والله لقد أعجباني، يردد ذلك مرارا لا يزيده عليه؛ فقال له حكم: فأي بيتين هما? قال: حين تساهم بين ثوبيها وتقول:
فوالـلـه مـا أدري أزيدت مـلاحة وحسنا على النسوان أم ليس لي عقل
تساهم ثوباها فـفـي الـدرع غـادة وفي المرط لفاوان ردفهما عـبـل فقال له حكم: أو ما أعجبك غير هذين البيتين? فقال له ابن ميادة: قد أعجباني، فقال: أو ما في شعري ما أعجبك غيرهما? فقال: لقد أعجباني؛ فقال له حكم: فإني سوف أعيب عليك قولك:
ولا برح الممدور ريان مخصبا وجيد أعالي شعبه وأسافـلـه فاستسقيت لأعلاه وأسفله وتركت وسطه وهو خير موضع فيه؛ فقال: وأي شيء تريد تركته لا يزال ريان مخصبا. وتهاترا فغضب حكم فارتحل ناقته وهدر ثم قال:
فإنه يوم قريض ورجز فقال رجل من بني مرة لابن ميادة: اهدركما هدر يا رماح، فقال: إنما يغط البكر. ثم قال الرماح:
فإنه يوم قـريض ورجـز من كان منكم ناكزا فقد نكز
وبين الطرف النجيب فبرز قال الزبير: يريد بقوله ناكزا: غائضا قد نزف. قال الزبير: وسمعت رجلا من أهل البادية ينزع على إبل له كثيرة من قليب ويرتجز:
قد نكزت أن لم تكن خسيفا أو يكن البحر لها حليفـا أم جحدر وهجاء الحكم وعملس لها
قال الزبير قال الجمحي قال عمير بن ضمرة: فهذا أول ما هاج التهاجي بينهما. قال الزبي قال الجمحي: وحدثني عبد الرحمن بن ضبعان المحاربي قال: كان ابن ميادة وحكم الخضري وعملس بن عقيل بن علفة متجاورين متحالين، وكانوا جميعا يتحدثون إلى أم جحدر بنت حسان المرية، وكانت أمها مولاة، ففضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا. وكان ابن ميادة قال في أم جحدر:
ألا ليت شعري هل إلى أم جـحـدر سبيل فأما الصبر عنها فلا صبـرا
ويا ليت شعري هل يحلن أهـلـهـا وأهلك روضات ببطن اللوى خضرا وقال فيها أيضا :
إذا ركدت شمس النهار ووضعت طنافسها ولينها الأعين الخـزرا الأبيات؛ فقال عملس بن عقيل وحكم الخضري يهجوانها - وهي تنسب إلى حكم -:
لا عوفيت في قبرها أم جـحـدر ولا لقيت إلا الكلاليب والجمـرا
كما حادثت عبدا لئيما وخـلـتـه من الزاد إلا حشو ريطاته صفرا
فيا ليت شعري هل رأت أم جحدر أكشك أو ذاقت مغابنك القـشـرا
وهل أبصرت أرساغ أبرد أو رأت قفا أم رماح إذا ما استقت دفـرا
وبالغمر قد صرت لقاحا وحادثـت عبيدا فسل عن ذاك نيان فالغمرا وقال عملس بن عقيل بن علفة ويقال: بل قالها علفة بن عقيل:
فلا تضعا عنها الطنافـس إنـمـا يقصر بالمرماة من لم يكن صقرا وزاد يحيى بن علي مع هذا البيت عن حماد عن أبيه عن جرير بن رباط وأبي داود قال: يعرض بقوله: )من لم يكن صقرا( بابن ميادة أي إنه هجين ليس من أبوين متشابهين كما الصقر. وبعده بيت آخر من رواية يحيى ولم يروه الزبير معه:
منعمة لم تلق بؤسـا وشـفـوة بنجد ولم يكشف هجين لها سترا قالوا جميعا: فقال ابن ميادة يهجو علفة:
أعلف إن الصقر لـيس بـمـدلـج ولكنه بالـلـيل مـتـخـذ وكـرا
ومفترش بين الجناحين سـلـحـه إذا الليل ألقى فوق خرطومه كسرا
فإن يك صقرا بـعـد لـيلة أمـه وليلة جحاف فأف لـه صـقـرا
تشد بكفـيهـا عـلـى جـذل أيره إذا هي خافت من مطيها نـفـرا
صفحة : 202
يريد أن أم علفة من بني أنمار، وكان أبوه عقيل بن علفة ضربها، فأرسلت إلى رجل من بني أنمار يقال له جحاف، فأتاها ليلا فاحتملها على جمل فذهب بها. وقال يحيى بن علي خاصة في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود: إن جحاف بن إياد كان رجلا من بني قتال بن يربوع بن غيظ بن مرة، وكان يتحدث إلى امرأة عقيل بن علفة - وهي أم ابنه علفة بن عقيل - ويتهم بها، وهي امرأة من بني أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها سلافة، وكانت من أحسن الناس وجها، وكان عقيل من أغير الناس، فربطها بين أربعة أوتاد ودهنها بإهالة، وجعلها في قرية نمل، فمر بها جحاف بن إياد ليلا فسمع أنينها، فأتاها فاحتملها حتى طرحها بفدك، فاستعدت واليها على عقيل. وقال عقيل من جوف الليل فأوقد عشوة ونظرها فلم يجدها ووجد أثر جحاف فعرفه وتبعه حتى صبح القرية، وخنس جحاف عنها؛ فأتى الوالي فقال: إن هذه رأتني وقد كبرت سني وذهب بصري فاجترأت علي، وكان عقيل رجلا مهيبا فلم يعاقبه الوالي بما صنعه لموضعه من صهر بني مروان. قال: فعير ابن ميادة علفة بن عقيل بأمر جحاف هذا في قوله:
فإن يك صقرا بعد ليلة أمـه وليلة جحاف فأف له صقرا قال: ولج الهجاء بينهما. وقال فيه ابن ميادة وفي حكم الخضري وقد عاون علفة:
لقد ركب الخضري مني وتربـه على مركب من نابيات المراكب وقال لعلفة:
يابن عقيل لا تكن كـذوبـا أأن شربت الحزر والحليبا
من شول زيد وشممت الطيبا جهلا تجنيت لي الذنـوبـا قال: ثم لم يلبثه ابن ميادة أن غلبه، وهاج التهاجي بينه وبين حكم الخضري، وانقطع عنه علفة مفضوحا. قال: وماتت أم جحدر التي كان ينسب بها ابن ميادة على تفيئة ما كان بينه وبين علفة من المهاجاة، ونعيت له فلم يصدق حتى أتاه رجل من بني رحل يقال له عمار فنعاها له؛ فقال:
ما كنت أحسب أن القوم قد صدقوا حتى نعاها لي الرحلي عـمـار وقال يرثيها:
خلت شعب الممدور لست بواجـد به غير بال من عضاه وحرمـل
تمنيت أن تلقي بـه أم جـحـدر وماذا تمني من صدى تحت جندل
فللموت خير مـن حـياة ذمـيمة وللبخل خير من عناء مـطـول أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم عن ساعدة ابن مرمىء، وذكره إسحاق أيضا عن أصحابه: أن ابن ميادة وحكما الخضري تواعدا المدينة ليتواقفا بها، وجاء نفر من قريش - أمهاتهم من مرة - إلى ابن ميادة فمنعوه من مواقفة حكم، وقالوا: أتتعرض له ولست بكفئه فيشتم أمهاتنا وأخوالنا وخالاتنا وهو رجل خبيث اللسان - قال: وكان حكم يسجع سجعا كثيرا - فقال: والله لئن واقفته لأسجعن به قبل المقارضة سجعا أفضحه به فلم يلقه. وذكر الزبير له سجعا طويلا غثا لا فائدة فيه، لأنه ليس برجز منظوم ولا كلام فصيح ولا مسجع سجعا مؤتلفا كائتلاف القوافي، إلا أن من أسلمه قوله: والله لئن ساجعتني سجاعا، لتجدني شجاعا، للجار مناعا، ولأجدنك هياعا، للحسب مضياعا، ولئن باطشتك بطاشا، لأدهشنك إدهاشا، ولأدقن منك مشاشا، حتى يجيء بولك رشاشا. وهذا من غث السجع ورذله، وإنما ذكرته ليستدل به على ما هو دونه مما ألغيت ذكره. قال: ورجز به فقال:
يا معدن اللؤم وأنت جبلـه وآخر اللؤم وأنـت أولـه
جاريت سباقا بعيدا مهـلـه كان إذا جارى أباك يفشله
فكيف ترجوه وكيف تأملـه وأنت شر رجل وأنـذلـه
ألأمه في مأزق وأجهـلـه أدخله بيت المخازي مدخله
فاللؤم سربال له يسربـلـه ثوبا إذا أنهـجـه يبـدلـه فأجابه حكم:
يابن التي جيرانها كانت تضـر وتتبع الشول وكانت تمتصـر
كيف إذا مارست حرا تنتصر ولهما أراجيز كثيرة طويلة جدا أسقطتها لكثرتها وقلة فائدتها.
الحكم ولقاء ابن ميادة وتهاجيهما
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرني بعض من لقيت من الخضر: أن حكما الخضري خرج يريد لقاء ابن ميادة بالرقم من غير موعد فلم يلفه، إما لأنه تغيب عنه وإما لأنه لم يصادفه، فقال حكم:
صفحة : 203
فر ابن ميادة الرقطاء من حكم بالصغر مثل الأعقد الـدهـم
أصبحت في أقر تعلو أطاوله تفر مني وقد أصبحت بالرقم وقال إسحاق في روايته عن أصحابه: قال ابن ميادة يهجو حكما وينسب بأم جحدر:
يمنونني منك اللقاء وإنـنـي لأعلم لا ألقاك من دون قابل وقد مضى أكثر هذه الأبيات متقدما، فذكرت ها هنا منها ما لم يمض وهو قوله:
فيا ليت رث الوصل من أم جحدر لنا بجديد مـن أولاك الـبـدائل
ولم يبق مما كان بيني وبـينـهـا من الود إلا مخفيات الـرسـائل
وإني إذا استنبهت من حلو رقـدة رميت بحبيها كرمي المناضـل صوت
فما أنس م الأشياء لا أنس قولها وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فـإنـه رهين بأيام الدهور الأطـاول الغناء في هذين البيتين لعلي بن يحيى المنجم، ولحنه من الثقيل الثاني.
وكنت امرأ أرمي الزوائل مـرة فأصبحت قد ودعت رمي الزوائل
وعطلت قوس اللهو من سرعانها وعادت سهامي بين رث وناصل السرعان: وتر يعمل من عقب المتن، وهو أطول العقب.
إذا حل بيتي بين بدر ومازن ومرة نلت الشمس كاهلي يعني بدر بن عمرو بمن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان، ومرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، ومرة بن فزارة، ومازن بن فزارة. وهي طويلة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: أخذ إسحاق الموصلي معنى بيت ابن ميادة في قوله: نلت الشمس واشتد كاهلي فقال:
عطست بأنف شامخ وتناولت يداي الثريا قاعدا غير قائم ولعمري لئن كان استعار معناه لقد اضطلع به وزاد فأحسن وأجاد.
وفي هذه القصيدة يقول:
فضلنا قريشا غير رهط محمـد وغير بني مروان أهل الفضائل ضربه إبراهيم بن هشام لدعواه أنه فضل قريشا
قال يحيى بن علي وأخبرني علي بن سليمان بن أيوب عن مصعب، وأخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب قال: قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل لابن ميادة: أنت فضلت قريشا وجرده فضربه أسواطا.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: لما قال ابن ميادة:
فضلنا قريشا غير رهط محمـد وغير بني مروان أهل الفضائل قال له الوليد بن يزيد: قدمت آل محمد قبلنا، فقال: ما كنت يا أمير المؤمنين أظنه يمكن غير ذلك. فلما أفضت الخلافة إلى بني هاشم وفد ابن ميادة إلى المنصور ومدحه؛ فقال له أبو جعفر لما دخل إليه: كيف قال لك الوليد? فأخبره بما قال، فجعل المنصور يتعجب.
ابن ميادة والحكم بعريجاء
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: حدثني العباس بن سمرة بن عباد بن شماخ بن سمرة عن ريحان بن سويد الخضري، وكان رواية حكم بن معمر الخضري، قال: تواعد حكم وابن ميادة عريجاء - وهي ماءة - يتواقفان عليها، فخرج كل واحد منهما في نفر من قومه، وأقبل صخر بن الجعد الخضري يؤم حكما، وهو يومئذ عدو لحكم لما فرط بينهما من الهجاء في أركوب من بني مازن بن مالك بن طريف بن خلف بن محارب؛ فلما لقيه قال له: يا حكم، أهؤلاء الذين عرضت للموت وهم وجوه قومك فوالله ما دماؤهم على بني مرة إلا كدماء جداية، فعرف حكم أن قول صخر هو الحق فرد قومه، وقال لصخر: قد وعدني ابن ميادة أن يواقفني غدا بعريجاء لأن أناشده، فقال له صخر: أنا كثير الإبل - وكان حكم مقلا - فإذا وردت إبلي فارتجز، فإن القوم لا يشجعون عليك وأنت وحدك، فإن لقيت الرجل نحر وأطعم فانحر وأطعم وإن أتيت على مالي كله. قال ريحان راويته: فورد يومئذ عريجاء وأنا معه فظل على عريجاء ولم يلق رماحا ولم يواف لموعده، وظل ينشد يومئذ حتى أمسى، ثم صرف وجوه إبل صخر وردها. وبلغ الخبر ابن ميادة وموافاة حكم لموعده، فأصبح على الماء وهو يرتجز ويقول:
أنا ابن ميادة عقار الجـزر كل صفي ذات ناب منفظر توافيهما بحمى ضرية وصلحهما
صفحة : 204
وظل على الماء فنحر وأطعم. فلما بلغ حكما ما صنع ابن ميادة من نحره وإطعامه شق عليه مشقة شديدة. ثم إنهما بعد توافيا بحمى ضرية. قال ريحان بن سويد: وكان ذلك العام عام جدب وسنة إلا بقية كلأبضرية. قال: فسبقنا ابن ميادة يومئذ فنزلنا على مولاة لعكاشة بن مصعب بن الزبير ذات مال ومنزلة من السلطان. قال: وكان حكم كريما على الولاة هناك يتقى لسانه. قال ريحان: فبينا نحن عند المولاة وقد حططنا براذع دوابنا إذا راكبان قد أقبلا، وإذا نحن برماح وأخيه ثوبان - ولم يكن لثوبان ضريب في الشجاعة والجمال - فأقبلا يتسايران، فلما رآهما حكم عرفهما، فقال: يا ريحان، هذان ابنا أبرد، فما رأيك? أتكفيني ثوبان أم لا? قال: فأقبلا نحونا ورماح يتضاحك حتى قبض على يد حكم وقال: مرحبا برجل سكت عنه ولم يسكت عني، وأصبحت الغداة أطلب سلمه يسوقني الذئب والسنة، وأرجو أن أرعى الحمى بجاهه وبركته، ثم جلس إلى جنب حكم وجاء ثوبان فقعد إلى جنبي، فقال له حكم: أما ورب المرسلين يا رماح لولا أبيات جعلت تعتصم بهن وترجع إليهن - يعني أبيات ابن ظالم - لاستوسقت كما استوسق من كان قبلك. قال ريحان: وأخذا في حديث أسمع بعضه ويخفى علي بعضه، فظللنا عند المرأة وذبح لنا وهما في ذلك يتحادثان، مقبل كل واحد منهما على صاحبه لا ينظران شدنا، حتى كان العشاء فشددنا للرواح نؤم أهلنا، فقال رماح لحكم: يا أبا منيع - وكانت كنية حكم -: قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له من هذا العامل، وإن لنا إليه حاجة في أن يرعينا؛ فقال له حكم: قد والله قضيت حاجتي منه وإني لأكره الرجوع إليه، وما من حاجتك بد، ثم رجع معه إلى العامل، فقال له بعد الحديث معه: إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه، وقد سأل الصلح وأناب إليه، فأحببت أن يكون ذلك على يدك وبمحضرك. قال: فدعا به عامل ضرية وقال: هل لك حاجة غير ذلك? قال: لا والله، ونسي حاجة رماح، فأذكرته إياها، فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان. فقال العامل لابن ميادة: ما حاجتك? فقال: ترعيني عريجاء لا يعرض لي فيها أحد، فأرعاه إياها. فأقبل رماح على حكم فقال: جزاك الله خيرا يا أبا منيع، فوالله لقد كان ورائي من قومي من يتمنى أن يرعى عريجاء بنصف ماله. قال فلما عزما على الانصراف ودع كل واحد منهما صاحبه وانصرفا راضيين وانصرف ابن ميادة إلى قومه فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام فاستغضبه على حكم في قوله:
وما ولدت مـرية ذات لـيلة من الدهر إلا زاد لؤما جنينها فأطرده وأقسم: لئن ظفر به ليسرجنه وليحملن عليه أحدهم. فقال رماح - وساءه ما صنعوا -: عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم بإطراده وبلغ الحكم الخبر فطار إلى الشأم فلم يبرحها حتى مات.
قال العباس بن سمرة: مات بالشأم غرقا، وكان لا يحسن العوم فمات في بعض أنهارها. قال: وهو وجهه الذي مدح فيه أسود بن بلال المحاربي ثم السوائي في قصيدته التي يقول فيها:
واستيقنت أن لا براح من السرى حتى تناخ بأسـود بـن بـلال
قرم إذا نزل الوفـود بـبـابـه سمت العيون إلى أشم طـوال مناقضات حكم وابن ميادة ولحكم الخضري وابن ميادة مناقضات كثيرة وأراجيز طوال طويت ذكر أكثرها وألغيته، وذكرت منها لمعا من جيد ما قالاه لئلا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعض ما دار بينهما ولا يستوعب سائره فيطول. فما قاله حكم في ابن ميادة قوله:
خليلي عوجا حييا الدار بالجـفـر وقولا لها سقيا لعصرك من عصر
وماذا تحي من رسوم تـلاعـبـت بها حرجف تذري بأذيالها الكـدر ومن جيد قوله فيها يفتخر:
إذا يبست عيدان قـوم وجـدتـنـا وعيداننا تغشى على الورق الخضر
إذا الناس جاءوا بالقروم أتـيتـهـم بقرم يساوي راسه غـرة الـبـدر
لنا الغور والأنجاد والخيل والقـنـا عليكم وأيام المكـارم والـفـخـر ومن جيد هجائه قوله:
فيا مر قد أخزاك في كل مـوطـن من اللؤم خلات يزدن على العشـر
فمنهن أن العبد حـامـي ذمـاركـم وبئس المحامي العبد عن حوزة الثغر
صفحة : 205
ومنهن أن لم تمسحوا وجـه سـابـق جواد ولم تأتوا حصانا على طـهـر
ومنهن أن المـيت يدفـن مـنـكـم فيفسو على دفانه وهو في القـبـر
ومنهن أن الجار يسكن وسـطـكـم بريئا فيلقى بـالـخـيانة والـغـدر
ومنهن أن عدتـم بـأرقـط كـودن وبئس المحامي أنت يا ضرطة الجفر
ومنهن أن الشـيخ يوجـد مـنـكـم يدب إلى الجارات محدودب الظهـر
تبيت ضباب الضغن تخشى احتراشها وإن هي أمست دونها ساحل البحـر فأجابه ابن ميادة بقصيدة طويلة، منها قوله مجيبا له عن هذه الخصال التي سبهم بها:
لقد سبقت بالمخـزيات مـحـارب وفازت بخلات على قومها عشـر
فمنهن أن لم تـعـقـروا ذات ذروة لحق إذا ما احتيج يوما إلى العقـر
ومنهن أن لم تمسـحـوا عـربـية من الخيل يوما تحت جل على مهر
ومنهن أن لم تضربوا بسـيوفـكـم جماجم إلا فيشل القرح الـحـمـر
ومنهن أن كانت شيوخ مـحـارب كما قد علمتم لا تريش ولا تبـري
ومنهن أخزى سوءة لو ذكـرتـهـا لكنتم عبيدا تخدمـون بـنـي وبـر
ومنهن أن الضأن كانت نـسـاءكـم إذا اخضر أطراف الثمام من القطر
ومنهن أن كانت عجوز مـحـارب تريغ الصبا تحت الصفيح من القبر
ومنهن أن لو كان في البحر بعضكم لخبث ضاحي جلده حومة البـحـر ومما قاله ابن ميادة في حكم قوله من قصيدة أولها:
ألا حييا الأطلال طالت سنينهـا بحيث التقت زبد الجناب وعينها ويقول فيها:
فلما أتاني ما تـقـول مـحـارب تغنت شياطيني وجن جنـونـهـا
ألم تر أن الله غشـى مـحـاربـا إذا اجتمع الأقوام لونا يشـينـهـا
ترى بوجوه الخضر خضر محارب طوابع لؤم ليس ينفت طـينـهـا
لقد ساهمتناكم سـلـيم وعـامـر فضمناهم إنا كـذلـك نـدينـهـا
فصارت لنا أهل الضئين محـارب وصارت لهم جسر وذاك ثمينهـا
إذا أخذت خضرية قائم الـرحـى تحرك قنباها فطار طحـينـهـا
وما حملت خـضـرية ذات لـيلة من الدهر إلا ازداد لؤما جنينهـا فقال حكم يجيبه عن هذه بقصيدته:
لأنت ابن أشبانـية أدلـجـت بـه إلى اللؤم مقلات لئيم جنـينـهـا
فجاءت بـرواث كـأن جـبـينـه إذا صغا في خرقتيها جبـينـهـا
فما حمـلـت مـرية قـط لـيلة من الدهر إلا ازداد لؤما جنينـهـا
وما حملت إلا لألأم مـن مـشـى ولا ذكرت إلا بأمـر يشـينـهـا
تزوج عثوان الضئين وتبـتـغـي بها الدر لا درت بخير لبـونـهـا
أظنت بنو عثوان أن لست شاتـمـا بشتمي وبعض القوم حمقى ظنونها
مدانيس أبـرام كـأن لـحـاهـم لحى مستهبات طوال قـرونـهـا قال الزبير: فحدثني موهوب بن رشيد قال: فسمع هذه القصيدة أحد بني قتال بن مرة فقال: ما له أخزاه الله يهجو صبيتنا وهم أجفى قوم غضبا لصبيتهم وقد هجاهم بما هجاهم به.
قال: وبلغ إبراهيم بن هشام قوله في نساء بني مرة إذ يقول:
وما حملت إلا لألأم من مشى فغضب ثم نذر دمه فهرب من الحجاز إلى الشأم فمات بها.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن ضبعان الخضري قال: لقي ابن ميادة صخر بن الجعد الخضري فقال له: يا صخر، أعنت علي ابن عمك الحكم بن معمر فقال له صخر: لا والله يا أبا الشرحبيل ما أعنته عليك، ولكن خيل إليك ما كان يخيل إلي، ولقد هاجيته فكنت أظن أن شجر الوادي يعينه علي.
ومن جيد قول ابن ميادة في حكم قصيدته التي أولها: صوت
لقد سبقتك اليوم عيناك سـبـقة وأبكاك من عهد الشباب ملاعبه
فوالله ما أدري أيغلبني الهـوى إذا جد جد البين أم أنا غالـبـه
صفحة : 206
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبـه - في هذه الأبيات غناء ينسب - يقول فيها في هجاء حكم:
لقد طال حبس الوفد وفد محارب عن المجد لم يأذن لهم بعد حاجبه
وقال لهم كروا فلـسـت بـآذن لكم أبدا أو يحصي الترب حاسبه وهي قصيدة طويلة: الوليد بن يزيد يفضله على الشعراء
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز المري ثم الصادري عن أبيه: - قال جلال: وقد رأيت ابن ميادة في بيت أبي، قال: قال لي ابن ميادة: وصلت أنا والشعراء إلى الوليد بن يزيد وهو خليفة. وكان مولى من موالي خرشة يقال له شقران يعيب ابن ميادة ويحسده على مكانه من الوليد، فلما اجتمعت الشعراء قال الوليد بن يزيد لشقران: يا شقران، ما علمك في ابن ميادة? قال علمي فيه يا أمير المؤمنين أنه:
لئيم يباري فيه أبرد نهبـلا لئيم أتاه اللؤم من كل جانب فقال الوليد: يابن ميادة، ما علمك في شقران? قال: علمي يا أمير المؤمنين أنه عبد لعجوز من خرشة كاتبته على أربعين درهما ووعدها - أو قال: وعدته - أن تجيزه بعشرين درهما فقبضته إياها، فأغنه عني يا أمير المؤمنين، فليس له أصل فاحتفره ولا فرع فأهتصره، فقال له الوليد: اجتنبه يا شقران فقد أبلغ إليك في الشتيمة، فقصر شقران صاغرا، ثم أنشدته، فأقيمت الشعراء جميعا غيري، وأمر لي بمائة لقحة وفحلها وراعيها وجارية بكر وفرس عتيق فاختلت ذلك اليوم وقلت:
أعطيتني مائة صفرا مدامعهـا كالنخل زين أعلى نبته الشرب ويروى:
كأنها النخل روى نبتها الشرب
يسوقها يافع جعد مفارقه مثل الغراب غذاه الصر والحلب
وذا سبيب صهيبـيا لـه عـرف وهامة ذات فرق نابها صخـب ولم يذكر الزبير في خبره غير هذه الأبيات الثلاثة، وهي من قصيدة للرماح طويلة يمدح فيها الوليد بن يزيد، وقد أجاد فيها وأحسن؛ وذكرت من مختارها ها هنا طرفا، وأولها:
هل تعرف الدار بالعلياء غيرها سافي الرياح ومستن له طنب
دار لبيضاء مسود مسائحـهـا كأنها ظبية ترعى وتنتصـب المسائح: ما بين الأذن إلى الحاجب من الشعر: تقف إذا ارتاعت منتصبة تتوجس.
تحنو لأكحل ألقته بمضيعة فقلبها شفقا من حوله يجب يقول فيها:
يا أطيب الناس ريقا بعد هجعتـهـا وأملح الناس عينا حين تـنـتـقـب
ليست تجود بنـيل حـين أسـألـهـا ولست عند خلاء اللهو أغتـصـب
في مرفقيها إذا ما عونقـت جـمـم على الضجيع وفي أنيابها شـنـب
ولـيلة ذات أهـوال كـواكـبـهـا مثل القناديل فيها الزيت والعطـب
قد جبتها جوب ذي المقراض ممطرة إذا استوى مغفلات البيد والـحـدب
بعنتريس كأن الدبـر يلـسـعـهـا إذا ترنم حاد خـلـفـهـا طـرب
إلى الوليد أبي العباس ما عجـلـت ودونه المعط من لبنان والـكـثـب وبعد هذا البيت قوله:
أعطيتني مائة صفرا مدامعها... الخ
لما أتيتك من نجد وساكنه نفحت لي نفحة طارت بها العـرب
إني امرؤ أعتفي الحاجات أطلبـهـا كما اعتفى سنق يلقى له العـشـب السنق: الذي قد شبع حتى بشم، يقول: أطلب الحاجة بغير حرص ولا كلب، كما يعتفي هذا البعير البشم من غير شره ولا شدة طلب.
ولا ألح على الـخـلان أسـألـهـم كما يلح بعظم الغـارب الـقـتـب
ولا أخـادع نـدمـانـي لأخـدعـه عن ماله حين يسترخي به اللـبـب
وأنت وابناك لم يوجد لـكـم مـثـل ثلاثة كلهم بالتـاج مـعـتـصـب
الطيبون إذا طـابـت نـفـوسـهـم شوس الحواجب والأبصار إن غضبوا
قسني إلى شعراء النـاس كـلـهـم وادع الرواة إذا ما غب ما اجتلـبـوا
إنـي وإن قـال أقـوام مـديحـهـم فأحسنوه وما حابـوا ومـا كـذبـوا
صفحة : 207
أجري أمامهم جري امرىء فلج عنانه حين يجري ليس يضطرب سبب الهجاء بينه وبين شقران
أخبرني يحيى بن علي قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال أخبرني أبو الحسن - أظنه المدائني - قال أخبرني أبو صالح الفزاري قال: أقبل شقران مولى بني سلامان بن سعد هذيم أخي عذرة بن سعدا بن هذيم، قال: وهذيم عبد حبشي كان حضن سعدا فغلب عليه، وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من اليمامة ومعه تمر قد امتاره - فلقيه ابن ميادة فقال له: ما هذا معك? قال: تمر امترته لأهلي يقال له: زب رباح، فقال له ابن ميادة يمازحه:
كأنك لم تقفل لأهلك تمـرة إذا أنت لم تقفل بزب رباح فقال له شقران:
فإن كان هذا زبه فانطلق به إلى نسوة سود الوجوه قباح فغضب ابن ميادة وأمضه وأنحى عليه بالسوط فضربه ضربات وانصرف مغضبا؛ فكان ذلك سبب الهجاء بينهما.
قال حماد عن أبيه وحدثني أبو علي الكلبي قال: اجتمع ابن ميادة وشقران مولى بني سلامان عند الوليد بن يزيد، فقال ابن ميادة: يا أمير المؤمنين، أتجمع بيني وبين هذا العبد وليس بمثلي في حسبي ولا نسبي ولا لساني ولا منصبي فقال شقران:
لعمري لئن كنت ابن شيخي عشيرتي هرقل وكسرى وما أراني مقصرا
وما أتمنـى أن أكـون ابـن نـزوة نزاها ابن أرض لم تجد متمـهـرا
على حائل تلوي الصرار بكـفـهـا فجاءت بخوار إذا عض جرجـرا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرنا يحيى بن علي عن أيوب المديني، عن زبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز وقال يحيى بن خلاد عن أبي أيوب ابن عبد العزيز قال: استأذن ابن ميادة على الوليد بن يزيد وعنده شقران مولى قضاعة فأدخله في صندوق وأذن لابن ميادة؛ فلما دخل أجلسه على الصندوق واستنشده هجاء شقران فجعل ينشده، ثم أمر بفتح الصندوق فخرج عليه شقران وجعل يهدر كما يهدر الفحل ويقول:
سأكعم عن قضاعة كلب قيس على حجر فينصت للكعـام
أسير أمـام قـيس كـل يوم وما قيس بسائرة أمـامـي وقال أيضا وهو يسمع:
إني إذا الشعراء لاقى بعضهم بعضا ببلقعة يريد نضالـهـا
وقفوا المرتجز الهدير إذا دنت منه البكارة قطعت أبوالهـا
فتركتهم زمرا ترمز باللحـى منها عنافق قد حلقت سبالها فقال له ابن ميادة: يا أمير المؤمنين اكفف عني هذا الذي ليس له أصل فأحفره، ولا فرع فأهصره؛ فقال الوليد: أشهد أنك قد جرجرت كما قا شقران:
فجاءت بخوار إذا عض جرجرا تفاخره مع عقال بالشعر
قال يحيى في خبره: واجتمع ابن ميادة وعقال بن هاشم بباب الوليد بن يزيد، وكان عقال شديد الرأي في اليمن، فغمز عقال ابن ميادة واعتلاه؛ فقال ابن ميادة:
فجرنا ينابيع الكـلام وبـحـره فأصبح فيه ذو الرواية يسـبـح
وما الشعر إلا شعر قيس وخندف وقول سواهم كلفة وتـمـلـح فقال عقال يجيبه:
ألا أبلغ الرماح نقـض مـقـالة بها خطل الرماح أو كان يمـزح
لئن كان في قيس وخندف ألسـن طوال وشعر سائر لـيس يقـدح
لقد خرق الحي اليمانون قبلـهـم بحور الكلام تستقى وهي تطفـح
وهم علموا من بعدهم فتعلـمـوا وهم أعربوا هذا الكلام وأوضحوا
فللسابقين الفضل لا يجـحـدونـه وليس لمخلوق عليهم تـبـجـح شعره في حنينه إلى وطنه
وحوار الوليد إياه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جلال بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثني ابن ميادة قال: قلت وأنا عند الوليد بن يزيد بأباين - وهو موضع كان الوليد ينزله في الربيع -:
لعمـرك إنـي نـازل بـأبـاين لصوءر مشتاق وإن كنت مكرما
أبيت كأني أرمد العين سـاهـر إذا بات أصحابي من الليل نوما قال: فقال لي الوليد: يابن ميادة كأنك غرضت من قربنا، فقلت: ما مثلك يا أمير المؤمنين يغرض من قربه، ولكن:
صفحة : 208
ألا ليت شعري هـل أبـيتـن لـيلة بحرة ليلى حيث ربتـنـي أهـلـي
وهل أسمعن الدهر أصوات هجـمة تطالع من هجل خصيب إلى هجـل
بلاد بها نيطت عـلـي تـمـائمـي وقطعن عني حين أدركني عقـلـي
فإن كنت عن تلك المواطن حابسـي فأيسر علي الرزق واجمع إذا شملي فقال: كم الهجمة? قلت: مائة ناقة؛ فقال: قد صدرت بها كلها عشراء. قال ابن ميادة: فذكرت ولدانا لي بنجد إذا استطعموا الله عز وجل أطعمهم وأنا، وإذا استسقوه سقاهم الله وأنا، وإذا استكسوه كساهم الله وأنا، فقال: يابن ميادة، وكم ولدانك? فقلت: سبعة عشر، منهم عشرة نفر وسبع نسوة، فذكرت ذلك منهم فأخذ بقلبي؛ فقال: يابن ميادة، قد أطعمهم الله وأمير المؤمنين، وسقاهم الله وأمير المؤمنين، وكساهم الله وأميرا لمؤمنين؛ أما النساء فأربع حلل مختلفات الألوان، وأما الرجال فثلاث حلل مختلفات الألوان، وأما السقي فلا أرى مائه لقحة إلا سترويهم، فإن لم تروهم زدتهم عينين من الحجاز؛ قلت: يا أمير المؤمنين، لسنا بأصحاب عيون يأكلنا بها البعوض، وتأخذنا بها الحميات؛ قال: فقد أخلفها الله عليك؛ كل عام لك فيه مثل ما أعطيتك العام: مائة لقحة وفحلها وجارية بكر وفرس عتيق.
عارض ابن القتال وانتحل بيتا من شعره
وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني شداد بن عقبة عن عبد السلام ابن القتال قال: عارضني ابن ميادة فقال: أنشدني يابن التقال، فأنشدته:
ألا ليت شعري هل أبيتـن لـيلة بصحراء ما بين التنوفة والرمل
وهل أزجرن العيس شاكية الوجى كما عسل السرحان بالبلد المحل
وهل أسمعن الدهر صوت حمامة تغني حمامات على فنن جـثـل
وهل أشربن الدهر مزن سحـابة على ثمد الأفعاة حاضره أهلـي
بلاد بها نيطت علي تـمـائمـي وقطعن عني حين أدركني عقلي قال: فأتاني الرواة بهذا البيت وقد اصطرفه ابن ميادة وحده.
جازه الوليد إبلا فأرادوا إبدالها فقال شعرا
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني رجل من كلب وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي علي الكلبي قال: أمر الوليد بن يزيد لابن ميادة بمائة من الإبل من صدقات بني كلب، فلما أتى الحول أرادوا أن يبتاعوها له من الطرائد، وهي الغرائب، وأن يمسكوا التلاد؛ فقال ابن ميادة:
ألم يبلغك أن الحي كلـبـا أرادوا في عطيتك ارتدادا
وقالوا إنها صهب وورق وقد أعطيتها دهما جعادا فعلموا أن الشعر سبيلغ الوليد فيغضبه؛ فقالوا له: انطلق فخذها صفرا جعادا.
شعره في رثاء الوليد
وقال يحيى بن علي في روايته: لما قتل الوليد بن يزيد قال ابن ميادة يرثيه:
ألا يا لهفتي علـى ولـيد غداة أصابه القدر المتاح
ألا ابكي الوليد فتى قريش وأسمحها إذا عد السمـاح
وأجبرها لذي عظم مهيض إذا ضنت بدرتها اللقـاح
لقد فعلت بنو مروان فعلا وأمرا ما يسوغ به القراح قال يحيى: وغنى فيه عمر الوادي ولم يذكر طريقة غنائه.
ابن ميادة وعثمان بن عمرو
ابن عثمان بن عفان
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن زهير بن مضرس الفزاري عن أبيه قال: أخصب جناب الحجاز الشأمي فمالت لذلك الخصب بنو فزارة وبنو مرة، فتحالوا جميعا به. قال: فبينا ذات يوم أنا وابن ميادة جالسان على قارعة الطريق عشاء إذا راكبان يوجفان راحلتين حتى وقفا علينا، فإذا أحدهما بحر الريح وهو عثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان معه مولى له، فنسبنا وانتسب لنا، وقد كان ابن ميادة يعللني بشعره، فلما انقضى كلامنا مع القرشي ومولاه استعدت ابن ميادة ما كنا فيه، فأنشدني فخرا له يقول فيه:
وعلى المليحة من جذيمة فتـية يتمارضون تمـارض الأسـد
وترى الملوك الغتر تحت قبابهم يمشون في الحلقات والـقـد
صفحة : 209
قال: فقال له القرشي: كذبت؛ قال ابن ميادة: أفي هذا وحده أنا والله في غيره أكذب؛ فقال له القرشي: إن كنت تريد في مديحك قريشا فقد كفرت بربك ودفعت قوله، ثم قرأ عليه: لإيلاف قريش حتى أتى على آخرها، ونهض هو ومولاه وركبا راحلتيهما؛ فلما فاتا أبصارنا قال ابن ميادة:
سمين قريش مانع منك نفسه وغث قريش حيث كان سمين ابن ميادة وسنان بن جابر
أخبرنا يحيى بن علي عن حماد عن أبيه عن أبي الحارث المري قال: كان ابن ميادة قد هاجى سنان بن جابر أحد بني حميس بن عامر بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم؛ فقال ابن ميادة له فيما قال من هجائه:
لقد طالما عللت حجـرا وأهـلـه بأعراض قيس يا سنان بن جابـر
أأهجوا قريشا ثم تكـره ريبـتـي ويسرقني عرضي حميس بن عامر قال: وقال فيهم أيضا
قصار الخطى فرق الخصى زمر اللحى كأنهم ظرابى اهترشن عـلـى لـحـم
ذكرت حمام الـقـيظ لـمـا رأيتـهـم يمشون حولي في ثـيابـهـم الـدسـم
وتبدي الحـمـيسـيات فـي كـل زينة فروجا كآثار الصغار مـن الـبـهـم قال: ثم إن ابن ميادة خرج يبغي إبلا له حتى ورد جبارا - وهو ماء لحميس بن عامر - فأتى بيتا فوجد فيه عجوزا قد أسنت، فنشدها إبله فذكرتها له وقالت: ممن أنت? قال: رجل من سليم بن منصور؛ فأذنت له وقالت: ادخل حتى نقريك وقد عرفته وهو لا يدري؛ فلما قرته قال ابن ميادة: وجدت ريح الطيب قد نفح علي من البيت، فإذا بنت لها قد هتكت الستر، ثم استقبلتني وعليها إزار أحمر وهي مؤتزرة به، فأطلقته وقالت: انظر يابن ميادة الزانية أهذا كما نعت فلم أر امرأة أضخم قبلا منها؛ فقالت: أهذا كما قلت:
وتبدي الحميسيات في كل زينة فروجا كآثار الصغار من البهم قال: قلت: لا والله يا سيدتي، ما هكذا قلت ولكن قلت:
وتبدي الحميسيات في كل زينة فروجا كآثار المقيسرة الدهم وانصرف يتشبب بها، فذلك حين يقول:
نظرنا فهاجتنا على الشوق والهوى لزينب نار أوقـدت بـجـبـار
كأن سناها لاح لي من خصـاصة على غير قصد والمطي سواري
حميسية بالرملتـين مـحـلـهـا تمد بحلـف بـينـنـا وجـوار قال أبو داود: وكانت بنو حميس حلفاء لبني سهم بن مرة، ثم للحصين بن الحمام. وتمد وتمت واحد.
رجع إلى الشعر
تجاور من سهم بن مـرة نـسـوة بمجتمع النقبـين غـير عـواري
نواعم أبكـارا كـأن عـيونـهـا عيون ظبـاء أو عـيون صـوار
كأنا نراها وهـي مـنـا قـريبة على متن عصماء الـيدين نـوار
تتبع من حجـر ذرا مـتـمـنـع لها معقل في رأس كل طـمـار
يدور بها ذو أسهـم لا ينـالـهـا وذو كلبات كالقـسـي ضـواري
كأن على المتنـين مـنـهـا ودية سقتها السواقـي مـن ودي دوار
يظل سحيق المسك يقطر حولهـا إذا الماشطات احتفنه بـمـداري
وما روضة خضراء يضربها الندى بها قنة مـن حـنـوة وعـرار
بأطيب من ريح القرنفل ساطـعـا بما التف من درع لها وخـمـار
وما ظبية ساقت لها الريح نغـمة على غفلة فاستسمعت لـخـوار
بأحسن منها يوم قامت فأتلـعـت على شرك مـن روعة ونـفـار
فليتك يا حسـنـاء يابـنة مـالـك يبيع لنا منـك الـمـودة شـاري ابن ميادة وزينب بنت مالك
وأخبرني بهذا الخبر الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري ثم المنظوري عن أبيه قال حدثني رماح بن أبرد قال:
صفحة : 210
خرجت قافلا من السلع إلى نجد حتى إذا كنت ببعض أهضام الحرة هكذا في نسختي، وأظنه هضاب الحرة رفع لي بيت كالطراف العظيم، وإذا بفنائه غنم لم تسرح، فقلت: بيت من بيوت بني مرة وبي من العيمة إلى اللبن ما ليس بأحد، فقلت: آتيهم فأسلم عليهم وأشرب من لبنهم، فلما كنت غير بعيد سلمت فردت علي امرأة برزة بفناء البيت، وحيت ورحبت واستنزلتني فنزلت، فدعت بلبن ولبأ ورسل من رسل تلك الغنم، ثم قالت: هيا فلانة البسي شفا واخرجي، فخرجت علي جارية كأنها ثمعة ما رأيت في الخلق لها نظيرا قبل ولا بعد، فإذا شفها ذاك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب فكأنه قعب مكفأ، ثم قالت: يابن ميادة الخبيثة، أأنت القائل:
وتبدي الحميسيات في كـل زينة فروجا كآثار الصغار من البهم? فقلت: لا والله - جعلني الله فداك يا سيدتي - ما قلت هذا قط، وإنما قلت:
وتبدي الحميسيات في كل زينة فروجا كآثار المقيسرة الدهم قال: وكان يقال للجارية الحميسية: زينب بنت مالك، وفيها قال ابن ميادة قصيدته:
ألما فزورا اليوم خير مزار أعطاه الوليد جارية فقال فيها شعرا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب ابن رشيد الكلابي قال: أعطى الوليد بن يزيد ابن ميادة جارية طبرية أعجمية لا تفصح، حسناء جميلة كاملة لولا العجمة، فعشقها وقال فيها:
جزاك الله خيرا من أمير فقد أعطيت مبرادا سخونا
بأهلي ما الذك عند نفسي لو أنك بالكلام تعربـينـا
كأنك ظبية مضغت أراكا بوادي الجزع حين تبغمينا ملاحاته مع رجل من بني جعفر
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إسحاق بن شعيب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: وردت على بني فزارة ساعيا، فأتاني ابن ميادة مسلما علي، وجاءتني بنو فزارة ومعها رجل من بني جعفر بن كلاب كان لهم جارا وكان مخططا موسوما بجمال، فلما رأيته أعجبني، فأقبلت على بني فزارة وقلت لهم: أي أخوالي هذا? فوالله إنه ليسرني أن أرى فيكم مثله؛ فقالوا: هذا - أمتع الله بك - رجل من بني جعفر بن كلاب وهو لنا جار. قال: فأصغى إلي ابن ميادة، وكان قريبا مني، وقال: لا يغرنك - بأبي أنت - ما ترى من جسمه فإنه أجوف لا عقل له؛ فسمعه الجعفري فقال: أفي تقع يابن ميادة وأنت لا تقري ضيفك? فقال له ابن ميادة: إن لم أقره قراه ابن عمي وأنت لا تقري ولا ابن عمك. قال ابن عمران: فضحكت مما شهد به ابن ميادة على نفسه.
كان بخيلا لا يكرم أضيافه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن المعلى بن نوح الفزاري قال حدثني خال لي كان شريفا من سادات بني فزارة قال: ضفت ابن ميادة فأكرمني وتحفى بي وفرغ لي بيتا فكنت فيه ليس معي أحد، ثم جاءني بقدح ضخم من لبن إبله فشربته ثم ولى، فلم ينشب أن جاءني بآخر فتناولت منه شيئا يسيرا، فما لبثت حتى عاد بآخر فقلت: حسبك يا رماح فلا حاجة لي بشيء؛ فقال: اشرب بأبي أنت، فوالله لربما بات الضيف عندنا مدحورا.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال: أتينا ابن ميادة نتلقى منه الشعر؛ فقال لنا: هل لكم في فضل شنة? فظنناها تمرا، فقلنا له: هات، لنبسطه بذلك، فإذا شنة فيها فضلة من خمر قد شرب بعضها وبقي بعض، فلما رأيناها قمنا وتركناه.
يرفض وليمة ضرب الناس فيها بالسياط أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيري قال حدثني نعمة الغفاري قال: قدم ابن ميادة المدينة فدعي في وليمة فجاء فوجد على باب الدار التي فيها الوليمة حرسا يضربون الزلالين بالسياط يمنعونهم من الدخول، فرجع وهو يقول:
لما رأيت الأصبحية قـنـعـت مفارق شمط حيث تلوى العمائم
تركت دفاع الباب عمـا وراءه وقلت صحيح من نجا وهو سالم وسأله الوليد من تركت عند نسائك
أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال:
صفحة : 211
قال الوليد بن يزيد لابن ميادة في بعض وفاداته عليه: من تركت عند نسائك? قال: رقيبين لا يخالفاني طرفة عين: الجوع والعري. وهذا القول والجواب يروى أن عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة تراجعاهما، وقد ذكرا في أخبار عقيل.
مدحه لأبي جعفر المنصور
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وأخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبير وأخبرنا يحيى بن علي قال: حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب: أن ابن ميادة مدح أبا جعفر المنصور بقصيدته التي يقول فيها:
طلعت علينا العيس بالرماح ثم خرج من عند أهله يريده، فمر على إبله فحلبت له ناقة من إبله، وراح عليه راعيه بلبنها فشربه ثم مسح على بطنه ثم قال: سبحان الله إن هذا لهو الشره يكفيني لبن بكرة وأنا شيخ كبير، ثم أخرج وأغترب في طلب المال ثم رجع فلم يخرج. هذه القصيدة من جيد شعر ابن ميادة، أولها:
وكواعب قد قلـن يوم تـواعـد قول المجد وهن كـالـمـزاح
يا ليتنا في غـير أمـر فـادح طلعت علينا العيس بالـرمـاح
بينا كذاك رأينني متـعـصـبـا بالخز فـوق جـلالة سـرداح
فيهن صفراء المعاصم طـفـلة بيضاء مثل غريضة التـفـاح
فنظرن من خلل الحجال بأعـين مرضى مخالطها السقام صحاح
وارتشن حين أردن أن يرميننـي تبـلا بـلا ريش ولا بـقـداح يقول فيها في مدح المنصور وبني هاشم:
فلئن بقيت لألحقن بأبحـر ينمين لا قطع ولا أنزاح
ولآتين بني علـي إنـهـم من يأتهم يتلق بالإفـلاح
قوم إذا جلب الثناء إليهـم بيع الثناء هناك بالأرباح
ولأجلسن إلى الخليفة إنـه رحب الفناء بواسع نجباح وهي قصيدة طويلة.
قوله فيما أصاب الحاج من المطر
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحاق بن أيوب قال: اعتمرت في رجب سنة خمس ومائة، فصادفني ابن ميادة بمكة وقدمها معتمرا، فأصابنا مطر شديد تهدمت منه البيوت وتوالت فيه الصواعق، فجلس إلي ابن ميادة الغد من ذلك اليوم، فجعل يأتيني قوم من قومي وغيرهم فأستخبرهم عن ذلك الغيث فيقولون: صعق فلان وانهدم منزل فلان؛ فقال ابن ميادة: هذا العيث لا الغيث؛ فقلت: فما الغيث عندك? فقال:
سحائب لا من صيب ذي صواعـق ولا محرقات مـاؤهـن حـمـيم
إذا ما هبطن الأرض قد مات عودها يكين بها حـتـى يعـيش هـشـيم كان ينشد من شعره فيستحسنه الناس
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير عن أبيه قال: جلست أنا وعيسى بن عميلة وابن ميادة ذات يوم، فأنشدنا ابن ميادة شعره مليا، ثم أنشدنا قوله:
ألا ليت شعري هل أبـيتـن لـيلة بحرة ليلى حيث ربتنـي أهـلـي
بلاد بها نيطت علـي تـمـائمـي وقطعن عني حين أدركني عقلـي
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة تطالع من هجل خصيب إلى هجل
صهيبية صفراء تلقي ربـاعـهـا بمنعرج الصمان والجرع السهـل تلقى رباعها: تطرح أولادها. وواحد الرباع ربع.
وهل أجمعن الدهر كفـي جـمـعة بمهضومة الكشحين ذات شوى عبل
محللة لـي لا حـرامـا أتـيتـهـا من الطيبات حين تركض في الحجل
تميل إذا مال الضجيع بعـطـفـهـا كما مال دعص من ذرا عقد الرمل فقال له عيسى بن عميلة: فأين قولك يا أبا الشرحبيل:
لقد حرمت أمي علي عدمتها كرائم قومي ثم قلة مـالـيا فقلت له: فاعطف إذا إلى أمة بني سهيل فهي أعند وأنكد، وقد كنت أظن أن ميادة قد ضربت جأشك على اليأس من الحرائر، وأنا أداعبه وأضاحكه؛ فضحك وقال:
ألم تر قوما ينكحون بمالهـم ولو خطبت أنسابهم لم تزوج أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب وغيره:
صفحة : 212
أن حسينة اليسارية كانت جميلة - وآل يسار من موالي عثمان رضوان الله عليه يسكنون تيماء، ولهم هناك عدد وجلد، وقد انتسبوا في كلب إلى يسار بن أبي هند فقبلهم بنو كلب - قال: وكانت عند رجل من قومها يقال له: عيسى بن إبراهيم بن يسار، وكان ابن ميادة يزورها؛ وفيها يقول:
ستأتينا حسينة حـيث شـئنـا وإن رغمت أنوف بني يسار قال: فدخل عليها زوجها يوما فوجد ابن ميادة عندها، فهم به هو وأهلها؛ فقاتلهم وعاونته عليهم حسينة حتى أفلت تتابن ميادة؛ فقال في ذلك:
لقد ظلت تعاوننـي عـلـيهـم صموت الحجل كاظمة السوار
وقد غادرت عيسى وهو كلـب يقطع سلحه خلف الـجـدار أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن سعد بن شاهين قال حدثني عبد الله بن خالد بن دفيف التغلبي عن عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة العدوي عن أبي العلاء بن وثاب قال: ابن ميادة وعبد الواحد بن سليمان
قدم ابن ميادة المدينة زائرا لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو أميرها وكان يسمر عنده في الليل، فقال عبد الواحد لأصحابه: إني أهم أن أتزوج، فابغوني أيما؛ فقال له ابن ميادة: أنا أدلك، أصلحك الله أيها الأمير؛ قال: على من يا أبا الشرحبيل? قال: قدمت عليك أيها الأمير فدخلت مسجدكم فإذا أشبه شيء به وبمن فيه الجنة وأهلها، فوالله لبينا أنا أمشي فيه إذ قادتني رائحة عطر رجل حتى وقفت بي عليه، فلما وقع بصري عليه استلهاني حسنه فما أقلعت عنه حتى تكلم، فخلته لما تكلم يتلو زبورا ويدرس إنجيلا أو يقرأ قرآنا حتى سكت فلولا معرفتي بالأمير لشككت أنه هو،
فوالـلـه مـا أدري أزيدت مـلاحة وحسنا على النسوان أم ليس لي عقل
تساهم ثوباها فـفـي الـدرع غـادة وفي المرط لفاوان ردفهما عـبـل فقال له حكم: أو ما أعجبك غير هذين البيتين? فقال له ابن ميادة: قد أعجباني، فقال: أو ما في شعري ما أعجبك غيرهما? فقال: لقد أعجباني؛ فقال له حكم: فإني سوف أعيب عليك قولك:
ولا برح الممدور ريان مخصبا وجيد أعالي شعبه وأسافـلـه فاستسقيت لأعلاه وأسفله وتركت وسطه وهو خير موضع فيه؛ فقال: وأي شيء تريد تركته لا يزال ريان مخصبا. وتهاترا فغضب حكم فارتحل ناقته وهدر ثم قال:
فإنه يوم قريض ورجز فقال رجل من بني مرة لابن ميادة: اهدركما هدر يا رماح، فقال: إنما يغط البكر. ثم قال الرماح:
فإنه يوم قـريض ورجـز من كان منكم ناكزا فقد نكز
وبين الطرف النجيب فبرز قال الزبير: يريد بقوله ناكزا: غائضا قد نزف. قال الزبير: وسمعت رجلا من أهل البادية ينزع على إبل له كثيرة من قليب ويرتجز:
قد نكزت أن لم تكن خسيفا أو يكن البحر لها حليفـا أم جحدر وهجاء الحكم وعملس لها
قال الزبير قال الجمحي قال عمير بن ضمرة: فهذا أول ما هاج التهاجي بينهما. قال الزبي قال الجمحي: وحدثني عبد الرحمن بن ضبعان المحاربي قال: كان ابن ميادة وحكم الخضري وعملس بن عقيل بن علفة متجاورين متحالين، وكانوا جميعا يتحدثون إلى أم جحدر بنت حسان المرية، وكانت أمها مولاة، ففضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا. وكان ابن ميادة قال في أم جحدر:
ألا ليت شعري هل إلى أم جـحـدر سبيل فأما الصبر عنها فلا صبـرا
ويا ليت شعري هل يحلن أهـلـهـا وأهلك روضات ببطن اللوى خضرا وقال فيها أيضا :
إذا ركدت شمس النهار ووضعت طنافسها ولينها الأعين الخـزرا الأبيات؛ فقال عملس بن عقيل وحكم الخضري يهجوانها - وهي تنسب إلى حكم -:
لا عوفيت في قبرها أم جـحـدر ولا لقيت إلا الكلاليب والجمـرا
كما حادثت عبدا لئيما وخـلـتـه من الزاد إلا حشو ريطاته صفرا
فيا ليت شعري هل رأت أم جحدر أكشك أو ذاقت مغابنك القـشـرا
وهل أبصرت أرساغ أبرد أو رأت قفا أم رماح إذا ما استقت دفـرا
وبالغمر قد صرت لقاحا وحادثـت عبيدا فسل عن ذاك نيان فالغمرا وقال عملس بن عقيل بن علفة ويقال: بل قالها علفة بن عقيل:
فلا تضعا عنها الطنافـس إنـمـا يقصر بالمرماة من لم يكن صقرا وزاد يحيى بن علي مع هذا البيت عن حماد عن أبيه عن جرير بن رباط وأبي داود قال: يعرض بقوله: )من لم يكن صقرا( بابن ميادة أي إنه هجين ليس من أبوين متشابهين كما الصقر. وبعده بيت آخر من رواية يحيى ولم يروه الزبير معه:
منعمة لم تلق بؤسـا وشـفـوة بنجد ولم يكشف هجين لها سترا قالوا جميعا: فقال ابن ميادة يهجو علفة:
أعلف إن الصقر لـيس بـمـدلـج ولكنه بالـلـيل مـتـخـذ وكـرا
ومفترش بين الجناحين سـلـحـه إذا الليل ألقى فوق خرطومه كسرا
فإن يك صقرا بـعـد لـيلة أمـه وليلة جحاف فأف لـه صـقـرا
تشد بكفـيهـا عـلـى جـذل أيره إذا هي خافت من مطيها نـفـرا
صفحة : 202
يريد أن أم علفة من بني أنمار، وكان أبوه عقيل بن علفة ضربها، فأرسلت إلى رجل من بني أنمار يقال له جحاف، فأتاها ليلا فاحتملها على جمل فذهب بها. وقال يحيى بن علي خاصة في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود: إن جحاف بن إياد كان رجلا من بني قتال بن يربوع بن غيظ بن مرة، وكان يتحدث إلى امرأة عقيل بن علفة - وهي أم ابنه علفة بن عقيل - ويتهم بها، وهي امرأة من بني أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها سلافة، وكانت من أحسن الناس وجها، وكان عقيل من أغير الناس، فربطها بين أربعة أوتاد ودهنها بإهالة، وجعلها في قرية نمل، فمر بها جحاف بن إياد ليلا فسمع أنينها، فأتاها فاحتملها حتى طرحها بفدك، فاستعدت واليها على عقيل. وقال عقيل من جوف الليل فأوقد عشوة ونظرها فلم يجدها ووجد أثر جحاف فعرفه وتبعه حتى صبح القرية، وخنس جحاف عنها؛ فأتى الوالي فقال: إن هذه رأتني وقد كبرت سني وذهب بصري فاجترأت علي، وكان عقيل رجلا مهيبا فلم يعاقبه الوالي بما صنعه لموضعه من صهر بني مروان. قال: فعير ابن ميادة علفة بن عقيل بأمر جحاف هذا في قوله:
فإن يك صقرا بعد ليلة أمـه وليلة جحاف فأف له صقرا قال: ولج الهجاء بينهما. وقال فيه ابن ميادة وفي حكم الخضري وقد عاون علفة:
لقد ركب الخضري مني وتربـه على مركب من نابيات المراكب وقال لعلفة:
يابن عقيل لا تكن كـذوبـا أأن شربت الحزر والحليبا
من شول زيد وشممت الطيبا جهلا تجنيت لي الذنـوبـا قال: ثم لم يلبثه ابن ميادة أن غلبه، وهاج التهاجي بينه وبين حكم الخضري، وانقطع عنه علفة مفضوحا. قال: وماتت أم جحدر التي كان ينسب بها ابن ميادة على تفيئة ما كان بينه وبين علفة من المهاجاة، ونعيت له فلم يصدق حتى أتاه رجل من بني رحل يقال له عمار فنعاها له؛ فقال:
ما كنت أحسب أن القوم قد صدقوا حتى نعاها لي الرحلي عـمـار وقال يرثيها:
خلت شعب الممدور لست بواجـد به غير بال من عضاه وحرمـل
تمنيت أن تلقي بـه أم جـحـدر وماذا تمني من صدى تحت جندل
فللموت خير مـن حـياة ذمـيمة وللبخل خير من عناء مـطـول أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم عن ساعدة ابن مرمىء، وذكره إسحاق أيضا عن أصحابه: أن ابن ميادة وحكما الخضري تواعدا المدينة ليتواقفا بها، وجاء نفر من قريش - أمهاتهم من مرة - إلى ابن ميادة فمنعوه من مواقفة حكم، وقالوا: أتتعرض له ولست بكفئه فيشتم أمهاتنا وأخوالنا وخالاتنا وهو رجل خبيث اللسان - قال: وكان حكم يسجع سجعا كثيرا - فقال: والله لئن واقفته لأسجعن به قبل المقارضة سجعا أفضحه به فلم يلقه. وذكر الزبير له سجعا طويلا غثا لا فائدة فيه، لأنه ليس برجز منظوم ولا كلام فصيح ولا مسجع سجعا مؤتلفا كائتلاف القوافي، إلا أن من أسلمه قوله: والله لئن ساجعتني سجاعا، لتجدني شجاعا، للجار مناعا، ولأجدنك هياعا، للحسب مضياعا، ولئن باطشتك بطاشا، لأدهشنك إدهاشا، ولأدقن منك مشاشا، حتى يجيء بولك رشاشا. وهذا من غث السجع ورذله، وإنما ذكرته ليستدل به على ما هو دونه مما ألغيت ذكره. قال: ورجز به فقال:
يا معدن اللؤم وأنت جبلـه وآخر اللؤم وأنـت أولـه
جاريت سباقا بعيدا مهـلـه كان إذا جارى أباك يفشله
فكيف ترجوه وكيف تأملـه وأنت شر رجل وأنـذلـه
ألأمه في مأزق وأجهـلـه أدخله بيت المخازي مدخله
فاللؤم سربال له يسربـلـه ثوبا إذا أنهـجـه يبـدلـه فأجابه حكم:
يابن التي جيرانها كانت تضـر وتتبع الشول وكانت تمتصـر
كيف إذا مارست حرا تنتصر ولهما أراجيز كثيرة طويلة جدا أسقطتها لكثرتها وقلة فائدتها.
الحكم ولقاء ابن ميادة وتهاجيهما
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرني بعض من لقيت من الخضر: أن حكما الخضري خرج يريد لقاء ابن ميادة بالرقم من غير موعد فلم يلفه، إما لأنه تغيب عنه وإما لأنه لم يصادفه، فقال حكم:
صفحة : 203
فر ابن ميادة الرقطاء من حكم بالصغر مثل الأعقد الـدهـم
أصبحت في أقر تعلو أطاوله تفر مني وقد أصبحت بالرقم وقال إسحاق في روايته عن أصحابه: قال ابن ميادة يهجو حكما وينسب بأم جحدر:
يمنونني منك اللقاء وإنـنـي لأعلم لا ألقاك من دون قابل وقد مضى أكثر هذه الأبيات متقدما، فذكرت ها هنا منها ما لم يمض وهو قوله:
فيا ليت رث الوصل من أم جحدر لنا بجديد مـن أولاك الـبـدائل
ولم يبق مما كان بيني وبـينـهـا من الود إلا مخفيات الـرسـائل
وإني إذا استنبهت من حلو رقـدة رميت بحبيها كرمي المناضـل صوت
فما أنس م الأشياء لا أنس قولها وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فـإنـه رهين بأيام الدهور الأطـاول الغناء في هذين البيتين لعلي بن يحيى المنجم، ولحنه من الثقيل الثاني.
وكنت امرأ أرمي الزوائل مـرة فأصبحت قد ودعت رمي الزوائل
وعطلت قوس اللهو من سرعانها وعادت سهامي بين رث وناصل السرعان: وتر يعمل من عقب المتن، وهو أطول العقب.
إذا حل بيتي بين بدر ومازن ومرة نلت الشمس كاهلي يعني بدر بن عمرو بمن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان، ومرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، ومرة بن فزارة، ومازن بن فزارة. وهي طويلة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: أخذ إسحاق الموصلي معنى بيت ابن ميادة في قوله: نلت الشمس واشتد كاهلي فقال:
عطست بأنف شامخ وتناولت يداي الثريا قاعدا غير قائم ولعمري لئن كان استعار معناه لقد اضطلع به وزاد فأحسن وأجاد.
وفي هذه القصيدة يقول:
فضلنا قريشا غير رهط محمـد وغير بني مروان أهل الفضائل ضربه إبراهيم بن هشام لدعواه أنه فضل قريشا
قال يحيى بن علي وأخبرني علي بن سليمان بن أيوب عن مصعب، وأخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب قال: قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل لابن ميادة: أنت فضلت قريشا وجرده فضربه أسواطا.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: لما قال ابن ميادة:
فضلنا قريشا غير رهط محمـد وغير بني مروان أهل الفضائل قال له الوليد بن يزيد: قدمت آل محمد قبلنا، فقال: ما كنت يا أمير المؤمنين أظنه يمكن غير ذلك. فلما أفضت الخلافة إلى بني هاشم وفد ابن ميادة إلى المنصور ومدحه؛ فقال له أبو جعفر لما دخل إليه: كيف قال لك الوليد? فأخبره بما قال، فجعل المنصور يتعجب.
ابن ميادة والحكم بعريجاء
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: حدثني العباس بن سمرة بن عباد بن شماخ بن سمرة عن ريحان بن سويد الخضري، وكان رواية حكم بن معمر الخضري، قال: تواعد حكم وابن ميادة عريجاء - وهي ماءة - يتواقفان عليها، فخرج كل واحد منهما في نفر من قومه، وأقبل صخر بن الجعد الخضري يؤم حكما، وهو يومئذ عدو لحكم لما فرط بينهما من الهجاء في أركوب من بني مازن بن مالك بن طريف بن خلف بن محارب؛ فلما لقيه قال له: يا حكم، أهؤلاء الذين عرضت للموت وهم وجوه قومك فوالله ما دماؤهم على بني مرة إلا كدماء جداية، فعرف حكم أن قول صخر هو الحق فرد قومه، وقال لصخر: قد وعدني ابن ميادة أن يواقفني غدا بعريجاء لأن أناشده، فقال له صخر: أنا كثير الإبل - وكان حكم مقلا - فإذا وردت إبلي فارتجز، فإن القوم لا يشجعون عليك وأنت وحدك، فإن لقيت الرجل نحر وأطعم فانحر وأطعم وإن أتيت على مالي كله. قال ريحان راويته: فورد يومئذ عريجاء وأنا معه فظل على عريجاء ولم يلق رماحا ولم يواف لموعده، وظل ينشد يومئذ حتى أمسى، ثم صرف وجوه إبل صخر وردها. وبلغ الخبر ابن ميادة وموافاة حكم لموعده، فأصبح على الماء وهو يرتجز ويقول:
أنا ابن ميادة عقار الجـزر كل صفي ذات ناب منفظر توافيهما بحمى ضرية وصلحهما
صفحة : 204
وظل على الماء فنحر وأطعم. فلما بلغ حكما ما صنع ابن ميادة من نحره وإطعامه شق عليه مشقة شديدة. ثم إنهما بعد توافيا بحمى ضرية. قال ريحان بن سويد: وكان ذلك العام عام جدب وسنة إلا بقية كلأبضرية. قال: فسبقنا ابن ميادة يومئذ فنزلنا على مولاة لعكاشة بن مصعب بن الزبير ذات مال ومنزلة من السلطان. قال: وكان حكم كريما على الولاة هناك يتقى لسانه. قال ريحان: فبينا نحن عند المولاة وقد حططنا براذع دوابنا إذا راكبان قد أقبلا، وإذا نحن برماح وأخيه ثوبان - ولم يكن لثوبان ضريب في الشجاعة والجمال - فأقبلا يتسايران، فلما رآهما حكم عرفهما، فقال: يا ريحان، هذان ابنا أبرد، فما رأيك? أتكفيني ثوبان أم لا? قال: فأقبلا نحونا ورماح يتضاحك حتى قبض على يد حكم وقال: مرحبا برجل سكت عنه ولم يسكت عني، وأصبحت الغداة أطلب سلمه يسوقني الذئب والسنة، وأرجو أن أرعى الحمى بجاهه وبركته، ثم جلس إلى جنب حكم وجاء ثوبان فقعد إلى جنبي، فقال له حكم: أما ورب المرسلين يا رماح لولا أبيات جعلت تعتصم بهن وترجع إليهن - يعني أبيات ابن ظالم - لاستوسقت كما استوسق من كان قبلك. قال ريحان: وأخذا في حديث أسمع بعضه ويخفى علي بعضه، فظللنا عند المرأة وذبح لنا وهما في ذلك يتحادثان، مقبل كل واحد منهما على صاحبه لا ينظران شدنا، حتى كان العشاء فشددنا للرواح نؤم أهلنا، فقال رماح لحكم: يا أبا منيع - وكانت كنية حكم -: قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له من هذا العامل، وإن لنا إليه حاجة في أن يرعينا؛ فقال له حكم: قد والله قضيت حاجتي منه وإني لأكره الرجوع إليه، وما من حاجتك بد، ثم رجع معه إلى العامل، فقال له بعد الحديث معه: إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه، وقد سأل الصلح وأناب إليه، فأحببت أن يكون ذلك على يدك وبمحضرك. قال: فدعا به عامل ضرية وقال: هل لك حاجة غير ذلك? قال: لا والله، ونسي حاجة رماح، فأذكرته إياها، فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان. فقال العامل لابن ميادة: ما حاجتك? فقال: ترعيني عريجاء لا يعرض لي فيها أحد، فأرعاه إياها. فأقبل رماح على حكم فقال: جزاك الله خيرا يا أبا منيع، فوالله لقد كان ورائي من قومي من يتمنى أن يرعى عريجاء بنصف ماله. قال فلما عزما على الانصراف ودع كل واحد منهما صاحبه وانصرفا راضيين وانصرف ابن ميادة إلى قومه فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام فاستغضبه على حكم في قوله:
وما ولدت مـرية ذات لـيلة من الدهر إلا زاد لؤما جنينها فأطرده وأقسم: لئن ظفر به ليسرجنه وليحملن عليه أحدهم. فقال رماح - وساءه ما صنعوا -: عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم بإطراده وبلغ الحكم الخبر فطار إلى الشأم فلم يبرحها حتى مات.
قال العباس بن سمرة: مات بالشأم غرقا، وكان لا يحسن العوم فمات في بعض أنهارها. قال: وهو وجهه الذي مدح فيه أسود بن بلال المحاربي ثم السوائي في قصيدته التي يقول فيها:
واستيقنت أن لا براح من السرى حتى تناخ بأسـود بـن بـلال
قرم إذا نزل الوفـود بـبـابـه سمت العيون إلى أشم طـوال مناقضات حكم وابن ميادة ولحكم الخضري وابن ميادة مناقضات كثيرة وأراجيز طوال طويت ذكر أكثرها وألغيته، وذكرت منها لمعا من جيد ما قالاه لئلا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعض ما دار بينهما ولا يستوعب سائره فيطول. فما قاله حكم في ابن ميادة قوله:
خليلي عوجا حييا الدار بالجـفـر وقولا لها سقيا لعصرك من عصر
وماذا تحي من رسوم تـلاعـبـت بها حرجف تذري بأذيالها الكـدر ومن جيد قوله فيها يفتخر:
إذا يبست عيدان قـوم وجـدتـنـا وعيداننا تغشى على الورق الخضر
إذا الناس جاءوا بالقروم أتـيتـهـم بقرم يساوي راسه غـرة الـبـدر
لنا الغور والأنجاد والخيل والقـنـا عليكم وأيام المكـارم والـفـخـر ومن جيد هجائه قوله:
فيا مر قد أخزاك في كل مـوطـن من اللؤم خلات يزدن على العشـر
فمنهن أن العبد حـامـي ذمـاركـم وبئس المحامي العبد عن حوزة الثغر
صفحة : 205
ومنهن أن لم تمسحوا وجـه سـابـق جواد ولم تأتوا حصانا على طـهـر
ومنهن أن المـيت يدفـن مـنـكـم فيفسو على دفانه وهو في القـبـر
ومنهن أن الجار يسكن وسـطـكـم بريئا فيلقى بـالـخـيانة والـغـدر
ومنهن أن عدتـم بـأرقـط كـودن وبئس المحامي أنت يا ضرطة الجفر
ومنهن أن الشـيخ يوجـد مـنـكـم يدب إلى الجارات محدودب الظهـر
تبيت ضباب الضغن تخشى احتراشها وإن هي أمست دونها ساحل البحـر فأجابه ابن ميادة بقصيدة طويلة، منها قوله مجيبا له عن هذه الخصال التي سبهم بها:
لقد سبقت بالمخـزيات مـحـارب وفازت بخلات على قومها عشـر
فمنهن أن لم تـعـقـروا ذات ذروة لحق إذا ما احتيج يوما إلى العقـر
ومنهن أن لم تمسـحـوا عـربـية من الخيل يوما تحت جل على مهر
ومنهن أن لم تضربوا بسـيوفـكـم جماجم إلا فيشل القرح الـحـمـر
ومنهن أن كانت شيوخ مـحـارب كما قد علمتم لا تريش ولا تبـري
ومنهن أخزى سوءة لو ذكـرتـهـا لكنتم عبيدا تخدمـون بـنـي وبـر
ومنهن أن الضأن كانت نـسـاءكـم إذا اخضر أطراف الثمام من القطر
ومنهن أن كانت عجوز مـحـارب تريغ الصبا تحت الصفيح من القبر
ومنهن أن لو كان في البحر بعضكم لخبث ضاحي جلده حومة البـحـر ومما قاله ابن ميادة في حكم قوله من قصيدة أولها:
ألا حييا الأطلال طالت سنينهـا بحيث التقت زبد الجناب وعينها ويقول فيها:
فلما أتاني ما تـقـول مـحـارب تغنت شياطيني وجن جنـونـهـا
ألم تر أن الله غشـى مـحـاربـا إذا اجتمع الأقوام لونا يشـينـهـا
ترى بوجوه الخضر خضر محارب طوابع لؤم ليس ينفت طـينـهـا
لقد ساهمتناكم سـلـيم وعـامـر فضمناهم إنا كـذلـك نـدينـهـا
فصارت لنا أهل الضئين محـارب وصارت لهم جسر وذاك ثمينهـا
إذا أخذت خضرية قائم الـرحـى تحرك قنباها فطار طحـينـهـا
وما حملت خـضـرية ذات لـيلة من الدهر إلا ازداد لؤما جنينهـا فقال حكم يجيبه عن هذه بقصيدته:
لأنت ابن أشبانـية أدلـجـت بـه إلى اللؤم مقلات لئيم جنـينـهـا
فجاءت بـرواث كـأن جـبـينـه إذا صغا في خرقتيها جبـينـهـا
فما حمـلـت مـرية قـط لـيلة من الدهر إلا ازداد لؤما جنينـهـا
وما حملت إلا لألأم مـن مـشـى ولا ذكرت إلا بأمـر يشـينـهـا
تزوج عثوان الضئين وتبـتـغـي بها الدر لا درت بخير لبـونـهـا
أظنت بنو عثوان أن لست شاتـمـا بشتمي وبعض القوم حمقى ظنونها
مدانيس أبـرام كـأن لـحـاهـم لحى مستهبات طوال قـرونـهـا قال الزبير: فحدثني موهوب بن رشيد قال: فسمع هذه القصيدة أحد بني قتال بن مرة فقال: ما له أخزاه الله يهجو صبيتنا وهم أجفى قوم غضبا لصبيتهم وقد هجاهم بما هجاهم به.
قال: وبلغ إبراهيم بن هشام قوله في نساء بني مرة إذ يقول:
وما حملت إلا لألأم من مشى فغضب ثم نذر دمه فهرب من الحجاز إلى الشأم فمات بها.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن ضبعان الخضري قال: لقي ابن ميادة صخر بن الجعد الخضري فقال له: يا صخر، أعنت علي ابن عمك الحكم بن معمر فقال له صخر: لا والله يا أبا الشرحبيل ما أعنته عليك، ولكن خيل إليك ما كان يخيل إلي، ولقد هاجيته فكنت أظن أن شجر الوادي يعينه علي.
ومن جيد قول ابن ميادة في حكم قصيدته التي أولها: صوت
لقد سبقتك اليوم عيناك سـبـقة وأبكاك من عهد الشباب ملاعبه
فوالله ما أدري أيغلبني الهـوى إذا جد جد البين أم أنا غالـبـه
صفحة : 206
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبـه - في هذه الأبيات غناء ينسب - يقول فيها في هجاء حكم:
لقد طال حبس الوفد وفد محارب عن المجد لم يأذن لهم بعد حاجبه
وقال لهم كروا فلـسـت بـآذن لكم أبدا أو يحصي الترب حاسبه وهي قصيدة طويلة: الوليد بن يزيد يفضله على الشعراء
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز المري ثم الصادري عن أبيه: - قال جلال: وقد رأيت ابن ميادة في بيت أبي، قال: قال لي ابن ميادة: وصلت أنا والشعراء إلى الوليد بن يزيد وهو خليفة. وكان مولى من موالي خرشة يقال له شقران يعيب ابن ميادة ويحسده على مكانه من الوليد، فلما اجتمعت الشعراء قال الوليد بن يزيد لشقران: يا شقران، ما علمك في ابن ميادة? قال علمي فيه يا أمير المؤمنين أنه:
لئيم يباري فيه أبرد نهبـلا لئيم أتاه اللؤم من كل جانب فقال الوليد: يابن ميادة، ما علمك في شقران? قال: علمي يا أمير المؤمنين أنه عبد لعجوز من خرشة كاتبته على أربعين درهما ووعدها - أو قال: وعدته - أن تجيزه بعشرين درهما فقبضته إياها، فأغنه عني يا أمير المؤمنين، فليس له أصل فاحتفره ولا فرع فأهتصره، فقال له الوليد: اجتنبه يا شقران فقد أبلغ إليك في الشتيمة، فقصر شقران صاغرا، ثم أنشدته، فأقيمت الشعراء جميعا غيري، وأمر لي بمائة لقحة وفحلها وراعيها وجارية بكر وفرس عتيق فاختلت ذلك اليوم وقلت:
أعطيتني مائة صفرا مدامعهـا كالنخل زين أعلى نبته الشرب ويروى:
كأنها النخل روى نبتها الشرب
يسوقها يافع جعد مفارقه مثل الغراب غذاه الصر والحلب
وذا سبيب صهيبـيا لـه عـرف وهامة ذات فرق نابها صخـب ولم يذكر الزبير في خبره غير هذه الأبيات الثلاثة، وهي من قصيدة للرماح طويلة يمدح فيها الوليد بن يزيد، وقد أجاد فيها وأحسن؛ وذكرت من مختارها ها هنا طرفا، وأولها:
هل تعرف الدار بالعلياء غيرها سافي الرياح ومستن له طنب
دار لبيضاء مسود مسائحـهـا كأنها ظبية ترعى وتنتصـب المسائح: ما بين الأذن إلى الحاجب من الشعر: تقف إذا ارتاعت منتصبة تتوجس.
تحنو لأكحل ألقته بمضيعة فقلبها شفقا من حوله يجب يقول فيها:
يا أطيب الناس ريقا بعد هجعتـهـا وأملح الناس عينا حين تـنـتـقـب
ليست تجود بنـيل حـين أسـألـهـا ولست عند خلاء اللهو أغتـصـب
في مرفقيها إذا ما عونقـت جـمـم على الضجيع وفي أنيابها شـنـب
ولـيلة ذات أهـوال كـواكـبـهـا مثل القناديل فيها الزيت والعطـب
قد جبتها جوب ذي المقراض ممطرة إذا استوى مغفلات البيد والـحـدب
بعنتريس كأن الدبـر يلـسـعـهـا إذا ترنم حاد خـلـفـهـا طـرب
إلى الوليد أبي العباس ما عجـلـت ودونه المعط من لبنان والـكـثـب وبعد هذا البيت قوله:
أعطيتني مائة صفرا مدامعها... الخ
لما أتيتك من نجد وساكنه نفحت لي نفحة طارت بها العـرب
إني امرؤ أعتفي الحاجات أطلبـهـا كما اعتفى سنق يلقى له العـشـب السنق: الذي قد شبع حتى بشم، يقول: أطلب الحاجة بغير حرص ولا كلب، كما يعتفي هذا البعير البشم من غير شره ولا شدة طلب.
ولا ألح على الـخـلان أسـألـهـم كما يلح بعظم الغـارب الـقـتـب
ولا أخـادع نـدمـانـي لأخـدعـه عن ماله حين يسترخي به اللـبـب
وأنت وابناك لم يوجد لـكـم مـثـل ثلاثة كلهم بالتـاج مـعـتـصـب
الطيبون إذا طـابـت نـفـوسـهـم شوس الحواجب والأبصار إن غضبوا
قسني إلى شعراء النـاس كـلـهـم وادع الرواة إذا ما غب ما اجتلـبـوا
إنـي وإن قـال أقـوام مـديحـهـم فأحسنوه وما حابـوا ومـا كـذبـوا
صفحة : 207
أجري أمامهم جري امرىء فلج عنانه حين يجري ليس يضطرب سبب الهجاء بينه وبين شقران
أخبرني يحيى بن علي قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال أخبرني أبو الحسن - أظنه المدائني - قال أخبرني أبو صالح الفزاري قال: أقبل شقران مولى بني سلامان بن سعد هذيم أخي عذرة بن سعدا بن هذيم، قال: وهذيم عبد حبشي كان حضن سعدا فغلب عليه، وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من اليمامة ومعه تمر قد امتاره - فلقيه ابن ميادة فقال له: ما هذا معك? قال: تمر امترته لأهلي يقال له: زب رباح، فقال له ابن ميادة يمازحه:
كأنك لم تقفل لأهلك تمـرة إذا أنت لم تقفل بزب رباح فقال له شقران:
فإن كان هذا زبه فانطلق به إلى نسوة سود الوجوه قباح فغضب ابن ميادة وأمضه وأنحى عليه بالسوط فضربه ضربات وانصرف مغضبا؛ فكان ذلك سبب الهجاء بينهما.
قال حماد عن أبيه وحدثني أبو علي الكلبي قال: اجتمع ابن ميادة وشقران مولى بني سلامان عند الوليد بن يزيد، فقال ابن ميادة: يا أمير المؤمنين، أتجمع بيني وبين هذا العبد وليس بمثلي في حسبي ولا نسبي ولا لساني ولا منصبي فقال شقران:
لعمري لئن كنت ابن شيخي عشيرتي هرقل وكسرى وما أراني مقصرا
وما أتمنـى أن أكـون ابـن نـزوة نزاها ابن أرض لم تجد متمـهـرا
على حائل تلوي الصرار بكـفـهـا فجاءت بخوار إذا عض جرجـرا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرنا يحيى بن علي عن أيوب المديني، عن زبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز وقال يحيى بن خلاد عن أبي أيوب ابن عبد العزيز قال: استأذن ابن ميادة على الوليد بن يزيد وعنده شقران مولى قضاعة فأدخله في صندوق وأذن لابن ميادة؛ فلما دخل أجلسه على الصندوق واستنشده هجاء شقران فجعل ينشده، ثم أمر بفتح الصندوق فخرج عليه شقران وجعل يهدر كما يهدر الفحل ويقول:
سأكعم عن قضاعة كلب قيس على حجر فينصت للكعـام
أسير أمـام قـيس كـل يوم وما قيس بسائرة أمـامـي وقال أيضا وهو يسمع:
إني إذا الشعراء لاقى بعضهم بعضا ببلقعة يريد نضالـهـا
وقفوا المرتجز الهدير إذا دنت منه البكارة قطعت أبوالهـا
فتركتهم زمرا ترمز باللحـى منها عنافق قد حلقت سبالها فقال له ابن ميادة: يا أمير المؤمنين اكفف عني هذا الذي ليس له أصل فأحفره، ولا فرع فأهصره؛ فقال الوليد: أشهد أنك قد جرجرت كما قا شقران:
فجاءت بخوار إذا عض جرجرا تفاخره مع عقال بالشعر
قال يحيى في خبره: واجتمع ابن ميادة وعقال بن هاشم بباب الوليد بن يزيد، وكان عقال شديد الرأي في اليمن، فغمز عقال ابن ميادة واعتلاه؛ فقال ابن ميادة:
فجرنا ينابيع الكـلام وبـحـره فأصبح فيه ذو الرواية يسـبـح
وما الشعر إلا شعر قيس وخندف وقول سواهم كلفة وتـمـلـح فقال عقال يجيبه:
ألا أبلغ الرماح نقـض مـقـالة بها خطل الرماح أو كان يمـزح
لئن كان في قيس وخندف ألسـن طوال وشعر سائر لـيس يقـدح
لقد خرق الحي اليمانون قبلـهـم بحور الكلام تستقى وهي تطفـح
وهم علموا من بعدهم فتعلـمـوا وهم أعربوا هذا الكلام وأوضحوا
فللسابقين الفضل لا يجـحـدونـه وليس لمخلوق عليهم تـبـجـح شعره في حنينه إلى وطنه
وحوار الوليد إياه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جلال بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثني ابن ميادة قال: قلت وأنا عند الوليد بن يزيد بأباين - وهو موضع كان الوليد ينزله في الربيع -:
لعمـرك إنـي نـازل بـأبـاين لصوءر مشتاق وإن كنت مكرما
أبيت كأني أرمد العين سـاهـر إذا بات أصحابي من الليل نوما قال: فقال لي الوليد: يابن ميادة كأنك غرضت من قربنا، فقلت: ما مثلك يا أمير المؤمنين يغرض من قربه، ولكن:
صفحة : 208
ألا ليت شعري هـل أبـيتـن لـيلة بحرة ليلى حيث ربتـنـي أهـلـي
وهل أسمعن الدهر أصوات هجـمة تطالع من هجل خصيب إلى هجـل
بلاد بها نيطت عـلـي تـمـائمـي وقطعن عني حين أدركني عقـلـي
فإن كنت عن تلك المواطن حابسـي فأيسر علي الرزق واجمع إذا شملي فقال: كم الهجمة? قلت: مائة ناقة؛ فقال: قد صدرت بها كلها عشراء. قال ابن ميادة: فذكرت ولدانا لي بنجد إذا استطعموا الله عز وجل أطعمهم وأنا، وإذا استسقوه سقاهم الله وأنا، وإذا استكسوه كساهم الله وأنا، فقال: يابن ميادة، وكم ولدانك? فقلت: سبعة عشر، منهم عشرة نفر وسبع نسوة، فذكرت ذلك منهم فأخذ بقلبي؛ فقال: يابن ميادة، قد أطعمهم الله وأمير المؤمنين، وسقاهم الله وأمير المؤمنين، وكساهم الله وأميرا لمؤمنين؛ أما النساء فأربع حلل مختلفات الألوان، وأما الرجال فثلاث حلل مختلفات الألوان، وأما السقي فلا أرى مائه لقحة إلا سترويهم، فإن لم تروهم زدتهم عينين من الحجاز؛ قلت: يا أمير المؤمنين، لسنا بأصحاب عيون يأكلنا بها البعوض، وتأخذنا بها الحميات؛ قال: فقد أخلفها الله عليك؛ كل عام لك فيه مثل ما أعطيتك العام: مائة لقحة وفحلها وجارية بكر وفرس عتيق.
عارض ابن القتال وانتحل بيتا من شعره
وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني شداد بن عقبة عن عبد السلام ابن القتال قال: عارضني ابن ميادة فقال: أنشدني يابن التقال، فأنشدته:
ألا ليت شعري هل أبيتـن لـيلة بصحراء ما بين التنوفة والرمل
وهل أزجرن العيس شاكية الوجى كما عسل السرحان بالبلد المحل
وهل أسمعن الدهر صوت حمامة تغني حمامات على فنن جـثـل
وهل أشربن الدهر مزن سحـابة على ثمد الأفعاة حاضره أهلـي
بلاد بها نيطت علي تـمـائمـي وقطعن عني حين أدركني عقلي قال: فأتاني الرواة بهذا البيت وقد اصطرفه ابن ميادة وحده.
جازه الوليد إبلا فأرادوا إبدالها فقال شعرا
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني رجل من كلب وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي علي الكلبي قال: أمر الوليد بن يزيد لابن ميادة بمائة من الإبل من صدقات بني كلب، فلما أتى الحول أرادوا أن يبتاعوها له من الطرائد، وهي الغرائب، وأن يمسكوا التلاد؛ فقال ابن ميادة:
ألم يبلغك أن الحي كلـبـا أرادوا في عطيتك ارتدادا
وقالوا إنها صهب وورق وقد أعطيتها دهما جعادا فعلموا أن الشعر سبيلغ الوليد فيغضبه؛ فقالوا له: انطلق فخذها صفرا جعادا.
شعره في رثاء الوليد
وقال يحيى بن علي في روايته: لما قتل الوليد بن يزيد قال ابن ميادة يرثيه:
ألا يا لهفتي علـى ولـيد غداة أصابه القدر المتاح
ألا ابكي الوليد فتى قريش وأسمحها إذا عد السمـاح
وأجبرها لذي عظم مهيض إذا ضنت بدرتها اللقـاح
لقد فعلت بنو مروان فعلا وأمرا ما يسوغ به القراح قال يحيى: وغنى فيه عمر الوادي ولم يذكر طريقة غنائه.
ابن ميادة وعثمان بن عمرو
ابن عثمان بن عفان
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن زهير بن مضرس الفزاري عن أبيه قال: أخصب جناب الحجاز الشأمي فمالت لذلك الخصب بنو فزارة وبنو مرة، فتحالوا جميعا به. قال: فبينا ذات يوم أنا وابن ميادة جالسان على قارعة الطريق عشاء إذا راكبان يوجفان راحلتين حتى وقفا علينا، فإذا أحدهما بحر الريح وهو عثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان معه مولى له، فنسبنا وانتسب لنا، وقد كان ابن ميادة يعللني بشعره، فلما انقضى كلامنا مع القرشي ومولاه استعدت ابن ميادة ما كنا فيه، فأنشدني فخرا له يقول فيه:
وعلى المليحة من جذيمة فتـية يتمارضون تمـارض الأسـد
وترى الملوك الغتر تحت قبابهم يمشون في الحلقات والـقـد
صفحة : 209
قال: فقال له القرشي: كذبت؛ قال ابن ميادة: أفي هذا وحده أنا والله في غيره أكذب؛ فقال له القرشي: إن كنت تريد في مديحك قريشا فقد كفرت بربك ودفعت قوله، ثم قرأ عليه: لإيلاف قريش حتى أتى على آخرها، ونهض هو ومولاه وركبا راحلتيهما؛ فلما فاتا أبصارنا قال ابن ميادة:
سمين قريش مانع منك نفسه وغث قريش حيث كان سمين ابن ميادة وسنان بن جابر
أخبرنا يحيى بن علي عن حماد عن أبيه عن أبي الحارث المري قال: كان ابن ميادة قد هاجى سنان بن جابر أحد بني حميس بن عامر بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم؛ فقال ابن ميادة له فيما قال من هجائه:
لقد طالما عللت حجـرا وأهـلـه بأعراض قيس يا سنان بن جابـر
أأهجوا قريشا ثم تكـره ريبـتـي ويسرقني عرضي حميس بن عامر قال: وقال فيهم أيضا
قصار الخطى فرق الخصى زمر اللحى كأنهم ظرابى اهترشن عـلـى لـحـم
ذكرت حمام الـقـيظ لـمـا رأيتـهـم يمشون حولي في ثـيابـهـم الـدسـم
وتبدي الحـمـيسـيات فـي كـل زينة فروجا كآثار الصغار مـن الـبـهـم قال: ثم إن ابن ميادة خرج يبغي إبلا له حتى ورد جبارا - وهو ماء لحميس بن عامر - فأتى بيتا فوجد فيه عجوزا قد أسنت، فنشدها إبله فذكرتها له وقالت: ممن أنت? قال: رجل من سليم بن منصور؛ فأذنت له وقالت: ادخل حتى نقريك وقد عرفته وهو لا يدري؛ فلما قرته قال ابن ميادة: وجدت ريح الطيب قد نفح علي من البيت، فإذا بنت لها قد هتكت الستر، ثم استقبلتني وعليها إزار أحمر وهي مؤتزرة به، فأطلقته وقالت: انظر يابن ميادة الزانية أهذا كما نعت فلم أر امرأة أضخم قبلا منها؛ فقالت: أهذا كما قلت:
وتبدي الحميسيات في كل زينة فروجا كآثار الصغار من البهم قال: قلت: لا والله يا سيدتي، ما هكذا قلت ولكن قلت:
وتبدي الحميسيات في كل زينة فروجا كآثار المقيسرة الدهم وانصرف يتشبب بها، فذلك حين يقول:
نظرنا فهاجتنا على الشوق والهوى لزينب نار أوقـدت بـجـبـار
كأن سناها لاح لي من خصـاصة على غير قصد والمطي سواري
حميسية بالرملتـين مـحـلـهـا تمد بحلـف بـينـنـا وجـوار قال أبو داود: وكانت بنو حميس حلفاء لبني سهم بن مرة، ثم للحصين بن الحمام. وتمد وتمت واحد.
رجع إلى الشعر
تجاور من سهم بن مـرة نـسـوة بمجتمع النقبـين غـير عـواري
نواعم أبكـارا كـأن عـيونـهـا عيون ظبـاء أو عـيون صـوار
كأنا نراها وهـي مـنـا قـريبة على متن عصماء الـيدين نـوار
تتبع من حجـر ذرا مـتـمـنـع لها معقل في رأس كل طـمـار
يدور بها ذو أسهـم لا ينـالـهـا وذو كلبات كالقـسـي ضـواري
كأن على المتنـين مـنـهـا ودية سقتها السواقـي مـن ودي دوار
يظل سحيق المسك يقطر حولهـا إذا الماشطات احتفنه بـمـداري
وما روضة خضراء يضربها الندى بها قنة مـن حـنـوة وعـرار
بأطيب من ريح القرنفل ساطـعـا بما التف من درع لها وخـمـار
وما ظبية ساقت لها الريح نغـمة على غفلة فاستسمعت لـخـوار
بأحسن منها يوم قامت فأتلـعـت على شرك مـن روعة ونـفـار
فليتك يا حسـنـاء يابـنة مـالـك يبيع لنا منـك الـمـودة شـاري ابن ميادة وزينب بنت مالك
وأخبرني بهذا الخبر الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري ثم المنظوري عن أبيه قال حدثني رماح بن أبرد قال:
صفحة : 210
خرجت قافلا من السلع إلى نجد حتى إذا كنت ببعض أهضام الحرة هكذا في نسختي، وأظنه هضاب الحرة رفع لي بيت كالطراف العظيم، وإذا بفنائه غنم لم تسرح، فقلت: بيت من بيوت بني مرة وبي من العيمة إلى اللبن ما ليس بأحد، فقلت: آتيهم فأسلم عليهم وأشرب من لبنهم، فلما كنت غير بعيد سلمت فردت علي امرأة برزة بفناء البيت، وحيت ورحبت واستنزلتني فنزلت، فدعت بلبن ولبأ ورسل من رسل تلك الغنم، ثم قالت: هيا فلانة البسي شفا واخرجي، فخرجت علي جارية كأنها ثمعة ما رأيت في الخلق لها نظيرا قبل ولا بعد، فإذا شفها ذاك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب فكأنه قعب مكفأ، ثم قالت: يابن ميادة الخبيثة، أأنت القائل:
وتبدي الحميسيات في كـل زينة فروجا كآثار الصغار من البهم? فقلت: لا والله - جعلني الله فداك يا سيدتي - ما قلت هذا قط، وإنما قلت:
وتبدي الحميسيات في كل زينة فروجا كآثار المقيسرة الدهم قال: وكان يقال للجارية الحميسية: زينب بنت مالك، وفيها قال ابن ميادة قصيدته:
ألما فزورا اليوم خير مزار أعطاه الوليد جارية فقال فيها شعرا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب ابن رشيد الكلابي قال: أعطى الوليد بن يزيد ابن ميادة جارية طبرية أعجمية لا تفصح، حسناء جميلة كاملة لولا العجمة، فعشقها وقال فيها:
جزاك الله خيرا من أمير فقد أعطيت مبرادا سخونا
بأهلي ما الذك عند نفسي لو أنك بالكلام تعربـينـا
كأنك ظبية مضغت أراكا بوادي الجزع حين تبغمينا ملاحاته مع رجل من بني جعفر
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إسحاق بن شعيب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: وردت على بني فزارة ساعيا، فأتاني ابن ميادة مسلما علي، وجاءتني بنو فزارة ومعها رجل من بني جعفر بن كلاب كان لهم جارا وكان مخططا موسوما بجمال، فلما رأيته أعجبني، فأقبلت على بني فزارة وقلت لهم: أي أخوالي هذا? فوالله إنه ليسرني أن أرى فيكم مثله؛ فقالوا: هذا - أمتع الله بك - رجل من بني جعفر بن كلاب وهو لنا جار. قال: فأصغى إلي ابن ميادة، وكان قريبا مني، وقال: لا يغرنك - بأبي أنت - ما ترى من جسمه فإنه أجوف لا عقل له؛ فسمعه الجعفري فقال: أفي تقع يابن ميادة وأنت لا تقري ضيفك? فقال له ابن ميادة: إن لم أقره قراه ابن عمي وأنت لا تقري ولا ابن عمك. قال ابن عمران: فضحكت مما شهد به ابن ميادة على نفسه.
كان بخيلا لا يكرم أضيافه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن المعلى بن نوح الفزاري قال حدثني خال لي كان شريفا من سادات بني فزارة قال: ضفت ابن ميادة فأكرمني وتحفى بي وفرغ لي بيتا فكنت فيه ليس معي أحد، ثم جاءني بقدح ضخم من لبن إبله فشربته ثم ولى، فلم ينشب أن جاءني بآخر فتناولت منه شيئا يسيرا، فما لبثت حتى عاد بآخر فقلت: حسبك يا رماح فلا حاجة لي بشيء؛ فقال: اشرب بأبي أنت، فوالله لربما بات الضيف عندنا مدحورا.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال: أتينا ابن ميادة نتلقى منه الشعر؛ فقال لنا: هل لكم في فضل شنة? فظنناها تمرا، فقلنا له: هات، لنبسطه بذلك، فإذا شنة فيها فضلة من خمر قد شرب بعضها وبقي بعض، فلما رأيناها قمنا وتركناه.
يرفض وليمة ضرب الناس فيها بالسياط أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيري قال حدثني نعمة الغفاري قال: قدم ابن ميادة المدينة فدعي في وليمة فجاء فوجد على باب الدار التي فيها الوليمة حرسا يضربون الزلالين بالسياط يمنعونهم من الدخول، فرجع وهو يقول:
لما رأيت الأصبحية قـنـعـت مفارق شمط حيث تلوى العمائم
تركت دفاع الباب عمـا وراءه وقلت صحيح من نجا وهو سالم وسأله الوليد من تركت عند نسائك
أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال:
صفحة : 211
قال الوليد بن يزيد لابن ميادة في بعض وفاداته عليه: من تركت عند نسائك? قال: رقيبين لا يخالفاني طرفة عين: الجوع والعري. وهذا القول والجواب يروى أن عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة تراجعاهما، وقد ذكرا في أخبار عقيل.
مدحه لأبي جعفر المنصور
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وأخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبير وأخبرنا يحيى بن علي قال: حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب: أن ابن ميادة مدح أبا جعفر المنصور بقصيدته التي يقول فيها:
طلعت علينا العيس بالرماح ثم خرج من عند أهله يريده، فمر على إبله فحلبت له ناقة من إبله، وراح عليه راعيه بلبنها فشربه ثم مسح على بطنه ثم قال: سبحان الله إن هذا لهو الشره يكفيني لبن بكرة وأنا شيخ كبير، ثم أخرج وأغترب في طلب المال ثم رجع فلم يخرج. هذه القصيدة من جيد شعر ابن ميادة، أولها:
وكواعب قد قلـن يوم تـواعـد قول المجد وهن كـالـمـزاح
يا ليتنا في غـير أمـر فـادح طلعت علينا العيس بالـرمـاح
بينا كذاك رأينني متـعـصـبـا بالخز فـوق جـلالة سـرداح
فيهن صفراء المعاصم طـفـلة بيضاء مثل غريضة التـفـاح
فنظرن من خلل الحجال بأعـين مرضى مخالطها السقام صحاح
وارتشن حين أردن أن يرميننـي تبـلا بـلا ريش ولا بـقـداح يقول فيها في مدح المنصور وبني هاشم:
فلئن بقيت لألحقن بأبحـر ينمين لا قطع ولا أنزاح
ولآتين بني علـي إنـهـم من يأتهم يتلق بالإفـلاح
قوم إذا جلب الثناء إليهـم بيع الثناء هناك بالأرباح
ولأجلسن إلى الخليفة إنـه رحب الفناء بواسع نجباح وهي قصيدة طويلة.
قوله فيما أصاب الحاج من المطر
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحاق بن أيوب قال: اعتمرت في رجب سنة خمس ومائة، فصادفني ابن ميادة بمكة وقدمها معتمرا، فأصابنا مطر شديد تهدمت منه البيوت وتوالت فيه الصواعق، فجلس إلي ابن ميادة الغد من ذلك اليوم، فجعل يأتيني قوم من قومي وغيرهم فأستخبرهم عن ذلك الغيث فيقولون: صعق فلان وانهدم منزل فلان؛ فقال ابن ميادة: هذا العيث لا الغيث؛ فقلت: فما الغيث عندك? فقال:
سحائب لا من صيب ذي صواعـق ولا محرقات مـاؤهـن حـمـيم
إذا ما هبطن الأرض قد مات عودها يكين بها حـتـى يعـيش هـشـيم كان ينشد من شعره فيستحسنه الناس
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير عن أبيه قال: جلست أنا وعيسى بن عميلة وابن ميادة ذات يوم، فأنشدنا ابن ميادة شعره مليا، ثم أنشدنا قوله:
ألا ليت شعري هل أبـيتـن لـيلة بحرة ليلى حيث ربتنـي أهـلـي
بلاد بها نيطت علـي تـمـائمـي وقطعن عني حين أدركني عقلـي
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة تطالع من هجل خصيب إلى هجل
صهيبية صفراء تلقي ربـاعـهـا بمنعرج الصمان والجرع السهـل تلقى رباعها: تطرح أولادها. وواحد الرباع ربع.
وهل أجمعن الدهر كفـي جـمـعة بمهضومة الكشحين ذات شوى عبل
محللة لـي لا حـرامـا أتـيتـهـا من الطيبات حين تركض في الحجل
تميل إذا مال الضجيع بعـطـفـهـا كما مال دعص من ذرا عقد الرمل فقال له عيسى بن عميلة: فأين قولك يا أبا الشرحبيل:
لقد حرمت أمي علي عدمتها كرائم قومي ثم قلة مـالـيا فقلت له: فاعطف إذا إلى أمة بني سهيل فهي أعند وأنكد، وقد كنت أظن أن ميادة قد ضربت جأشك على اليأس من الحرائر، وأنا أداعبه وأضاحكه؛ فضحك وقال:
ألم تر قوما ينكحون بمالهـم ولو خطبت أنسابهم لم تزوج أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب وغيره:
صفحة : 212
أن حسينة اليسارية كانت جميلة - وآل يسار من موالي عثمان رضوان الله عليه يسكنون تيماء، ولهم هناك عدد وجلد، وقد انتسبوا في كلب إلى يسار بن أبي هند فقبلهم بنو كلب - قال: وكانت عند رجل من قومها يقال له: عيسى بن إبراهيم بن يسار، وكان ابن ميادة يزورها؛ وفيها يقول:
ستأتينا حسينة حـيث شـئنـا وإن رغمت أنوف بني يسار قال: فدخل عليها زوجها يوما فوجد ابن ميادة عندها، فهم به هو وأهلها؛ فقاتلهم وعاونته عليهم حسينة حتى أفلت تتابن ميادة؛ فقال في ذلك:
لقد ظلت تعاوننـي عـلـيهـم صموت الحجل كاظمة السوار
وقد غادرت عيسى وهو كلـب يقطع سلحه خلف الـجـدار أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن سعد بن شاهين قال حدثني عبد الله بن خالد بن دفيف التغلبي عن عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة العدوي عن أبي العلاء بن وثاب قال: ابن ميادة وعبد الواحد بن سليمان
قدم ابن ميادة المدينة زائرا لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو أميرها وكان يسمر عنده في الليل، فقال عبد الواحد لأصحابه: إني أهم أن أتزوج، فابغوني أيما؛ فقال له ابن ميادة: أنا أدلك، أصلحك الله أيها الأمير؛ قال: على من يا أبا الشرحبيل? قال: قدمت عليك أيها الأمير فدخلت مسجدكم فإذا أشبه شيء به وبمن فيه الجنة وأهلها، فوالله لبينا أنا أمشي فيه إذ قادتني رائحة عطر رجل حتى وقفت بي عليه، فلما وقع بصري عليه استلهاني حسنه فما أقلعت عنه حتى تكلم، فخلته لما تكلم يتلو زبورا ويدرس إنجيلا أو يقرأ قرآنا حتى سكت فلولا معرفتي بالأمير لشككت أنه هو،
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin