ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران، وسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم انحط منها على بلد يقال له الدبة، ثم ترك الحنان بيمين، وهو كثيب عظيم كالجبل، ثم نزل قريبا من بدر، فركب هو ورجل من أصحابه - قال الطبري قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان - حتى وقف على شيخ من العرب، فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم؛ فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتنا أخبرناك فقال: أو ذاك بذاك? فقال: نعم . قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان صدقني الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان الذي حدثني صدقني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به قريش . فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء ، ثم انصرف الشيخ عنه. قال يقول الشيخ: ما من ماء? أمن ماء العراق? ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه.
إرساله نفرا من أصحابه إلى بدر فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى بدر يلتمسون له الخبر عليه -.
قبض هؤلاء النفر على غلامين لقريش قال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير: - فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار غلام بني العاصي بن سعيد، فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. فسألوهما فقالا: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما. وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتين ثم سلم، ثم قال: إذا صدقاكم ضربتموهما، فإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش. أخبراني أين قريش ? قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب: العقنقل - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم ? قالا: لا ندري. قال: كم ينحرون كل يوم ? قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة والألف . ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فيهم من أشراف قريش ? قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عمر بن نوفل، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن ود. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: هذه مكة قد رمت إليكم أفلاذ كبدها .
قدوم أبي سفيان إلى بدر متجسسا قال ابن إسحاق: وقد كان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنا يستقيان فيه، ومجدي بن عمرو الجهني على الماء، فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما تتلازمان على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال مجدي: صدقت، ثم خلص بينهما. وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا. وأقبل أبو سفيان قد تقدم العير حذرا حتى ورد الماء، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحدا? قال: ما رأيت أحد أنكره، إلا أني رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعا فصرف وجه عيره على الطريق فساحل بها وترك بدرا يسارا، ثم انطلق حتى أسرع.
رؤيا جهيم بن أبي الصلت
صفحة : 406
وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن أبي الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا، فقال: إني رأيت فيما يرى النائم، وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس ومعه بعير له ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وفلان وفلان - فعدد رجالا ممن قتل يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه. قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضا نبي آخر من بني عبد المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره، أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع به، لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب بمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا.
رجوع بني زهرة
فقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكان حليفا لبني زهرة، وهم بالجحفة: يا بني زهرة قد نجى الله لكم عيركم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا؛ فإنه لا حاجة بكم في أن تخرجوا في غير ضيعة لما يقول هذا يعني أبا جهل ؛ فلم يشهدها زهري، وكان فيهم مطاعا. ولم يكن بقي من قريش بطن إلا نفر منهم ناس، إلا بني عدي بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد. فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد.
اتهام قريش لبني هاشم ومضى القوم، وقد كان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة؛ فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أن هواكم لمع محمد؛ فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع. وأما ابن الكلبي فإنه قال فيما حدثت عنه: شخص طالب بن أبي طالب إلى بدر مع المشركين، أخرج كرها، فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولم يرجع إلى أهله، وكان شاعرا، وهو الذي يقول:
يا رب إما يغزون طـالـب في مقنب من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
نزول قريش بالعدوة القصوى من الوادي: قال: ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل. وبطن الوادي، وهو يليل، بين بدر وبين العقنقل: الكثيب الذي خلفه قريش. والقليب ببدر من العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة. وبعث الله عز وجل السماء، وكان الوادي دهسا، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى حاذى ماء من مياه بدر فنزل به.
قال ابن إسحاق: فحدثني عشرة رجال من بني سلمة ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة? قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة . فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من مياه القوم فتنزله، ثم تعور ما سواه من القلب ثم تبني عليه حوضا فتملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت الرأي . فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فعورت وبنوا حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
صفحة : 407
قال محمد بن إسحاق: فحدثني محمد بن أبي بكر أن سعد بن معاذ قال: يا رسول الله، نبني لك عريشا من جريد فتكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا؛ فإن نحن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا؛ فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير. ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه.
وقد ارتحلت قريش حين أصبحت وأقبلت. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي منه جاؤوا - إلى الوادي قال: اللهم هذي قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذي وعدتني. اللهم فأحنهم الغداة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر: إن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا .
عرض خفاف بن إيماء معونته على قريش
ولقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، أو أبوه أيما بن رحضة، بعث إلى قريش حين مروا به ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال لهم: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك رحم فقد قضيت الذي عليك. فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا ضعف عنهم، ولئن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة. فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم . فما شرب منهم رجل إلا قتل يومئذ، إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل، نجا على فرس له يقال الوجيه، وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه؛ فكان إذا اجتهد في يمينه قال: والذي نجاني من يوم بدر.
بعثت قريش عمير بن وهب متجسسا
فأخبرهم بما روعهم:
قال محمد بن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد؛ فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتى أنظر: أللقوم كمين أو مدد. قال: فضرب في الوادي حتى أمعن، فلم ير شيئا، فرجع فقال: لم أر شيئا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم. والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة وقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش الليلة وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى أمر ما تزال تذكر منه بخير إلى آخر الدهر? قال: وما ذاك يا حكيم? قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلت، أنت على ذلك شهيد، إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله؛ فأت ابن الحنظلية فإني لا أخشى أن يسحر الناس غيره يعني أبا جهل بن هشام.
حكيم بن حزام يقص حديث بدر لمروان
حدثنا محمد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا غمامة بن عمرو السهمي قال حدثنا مسور بن عبد الملك اليربوعي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال:
صفحة : 408
بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل عليه حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام. قال: إيذن له. فلما دخل حكيم بن حزام، قال: مرحبا بك يا أبا خالد، أدن؛ فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدثنا حديث بدر. قال: خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا؛ ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل؛ فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت? قال: أفعل ماذا? قال: قلت: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم واحد: ابن الحضرمي وهو حليفك، فتحمل ديته فيرجع الناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمل ديته، فاذهب فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك? فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، فإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك? قال: أما وجد رسولا غيرك? قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولا لغيره. قال حكيم: فخرج مبادرا إلى عتبة وخرجت معه لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة يتكئ على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل والشر في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سحرك فقال عتبة: فستعلم. فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه؛ فقال إيماء بن رحضة: بئس المقام هذا فعند ذلك قامت الحرب.
رجع الحديث إلى ابن إسحاق
نصح عتبة بن ربيعة قريشا بالرجوع فأبى أبو جهل: ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا، فقال: يا معشر قريش، والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبتموه، لا يزال الرجل منكم ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، رجل قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب؛ فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعدموا منه ما تريدون. قال حكيم: فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعا له من جرابها وهو يهيئها؛ فقلت له: يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا الذي قال؛ فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه. كلا والله لا مرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وأصحابه؛ وما يعتبه ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه قد تخوفكم عليه. ثم بعث إلى عامر الحضرمي فقال له: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك. فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: واعمراه واعمراه فحميت الحرب، وحقب أمر الناس، واستوسقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة. ولما بلغ عتبة قول أبي جهل: انتفخ سحره قال: سيعلم مصفر الإست من انتفخ سحره: أنا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فلم يجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته؛ فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له.
أقسم الأسود بن عبد الأسد ليشربن من حوض المسلمين فقتل
وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلا شرسا سيء الخلق، فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأبان قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
صفحة : 409
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا نصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إلى فتية من الأنصار ثلاثة نفر، وهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث، وأمهما عفراء ورجل آخر يقال: هو عبد الله بن رواحة؛ فقالوا: من أنتم? قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا علي بن أبي طالب . فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم? فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي. قالوا: نعم أكفاء كرام. فبارز عبيدة بن الحارث، وكان أسن القوم، عتبة بن ربيعة؛ وبارز حمزة شيبة بن ربيعة؛ وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. وأما علي فلم يمهل الوليد بن عتبة أن قتله. واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه؛ فكر حمزة وعلي على عتبة بأسيافهما فذففا عليه فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه وقد قطعت رجله ومخه يسيل. فلما أتو بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيدا يا رسول الله? قال: بلى . فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيا لعلم أني بما قال أحق منه حيث يقول:
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل قال محمد بن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا له: أكفاء كرام، إنما نريد قومنا. ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض - وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: إن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان، قال ابن إسحاق: كما حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين.
قال محمد بن جرير وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال لي محمد بن إسحاق حدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح، ثم قال: استو يا سواد بن غزية . فقال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد ؛ فاعتنقه وقبل بطنه. فقال: ما حملك على هذا يا سواد ? فقال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فلم آمن الموت، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك؛ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا. ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، ورجع إلى العريش ودخله ومعه أبو بكر ليس معه غيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول فيما يقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم - يعني المسلمين - لا تعبد بعد اليوم . وأبو بكر يقول: يا نبي الله خلي بعض مناشدتك ربك؛ فإن الله منجز لك ما وعدك.
دعاء النبي يوم بدر
حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قتال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عكرمة بن عمار قال حدثني سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم وإلى أصحابه وهم نيف على ثلاثمائة، استقبل الكعبة وجعل يدعوا ويقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من الإسلام لا تعبد في الأرض . فلم يزل كلك حتى سقط رداؤه؛ فأخذ أبو بكر فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من ورائه فقال: كفاك يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، مناشدتك لربك، سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين .
حدثنا محمد قال حدثنا ابن وكيع قال حدثنا الثقفي يعني عبد الوهاب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس:
صفحة : 410
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر اللهم أسألك عهدك ووعدك. اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم . قال: فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا نبي الله، فقد ألححت على ربك، وهو في الدرع؛ فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر .
رجع الحديث إلى حديث ابن أبي إسحاق
أخذت النبي سنة ثم انتبه مبشرا بالنصر ومحرضا على القتال: قال: وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو بالعريش، ثم انتبه فقال: يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده وعلى ثناياه النقع ، قال: وقد رمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل، فكان أول قتيل من المسلمين. ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم ونفل كل امرئ ما أصاب، وقال: والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجلا فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة . فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلها: بخ بخ أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل، وهو يقول:
ركضا إلى الله بغـير زاد إلا التقى وعمل المـعـاد
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة النـفـاد
غير التقى والبر والرشاد حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة: أن عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده? قال: غمسه يده في العدو حاسرا ؛ فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
التقاء الفريقين وهزيمة المشركين
حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وحدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بني زهرة قال: لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة؛ فكان هو المستفتح على نفسه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء واستقبل بها قريشا، ثم قال: شاهت الوجوه ثم نفحهم بها، وقال لأصحابه: شدوا ؛ فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم. فلما وضع القوم أيديهم يأسرون - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشخا بالسيف في نفر من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرة العدو - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهة فيما يصنع الناس؛ فقال له: كأنك كرهت ما يصنع الناس قال: أجل يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله عز وجل بأهل الشرك؛ فكان الإثخان في القتل أعجب إلي من استبقاء الرجال.
نهى النبي عن قتل جماعة خرجوا مستكرهين حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال، وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس:
صفحة : 411
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: إني قد عرفت أن رجلا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلا يقتله، فأنما خرج مستكرها . قال: فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أيقتل آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أما تسمع إلى قول أبي حذيفة يقول أضرب وجه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف . فقال: عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق. قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص. قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة؛ فقتل يوم اليمامة شهيدا.
سبب نهي النبي عن قتل أبي البختري قال: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري، لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لايؤذيه ولا يبلغه عنه بمكة شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب. فلقيه المجدر بن ذياد البلوي حليف الأنصار من بني عدي، فقال المجذر بن ذياد لأبي البختري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بن زهير بن الحارث بن أسد - وجنادة رجل من بني ليث. واسم أبي البحتري العاصي بن هشام بن الحارث بن أسد - قال: وزميلي? فقال المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك؛ ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك. قال: والله إذن لأموتن أنا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء قريش بين أهل مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة. فقال أبو البختري حين نازله المجذر وأبى إلا القتال وهو يرتجز:
لن يسلم ابن حرة أكـيلـه حتى يموت أو يرى سبيله فاقتتلا، فقتله المجذر بن ذياد. ثم أتى المجذر بن ذياد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق، لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلا القتال، فقاتلته فقتلته.
عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف
قال محمد بن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه، قال: وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة. قال: وكان اسمي عبد عمرو، فسميت حين أسلمت عبد الرحمن ونحن بمكة. قال: وكان يلقاني بمكة فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماك به أبواك? فأقول نعم؛ فيقول: فإني لآ أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو، لم أجبه. فقلت: اجعل بيني وبينك يا أبا علي ما شئت. قال: فأنت عبد الإله. فقلت نعم. قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله فأجيبه فأتحدث معه. حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع علي ابنه آخذا بيده، ومعي أدراع قد سلبتها وأنا أحملها. فلما رآني قال: يا عبد عمرو، فلم أجبه. فقال: يا عبد الإله، قلت نعم. قال: هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع? قلت: نعم، هلم إذا. فطرحت الأدراع بين يدي وأخذت بيده وبيد ابنه علي، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن? ثم خرجت أمشي بينهما.
مقتل أمية بن خلف وابنه قال إبن إسحاق: وحدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال:
صفحة : 412
قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما: يا عبد الإله، من الرجل المعلم منكم بريش نعامة في صدره? قال قلت: ذلك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على أن يترك الإسلام، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد؛ فيقول بلال: أحد أحد - فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجوا قال: قلت: أي بلال، أبأسيري قال: لا نجوت إن نجوا قلت: أي بلال، أبأسيري تسمع يا بن السوداء قال: لا نجوت إن نجوا ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نحوت إن نجوا. قال فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه. قال: فأخلف رجل السيف ضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط. قال قلت: انج بنفسك ولا نجاء فوالله ما أغني عنك شيئا. قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا ذهب بأدراعي وفجعني بأسيري.
قتال الملائكة في غزوة بدر
قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة - فننهب من ينهب. فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، وسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم. قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه. وأما أنا فكدهت أهلك، ثم تماسكت.
قال محمد بن إسحاق حدثني أبي إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا، قال: إن لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعلمت أنه قد قتله غيري.
حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم المصري قال حدثنا يحي بن بكير قال حدثني محمد بن إسحاق عن العلاء بن كثير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال لي أبي: يا بني، لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير إلى المشرك بسيفه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
لباس الملائكة يوم بدر وحنين حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد قال، وحدثني الحسن بن عمارة قال أخبرنا سلمة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها على ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمرا، ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام مددا وعددا ولا يضربون.
مقتل أبي جهل بن هشام
حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال، قال محمد وحدثني ثور بن زيد ولي بني الديل عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قالا: كان معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة يقول: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى، وقال: اللهم لا يعجزنك . وكان أول من لقي أبا جهل بن معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة، وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه. فلما سمعتها جعلتها من شأني، فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا كالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلده من جنبي، وأجهضني القتال عنها؛ فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت بها حتى طرحتها.
صفحة : 413
قال: ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى كان في زمن عثمان بن عفان. قال: ثم مر بأبي جهل، وهو عقير، معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل. فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلمس في القتلى، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته؛ فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان، وكنت أشب - أو أشف - منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فخدش في إحداهما خدشا لم يزل أثره فيها بعد . فقال عبد الله بن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه. قال: وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني، ثم قلت: هل أخزاك الله يا عدو الله? قال: وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه لمن الدبرة اليوم? قال: قلت: لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد قال: زعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا؛ ثم احتززت رأسه، ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله الذي لا إله غيره - وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قلت: نعم والله الذي لا إله غيره، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحمد الله.
تكليم النبي أصحاب القليب بعد موتهم
قال محمد بن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن ابن الزبير عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيها إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملأها؛ فذهبوا به ليخرجوه فتزايل، فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة. فلما ألقوهم في القليب، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا . فقال له أصحابه: يا رسول الله، أتكلم قوما موتى? قال: لقد علموا إن ما وعدهم ربهم حق . قالت عائشة: والناس يقولون: لقد سمعوا ما قلت لهم ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد علموا .
قال ابن إسحاق وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول من جوف الليل: يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أبا جهل بن هشام - فعدد من كان منهم في القليب - هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا قال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماص قد جيفوا فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبونني .
قال محمد بن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال هذه المقالة قال: يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس . ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا للمقالة التي قالها. ولما أمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، إلى وجه أبي حذيفة بن عتبة، فإذا هو كئيب قد تغير؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء أو كما قال. قال فقال: لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعلاف من أبي رأيا وفضلا وحلما، فكنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير وقال له خيرا.
اختلاف المسلمين على الفيء
صفحة : 414
ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع، واختلف المسلمون فيه: فقال من جمعه: هو لنا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرىء ما أصاب. فقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونهم: لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا القوم عنكم حتى أصبتم ما أصبتم. وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو: والله ما أنتم بأحق منا، ولقد رأينا أن نقتل العدو إذ ولانا الله ومنحنا أكتافهم، ولقد رأينا أن تأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، ولقد خفنا على رسول الله كرة العدو، فقمنا دونه، فما أنتم أحق به منا.
مقتل النضر بن الحارث
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الأسارى من المشركين، وكانوا أربعة وأربعين أسيرا، وكان من القتلى مثل ذلك، وفي الأسارى عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بن كلدة، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء، قتل النضر بن الحارث بن كلدة، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
تعنيف سودة لسهيل بن عمرو
حين أسر وعتاب النبي لها في ذلك:
قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قدم بالأسارى حين قدم بهم، وسودة بن زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب قال: تقول سودة: والله إني لعندهم إذ أتينا، فقيل: هؤلاء الأسارى قد أوتي بهم، فرحت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. قالت: فو الله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: يا أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متم كراما فو الله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت: يا سودة أعلى الله وعلى رسوله قالت: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بحبل أن قلت ما قلت.
إخبار الحيسمان أهل مكة عن قتلى بدر
قال محمد بن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش، الحيسمان بن عبيد الله بن إياس بن ضبيعة بن رومان بن كعب بن عمرو الخزاعي. قالوا: ما وراءك? قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري بن هشام، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. قال: فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا فسلوه عني. قالوا: ما فعل صفوان بن أمية? قال: هو ذالك جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
أبو لهب وتخلفه عن الحرب ثم موته
قال محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال:
صفحة : 415
قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره خلافهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا. فلما جاء الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش، كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا؛ وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم؛ فو الله إني لجالس فيها أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه يسير حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم؛ فقال أبو لهب: هلم إلي يا بن أخي، فعندك لعمري الخبر. فجلس إليه والناس قيام عليه. فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس? قال: لا شيء والله، إن كان إلا أن لقيناهم فأبحناهم أكتافنا يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا. وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجلا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال: فساورته فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفا؛ فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة، فشجت في رأسه شجة منكرة وقالت: أتستضعفه أن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا. فو الله ما عاش فيها إلا سبع ليال حتى رماه الله جل جلاله بالعدسة فقتلته؛ فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا لا يدفنانه حتى أنتن في بيته - وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقى الطاعون - حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما لا تستحييان أن أباكما قد أنتن في بيته فلا تغيبانه فقالا: نخشى هذه القرحة. قال: فانطلقا فأنا معكما. فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه؛ فاحتملوه فدفنوه بأعلى مكة على جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه.
العباس وتألم النبي لأسره
قال محمد بن إسحاق وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس قال: لما أمسى القوم من يوم بدر، والأسارى محبوسون في الوثاق، بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا أول ليلته. فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما لك لا تنام? فقال: سمعت تضور العباس في وثاقه ؛ فقاموا إلى العباس فأطلقوه؛ فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق وحدثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان رجلا مجموعا، وكان العباس رجلا جسيما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: كيف أسرت العباس يا أبا اليسر ? فقال: يا رسول الله، أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم .
قال ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب حين انتهي به إلى المدينة: يا عباس افد نفسك، وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال . فقال: يا رسول الله، إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني. فقال: الله أعلم بإسلامك، إن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا؛ فافد نفسك . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب. فقال العباس: يا رسول الله، احسبها لي في فدائي. قال: لا، ذلك شيء أعطاناه الله منك . قال: فإنه ليس لي مال. قال قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حين خرجت من عند أم الفضل بنت الحارث ليس معكما أحد، ثم قلت لها أن أصبت في سفرتي هذه فللفضل كذا ولعبد الله كذا ولقثم كذا ولعبيد الله كذا ? قال: والذي بعثك بالحق ما علم هذا أحد غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله. ففدى العباس نفسه وابن أخيه وحليفه.
صفحة : 416
فدت زينب زوجها أبا العاصي فرد عليها النبي الفداء: قال إبن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاصي بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا فقالوا: نعم يا رسول الله؛ فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.
رثاء الأسود بن المطلب لأولاده
قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه قال: ناحت قريش على قتلاها، ثم قالت: لا تفعلوا فيبلغ ذلك محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في فداء أسراكم حتى تستأنوا بهم، لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قال: وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة وعقيل والحارث بنو الأسود، وكان يحب أن يبكي على بنيه. فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة في الليل، فقال لغلامه وقد ذهب بصره: انظر هل أحل النحيب? وهل بكت قريش على قتلاها? لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة ؛ فإن جوفي قد احترق. فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته؛ فذلك حين يقول الأسود:
أتبكي أن أضل لها بـعـير ويمنعها البكاء من الهجـود
ولا تبكي على بكر ولـكـن على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكي إن بكيت على عقـيل وبكي حارثا أسـد الأسـود
وبكيهم ولا تسمي جمـيعـا فما لأبي حكيمة من نـديد
ألا قد ساد بعدهـم رجـال ولولا يوم بدر لـم يسـودوا رثاء هند بنت عتبة أباها ومما قيل في بدر من الشعر وغني به قول هند بنت عتبة ترثي أباها: صوت
من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهمـا
قرمان لا يتـظـالـمـا ن ولا يرام حماهـمـا
ويلي علـى أبـوي وال قبر الـذي واراهـمـا
لا مثل كهلي في الكهـو ل ولا فتى كفتاهـمـا ذكر الهشامي أن الغناء لابن سريج رمل، وفي الكتاب الكبير المنسوب إلى إسحاق أنه للغريض - وتمام هذه الأبيات:
أسدان لا يتـذلـلا ن ولا يرام حماهما
رمحين خطيين في كبد السماء تراهما
ما خلفـا إذ ودعـا في سدود شرواهما
سادا بغير تكـلـف عفوا يفيض نداهما معاظمتها الخنساء بعكاظ وشعرهما في مصابهما أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي، وأخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: لما كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة؛ فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية، وأنها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة، وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك. فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة ، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب، فقالت: اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا. فلما أن دنت منها، قالت لها الخنساء: من أنت يا أخية? قالت: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم? فقالت الخنساء: بعمرو بن الشريد، وصخر ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت? قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواء هم عندك? ثم أنشدت تقول:
أبكي أبي عمرا بعين غزيرة فليل إذا نام الخلي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي له من سراة الحرتين وفودها
صفحة : 417
وصخرا، ومن ذا مثل صخر إذا غدا بساهمة الآطال قـبـا يقـودهـا
فذلك يا هند الرزية فـاعـلـمـي ونيران حرب حين شب وقـودهـا فقالت هند تجيبها:
أبكي عميد الأبطحين كلـيهـمـا وحاميهما من كل بـاغ يريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي وشيبة والحامي الذمار ولـيدهـا
أولئك آل المجد من آل غـالـب وفي العز منها حين ينمي عديدها وقالت لها أيضا يومئذ:
من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهمـا أخبرني الحسين بن يحيى عن ح
إرساله نفرا من أصحابه إلى بدر فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى بدر يلتمسون له الخبر عليه -.
قبض هؤلاء النفر على غلامين لقريش قال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير: - فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار غلام بني العاصي بن سعيد، فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. فسألوهما فقالا: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما. وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتين ثم سلم، ثم قال: إذا صدقاكم ضربتموهما، فإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش. أخبراني أين قريش ? قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب: العقنقل - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم ? قالا: لا ندري. قال: كم ينحرون كل يوم ? قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة والألف . ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فيهم من أشراف قريش ? قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عمر بن نوفل، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن ود. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: هذه مكة قد رمت إليكم أفلاذ كبدها .
قدوم أبي سفيان إلى بدر متجسسا قال ابن إسحاق: وقد كان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنا يستقيان فيه، ومجدي بن عمرو الجهني على الماء، فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما تتلازمان على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال مجدي: صدقت، ثم خلص بينهما. وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا. وأقبل أبو سفيان قد تقدم العير حذرا حتى ورد الماء، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحدا? قال: ما رأيت أحد أنكره، إلا أني رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعا فصرف وجه عيره على الطريق فساحل بها وترك بدرا يسارا، ثم انطلق حتى أسرع.
رؤيا جهيم بن أبي الصلت
صفحة : 406
وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن أبي الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا، فقال: إني رأيت فيما يرى النائم، وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس ومعه بعير له ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وفلان وفلان - فعدد رجالا ممن قتل يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه. قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضا نبي آخر من بني عبد المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره، أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع به، لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب بمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا.
رجوع بني زهرة
فقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكان حليفا لبني زهرة، وهم بالجحفة: يا بني زهرة قد نجى الله لكم عيركم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا؛ فإنه لا حاجة بكم في أن تخرجوا في غير ضيعة لما يقول هذا يعني أبا جهل ؛ فلم يشهدها زهري، وكان فيهم مطاعا. ولم يكن بقي من قريش بطن إلا نفر منهم ناس، إلا بني عدي بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد. فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد.
اتهام قريش لبني هاشم ومضى القوم، وقد كان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة؛ فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أن هواكم لمع محمد؛ فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع. وأما ابن الكلبي فإنه قال فيما حدثت عنه: شخص طالب بن أبي طالب إلى بدر مع المشركين، أخرج كرها، فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولم يرجع إلى أهله، وكان شاعرا، وهو الذي يقول:
يا رب إما يغزون طـالـب في مقنب من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
نزول قريش بالعدوة القصوى من الوادي: قال: ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل. وبطن الوادي، وهو يليل، بين بدر وبين العقنقل: الكثيب الذي خلفه قريش. والقليب ببدر من العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة. وبعث الله عز وجل السماء، وكان الوادي دهسا، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى حاذى ماء من مياه بدر فنزل به.
قال ابن إسحاق: فحدثني عشرة رجال من بني سلمة ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة? قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة . فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من مياه القوم فتنزله، ثم تعور ما سواه من القلب ثم تبني عليه حوضا فتملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت الرأي . فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فعورت وبنوا حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
صفحة : 407
قال محمد بن إسحاق: فحدثني محمد بن أبي بكر أن سعد بن معاذ قال: يا رسول الله، نبني لك عريشا من جريد فتكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا؛ فإن نحن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا؛ فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير. ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه.
وقد ارتحلت قريش حين أصبحت وأقبلت. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي منه جاؤوا - إلى الوادي قال: اللهم هذي قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذي وعدتني. اللهم فأحنهم الغداة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر: إن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا .
عرض خفاف بن إيماء معونته على قريش
ولقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، أو أبوه أيما بن رحضة، بعث إلى قريش حين مروا به ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال لهم: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك رحم فقد قضيت الذي عليك. فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا ضعف عنهم، ولئن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة. فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم . فما شرب منهم رجل إلا قتل يومئذ، إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل، نجا على فرس له يقال الوجيه، وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه؛ فكان إذا اجتهد في يمينه قال: والذي نجاني من يوم بدر.
بعثت قريش عمير بن وهب متجسسا
فأخبرهم بما روعهم:
قال محمد بن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد؛ فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتى أنظر: أللقوم كمين أو مدد. قال: فضرب في الوادي حتى أمعن، فلم ير شيئا، فرجع فقال: لم أر شيئا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم. والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة وقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش الليلة وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى أمر ما تزال تذكر منه بخير إلى آخر الدهر? قال: وما ذاك يا حكيم? قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلت، أنت على ذلك شهيد، إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله؛ فأت ابن الحنظلية فإني لا أخشى أن يسحر الناس غيره يعني أبا جهل بن هشام.
حكيم بن حزام يقص حديث بدر لمروان
حدثنا محمد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا غمامة بن عمرو السهمي قال حدثنا مسور بن عبد الملك اليربوعي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال:
صفحة : 408
بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل عليه حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام. قال: إيذن له. فلما دخل حكيم بن حزام، قال: مرحبا بك يا أبا خالد، أدن؛ فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدثنا حديث بدر. قال: خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا؛ ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل؛ فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت? قال: أفعل ماذا? قال: قلت: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم واحد: ابن الحضرمي وهو حليفك، فتحمل ديته فيرجع الناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمل ديته، فاذهب فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك? فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، فإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك? قال: أما وجد رسولا غيرك? قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولا لغيره. قال حكيم: فخرج مبادرا إلى عتبة وخرجت معه لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة يتكئ على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل والشر في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سحرك فقال عتبة: فستعلم. فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه؛ فقال إيماء بن رحضة: بئس المقام هذا فعند ذلك قامت الحرب.
رجع الحديث إلى ابن إسحاق
نصح عتبة بن ربيعة قريشا بالرجوع فأبى أبو جهل: ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا، فقال: يا معشر قريش، والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبتموه، لا يزال الرجل منكم ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، رجل قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب؛ فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعدموا منه ما تريدون. قال حكيم: فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعا له من جرابها وهو يهيئها؛ فقلت له: يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا الذي قال؛ فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه. كلا والله لا مرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وأصحابه؛ وما يعتبه ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه قد تخوفكم عليه. ثم بعث إلى عامر الحضرمي فقال له: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك. فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: واعمراه واعمراه فحميت الحرب، وحقب أمر الناس، واستوسقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة. ولما بلغ عتبة قول أبي جهل: انتفخ سحره قال: سيعلم مصفر الإست من انتفخ سحره: أنا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فلم يجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته؛ فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له.
أقسم الأسود بن عبد الأسد ليشربن من حوض المسلمين فقتل
وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلا شرسا سيء الخلق، فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأبان قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
صفحة : 409
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا نصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إلى فتية من الأنصار ثلاثة نفر، وهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث، وأمهما عفراء ورجل آخر يقال: هو عبد الله بن رواحة؛ فقالوا: من أنتم? قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا علي بن أبي طالب . فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم? فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي. قالوا: نعم أكفاء كرام. فبارز عبيدة بن الحارث، وكان أسن القوم، عتبة بن ربيعة؛ وبارز حمزة شيبة بن ربيعة؛ وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. وأما علي فلم يمهل الوليد بن عتبة أن قتله. واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه؛ فكر حمزة وعلي على عتبة بأسيافهما فذففا عليه فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه وقد قطعت رجله ومخه يسيل. فلما أتو بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيدا يا رسول الله? قال: بلى . فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيا لعلم أني بما قال أحق منه حيث يقول:
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل قال محمد بن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا له: أكفاء كرام، إنما نريد قومنا. ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض - وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: إن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان، قال ابن إسحاق: كما حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين.
قال محمد بن جرير وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال لي محمد بن إسحاق حدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح، ثم قال: استو يا سواد بن غزية . فقال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد ؛ فاعتنقه وقبل بطنه. فقال: ما حملك على هذا يا سواد ? فقال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فلم آمن الموت، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك؛ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا. ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، ورجع إلى العريش ودخله ومعه أبو بكر ليس معه غيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول فيما يقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم - يعني المسلمين - لا تعبد بعد اليوم . وأبو بكر يقول: يا نبي الله خلي بعض مناشدتك ربك؛ فإن الله منجز لك ما وعدك.
دعاء النبي يوم بدر
حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قتال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عكرمة بن عمار قال حدثني سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم وإلى أصحابه وهم نيف على ثلاثمائة، استقبل الكعبة وجعل يدعوا ويقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من الإسلام لا تعبد في الأرض . فلم يزل كلك حتى سقط رداؤه؛ فأخذ أبو بكر فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من ورائه فقال: كفاك يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، مناشدتك لربك، سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين .
حدثنا محمد قال حدثنا ابن وكيع قال حدثنا الثقفي يعني عبد الوهاب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس:
صفحة : 410
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر اللهم أسألك عهدك ووعدك. اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم . قال: فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا نبي الله، فقد ألححت على ربك، وهو في الدرع؛ فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر .
رجع الحديث إلى حديث ابن أبي إسحاق
أخذت النبي سنة ثم انتبه مبشرا بالنصر ومحرضا على القتال: قال: وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو بالعريش، ثم انتبه فقال: يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده وعلى ثناياه النقع ، قال: وقد رمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل، فكان أول قتيل من المسلمين. ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم ونفل كل امرئ ما أصاب، وقال: والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجلا فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة . فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلها: بخ بخ أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل، وهو يقول:
ركضا إلى الله بغـير زاد إلا التقى وعمل المـعـاد
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة النـفـاد
غير التقى والبر والرشاد حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة: أن عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده? قال: غمسه يده في العدو حاسرا ؛ فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
التقاء الفريقين وهزيمة المشركين
حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وحدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بني زهرة قال: لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة؛ فكان هو المستفتح على نفسه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء واستقبل بها قريشا، ثم قال: شاهت الوجوه ثم نفحهم بها، وقال لأصحابه: شدوا ؛ فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم. فلما وضع القوم أيديهم يأسرون - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشخا بالسيف في نفر من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرة العدو - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهة فيما يصنع الناس؛ فقال له: كأنك كرهت ما يصنع الناس قال: أجل يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله عز وجل بأهل الشرك؛ فكان الإثخان في القتل أعجب إلي من استبقاء الرجال.
نهى النبي عن قتل جماعة خرجوا مستكرهين حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال، وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس:
صفحة : 411
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: إني قد عرفت أن رجلا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلا يقتله، فأنما خرج مستكرها . قال: فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أيقتل آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أما تسمع إلى قول أبي حذيفة يقول أضرب وجه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف . فقال: عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق. قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص. قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة؛ فقتل يوم اليمامة شهيدا.
سبب نهي النبي عن قتل أبي البختري قال: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري، لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لايؤذيه ولا يبلغه عنه بمكة شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب. فلقيه المجدر بن ذياد البلوي حليف الأنصار من بني عدي، فقال المجذر بن ذياد لأبي البختري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بن زهير بن الحارث بن أسد - وجنادة رجل من بني ليث. واسم أبي البحتري العاصي بن هشام بن الحارث بن أسد - قال: وزميلي? فقال المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك؛ ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك. قال: والله إذن لأموتن أنا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء قريش بين أهل مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة. فقال أبو البختري حين نازله المجذر وأبى إلا القتال وهو يرتجز:
لن يسلم ابن حرة أكـيلـه حتى يموت أو يرى سبيله فاقتتلا، فقتله المجذر بن ذياد. ثم أتى المجذر بن ذياد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق، لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلا القتال، فقاتلته فقتلته.
عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف
قال محمد بن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه، قال: وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة. قال: وكان اسمي عبد عمرو، فسميت حين أسلمت عبد الرحمن ونحن بمكة. قال: وكان يلقاني بمكة فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماك به أبواك? فأقول نعم؛ فيقول: فإني لآ أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو، لم أجبه. فقلت: اجعل بيني وبينك يا أبا علي ما شئت. قال: فأنت عبد الإله. فقلت نعم. قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله فأجيبه فأتحدث معه. حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع علي ابنه آخذا بيده، ومعي أدراع قد سلبتها وأنا أحملها. فلما رآني قال: يا عبد عمرو، فلم أجبه. فقال: يا عبد الإله، قلت نعم. قال: هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع? قلت: نعم، هلم إذا. فطرحت الأدراع بين يدي وأخذت بيده وبيد ابنه علي، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن? ثم خرجت أمشي بينهما.
مقتل أمية بن خلف وابنه قال إبن إسحاق: وحدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال:
صفحة : 412
قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما: يا عبد الإله، من الرجل المعلم منكم بريش نعامة في صدره? قال قلت: ذلك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على أن يترك الإسلام، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد؛ فيقول بلال: أحد أحد - فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجوا قال: قلت: أي بلال، أبأسيري قال: لا نجوت إن نجوا قلت: أي بلال، أبأسيري تسمع يا بن السوداء قال: لا نجوت إن نجوا ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نحوت إن نجوا. قال فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه. قال: فأخلف رجل السيف ضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط. قال قلت: انج بنفسك ولا نجاء فوالله ما أغني عنك شيئا. قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا ذهب بأدراعي وفجعني بأسيري.
قتال الملائكة في غزوة بدر
قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة - فننهب من ينهب. فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، وسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم. قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه. وأما أنا فكدهت أهلك، ثم تماسكت.
قال محمد بن إسحاق حدثني أبي إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا، قال: إن لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعلمت أنه قد قتله غيري.
حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم المصري قال حدثنا يحي بن بكير قال حدثني محمد بن إسحاق عن العلاء بن كثير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال لي أبي: يا بني، لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير إلى المشرك بسيفه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
لباس الملائكة يوم بدر وحنين حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد قال، وحدثني الحسن بن عمارة قال أخبرنا سلمة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها على ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمرا، ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام مددا وعددا ولا يضربون.
مقتل أبي جهل بن هشام
حدثنا محمد قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال، قال محمد وحدثني ثور بن زيد ولي بني الديل عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قالا: كان معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة يقول: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى، وقال: اللهم لا يعجزنك . وكان أول من لقي أبا جهل بن معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة، وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه. فلما سمعتها جعلتها من شأني، فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا كالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلده من جنبي، وأجهضني القتال عنها؛ فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت بها حتى طرحتها.
صفحة : 413
قال: ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى كان في زمن عثمان بن عفان. قال: ثم مر بأبي جهل، وهو عقير، معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل. فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلمس في القتلى، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته؛ فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان، وكنت أشب - أو أشف - منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فخدش في إحداهما خدشا لم يزل أثره فيها بعد . فقال عبد الله بن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه. قال: وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني، ثم قلت: هل أخزاك الله يا عدو الله? قال: وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه لمن الدبرة اليوم? قال: قلت: لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد قال: زعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا؛ ثم احتززت رأسه، ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله الذي لا إله غيره - وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قلت: نعم والله الذي لا إله غيره، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحمد الله.
تكليم النبي أصحاب القليب بعد موتهم
قال محمد بن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن ابن الزبير عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيها إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملأها؛ فذهبوا به ليخرجوه فتزايل، فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة. فلما ألقوهم في القليب، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا . فقال له أصحابه: يا رسول الله، أتكلم قوما موتى? قال: لقد علموا إن ما وعدهم ربهم حق . قالت عائشة: والناس يقولون: لقد سمعوا ما قلت لهم ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد علموا .
قال ابن إسحاق وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول من جوف الليل: يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أبا جهل بن هشام - فعدد من كان منهم في القليب - هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا قال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماص قد جيفوا فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبونني .
قال محمد بن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال هذه المقالة قال: يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس . ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا للمقالة التي قالها. ولما أمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، إلى وجه أبي حذيفة بن عتبة، فإذا هو كئيب قد تغير؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء أو كما قال. قال فقال: لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعلاف من أبي رأيا وفضلا وحلما، فكنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير وقال له خيرا.
اختلاف المسلمين على الفيء
صفحة : 414
ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع، واختلف المسلمون فيه: فقال من جمعه: هو لنا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرىء ما أصاب. فقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونهم: لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا القوم عنكم حتى أصبتم ما أصبتم. وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو: والله ما أنتم بأحق منا، ولقد رأينا أن نقتل العدو إذ ولانا الله ومنحنا أكتافهم، ولقد رأينا أن تأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، ولقد خفنا على رسول الله كرة العدو، فقمنا دونه، فما أنتم أحق به منا.
مقتل النضر بن الحارث
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الأسارى من المشركين، وكانوا أربعة وأربعين أسيرا، وكان من القتلى مثل ذلك، وفي الأسارى عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بن كلدة، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء، قتل النضر بن الحارث بن كلدة، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
تعنيف سودة لسهيل بن عمرو
حين أسر وعتاب النبي لها في ذلك:
قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قدم بالأسارى حين قدم بهم، وسودة بن زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب قال: تقول سودة: والله إني لعندهم إذ أتينا، فقيل: هؤلاء الأسارى قد أوتي بهم، فرحت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. قالت: فو الله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: يا أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متم كراما فو الله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت: يا سودة أعلى الله وعلى رسوله قالت: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بحبل أن قلت ما قلت.
إخبار الحيسمان أهل مكة عن قتلى بدر
قال محمد بن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش، الحيسمان بن عبيد الله بن إياس بن ضبيعة بن رومان بن كعب بن عمرو الخزاعي. قالوا: ما وراءك? قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري بن هشام، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. قال: فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا فسلوه عني. قالوا: ما فعل صفوان بن أمية? قال: هو ذالك جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
أبو لهب وتخلفه عن الحرب ثم موته
قال محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال:
صفحة : 415
قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره خلافهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا. فلما جاء الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش، كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا؛ وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم؛ فو الله إني لجالس فيها أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه يسير حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم؛ فقال أبو لهب: هلم إلي يا بن أخي، فعندك لعمري الخبر. فجلس إليه والناس قيام عليه. فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس? قال: لا شيء والله، إن كان إلا أن لقيناهم فأبحناهم أكتافنا يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا. وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجلا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال: فساورته فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفا؛ فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة، فشجت في رأسه شجة منكرة وقالت: أتستضعفه أن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا. فو الله ما عاش فيها إلا سبع ليال حتى رماه الله جل جلاله بالعدسة فقتلته؛ فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا لا يدفنانه حتى أنتن في بيته - وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقى الطاعون - حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما لا تستحييان أن أباكما قد أنتن في بيته فلا تغيبانه فقالا: نخشى هذه القرحة. قال: فانطلقا فأنا معكما. فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه؛ فاحتملوه فدفنوه بأعلى مكة على جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه.
العباس وتألم النبي لأسره
قال محمد بن إسحاق وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس قال: لما أمسى القوم من يوم بدر، والأسارى محبوسون في الوثاق، بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا أول ليلته. فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما لك لا تنام? فقال: سمعت تضور العباس في وثاقه ؛ فقاموا إلى العباس فأطلقوه؛ فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق وحدثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان رجلا مجموعا، وكان العباس رجلا جسيما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: كيف أسرت العباس يا أبا اليسر ? فقال: يا رسول الله، أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم .
قال ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب حين انتهي به إلى المدينة: يا عباس افد نفسك، وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال . فقال: يا رسول الله، إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني. فقال: الله أعلم بإسلامك، إن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا؛ فافد نفسك . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب. فقال العباس: يا رسول الله، احسبها لي في فدائي. قال: لا، ذلك شيء أعطاناه الله منك . قال: فإنه ليس لي مال. قال قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حين خرجت من عند أم الفضل بنت الحارث ليس معكما أحد، ثم قلت لها أن أصبت في سفرتي هذه فللفضل كذا ولعبد الله كذا ولقثم كذا ولعبيد الله كذا ? قال: والذي بعثك بالحق ما علم هذا أحد غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله. ففدى العباس نفسه وابن أخيه وحليفه.
صفحة : 416
فدت زينب زوجها أبا العاصي فرد عليها النبي الفداء: قال إبن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاصي بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا فقالوا: نعم يا رسول الله؛ فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.
رثاء الأسود بن المطلب لأولاده
قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه قال: ناحت قريش على قتلاها، ثم قالت: لا تفعلوا فيبلغ ذلك محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في فداء أسراكم حتى تستأنوا بهم، لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قال: وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة وعقيل والحارث بنو الأسود، وكان يحب أن يبكي على بنيه. فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة في الليل، فقال لغلامه وقد ذهب بصره: انظر هل أحل النحيب? وهل بكت قريش على قتلاها? لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة ؛ فإن جوفي قد احترق. فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته؛ فذلك حين يقول الأسود:
أتبكي أن أضل لها بـعـير ويمنعها البكاء من الهجـود
ولا تبكي على بكر ولـكـن على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكي إن بكيت على عقـيل وبكي حارثا أسـد الأسـود
وبكيهم ولا تسمي جمـيعـا فما لأبي حكيمة من نـديد
ألا قد ساد بعدهـم رجـال ولولا يوم بدر لـم يسـودوا رثاء هند بنت عتبة أباها ومما قيل في بدر من الشعر وغني به قول هند بنت عتبة ترثي أباها: صوت
من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهمـا
قرمان لا يتـظـالـمـا ن ولا يرام حماهـمـا
ويلي علـى أبـوي وال قبر الـذي واراهـمـا
لا مثل كهلي في الكهـو ل ولا فتى كفتاهـمـا ذكر الهشامي أن الغناء لابن سريج رمل، وفي الكتاب الكبير المنسوب إلى إسحاق أنه للغريض - وتمام هذه الأبيات:
أسدان لا يتـذلـلا ن ولا يرام حماهما
رمحين خطيين في كبد السماء تراهما
ما خلفـا إذ ودعـا في سدود شرواهما
سادا بغير تكـلـف عفوا يفيض نداهما معاظمتها الخنساء بعكاظ وشعرهما في مصابهما أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي، وأخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: لما كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة؛ فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية، وأنها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة، وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك. فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة ، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب، فقالت: اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا. فلما أن دنت منها، قالت لها الخنساء: من أنت يا أخية? قالت: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم? فقالت الخنساء: بعمرو بن الشريد، وصخر ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت? قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواء هم عندك? ثم أنشدت تقول:
أبكي أبي عمرا بعين غزيرة فليل إذا نام الخلي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي له من سراة الحرتين وفودها
صفحة : 417
وصخرا، ومن ذا مثل صخر إذا غدا بساهمة الآطال قـبـا يقـودهـا
فذلك يا هند الرزية فـاعـلـمـي ونيران حرب حين شب وقـودهـا فقالت هند تجيبها:
أبكي عميد الأبطحين كلـيهـمـا وحاميهما من كل بـاغ يريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي وشيبة والحامي الذمار ولـيدهـا
أولئك آل المجد من آل غـالـب وفي العز منها حين ينمي عديدها وقالت لها أيضا يومئذ:
من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهمـا أخبرني الحسين بن يحيى عن ح
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin