي ما شئت من الشعر أفسره لك، فضحك وقال لي: ما معنى قول ابن مزا حم الثمالي:
تخوف السير منها تامكا قـردا كما تخوف عود النبعة السفن. فلم أدر ما أقول، فقال: تخوف: تنقص. قال الله عز وجل: أو يأخذهم على تخوف أي على تتفص.
قال الهيثم: ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حماد.
كذب الفرزدق في شعر نسبه لنفسه فأقر: حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثني الكراني محمد بن سعد عن النضر بن عمرو عن الوليد بن هشام عن أبيه قال: أنشدني الفرزدق وحماد الراوية حاضر:
وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الـدم ففال له حماد: آنت تقوله. قال: نعم، قال: ليس الأمر كذلك، هذا لرجل من أهل اليمن قال: ومن يعلم هذا غيرك أفأردت أن أتركه وقد نحلنيه الناس ورووه لي لأنك تعلمه وحدك ويجهله الناس جميعا غيرك.
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني الفضل قال حدثني ابن النطاح فال حدثني أبو عمرو الشيباني قال: ما سألت أبا عمرو بن العلاء قط عن حماد الراوية إلا قدمه على نفسه، ولا سألت حمادا عن أبي عمرو إلا قدمه على نفسه.
حدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبدالله بن مسلم، وذكر عبدالله بن مسلم عن الثقفي عن إبراهيم بن عمر والعامري قالا: كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمادون: حماد عجرد، وحماد بن الزبرقان، وحماد الراوية، يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون معاشرة جميلة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، وكانوا يرمون بالزندفة جميعا.
أخبرني الحسن بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه فال: دخل مطيع بن إياس ويحيى بن زياد على حماد الراوية، فإذا سراجه على ثلاث قصبات قد جمع أعلاهن وأسفلهن بطين، فقال له يحيى بن زياد: يا حماد، إنك لمسرف مبتذل لحر المتاع، فقال له مطيع: ألا تبيع هذه المنارة وتشتري أقل ثمنا منها وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي وتتسع به? فقال له يحيى: ما أحسن ظنك به ومن أين له مثل هذه. إنما هي وديعة أو عارية، فقال له مطيع: أما إنه لعظيم الأمانة عند الناس قال له يحيى: وعلى عظيم أمانته فما أجهل من يخرج مثل هذه من داره ويأمن عليها غيره قال مطيع: ما أظنها عارية ولا وديعة ولكني أظنها مرهونة عنده على مال، وإلا فمن يخرج هذه من بيته فقال لهما حماد: قوما عني يابني الزانيتين واخرجا من منزلي، فشر منكما من يدخلكما بيته.
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبيد وأبو عصيدة قال حدثني محمد بن عبد الرحمن العبدي عن حميد بن محمد الكوفي عن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي عن محمد بن أنس، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الرواية، وخبر حماد بن إسحاق أتم واللفظ له.
صفحة : 639
قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك، فكان هشام يجفوني لذلك دون سائر أهله من بني أمية في أيام يزيد، فلما مات يزيد وأفضت الخلافة إلى هشام خفته، فمكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا لمن أثق به من إخواني سرا. فلما لم أسمع أحدا يذكرني سنة أمنت فخرجت فصليت الجمعة، ثم جلست عند باب الفيل فإذا شرطيان قد وقفا علي فقالا لي: يا حماد، أجب الأمير يوسف بن عمر فقلت في نفسي: من هذا كنت أحذر، ثم قلت للشرطيين: هل لكما أن تدعاني آتي أهلي فأودعهم وداع من لا ينصرف إليهم أبدا ثم أصير معكما إليه. فقالا: ما إلى ذلك من سبيل. فاستسلمت في أيديهما وصرت إلى يوسف بن عمر وهو في الإيوان الأحمر، فسلمت عليه فرد علي السلام، ورمى إلي كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبدالله هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر، أما بعد، فاذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به غير مروع ولا متعتع، وادفع إليه خمسمائة دينار وجملا مهريأ يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق . فأخذت الخمسمائة الدينار، ونظرت فإذا جمل مرحول، فوضعت رجلي في الغرز وسرت اثنتي عشرة ليلة حتى وافيت باب هشام، فاستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام، وهو في مجلس مفروش بالرخام، وبين كل رخامتين قضيب ذهب، وحيطانه كذلك، وهشام جالس على طنفسة حمراء وعليه ثياب خز حمر وقد تضمخ بالمسك والعنبر، وبين يديه مسك مفتوت في أواني ذهب يقلبه بيده فتفوح روائحه، فسلمت فرد علي، واستدناني فدنوت حتى قبلت رجله، وإذا جاريتان لم أر قبلهما مثلهما، في أذني كل واحدة منهما حفقتان من ذهب فيهما لؤلؤلتان تتوقدان فقال لي: كيف أنت يا حماد وكيف حالك? فقلت بخير يا أمير المؤمنين قال: أتدري فيم بعثت إليك. قلت: لا قال: بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدر من قاله قلت: وما هو? فقال:
فدعوا بالصبوح يوما فجاءت قينة في يمينـهـا إبـريق قلت: هذا يقوله عدي بن زيد في قصيدة له قال: فأنشدنيها، فأنشدته:
بكر العاذلون في وضح الصـب ح يقولون لي ألا تـسـتـفـيق
ويلومون فيك يابنة عـبـد الـل ه والقلب عنـدكـم مـوهـوق
لست أدري إذ أكثروا العذل عندي أعـدو يلـومـنـي أوصـديق
زانهاحسنـهـاوفـرع عـمـيم واثيث صلت الـجـبـين أنـيق
وثنـايا مـفـلـجـات عـذاب لاقصـار تـرى ولاهـن روق
فدعوا بالصبوح يوما فـجـاءت قينة فـي يمـينـهـا إبــريق
قدمته على عقـار كـعـين ال ديك صفى سلافهـا الـراووق
مرة قبل مـزجـهـافـإذا مـا مزجت لذ طعمهـا مـن يذوق
وطفت فوقها فقـاقـيع كـالـد رصغار يثيرها الـتـصـفـيق
ثم كان المـزاج مـاء سـمـاء غير ما آجـن ولا مـطـروق قال: فطرب، ثم قال: أحسنت والله يا حماد، يا جارية اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي. وقال: أعد، فأعدت، فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي. فقلت: إن سقتني الثالثة افتضحت، فقال: سل حوائجك، فقلت كائنة ما كانت? قال: نعم قلت: إحدى الجاريتين فقال لي: هما جميعا لك بما عليهما وما لهما، ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتنني شربة سقطت معها، فلم أعقل حتى أصبحت فإذا بالجاريتين عند رأسي، وإذا عدة من الخدم مع كل واحد منهم بدرة، فقال لي أحدهم: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هفه فانتفع بها، فأخذتها والجاريتين وانصرفت. هذا لفظ حماد عن أبيه. ولم يقل أحمد بن عبيد في خبره أنه سقاه شيئا، ولكنه ذكر أنه طرب لإنشالده، ووهب له الجاريتين لما طلب إحداهما، وأنزله في دار، ثم نقله من غد إلى منزل أعده له، فانتقل إليه فوجد فيه الجاريتين وما لهما وكل ما يحتاج إليه، وأنه أقام عنده مدة فوصل إليه مائة ألف درهم، وهذا هو الصحيح لأن هشاما لم يكن يشرب ولا يسقي أحد بحضرته مسكرا، وكان ينكر ذلك ويعيبه ويعاقب عليه.
في أبيات عدي المذكورة في هذا الخبر غناء نسبته:
وهل أنت إلا ثعلب في ديارهم تشل فتغسا أو يقـودك قـائد
أرى خالدا يختال مشيا كـأنـه من الكبرياء نفشل أو عطارد
وما كان يربوع شبيهـا لـدارم وما عدلت شمس النهارالفراقد قالوا: ولما خرج ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف حشد معه أهل الكوفة، فلم يبق من وجوههم وقرائهم أحد له نباهة إلا خرج معه لثقل وطأة الحجاج عليهم. فكان عامر الشعبي وأعشى همدان ممن خرج معه، وخرج، أحمد النضبي أبو اسامة الهمذاني المغني مع الأعشى لالفته إياه، وجعل الأعشى يقول الشعر في ابن الأشعث يمدحه، ولا يزال يحرض أهل الكوفة بأشعاره على القتال، وكان مما قاله في ابن الأشعث يمدحه:
يأبى الإله وعزة ابن مـحـمـد وجدود ملك قبـل آل ثـمـود
أن تأنسوا بمذممين، عروقـهـم في الناس إن نسبواعروق عبيد
كم من أب لك كان يعقد تاجـه بجبين أبلج مـقـول صـنـديد
وإذا سألت: المجد أين محـلـه فالمجد بين محمـد وسـعـيد
بين الأشج وبـين قـيس بـاذخ بخ بخ لوالـده ولـلـمـولـود
ماقضرت بك أن تنال مدى العلا أخلاق مكـرمة وإرث جـدود
قرم إذا سامى القروم ترى لـه أعراق مجد طـارف وتـلـيد
وإذا دعا لعظيمة حشـدت لـه همدان تحت لوائه المعـقـود
يمشون في حلق الحديد كأنهـم أشد الإباء سمعـن زأرأسـود
وإذا دعوت بال كندة أجفـلـوا بكهول صدق سـيد ومـسـود
وشباب مأسدة كأن سـيوفـهـم في كل ملحمة بروق رعـود
ما إن ترى قيسا يقارب قيسكـم في المكرمات ولاترى كسعـيد وقال حماد الراوية في خبره: كانت لأعشى همدان مع ابن الأشعث مواقف محمودة وبلاء حسن وآثار مشهورة، وكان الأعشى من أخواله، لأن أم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أم عمرو بنت سعيد بن قيس الهمداني. قال: فلما صار ابن الأشعث إلىسجستان جبى مالا كثيرا، فسأله أعشى همدان أن يعطيه منه زيادة على عطائه فمنعه، فقال الأعشى في ذلك:
هل تعرف الدار عفا رسمهـا بالحضر فالروضة من آمـد
دار لـخـود طـفـلة رودة بانت فأمسىحبها عـامـدي
بيضاء مثل الشمس رقـراقة تنسم عن فـي اشـر بـارد
لم يخط قلبي سهمها إذ رمت يا عجبا من سهمها القاصـد
يأيها القزم الهـجـان الـذي ينطش بطش الأسد الـلابـد
والفاعل الفعل الشريف الـذي ينمى إلى الغائب والشـاهـد
كم قد اسدي لك من مـدحـه تروى مع الصادر والـوارد
وكم أجبنا لـك مـن دعـوة فاعرف فما العارف كالجاحد
نحن حميناك وما تحـتـمـي في الروع من مثنى ولا واحد
يوم انتصرنا لك مـن عـابـد ويوم أنجينـاك مـن خـالـد
ووقعة الري التي نـلـتـهـا بجحفل من جمعنـا عـاقـد
وكم لقينـا لـك مـن واتـر يصرف نابي حنـق حـارد
ثم وطـئنـاه بـأقـدامـنـا وكان مثل الحية الـراصـد
إلى بلاء حسن قـد مـضـى وأنت في ذلك كـالـزاهـد
فاذكـر أيادينـا وآلاءنـــا بعوده من حلمـك الـراشـد
ويوم الأهواز فـلا تـنـسـه ليس النثا والقول بـالـبـائد
إنا لنرجوك كما نـزتـجـي صوب الغمام المبرق الراعد
فانفخ بكفيك ومـا ضـمـتـا وافعل فعال الشيد المـاجـد
ما لك لا تعطي وأنت امـرؤ مثر من الطارف والتـالـد
تجبي سجستان وما حولـهـا متكئا في عيشـك الـراغـد
لاترهـب الـدهـر وأيامـه وتجرد الأرض مع الجـارد
إن يك مكروه تهجـنـا لـه وأنت في المعروف كالراقد
صفحة : 631
ثم ترى أنا سـنـرضـى بـذا كلا ورب الراكع الـسـاجـد
وحـرمة الـبـيت وأسـتـاره ومن به من نـاسـك عـابـد
تلك لـكـم أمـنـية بـاطـل وغفوة مـن حـلـم الـراقـد
ما أنا إن هاجك من بـعـدهـا هيج بـآتـيك ولا كـابـــد
ولا إذا ناطـوك فـي حـلـقة بحامـل عـنـك ولا فـاقـد
فأعط ما أعـطـيتـه طـيبـا لا خير في المنكود والنـاكـد
نحن ولدنـاك فـلا تـجـفـن والله قـد وصـاك بـالـوالـد
إن تك من كندة فـي بـيتـهـا فإن أخوالـك هـن حـاشـد
شم العرانـين وأهـل الـنـدى ومنتهى الضـينـان والـرائد
كم فيهم من فـارس مـعـلـم وسائس لـلـجـيش أو قـائد
وراكب للـهـول يجـتـابـه مثل شهاب القبـس الـواقـد
أو ملأ يشفـى بـأحـلامـهـم من سفه الجاهـل والـمـارد
لم يجعل اللـه بـأحـسـابـنـا نقصا وما الناقـص كـالـزائد
ورب خال لك، فـي قـومـه فرع طويل الباع والـسـاعـد
يحتضرالبـأس ومـايبـتـغـى سوى إسار البطل الـنـاجـد
والطعن بالراية مستـمـكـنـا في الصف في العادية الناهـد
فارتح لأخـوالـك واذكـرهـم وارحمهم للسـلـف الـعـائد
فإن أخـوالـك لـم يبـرحـوا يربون بالرفد علـى الـرافـد
لم يبخلوا يوما ولـم يجـبـنـوا في السلف الغافي ي ولا القاعد
ورب خال لـك فـي قـومـه حمال أثـقـال لـهـا واجـد
معترف للـرزء فـي مـالـه والحق للـسـائل والـعـامـد وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي، وأخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي، وذكره العنزي عن أصحابه، قالوا جميعا: خرج أعشى همدان إلى الشأم في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظا فجاء إلى النعمان بن بشير وهوعامل على حمص، فشكا إليه حاله، فكلم له النعمان بن بشير اليمانية وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له، فقالوا: نعم، يعطيه كل رجل منا دينارين من عطائه، فقال: لا، بل أعطوه دينارا دينارا واجعلوا ذلك معجلا، فقالوا: أعطه إياه من بيت المال واحتسبها على كل رجل من عطائه، ففعل النعمان وكانوا عشرين ألفا فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:
ولم أر للحاجات عند التماسهـا كنعمان نعمان الندى ابن بشير
إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن كمدل إلى الأقوام حبل غرور
متى أكفرالنعمان لم ألف شاكرا وماخيرمن لايقتدي بشـكـور
فلولا أخو الأنصار كنت كنازل ثوى ماثوى لم ينقلب بنـقـير وقال الهيثم بن عدي في خبره: حاصر المهلب بن أبي صفرة نصيبين، وفيها أبو قارب يزيد بن أبي صخرومعه الخشبية فقال المهلب: يأيها الناس، لا يهولنكم هؤلاء القوم فإنما هم العبيد بأيديها العصي. فحمل عليهم المهلب وأصحابه فلقوهم بالعصي فهزموهم حتى أزالوهم عن موقفهم. فدس المهلب رجلا من عبد القيس إلى يزيد بن أبي صخر ليغتاله، وجعل له على ذلك جعلا سنيا قال الهيثم: بلغني أنه أعطاه مائتي ألف درهم قبل أن يمضي ووعده بمثلها إذا عاد فاندس له العبدي فاغتاله فقتله وقتل بعده. ققال أعشى همدان في ذلك:
يسمون أصحاب العصي وما أرى مع القوم إلا المشرفية من عصا
ألا أيها الليث الذي جـاء حـاذرا وألقى بنا جرمى الخيام وعرصا
أتحسب غزو الشأم يوما وحربـه كبيض ينظمن الجمان المفصصا
وسيرك بالأهواز إذ أنـت امـن وشربك ألبان الخلايا المقرصـا
فأقسمت لاتجبي لك الدهردرهما نصيبون حتى تبتلى وتمحـصـا
ولا أنت من أثوابها الخضرلابس ولكن خشبانا شدادا ومشقـصـا
فكم رد من ذي حاجة لاينالـهـا جديع العتيك رده الله أبـرصـا
صفحة : 632
وشيد بنيانا وظاهـر كـسـوة وطال جديع بعد ما كان أوقصا تصغير جدع جديع بالدال غير معجمة. والأبيات التي كان فيها الغناء المذكور معه خبر الأعشى في هذا الكتاب يقولها في زوجة له من هفدان يقال لها جزلة، هكذا رواه الكوفيون، وهو الصحيح. وذكر الأصمعي أنها خولة، هكذا رواه في شعر الأعشى.
فذكر العنزي في أخبار الأعشى المتقدم إسنادها: أنها كانت عند الأعشى امرأة من قومه يقال لها أم الجلال، فطالت مدتها معه وأبغضها، ثم خطب امرأة من قومه يقال لها جزلة وقال الأصمعي: خولة فقالت له: لا، حتى تطلق أم الجلال فطلقها وقال في ذلك:
تقــــادم ودك أم الـــــــجـــــــلال فطـاشـت نـبـالـك عـنـد الـنـــضـــال
وطال لزومك لي حقبة فرثت قوى الحبل بعد الوصال
وكان الفؤاد بهامعجبا فقـدأصـبـح الـيوم عـــن ذاك ســـالـــي
صحـا لا مـــســـيئا ولا ظـــالـــمـــا ولـكـن سـلاســـوة فـــي جـــمـــال
ورضـت خـلائفـــنـــا كـــلـــهـــا ورضـنـا خـلائقـــكـــم كـــل حـــال
فأكـييتـنـا فـــي الـــذي بـــينـــنـــا تسـومـينـنـي كــل أمـــرعـــضـــال
وقـدتـأمـرين بـقــطـــع الـــصـــديق وكـان الـصـديق لـنـا غـــير قـــالـــي
وإتـيان مـا قـد تـــجـــنـــبـــتـــه ولـيدا ولـمـت عـــلـــيه رجـــالـــي
أفـالــيوم أركـــبـــه بـــعـــد مـــا علا الـشـيب مـنـي صـمــيم الـــقـــذال
لعـمـرأبـيك لـقــد خـــلـــتـــنـــي ضعـيف الـقـوى أوشـديد الـــمـــحـــال
هلـمـي اسـألـي نـائلا فـــانـــظـــري أأحـرمـك الـخـيرعـنـــد الـــســـؤال
ألـم تـعـلـمـي أنـــنـــي مـــغـــرق نمـانـي إلـى الـمـجـد عـمـي وخـالـــي
وأنـــي إذا ســـاءنـــي مـــنـــــزل عزمـت فـأوشـكـت مـنـه ارتـحــالـــي
فبـعـض الـعـتـاب، فـلاتـهــلـــكـــي فلا لـــك فـــي ذاك خـــير ولالـــــي
فلـمـا بـدا لـي مـنـــهـــا الـــبـــذا ء صـبـحـتـهـا بـثـــلاث عـــجـــال
ثلاثـا خـرجـن جــمـــيعـــا بـــهـــا فخـلـــينـــهـــا ذات بـــيت ومـــال
إلـى أهـلـهـا غـــير مـــخـــلـــوعة ومـامـسـهـاعـنـدنـامـــن نـــكـــال
فأمـسـت تـحـن حـنــين الـــلـــقـــا ح مـن جـزع إثــر مـــن لايبـــالـــي
فحـنـي حـنـينـك واســـتـــيقـــنـــي بأنـا اطـرحـنــاك ذات الـــشـــمـــال
وأن لا رجـــوع فـــلا تـــكـــذبـــي ن مـا حـنـت الـنـيب إثـر الـفـــصـــال
ولا تـحـسـبــينـــي بـــأنـــي نـــدم ت كـلا وخـالـقــنـــا ذي الـــجـــلال فقالت له أم الجلال: بئس والله بعل الحرة وقرين الزوجة المسلمة أنت ويحك أعددت طول الصحبة والحرمة ذنبا تسبني وتهجوني به ثم دعت عليه أن يبغضه الله إلى زوجته التي اختارها، وفارقته. فلما انتقلت إلى أ أهلها وصارت جزلة إليه، ودخل بها لم يحظ عندها، ففركته وتنكرت له واشتد شغفه بها ثم خرج مع ابن الأشعث فقال فيها:
حييا جزلة مـنـي بـالـسـلام درة البحر ومصباح الـظـلام
لا تصـدي بـعـد ود ثـابـت واسمعي يا أم عيسى من كلامي
إن تدومي لي فـوصـلـي دائم أو تهمي لي بهجر أو صـرام
أو تكوني مثـل بـرق خـلـب خادع يلمع في عرض الغمـام
أو كتخييل سـراب مـغـرض بفلاة أو طروق في الـمـنـام
فاعلمي إن كنت لما تعـلـمـي ومتى ما تفعلي ذاك تـلامـي
بعد ما كـان الـذي كـان فـلا تتبعي الإحسان إلا بالـتـمـام
لا تناسيئ كل ما أعطـيتـنـي من عهود ومواثـيق عـظـام
واذكري الوعد الذي واعدتـنـي ليلة النصف من الشهر الحـرام
فلئن بدلـت أو خـسـت بـنـا وتجرأت عـلـى أم صـمـام أم صمام: الغدر والحنث:
لا تبالين إذا من بـعـدهـا أبدا ترك صـلاة أو صـيام
راجعي الوصل وردي نظرة لا تلجي في طمـاح وأثـام
وإذا أنكرت مـنـي شـيمة ولقد ينكر مـا لـيس بـذام
فاذكريها لي أزل عنهـا ولا تسفحي عينيك بالدمع السجام
وأرى حبلك رثـا خـلـقـا وحبالي جددا غـير رمـام
صفحة : 633
عجبت جـزلة مـنـي أن رأت لمتي حفت بشيب كـالـثـغـام
ورأت جسمـي عـلاه كـبـرة وصروف الدهر قد أبلت عظامي
وصليت الحرب حتـى تـركـت جسدي نضوا كأشلاء الـلـجـام
وهي بيضاءعلى مـنـكـبـهـا قطط جـعـد ومـيال سـخـام
وإذا تضحـك تـبـدي حـبـبـا كرضاب المسك في الراح المدام
كملت مـا بـين قـرن فـإلـى موضع الخلخال منها والـخـدام
فأراها اليوم لـي قـد أحـدثـت خلقا لـيس عـلـى الـعـهـد أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعيد الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي: أنه أتى البصرة أيام ابن الزبير، فجلس في المسجد إلى قوم من تميم فيهم الأحنف بن قيس فتذاكروا أهل الكوفة وأهل البصرة وفاخروا بينهم، إلى أن قال قائل من أهل البصرة: وهل أهل الكوفة إلا خولنا? استنقذناهم من عبيدهم -يعني الخوارج-. قال الشعبي: فهجس في صدري أن تمثلت قول أعشى همدان:
أفخرتم أن قتلتم أعـبـدا وهزمتم مرة آل عـزل
نحن سقناهم إليكم عنـوة وجمعنا أمركم بعد فشـل
فإذا فاخرتمونا فاذكـروا مافعلنا بكم يوم الجـمـل
بين شيخ خاضب عثنونـه وفتى أبيض وضاح رفل
جاءنا يرفل في سـابـغة فذبحناه ضحى ذبح الحمل
وعفونا فنسيتم عـفـونـا وكفرتم نحمة الله الأجـل قال: فضحك الأحنف، ثم قال: يأهل البصرة، قد فخر عليكم الشعبي وصدق وانتصف، فأحسنوا مجالسته.
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثنا الرياشي عن أبي محلم عن الخليل بن عبد الحميد عن أبيه قال: بعث بشر بن مروان الزبير بن خزيمة الخثعمي إلى الري فلقيه الخوارج بجلولاء، فقتلوا جيشه وهزموه وأبادوا عسكره، وكان معه أعشى همدان، فقال في ذلك:
أمرت خثعم على غـير خـير ثم أوصاهم الأمـير بـسـير
أين ماكنتم تعـيفـون لـلـنـا س وما تزجرون من كل طير
ضلت الطيرعنكم بـجـلـولا ءوغرتكم أمانـي الـزبـير
قدرما أتيح لي من فلسـطـي ن على فالج ثـقـال وعـير
خثعمي مغصص جزجـمـان ي محل غزامع ابن نـمـير أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال: سألت الأصمعي عن أعشى همدان فقال: هو من الفحول وهو إسلامي كثير الشعر ثم قال لي: العجب من ابن دأب حين يزعم أن أعشى همدان قال:
من دعا لي غزيلي أربح الله تجارته نم قال: سبحان الله أمثل هذا يجوز على الأعشى? أن يجزم اسم الله عز وجل ويرفع تجارته وهو نصب.
ثم قال لي خلف الأحمر: والله لقد طمع ابن دأب في الخلافة حين ظن أن هذا يقبل منه وأن له من المحل مثل أن يجوز مثل هذا. قال ثم قال: ومع ذلك أيضا إن قوله: من دعا لي غزيلي لا يجوز، إنما هو: من دعا لغزيلي، ومن دعا لبعير ضال.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: أملق أعشى همدان فأتى خالد بن عتاب بن وزقاء فأنشده:
رأيت ثناء الناس بالقول طـيبـا عليك وقالوا ماجد وابن ماجـد
بني الحارث السامين للمجد، إنكم بنيتم بنـاء ذكـره غـيربـائد
هنيئا لما أعطاكم الله واعلمـوا بأني ساطري خالدا في القصائد فأن يك عتاب مضى لسبيله فما مات من يبقى له مثل خالد فأمر له بخمسة آلاف درهم.
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان قال: قال عمر بن عبد العزيز يوما لسابق البربري ودخل عليه: أنشدني يا سابق شيئا من شعرك تذكرني به فقال: أو خيرا من شعري? فقال: هات قال قال أعشى همدان:
وبينما المرء أمسى ناعما جـذلا في أهله معجبا بالعيش ذا أنـق
غرا، أتيح له من حينه عـرض فما تلبث حتى مات كالصـعـق
ثمت أضحى ضحى من غب ثالثة مقنعا غير ذي روح ولا رمـق
صفحة : 634
يبكى عليه وأدنوه لمظـلـمة تغلى جوانبها بالترب والفلق
فماتزود مما كان يجمـعـه إلاحنوطا وماواراه من خرق
وغيرنفحة أعواد تشـب لـه وقل ذلك من زاد لمنطلـق قال: فبكى عمر حتى أخضل لحيته.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الحسين بن محمد بن أبي طالب الديناري قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال: سأل أعشى همدان شجرة بن سليمان العبسي حاجة فرده عنها، فقال يهجوه:
لقد كنت خياطا فأصبحت فارسـا تعد إذا عد الفوارس من مضـر
فإن كنت قد أنكرت هذا فقل كذا وبين لي الجرح الذي كان قد دثر
وإصبعك الوسطى عليه شـهـيدة وما ذاك إلا وخزها الثوب بالإبر قال وكان يقال: إن شجرة كان خياطا، وقد كان ولي للحجاج بعض أعمال السواد. فلما قدم على الحجاج فال له: يا شجرة، ارني إصبعك أنظز إليها قال: أصلح الله الأمير، وما تصنع بها? قال: أنظر إلى صفة الأعشى ة فخجل شجرة. فقال الحجاج لحاجبه: مر المعطي أن يعطى الأعشى من عطاء شجرة كذا وكذا. يا شجرة، إذا أتاك امرؤ ذو حسب ولسان فاشتر عرضك منه.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد الأزدي قال حدثنا أحمد بن عمرو الحنفي عن جماعة قال المبرد: أحسب أن أحدهم مؤرج بن عمرو السدوسي قالوا: لما اتي الحجاج بن يوسف الثقفي بأعشى همدان أسيرا، قال: الحمد لله الذي أمكن منك، ألست القائل:
لما سفؤنا للكفور الـفـتـان بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالقطا من قحطان ومن معد قد أتى ابن عدنـان
أمكن ربي من ثقيف هفـدان يوما إلى الليل يسلي ما كان
إن ثقيفا منهـم الـكـذابـان كذابها الماضي وكذاب ثـان أو لست القائل:
يابن الأشـج قـريع كـن دة لا أبالي فيك عـتـبـا
أنت الرئيس ابـن الـرئي س وأنت أعلى الناس كعبا
نبـئت حـجـاج بـن يو سف خرمن زلق فتـبـا
فانهض فـديت لـعـلـه يجلوبك الرحمن كـربـا
وابعث عطية في الـخـيو ل يكبهن عـلـيه كـبـا كلا يا عدو الله، بل عبد الرحمن بن الأشعث هو الذي خر من زلق فتب، وحار وانكب، وما لقي ما أحب ورفع بها صوته واربد وجهه واهتز منكباه، فلم يبق أحد في المجلس إلا أهمته نفسه وأرتعدت فرائصه. فقال له الأعشى بل أنا القائل أيها الأمير:
أبى الـلـه إلا أن يتـمـم نـوره ويطفىء نار الفاسقين فتـخـمـدا
وينزل ذلا بـالـعـراق وأهـلـه كما نقضوا العهد الوثيق المؤكـدا
ومالبث الحجاج أن سـل سـيفـه علينا فولى جمـعـنـا وتـبـددا
وما زاحف الـحـجـاج إلارأيتـه حساما ملقى للحـروب مـعـودا
فكيف رأيت الله فرق جمـعـهـم ومزقهم عرض البـلاد وشـردا
بمانكثوامـن بـيعة بـعـد بـيعة إذاضمنوها اليوم خاسوا بهـاغـدا
وما أحدثوامن بـدعة وعـظـيمة من القول لم تصعد إلى الله مصعدا
ولما دلفنـا لابـن يوسـف ضـلة وأبرق منا العارضـان وأرعـدا
قطعنا إليه الخـنـدقـين وإنـمـا قطعناوأفضينا إلى الموت مرصدا
فصادمنا الحجاج دون صفـوفـنـا كفاحا ولم يضرب لذلك مـوعـدا
بجند أمير المـؤمـنـين وخـيلـه وسلطانه أمسى مـعـانـا مـؤيدا
ليهنىءأمير المؤمنـين ظـهـوره على أمة كانوابـغـاة وحـسـدا
وجدنا بـنـي مـروان خـيرأئمة وأعظم هذا الخلق حلما وسـؤددا
وخيرقـريش فـي قـريش أرومة وأكرمهم إلا النـبـي مـحـمـدا
إذا ما تدبرنـا عـواقـب أمـرنـا وجدنا أمير المؤمنين الـمـسـددا
سيغلب قومأ غالبوا اللـه جـهـرة وإن كايدوه كـان أقـوى وأكـيدا
صفحة : 635
كذاك يضل الله من كان قـلـبـه ضعيفا ومن والى النفاق وألحـدا
فقد تركوا الأموال والأهل خلفهـم وبيضا عليهن الجـلابـيب خـردا
ينادينهم مسـتـعـبـرات إلـيهـم ويذرين دمعا في الخدود وإثـمـدا
وإلاتناولـهـن مـنـك بـرحـمة يكن سبايا والـبـعـولة أعـبـدا
تعطف أمير المؤمنـين عـلـيهـم فقد تركوا أمرالسفـاهة والـردى
لعلهم أن يحـدثـوا الـعـام تـوبة وتعرف نصحا مـنـهـم وتـوددا
لقد شمت يابن الأشعث العام مصرنا فظلوا وما لاقوا من الطيرأسعـدا
كما شاء الله الـنـجـير وأهـلـه بجدك من قد كان أشقى وأنـكـدا فقال من حضر من أهل الشام: قد أحسن أيها الأمير، فخل سبيله فقال: أتظنون أنه أراد المدح لا والله لكنه قال هذا أسفا لغلبتكم إياه وأراد به أن يحرض أصحابه. ثم أقبل عليه فقال له: أظننت يا عدو الله أنك تخدعني بهذا الشعر وتنفلت من يدي حتى تنجو ألست القائل ويحك.
وإذاسألت: المجد أين محله فالمجد بين محمد وسعيد
بين الأغروبين قيس باذخ بخ بخ لوالده وللمـولـود والله لا تبخبخ بعدها أبدا. أو لست القائل:
وأصابني قوم وكنت أصيبهـم فاليوم أصبر للزمان وأعرف كذبت والله، ما كنت صبورا ولا عروفا. ثم قلت بعده:
وإذاتصبك من الحوادث نكبة فاصبرفكل غيابة ستكشف أما والله لتكونن نكبة لا تنكشف غيابتها عنك أبدا يا حرسي، اضرب عنقه فضرب عنقه.
وذكر مؤرج السدوسي أن الأعشى كان شديد التحريض على الحجاج في تلك الحروب، فجال أهل العراق جولة ثم عادوا، فنزل عن سرجه ونزعه عن فرسه، ونزع درعه فوضعها فوق السرج، ثم جلس عليها فأحدث والناس يرونه، ثم أقبل عليهم فقال لهم: لعلكم أنكرتم ما صنعت قالوا: أو ليس هذا موضع نكير. قال: لا، كلكم قد سلح في سرجه ودرعه خوفا وفرقا، ولكنكم سترتموه وأظهرته ة فحمي القوم وقاتلوا أشد قتال يومهم إلى الليل، وشاعت فيهم الجراح والقتلى، وانهزم أهل الشأم يومئذ، ثم عاودوهم من غد وقد نكأتهم الحرب ة وجاء مدد من أهل الشأم، فباكروهم القتال وهم مستريحون فكانت الهزيمة وقتل ابن الأشعث. وقد حكيت هذه الحكاية عن أبي كلدة اليشكري أنه فعلها في هذه الوقعة، وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني في أخبار أبي كلدة ، وقد ذكر ما حكاه مع أخباره في موضعه من، هذا الكتاب.
النصبي هو صاحب الأنصاب. وأول من غنى بها وعنه أخذ النصب في الغناء هو أحمد بن اسامة الهمداني، من رهط الأعشى الأدنين. ولم أجد نسبه متصلا فأذكره. وكان يغني بالطنبور في الإسلام. وكان، فيما يقال، ينادم عبيد الله بن زياد سرا ويغنيه. وله صنعة كثيرة حسنة لم يلحقها أحد من الطنبوريين ولا كثير ممن يغني بالعود.
وذكره جحظة في كتاب الطتبوريين فأتى من ذكره بشيء ليس من جنس أخباره ولا زمانه، وثلبه فيما ذكره.
وكان مذهبه عفا الله عنا وعنه في هذا الكتاب أن يثلب جميع من ذكره من أهل صناعته بأقبح ما قدرعليه، وكان يجب عليه ضد هذا، لأن من أنتسب إلى صناعة، ثم ذكر متقدمي أهلها، كان الأجمل به أن يذكر محاسن أخبارهم وظريف قصصهم ومليح ما عرفه منهم لا أن يثلبهم بما لا يعلم وما يعلم. فكان فيما قرأت عليه من هذا الكتاب أخبار أحمد النصبي، وبه صدر كتابه فقال: أحمد النصبي أول من غنى الأنصاب على الطنبور وأظهرها وسيرها ولم يخدم خليفة ولا كان له شعر ولا أدب.
وحذثني جماعة من الكوفيين أنه لم يكن بالكوفة أبخل منه مع يساره، وأنه كان يفرض الناس بالربا، وأنه اغتص في دعوة دعي إليها بفالوذجة حارة فبلعها فجمعت أحشاءه فمات. وهذا كله باطل. أما الغناء فله منه صنعة في الثقيل الأول وخفيف الثقيل والثقيل الثاني، ليس لكثير أحد مثلها. منها الصوت الفي تقذم ذكرهوهو قوله: حييا خولة مني بالسلام ومنها:
سلبت الجواري حفيهن فلـم تـدع لسورا ولا طوقا على النحر مذهبا وهو من الثقيل الثاني، والشعر للعديل بن الفرخ ، وقد ذكرت ذلك في أخباره.
ومنها:
يأيها القلب المطيع الهـوى أنى اعتراك الطرب النازخ
صفحة : 636
وهو أيضا من الثقيل الثاني، وأصوات كثيرة نالمحرة تدل على تقدمه.
وأما ما وصفه من بخله وقرضه للناس بالربا وموته من فالوذجة حارة أكلها، فلا أدري من من الكوفيين حدثه بهذا الحديث، ليس يخلو من أن يكون كاذبا، أو نحل هو هذه الحكاية ووضعها هنا، لأن أحمد النصبي خرج مع أعشى همدان وكان قرابته وإلفه في عسكر ابن الأشعث، فقتل فيمن قتل. روى ذلك الثقات من أهل الكوفة والعلم بأخبار الناس، وذلك يذكر في جملة أخباره.
أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، وذكره العنزي في أخبار أعشى همدان المذكورة عنه عن رجاله المسفين قال: كان أحمد النصبي مواخيا لأعشى همدان مواصلا له، فأكثر غنائه في أشعاره مثل صنعته في شعره:
حييا خولة مني بالسلام
ولمن الظعائن سيرهن ترجف
ويأيها القلب المطيع الهوى وهذه الأصوات قلائد صنعته وغرر أغانيه. قال: وكان سبب قوله الشعر في سليم بن صالح بن سعد بن جابر العنبري وكان منزل سليم ساباط المدائن- أن أعشى همدان وأحمد النضبي خرجا في بعض مغازيهما، فنزلا على سليم فأحسن قراهما وأمر لدوابهما بعلوفة وقضيم، وأقسم عليهما أن ينتقلا إلى منزله ففعلا، فعرض عليهما الشراب فأنعما به وطلباه فوضعه بين أيديهما وجلسا يشربان ة فقال أحمد النصبي للأعشى: قل في هذا الرجل الكريم شعرا تمدحه به حتى أغني فيه فقال الأعشى يمدحه:
يأيها القلب المطيع الهـوى أنى اعتراك الطرب النازح
تذكر جملا فـإذا مـا نـأت طار شعاعا قلبك الطامـح
هلا تناهيت وكنـت امـرأ يزجرك المرشد والناصـح
ما لك لا تترك جهل الصبـا وقد علاك الشمط الواضـح
فصار من ينهاك عن حبهـا لم تـر إلا أنـه كـاشـح
يا جمل ما حبي لـكـم زائل عني ولا عن كبدي نـازح
حملت ودا لكم خـالـصـا جدا إذا ما هزل الـمـازح
ثم لقد طـال طـلابـيكـم أسعى وخير العمل الناجـح
إني توسمت امرأ مـاجـدا يصدق في مدحته المـادح
ذؤابة العنبر فـاخـتـرتـه والمرء قهد ينعشه الصالـح
أبلج بهلـولا وظـنـي بـه أن ثنـائي عـنـده رابـح
سليم ما أنت بـنـكـس ولا ذمـك لـي غـاد ولا رائح
أعطيت ودي وثنائي مـعـا وخلة مـيزانـهـا راجـح
أرعاك بالغيب وأهوى لك ال مرشد وجيبي فاعلمن ناصح
إني لمن سالمت سلم ومـن عاديت أمسي وله نـاطـح
في الرأس منه وعلى أنفـه من نقماتـي مـيسـم لائح
نعم فتى الـحـي إذا لـيلة لم يور فيها زنده الـقـادح
وراح بالشول إلى أهلـهـا مغبرة أذقانـهـا كـالـح
وهـبـت الـريح شـامـية فانجحر القابس والـنـابـح
قد علم الحي إذا أمـحـلـوا أنك رفـاد لـهـم مـانـح
في الليلة القالي قراها التـي لا عابق فيها ولا صـابـح
فالضيف معروف له حقـه له على أبوابـكـم فـاتـح
والخيل قد تعلم يوم الوغـى أنك من جمرتهـانـاضـح قال: فغنى أحمد النصبي في بعض هذه الأبيات، وجارية لسليم في السطح، فسمعت الغناء، فنزلت إلى مولاها وقالت: إني سمعت من أضيافك شعرا ما سمعت أحسن منه فخرج معها مولاها فاستمع حتى فهم ثم نزل فدخل عليهما، فقال لأحمد: لمن هذا الشعر والغناء? ومن أنتما. فقال: الشعر لهذا، وهو أبو المصبح أعشى همدان، والغناء لي، وأنا أحمد النصبي الهمداني فانكب على رأس أعشى همدان فقبله وقال: كتمتماني أنفسكما، وكدتما أن تفارقاني ولم أعرفكما، ولم أعلم خبركما، واحتبسهما شهرا ثم حملهما على فرسين، وقال: خلفا عندي
صفحة : 637
ما كان من دوابكما، وإرجعا من مغزاكما إلي. فمضيا إلى مغزاهما، فأقاما حينا ثم انصرفا، فلما شارفا منزله قال أحمد للأعشى: إني أرى عجبا قال: وما هو. فال: أرى فوق قصر سليم ثعلبا، قال: لئن كنت صادقا فما بقي في القرية أحد. فدخلا القرية، فوجدا سليما وجميع أهل القرية قد أصابهم الطاعون، فمات أكثرهم وانتقل باقيهم. هكذا ذكر إسحاق، وذكر غيره: أن الحجاج طالب سليما بمال عظيم، فلم يخرج منه حتى باع كل ما يملكه، وخربت قريته وتفرق أهلها ثم باعه الحجاج عبدا، فاشتراه بعض أشراف أهل الكوفة، إما أسماء بن خارجة وإما بعض نظرائه، فأعتقه.
يأيها القلب المطيع الهـوى أنى اعتراك الطرب النازح
تذكرجملا فـإذا مـا نـأت طارشعاعا قلبك الطامـح
أعطيت ودي وثنائي مـعـا وخلة ميزانـهـا راجـح
إني تخيرت امـرأمـاجـدا يصدق في مدحته المـادح
سليم ما أنت بـنـكـس ولا ذمـك لـي غـاد ولارائح
نعم فتى الـحـي إذا لـيلة لم يورفيها زنده الـقـادح
وراح بالشول إلى أهلـهـا مغبرة أذقانـهـا كـالـح
وهـئت الـريح شـآمـية فانجحرالقابسى والنـابـح الشعر لأعشى همدان. والغناء لأحمد النصبي، ولحنه ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولسنان الكاتب لحنأ اخر.
تنكر من سعدى وأقفر من هند مقامهما بين الرغامين فالفرد
محل لسعدى طالما سكنت بـه فأوحش ممن كان يسكنه بعدي الشعر لحفاد الراوية. والغناء لعبادل، ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف ثقيل أول بالوسطى، ذكر الهشافي أنه للهذلي، وذكر عمرو بن بانة أنه لعبادل بن عطية.
هو حماد بن ميسرة، فيما ذكره الهيثم بن عدي، وكان صاحبه وراويته وأعلم الناس به، وزعم أنه مولى بني شيبان. وذكر المدائني والقحذمي أنه حماد بن سابور، وكان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها. وكانت ملوك بني أمية تقدمه وتؤثره وتستزيوه، فيفد عليهم وينادمهم ويسألونه عن أيام العرب وعلومها ويجزلون صلته.
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي وعمي إسماعيل العتكي قالوا حدثنا الرياشي قال: قال الأصمعي: كان حماد أعلم الناس إذا نصح. قال وقلت لحماد: ممن أنتم. قال: كان أبي من سبى سلمان بن ربيعة، فطرحتنا سلمان لبني شيبان، فولاؤنا لهم. قال: وكان أبوه يسمى ميسرة، ويكنى أبا ليلى. قال العتكي في خبره: قال الرياشي: وكذلك ذكر الهيثم بن عدي في أمر حماد.
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي والهيثم بن عدي ولقيط قالوا: قال الوليد بن يزيد لحماد الراوية: بم استحققت هذا اللقب فقيل لك الراوية. فقال: بأني أروي لكل شاعر، تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي لاكثر منهم ممن تعرف أنك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعرا قديما ولا محدثا إلا ميزت القديم منه من المحدث فقال: إن هذا لعلم وأبيك كثير فكم مقدار ما تحفظ من الشعر? قال: كثيرا، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام قال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد. فأنشد الوليد حتى ضجر، ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفى عليه فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهليين، وأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمائة ألف درهم.
أخبرني يحيى بن علي المنجم قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق الموصلي عن مروان بن أبي حفصة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري عن الأثرم عن مروان بن أبي حفصة قال:
صفحة : 638
دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثقفي والحسين بن مطير الأسدي في جماعة من الشعراء على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده، كلما أنشد شاعر شعرا، وقف الوليد بن يزيد على بيت بيت من شعره وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كدا وكذا من شعر فلان، حضى أتى على أكثر، الشعر، فقلت: من هذا. فقالوا: حماد الراوية. فلما وقفت بين يدي الوليد أنشده قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحنة لحانة فأقبل الشيخ علي وقال: يابن أخي، إني رجل أكلم العامة فأتكلم بكلامها، فهل تروي من أشعار العرب شيئا. فذهب عني الشعر كله إلا شعر ابن مقبل، فقلت له: نعم، شعر ابن مقبل قال: أنشد، فأنشدته قوله:
سل الدار من جنبي حبر فواهـب إذا مارأى هضب القليب المضيح ثم جزت فقال لي: قف فوقفت فقال لي: ماذا يقول? فلم أدر ما يقول فقال لي حماد: يابن أخي، أنا أعلم الناس بكلام العرب. يقال: تراءى الموضعان إذا تقابلا.
حدثني عمي قال حدثني الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال: قلت لحماد الراوية يوما: ألق علي ما شئت من الشعر أفسره لك، فضحك وقال لي: ما معنى قول ابن مزا حم الثمالي:
تخوف السير منها تامكا قـردا كما تخوف عود النبعة السفن. فلم أدر ما أقول، فقال: تخوف: تنقص. قال الله عز وجل: أو يأخذهم على تخوف أي على تتفص.
قال الهيثم: ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حماد.
كذب الفرزدق في شعر نسبه لنفسه فأقر: حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثني الكراني محمد بن سعد عن النضر بن عمرو عن الوليد بن هشام عن أبيه قال: أنشدني الفرزدق وحماد الراوية حاضر:
وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الـدم ففال له حماد: آنت تقوله. قال: نعم، قال: ليس الأمر كذلك، هذا لرجل من أهل اليمن قال: ومن يعلم هذا غيرك أفأردت أن أتركه وقد نحلنيه الناس ورووه لي لأنك تعلمه وحدك ويجهله الناس جميعا غيرك.
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني الفضل قال حدثني ابن النطاح فال حدثني أبو عمرو الشيباني قال: ما سألت أبا عمرو بن العلاء قط عن حماد الراوية إلا قدمه على نفسه، ولا سألت حمادا عن أبي عمرو إلا قدمه على نفسه.
حدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبدالله بن مسلم، وذكر عبدالله بن مسلم عن الثقفي عن إبراهيم بن عمر والعامري قالا: كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمادون: حماد عجرد، وحماد بن الزبرقان، وحماد الراوية، يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون معاشرة جميلة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، وكانوا يرمون بالزندفة جميعا.
أخبرني الحسن بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه فال: دخل مطيع بن إياس ويحيى بن زياد على حماد الراوية، فإذا سراجه على ثلاث قصبات قد جمع أعلاهن وأسفلهن بطين، فقال له يحيى بن زياد: يا حماد، إنك لمسرف مبتذل لحر المتاع، فقال له مطيع: ألا تبيع هذه المنارة وتشتري أقل ثمنا منها وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي وتتسع به? فقال له يحيى: ما أحسن ظنك به ومن أين له مثل هذه. إنما هي وديعة أو عارية، فقال له مطيع: أما إنه لعظيم الأمانة عند الناس قال له يحيى: وعلى عظيم أمانته فما أجهل من يخرج مثل هذه من داره ويأمن عليها غيره قال مطيع: ما أظنها عارية ولا وديعة ولكني أظنها مرهونة عنده على مال، وإلا فمن يخرج هذه من بيته فقال لهما حماد: قوما عني يابني الزانيتين واخرجا من منزلي، فشر منكما من يدخلكما بيته.
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبيد وأبو عصيدة قال حدثني محمد بن عبد الرحمن العبدي عن حميد بن محمد الكوفي عن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي عن محمد بن أنس، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الرواية، وخبر حماد بن إسحاق أتم واللفظ له.
صفحة : 639
قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك، فكان هشام يجفوني لذلك دون سائر أهله من بني أمية في أيام يزيد، فلما مات يزيد وأفضت الخلافة إلى هشام خفته، فمكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا لمن أثق به من إخواني سرا. فلما لم أسمع أحدا يذكرني سنة أمنت فخرجت فصليت الجمعة، ثم جلست عند باب الفيل فإذا شرطيان قد وقفا علي فقالا لي: يا حماد، أجب الأمير يوسف بن عمر فقلت في نفسي: من هذا كنت أحذر، ثم قلت للشرطيين: هل لكما أن تدعاني آتي أهلي فأودعهم وداع من لا ينصرف إليهم أبدا ثم أصير معكما إليه. فقالا: ما إلى ذلك من سبيل. فاستسلمت في أيديهما وصرت إلى يوسف بن عمر وهو في الإيوان الأحمر، فسلمت عليه فرد علي السلام، ورمى إلي كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبدالله هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر، أما بعد، فاذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به غير مروع ولا متعتع، وادفع إليه خمسمائة دينار وجملا مهريأ يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق . فأخذت الخمسمائة الدينار، ونظرت فإذا جمل مرحول، فوضعت رجلي في الغرز وسرت اثنتي عشرة ليلة حتى وافيت باب هشام، فاستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام، وهو في مجلس مفروش بالرخام، وبين كل رخامتين قضيب ذهب، وحيطانه كذلك، وهشام جالس على طنفسة حمراء وعليه ثياب خز حمر وقد تضمخ بالمسك والعنبر، وبين يديه مسك مفتوت في أواني ذهب يقلبه بيده فتفوح روائحه، فسلمت فرد علي، واستدناني فدنوت حتى قبلت رجله، وإذا جاريتان لم أر قبلهما مثلهما، في أذني كل واحدة منهما حفقتان من ذهب فيهما لؤلؤلتان تتوقدان فقال لي: كيف أنت يا حماد وكيف حالك? فقلت بخير يا أمير المؤمنين قال: أتدري فيم بعثت إليك. قلت: لا قال: بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدر من قاله قلت: وما هو? فقال:
فدعوا بالصبوح يوما فجاءت قينة في يمينـهـا إبـريق قلت: هذا يقوله عدي بن زيد في قصيدة له قال: فأنشدنيها، فأنشدته:
بكر العاذلون في وضح الصـب ح يقولون لي ألا تـسـتـفـيق
ويلومون فيك يابنة عـبـد الـل ه والقلب عنـدكـم مـوهـوق
لست أدري إذ أكثروا العذل عندي أعـدو يلـومـنـي أوصـديق
زانهاحسنـهـاوفـرع عـمـيم واثيث صلت الـجـبـين أنـيق
وثنـايا مـفـلـجـات عـذاب لاقصـار تـرى ولاهـن روق
فدعوا بالصبوح يوما فـجـاءت قينة فـي يمـينـهـا إبــريق
قدمته على عقـار كـعـين ال ديك صفى سلافهـا الـراووق
مرة قبل مـزجـهـافـإذا مـا مزجت لذ طعمهـا مـن يذوق
وطفت فوقها فقـاقـيع كـالـد رصغار يثيرها الـتـصـفـيق
ثم كان المـزاج مـاء سـمـاء غير ما آجـن ولا مـطـروق قال: فطرب، ثم قال: أحسنت والله يا حماد، يا جارية اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي. وقال: أعد، فأعدت، فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي. فقلت: إن سقتني الثالثة افتضحت، فقال: سل حوائجك، فقلت كائنة ما كانت? قال: نعم قلت: إحدى الجاريتين فقال لي: هما جميعا لك بما عليهما وما لهما، ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتنني شربة سقطت معها، فلم أعقل حتى أصبحت فإذا بالجاريتين عند رأسي، وإذا عدة من الخدم مع كل واحد منهم بدرة، فقال لي أحدهم: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هفه فانتفع بها، فأخذتها والجاريتين وانصرفت. هذا لفظ حماد عن أبيه. ولم يقل أحمد بن عبيد في خبره أنه سقاه شيئا، ولكنه ذكر أنه طرب لإنشالده، ووهب له الجاريتين لما طلب إحداهما، وأنزله في دار، ثم نقله من غد إلى منزل أعده له، فانتقل إليه فوجد فيه الجاريتين وما لهما وكل ما يحتاج إليه، وأنه أقام عنده مدة فوصل إليه مائة ألف درهم، وهذا هو الصحيح لأن هشاما لم يكن يشرب ولا يسقي أحد بحضرته مسكرا، وكان ينكر ذلك ويعيبه ويعاقب عليه.
في أبيات عدي المذكورة في هذا الخبر غناء نسبته:
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin