سليم مل منه أقـربـوه وأسلمه المداوي والحميم ذكر الزبير بن بكار أن هذا الشعر كله لأبي المنهال نفيلة الأشجعي. قال : وسمعت بعض أصحابنا يقول: إنه لمعمر بن العنبر الهذلي. والصحيح من القول، أن بعض هذه الأبيات لابن هرمة من قصيدة له يمدح بها عبد الواحد بن سليمان مخفوضة الميم، ولماغني فيها وفي أبيات نفيلة وخلط فيه ما أوجب خفض القافية غير إلى ما أوجب رفعها. فأما ما لابن هرمة فيها فهو من قصيدته التي أولها:
أجارتنا بذي نـفـر أقـيمـي فما أبكى على الدهر الذمـيم
أقيمي وجه عامك ثم سـيري بل اواهي الجوار ولا مـلـيم
فكم بين الأقارع فالمـنـقـى إلى أحد إلـى أكـنـاف ريم
إلى الجماء مـن خـد أسـيل نقي اللون ليس بذي كـلـوم
ومن عين مكحـلة الأمـاقـي بلا كحل ومن كشح هضـيم
أرقت وغاب عني مـن يلـوم ولكن لم أنم أنا لـلـهـمـوم
أرقت وشفني وجع بـقـلـب ي لزينب أو أميمة أو رعـوم
أقاسي ليلة كالحـول حـتـى تبدى الصح منقطع الـبـريم
كأن الصبح أبلق في حجـول يشسب ويتقي ضرب الشكـيم
رأيت الشيب قد نزلت علـينـا روائعه بحجة مـسـتـقـيم
إذا ناكرته نـاكـرت مـنـه خصومة لا ألد ولا ظـلـوم
وودعني الشباب فصرت منـه كراض بالصغيرمن العظـيم
فدع ما لايرد عـلـيك شـيئا من الجارات أو دمن الرسوم
وقل قولا تطبق مفـصـلـيه بمدحه صاحب الرأي الصروم
لعبد الواحد الفلج المـعـلـى علاخلق النفورة والخصـوم
دعته المكرمات فـنـاولـتـه خطام المجد في سن الفطـيم وهي طويلة. فمن الأبيات التي فيها الغناء أربعة أبيات لابن هرمة قد مضت في هذه القصيدة وإنها غيرت حتى صارت مرفوعة، فاتفقت الأبيات وغني فيها. وأما أبيات نفيلة فما بقي من الصوت المذكور بعد أبيات ابن هرمة له. ويتلو ذلك من أبيات نفيلة قوله:
يضيء دجى الظلام إذا تبدى كضوء الفجر منظره وسيم
وقائلة ومثـنـية عـلـينـا تقول وما لها فينا حـمـيم
وأخرى لبها معنا ولـكـن تصبر وهي واجمة كظوم
تعد لنا الليالي تحتـصـيهـا متى هوحائن منـه قـدوم
متى تر غفلة الواشين عنها تجد بدموعها العين السجوم والغناء في هذه الأبيات المذكورة المختلط فيها شعر ابن هرمة ونفيلة لمعبد، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو ويونس. وفيها لحن من الثقيل الثاني ينسب إلى الوابصي. وفيها خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى ابن سريج.
وهذا الوابصي هو الصلت بن العاصي بن وابصة بن خالد بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم.
كان تنصر ولحق ببلاد الروم، لأن عمر بن عبد العزيز فيما ذكر حده في الخمر، وهو أمير الحجاز، فغضب فلحق ببلاد الروم وتنصر هناك، ومات هنالك نصرانيا.
رآه رسول عمر بن عبد العزيز الذي ذهب إلى الروم لفك الأسرى: فأخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن عبد العزيز قال أخبرني ابن العلاء أظنه أبا عمرو أو أخاه عن جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا سعيد بن عامر عن جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم، وقد جمعت الروايتين، قال اليزيدي في خبره: إن إسماعيل حدث: أن عمر بن عبد العزيز بعث في الفداء. وقال عمر بن شبة: إن إسماعيل حدث قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فأتاه البريد الذي جاء من القسطنطينية فحدثه قال: بينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت رجلا يغني بلسان فصيح وصوت شج:
فكم من حرة بين المنقى إلى احد إلى جنبات ريم
صفحة : 651
فسمعت غناء لم أسمع قط أحسن منه. فلما سمعت الغناء وحسنه، لم أدر أهو كذلك حسن، أم لغربته وغربة العربية في ذلك الموضع. فدنوت من الصوت، فلما قربت منه إذا هو في غرفة، فنزلت عن بغلتي فأوثقتها ثم صعدت إليه فقمت على باب الغرفة، فإذا رجل متسلق على قفاه يغني هذين البيتين لا يزيد عليهما وهو واضع إحدى رجليه على الأخرى، فإذا فرغ بكى فيبكي ما شاء الله ثم يعيد الغناء. ففعل ذلك مرارا فقلت: السلام عليكم فوثب ورد السلام فقلت: أبشر فقد فك الله أسرك، أنا بريد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى، هذا الطاغية في فداء الأسارى. ثم سألته: من أنت. فقال: أنا الوابصي، أخذت فعذبت حتى دخلت في دينهم فقلت له: أنت والله أحب من أفتديه إلى أمير المؤمنين وإلي إن لم تكن دخلت في الكفر، فقال: قد والله دخلت فيه فقلت: أنشدك الله إلا أسلمت، فقال: أأسلم وهذان ابناي وقد تزوجت امرأة منهم وهذان ابناها، وإذا دخلت المدينة قيل لي يا نصراني وقيل مثل ذلك لولدي وأمهما، لا والله لا أفعل. فقلت له: قد كنت قارئا للقرآن فما بقي معك منه? قال: لا شيء إلا هذه الآية ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . قال: فعاودته وقلت له: إنك لا تعير بهذا فقال: وكيف بعبادة الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير. فقلت: سبحان الله أما تقرأ: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فجعل يعيد علي قوله: فكيف بما فعلت ولم يجبني إلى الرجوع. قال: فرفع عمر يده وقال: اللهم لا تمتني حتى تمكنني منه. قال: فوالله ما زلت راجيا لإجابة دعوة عمر فيه. قال جويرية في حديثه: وقد رأيت أخا الوابصي بالمدينة.
وقال يعقوب بن السكيت في هذا الخبر. أخبرني ابن الأزرق عن رجل من أهل البصرة أنسيت اسمه قال: نزلنا في ظل حصن من الحصون التي للروم، فإذا أنا بقائل يقول من فوق الحصن:
فكم بين الأقارع فالمنقى إلى أحـد إلـى مـيقـات ريم
إلى الزوراء من ثغر نقـي عوارضه ومن دل رخـيم
ومن عين مكحلة الأماقـي بلا كحل ومن كشح هضيم وهو ينشد بلسان فصيح ويبكي، فناديته: أيها المنشد، فأشرف فتى كأحسن الناس. فقلت: من الرجل وما قصتك? فقال: أنا رجل من الغزاة من العرب نزلت مكانك هذا، فأشرفت علي جارية كأحسن الناس فعشقتها. فكلمتها فقالت: إن دخلت في ديني لم أخالفك فغلب علي الشيطان فدخلت في دينها، فأنا كما ترى. فقلت: أكنت تقرأ القران? فقال: إي والله لقد حفظته. قلت: فما تحفظ منه اليوم. قال: لا شيء إلا قوله عز وجل: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . قلت: فهل لك أن نعطيهم فداءك وتخرج. قال: ففكر ساعة ثم قال: انطلق صحبك الله.
بعفر ما ورد في شعر ابن هرمة من الأخبار: ومما ورد في الأخبار من شعر ابن هرمة:
في حاضر لجب بالليل سامـره فيه الصواهل والرايات والعكر
وخرد كالمها حور مدامعـهـا كأنها بين كثبان النقا الـبـقـر الشعر لابن هرمة. والغناء في اللحن المختار لحنين، ولحنه من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. قال إسحاق: وفيه لأبي همهمة لحن من الثقيل الأول أيضا. وأبو همهمة هذا مغن أسود من أهل المدينة، ليس بمشهور ولا ممن نادم الخلفاء ولا وجدت له خبرا فأذكره.
بزينت ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب
وقل في تجنيها لك الذنب: إنمـا عتابك من عاتبت فيماله عتـب الشعر لنصيب. والغناء في اللحن المختار لكردم بن معبد، ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمعبد لحن آخر من خفيف الثقيل عن يونس والهشامي ودنانير. وفيه لإبراهيم لحن آخر من الثقيل الأول ذكره الهشامي.
وقد تقدم من أخبار نصيب ما فيه كفاية، وإنما تأخر منها ما له موضع يصلح إفراده فيه، مثل أخبار هذا الصوت.
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمي الفضل عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن ابن كناسة قال: قال نصيب: ما توهمت أني أحسن أن أقول الشعر حتى قلت:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
صفحة : 652
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال أخبرني ابن الربيح قال: مر بنا جميل ونحن بضرية ، فاجتمعنا إليه فسمعته يقول: لأن أكون سبقت الأسود إلى قوله:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب أحب إلي من كذا وكذا- لشيء قاله عظيم.
أخبرلي الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني سعيد بن عمرو عن حبيب بن شوذب الأسدي قال: مر بنا جرير بن الخطفي ونحن بضرية، فاجتمعنا إليه فسمعته يقول: لأن أكون سبقت العبد إلى هذا البيت أحب إلي من كذا وكذا يعني قوله:
بزينب ألمم قيل أن يرحل الركب أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل عن إسحاق الموصلي عن ابن كناسة قال: اجتمع الكميت بن زيد ونصيب في الحمام، فقال له الكميت: أنشدني قولك:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب فقال: والله ما أحفظها، فقال الكميت: لكني أحفظها، أفأنشدك إياها. قال نعم، فأقبل الكميت ينشده وهو أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر ابن أبي الحويرث عن مولاة لهم، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن مولاة لهم قالت: إنا لبمنى إذ نظرت إلى أبنية مضروبة وأثاث وأمتعة، فلم أدر لمن هي، حتى أنيخ بعير، فنزل عنه أسود وسوداء . فألقيا أنفسهما على بعض المتاع، ومر راكب يتغنى غناء الركبان
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب فرأيت السوداء تخبط الأسود وتقول له: شهرتني وأذعت في الناس ذكري، فإذا هو نصيب وزوجته. قال إسحاق في خبره: وكان الذي اجتاز بهم وتغنى ابن سريج.
كان ابن سريج يغني لنسوة في شعره فلم يشأ أن يتعرف بهن: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال محمد بن كناسة عن أبيه قال: قال، نصب: والله إني لأسير على راحلتي إذا أدركت نسوة ذوات جمال يتناشدن قولي:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وإذا معهن ابن سريج، فقلن له: يا أبا يحيى، غننا في هذا الشعر، فغناهن فأحسن، فقلن: وددنا والله يا أبا يحيى أن نصيبا معنا فيتم سرورنا، فحركت بعيري لأتعرف بهن وأنشدهن ، فالتفتت إحداهن إلي فقالت حين رأتني: والله لقد زعموا أن نصيبا يشبه هذا الأسود لا جرم، فقلت: والله لا أتعرف بهن سائر اليوم، ومضيت وتركتهن. قال: وكان الذي تغنى به ابن سريج من شعري:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القـلـب
وقل إن تنل بالحب منـك مـودة فما مثل مالقيت من حبكم حـب
وقل في تجنيها لك الذنب إنـمـا عتابك من عاتبت فيماله عتـب
فمن شاء رام الوصل أوقال ظالما لذي وده ذنب وليس لـه ذنـب أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن عبدالله السعدي عن جدته جمال بنت عون عن جدها قال: قلت للنصيب: أنشدني يا أبا محجن من شعرك شيئا، فقال: أيه تريد. قلت: ما شئت قال: لا أنشدك أو تقترح ما تريد فقلت: قولك:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب قال: فتبسم وقال: هذا شعر قلته وأنا غلام، ثم أنشدني القصيدة. قال الزبير: وهي أجود ما قال.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهبلي قالا حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي عن أيوب بن شاس، ونسخت هذا الخبر من كتاب أحمد بن الحارث الرازعن المدائني عن أبي بكر الهذلي عن أيوب بن شاس وروايته أتم من رواية عمر بن شبة قال أيوب: حدثني عبدالله بن سعيد: أن النصيب دخل على عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة، فقال له: هيه يا أسود:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب أأنت الذي تشهر النساء وتقول فيهن فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد تركت ذلك وتبت من قول الشعر، وكان قد نسك، فأثنى عليه القوم وقالوا فيه قولا جميلا فقال له: أما إذ أثنى عليك القوم فسل حاجتك، فقال: يا أمير المؤمنين، لي، بنيات سويداوات أرغب بهن عن السودان ويرغب عنهن البيضان، فإن رأيت أن تفرض لهن فافعل، ففعل.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبدالله بن شبيب عن محمد بن المؤمل بن طالوت عن أبيه عن عثمان بن الضحاك الحزامي قال:
صفحة : 653
خرجت على بعير لي أريد الحج، فنزلت في فناء خيمة بالأبواء، فإذا جارية قد خرجت من الخيمة ففتحت الباب بيديها فآستلهاني حسنها، فتمثلت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب فقالت الجارية: أتعرف قائل هذا الشعر. قلت: نعم، ذاك نصيب، قالت: أفتعرف زينب هذه. قلت: لا قالت: فأنا والله زينبه، وهو اليوم الذي وعدني فيه الزيارة، ولعلك لا ترحل حتى تراه. فوقفت ساعة فإذا أنا براكب قد طلع فجاء حتى أناخ قريبا منها، ثم نزل فسلم عليها وسلمت عليه فقلت: عاشقان التقيا ولا بد أن يكون لهما حاجة، فقمت إلى راحلتي فشددت عليها? فقال: على رسلك، أنا معك? فلبث ساعة ثم رحل ورحلت معه? فقال لي: كأنك قلت في نفسك كذا وكذا قلت: قد كان ذاك فقال لا، ورب الكعبة البنية المستورة ما جلست معها مجلسا قط هو أقرب من هذا.
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني حماد بن إسحاق قال قال لي أبو ربيعة: لو لم تكن هذه القصيدة:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب لنصيب، شغر من كانت تشبه. فقلت: شعر امرىء القيس، لأنها جزلة الكلام جيدة. قال: سبحان الله قلت: ما شأنك. فقال: سألت أباك عن هذا فقال لي مثل ما قلت، فعجبت من اتفاقكما.
قال هارون وحدثني حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص الثقفي عن رجل سماه قال: أتاني منقذ الهلالي ليلة وضرب علي الباب، فقلت: من هذا. فقال: منقذ الهلالي، فخرجت فزعا، فقلت: فيم السرى أي ما جاء بك تسري إلي ليلا في هذه الساعة? قال: خير، أتاني أهلي بدجاجة مشوية بين رغيفين، فتغذيت بها معهم، ثم أتيت بقنينة نبيذ قد التقى طرفاها، فشربت وذكزت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب فأنشدتها فأطربتني، وفكرت في إنسان يفهم حسن ذلك ويعرف فضله فلم أجد غيرك فأتيتك. فقلت: ما جاء بك إلا هذا. قال: لا، وانصرف.
قال حماد: معنى قوله: التقى طرفاها، أي قد صفت وراقت فأسفلها وأعلاها سواء في الصفاء.
ومما يغنى فيه من قصيدة نصيب البائية المذكورة قوله:
خليلي من كعب ألما هديتـمـا بزينب لايفقدكما أبدا كـعـب
من اليوم زوراها فإن ركابنـا غداة غد عنها وعن أهلها نكب الغناء لمالك خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة.
صوت من المائة المختارة
على رواية جحظة عن أصحابه
النشر مسك والوجوه دنـا نير وأطراف الأكف عنم
والدار وحش والرسوم كما رقش في ظهرالأديم قلم
لست كأقوام خـلائقـهـم نث أحاديث وهتك حـرم نث الحديث: إشاعته. والعنم: شجر أحمر، وقيل: بل هو دود أحمر كالأساريع يكون في البقل في أيام الربيع. والأديم: الجلد. وجلد كل شيء أديمه. ورقش: زين الشعر لمرقش الأكبر، والغناء لابن عائشة هزج بالبنصر في مجراها.
أخبار المرقش الأكبر ونسبه
المرقش لقب غلب عليه بقوله:
الدار وحش والرسوم كما رقش في ظهر الأديم قلم عوف بن مالك المعروف بالبرك
وهو أحد من قال شعرا فلقب به. واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعدبن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكربن وائل. وهو أحد المتيمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه فيما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضا أحد المتيمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبب بها. وكان للمرقشين جميعا موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدم في المشاهد ونكاية في العدو وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عم المرقش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا ومحلوفي لا يمر بي رجل من بكر بن وائل منهزما إلا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل فسمي البرك يومئذ.
عمر بن مالك وأسره لمهلهل:
صفحة : 654
وكان أخوه عمرو بن مالك أيضا من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلا، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في، بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا الرمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر، فأحسن إساره. ومر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقا لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى إليه وهو أسير زق خمرة فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكرا وشربوا عند مهلهل في بيته وقد أفرد له عمرو بيتا يكون فيه فلما أخذ فيهم الشراب لغنى مهلهل فيما كان يقوله من الشعر وينوح به على كليب، فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريان، والله لا يشرب ماء حتى يرد ربيب يعني جملا كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدهاس من أجواف هجر فيرعى فيها غبا بعد عشر في حمارة القيظ فطلبت ركبان بني مالك ربيبا وهم حراص على ألا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشا. ونحر عمرو بن مالك يومئذ نابا فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلل أحد بني لغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسيرة فقال يذكرها:
ظبية ما ابنة المحلل شنبا ء لعوب لذيذة في العناق فلفا بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنقة القيسي أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول وكان محمقا وهو الذي تضرب به العرب المثل في الحمق: لا? يكون لي جمل أبدا إلا سميته ربيبا يعني أن ربيبا كان مباركا لقتله مهلهلا. ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميمية التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:
بل هل شجتك الظعن باكرة كأنها النخيل من ملـهـم قال أبو عمرو ووافقه المفضل الضبي: وكان من خبر المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها، فقال: لا أزوجك حتى تعرف بالبأس وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك فكان عنده زمانا ومدحه فأجازه. وأصاب عوفا زمان شديدث فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف ، فأرغبه في المال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.
ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشا وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبرة فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هدا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الدي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش، عن رأسه ودعا الغلام وكان قد ضني ضنا شديدا فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المرادي أسماء فدعا مرقش وليدة له ولها زوج من غفيلة كان عسيفا لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المرادي عليها، فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضا. وإنهما نزلا كهفا بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقما وهلكنا معه ضرا وجوعا. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكانا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط. فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:
يا صاحبي تلبـثـا لا تـعـجـلا إن الرواح رهين ألا تـفـعـلا
فلعل لبـثـكـمـا يفـرط سـيئا أو يسبق الإسراع سيبا مـقـبـلا
ياراكبا إما عرضت فـبـلـغـن آنس بن سعد إن لقيت وحرمـلا
للـه دركـمـا ودرأبـيكـمــا إن أفلت العبدان حتـى يقـتـلا
من مبلغ الأقـوام أن مـرقـشـا أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا
وكأنما ترد السـبـاع بـشـلـوه إذ غاب جمع بني ضبيعة منهـلا
صفحة : 655
قال: فانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش. ونظر حرملة إلى الرحل وجعل يقلبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أن مرقشا كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك. فقال له مرقش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي : من أنت? قال: راعي فلان، وإذا هو راعي زوج أسماء. فقال له مرقش: أتستطيع أن تكلم أسماء امرأة صاحبك? قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزا فتأتيها بلبنها.
فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيرا لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم. قالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف بنجران، فأقبل فزعا فقال لها: لم دعوتني? قالت له: ادع عبدك راعي غنمك فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم قال: وجدته مع رجل في كهف خبان .قال: ويقال كهف جبار فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيرا، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم? قالت: خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:
سرى ليلا خيال من سليمـى فأرقني وأصحابي هجـود
فبت أديرأمري كـل حـال وأذكر أهلها وهـم بـعـيد
على أن قد سما طرفي لنار يشب لها بذي الأرطى وقود
حواليها مها بيض التراقـي وآرام وغـزلان رقــود
نواعم لاتعالج بـؤس عـيش أوانس لاتـروح ولاتـرود
يرحن معا بطاء المشيء بدا عليهن المجاسد والـبـرود
سكن ببلدة وسكنت أخـرى وقطعت المواثق والعهـود
فما بالي أفي ويخان عهـدي ومابالي أصـاد ولا أصـيد
ورب أسـيلة الـخـــدين بكير منعمة لها فرع وجيد
وذو أشر شتيت النبت عذب نقي اللـون بـراق بـرود
لهوت بها زمانا في شبابـي وزارتها النجائب والقصـيد
أناس كلما أخلقـت وصـلا عناني منهم وصـل جـديد ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.
وقال غير أبي عمرو والمفضل: أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسرا، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقا، فزوجها أبوها من المرادي سراة فظهر على ذلك مرقش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنه. فلما أراد أن يهتديها خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقش، فتربصوا بها حتى عزب مرقش في إبله، وبنى المرادي بأسماء واحتملها إلى بلده. فلما رجع مرقش إلى الحي رأى غلاما يتعرق عظما، فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحي. وأوجس في صدره خيفة لما كان، فقال الغلام: اهتدى المراثي امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقش إلى حيه فلبس لأمته وركب فرسه الأغر، واتبع آثار القوم يريد قثل المرادي. فلما طلع لهم قالوا للمرادي: هذا مرقش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمر عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري، فإنه لا يرميك ولا يضرك، ويلهو، بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردوه. وقالوا للمرادي: تقدم فتقدم. وجاءهم مرقش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغض من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه ورداه عن القوم. ومضى بها المرادي فألحقها بحيه. وضني مرقش لفراق أسماء. فقال في ذلك:
أمن آل أسماء الرسوم الدوارس تخطط فيها الطير قفر بسابس وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضا:
أغالبك القلب اللجوج صـبـابة وشوقا إلى أسماء أم أنست غالبه
صفحة : 656
يهيم ولايعيا بأسـمـاء قـلـبـه كذاك الهوى إمراره وعواقبـه
أيلحى امرؤ في حب أسماءقد نأى بغمز من الواشين وازور جانبه
وأسماء هم النفس إن كنت عالما وبادى أحاديث الفؤاد وغـائبـه
إذا ذكرتها النفس ظلت كأنـنـي يزعزعني قفقاف ورد وصالبـه كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعرا: وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريان ببني تغلب بجمران فنكى فيهم وأصاب مالا وأسرى، وكان معه المرقش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:
أتتني لسسان بني عـامـر فجلى أحاديثها عن بصـر
بأن بني الوخم ساروا معـا بجيش كضوء نجوم السحر
بكل خبوب السسرى نهـدة وكل كميت طـوال أغـر
فما شعرالحي حـتـى رأوا بريق القوانس فوق الغرر
فأقبلنهـم ثـم أدبـرنـهـم وأصدرنهم قبل حين الصدر
فيا رب شلو تخطر فـنـه كريم لدى مزحف أو مكر
وكائن بجمران من مزعف ومن رجل وجهه قد عفـر
????وأما المرقش الأصغر
فهو على ما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة. والمرقش الأكبر عم الأصغر، والأصغر عم طرفة بن العبد. قال أبو عمرو: والمرقش الأصغر أشعر المرقشين وأطولهما عمرا. وهو الذي عشق فاطمة بنت الممنذر، وكانت لها وليدة يقال لها بنت عجلان، وكان لها قصر بكاظمة، وعليه حرس. وكان الحرس يجرون كل ليلة حوله الثياب فلا يطؤه أحد إلا بنت عجلان. وكان لبنت عجلان في كل ليلة رجل من أهل الماء يبيت عندها. فقال عمرو بن جناب بن مالك لمرقش: إن بنت عجلان تأخذ كل عشية رجلا ممن يعجبها فيبيت معها.
صفحة : 657
وكان مرقش ترعية لا يفارق إبله، فأقام بالماء وترك إبله ظمأى، وكان من أجمل الناس وجها وأحسنهم شعرا. وكانت فاطمة بنت المنذر تقعد فوق القصر فتنظر إلى الناس. فجاء مرقش فبات عند ابنة عجلان، حتى إذا كان من الغد تجردت عند مولاتها. فقالت لها: ما هذا بفخذيك،وإذا نكت كأنها التين وكآثار السياط من شدة حفزه إياها عند الجماعق الت: آثار رجل بات معي الليلة. وقد كانت فاطمة قالت لها: لقد رأيت رجلا جميلا راح نحونا بالعشية لم أره قبل ذلك، قالت: فإنه فتى قعد عن إبله وكان يرعاها، وهو الفتى الجميل الذي رأيته، وهو الذي بات، معي فأثر في هذه الآثار. قالت لها فاطمة: فإذا كان غد وأتاك فقدمي له مجمرا ومريه أن يجلس عليه وأعطيه سواكا، فإن استاك به أورده فلا خير فيه، وإن قعد على المجمر أورده فلا خير فيه. فأتته بالمجمر فقالت له: اقعد عليه، فأبى وقال: أدنيه مني، فدخن لحيته وجمته وأبى أن يقعد عليه، وأخذ السواك فقطع رأسه واستاك به. فأتت ابنة عجلان فاطمة فأخبرتها بما صنع، فازدادت به عجبا وقالت: ائتيني به. فتعلقت به كما كانت تتعلق، فمضى معها وانصرف أصحابه. فقال القوم حين انصرفوا: لشد ما علقت بنت عجلان المرقش وكان الحرس ينثرون التراب حول قبة فاطمه بنت المنذر ويجرون عليه ثوبا حين تمسي ويحرسونها فلا يدخل عليها إلا ابنة عجلان، فإذا كان الغد بعث الملك بالقافة فينظرون أثر من دخل إليها ويعودون فيقولون له: لم نر إلا أثر بنت عجلان. فلما كانت تلك الليلة حملت بنت عجلان مرقشا على ظهرها وحزمته إلى بطنها بثوب، وأدخلته إليها فبات معها. فلما أصبح بعث الملك بالقافة فنظروا وعادوا إليه فقالوا: نظرنا أثر بنت عجلان وهي مثقلة. فلبث بذلك حينا يدخل إليها. فكان عمرو بن جناب بن عوف بن مالك يرى ما يفعل ولا يعرف مذهبه. فقال له: ألم تكن عاهدتني عهدا لا تكتمني شيئا ولا أكتمك ولا نتكاذب. فأخبره مرقش الخبر فقال له: لا أرضى عنك ولا أكلمك أبدا أو تدخلني عليها، وحلف على ذلك. فانطلق المرقش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان فأجلسه فيه وانصرف وأخبره كيف يصنع، وكانا متشابهين غير أن عمرو بن جناب كان أشعر، فأتته بنت عجلان فاحتملته وأدخلته إليها وصنع ما أمره به مرقش. فلما أراد مباشرتها وجدت شعر فخذيه فاستنكرته، وإذا هو يرعد، فدفعته بقدمها في صدره وقالت: قبح الله سرا عند المعيدي. ودعت بنت عجلان فذهبت به، وانطلق إلى موضع صاحبه. فلما رآه قد أسرع الكرة ولم يلبث، إلا قليلا، علم أنه قد افتضح، فعض على إصبعه فقطعها. ثم انطلق إلى أهله وترك المال الذي كان فيه يعني الإبل التي كان مقيما فيها حياء مما صنع. وقال مرقش في ذلك:
ألا يا اسلمى لا صرم لي اليوم فاطما ولا أبدا مـا دام وصـلـك دائمـا
رمتك ابنة البكري عن فرع ضـالة وهن بنا خوص يخلـن نـعـائمـا
تراءت لنـا يوم الـرحـيل بـوارد وعذب الثنايا لم يكن متـراكـمـا
سقاه حباب المزن في مـتـكـلـل من الشمس رواه ربابا سواجـمـا
أرنك بذات الضال منها معاصـمـا وخدا أسيلا كـالـوذيلة نـاعـمـا
صحا قلبه عنها عـلـى أن ذكـرة إذا خطرت دارت به الأرض قائما
تبصر خليلي هل ترى من ظعانـن خرجن سراعا واقتعدن المفـائمـا
تحملن من جو الوريعة بـعـد مـا تعالى النهار وانتجعن الصـرائمـا
تحلين ياقـوتـا وشـذرا وصـيغة جزعـا ظـفـاريا ودرا تـوائمـا
سلكن القرى والجزع تحدى جمالهـا ووركن قوا واجتزن عن المخارما
ألا حبـذا وجـه تـريك بـياضـه ومنسدلات كالمثانـي فـواحـمـا
وإني لأستحيي فـطـيمة جـائعـا خميصا وأستحيي فطيمة طاعـمـا
وإني لأستحييك والخـرق بـينـنـا مخافة أن تلقى أخا لي صـارمـا
وإني وإن كلت قلوصـي لـراجـم بها وبنفسي يا فطيم المـراجـمـا
ألايا اسلمى بالكوكب الطلق فاطمـا وإن لم يكن صرف النوى متلائمـا
صفحة : 658
ألايا اسلمى ثم اعلمي أن حاجتي إليك فردي من نوالك فاطـمـا
أفاطم لو أن النـسـاء بـبـلـدة وأنت بأخرى لابتغيتك هـائمـا
متى مايشأ ذوالود يصرم خليلـه ويغضب عليه لامحالة ظالـمـا
وآلى جناب حلفة فـأطـعـتـه فنفسك ول اللوم إن كنت نادمـا
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمـره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
ألم ترأن المـرء يجـذم كـفـه ويجشم من لوم الصديق المجاشما
أمن حلم أصبحت تنكت واجـمـا وقد تعترى الأحلام من كان نائما
??من المائة المختارة
إذا قلت تسلو النفس أو تنتهي المنى أبى القلـب إلا حـب أم حـكـيم
منعمة صفـراء حـلـو دلالـهـا أبيت بها بـعـد الـهـدوء أهـيم
قطوف الخطا مخطوطة المتن زانها مع الحسن خلق في الجمال عمـيم الشعر مختلف في قائله، فمن الرواة من يرويه لصالح بن عبدالله العبشمي، ومنهم من يرويه لقطري بن الفجاءة المازني، ومنهم من يرويه لعبيدة بن هلال اليشكري. والغناء لسياط، وله فيه لحنان: أحدهما، وهو المختار، ثقيل أول بالوسطى، والآخر خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. ولبعض الشراة قصيدة في هذا الوزن وعلى هذه القافية، وفيها ذكر لأم حكيم هذه أيضا، تنسب إلى هؤلاء الشعراء الثلاثة، ويختلف في قائلها كالاختلاف في قائل هذه. وفيها أيضا غناء وهو في هذه الأبيات. منها:
لعمرك إني في الحياة لـزاهـد وفي العيش ما لم ألق أم حكـيم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت طعان فتى في الحرب غير ذميم ذكر المبرد أن الشعر لقطري بن الفجاءة، وذكر الهيثم بن عدي أنه لعمرو القنا، وذكر وهب بن جرير أنه لحبيب بن سهم التميمي، وذكر أبو مخنف أنه لعبيدة بن هلال اليشكري، وذكر خالد بن خداش أنه لعمرو القنا أيضا. والغناء لمعبد ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس.
??خبر الوقعة التي قيل فيها هذا الشعر
وهي وقعة دولاب وشيء من أخبار هؤلاء وأنسابهم وخبر أم حكيم هذه.
وقعة دولاب وشيء من أخبار الشراة: هذان الشعران قيلا في وقعة دولاب، وهي قرية من عمل الأهواز، بينها وبين الأهواز نحو من أربعة فراسخ، كانت بها حرب بين الإزارقة وبين مسلم بن عبيس بن كريز خليفة عبدالله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وذلك في أيام ابن الزبير. أخبرني بخبر هذه الحرب أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة عن المدائني، وأخبرني بها عبيد الله بن محمد الرازي عن الخراز عن المدائنيئ، وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش: أن نافع بن الأزرق، لما تفرقت آراء الخوارج ومذاهبهم في أصول مقالتهم أقام بسوق الأهواز وأعمالها لا يعترض الناس، وقد كان متشككا في ذلك. فقالت له امرأته: إن كنت قد كفرت بعد إيمانك وشككت فيه، فدع نحلتك ودعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الإيمان فاقتل الكفار حيث لقيتهم وأثخن في النساء والصبيان كما قال نوح: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . فقبل قولها واستعرض الناس وبسط سيفه، فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم. وإذا وطيء بلدا فعل مثل هذا به إلى
صفحة : 659
أن يجيبه أهله جميعا ويدخلوا ملته، فيرفع السيف ويضع الجباية فيجبي الخراج. فعظم أمره واشتدت شوكته وفشا عفاله في السواد. فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس فشكوا إليه أمرهم وقالوا له: ليس بيننا وبين القوم إلا ليلتان، وسيرتهم كما ترى، فقال لهم الأحنف: إن سيرتهم في مصر كم إن ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوكم. وحرضهم الأحنف، فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل في السلاح. فأتاه عبدالله بن الحارث بن نوفل، وسأله أن يؤمر عليهم أميرا، فاختار لهم مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة، وكان فارسا شجاعا دينا، فأمره عليهم وشيعه. فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا وفضة، وإني لأحارب قوما إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم. فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع. فرجع نفز يسير ومضى الباقون معه، فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع بن الأزرق، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى تكسرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتلى، وتضاربوا بالسيوف والعمدة فقتل في المعركة ابن عبيس وهو على أهل البصرة، وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، وقتل نافع بن الأزرق يومئذ أيضا، فعجب الناس من ذلك، وأن الفريقين تصابروا حتى قتل منهم خلق كثير، وقتل رئيسا العسكرين، والشراة يومئذ ستمائة رجل، فكانت الحدة يومئذ وبأس الشراة واقعا ببني تميم وبني سدوس. وأتى ابن عبيس وهو يجود بنفسه فاستخلف على الناس الربيع بن عمرو الغداني، وكان يقال له الأجذم، كانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سمرة. واستخلف نافع بن الأزرق عبيد الله بن بشير بن الماحوز أحد بني سليط بن يربع. فكان رئيسا المسلمين والخوارج جميعامن بني يربوع، رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع، ورئيس الشراة من بني سليط بن يربوع، فاتصلت الحرب بينهم عشرين يوما. قال المدائني في خبره: وادعى قتل نافع بن الأزرق رجل من باهلة يقال له سلامة. وتحدث بعد ذلك قال: كنت لما قتلته على برذون ورد فإذا أنا برجل ينادي، وأنا واقف في خمس بني تميم، فإذا به يعرض علي المبارزة فتغافلت عنه، وجعل يطلبني وأنا أنتقل من خمس إلى خمس وليس يزايلني، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني إلى المبارزة، فلما كثر خرجت إليه، فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته، ونزلت فأخذت رأسه وسلبته، فإذا امرأة قد رأتني حين قتلت نافعا، فخرجت لتثأر به. قالوا: فلما قتل فافع وابن عبيس وولي الجيش إلى ربيع بن عمرو لم يزل يقاتل الشراة نيفا وعشرين يوما، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة، قالوا: وكيف ذلك? قال: إني رأيت البارحة كأن يدي التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاشتشلتني. فلما كان الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم فقتل يومئذ قال: استشلاه: أخذه إليه. يقال: استشلاه واشتلاه قال: فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس ثم أجمعوا على الحجاج بن باب الحميري. وقد اقتتل الناس يومئذ وقبله بيومين قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله، تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت، ثم تضاربوا بالسيوف والعمد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، وحتى كان الرجل منهم يضرب الرجل فلا يغني شيئا من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون بالأفواه. فلما تدافع القوم الراية وأبوها واتفقوا على الحجاج بن باب امتنع من أخذها. فقال له كريب بن عبد الرحمن: خذها فإنها مكرمة، فقال: إنها لراية مشئومة، ما أخذها أحد إلا قتل. فقال له كريب: يا أعور تقارعت العرب على أمرها ثم صيروها إليك فتأبى خوف القتل، خذ اللواء ويحك، فإن حضر أجلك قتلت إن كانت معك أو لم تكن. فأخذ اللواء وناهضهم،
أجارتنا بذي نـفـر أقـيمـي فما أبكى على الدهر الذمـيم
أقيمي وجه عامك ثم سـيري بل اواهي الجوار ولا مـلـيم
فكم بين الأقارع فالمـنـقـى إلى أحد إلـى أكـنـاف ريم
إلى الجماء مـن خـد أسـيل نقي اللون ليس بذي كـلـوم
ومن عين مكحـلة الأمـاقـي بلا كحل ومن كشح هضـيم
أرقت وغاب عني مـن يلـوم ولكن لم أنم أنا لـلـهـمـوم
أرقت وشفني وجع بـقـلـب ي لزينب أو أميمة أو رعـوم
أقاسي ليلة كالحـول حـتـى تبدى الصح منقطع الـبـريم
كأن الصبح أبلق في حجـول يشسب ويتقي ضرب الشكـيم
رأيت الشيب قد نزلت علـينـا روائعه بحجة مـسـتـقـيم
إذا ناكرته نـاكـرت مـنـه خصومة لا ألد ولا ظـلـوم
وودعني الشباب فصرت منـه كراض بالصغيرمن العظـيم
فدع ما لايرد عـلـيك شـيئا من الجارات أو دمن الرسوم
وقل قولا تطبق مفـصـلـيه بمدحه صاحب الرأي الصروم
لعبد الواحد الفلج المـعـلـى علاخلق النفورة والخصـوم
دعته المكرمات فـنـاولـتـه خطام المجد في سن الفطـيم وهي طويلة. فمن الأبيات التي فيها الغناء أربعة أبيات لابن هرمة قد مضت في هذه القصيدة وإنها غيرت حتى صارت مرفوعة، فاتفقت الأبيات وغني فيها. وأما أبيات نفيلة فما بقي من الصوت المذكور بعد أبيات ابن هرمة له. ويتلو ذلك من أبيات نفيلة قوله:
يضيء دجى الظلام إذا تبدى كضوء الفجر منظره وسيم
وقائلة ومثـنـية عـلـينـا تقول وما لها فينا حـمـيم
وأخرى لبها معنا ولـكـن تصبر وهي واجمة كظوم
تعد لنا الليالي تحتـصـيهـا متى هوحائن منـه قـدوم
متى تر غفلة الواشين عنها تجد بدموعها العين السجوم والغناء في هذه الأبيات المذكورة المختلط فيها شعر ابن هرمة ونفيلة لمعبد، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو ويونس. وفيها لحن من الثقيل الثاني ينسب إلى الوابصي. وفيها خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى ابن سريج.
وهذا الوابصي هو الصلت بن العاصي بن وابصة بن خالد بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم.
كان تنصر ولحق ببلاد الروم، لأن عمر بن عبد العزيز فيما ذكر حده في الخمر، وهو أمير الحجاز، فغضب فلحق ببلاد الروم وتنصر هناك، ومات هنالك نصرانيا.
رآه رسول عمر بن عبد العزيز الذي ذهب إلى الروم لفك الأسرى: فأخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن عبد العزيز قال أخبرني ابن العلاء أظنه أبا عمرو أو أخاه عن جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا سعيد بن عامر عن جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم، وقد جمعت الروايتين، قال اليزيدي في خبره: إن إسماعيل حدث: أن عمر بن عبد العزيز بعث في الفداء. وقال عمر بن شبة: إن إسماعيل حدث قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فأتاه البريد الذي جاء من القسطنطينية فحدثه قال: بينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت رجلا يغني بلسان فصيح وصوت شج:
فكم من حرة بين المنقى إلى احد إلى جنبات ريم
صفحة : 651
فسمعت غناء لم أسمع قط أحسن منه. فلما سمعت الغناء وحسنه، لم أدر أهو كذلك حسن، أم لغربته وغربة العربية في ذلك الموضع. فدنوت من الصوت، فلما قربت منه إذا هو في غرفة، فنزلت عن بغلتي فأوثقتها ثم صعدت إليه فقمت على باب الغرفة، فإذا رجل متسلق على قفاه يغني هذين البيتين لا يزيد عليهما وهو واضع إحدى رجليه على الأخرى، فإذا فرغ بكى فيبكي ما شاء الله ثم يعيد الغناء. ففعل ذلك مرارا فقلت: السلام عليكم فوثب ورد السلام فقلت: أبشر فقد فك الله أسرك، أنا بريد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى، هذا الطاغية في فداء الأسارى. ثم سألته: من أنت. فقال: أنا الوابصي، أخذت فعذبت حتى دخلت في دينهم فقلت له: أنت والله أحب من أفتديه إلى أمير المؤمنين وإلي إن لم تكن دخلت في الكفر، فقال: قد والله دخلت فيه فقلت: أنشدك الله إلا أسلمت، فقال: أأسلم وهذان ابناي وقد تزوجت امرأة منهم وهذان ابناها، وإذا دخلت المدينة قيل لي يا نصراني وقيل مثل ذلك لولدي وأمهما، لا والله لا أفعل. فقلت له: قد كنت قارئا للقرآن فما بقي معك منه? قال: لا شيء إلا هذه الآية ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . قال: فعاودته وقلت له: إنك لا تعير بهذا فقال: وكيف بعبادة الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير. فقلت: سبحان الله أما تقرأ: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فجعل يعيد علي قوله: فكيف بما فعلت ولم يجبني إلى الرجوع. قال: فرفع عمر يده وقال: اللهم لا تمتني حتى تمكنني منه. قال: فوالله ما زلت راجيا لإجابة دعوة عمر فيه. قال جويرية في حديثه: وقد رأيت أخا الوابصي بالمدينة.
وقال يعقوب بن السكيت في هذا الخبر. أخبرني ابن الأزرق عن رجل من أهل البصرة أنسيت اسمه قال: نزلنا في ظل حصن من الحصون التي للروم، فإذا أنا بقائل يقول من فوق الحصن:
فكم بين الأقارع فالمنقى إلى أحـد إلـى مـيقـات ريم
إلى الزوراء من ثغر نقـي عوارضه ومن دل رخـيم
ومن عين مكحلة الأماقـي بلا كحل ومن كشح هضيم وهو ينشد بلسان فصيح ويبكي، فناديته: أيها المنشد، فأشرف فتى كأحسن الناس. فقلت: من الرجل وما قصتك? فقال: أنا رجل من الغزاة من العرب نزلت مكانك هذا، فأشرفت علي جارية كأحسن الناس فعشقتها. فكلمتها فقالت: إن دخلت في ديني لم أخالفك فغلب علي الشيطان فدخلت في دينها، فأنا كما ترى. فقلت: أكنت تقرأ القران? فقال: إي والله لقد حفظته. قلت: فما تحفظ منه اليوم. قال: لا شيء إلا قوله عز وجل: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . قلت: فهل لك أن نعطيهم فداءك وتخرج. قال: ففكر ساعة ثم قال: انطلق صحبك الله.
بعفر ما ورد في شعر ابن هرمة من الأخبار: ومما ورد في الأخبار من شعر ابن هرمة:
في حاضر لجب بالليل سامـره فيه الصواهل والرايات والعكر
وخرد كالمها حور مدامعـهـا كأنها بين كثبان النقا الـبـقـر الشعر لابن هرمة. والغناء في اللحن المختار لحنين، ولحنه من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. قال إسحاق: وفيه لأبي همهمة لحن من الثقيل الأول أيضا. وأبو همهمة هذا مغن أسود من أهل المدينة، ليس بمشهور ولا ممن نادم الخلفاء ولا وجدت له خبرا فأذكره.
بزينت ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب
وقل في تجنيها لك الذنب: إنمـا عتابك من عاتبت فيماله عتـب الشعر لنصيب. والغناء في اللحن المختار لكردم بن معبد، ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمعبد لحن آخر من خفيف الثقيل عن يونس والهشامي ودنانير. وفيه لإبراهيم لحن آخر من الثقيل الأول ذكره الهشامي.
وقد تقدم من أخبار نصيب ما فيه كفاية، وإنما تأخر منها ما له موضع يصلح إفراده فيه، مثل أخبار هذا الصوت.
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمي الفضل عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن ابن كناسة قال: قال نصيب: ما توهمت أني أحسن أن أقول الشعر حتى قلت:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
صفحة : 652
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال أخبرني ابن الربيح قال: مر بنا جميل ونحن بضرية ، فاجتمعنا إليه فسمعته يقول: لأن أكون سبقت الأسود إلى قوله:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب أحب إلي من كذا وكذا- لشيء قاله عظيم.
أخبرلي الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني سعيد بن عمرو عن حبيب بن شوذب الأسدي قال: مر بنا جرير بن الخطفي ونحن بضرية، فاجتمعنا إليه فسمعته يقول: لأن أكون سبقت العبد إلى هذا البيت أحب إلي من كذا وكذا يعني قوله:
بزينب ألمم قيل أن يرحل الركب أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل عن إسحاق الموصلي عن ابن كناسة قال: اجتمع الكميت بن زيد ونصيب في الحمام، فقال له الكميت: أنشدني قولك:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب فقال: والله ما أحفظها، فقال الكميت: لكني أحفظها، أفأنشدك إياها. قال نعم، فأقبل الكميت ينشده وهو أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر ابن أبي الحويرث عن مولاة لهم، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن مولاة لهم قالت: إنا لبمنى إذ نظرت إلى أبنية مضروبة وأثاث وأمتعة، فلم أدر لمن هي، حتى أنيخ بعير، فنزل عنه أسود وسوداء . فألقيا أنفسهما على بعض المتاع، ومر راكب يتغنى غناء الركبان
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب فرأيت السوداء تخبط الأسود وتقول له: شهرتني وأذعت في الناس ذكري، فإذا هو نصيب وزوجته. قال إسحاق في خبره: وكان الذي اجتاز بهم وتغنى ابن سريج.
كان ابن سريج يغني لنسوة في شعره فلم يشأ أن يتعرف بهن: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال محمد بن كناسة عن أبيه قال: قال، نصب: والله إني لأسير على راحلتي إذا أدركت نسوة ذوات جمال يتناشدن قولي:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وإذا معهن ابن سريج، فقلن له: يا أبا يحيى، غننا في هذا الشعر، فغناهن فأحسن، فقلن: وددنا والله يا أبا يحيى أن نصيبا معنا فيتم سرورنا، فحركت بعيري لأتعرف بهن وأنشدهن ، فالتفتت إحداهن إلي فقالت حين رأتني: والله لقد زعموا أن نصيبا يشبه هذا الأسود لا جرم، فقلت: والله لا أتعرف بهن سائر اليوم، ومضيت وتركتهن. قال: وكان الذي تغنى به ابن سريج من شعري:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القـلـب
وقل إن تنل بالحب منـك مـودة فما مثل مالقيت من حبكم حـب
وقل في تجنيها لك الذنب إنـمـا عتابك من عاتبت فيماله عتـب
فمن شاء رام الوصل أوقال ظالما لذي وده ذنب وليس لـه ذنـب أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن عبدالله السعدي عن جدته جمال بنت عون عن جدها قال: قلت للنصيب: أنشدني يا أبا محجن من شعرك شيئا، فقال: أيه تريد. قلت: ما شئت قال: لا أنشدك أو تقترح ما تريد فقلت: قولك:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب قال: فتبسم وقال: هذا شعر قلته وأنا غلام، ثم أنشدني القصيدة. قال الزبير: وهي أجود ما قال.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهبلي قالا حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي عن أيوب بن شاس، ونسخت هذا الخبر من كتاب أحمد بن الحارث الرازعن المدائني عن أبي بكر الهذلي عن أيوب بن شاس وروايته أتم من رواية عمر بن شبة قال أيوب: حدثني عبدالله بن سعيد: أن النصيب دخل على عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة، فقال له: هيه يا أسود:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب أأنت الذي تشهر النساء وتقول فيهن فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد تركت ذلك وتبت من قول الشعر، وكان قد نسك، فأثنى عليه القوم وقالوا فيه قولا جميلا فقال له: أما إذ أثنى عليك القوم فسل حاجتك، فقال: يا أمير المؤمنين، لي، بنيات سويداوات أرغب بهن عن السودان ويرغب عنهن البيضان، فإن رأيت أن تفرض لهن فافعل، ففعل.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبدالله بن شبيب عن محمد بن المؤمل بن طالوت عن أبيه عن عثمان بن الضحاك الحزامي قال:
صفحة : 653
خرجت على بعير لي أريد الحج، فنزلت في فناء خيمة بالأبواء، فإذا جارية قد خرجت من الخيمة ففتحت الباب بيديها فآستلهاني حسنها، فتمثلت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب وقل إن تملينا فما ملك القلـب فقالت الجارية: أتعرف قائل هذا الشعر. قلت: نعم، ذاك نصيب، قالت: أفتعرف زينب هذه. قلت: لا قالت: فأنا والله زينبه، وهو اليوم الذي وعدني فيه الزيارة، ولعلك لا ترحل حتى تراه. فوقفت ساعة فإذا أنا براكب قد طلع فجاء حتى أناخ قريبا منها، ثم نزل فسلم عليها وسلمت عليه فقلت: عاشقان التقيا ولا بد أن يكون لهما حاجة، فقمت إلى راحلتي فشددت عليها? فقال: على رسلك، أنا معك? فلبث ساعة ثم رحل ورحلت معه? فقال لي: كأنك قلت في نفسك كذا وكذا قلت: قد كان ذاك فقال لا، ورب الكعبة البنية المستورة ما جلست معها مجلسا قط هو أقرب من هذا.
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني حماد بن إسحاق قال قال لي أبو ربيعة: لو لم تكن هذه القصيدة:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب لنصيب، شغر من كانت تشبه. فقلت: شعر امرىء القيس، لأنها جزلة الكلام جيدة. قال: سبحان الله قلت: ما شأنك. فقال: سألت أباك عن هذا فقال لي مثل ما قلت، فعجبت من اتفاقكما.
قال هارون وحدثني حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص الثقفي عن رجل سماه قال: أتاني منقذ الهلالي ليلة وضرب علي الباب، فقلت: من هذا. فقال: منقذ الهلالي، فخرجت فزعا، فقلت: فيم السرى أي ما جاء بك تسري إلي ليلا في هذه الساعة? قال: خير، أتاني أهلي بدجاجة مشوية بين رغيفين، فتغذيت بها معهم، ثم أتيت بقنينة نبيذ قد التقى طرفاها، فشربت وذكزت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب فأنشدتها فأطربتني، وفكرت في إنسان يفهم حسن ذلك ويعرف فضله فلم أجد غيرك فأتيتك. فقلت: ما جاء بك إلا هذا. قال: لا، وانصرف.
قال حماد: معنى قوله: التقى طرفاها، أي قد صفت وراقت فأسفلها وأعلاها سواء في الصفاء.
ومما يغنى فيه من قصيدة نصيب البائية المذكورة قوله:
خليلي من كعب ألما هديتـمـا بزينب لايفقدكما أبدا كـعـب
من اليوم زوراها فإن ركابنـا غداة غد عنها وعن أهلها نكب الغناء لمالك خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة.
صوت من المائة المختارة
على رواية جحظة عن أصحابه
النشر مسك والوجوه دنـا نير وأطراف الأكف عنم
والدار وحش والرسوم كما رقش في ظهرالأديم قلم
لست كأقوام خـلائقـهـم نث أحاديث وهتك حـرم نث الحديث: إشاعته. والعنم: شجر أحمر، وقيل: بل هو دود أحمر كالأساريع يكون في البقل في أيام الربيع. والأديم: الجلد. وجلد كل شيء أديمه. ورقش: زين الشعر لمرقش الأكبر، والغناء لابن عائشة هزج بالبنصر في مجراها.
أخبار المرقش الأكبر ونسبه
المرقش لقب غلب عليه بقوله:
الدار وحش والرسوم كما رقش في ظهر الأديم قلم عوف بن مالك المعروف بالبرك
وهو أحد من قال شعرا فلقب به. واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعدبن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكربن وائل. وهو أحد المتيمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه فيما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضا أحد المتيمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبب بها. وكان للمرقشين جميعا موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدم في المشاهد ونكاية في العدو وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عم المرقش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا ومحلوفي لا يمر بي رجل من بكر بن وائل منهزما إلا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل فسمي البرك يومئذ.
عمر بن مالك وأسره لمهلهل:
صفحة : 654
وكان أخوه عمرو بن مالك أيضا من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلا، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في، بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا الرمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر، فأحسن إساره. ومر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقا لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى إليه وهو أسير زق خمرة فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكرا وشربوا عند مهلهل في بيته وقد أفرد له عمرو بيتا يكون فيه فلما أخذ فيهم الشراب لغنى مهلهل فيما كان يقوله من الشعر وينوح به على كليب، فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريان، والله لا يشرب ماء حتى يرد ربيب يعني جملا كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدهاس من أجواف هجر فيرعى فيها غبا بعد عشر في حمارة القيظ فطلبت ركبان بني مالك ربيبا وهم حراص على ألا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشا. ونحر عمرو بن مالك يومئذ نابا فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلل أحد بني لغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسيرة فقال يذكرها:
ظبية ما ابنة المحلل شنبا ء لعوب لذيذة في العناق فلفا بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنقة القيسي أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول وكان محمقا وهو الذي تضرب به العرب المثل في الحمق: لا? يكون لي جمل أبدا إلا سميته ربيبا يعني أن ربيبا كان مباركا لقتله مهلهلا. ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميمية التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:
بل هل شجتك الظعن باكرة كأنها النخيل من ملـهـم قال أبو عمرو ووافقه المفضل الضبي: وكان من خبر المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها، فقال: لا أزوجك حتى تعرف بالبأس وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك فكان عنده زمانا ومدحه فأجازه. وأصاب عوفا زمان شديدث فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف ، فأرغبه في المال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.
ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشا وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبرة فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هدا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الدي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش، عن رأسه ودعا الغلام وكان قد ضني ضنا شديدا فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المرادي أسماء فدعا مرقش وليدة له ولها زوج من غفيلة كان عسيفا لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المرادي عليها، فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضا. وإنهما نزلا كهفا بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقما وهلكنا معه ضرا وجوعا. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكانا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط. فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:
يا صاحبي تلبـثـا لا تـعـجـلا إن الرواح رهين ألا تـفـعـلا
فلعل لبـثـكـمـا يفـرط سـيئا أو يسبق الإسراع سيبا مـقـبـلا
ياراكبا إما عرضت فـبـلـغـن آنس بن سعد إن لقيت وحرمـلا
للـه دركـمـا ودرأبـيكـمــا إن أفلت العبدان حتـى يقـتـلا
من مبلغ الأقـوام أن مـرقـشـا أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا
وكأنما ترد السـبـاع بـشـلـوه إذ غاب جمع بني ضبيعة منهـلا
صفحة : 655
قال: فانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش. ونظر حرملة إلى الرحل وجعل يقلبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أن مرقشا كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك. فقال له مرقش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي : من أنت? قال: راعي فلان، وإذا هو راعي زوج أسماء. فقال له مرقش: أتستطيع أن تكلم أسماء امرأة صاحبك? قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزا فتأتيها بلبنها.
فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيرا لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم. قالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف بنجران، فأقبل فزعا فقال لها: لم دعوتني? قالت له: ادع عبدك راعي غنمك فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم قال: وجدته مع رجل في كهف خبان .قال: ويقال كهف جبار فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيرا، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم? قالت: خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:
سرى ليلا خيال من سليمـى فأرقني وأصحابي هجـود
فبت أديرأمري كـل حـال وأذكر أهلها وهـم بـعـيد
على أن قد سما طرفي لنار يشب لها بذي الأرطى وقود
حواليها مها بيض التراقـي وآرام وغـزلان رقــود
نواعم لاتعالج بـؤس عـيش أوانس لاتـروح ولاتـرود
يرحن معا بطاء المشيء بدا عليهن المجاسد والـبـرود
سكن ببلدة وسكنت أخـرى وقطعت المواثق والعهـود
فما بالي أفي ويخان عهـدي ومابالي أصـاد ولا أصـيد
ورب أسـيلة الـخـــدين بكير منعمة لها فرع وجيد
وذو أشر شتيت النبت عذب نقي اللـون بـراق بـرود
لهوت بها زمانا في شبابـي وزارتها النجائب والقصـيد
أناس كلما أخلقـت وصـلا عناني منهم وصـل جـديد ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.
وقال غير أبي عمرو والمفضل: أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسرا، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقا، فزوجها أبوها من المرادي سراة فظهر على ذلك مرقش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنه. فلما أراد أن يهتديها خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقش، فتربصوا بها حتى عزب مرقش في إبله، وبنى المرادي بأسماء واحتملها إلى بلده. فلما رجع مرقش إلى الحي رأى غلاما يتعرق عظما، فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحي. وأوجس في صدره خيفة لما كان، فقال الغلام: اهتدى المراثي امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقش إلى حيه فلبس لأمته وركب فرسه الأغر، واتبع آثار القوم يريد قثل المرادي. فلما طلع لهم قالوا للمرادي: هذا مرقش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمر عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري، فإنه لا يرميك ولا يضرك، ويلهو، بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردوه. وقالوا للمرادي: تقدم فتقدم. وجاءهم مرقش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغض من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه ورداه عن القوم. ومضى بها المرادي فألحقها بحيه. وضني مرقش لفراق أسماء. فقال في ذلك:
أمن آل أسماء الرسوم الدوارس تخطط فيها الطير قفر بسابس وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضا:
أغالبك القلب اللجوج صـبـابة وشوقا إلى أسماء أم أنست غالبه
صفحة : 656
يهيم ولايعيا بأسـمـاء قـلـبـه كذاك الهوى إمراره وعواقبـه
أيلحى امرؤ في حب أسماءقد نأى بغمز من الواشين وازور جانبه
وأسماء هم النفس إن كنت عالما وبادى أحاديث الفؤاد وغـائبـه
إذا ذكرتها النفس ظلت كأنـنـي يزعزعني قفقاف ورد وصالبـه كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعرا: وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريان ببني تغلب بجمران فنكى فيهم وأصاب مالا وأسرى، وكان معه المرقش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:
أتتني لسسان بني عـامـر فجلى أحاديثها عن بصـر
بأن بني الوخم ساروا معـا بجيش كضوء نجوم السحر
بكل خبوب السسرى نهـدة وكل كميت طـوال أغـر
فما شعرالحي حـتـى رأوا بريق القوانس فوق الغرر
فأقبلنهـم ثـم أدبـرنـهـم وأصدرنهم قبل حين الصدر
فيا رب شلو تخطر فـنـه كريم لدى مزحف أو مكر
وكائن بجمران من مزعف ومن رجل وجهه قد عفـر
????وأما المرقش الأصغر
فهو على ما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة. والمرقش الأكبر عم الأصغر، والأصغر عم طرفة بن العبد. قال أبو عمرو: والمرقش الأصغر أشعر المرقشين وأطولهما عمرا. وهو الذي عشق فاطمة بنت الممنذر، وكانت لها وليدة يقال لها بنت عجلان، وكان لها قصر بكاظمة، وعليه حرس. وكان الحرس يجرون كل ليلة حوله الثياب فلا يطؤه أحد إلا بنت عجلان. وكان لبنت عجلان في كل ليلة رجل من أهل الماء يبيت عندها. فقال عمرو بن جناب بن مالك لمرقش: إن بنت عجلان تأخذ كل عشية رجلا ممن يعجبها فيبيت معها.
صفحة : 657
وكان مرقش ترعية لا يفارق إبله، فأقام بالماء وترك إبله ظمأى، وكان من أجمل الناس وجها وأحسنهم شعرا. وكانت فاطمة بنت المنذر تقعد فوق القصر فتنظر إلى الناس. فجاء مرقش فبات عند ابنة عجلان، حتى إذا كان من الغد تجردت عند مولاتها. فقالت لها: ما هذا بفخذيك،وإذا نكت كأنها التين وكآثار السياط من شدة حفزه إياها عند الجماعق الت: آثار رجل بات معي الليلة. وقد كانت فاطمة قالت لها: لقد رأيت رجلا جميلا راح نحونا بالعشية لم أره قبل ذلك، قالت: فإنه فتى قعد عن إبله وكان يرعاها، وهو الفتى الجميل الذي رأيته، وهو الذي بات، معي فأثر في هذه الآثار. قالت لها فاطمة: فإذا كان غد وأتاك فقدمي له مجمرا ومريه أن يجلس عليه وأعطيه سواكا، فإن استاك به أورده فلا خير فيه، وإن قعد على المجمر أورده فلا خير فيه. فأتته بالمجمر فقالت له: اقعد عليه، فأبى وقال: أدنيه مني، فدخن لحيته وجمته وأبى أن يقعد عليه، وأخذ السواك فقطع رأسه واستاك به. فأتت ابنة عجلان فاطمة فأخبرتها بما صنع، فازدادت به عجبا وقالت: ائتيني به. فتعلقت به كما كانت تتعلق، فمضى معها وانصرف أصحابه. فقال القوم حين انصرفوا: لشد ما علقت بنت عجلان المرقش وكان الحرس ينثرون التراب حول قبة فاطمه بنت المنذر ويجرون عليه ثوبا حين تمسي ويحرسونها فلا يدخل عليها إلا ابنة عجلان، فإذا كان الغد بعث الملك بالقافة فينظرون أثر من دخل إليها ويعودون فيقولون له: لم نر إلا أثر بنت عجلان. فلما كانت تلك الليلة حملت بنت عجلان مرقشا على ظهرها وحزمته إلى بطنها بثوب، وأدخلته إليها فبات معها. فلما أصبح بعث الملك بالقافة فنظروا وعادوا إليه فقالوا: نظرنا أثر بنت عجلان وهي مثقلة. فلبث بذلك حينا يدخل إليها. فكان عمرو بن جناب بن عوف بن مالك يرى ما يفعل ولا يعرف مذهبه. فقال له: ألم تكن عاهدتني عهدا لا تكتمني شيئا ولا أكتمك ولا نتكاذب. فأخبره مرقش الخبر فقال له: لا أرضى عنك ولا أكلمك أبدا أو تدخلني عليها، وحلف على ذلك. فانطلق المرقش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان فأجلسه فيه وانصرف وأخبره كيف يصنع، وكانا متشابهين غير أن عمرو بن جناب كان أشعر، فأتته بنت عجلان فاحتملته وأدخلته إليها وصنع ما أمره به مرقش. فلما أراد مباشرتها وجدت شعر فخذيه فاستنكرته، وإذا هو يرعد، فدفعته بقدمها في صدره وقالت: قبح الله سرا عند المعيدي. ودعت بنت عجلان فذهبت به، وانطلق إلى موضع صاحبه. فلما رآه قد أسرع الكرة ولم يلبث، إلا قليلا، علم أنه قد افتضح، فعض على إصبعه فقطعها. ثم انطلق إلى أهله وترك المال الذي كان فيه يعني الإبل التي كان مقيما فيها حياء مما صنع. وقال مرقش في ذلك:
ألا يا اسلمى لا صرم لي اليوم فاطما ولا أبدا مـا دام وصـلـك دائمـا
رمتك ابنة البكري عن فرع ضـالة وهن بنا خوص يخلـن نـعـائمـا
تراءت لنـا يوم الـرحـيل بـوارد وعذب الثنايا لم يكن متـراكـمـا
سقاه حباب المزن في مـتـكـلـل من الشمس رواه ربابا سواجـمـا
أرنك بذات الضال منها معاصـمـا وخدا أسيلا كـالـوذيلة نـاعـمـا
صحا قلبه عنها عـلـى أن ذكـرة إذا خطرت دارت به الأرض قائما
تبصر خليلي هل ترى من ظعانـن خرجن سراعا واقتعدن المفـائمـا
تحملن من جو الوريعة بـعـد مـا تعالى النهار وانتجعن الصـرائمـا
تحلين ياقـوتـا وشـذرا وصـيغة جزعـا ظـفـاريا ودرا تـوائمـا
سلكن القرى والجزع تحدى جمالهـا ووركن قوا واجتزن عن المخارما
ألا حبـذا وجـه تـريك بـياضـه ومنسدلات كالمثانـي فـواحـمـا
وإني لأستحيي فـطـيمة جـائعـا خميصا وأستحيي فطيمة طاعـمـا
وإني لأستحييك والخـرق بـينـنـا مخافة أن تلقى أخا لي صـارمـا
وإني وإن كلت قلوصـي لـراجـم بها وبنفسي يا فطيم المـراجـمـا
ألايا اسلمى بالكوكب الطلق فاطمـا وإن لم يكن صرف النوى متلائمـا
صفحة : 658
ألايا اسلمى ثم اعلمي أن حاجتي إليك فردي من نوالك فاطـمـا
أفاطم لو أن النـسـاء بـبـلـدة وأنت بأخرى لابتغيتك هـائمـا
متى مايشأ ذوالود يصرم خليلـه ويغضب عليه لامحالة ظالـمـا
وآلى جناب حلفة فـأطـعـتـه فنفسك ول اللوم إن كنت نادمـا
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمـره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
ألم ترأن المـرء يجـذم كـفـه ويجشم من لوم الصديق المجاشما
أمن حلم أصبحت تنكت واجـمـا وقد تعترى الأحلام من كان نائما
??من المائة المختارة
إذا قلت تسلو النفس أو تنتهي المنى أبى القلـب إلا حـب أم حـكـيم
منعمة صفـراء حـلـو دلالـهـا أبيت بها بـعـد الـهـدوء أهـيم
قطوف الخطا مخطوطة المتن زانها مع الحسن خلق في الجمال عمـيم الشعر مختلف في قائله، فمن الرواة من يرويه لصالح بن عبدالله العبشمي، ومنهم من يرويه لقطري بن الفجاءة المازني، ومنهم من يرويه لعبيدة بن هلال اليشكري. والغناء لسياط، وله فيه لحنان: أحدهما، وهو المختار، ثقيل أول بالوسطى، والآخر خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. ولبعض الشراة قصيدة في هذا الوزن وعلى هذه القافية، وفيها ذكر لأم حكيم هذه أيضا، تنسب إلى هؤلاء الشعراء الثلاثة، ويختلف في قائلها كالاختلاف في قائل هذه. وفيها أيضا غناء وهو في هذه الأبيات. منها:
لعمرك إني في الحياة لـزاهـد وفي العيش ما لم ألق أم حكـيم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت طعان فتى في الحرب غير ذميم ذكر المبرد أن الشعر لقطري بن الفجاءة، وذكر الهيثم بن عدي أنه لعمرو القنا، وذكر وهب بن جرير أنه لحبيب بن سهم التميمي، وذكر أبو مخنف أنه لعبيدة بن هلال اليشكري، وذكر خالد بن خداش أنه لعمرو القنا أيضا. والغناء لمعبد ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس.
??خبر الوقعة التي قيل فيها هذا الشعر
وهي وقعة دولاب وشيء من أخبار هؤلاء وأنسابهم وخبر أم حكيم هذه.
وقعة دولاب وشيء من أخبار الشراة: هذان الشعران قيلا في وقعة دولاب، وهي قرية من عمل الأهواز، بينها وبين الأهواز نحو من أربعة فراسخ، كانت بها حرب بين الإزارقة وبين مسلم بن عبيس بن كريز خليفة عبدالله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وذلك في أيام ابن الزبير. أخبرني بخبر هذه الحرب أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة عن المدائني، وأخبرني بها عبيد الله بن محمد الرازي عن الخراز عن المدائنيئ، وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش: أن نافع بن الأزرق، لما تفرقت آراء الخوارج ومذاهبهم في أصول مقالتهم أقام بسوق الأهواز وأعمالها لا يعترض الناس، وقد كان متشككا في ذلك. فقالت له امرأته: إن كنت قد كفرت بعد إيمانك وشككت فيه، فدع نحلتك ودعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الإيمان فاقتل الكفار حيث لقيتهم وأثخن في النساء والصبيان كما قال نوح: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . فقبل قولها واستعرض الناس وبسط سيفه، فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم. وإذا وطيء بلدا فعل مثل هذا به إلى
صفحة : 659
أن يجيبه أهله جميعا ويدخلوا ملته، فيرفع السيف ويضع الجباية فيجبي الخراج. فعظم أمره واشتدت شوكته وفشا عفاله في السواد. فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس فشكوا إليه أمرهم وقالوا له: ليس بيننا وبين القوم إلا ليلتان، وسيرتهم كما ترى، فقال لهم الأحنف: إن سيرتهم في مصر كم إن ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوكم. وحرضهم الأحنف، فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل في السلاح. فأتاه عبدالله بن الحارث بن نوفل، وسأله أن يؤمر عليهم أميرا، فاختار لهم مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة، وكان فارسا شجاعا دينا، فأمره عليهم وشيعه. فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا وفضة، وإني لأحارب قوما إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم. فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع. فرجع نفز يسير ومضى الباقون معه، فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع بن الأزرق، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى تكسرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتلى، وتضاربوا بالسيوف والعمدة فقتل في المعركة ابن عبيس وهو على أهل البصرة، وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، وقتل نافع بن الأزرق يومئذ أيضا، فعجب الناس من ذلك، وأن الفريقين تصابروا حتى قتل منهم خلق كثير، وقتل رئيسا العسكرين، والشراة يومئذ ستمائة رجل، فكانت الحدة يومئذ وبأس الشراة واقعا ببني تميم وبني سدوس. وأتى ابن عبيس وهو يجود بنفسه فاستخلف على الناس الربيع بن عمرو الغداني، وكان يقال له الأجذم، كانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سمرة. واستخلف نافع بن الأزرق عبيد الله بن بشير بن الماحوز أحد بني سليط بن يربع. فكان رئيسا المسلمين والخوارج جميعامن بني يربوع، رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع، ورئيس الشراة من بني سليط بن يربوع، فاتصلت الحرب بينهم عشرين يوما. قال المدائني في خبره: وادعى قتل نافع بن الأزرق رجل من باهلة يقال له سلامة. وتحدث بعد ذلك قال: كنت لما قتلته على برذون ورد فإذا أنا برجل ينادي، وأنا واقف في خمس بني تميم، فإذا به يعرض علي المبارزة فتغافلت عنه، وجعل يطلبني وأنا أنتقل من خمس إلى خمس وليس يزايلني، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني إلى المبارزة، فلما كثر خرجت إليه، فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته، ونزلت فأخذت رأسه وسلبته، فإذا امرأة قد رأتني حين قتلت نافعا، فخرجت لتثأر به. قالوا: فلما قتل فافع وابن عبيس وولي الجيش إلى ربيع بن عمرو لم يزل يقاتل الشراة نيفا وعشرين يوما، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة، قالوا: وكيف ذلك? قال: إني رأيت البارحة كأن يدي التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاشتشلتني. فلما كان الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم فقتل يومئذ قال: استشلاه: أخذه إليه. يقال: استشلاه واشتلاه قال: فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس ثم أجمعوا على الحجاج بن باب الحميري. وقد اقتتل الناس يومئذ وقبله بيومين قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله، تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت، ثم تضاربوا بالسيوف والعمد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، وحتى كان الرجل منهم يضرب الرجل فلا يغني شيئا من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون بالأفواه. فلما تدافع القوم الراية وأبوها واتفقوا على الحجاج بن باب امتنع من أخذها. فقال له كريب بن عبد الرحمن: خذها فإنها مكرمة، فقال: إنها لراية مشئومة، ما أخذها أحد إلا قتل. فقال له كريب: يا أعور تقارعت العرب على أمرها ثم صيروها إليك فتأبى خوف القتل، خذ اللواء ويحك، فإن حضر أجلك قتلت إن كانت معك أو لم تكن. فأخذ اللواء وناهضهم،
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin