فلو كنت مولى العز أو في ظلاله ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلـم فقال له التيمي:
كذبت أنا القرم الذي دق مالكا وأفناء يربوع وما أنت بالقرم قال ابن سلام فحدثني أبو الغراف: أن رجال تميم مشت بين جرير والتيمي وقالوا: والله ما شعراءنا إلا بلاء علينا ينشرون مساوينا ويهجون أحياءنا وموتانا، فلم يزالوا بهما حتى أصلحوا بينهما بالعهود والمواثيق المغلظة ألا يعودا في هجاء. فكف التيمي، وكان جرير لا يزال يسل الواحدة بعد الواحدة فيه، فيقول التيمي: والله ما نقضت هذه ولا سمعتها، فيقول جرير: هذه كانت قبل الصلح.
قال ابن سلام فحدثني عثمان بن عثمان عن عبد الرحمن بن حرملة قال: لما ورد علينا هجاء جرير والتيمي، قال لي سعيد بن المسيب ترو شيئا مما قالا، فأتيته وقد استقبل القبلة يريد أن يكبر، فقال لي: أرويت? قلت نعم. فأقبل علي بوجهه فأنشدته للتيمي وهو يقول: هيه هيه ثم أنشدته لجرير، فقال: أكله أكله.
لم يؤثر هجاؤه في التيم للؤمهم: قال ابن سلام وحدثني الرازي عن حجناء بن جرير قال: قلت لأبي: يا أبت، ما هجوت قوما قط إلا فضحتهم إلا التيم. يا بني، لم أجد بناء أهدمه ولا شرفا أضعه وكانت تيم رعاء غنم يغدون في غنمهم ثم يروحون، وقد جاء كل رجل منهم بأبيات فينتحلها ابن لجأ. فقيل لجرير: ما صنعت في التيم شيئا، فقال: إنهم شعراء لئام.
هو أشعر عند العامة والفرزدق عند الخاصة: أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني ابن النطاح قال حدثني أبو اليقظان قال: قال جرير لرجل من بني طهية: أيما أشعر أنا أم الفرزدق? فقال له: أنت عند العامة والفرزدق عند العلماء. فصاح جرير: أنا أبو حزرة غلبته ورب الكعبة والله ما في كل مائة رجل عالم واحد.
هو وعدي بن الرقاع في حضرة الوليد بن عبد الملك: حدثنا أحمد بن عمار قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال حدثني ابن النطاح قال، وحدثني أبو الأخضر لمخارق بن الأخضر القيسي قال: إني كنت والله الذي لا إله إلا هو أخص الناس بجرير، وكان ينزل إذا قدم على الوليد بن عبد الملك عند سعيد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان عدي بن الرقاع خاصا بالوليد مداحا له، فكان جرير يجيء إلى باب الوليد فلا يجالس أحدا من النزارية ولا يجلس إلا إلى رجل من اليمن بحيث يقرب من مجلس بن الرقاع إلى أن يأذن الوليد للناس فيدخل. فقلت له: يا أبا حزرة، اختصصت عدوك بمجلسك فقال: إني والله ما أجلس إليه إلا لأنشده أشعارا تخزيه وتخزي قومه. قال: ولم يكن ينشده شيئا من شعره، وإنما كان ينشده شعر غيره ليذله ويخوفه نفسه. فأذن الوليد للناس ذات عشية فدخلوا ودخلنا، فأخذ الناس مجالسهم، وتخلف جرير فلم يدخل حتى دخل الناس وأخذوا مجالسهم واطمأنوا فيها. فبينما هم كذلك إذا بجرير قد مثل بين السماطين يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ابن الرقاع المتفرقة أؤلف بعضها إلى بعض - قال: وأنا جالس أسمع - فقال الوليد: والله لهممت أن أخرجه على ظهرك إلى الناس. فقال جرير وهو قائم كما هو:
فإن تنهني عنه فسمعا وطاعة وإلا فإني عرضة للمراجـم قال فقال له الوليد: لا كثر الله في الناس أمثالك. فقال له جرير: يا أمير المؤمنين، إنما أنا واحد قد سعرت الأمة، فلو كثر أمثالي لأكلوا الناس أكلا. قال: فنظرت والله إلى الوليد تبسم حتى بدت ثناياه تعجبا من جرير وجلده. قال: ثم أمره فجلس.
أخبرني ابن عمار قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا ابن النطاح عن أبي عبيدة قال:
صفحة : 836
كان جرير عند الوليد وعدي بن الرقاع ينشده. فقال الوليد لجرير: كيف تسمع? قال: ومن هو يا أمير المؤمنين? قال: عدي بن الرقاع. قال: فإن شر الثياب الرقاع، ثم قال جرير: عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ، فغضب الوليد وقال: يا بن اللخناء ما بقي لك إلا أن تتناول كتاب الله والله ليركبنك يا غلام أوكفه حتى يركبه. فغمز عمر بن الوليد الغلام الذي أمره الوليد فأبطأ بالإكاف. فلما سكن غضب الوليد قام إليه عمر فكلمه وطلب إليه وقال: هذا شاعر مضر ولسانها، فإن رأى أمير المؤمنين ألا يغض منه ولم يزل به حتى أعفاه، وقال له: والله لئن هجوته أو عرضت به لأفعلن بك ولأفعلن فقال فيه تلك القصيدة التي يقول فيها:
أقصر فإن نزارا لن يفاخرهـا فرع لئيم وأصل غير مغروس وذكر وقائع نزار في اليمن، فعلمنا أنه عنا. ولم يجبه الآخر بشيء.
وصف شبة بن عقال وخالد بن صفوان له وللفرزدق والأخطل: حدثني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال: قال هشام بن عبد الملك لشبة بن عقال وعنده جرير والفرزدق والأخطل، وهو يومئذ أمير ألا تخبرني عن هؤلاء الذين قد مزقوا أعراضهم، وهتكوا أستارهم وأغروا بين عشائرهم في غير خير ولا بر ولا نفع أيهم أشعر? فقال شبة: أما جرير فيغرف من بحر، وأما الفرزدق فينحت من صخر، وأما الأخطل فيجيد المدح والفخر. فقال هشام: ما فسرت لنا شيئا نحصله. فقال ما عندي غير ما قلت. فقال لخالد بن صفوان: صفهم لنا يا بن الأهتم، فقال: أما أعظمهم فخرا، وأبعدهم ذكرا، وأحسنهم عذرا، وأسيرهم مثلا، وأقلهم غزلا، وأحلاهم عللا، الطامي إذا زخر، والحامي إذا زأر، والسامي إذا خطر، الذي إن هدر قال، وإن خطر صال، الفصيح اللسان، الطويل العنان، فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتا، وأمدحهم بيتا، وأقلهم فوتا، الذي إن هجا وضع، وإن مدح رفع، فالأخطل. وأما أغزرهم بحرا، وأرقهم شعرا، وأهتكهم لعدوه سترا، الأغر الأبلق، الذي أن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق، فجرير. وكلهم ذكي الفؤاد، رفيع العماد، وراي الزناد. فقال له مسلمة بن عبد الملك: ما سمعنا بمثلك يا خالد في الأولين ولا رأينا في الآخرين، وأشهد أنك أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا، وأعفهم مقالا، وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتم الله عليك نعمه، وأجزل لديكم قسمه، وآنس بكم الغربة، وفرج بكم الكربة. وأنت، والله ما علمت أيها الأمير، كريم الغراس، عالم بالناس، جواد في المحل، بسام عند البذل، حليم عند الطيش، في ذروة قريش، ولباب عبد شمس، ويومك خير من أمس. فضحك هشام وقال: ما رأيت كتخلصك يا بن صفوان في مدح هؤلاء ووصفهم حتى أرضيتهم جميعا وسلمت منهم.
جرير وابن لجأ وقد قرنهما عمر بن عبد العزيز حين تقاذفا: أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني مصعب الزبيري قال حدثني إبراهيم بن عبد الله مولى بني زهرة قال: حضرت عمر بن لجأ وجرير بن الخطفى موقوفين للناس بسوق المدينة لما تهاجيا وتقاذفا وقد أمر بهما عمر بن عبد العزيز فقرنا وأقيما. قال: وعمر بن لجأ شاب كأنه حصان، وجرير شيخ قد أسن وضعف. قال فيقول ابن لجأ:
رأوا قمرا بساحتهم منـيرا وكيف يقارن القمر الحمارا قال: ثم ينزو به وهما مقرونان في حبل فيسقطان إلى الأرض، فأما ابن لجأ فيقع قائما، وأما جرير فيخر لركبتيه ووجهه، فإذا قام نفض الغبار عنه. ثم قال بغنته قولا يخرج الكلام به من أنفه - وكان كلامه كأن فيه نونا -:
فلست مفارقا قرني حـتـى يطول تصعدي بك وانحداري قال فقال رجل من جلساء عمر له حين حضر غداؤه: لو دعا الأمير بأسيريه فغداهما معه ففعل ذلك عمر. وإنما فعله بهما لأنهما تقاذفا، وكان جرير قال له:
تقول والعبد مسكين يجررهـا أرفق فديتك أنت الناكح الذكر قال: وهذه قصيدته التي يقول فيها:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكـم لا يوقعنكم في سوءة عمر قال ابنه: أجود شعره قصيدته الدالية: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني على بن محمد النوفلي قال حدثني أبي قال:
صفحة : 837
كنت باليمامة وأنا واليها فكان ابن لجرير يكثر عندي الدخول وكنت أوثره فلم أقل له قط أنشدني أجود شعر لأبيك إلا أنشدني الدالية:
أهوى أراك برامتين وقودا أم بالجنينة من مدافع أودا فأقول له: ويحك لا تزيدني على هذه فيقول سألتني عن أجود شعر أبي وهذه أجود شعره، وقد كان يقدمها على جميعه.
ذهب إلى الشأم ونزل على نميري فأكرمه: حدثني ابن عمار قال حدثني النوفلي قال حدثني علي بن عبد الملك الكعبي من ولد كعب مولى الحجاج قال حدثني فلان العلامة التميمي يرويه عن جرير قال: ما ندمت على هجائي بني نمير قط إلا مرة واحدة، فإني خرجت إلى الشأم فنزلت بقوم نزول في قصر لهم في ضيعة من ضياعهم، وقد نظرت إليه من بين القصور مشيدا حسنا وسألت عن صاحبه فقيل لي: هو رجل من بني نمير. فقلت: هذا شآم وأنا بدوي لا يعرفني، فجئت فاستضفت. فلما أذن لي ودخلت عليه عرفني فقراني أحسن القرى ليلتين، فلما أصبحت جلست، ودعا بنية له فضمها إليه وترشفها، فإذا هي أحسن الناس وجها ولها نشر لم أشم أطيب منه. فنظرت إلى عينيها فقلت: تالله ما رأيت أحسن من عيني هذه الصبية ولا من حورها قط، وعوذتها: فقال لي: يا أبا حزرة أسوداء المحاجر هي? فذهبت أصف طيب رائحتها. فقال: أصن وبر هي? فقلت: يرحمك الله إن الشاعر ليقول، ووالله لقد ساءني ما قلته، ولكن صاحبكم بدأني فانتصرت، وذهبت أعتذر. فقال: دع ذا عنك أبا حزرة، فو الله ما لك عندي إلا ما تحب. قال: وأحسن والله إلي وزودني وكساني، فانصرفت وأنا أندم الناس على ما سلف مني إلى قومه.
كان المفضل من أنصار الفرزدق فحاجه محاج بقصيدته السينية: أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود قال حدثني ابن أبي علقمة الثقفي قال: كان المفضل يقدم الفرزدق، فأنشدته قول جرير:
حي الهدملة من ذات المواعيس فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس وقلت أنشدني لغيره مثلها فسكت. قال: وكان الفرزدق إذا أنشدها يقول: مثلها فليقل ابن اللخناء.
رثاء الفرزدق ابن أخيه وجرير ابنه: أخبرنا أبو خليفة بن الحباب قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي عن المحرر بن أبي هريرة قال: إني لفي عسكر سليمان بن عبد الملك وفيه جرير والفرزدق في غزاة، إذ أتانا الفرزدق في غداة، ثم قال، اشهدوا أن محمد ابن أخي، ثم أنشأ يقول:
فبت بـديري أريحـاء بـلـيلة خدارية يزداد طولا تمامـهـا
أكابد فيها نفس أقرب من مشى أبوه بأم غاب عنها نـيامـهـا
وكنا نرى من غالب في محمـد شمائل تعلو الفاعلين كرامـهـا
وكان ذا ما حل أرضا تـزينـت بزينتها صحراؤها وإكامـهـا
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة إلينا ولكن بي لتسقاه هامـهـا قال: ثم انصرف. وجاء جرير فقال: قد رأيت هذا وسمعت ما قال في ابن أخيه، وما ابن أخيه فعل الله به وفعل قال: ومضى جرير، فو الله ما لبثنا إلا جمعا حتى جاءنا فقام مقامه ونعى ابنه سوادة فقال:
أودى سوادة يجلو مقلـتـي لـحـم باز يصرصر فوق المربأ العالـي
فارقتني حين كف الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرمة البالـي
إلا تكن لـك بـالـديرين بـاكـية فرب باكية بالـرمـل مـعـوال
قالوا نصيبك من أجر فقلت لـهـم كيف العزاء وقد فارقت أشبـالـي هجا الفرزدق لزواجه حدراء بنت زيق وجواب الفرزدق له: أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني حاجب بن زيد وأبو الغراف قالا: تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس على حكم أبيها، فاحتكم مائة من الإبل. فدخل على الحجاج يسأله ذلك، فعذله وقال له: أتتزوج امرأة على حكمها فقال عنبسة بن سعيد وأراد نفعه: إنما هي من حواشي إبل الصدقة، فأمر له الحجاج بها. فوثب جرير فقال:
يا زيق قد كنت من شيبان في حسب يا زيق ويحك من أنكحـت يا زيق
أنكحت ويحك قينا باستـه حـمـم يا زيق ويحك هل بارت بك السوق
صفحة : 838
غاب المثنى فلم يشهـد نـجـيكـمـا والحوفزان ولم يشـهـدك مـفـروق
يا رب قائلة بـعـد الـبـنـاء بـهـا لا الصهر راض ولا ابن القين معشوق
أين الألى استنزلوا النعمـان ضـاحـية أم أين أبنـاء شـيبـان الـغـرانـيق قال: فلم يجبه الفرزدق عنها. فقال جرير أيضا:
فلا أنا معطي الحكم عن شف منصب ولا عن بنات الحنظـلـيين راغـب
وهن كماء المزن يشفى به الصـدى وكانت ملاحا غيرهن المـشـارب
فلو كنت حرا كان عشرا سياقـكـم إلى آل زيق والوصيف المـقـارب فقال الفرزدق:
فنل مثلها من مثلهم ثم لـمـهـم على دارمي بين ليلى وغـالـب
هم زوجوا قبلي لقيطا وأنكحـوا ضرارا وهم أكفاؤنا في المناسب
ولو قبلوا مني عطية سـقـتـه إلى آل زيق من وصيف مقارب
ولو تنكح الشمس النجوم بناتـهـا إذا لنكحناهن قبل الـكـواكـب قال ابن سلام فحدثني الرازي عن أبيه قال: ما كانت امرأة من بني حنظلة إلا ترفع لجرير اللوية في عظمها لتطرفه بها لقوله:
وهن كماء يشفى به الـصـدى وكانت ملاحا غيرهن المشارب فقلت للرازي: ما اللوية? قال: الشريحة من اللحم، أو الفدرة من التمر، أو الكبة من الشحم، أو الحفنة من الأقط، فإذا ذهب الألبان وضاقت المعيشة كانت طرفة عندهم.
قال: وقال جرير أيضا في شأن حدراء:
أثائرة حدراء من جر بـالـنـقـا وهل لأبي حدراء في الوتر طالب
أتثأر بسطاما إذا ابتلت اسـتـهـا وقد بولت في مسمعيه الثعـالـب قال ابن سلام: والنقا الذي عناه جرير هو الموضع الذي قتلت فيه بنو ضبة بسطاما، وهو بسطام بن قيس. قال: فكرهت بنو شيبان أن يهتك جرير أعراضهم. فلما أراد الفرزدق نقل حدراء اعتلوا عليه وقالوا له إنها ماتت. فقال جرير:
فأقسم ما ماتت ولكنما التـوى بحدراء قوم لم يروك لها أهلا
رأوا أن صهر القين عار عليهم وأن لبسطام على غالب فضلا مدح قوما عاوده في مرضه: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي ابن أبي سعد قال حدثنا محمد ابن إدريس اليمامي قال حدثنا علي بن عبد الله بن محمد بن مهاجر عن أبيه عن جده قال: دخلنا على جرير في نفر من قريش نعوده في علته التي مات فيها، فالتفت إلينا فقال:
أهلا وسهلا بقوم زينوا حسبـي وإن مرضت فهم أهلي وعوادي
إن تجر طير بأمر فيه عـافـية أو بالفراق فقد أحسنـتـم زادي
لو أن ليثا أبا شبلـين أوعـدنـي لم يسلموني لليث الغابة العـادي نعي الفرزدق إليه فشمت به ثم رثاه: أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثني أبو جناح بني كعب بن عمرو بن تميم قال: نعي الفرزدق إلى المهاجر بن عبد الله وجرير عنده فقال:
مات الفرزدق بعد ما جدعتـه ليت الفرزدق كان عاش قليلا فقال له المهاجر: بئس لعمر الله ما قلت في ابن عمك أتهجو ميتا أما والله لو رثيته لكنت أكرم العرب وأشعرها. فقال: إن رأى الأمير أن يكتمها علي فإنها سوءة، ثم قال من وقته:
فلا وضعت بعد الفرزدق حامل ولا ذات بعل من نفاس تعلـت
هو الوافد الميمون والرائق الثأي إذا النعل يوما بالعشيرة زلـت قال: ثم بكى ثم قال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحدا وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا تبعه صاحبه. فكان كذلك، مات بعد سنة. وقد زاد الناس في بيتي جرير هذين أبياتا أخر، ولم يقل غيرهما وإنما أضيف إلى ما قاله.
صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
رحل الخليط جمالهم بـسـواد وحدا على إثر البخيلة حادي
ما إن شعرت ولا علمت بينهم حتى سمعت به الغراب ينادي الشعر لجميل. والغناء لإبراهيم، ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
نسب جميل وأخباره
صفحة : 839
هو جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث بن ظبيان وقيل ابن معمر بن حن بن ظبيان بن قيس بن جزء بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد وهو هذيم، وسمي بذلك إضافة لاسمه إلى عبد لأبيه يقال له هذيم كان يحضنه فغلب عليه ابن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. والنسابون مختلفون في قضاعة، فمنهم من يزعم أن قضاعة ابن معد وهو أخو نزار بن معد لأبيه وأمه، وهي معانة بنت جوسم بن جلهمة بن عامر بن عوف بن عدي بن دب بن جرهم، ومنهم من يزعم أنهم من حمير. وقد ذكر جميل ذلك في شعره فانتسب معديا فقال:
أنا جميل في السنـام مـن مـعـد في الأسرة الحصداء والعيص الأشد وقال راجز من قضاعة ينسبهم إلى حمير:
قضاعة الأثرون خير معشر قضاعة بن مالك بن حمير ولهم في هذا أراجيز كثيرة. إلا أن قضاعة اليوم تنسب كلها في حمير، فتزعم أن قضاعة ابن مالك بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال القحذمي: اسم سبأ عامر، وإنما قيل له سبأ لأنه أول من سبى النساء. وكان يقال له عب الشمس، أي عديل الشمس، سمي بذلك لحسنه. ومن زعم من هؤلاء أن قضاعة ليس ابن معد ذكر أن أمه عكبرة امرأة من سبأ كانت تحت مالك بن عمر فمات عنها وهي حامل، فخلفه عليها معد بن عدنان، فولدت قضاعة على فراشه. وقال: مؤرج بن عمرو: هذا قول أحدثوه بعد وصنعوا شعرا ألصقوه به ليصححوا هذا القول، وهو:
يأيها الداعي ادعنـا وأبـشـر وكن قضاعـيا ولا تـنـزر
قضاعة الأثرون خير معشـر قضاعة بن مالك بن حـمـير
النسب المعروف غير المنكر قال مؤرج: وهذا شيء قيل في آخر أيام بني أمية. وشعراء قضاعة في الجاهلية والإسلام كلها تنتمي إلى معد. قال جميل:
وأي معد كان فيء رماحهـم كما قد أفانا والمفاخر منصف وقال زيادة بن زيد يهجو بني عمه بني عامر رهط هدبة بن خشرم:
وإذا معـد أوقـدت نـيرانـهـا للمجد أغضت عامر وتضعضعوا كان راوية هدبة بن خشرم وكان كثير راويته: وجميل شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية، كان راوية هدبة بن خشرم، وكان هدبة شاعرا راوية للحطيئة، وكان الحطيئة شاعرا راوية لزهير وابنه. وقال أبو محلم: آخر من اجتمع له الشعر والرواية كثير، وكان راوية جميل، وجميل راوية هدبة، وهدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية زهير.
نسب بثينة عشيقته: أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال: كان جميل يهوى بثينة بنت حبأ بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة تلتقي هي وجميل في حن من ربيعة في النسب.
كان كثير راويته يقدمه على نفسه: حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي وهاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قالا حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال: كان كثير راوية جميل، وكان يقدمه على نفسه ويتخذه إماما، وإذا سئل عنه قال: وهل علم الله عز وجل ما تسمعون إلا منه أخبرني محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن صباح بن خاقان عن عبد الله بن معاوية الزبيري قال: كان كثير إذا ذكر له جميل قال: وهل علم الله ما تسمعون إلا منه مر على جماعة بشعب سلع فاستنشدوه من شعره فأنشدهم فمدحوه: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن المسور بن عبد الملك عن نصيب مولى عبد العزيز بن مروان قال: قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالشعر، فقيل لي: الوليد بن سعيد بن أبي سنان الأسلمي، فوجدته بشعب سلع مع عبد الرحمن بن حسان وعبد الرحمن بن أزهر. فإنا لجلوس إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين طوال يقود راحلة عليها بزة حسنة. فقال عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن أزهر: يا أبا جبير، هذا جميل، فادعه لعله أن ينشدنا. فصاح به عبد الرحمن: هيا جميل هيا جميل فالتفت فقال: من هذا? فقال: أنا عبد الرحمن بن أزهر. فقال: قد علمت أنه لا يجترىء علي إلا مثلك. فأتاه فقال له أنشدنا، فأنشدهم:
نحن منعنا يوم أول نساءنا ويوم أفي والأسنة ترعف
صفحة : 840
ويوم ركابا ذي الجـذاة ووقـعة ببنيان كانت بعض ما قد تسلفـوا
يحب الغواني البيض طل لوائنـا إذا ما أتانا الصارخ المتلـهـف
نسير أمام الناس والناس خلفـنـا فإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
فأي معد كـان فـيء رمـاحـه كما قد أفأنا والمفاخر ينـصـف
وكنا إذا ما معشر نصبـوا لـنـا ومرت جواري طيرهم وتعيفـوا
وضعنا لهم صاع القصاص رهينة بما سوف نوفيها إذا الناس طففوا
إذا استبق الأقوام مجدا وجدتـنـا لنا مغرفا مجد وللناس مغـرف قال: ثم قال له: أنشدنا هزجا. قال: وما الهزج? لعله هذا القصير? قال نعم، فأنشده - قال الزبير: لم يذكر في هذا الخبر من هذه القصيدة الهزج سوى بيتين، وأنشدنا باقيها بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي - : صوت
رسم دار وقفت في طللـه كدت أقضي الغداة من جلله
موحشا ما ترى به أحدا تـن تسج الريح ترب معتـدلـه
وصريعا من الثمـام تـرى عارمات المدب في أسلـه
بين علياء وابـش فـبـلـي فالغميم الذي إلى جـبـلـه
واقفا في ديار أم جـسـير من ضحى يومه إلى أصله
يا خلـيلـي إن أم جـسـير حين يدنو الضجيع من غلله
روضة ذات حنوة وخزامى جاد فيها الربيع من سبـلة
بينما هن بـالأراك مـعـا إذ بدا راكب على جمـلـه
فتأطرن ثـم قـلـن لـهـا أكرميه حييت في نـزلـه
فظللنا بنعـمة واتـكـأنـا وشربنا الحلال من قلـلـه
قد أصون الحديث دون خليل لا أخاف الأذاة من قبـلـه
غير ما بغضة ولا لآجتنـاب غير أني ألحت من وجلـه
وخليل صاقبت مرتـضـيا وخليل فارقت من ملـلـه قال: فأنشده إياها حتى فرغ منها ثم اقتاد راحلته موليا. فقال ابن الأزهر: هذا أشعر أهل الإسلام. فقال ابن حسان: نعم والله وأشعر أهل الجاهلية، والله ما لأحد منهم مثل هجائه ولا نسيبه. فقال عبد الرحمن بن الأزهر: صدقت.? قال نصيب: وأنشدت الوليد فقال لي: أنت أشعر أهل جلدتك، والله ما زاد عليها. فقلت: يا أبا محجن، أفرضيت منه بأن تكون أشعر السودان? قال: وددت والله يا بن أخي أنه أعطاني أكثر من هذا، ولكنه لم يفعل، ولست بكاذبك.
كان صادق الصبابة وكان كثير يتقول: أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان لكثير في النسيب حظ وافر وجميل مقدم عليه وعلى أصحاب النسيب في النسيب، وكان كثير راوية جميل، وكان جميل صادق الصبابة والعشق، ولم يكن كثير بعاشق ولكنه كان يتقول. وكان الناس يستحسنون بيت كثير في النسب:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل قال: ورأيت من يفضل عليه بيت جميل:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلا بكى من حب قاتله قبلي قال ابن سلام: وهذا البيت الذي لكثير أخذه من جميل حيث يقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنـمـا تمثل لي ليلى على كل مرقب عرض الفرزدق لكثير بأنه سرق منه فرد عليه بمثله: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبي شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط وأنا وهو نمشي نزيد المسجد، فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، أنت أنسب العرب حين تقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل يعرض له بسرقته من جميل. فقال له كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
صفحة : 841
قال عبد العزيز: وهذا البيت أيضا لجميل سرقه الفرزدق فقال الفرزدق لكثير: هل كانت أمك مرت بالبصرة قال: لا ولكن أبى، فكان نزيلا لأمك. قال طلحة بن عبد الله. فو الذي نفسي بيده لعجبت من كثير وجوابه، وما رأيت أحدا قط أحمق منه، رأيتني دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنا كثيرا ما نتهزأ به، فقلنا: كيف تجدك يا أبا صخر? قال: بخير، أما سمعتم الناس يقولون شيئا? قلنا: نعم، يتحدثون أنك الدجال. فقال: والله لئن قلتم ذاك إني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام.
كان كثير يفضله على نفسه ويبدأ بإنشاد شعره: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال كتب إلي أبو محمد إسحاق بن إبراهيم يقول حدثني أبو عبيدة عن جويرية بن أسماء قال: كان أبو صخر كثير صديقا لي، وكان يأتيني كثيرا، فقلما استنشدته إلا بدأ بجميل وأنشد له ثم أنشد لنفسه، وكان يفضله ويتخذه إماما.
قال الزبير وكتب إلي إسحاق يقول حدثني صباح بن خاقان عن عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير ذكر جميل لكثير، فقالوا: ما تقول فيه?. فقال: منه علم الله عز وجل.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو يحيى الزهري عن إسحاق بن قبيصة الكوفي عن رجل سماه قال: سألت نصيبا: أجميل أنسب أم كثير? فقال: أنا سألت كثيرا عن ذاك فقال: وهل وطأ لنا النسيب إلا جميل قال عمر بن شبة وقال إسحاق حدثني السعيدي عن أبي مالك النهدي قال: جلس إلينا نصيب فذكرنا جميلا، فقال: ذاك إمام المحبين، وهل هدى الله عز وجل لما ترى إلا بجميل.
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة عن جويرية بن أسماء قال: ما استنشدت كثيرا قط إلا بدأ بجميل وأنشدني له ثم أنشدني بعده لنفسه، وكان يفضله ويتخذه إماما.
أول عشقه بثينة: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي قال: كان جميل ينسب بأم الجسير، وكان أول ما علق بثينة أنه أقبل يوما بإبله حتى أوردها واديا يقال له بغيض، فاضطجع وأرسل إبله مصعدة، وأهل بثينة بذنب الوادي، فأقبلت بثينة وجارة لها واردتين الماء، فمرتا على فصال له بروك فعرمتهن بثينة - يقول: نفرتهن - وهي إذ ذاك جويرية صغيرة، فسبها جميل، فافترت عليه، فملح إليه سبابها فقال:
وأول ما قاد المودة بينـنـا بوادي بغيض يا بثين سباب
وقلنا لها قولا فجاءت بمثله لكل كلام يا بثين جـواب قال الزبير وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر عن سعيد بن نبيه بن الأسود العذري وكانت بثينة عند أبيه نبيه بن الأسود، وإياه يعني جميل بقوله:
لقد أنكحوا جهلا نبيهـا ظـعـينة لطيفة طي الكشح ذات شوى خدل قال الزبير وحدثني أيضا الأسباط بن عيسى بن عبد الجبار العذري أن جميل بن معمر خرج في يوم عيد والنساء إذ ذاك يتزين ويبدو بعضهن لبعض ويبدون للرجال، وأن جميلا وقف على بثينة وأختها أم الجسير في نساء من بني الأحب وهن بنات عم عبيد الله بن قطبة أخي أبيه لحا، فرأى منهن منظرا وأعجبنه وعشق بثينة وقعد معهن، ثم راح وقد كان معه فتيان من بني الأحب، فعلم أن القوم قد عرفوا في نظره حب بثينة ووجدوا عليه، فراح وهو يقول:
عجل الفراق وليته لم يعـجـل وجرت بوادر دمعك المتهلـل
طربا وشاقك ما لقيت ولم تخف بين الحبيب غداة برقة مجـول
وعرفت أنك حين رحت ولم يكن بعد اليقين وليس ذاك بمشكـل
لن تستطيع إلى بثـينة رجـعة بعد التفرق دون عام مـقـبـل قال: وإن بثينة لما أخبرت أن جميلا قد نسب بها حلفت بالله لا يأتيها على خلاء إلا خرجت إليه وتتوارى منه، فكان يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدث إليها ومع أخواتها، حتى نمي إلى رجالها أنه يتحدث إليها إذا خلا منهم، وكانوا أصلافا غيرا - أو قال غيارى - فرصدوه بجماعة نحو من بضعة عشر رجلا وجاء على الصهباء ناقته حتى وقف على بثينة وأم الجسير وهما يحدثانه وهو ينشدهما يومئذ:
حلفت برب الراقصات إلى منى هوي القطا يجتزن بطن دفـين
صفحة : 842
لقد ظن هذا القلب أن ليس لاقيا سليمى ولا أم الجسير لحـين
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي وهموا بقتلي يا بثين لقـونـي فبينا هو على تلك الحال إذ وثب عليه القوم فرماهم بها فسبقت به وهو يقول
إذا جوع الإثنان جمعا رميتهم بأركانها حتى تخلى سبيلهـا فكان هذا أول سبب المهاجاة بينه وبين عبد الله بن قطبة.
واعدته بثينة فمنعها أهلها فقرعه نساء الحي، وشعره في ذلك: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا بهلول بن سليمان عن مشيخة من عذرة: أن بثينة واعدت جميلا أن يلتقيا في بعض المواضع فأتى لوعدها. وجاء أعرابي يستضيف القوم فأنزلوه وقروه، فقال لهم: قد رأيت في بطن هذا الوادي ثلاثة نفر متفرقين متوارين في الشجر، وأنا خائف عليكم أن يسلبوا بعض إبلكم، فعرفوا أنه جميل وصاحباه، فحرسوا بثينة ومنعوها من الوفاء بوعده. فلما أسفر له الصبح انصرف كئيبا سيىء الظن بها ورجع إلى أهله، فجعل نساء الحي يقرعنه بذلك ويقلن له: إنما حصلت منها على الباطل والكذب والغدر، وغيرها أولى بوصلك منها، كما أن غيرك يحظى بها. فقال في ذلك: صوت
أبثين إنك قد ملكت فأسجحـي وخذي بحظك من كريم واصل
فأجبتها في القول بعد تسـتـر حبي بثينة عن وصالك شاغلي
فلرب عارضة علينا وصلـهـا بالجد تخطله بقول الـهـازل
لو كان في صدري كقدر قلامة فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي الغناء ليحيى المكي ثقيل أول بالوسطى من رواية ابنه أحمد عنه: صوت
ويقلن إنك قد رضيت ببـاطـل منها فهل لك في اجتناب الباطل
ولباطل ممـا أحـب حـديثـه أشهى إلي من البغيض البـاذل
ليزلن عنك هواي ثم يصلنـنـي وإذا هويت فما هـواي بـزائل الغناء لسليم رمل بالوسطى عن عمرو، وذكر في نسخته الثانية أنه ليزيد حوراء. وروى حماد عن أبيه في أخبار ابن سريج أن لابن سريج فيه لحنا ولم يجنسه:
صادت فؤادي يا بثين حبـالـكـم يوم الحجون وأخطأتك حبائلـي
منيتني فلويت مـا مـنـيتـنـي وجعلت عاجل ما وعدت كآجـل
وتثاقلت لما رأت كلفـي بـهـا أحبب إلي بذاك من متـثـاقـل
وأطعت في عواذلا فهجرتـنـي وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي
حاولنني لأبت حبل وصـالـكـم مني ولست وإن جهدن بفاعـل
فرددتهن وقد سبعين بهجـركـم لما سعين له بأفـوق نـاصـل
يعضضن من غيظ علي أنامـلا ووددت لو يعضضن صم جنادل
ويقلن إنـك يا بـثـين بـخـيلة نفسي فداؤك من ضنين بـاخـل قالوا: وقال جميل في وعد بثينة بالتلاقي وتأخرها قصيدة أولها:
يا صاح عن بعض الملامة أقصر إن المنى للقـاء أم الـمـسـور فمما يغنى فيه منها قوله: صوت
وكأن طارقها على علل الكرى والنجم وهنا قد دنا لتـغـور
يستاف ريح مدامة معـجـونة بذكي مسك أو سحيق العنبـر الغناء لابن جامع ثقيل أول بالبنصر من رواية الهشامي. وذكر عمرو بن بانة أنه لآبن المكي.
ومما يغنى فيه منها قوله: صوت
إني لأحفظ غيبكم ويسـرنـي إذ تذكرين بصالح أن تذكري
ويكون يوم لا أرى لك مرسلا أو نلتقي فيه علي كأشـهـر
يا ليتني ألقى المنـية بـغـتة إن كان يوم لقائكم لـم يقـدر
أو أستطيع تجلدا عن ذكركـم فيفيق بعض صبابتي وتفكري الغناء لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي. وفيه يقول:
لو قد تجن كما أجن من الهوى لعذرت أو لظلمت إن لم تعذر
والله ما للقلب من علـم بـهـا غير الظنون وغير قول المخبر
لا تحسبي أني هجرتك طائعـا حدث لعمرك رائع أن تهجري
فلتبكين الـبـاكـيات وإن أبـح يوما بسرك معلنا لـم أعـذر
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت يتبع صداي صداك بين الأقبـر صوت
صفحة : 843
إني إليك بما وعدت لنـاظـر نظر الفقير إلى الغني المكثر
يعد الديون وليس ينجز موعدا هذا الغريم لنا وليس بمعسر
ما أنت والوعد الذي تعديننـي إلا كبرق سحابة لم تمطـر
قلبي نصحت له فرد نصيحتي فمتى هجرتيه فمنه تكثـري الغناء في هذه الأبيات لسليم رمل عن الهشامي. وفيه قدح طنبوري أظنه لجحظة أو لعلي بن مودة. قالوا: وقال في إخلافها إياها هذا الموعد: صوت
ألا ليت ريعان الشباب جديد ودهرا تولى بها بثين يعود
فنغني كما كنا نكون وأنتـم قريب وإذ ما تبذلين زهيد ويروى:
ومما لا يزيد بعيد وهكذا يغنى فيه: الغناء لسليم خفيف ثقيل أول بالوسطى. ومما يغنى فيه من هذه القصيدة.
صوت
ألا ليت شعري هل أبيتن لـيلة بوادي القرى إني إذا لسـعـيد
وهل ألقين فردا بـثـينة مـرة تجود لنا من ودهـا ونـجـود
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل إلى اليوم ينمي حبـهـا ويزيد
وأفنيت عمري بانتظاري وعدها وأبليت فيها الدهر وهو جـديد
فلا أنا مردود بما جئت طالبـا ولا حبها فـيمـا يبـيد يبـيد الغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى. ومما يغنى فيه منها: صوت
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها وقد قربت بصرى أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى لزرتك فاعذرني فدتك جـدود
خليلي ما ألقى من الوجد قاتلي ودمعي بما قلت الغداة شهـيد
يقولون جاهد يا جميل بغـزوة وأي جهـاد غـيرهـن أريد
لكل حديث بينـهـن بـشـاشة وكل قتيل عنـدهـن شـهـيد الغناء للغريض خفيف ثقيل من رواية حماد عن أبيه. وفي هذه القصيدة يقول:
إذا قلت ما بي يا بثـينة قـاتـلـي من الحب قـالـت ثـابـت ويزيد
يا جـمـــيل بـــغـــزوة وأي جـهـاد غـيرهـــن أريد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به مع الناس قالت ذاك منـك بـعـيد
ألا قد أرى واللـه أن رب عـبـرة إذا الدار شطت بينـنـا سـتـرود
إذا فكرت قالت قـد ادركـت وده وما ضرني بخلي فكـيف أجـود
فلو تكشف الأحشاء صودف تحتهـا لبـثـنة حـب طـارف وتـلـيد
تذكـرينـهـا كـل ريح مـريضة لها بـالـتـلاع الـقـاويات وئيد
وقد تلتقي الأشتات بـعـد تـفـرق وقد تدرك الحاجات وهي بـعـيد عاتبته بثينة لشعر قاله فيها: أخبرني علي بن صالح قال حدثني عمر بن شبة عن إسحاق قال: لقي جميل بثينة بعد تهاجر كان بينهما طالت مدته، فتعاتبا طويلا فقالت له: ويحك يا جميل أتزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح فأطرق طويلا يبكي ثم قال: بل أنا القائل:
ألا ليت أعمى أصم تقودني بثينة لا يخفى علي كلامها فقالت له: ويحك ما حملك على هذه المنى أو ليس في سعة العافية ما كفانا جميعا.
تجسس أبوهما وأخوها كلامه مع بثينة فلم يريا ريبة: قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال: سعت أمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها وقالت لهما: إن جميلا عندها الليلة، فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالسا حجرة منها يحدثها ويشكو إليه بثة، ثم قال لها: يا بثينة، أرأيت ودي إياك وشغفي بك ألا تجزينيه? قالت: بماذا? قال: بما يكون بين المتحابين. فقالت له: يا جميل، أهذا تبغي والله لقد كنت عندي بعيدا منه، ولئن عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا. فضحك وقال: والله ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك فيه، ولو علمت أنك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين غيري، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي، ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الأبد، أو ما سمعت قولي:
صفحة : 844
وإني لأرضى من بثينة بـالـذي لو ابصره الواشي لقرت بلابلـه
بلا وبأن لا أستطيع وبالـمـنـى وبالأمل المرجو قد خاب آملـه
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي أواخره لا نلـتـقـي وأوائلـه قال فقال أبوها لأخيها: قم بنا، فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها، فانصرفا وتركاهما.
قابلها مرة بسعي صديق له: أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عناية عن رجل من عذرة قال: كنت تربا لجميل وكان يألفني، فقال لي ذات يوم: هل تساعدني على لقاء بثينة? فمضيت معه، فكمن لي في الوادي وبعث بي إلى راعي بثينة بخاتمه، فدفعته إليه، فمضى به إليها ثم عاد بموعد منها إليه. فلما كان الليل جاءته فتحدثا طويلا حتى أصبحا ثم ودعها وركب ناقته. فلما استوى في غرزها وهي باركة قالت له: ادن مني يا جميل: صوت
إن المنازل هيجت أطرابـي واستعجمت آياتها بجـوابـي
قفرا تلوح بذي اللجين كأنهـا أنضاء رسم أو سطور كتاب
لما وقفت بها القلوص تبادرت مني الدموع لفرقة الأحبـاب
وذكرت عصرا يا بثينة شاقني وذكرت أيامي وشرخ شبابي الغناء في هذه الأبيات للهذلي ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
أرسل كثيرا إلى بثينة ليستجد منها موعدا: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق الموصلي عن السعيدي، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه قال حدثنا أبو مالك النهدي قال: جلس إلينا كثير ذات يوم فتذاكرنا جميلا، فقال: لقيني مرة فقال لي: من أين أقبلت? قلت: من عند أبي الحبيبة أعني بثينة. فقال: وإلى أين تمضي? قلت: إلى الحبيبة أعني عزة. فقال: لا بد من أن ترجع عودك على بدئك فتستجد لي موعدا من بثينة. فقلت: عهدي بها الساعة وأنا أستحيي أن أرجع. فقال: لا بد من ذلك. فقلت له: فمتى عهدك ببثينة? فقال: في أول الصيد وقد وقعت سحابة بأسفل وادي الدوم فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثيابها، فلما أبصرتني أنكرتني، فضربت بيديها إلى ثوب في الماء فالتحفت به، وعرفتني الجارية، فأعادت الثوب في الماء، وتحدثنا حتى غاب الشمس. وسألتها الموعد فقالت: أهلي سائرون، وما وجدت أحدا آمنه فأرسله إليها. فقال له كثير: فهل لك في أن آتي الحي فأنزع بأبيات من شعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدر على الخلوة بها? قال: ذلك الصواب، فأرسله إليها، فقال له: انتظرني ثم خرج كثير حتى أناخ بهم. فقال له أبوها: ما ردك? قال: ثلاثة أبيات عرضت لي فأحببت أن أعرضها عليك. قال: هاتها. قال كثير: فأنشدته وبثينة تسمع:
فقلت لها يا عز أرسل صاحبـي إليك رسولا والموكل مرسـل
بأن تجعلي بيني وبينك مـوعـدا وأن تأمريني ما الذي فيه أفعل
وآخر عهدي منك يوم لقيتـنـي بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل قال: فضربت بثينة جانب خدرها وقالت: إخسأ إخسأ فقال أبوها: مهيم يا بثينة? قالت: كلب يأتينا إذا نؤم الناس من وراء الرابية. ثم قالت للجارية:أ ابغينا من الدومات حطبا لنذبح لكثير شاة ونشويها له. فقال كثير: أنا أعجل من ذلك. وراح إلى جميل فأخبره. فقال له جميل: الموعد الدومات. وقالت لأم الحسين وليلى ونجيا بنات خالتها وكانت قد أنست إليهن واطمأنت بهن: إني قد رأيت في نحو نشيد كثير أن جميلا معه. وخرج كثير وجميل حتى أتيا الدومات، وجاءت بثينة ومن معها، فما برحوا حتى برق الصبح. فكان كثير يقول: ما رأيت مجلسا قط أحسن من ذلك ولا مثل علم أحدهما بضمير الآخر ما أدري أيهما كان أفهم وصف صالح بن حسان بيتا من شعره: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي، وأخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال قال لي صالح بن حسان: هل تعرف بيتا نصفه أعرابي في شملة وآخره مخنث من أهل العقيق يتقصف تقصفا? قلت: لا. قال: قد أجلتك حولا. قلت: لا أدري ما هو فقال قول جميل:
ألا أيها النوام ويحكم هبوا كأنه أعرابي في شملة. ثم أدركه ما يدرك العاشق فقال:
صفحة : 845
أسائلكم هل يقتل الرجل الحب كأنه من كلام مخنثي العقيق.
أهدر السلطان لأهل بثينة دمه إن لقيها وما كان منه بعد ذلك: أخبرني الحسبن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال أخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو وإسحاق بن مروان قال: عشق جميل بثينة وهو غلام، فلما بلغ خطبها فمنع منها، فكان يقول فيها الأشعار، حتى اشتهر وطرد، فكان يأتيها سرا ثم تزوجت فكان يزورها في بيت زوجها في الحين خفية إلى أن استعمل دجاجة بن ربعي على وادي القرى فشكوه إليه فتقدم إليه ألا يلم بأبياتها وأهدر دمه لهم إن عاود زيارتها، فاحتبس حينئذ.
أن حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدثنا أحمد بن أبي العلاء قال حدثني إبراهيم الرماح قال حدثنا جابر أبو العلاء التنوخي قال: لما نذر أهل بثينة دم جميل وأهدره لهم السلطان ضاقت الدنيا بجميل، فكان يصعد بالليل على قور رمل يتنسم الريح من نحو حي بثينة ويقول:
أيا ريح الشمال أما ترينـي أهيم وأنني بادي النحـول
هبي لي نسمة من ريح بثن ومني بالهبوب إلى جميل
وقولي يا بثينة حسب نفسي قليلك أو أقل من القلـيل فإذا بدا وضح الصبح انصرف. وكانت بثينة تقول لجوار من الحي عندها: ويحكن إني لأسمع أنين جميل من بعض القيران فيقلن لها: اتقي لها فهذا شيء يخيله لك الشيطان لا حقيقة له.
تذاكر هو وكثير شعريهما في العشق وبكيا: حدثني أحمد بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني أحمد بن يعلى قال حدثني سويد بن عصام قال حدثني روح أبو نعيم قال: التقى جميل وكثير فتذاكرا النسيب، فقال كثير: يا جميل، أترى بثينة لم تسمع بقولك:
يقيك جميل كل سوء أمـا لـه لديك حديث أو إلـيك رسـول
وقد قلت في حبي لكم وصبابتي محاسن شعر ذكرهن يطـول
فإن لم يكن قولي رضاك فعلمي هبوب الصبايا بثن كيف أقـول
فما غاب عن عيني خيالك لحظة ولا زال عنها، والخـيال يزول فقال جميل: أترى عزة قد حال يا كثير لم تسمع بقولك:
يقول العدا يا عز قد حال دونـكـم شجاع على ظهر الطريق مصمم
فقلت لها والله لو كـان دونـكـم جهنم ما راعت فؤادي جـهـنـم
وكيف يروع القلـب يا عـز رائع ووجهك في الظلماء للسفر معلـم
وما ظلمتك النفس يا عز في الهوى فلا تنقمي حبي فما فيه مـنـقـم قال: فبكيا قطعة من الليل ثم انصرفا.
واعد بثينة وعرف ذلك أهلها فلم تذهب: وقال الهيثم بن عدي ومن ذكر روايته معه من أصحابه:
صفحة : 846
زار جميل بثينة ذات يوم، فنزل قريبا من الماء يترصد أمة لها أو راعية، فلم يكن نزوله بعيدا من ورود أمة حبشية معها قربة، وكانت به عارفة وبما بينها وبينه. فسلمت عليه وجلست معه، وجعل يحدثها ويسألها عن أخبار بثينة ويحدثها بخبره بعدها ويحملها رسائله. ثم أعطاها خاتمه وسألها دفعه إلى بثينة وأخذ موعد عليها، ففعلت وانصرفت إلى أهلها وقد أبطأت عليهم. فلقيها أبو بثينة وزوجها وأخوها فسألوها عما أبطأ بها، فالتوت عليهم ولم تخبرهم وتعللت، فضربوها ضربا مبرحا، فأعلمتهم حالها مع جميل ودفعت إليهم خاتمه. ومر بها في تلك الحال فتيان من بني عذرة فسمعا القصة كلها وعرفا الموضع الذي فيه جميل، فأحبا أن يثبطا عنه فقالا للقوم: إنكم إن لقيتم جميلا وليست بثينة معه ثم قتلتموه لزمكم في ذلك كل مكروه، وأهل بثينة أعز عذرة، فدعوا الأمة توصل خاتمه إلى بثينة، فإذا زارها بيتموهما جميعا، قالوا: صدقتما لعمري إن هذا الرأي. فدفعوا الخاتم إلى الأمة وأمروها بإيصاله وحذروها أن تخبر بثنية بأنهم علموا القصة، ففعلت. ولم تعلم بثينة بما جرى. ومضى الفتيان فأنذرا جميلا، فقال: والله ما أرهبهم، وإن في كنانتي ثلاثين سهما والله لا أخطأ كل واحد منها رجلا منهم، وهذا سيفي والله ما أنا به رعش اليد ولا جبان الجنان. فناشداه الله وقالا: البقية أصلح، فتقيم عندنا في بيوتنا حتى يهدأ الطلب، ثم نبعث إليها فتزورك وتقضي من لقائها وطرا وتنصرف سليما غير مؤبن. فقال أما الآن فابعثا إليها من ينذرها، فأتياه براعية لهما وقالا له: قل بحاجتك، فقال: ادخلي إليها وقولي لها: إني أردت اقتناص ظبي فحذره ذلك جماعة اعتوروه من القناص ففاتني الليلة. فمضت فأعلمتها ما قال لها، فعرفت قصته وبحثت عنها فعرفتها، فلم تخرج لزيارته تلك الليلة ورصدوها فلم تبرح مكانها ومضوا يقتصون أثره فرأوا بعر ناقته فعرفوا أنه قد فاتهم، فقال جميل في ذلك:
خليلي عوجا اليوم حتى تسلـمـا على عذبة الأنياب طيبة النشـر
ألما بها ثم اشفعا لي وسـلـمـا عليها سقاها الله من سبل القطر
إذا ما دنت زدت اشتياقا وإن نأت جرعت لنأي الدار منها وللبعـد
أبى القلب إلا حب بثنة لـم يرد سواها وحب القلب بثنة لا يجدي قال: وقال أيضا: ومن الناس من يضيف هذه الأبيات إلى هذه القصيدة، وفيها أبيات معادة القوافي تدل على أنها مفردة عنها، وهي:
ألم تسأل الدار القديمة هل لها بأم جسير بعد عهدك من عهد وفيها يقول:
كذبت أنا القرم الذي دق مالكا وأفناء يربوع وما أنت بالقرم قال ابن سلام فحدثني أبو الغراف: أن رجال تميم مشت بين جرير والتيمي وقالوا: والله ما شعراءنا إلا بلاء علينا ينشرون مساوينا ويهجون أحياءنا وموتانا، فلم يزالوا بهما حتى أصلحوا بينهما بالعهود والمواثيق المغلظة ألا يعودا في هجاء. فكف التيمي، وكان جرير لا يزال يسل الواحدة بعد الواحدة فيه، فيقول التيمي: والله ما نقضت هذه ولا سمعتها، فيقول جرير: هذه كانت قبل الصلح.
قال ابن سلام فحدثني عثمان بن عثمان عن عبد الرحمن بن حرملة قال: لما ورد علينا هجاء جرير والتيمي، قال لي سعيد بن المسيب ترو شيئا مما قالا، فأتيته وقد استقبل القبلة يريد أن يكبر، فقال لي: أرويت? قلت نعم. فأقبل علي بوجهه فأنشدته للتيمي وهو يقول: هيه هيه ثم أنشدته لجرير، فقال: أكله أكله.
لم يؤثر هجاؤه في التيم للؤمهم: قال ابن سلام وحدثني الرازي عن حجناء بن جرير قال: قلت لأبي: يا أبت، ما هجوت قوما قط إلا فضحتهم إلا التيم. يا بني، لم أجد بناء أهدمه ولا شرفا أضعه وكانت تيم رعاء غنم يغدون في غنمهم ثم يروحون، وقد جاء كل رجل منهم بأبيات فينتحلها ابن لجأ. فقيل لجرير: ما صنعت في التيم شيئا، فقال: إنهم شعراء لئام.
هو أشعر عند العامة والفرزدق عند الخاصة: أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني ابن النطاح قال حدثني أبو اليقظان قال: قال جرير لرجل من بني طهية: أيما أشعر أنا أم الفرزدق? فقال له: أنت عند العامة والفرزدق عند العلماء. فصاح جرير: أنا أبو حزرة غلبته ورب الكعبة والله ما في كل مائة رجل عالم واحد.
هو وعدي بن الرقاع في حضرة الوليد بن عبد الملك: حدثنا أحمد بن عمار قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال حدثني ابن النطاح قال، وحدثني أبو الأخضر لمخارق بن الأخضر القيسي قال: إني كنت والله الذي لا إله إلا هو أخص الناس بجرير، وكان ينزل إذا قدم على الوليد بن عبد الملك عند سعيد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان عدي بن الرقاع خاصا بالوليد مداحا له، فكان جرير يجيء إلى باب الوليد فلا يجالس أحدا من النزارية ولا يجلس إلا إلى رجل من اليمن بحيث يقرب من مجلس بن الرقاع إلى أن يأذن الوليد للناس فيدخل. فقلت له: يا أبا حزرة، اختصصت عدوك بمجلسك فقال: إني والله ما أجلس إليه إلا لأنشده أشعارا تخزيه وتخزي قومه. قال: ولم يكن ينشده شيئا من شعره، وإنما كان ينشده شعر غيره ليذله ويخوفه نفسه. فأذن الوليد للناس ذات عشية فدخلوا ودخلنا، فأخذ الناس مجالسهم، وتخلف جرير فلم يدخل حتى دخل الناس وأخذوا مجالسهم واطمأنوا فيها. فبينما هم كذلك إذا بجرير قد مثل بين السماطين يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ابن الرقاع المتفرقة أؤلف بعضها إلى بعض - قال: وأنا جالس أسمع - فقال الوليد: والله لهممت أن أخرجه على ظهرك إلى الناس. فقال جرير وهو قائم كما هو:
فإن تنهني عنه فسمعا وطاعة وإلا فإني عرضة للمراجـم قال فقال له الوليد: لا كثر الله في الناس أمثالك. فقال له جرير: يا أمير المؤمنين، إنما أنا واحد قد سعرت الأمة، فلو كثر أمثالي لأكلوا الناس أكلا. قال: فنظرت والله إلى الوليد تبسم حتى بدت ثناياه تعجبا من جرير وجلده. قال: ثم أمره فجلس.
أخبرني ابن عمار قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا ابن النطاح عن أبي عبيدة قال:
صفحة : 836
كان جرير عند الوليد وعدي بن الرقاع ينشده. فقال الوليد لجرير: كيف تسمع? قال: ومن هو يا أمير المؤمنين? قال: عدي بن الرقاع. قال: فإن شر الثياب الرقاع، ثم قال جرير: عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ، فغضب الوليد وقال: يا بن اللخناء ما بقي لك إلا أن تتناول كتاب الله والله ليركبنك يا غلام أوكفه حتى يركبه. فغمز عمر بن الوليد الغلام الذي أمره الوليد فأبطأ بالإكاف. فلما سكن غضب الوليد قام إليه عمر فكلمه وطلب إليه وقال: هذا شاعر مضر ولسانها، فإن رأى أمير المؤمنين ألا يغض منه ولم يزل به حتى أعفاه، وقال له: والله لئن هجوته أو عرضت به لأفعلن بك ولأفعلن فقال فيه تلك القصيدة التي يقول فيها:
أقصر فإن نزارا لن يفاخرهـا فرع لئيم وأصل غير مغروس وذكر وقائع نزار في اليمن، فعلمنا أنه عنا. ولم يجبه الآخر بشيء.
وصف شبة بن عقال وخالد بن صفوان له وللفرزدق والأخطل: حدثني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال: قال هشام بن عبد الملك لشبة بن عقال وعنده جرير والفرزدق والأخطل، وهو يومئذ أمير ألا تخبرني عن هؤلاء الذين قد مزقوا أعراضهم، وهتكوا أستارهم وأغروا بين عشائرهم في غير خير ولا بر ولا نفع أيهم أشعر? فقال شبة: أما جرير فيغرف من بحر، وأما الفرزدق فينحت من صخر، وأما الأخطل فيجيد المدح والفخر. فقال هشام: ما فسرت لنا شيئا نحصله. فقال ما عندي غير ما قلت. فقال لخالد بن صفوان: صفهم لنا يا بن الأهتم، فقال: أما أعظمهم فخرا، وأبعدهم ذكرا، وأحسنهم عذرا، وأسيرهم مثلا، وأقلهم غزلا، وأحلاهم عللا، الطامي إذا زخر، والحامي إذا زأر، والسامي إذا خطر، الذي إن هدر قال، وإن خطر صال، الفصيح اللسان، الطويل العنان، فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتا، وأمدحهم بيتا، وأقلهم فوتا، الذي إن هجا وضع، وإن مدح رفع، فالأخطل. وأما أغزرهم بحرا، وأرقهم شعرا، وأهتكهم لعدوه سترا، الأغر الأبلق، الذي أن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق، فجرير. وكلهم ذكي الفؤاد، رفيع العماد، وراي الزناد. فقال له مسلمة بن عبد الملك: ما سمعنا بمثلك يا خالد في الأولين ولا رأينا في الآخرين، وأشهد أنك أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا، وأعفهم مقالا، وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتم الله عليك نعمه، وأجزل لديكم قسمه، وآنس بكم الغربة، وفرج بكم الكربة. وأنت، والله ما علمت أيها الأمير، كريم الغراس، عالم بالناس، جواد في المحل، بسام عند البذل، حليم عند الطيش، في ذروة قريش، ولباب عبد شمس، ويومك خير من أمس. فضحك هشام وقال: ما رأيت كتخلصك يا بن صفوان في مدح هؤلاء ووصفهم حتى أرضيتهم جميعا وسلمت منهم.
جرير وابن لجأ وقد قرنهما عمر بن عبد العزيز حين تقاذفا: أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني مصعب الزبيري قال حدثني إبراهيم بن عبد الله مولى بني زهرة قال: حضرت عمر بن لجأ وجرير بن الخطفى موقوفين للناس بسوق المدينة لما تهاجيا وتقاذفا وقد أمر بهما عمر بن عبد العزيز فقرنا وأقيما. قال: وعمر بن لجأ شاب كأنه حصان، وجرير شيخ قد أسن وضعف. قال فيقول ابن لجأ:
رأوا قمرا بساحتهم منـيرا وكيف يقارن القمر الحمارا قال: ثم ينزو به وهما مقرونان في حبل فيسقطان إلى الأرض، فأما ابن لجأ فيقع قائما، وأما جرير فيخر لركبتيه ووجهه، فإذا قام نفض الغبار عنه. ثم قال بغنته قولا يخرج الكلام به من أنفه - وكان كلامه كأن فيه نونا -:
فلست مفارقا قرني حـتـى يطول تصعدي بك وانحداري قال فقال رجل من جلساء عمر له حين حضر غداؤه: لو دعا الأمير بأسيريه فغداهما معه ففعل ذلك عمر. وإنما فعله بهما لأنهما تقاذفا، وكان جرير قال له:
تقول والعبد مسكين يجررهـا أرفق فديتك أنت الناكح الذكر قال: وهذه قصيدته التي يقول فيها:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكـم لا يوقعنكم في سوءة عمر قال ابنه: أجود شعره قصيدته الدالية: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني على بن محمد النوفلي قال حدثني أبي قال:
صفحة : 837
كنت باليمامة وأنا واليها فكان ابن لجرير يكثر عندي الدخول وكنت أوثره فلم أقل له قط أنشدني أجود شعر لأبيك إلا أنشدني الدالية:
أهوى أراك برامتين وقودا أم بالجنينة من مدافع أودا فأقول له: ويحك لا تزيدني على هذه فيقول سألتني عن أجود شعر أبي وهذه أجود شعره، وقد كان يقدمها على جميعه.
ذهب إلى الشأم ونزل على نميري فأكرمه: حدثني ابن عمار قال حدثني النوفلي قال حدثني علي بن عبد الملك الكعبي من ولد كعب مولى الحجاج قال حدثني فلان العلامة التميمي يرويه عن جرير قال: ما ندمت على هجائي بني نمير قط إلا مرة واحدة، فإني خرجت إلى الشأم فنزلت بقوم نزول في قصر لهم في ضيعة من ضياعهم، وقد نظرت إليه من بين القصور مشيدا حسنا وسألت عن صاحبه فقيل لي: هو رجل من بني نمير. فقلت: هذا شآم وأنا بدوي لا يعرفني، فجئت فاستضفت. فلما أذن لي ودخلت عليه عرفني فقراني أحسن القرى ليلتين، فلما أصبحت جلست، ودعا بنية له فضمها إليه وترشفها، فإذا هي أحسن الناس وجها ولها نشر لم أشم أطيب منه. فنظرت إلى عينيها فقلت: تالله ما رأيت أحسن من عيني هذه الصبية ولا من حورها قط، وعوذتها: فقال لي: يا أبا حزرة أسوداء المحاجر هي? فذهبت أصف طيب رائحتها. فقال: أصن وبر هي? فقلت: يرحمك الله إن الشاعر ليقول، ووالله لقد ساءني ما قلته، ولكن صاحبكم بدأني فانتصرت، وذهبت أعتذر. فقال: دع ذا عنك أبا حزرة، فو الله ما لك عندي إلا ما تحب. قال: وأحسن والله إلي وزودني وكساني، فانصرفت وأنا أندم الناس على ما سلف مني إلى قومه.
كان المفضل من أنصار الفرزدق فحاجه محاج بقصيدته السينية: أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود قال حدثني ابن أبي علقمة الثقفي قال: كان المفضل يقدم الفرزدق، فأنشدته قول جرير:
حي الهدملة من ذات المواعيس فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس وقلت أنشدني لغيره مثلها فسكت. قال: وكان الفرزدق إذا أنشدها يقول: مثلها فليقل ابن اللخناء.
رثاء الفرزدق ابن أخيه وجرير ابنه: أخبرنا أبو خليفة بن الحباب قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي عن المحرر بن أبي هريرة قال: إني لفي عسكر سليمان بن عبد الملك وفيه جرير والفرزدق في غزاة، إذ أتانا الفرزدق في غداة، ثم قال، اشهدوا أن محمد ابن أخي، ثم أنشأ يقول:
فبت بـديري أريحـاء بـلـيلة خدارية يزداد طولا تمامـهـا
أكابد فيها نفس أقرب من مشى أبوه بأم غاب عنها نـيامـهـا
وكنا نرى من غالب في محمـد شمائل تعلو الفاعلين كرامـهـا
وكان ذا ما حل أرضا تـزينـت بزينتها صحراؤها وإكامـهـا
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة إلينا ولكن بي لتسقاه هامـهـا قال: ثم انصرف. وجاء جرير فقال: قد رأيت هذا وسمعت ما قال في ابن أخيه، وما ابن أخيه فعل الله به وفعل قال: ومضى جرير، فو الله ما لبثنا إلا جمعا حتى جاءنا فقام مقامه ونعى ابنه سوادة فقال:
أودى سوادة يجلو مقلـتـي لـحـم باز يصرصر فوق المربأ العالـي
فارقتني حين كف الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرمة البالـي
إلا تكن لـك بـالـديرين بـاكـية فرب باكية بالـرمـل مـعـوال
قالوا نصيبك من أجر فقلت لـهـم كيف العزاء وقد فارقت أشبـالـي هجا الفرزدق لزواجه حدراء بنت زيق وجواب الفرزدق له: أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني حاجب بن زيد وأبو الغراف قالا: تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس على حكم أبيها، فاحتكم مائة من الإبل. فدخل على الحجاج يسأله ذلك، فعذله وقال له: أتتزوج امرأة على حكمها فقال عنبسة بن سعيد وأراد نفعه: إنما هي من حواشي إبل الصدقة، فأمر له الحجاج بها. فوثب جرير فقال:
يا زيق قد كنت من شيبان في حسب يا زيق ويحك من أنكحـت يا زيق
أنكحت ويحك قينا باستـه حـمـم يا زيق ويحك هل بارت بك السوق
صفحة : 838
غاب المثنى فلم يشهـد نـجـيكـمـا والحوفزان ولم يشـهـدك مـفـروق
يا رب قائلة بـعـد الـبـنـاء بـهـا لا الصهر راض ولا ابن القين معشوق
أين الألى استنزلوا النعمـان ضـاحـية أم أين أبنـاء شـيبـان الـغـرانـيق قال: فلم يجبه الفرزدق عنها. فقال جرير أيضا:
فلا أنا معطي الحكم عن شف منصب ولا عن بنات الحنظـلـيين راغـب
وهن كماء المزن يشفى به الصـدى وكانت ملاحا غيرهن المـشـارب
فلو كنت حرا كان عشرا سياقـكـم إلى آل زيق والوصيف المـقـارب فقال الفرزدق:
فنل مثلها من مثلهم ثم لـمـهـم على دارمي بين ليلى وغـالـب
هم زوجوا قبلي لقيطا وأنكحـوا ضرارا وهم أكفاؤنا في المناسب
ولو قبلوا مني عطية سـقـتـه إلى آل زيق من وصيف مقارب
ولو تنكح الشمس النجوم بناتـهـا إذا لنكحناهن قبل الـكـواكـب قال ابن سلام فحدثني الرازي عن أبيه قال: ما كانت امرأة من بني حنظلة إلا ترفع لجرير اللوية في عظمها لتطرفه بها لقوله:
وهن كماء يشفى به الـصـدى وكانت ملاحا غيرهن المشارب فقلت للرازي: ما اللوية? قال: الشريحة من اللحم، أو الفدرة من التمر، أو الكبة من الشحم، أو الحفنة من الأقط، فإذا ذهب الألبان وضاقت المعيشة كانت طرفة عندهم.
قال: وقال جرير أيضا في شأن حدراء:
أثائرة حدراء من جر بـالـنـقـا وهل لأبي حدراء في الوتر طالب
أتثأر بسطاما إذا ابتلت اسـتـهـا وقد بولت في مسمعيه الثعـالـب قال ابن سلام: والنقا الذي عناه جرير هو الموضع الذي قتلت فيه بنو ضبة بسطاما، وهو بسطام بن قيس. قال: فكرهت بنو شيبان أن يهتك جرير أعراضهم. فلما أراد الفرزدق نقل حدراء اعتلوا عليه وقالوا له إنها ماتت. فقال جرير:
فأقسم ما ماتت ولكنما التـوى بحدراء قوم لم يروك لها أهلا
رأوا أن صهر القين عار عليهم وأن لبسطام على غالب فضلا مدح قوما عاوده في مرضه: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي ابن أبي سعد قال حدثنا محمد ابن إدريس اليمامي قال حدثنا علي بن عبد الله بن محمد بن مهاجر عن أبيه عن جده قال: دخلنا على جرير في نفر من قريش نعوده في علته التي مات فيها، فالتفت إلينا فقال:
أهلا وسهلا بقوم زينوا حسبـي وإن مرضت فهم أهلي وعوادي
إن تجر طير بأمر فيه عـافـية أو بالفراق فقد أحسنـتـم زادي
لو أن ليثا أبا شبلـين أوعـدنـي لم يسلموني لليث الغابة العـادي نعي الفرزدق إليه فشمت به ثم رثاه: أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثني أبو جناح بني كعب بن عمرو بن تميم قال: نعي الفرزدق إلى المهاجر بن عبد الله وجرير عنده فقال:
مات الفرزدق بعد ما جدعتـه ليت الفرزدق كان عاش قليلا فقال له المهاجر: بئس لعمر الله ما قلت في ابن عمك أتهجو ميتا أما والله لو رثيته لكنت أكرم العرب وأشعرها. فقال: إن رأى الأمير أن يكتمها علي فإنها سوءة، ثم قال من وقته:
فلا وضعت بعد الفرزدق حامل ولا ذات بعل من نفاس تعلـت
هو الوافد الميمون والرائق الثأي إذا النعل يوما بالعشيرة زلـت قال: ثم بكى ثم قال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحدا وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا تبعه صاحبه. فكان كذلك، مات بعد سنة. وقد زاد الناس في بيتي جرير هذين أبياتا أخر، ولم يقل غيرهما وإنما أضيف إلى ما قاله.
صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
رحل الخليط جمالهم بـسـواد وحدا على إثر البخيلة حادي
ما إن شعرت ولا علمت بينهم حتى سمعت به الغراب ينادي الشعر لجميل. والغناء لإبراهيم، ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
نسب جميل وأخباره
صفحة : 839
هو جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث بن ظبيان وقيل ابن معمر بن حن بن ظبيان بن قيس بن جزء بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد وهو هذيم، وسمي بذلك إضافة لاسمه إلى عبد لأبيه يقال له هذيم كان يحضنه فغلب عليه ابن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. والنسابون مختلفون في قضاعة، فمنهم من يزعم أن قضاعة ابن معد وهو أخو نزار بن معد لأبيه وأمه، وهي معانة بنت جوسم بن جلهمة بن عامر بن عوف بن عدي بن دب بن جرهم، ومنهم من يزعم أنهم من حمير. وقد ذكر جميل ذلك في شعره فانتسب معديا فقال:
أنا جميل في السنـام مـن مـعـد في الأسرة الحصداء والعيص الأشد وقال راجز من قضاعة ينسبهم إلى حمير:
قضاعة الأثرون خير معشر قضاعة بن مالك بن حمير ولهم في هذا أراجيز كثيرة. إلا أن قضاعة اليوم تنسب كلها في حمير، فتزعم أن قضاعة ابن مالك بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال القحذمي: اسم سبأ عامر، وإنما قيل له سبأ لأنه أول من سبى النساء. وكان يقال له عب الشمس، أي عديل الشمس، سمي بذلك لحسنه. ومن زعم من هؤلاء أن قضاعة ليس ابن معد ذكر أن أمه عكبرة امرأة من سبأ كانت تحت مالك بن عمر فمات عنها وهي حامل، فخلفه عليها معد بن عدنان، فولدت قضاعة على فراشه. وقال: مؤرج بن عمرو: هذا قول أحدثوه بعد وصنعوا شعرا ألصقوه به ليصححوا هذا القول، وهو:
يأيها الداعي ادعنـا وأبـشـر وكن قضاعـيا ولا تـنـزر
قضاعة الأثرون خير معشـر قضاعة بن مالك بن حـمـير
النسب المعروف غير المنكر قال مؤرج: وهذا شيء قيل في آخر أيام بني أمية. وشعراء قضاعة في الجاهلية والإسلام كلها تنتمي إلى معد. قال جميل:
وأي معد كان فيء رماحهـم كما قد أفانا والمفاخر منصف وقال زيادة بن زيد يهجو بني عمه بني عامر رهط هدبة بن خشرم:
وإذا معـد أوقـدت نـيرانـهـا للمجد أغضت عامر وتضعضعوا كان راوية هدبة بن خشرم وكان كثير راويته: وجميل شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية، كان راوية هدبة بن خشرم، وكان هدبة شاعرا راوية للحطيئة، وكان الحطيئة شاعرا راوية لزهير وابنه. وقال أبو محلم: آخر من اجتمع له الشعر والرواية كثير، وكان راوية جميل، وجميل راوية هدبة، وهدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية زهير.
نسب بثينة عشيقته: أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال: كان جميل يهوى بثينة بنت حبأ بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة تلتقي هي وجميل في حن من ربيعة في النسب.
كان كثير راويته يقدمه على نفسه: حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي وهاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قالا حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال: كان كثير راوية جميل، وكان يقدمه على نفسه ويتخذه إماما، وإذا سئل عنه قال: وهل علم الله عز وجل ما تسمعون إلا منه أخبرني محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن صباح بن خاقان عن عبد الله بن معاوية الزبيري قال: كان كثير إذا ذكر له جميل قال: وهل علم الله ما تسمعون إلا منه مر على جماعة بشعب سلع فاستنشدوه من شعره فأنشدهم فمدحوه: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن المسور بن عبد الملك عن نصيب مولى عبد العزيز بن مروان قال: قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالشعر، فقيل لي: الوليد بن سعيد بن أبي سنان الأسلمي، فوجدته بشعب سلع مع عبد الرحمن بن حسان وعبد الرحمن بن أزهر. فإنا لجلوس إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين طوال يقود راحلة عليها بزة حسنة. فقال عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن أزهر: يا أبا جبير، هذا جميل، فادعه لعله أن ينشدنا. فصاح به عبد الرحمن: هيا جميل هيا جميل فالتفت فقال: من هذا? فقال: أنا عبد الرحمن بن أزهر. فقال: قد علمت أنه لا يجترىء علي إلا مثلك. فأتاه فقال له أنشدنا، فأنشدهم:
نحن منعنا يوم أول نساءنا ويوم أفي والأسنة ترعف
صفحة : 840
ويوم ركابا ذي الجـذاة ووقـعة ببنيان كانت بعض ما قد تسلفـوا
يحب الغواني البيض طل لوائنـا إذا ما أتانا الصارخ المتلـهـف
نسير أمام الناس والناس خلفـنـا فإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
فأي معد كـان فـيء رمـاحـه كما قد أفأنا والمفاخر ينـصـف
وكنا إذا ما معشر نصبـوا لـنـا ومرت جواري طيرهم وتعيفـوا
وضعنا لهم صاع القصاص رهينة بما سوف نوفيها إذا الناس طففوا
إذا استبق الأقوام مجدا وجدتـنـا لنا مغرفا مجد وللناس مغـرف قال: ثم قال له: أنشدنا هزجا. قال: وما الهزج? لعله هذا القصير? قال نعم، فأنشده - قال الزبير: لم يذكر في هذا الخبر من هذه القصيدة الهزج سوى بيتين، وأنشدنا باقيها بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي - : صوت
رسم دار وقفت في طللـه كدت أقضي الغداة من جلله
موحشا ما ترى به أحدا تـن تسج الريح ترب معتـدلـه
وصريعا من الثمـام تـرى عارمات المدب في أسلـه
بين علياء وابـش فـبـلـي فالغميم الذي إلى جـبـلـه
واقفا في ديار أم جـسـير من ضحى يومه إلى أصله
يا خلـيلـي إن أم جـسـير حين يدنو الضجيع من غلله
روضة ذات حنوة وخزامى جاد فيها الربيع من سبـلة
بينما هن بـالأراك مـعـا إذ بدا راكب على جمـلـه
فتأطرن ثـم قـلـن لـهـا أكرميه حييت في نـزلـه
فظللنا بنعـمة واتـكـأنـا وشربنا الحلال من قلـلـه
قد أصون الحديث دون خليل لا أخاف الأذاة من قبـلـه
غير ما بغضة ولا لآجتنـاب غير أني ألحت من وجلـه
وخليل صاقبت مرتـضـيا وخليل فارقت من ملـلـه قال: فأنشده إياها حتى فرغ منها ثم اقتاد راحلته موليا. فقال ابن الأزهر: هذا أشعر أهل الإسلام. فقال ابن حسان: نعم والله وأشعر أهل الجاهلية، والله ما لأحد منهم مثل هجائه ولا نسيبه. فقال عبد الرحمن بن الأزهر: صدقت.? قال نصيب: وأنشدت الوليد فقال لي: أنت أشعر أهل جلدتك، والله ما زاد عليها. فقلت: يا أبا محجن، أفرضيت منه بأن تكون أشعر السودان? قال: وددت والله يا بن أخي أنه أعطاني أكثر من هذا، ولكنه لم يفعل، ولست بكاذبك.
كان صادق الصبابة وكان كثير يتقول: أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان لكثير في النسيب حظ وافر وجميل مقدم عليه وعلى أصحاب النسيب في النسيب، وكان كثير راوية جميل، وكان جميل صادق الصبابة والعشق، ولم يكن كثير بعاشق ولكنه كان يتقول. وكان الناس يستحسنون بيت كثير في النسب:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل قال: ورأيت من يفضل عليه بيت جميل:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلا بكى من حب قاتله قبلي قال ابن سلام: وهذا البيت الذي لكثير أخذه من جميل حيث يقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنـمـا تمثل لي ليلى على كل مرقب عرض الفرزدق لكثير بأنه سرق منه فرد عليه بمثله: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبي شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط وأنا وهو نمشي نزيد المسجد، فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، أنت أنسب العرب حين تقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل يعرض له بسرقته من جميل. فقال له كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
صفحة : 841
قال عبد العزيز: وهذا البيت أيضا لجميل سرقه الفرزدق فقال الفرزدق لكثير: هل كانت أمك مرت بالبصرة قال: لا ولكن أبى، فكان نزيلا لأمك. قال طلحة بن عبد الله. فو الذي نفسي بيده لعجبت من كثير وجوابه، وما رأيت أحدا قط أحمق منه، رأيتني دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنا كثيرا ما نتهزأ به، فقلنا: كيف تجدك يا أبا صخر? قال: بخير، أما سمعتم الناس يقولون شيئا? قلنا: نعم، يتحدثون أنك الدجال. فقال: والله لئن قلتم ذاك إني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام.
كان كثير يفضله على نفسه ويبدأ بإنشاد شعره: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال كتب إلي أبو محمد إسحاق بن إبراهيم يقول حدثني أبو عبيدة عن جويرية بن أسماء قال: كان أبو صخر كثير صديقا لي، وكان يأتيني كثيرا، فقلما استنشدته إلا بدأ بجميل وأنشد له ثم أنشد لنفسه، وكان يفضله ويتخذه إماما.
قال الزبير وكتب إلي إسحاق يقول حدثني صباح بن خاقان عن عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير ذكر جميل لكثير، فقالوا: ما تقول فيه?. فقال: منه علم الله عز وجل.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو يحيى الزهري عن إسحاق بن قبيصة الكوفي عن رجل سماه قال: سألت نصيبا: أجميل أنسب أم كثير? فقال: أنا سألت كثيرا عن ذاك فقال: وهل وطأ لنا النسيب إلا جميل قال عمر بن شبة وقال إسحاق حدثني السعيدي عن أبي مالك النهدي قال: جلس إلينا نصيب فذكرنا جميلا، فقال: ذاك إمام المحبين، وهل هدى الله عز وجل لما ترى إلا بجميل.
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة عن جويرية بن أسماء قال: ما استنشدت كثيرا قط إلا بدأ بجميل وأنشدني له ثم أنشدني بعده لنفسه، وكان يفضله ويتخذه إماما.
أول عشقه بثينة: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي قال: كان جميل ينسب بأم الجسير، وكان أول ما علق بثينة أنه أقبل يوما بإبله حتى أوردها واديا يقال له بغيض، فاضطجع وأرسل إبله مصعدة، وأهل بثينة بذنب الوادي، فأقبلت بثينة وجارة لها واردتين الماء، فمرتا على فصال له بروك فعرمتهن بثينة - يقول: نفرتهن - وهي إذ ذاك جويرية صغيرة، فسبها جميل، فافترت عليه، فملح إليه سبابها فقال:
وأول ما قاد المودة بينـنـا بوادي بغيض يا بثين سباب
وقلنا لها قولا فجاءت بمثله لكل كلام يا بثين جـواب قال الزبير وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر عن سعيد بن نبيه بن الأسود العذري وكانت بثينة عند أبيه نبيه بن الأسود، وإياه يعني جميل بقوله:
لقد أنكحوا جهلا نبيهـا ظـعـينة لطيفة طي الكشح ذات شوى خدل قال الزبير وحدثني أيضا الأسباط بن عيسى بن عبد الجبار العذري أن جميل بن معمر خرج في يوم عيد والنساء إذ ذاك يتزين ويبدو بعضهن لبعض ويبدون للرجال، وأن جميلا وقف على بثينة وأختها أم الجسير في نساء من بني الأحب وهن بنات عم عبيد الله بن قطبة أخي أبيه لحا، فرأى منهن منظرا وأعجبنه وعشق بثينة وقعد معهن، ثم راح وقد كان معه فتيان من بني الأحب، فعلم أن القوم قد عرفوا في نظره حب بثينة ووجدوا عليه، فراح وهو يقول:
عجل الفراق وليته لم يعـجـل وجرت بوادر دمعك المتهلـل
طربا وشاقك ما لقيت ولم تخف بين الحبيب غداة برقة مجـول
وعرفت أنك حين رحت ولم يكن بعد اليقين وليس ذاك بمشكـل
لن تستطيع إلى بثـينة رجـعة بعد التفرق دون عام مـقـبـل قال: وإن بثينة لما أخبرت أن جميلا قد نسب بها حلفت بالله لا يأتيها على خلاء إلا خرجت إليه وتتوارى منه، فكان يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدث إليها ومع أخواتها، حتى نمي إلى رجالها أنه يتحدث إليها إذا خلا منهم، وكانوا أصلافا غيرا - أو قال غيارى - فرصدوه بجماعة نحو من بضعة عشر رجلا وجاء على الصهباء ناقته حتى وقف على بثينة وأم الجسير وهما يحدثانه وهو ينشدهما يومئذ:
حلفت برب الراقصات إلى منى هوي القطا يجتزن بطن دفـين
صفحة : 842
لقد ظن هذا القلب أن ليس لاقيا سليمى ولا أم الجسير لحـين
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي وهموا بقتلي يا بثين لقـونـي فبينا هو على تلك الحال إذ وثب عليه القوم فرماهم بها فسبقت به وهو يقول
إذا جوع الإثنان جمعا رميتهم بأركانها حتى تخلى سبيلهـا فكان هذا أول سبب المهاجاة بينه وبين عبد الله بن قطبة.
واعدته بثينة فمنعها أهلها فقرعه نساء الحي، وشعره في ذلك: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا بهلول بن سليمان عن مشيخة من عذرة: أن بثينة واعدت جميلا أن يلتقيا في بعض المواضع فأتى لوعدها. وجاء أعرابي يستضيف القوم فأنزلوه وقروه، فقال لهم: قد رأيت في بطن هذا الوادي ثلاثة نفر متفرقين متوارين في الشجر، وأنا خائف عليكم أن يسلبوا بعض إبلكم، فعرفوا أنه جميل وصاحباه، فحرسوا بثينة ومنعوها من الوفاء بوعده. فلما أسفر له الصبح انصرف كئيبا سيىء الظن بها ورجع إلى أهله، فجعل نساء الحي يقرعنه بذلك ويقلن له: إنما حصلت منها على الباطل والكذب والغدر، وغيرها أولى بوصلك منها، كما أن غيرك يحظى بها. فقال في ذلك: صوت
أبثين إنك قد ملكت فأسجحـي وخذي بحظك من كريم واصل
فأجبتها في القول بعد تسـتـر حبي بثينة عن وصالك شاغلي
فلرب عارضة علينا وصلـهـا بالجد تخطله بقول الـهـازل
لو كان في صدري كقدر قلامة فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي الغناء ليحيى المكي ثقيل أول بالوسطى من رواية ابنه أحمد عنه: صوت
ويقلن إنك قد رضيت ببـاطـل منها فهل لك في اجتناب الباطل
ولباطل ممـا أحـب حـديثـه أشهى إلي من البغيض البـاذل
ليزلن عنك هواي ثم يصلنـنـي وإذا هويت فما هـواي بـزائل الغناء لسليم رمل بالوسطى عن عمرو، وذكر في نسخته الثانية أنه ليزيد حوراء. وروى حماد عن أبيه في أخبار ابن سريج أن لابن سريج فيه لحنا ولم يجنسه:
صادت فؤادي يا بثين حبـالـكـم يوم الحجون وأخطأتك حبائلـي
منيتني فلويت مـا مـنـيتـنـي وجعلت عاجل ما وعدت كآجـل
وتثاقلت لما رأت كلفـي بـهـا أحبب إلي بذاك من متـثـاقـل
وأطعت في عواذلا فهجرتـنـي وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي
حاولنني لأبت حبل وصـالـكـم مني ولست وإن جهدن بفاعـل
فرددتهن وقد سبعين بهجـركـم لما سعين له بأفـوق نـاصـل
يعضضن من غيظ علي أنامـلا ووددت لو يعضضن صم جنادل
ويقلن إنـك يا بـثـين بـخـيلة نفسي فداؤك من ضنين بـاخـل قالوا: وقال جميل في وعد بثينة بالتلاقي وتأخرها قصيدة أولها:
يا صاح عن بعض الملامة أقصر إن المنى للقـاء أم الـمـسـور فمما يغنى فيه منها قوله: صوت
وكأن طارقها على علل الكرى والنجم وهنا قد دنا لتـغـور
يستاف ريح مدامة معـجـونة بذكي مسك أو سحيق العنبـر الغناء لابن جامع ثقيل أول بالبنصر من رواية الهشامي. وذكر عمرو بن بانة أنه لآبن المكي.
ومما يغنى فيه منها قوله: صوت
إني لأحفظ غيبكم ويسـرنـي إذ تذكرين بصالح أن تذكري
ويكون يوم لا أرى لك مرسلا أو نلتقي فيه علي كأشـهـر
يا ليتني ألقى المنـية بـغـتة إن كان يوم لقائكم لـم يقـدر
أو أستطيع تجلدا عن ذكركـم فيفيق بعض صبابتي وتفكري الغناء لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي. وفيه يقول:
لو قد تجن كما أجن من الهوى لعذرت أو لظلمت إن لم تعذر
والله ما للقلب من علـم بـهـا غير الظنون وغير قول المخبر
لا تحسبي أني هجرتك طائعـا حدث لعمرك رائع أن تهجري
فلتبكين الـبـاكـيات وإن أبـح يوما بسرك معلنا لـم أعـذر
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت يتبع صداي صداك بين الأقبـر صوت
صفحة : 843
إني إليك بما وعدت لنـاظـر نظر الفقير إلى الغني المكثر
يعد الديون وليس ينجز موعدا هذا الغريم لنا وليس بمعسر
ما أنت والوعد الذي تعديننـي إلا كبرق سحابة لم تمطـر
قلبي نصحت له فرد نصيحتي فمتى هجرتيه فمنه تكثـري الغناء في هذه الأبيات لسليم رمل عن الهشامي. وفيه قدح طنبوري أظنه لجحظة أو لعلي بن مودة. قالوا: وقال في إخلافها إياها هذا الموعد: صوت
ألا ليت ريعان الشباب جديد ودهرا تولى بها بثين يعود
فنغني كما كنا نكون وأنتـم قريب وإذ ما تبذلين زهيد ويروى:
ومما لا يزيد بعيد وهكذا يغنى فيه: الغناء لسليم خفيف ثقيل أول بالوسطى. ومما يغنى فيه من هذه القصيدة.
صوت
ألا ليت شعري هل أبيتن لـيلة بوادي القرى إني إذا لسـعـيد
وهل ألقين فردا بـثـينة مـرة تجود لنا من ودهـا ونـجـود
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل إلى اليوم ينمي حبـهـا ويزيد
وأفنيت عمري بانتظاري وعدها وأبليت فيها الدهر وهو جـديد
فلا أنا مردود بما جئت طالبـا ولا حبها فـيمـا يبـيد يبـيد الغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى. ومما يغنى فيه منها: صوت
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها وقد قربت بصرى أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى لزرتك فاعذرني فدتك جـدود
خليلي ما ألقى من الوجد قاتلي ودمعي بما قلت الغداة شهـيد
يقولون جاهد يا جميل بغـزوة وأي جهـاد غـيرهـن أريد
لكل حديث بينـهـن بـشـاشة وكل قتيل عنـدهـن شـهـيد الغناء للغريض خفيف ثقيل من رواية حماد عن أبيه. وفي هذه القصيدة يقول:
إذا قلت ما بي يا بثـينة قـاتـلـي من الحب قـالـت ثـابـت ويزيد
يا جـمـــيل بـــغـــزوة وأي جـهـاد غـيرهـــن أريد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به مع الناس قالت ذاك منـك بـعـيد
ألا قد أرى واللـه أن رب عـبـرة إذا الدار شطت بينـنـا سـتـرود
إذا فكرت قالت قـد ادركـت وده وما ضرني بخلي فكـيف أجـود
فلو تكشف الأحشاء صودف تحتهـا لبـثـنة حـب طـارف وتـلـيد
تذكـرينـهـا كـل ريح مـريضة لها بـالـتـلاع الـقـاويات وئيد
وقد تلتقي الأشتات بـعـد تـفـرق وقد تدرك الحاجات وهي بـعـيد عاتبته بثينة لشعر قاله فيها: أخبرني علي بن صالح قال حدثني عمر بن شبة عن إسحاق قال: لقي جميل بثينة بعد تهاجر كان بينهما طالت مدته، فتعاتبا طويلا فقالت له: ويحك يا جميل أتزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح فأطرق طويلا يبكي ثم قال: بل أنا القائل:
ألا ليت أعمى أصم تقودني بثينة لا يخفى علي كلامها فقالت له: ويحك ما حملك على هذه المنى أو ليس في سعة العافية ما كفانا جميعا.
تجسس أبوهما وأخوها كلامه مع بثينة فلم يريا ريبة: قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال: سعت أمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها وقالت لهما: إن جميلا عندها الليلة، فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالسا حجرة منها يحدثها ويشكو إليه بثة، ثم قال لها: يا بثينة، أرأيت ودي إياك وشغفي بك ألا تجزينيه? قالت: بماذا? قال: بما يكون بين المتحابين. فقالت له: يا جميل، أهذا تبغي والله لقد كنت عندي بعيدا منه، ولئن عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا. فضحك وقال: والله ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك فيه، ولو علمت أنك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين غيري، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي، ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الأبد، أو ما سمعت قولي:
صفحة : 844
وإني لأرضى من بثينة بـالـذي لو ابصره الواشي لقرت بلابلـه
بلا وبأن لا أستطيع وبالـمـنـى وبالأمل المرجو قد خاب آملـه
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي أواخره لا نلـتـقـي وأوائلـه قال فقال أبوها لأخيها: قم بنا، فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها، فانصرفا وتركاهما.
قابلها مرة بسعي صديق له: أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عناية عن رجل من عذرة قال: كنت تربا لجميل وكان يألفني، فقال لي ذات يوم: هل تساعدني على لقاء بثينة? فمضيت معه، فكمن لي في الوادي وبعث بي إلى راعي بثينة بخاتمه، فدفعته إليه، فمضى به إليها ثم عاد بموعد منها إليه. فلما كان الليل جاءته فتحدثا طويلا حتى أصبحا ثم ودعها وركب ناقته. فلما استوى في غرزها وهي باركة قالت له: ادن مني يا جميل: صوت
إن المنازل هيجت أطرابـي واستعجمت آياتها بجـوابـي
قفرا تلوح بذي اللجين كأنهـا أنضاء رسم أو سطور كتاب
لما وقفت بها القلوص تبادرت مني الدموع لفرقة الأحبـاب
وذكرت عصرا يا بثينة شاقني وذكرت أيامي وشرخ شبابي الغناء في هذه الأبيات للهذلي ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
أرسل كثيرا إلى بثينة ليستجد منها موعدا: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق الموصلي عن السعيدي، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه قال حدثنا أبو مالك النهدي قال: جلس إلينا كثير ذات يوم فتذاكرنا جميلا، فقال: لقيني مرة فقال لي: من أين أقبلت? قلت: من عند أبي الحبيبة أعني بثينة. فقال: وإلى أين تمضي? قلت: إلى الحبيبة أعني عزة. فقال: لا بد من أن ترجع عودك على بدئك فتستجد لي موعدا من بثينة. فقلت: عهدي بها الساعة وأنا أستحيي أن أرجع. فقال: لا بد من ذلك. فقلت له: فمتى عهدك ببثينة? فقال: في أول الصيد وقد وقعت سحابة بأسفل وادي الدوم فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثيابها، فلما أبصرتني أنكرتني، فضربت بيديها إلى ثوب في الماء فالتحفت به، وعرفتني الجارية، فأعادت الثوب في الماء، وتحدثنا حتى غاب الشمس. وسألتها الموعد فقالت: أهلي سائرون، وما وجدت أحدا آمنه فأرسله إليها. فقال له كثير: فهل لك في أن آتي الحي فأنزع بأبيات من شعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدر على الخلوة بها? قال: ذلك الصواب، فأرسله إليها، فقال له: انتظرني ثم خرج كثير حتى أناخ بهم. فقال له أبوها: ما ردك? قال: ثلاثة أبيات عرضت لي فأحببت أن أعرضها عليك. قال: هاتها. قال كثير: فأنشدته وبثينة تسمع:
فقلت لها يا عز أرسل صاحبـي إليك رسولا والموكل مرسـل
بأن تجعلي بيني وبينك مـوعـدا وأن تأمريني ما الذي فيه أفعل
وآخر عهدي منك يوم لقيتـنـي بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل قال: فضربت بثينة جانب خدرها وقالت: إخسأ إخسأ فقال أبوها: مهيم يا بثينة? قالت: كلب يأتينا إذا نؤم الناس من وراء الرابية. ثم قالت للجارية:أ ابغينا من الدومات حطبا لنذبح لكثير شاة ونشويها له. فقال كثير: أنا أعجل من ذلك. وراح إلى جميل فأخبره. فقال له جميل: الموعد الدومات. وقالت لأم الحسين وليلى ونجيا بنات خالتها وكانت قد أنست إليهن واطمأنت بهن: إني قد رأيت في نحو نشيد كثير أن جميلا معه. وخرج كثير وجميل حتى أتيا الدومات، وجاءت بثينة ومن معها، فما برحوا حتى برق الصبح. فكان كثير يقول: ما رأيت مجلسا قط أحسن من ذلك ولا مثل علم أحدهما بضمير الآخر ما أدري أيهما كان أفهم وصف صالح بن حسان بيتا من شعره: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي، وأخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال قال لي صالح بن حسان: هل تعرف بيتا نصفه أعرابي في شملة وآخره مخنث من أهل العقيق يتقصف تقصفا? قلت: لا. قال: قد أجلتك حولا. قلت: لا أدري ما هو فقال قول جميل:
ألا أيها النوام ويحكم هبوا كأنه أعرابي في شملة. ثم أدركه ما يدرك العاشق فقال:
صفحة : 845
أسائلكم هل يقتل الرجل الحب كأنه من كلام مخنثي العقيق.
أهدر السلطان لأهل بثينة دمه إن لقيها وما كان منه بعد ذلك: أخبرني الحسبن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال أخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو وإسحاق بن مروان قال: عشق جميل بثينة وهو غلام، فلما بلغ خطبها فمنع منها، فكان يقول فيها الأشعار، حتى اشتهر وطرد، فكان يأتيها سرا ثم تزوجت فكان يزورها في بيت زوجها في الحين خفية إلى أن استعمل دجاجة بن ربعي على وادي القرى فشكوه إليه فتقدم إليه ألا يلم بأبياتها وأهدر دمه لهم إن عاود زيارتها، فاحتبس حينئذ.
أن حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدثنا أحمد بن أبي العلاء قال حدثني إبراهيم الرماح قال حدثنا جابر أبو العلاء التنوخي قال: لما نذر أهل بثينة دم جميل وأهدره لهم السلطان ضاقت الدنيا بجميل، فكان يصعد بالليل على قور رمل يتنسم الريح من نحو حي بثينة ويقول:
أيا ريح الشمال أما ترينـي أهيم وأنني بادي النحـول
هبي لي نسمة من ريح بثن ومني بالهبوب إلى جميل
وقولي يا بثينة حسب نفسي قليلك أو أقل من القلـيل فإذا بدا وضح الصبح انصرف. وكانت بثينة تقول لجوار من الحي عندها: ويحكن إني لأسمع أنين جميل من بعض القيران فيقلن لها: اتقي لها فهذا شيء يخيله لك الشيطان لا حقيقة له.
تذاكر هو وكثير شعريهما في العشق وبكيا: حدثني أحمد بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني أحمد بن يعلى قال حدثني سويد بن عصام قال حدثني روح أبو نعيم قال: التقى جميل وكثير فتذاكرا النسيب، فقال كثير: يا جميل، أترى بثينة لم تسمع بقولك:
يقيك جميل كل سوء أمـا لـه لديك حديث أو إلـيك رسـول
وقد قلت في حبي لكم وصبابتي محاسن شعر ذكرهن يطـول
فإن لم يكن قولي رضاك فعلمي هبوب الصبايا بثن كيف أقـول
فما غاب عن عيني خيالك لحظة ولا زال عنها، والخـيال يزول فقال جميل: أترى عزة قد حال يا كثير لم تسمع بقولك:
يقول العدا يا عز قد حال دونـكـم شجاع على ظهر الطريق مصمم
فقلت لها والله لو كـان دونـكـم جهنم ما راعت فؤادي جـهـنـم
وكيف يروع القلـب يا عـز رائع ووجهك في الظلماء للسفر معلـم
وما ظلمتك النفس يا عز في الهوى فلا تنقمي حبي فما فيه مـنـقـم قال: فبكيا قطعة من الليل ثم انصرفا.
واعد بثينة وعرف ذلك أهلها فلم تذهب: وقال الهيثم بن عدي ومن ذكر روايته معه من أصحابه:
صفحة : 846
زار جميل بثينة ذات يوم، فنزل قريبا من الماء يترصد أمة لها أو راعية، فلم يكن نزوله بعيدا من ورود أمة حبشية معها قربة، وكانت به عارفة وبما بينها وبينه. فسلمت عليه وجلست معه، وجعل يحدثها ويسألها عن أخبار بثينة ويحدثها بخبره بعدها ويحملها رسائله. ثم أعطاها خاتمه وسألها دفعه إلى بثينة وأخذ موعد عليها، ففعلت وانصرفت إلى أهلها وقد أبطأت عليهم. فلقيها أبو بثينة وزوجها وأخوها فسألوها عما أبطأ بها، فالتوت عليهم ولم تخبرهم وتعللت، فضربوها ضربا مبرحا، فأعلمتهم حالها مع جميل ودفعت إليهم خاتمه. ومر بها في تلك الحال فتيان من بني عذرة فسمعا القصة كلها وعرفا الموضع الذي فيه جميل، فأحبا أن يثبطا عنه فقالا للقوم: إنكم إن لقيتم جميلا وليست بثينة معه ثم قتلتموه لزمكم في ذلك كل مكروه، وأهل بثينة أعز عذرة، فدعوا الأمة توصل خاتمه إلى بثينة، فإذا زارها بيتموهما جميعا، قالوا: صدقتما لعمري إن هذا الرأي. فدفعوا الخاتم إلى الأمة وأمروها بإيصاله وحذروها أن تخبر بثنية بأنهم علموا القصة، ففعلت. ولم تعلم بثينة بما جرى. ومضى الفتيان فأنذرا جميلا، فقال: والله ما أرهبهم، وإن في كنانتي ثلاثين سهما والله لا أخطأ كل واحد منها رجلا منهم، وهذا سيفي والله ما أنا به رعش اليد ولا جبان الجنان. فناشداه الله وقالا: البقية أصلح، فتقيم عندنا في بيوتنا حتى يهدأ الطلب، ثم نبعث إليها فتزورك وتقضي من لقائها وطرا وتنصرف سليما غير مؤبن. فقال أما الآن فابعثا إليها من ينذرها، فأتياه براعية لهما وقالا له: قل بحاجتك، فقال: ادخلي إليها وقولي لها: إني أردت اقتناص ظبي فحذره ذلك جماعة اعتوروه من القناص ففاتني الليلة. فمضت فأعلمتها ما قال لها، فعرفت قصته وبحثت عنها فعرفتها، فلم تخرج لزيارته تلك الليلة ورصدوها فلم تبرح مكانها ومضوا يقتصون أثره فرأوا بعر ناقته فعرفوا أنه قد فاتهم، فقال جميل في ذلك:
خليلي عوجا اليوم حتى تسلـمـا على عذبة الأنياب طيبة النشـر
ألما بها ثم اشفعا لي وسـلـمـا عليها سقاها الله من سبل القطر
إذا ما دنت زدت اشتياقا وإن نأت جرعت لنأي الدار منها وللبعـد
أبى القلب إلا حب بثنة لـم يرد سواها وحب القلب بثنة لا يجدي قال: وقال أيضا: ومن الناس من يضيف هذه الأبيات إلى هذه القصيدة، وفيها أبيات معادة القوافي تدل على أنها مفردة عنها، وهي:
ألم تسأل الدار القديمة هل لها بأم جسير بعد عهدك من عهد وفيها يقول:
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية5
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية4
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية3
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية2
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin
» من كتاب الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin
» نموذج من بناء الشخصية
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin
» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin
» رواية جديدة
الإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin