منتدي جمال عزوز

أهلا بكم في المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي جمال عزوز

أهلا بكم في المنتدى

منتدي جمال عزوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي جمال عزوز

منتدي الادب والفنون والكتابات النثرية والقصة القصيرة

المواضيع الأخيرة

» من كتاب الشخصية6
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:48 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية5
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:46 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية4
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:45 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية3
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:44 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية2
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:42 pm من طرف Admin

» من كتاب الشخصية
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:41 pm من طرف Admin

» نموذج من بناء الشخصية
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:39 pm من طرف Admin

» كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:38 pm من طرف Admin

» رواية جديدة
الاغاني للاصفهاني35 Emptyالإثنين ديسمبر 09, 2013 5:26 pm من طرف Admin

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

أبريل 2024

الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     

اليومية اليومية

تصويت

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 254 مساهمة في هذا المنتدى في 142 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 35 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو sansharw فمرحباً به.

سحابة الكلمات الدلالية


2 مشترك

    الاغاني للاصفهاني35

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 150
    نقاط : 444
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 30/10/2009
    العمر : 50

    الاغاني للاصفهاني35 Empty الاغاني للاصفهاني35

    مُساهمة  Admin السبت يناير 02, 2010 1:46 pm

    لك أن تجلس في منزلك شهرا بسبب ما لقيت من ابن جامع قال: ولم ذلك يا أمير المؤمنين? جعلني الله فداءك والله لئن أذنت لي أن أقول لأقولن، قال: وما عساك أن تقول? قل، فقال: إنه ليس ينبغي لي ولا لغيري أن يراك نشيطا لشيء فيعارضك، ولا أن تكون متعصبا لحيز وجنبة فيغالبك، وإلا فما في الأرض صوت لا أعرفه، قال: دع ذا عنك، قد أقررت أمس بالجهالة بما سمعت من صاحبنا، فإن كنت أمسكت عنه بالأمس على معرفة كما تقول فهاته اليوم، فليس هاهنا عصبية ولا تمييز، فاندفع فأمر الأصوات كلها، وابن جامع مصغ يسمع منه، حتى أتى على آخرها، فاندفع ابن جامع فحلف بالأيمان المحرجة أنه ما عرفها قط ولا سمعها ولا هي إلا من صنعته، ولم تخرج إلى أحد غيره. فقال له: ويحك فما أحدثت بعدي. قال: ما أحدثت حدثا، فقال: يا إبراهيم بحياتي اصدقني فقال: وحياتك لأصدقنك، رميته بحجره، فبعثت له بمحمد الزف وضمنت له ضمانات، أولها رضاك عنه، فمضى فاحتال لي عليه حتى أخذها عنه ونقلها إلي، وقد سقط الآن اللوم عني بإقراره، لأنه ليس علي أن أعرف ما صنعه هو ولم يخرجه إلى الناس، وهذا باب من الغيب، وإنما يلزمني أن يعرف هو شيئا من غناء الأوائل وأجهله أنا، وإلا فلو لزمني أن أروى صنعته للزمه أن يروى صنعتي، ولزم كل واحد منا لسائر طبقته ونظرائه مثل ذلك، فمن قصر عنه كان مذموما ساقطا، فقال له الرشيد: صدقت يا إبراهيم، ونضحت عن نفسك، وقمت بحجتك، ثم أقبل على ابن جامع فقال له: يا إسماعيل، أتيت أتيت دهيت دهيت أبطل عليك الموصلي ما فعلته به أمس وانتصف اليوم منك، ثم دعا بالزف فرضي عنه.
    قال علي بن محمد: سألت خالي أبا عبد الله بن حمدون وقد تجارينا هذا الخبر: هل تعرف أصوات ابن جامع هذه? فأخبرني أنه سمع إسحاق يحكى هذه القصة، وذكر أن الصوت الأول منها:
    بكيت نعم بكيت وكل إلف إذا بانت قرينته بكاهـا
    وما فارقت لبنى عن تقال ولكن شقوة بلغت مداها الشعر لقيس بن ذريح. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل آخر بالخنصر والبنصر من كتابه. وفيه لإبراهيم ثقيل أول عن الهشامي.
    قال: والثاني منها.

    عفت دار سلمى بمفضى الرغام رياح تعاقـبـهـا كـل عـام
    خلاف الحلول بتلك الطـلـول وسحب الذيول بذاك المـقـام
    وأنس الديار وقرب الـجـوار وطيب المزار ورد الـسـلام
    ودهر غرير وعيش السـرور ونأى الغيور وحسن الـكـلام الشعر لحماد الراوية. والغناء لابن جامع ثقيل أول بالبنصر، ذكر ذلك الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو، قال ابن حمدون: وهذا الصوت عجيب الصنعة، كثير النغم، محكم العمل، من صدور أغاني ابن جامع ومتقدم صنعته، وكان المعتصم معجبا به، وكثيرا ما كان يسكت المغنين إذا غني بحضرته فلا يسمع سائر يومه غيره.
    قال: والثالث منها:
    نزف البكاء دموع عينك فاستعر عينا لغيرك دمعهـا مـدرار
    من ذا يعيرك عينه تبكي بـهـا أرأيت عينا للبـكـاء تـعـار الشعر للعباس بن الأحنف. والغناء لابن جامع ثقيل أول بالوسطى، وقال ابن حمدون: وعارضه إبراهيم بعد ذلك في هذا، الشعر، فصنع فيه لحنا من الرمل بالبنصر في مجراها، فلم يلحقه ولا قاربه. قال: وقد صنع أيضا في هذا الشعر لحن خفيف فاسد الصنعة محدث ليس ينبغي أن يذكر هاهنا.
    حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أبو عبد الله الحزنبل قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل عن أبيه قال: أنشد بشار قول العباس بن الأحنف:
    نزف البكاء دموع عينك فاستعر عينا لغيرك دمعهـا مـدرار فقال بشار: لحق والله هذا الفتى بالمحسنين، وما زال يدخل نفسه معنا ونحن نخرجه حتى قال هذا الشعر.
    حدثني محمد بن يحيى قال حدثني ميمون بن هارون عن إسحاق قال: أنشد الرشيد قول العباس:
    من ذا يعيرك عينه تبكي بها أرأيت عينا للبكاء تـعـاو فقال: يعيره من لا حاطه الله ولا حفظه.
    ومما يغنى فيه من قصيدة العباس بن الأحنف الرائية التي هذا الصوت الأخير منها قوله:
    الحب أول ما يكون لجاجة تأتي به وتسوقه الأقـدار

    صفحة : 546


    حتى إذا سلك الفتى لجج الهوى جاءت أمور لا تطاق كبـار غناه ابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر. وفيه لشاطره امرأة منصور زلزل ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي. وذكر ابن المكي المرتجل أن هذه الأصوات الثلاثة المسروقة من ابن جامع:
    يا قبر بين بيوت آل محرق عفا طرف القرية فالكثيب وأسقط منها قوله:
    نزف البكاء دموع عينك فاستعر وبكيت نعم بكيت وكـل إلـف
    يا قبر بين بيوت آل مـحـرق جادت عليك رواعد وبـروق
    أما البكاء فقل عنـك كـثـيره ولئن بكيت فالبكـاء حـقـيق الشعر لرجل من بني أسد يرثي خالد بن نضلة ورجلا آخر من بني أسد كانا ندمين للمنذر بن ماء السماء، فقتلهما في سخطه عليهما، وخبر ذلك مشهور في أبخار ابن جامع. والغناء لابن جامع، وله فيه لحنان: ثقيل أول بالوسطى، ورمل بالبنصر، وقيل: إن الرمل لابن سريج. وذكر حبش أن لمحمد صاحب البرام فيه لحنا من الثقيل الثاني بالوسطى.
    ومنها:
    عفا رسم القرية فالكـثـيب إلى ملحاء ليس بها عـريب
    تأبد رسمها وجرى علـيهـا سفي الريح والترب الغريب
    فإنك واطراحك وصل سعدى لأخرى في مودتها نكـوب
    كثاقبة لحلي مـسـتـعـار بأذنيها فشأنهما الـثـقـوب
    فردت حلي جارتها إلـيهـا وقد بقيت بأذنـيهـا نـدوب الشعر لابن هرمة. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. عن إسحاق، وفيه للغريض ثاني ثقيل آخر بالبنصر عن عمرو. وقال عمرو: فيه لحن للهذلي، ولم يجنسه.
    أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني عيسى بن أيوب القرشي قال حدثني غيث بن عبد الكريم عن فليح بن إسماعيل عن إسماعيل بن جعفر الفقيه مولى حرب عن أبيه قال: مررت بابن هرمة وهو جالس على دكان في بني زريق، فقلت له: يا أبا إسحاق، ما يجلسك ها هنا? قال: بيت كنت قلته ثم انقطع علي الروي فيه وتعذر علي ما أشتهيه، فأبغضته وتركته، قلت: ما هو? قال:
    فإنك واطراحك وصل سعدى لأخرى في مودتها نكـوب قال: قلته ثم انقطع لي فيه، فمرت بي جويرية صفراء مليحة كنت أستحسنها أبدا وأكلمها إذا مرت بي، فمرت اليوم فرأيتها وقد ورم وجهها وتغير خلقها، أعما أعرف، فسألتها عن خبرها فقالت: كان في بني فلان عرس أردت حضوره، فاستعار لي أهلي حليا وثقبوا أذني لألبسه فورم وجهي وأذناي كما ترى، فردوه ولم أشهد العرس، قال ابن هرمة: فاطرد لي الشعر فقلت:
    كثاقبة لحلي مستـعـار بأذنيها فشأنهما الثقوب
    فردت حلي جارتها إليها وقد بقيت بأذنيها ندوب أخبرني الحسين بن القاسم قال حدثني العباس بن الفضل قال حدثني أبي قال: قال الرشيد لإبراهيم بن المهدي وإبراهيم الموصلي وابن جامع وابن أبي الكنات: باكروني غدا، وليكن كل واحد قد قال شعرا إن كان يقدر أن يقوله، وغنى فيه لحنا، وإن لم يكن شاعرا غنى في شعر غيره. قال إبراهيم بن المهدي: فقمت في السحر وجهدت أن أقدر على شيء أصنعه فلم يتفق لي، فلما خفت طلوع الفجر دعوت بغلماني وقلت لهم: إني أريد أن أمضي إلى موضع ولا يشعر بي أحد حتى أصير إليه، وكانوا يبيتون على باب داري، فقمت فركبت وقصدت دار إبراهيم الموصلي، وكان قد حدثني أنه إذا أراد الصنعة لم ينم حتى يدبر ما يحتاج إليه، وإذا قام لحاجته في السحر اعتمد على خشبة له في المستراح، فلم يزل يقرع عليها حتى يفرغ من الصوت ويرسخ في قلبه، فجئت حتى وقفت تحت مستراحه، فإذا هو يردد هذا الصوت:
    إذا سكبت في الكأس قبل مزاجهـا ترى لونها في جلدة الكأس مذهبا
    وإن مزجت راعت بلون تخـالـه إذا ضمنته الكأس في الكأس كوكبا
    أبوها نجاء المزن والكرم أمـهـا فلم أر زوجا منه أشهى وطـيبـا
    فجاءتك صفرا أشبهت غير جنسها وما أشبهت في اللون أما ولا أبـا

    صفحة : 547

    قال: فما زلت واقفا أستمع منه الصوت حتى أخذته، ثم غدونا إلى الرشيد، فلما جلسنا للشرب خرج الخادم إلي فقال: يقول لك أمير المؤمنين: يا بن أم غنني، فاندفعت فغنيت هذا الصوت والموصلي في الموت حتى فرغت منه، فشرب عليه وأمر لي بثلثمائة ألف درهم، فوثب إبراهيم الموصلي فحلف بالطلاق وحياة الرشيد أن الشعر له قاله البارحة وغنى فيه، ما سبقه إليه أحد، فقال إبراهيم: يا سيدي، فمن أين هو لي أنا لولا كذبه وبهته وإبراهيم يضطرب ويضج، فلما قضيت أربا من العبث به قلت للرشيد: الحق أحق أن يتبع، وصدقته، فقال للموصلي: أما أخي فقد أخذ المال ولا سبيل إلى رده، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم عوضا مما جرى عليه، فلو بدأت أنت بالصوت لكان هذا حظك، فأمر له بها فحملت إليه.
    أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن مخارق قال: أتى إبراهيم الموصلي محمد بن يحيى بن خالد في يوم مهرجان، فسأله محمد أن يقيم عنده، فقال: ليس يمكنني لأن رسول أمير المؤمنين قد أتاني، قال: فتمر بنا إذا انصرفت ولك عندي كل ما يهدى إلي اليوم? فقال: نعم، وترك في المجلس صديقا له يحصي ما يبعث به، إليه، قال: فجاءت هدايا عجيبة من كل ضرب، قال: وأهدي إليه تمثال فيل من ذهب عيناه ياقوتتان، فقال محمد للرجل: لا تخبره بهذا حتى نبعث به إلى فلانة ففعل، وانصرف إبراهيم إليه فقال: أحضرني ما أهدي لك، فأحضره ذلك كله إلا التمثال، وقال: لا بد من صدقك، كان من الأمر كذا وكذاة فقال: لا إلا على الشريطة وكما ضمنت، فجيء بالتمثال، فقال إبراهيم: أليس الهدية لي فأعمل فيها ما أريد. قال: بلى، قال: فرد التمثال على الجارية، وجعل يفرق الهدايا على جلساء محمد شيئا شيئا وعلى جميع من حضر من إخوانه وغلمانه وعلى من في دور الحرم من جواريه حتى لم يبق منها شيء، ثم أخذ من المجلس تفاحتين لما أراد الانصراف وقال: هذا لي، وانصرف، فجعل محمد يعجب من كبر نفسه ونبله.
    وقال أحمد بن المرزبان حدثني بعض كتاب السلطان: أن الرشيد هب ليلة من نومه، فدعا بحمار كان يركبه في القصر أسود قريب من الأرض فركبه، وخرج في دراعة وشي متلثما بعمامة وشيء ملتحفا بإزار وشي، بين يديه أربعمائة خادم أبيض سوى الفراشين، وكان مسرور الفرغاني جريئا عليه لمكانه عنده، فلما خرج من باب القصر قال: أين يريد أمير المؤمنين في هذه الساعة. قال: أردت منزل الموصلي. قال مسرور: فمضى ونحن معه وبين يديه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم، فخرج فتلقاه وقبل حافر حماره وقال له: يا أمير المؤمنين، أفي مثل هذه الساعة تظهر قال: نعم، شوق طرق لك بي، ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم: يا سيدي أتنشط لشيء تأكله? فقال: نعم، خاميز ظبي، فأتي به كأنما كان معدا له، فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب حمل معه، فقال الموصلي: يا سيدي، أؤغنيك أم تغنيك إماؤك? فقال: بل الجواري، فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه، فقال: أيضربن كلهن أم واحدة? فقال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغني واحدة فواحدة، ففعلن ذلك حتى مر صدر الإيوان وأحد جانبيه والرشيد يسمع ولا ينشط لشيء من غنائهن، إلى أن غنت صبية من حاشيته:
    يا موري الزند قد أعيت قوادحـه اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس
    ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم إذا نظرت فلم أبصرك في الناس قال: فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صانعه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فاقيمت حتى وقفت بين يديه، فأخبرته بشيء أسرته إليه، فدعا بحماره فركبه وانصرف، ثم التفت إلى إبراهيم فقال: ما ضرك ألا تكون خليفة، فكادت نفسه تخرج، حتى دعا به وأدناه بعد ذلك. قال: وكان الذي خبرته به أن الصنعة في الصوت لأخته علية بنت المهدي، وكانت الجارية لها وجهت بها إلى إبراهيم يطارحها، فغار الرشيد. ولحن الصوت خفيف رمل.
    أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان أبي يألف خمارة بالرقة يقال لها بشرة تنزل الهنىء والمريء، وكانت لها بنت من أحسن الناس وجها فكان أبي يتحلاها، ثم رحل الرشيد عن الرقة إلى بلاد الروم في بعض غزواته، فقال أبي فيها:
    أيا بنت بشرة ما عاقنـي عن العهد بعدك من عائق

    صفحة : 548


    نفى النوم عني سنا بـارق وأشهقني في ذرى شاهق قال: وفيها يقول أيضا من أبيات له، وله فيها صنعة من الرمل الأول:
    وزعمت أني ظالم فهجرتنـي ورميت في قلبي بسهم نافـذ
    ونعم ظلمتك فاغفري وتجاوزي هذا مقام المستجـير الـعـائذ ذكر حماد في هذا الخبر أن لحن جده من الرمل. ووجدت في كتاب أحمد بن المكي أن له فيهما لحنين: أحدهما ثقيل أول والآخر ثاني ثقيل.
    حدثني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: حبس الرشيد إبراهيم الموصلي عند أبي العباس يعني أباه عبد الله بن مالك فسمعناه ليلة وقد صنع هذا اللحن وهو يكرره حتى يستوي له:
    يا أخلاء قد مللت مـكـانـي وتذكرت ما مضى من زماني
    شربي الراح إذ تقوم علـينـا ذات دل كأنها غصـن بـان قال: وغنى في الحبس أيضا:
    ألا طال ليلي أراعي النجوم أعالج في الساق كبلا ثقيلا حدثني عيسى قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال حدثني علويه الأعسر قال: دخلت على إبراهيم الموصلي في علته التي توفى فيها وهو في الأبزن وبه القولنج الذي مات فيه، وهو يترنم بهذا الصوت:
    تغير مني كل حـسـن وجـدة وعاد على ثغري فأصبح أثرما
    ومحل أطرافي فزالت فصوصها وحتى عظامي عوجها والمقوما قال محمد: فحدثت بهذا الحديث إسحاق الموصلي، فقال: كذب ابن الزانية والله ما كان يجترىء أن يدخل إلى أبي إسحاق وهو جالس للناس إلا بعد جهد، فكيف يدخل إلى أبي إسحاق وهو جالس في الأبزن.
    الشعر والغناء لإبراهيم، وله فيه لحنان ماخوري بالوسطى عن عمرو، وثاني ثقيل عن ابن المكي.
    حدثني جحظة قال: كان المقتدر يدعونا في الأحايين، فكان يحضر من المغنين إبراهيم بن أبي العبيس وكنيز وإبراهيم بن قاسم وأنا ووصيف الزامر، وكان أكثر ما ندعى له أن جواريه كن يطالبنه بإحضارنا ليأخذن منا أصواتا قد عرفتها ويسمعننا. فنغني فيأخذن ما يستحسنه، فإذا انصرفنا أمر لكل واحد من إبراهيم وكنيز دبة وإبراهيم بثلاثمائة دينار، ولي بمائتي دينار، ولوصيف بمائتي دينار، ولسائر من لعله أن يحضر معنا بمائتين إلى المائة الدينار إلى الألف الدرهم، فيكون إذا حضرنا من وراء ستارة وهو جالس مع الجواري، فإذا أراد اقتراح شيء جاءنا الخدم فأمرونا أن نغنيه، وبين يدي كل واحد منا قنينة فيها خمسة أرطال نبيذ وقدح ومغسل وكوز ماء، فغنت يوما صلفة جارية زرياب بصنعة إبراهيم الموصلي:
    تغير مني كل حـسـن وجـدة وعاد على ثغري فأصبح أثر ما فشربت عليه، فاستعاده المقتدر مرارا وأنا أشرب عليه، فأخذ إبراهيم بن أبي العبيس بكتفي وقال: يا مجنون إنما دعيت لتغني لا لتغني وتطرب وتشرب، فلعلك تسكر، حسبك، فأمسكت طمعا أن ترده بعد ذلك، فما فعلت ولا اجتمعنا بعدها، وما سمعت قبل ذلك ولا بعده أحدا غنى هذا الصوت أحسن مما غنته. قال: وكان المقتدر ابتاعها من زرياب.
    أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان بن علي قال: حدثني إسحاق الموصلي عن أبيه قال: بينا أنا بمكة أجول في سككها إذا أنا بسوداء قائمة ساهية باكية، فأنكرت حالها وأدمنت النظر إليها، فبكت وقالت:
    أعمرو علام تجنبـتـنـي أخذت فؤادي وعذبتـنـي
    فلو كنت يا عمرو وخبرتني أخذت حذاري فما نلتنـي فقلت لها: يا هذه، من عمرو? قالت: زوجي، قلت: وما شأنه? قالت: أخبرني أنه يهواني وما زال يطلبني حتى تزوجته، فلبث معي قليلا ثم مضى إلى جدة وتركني، فقلت لها: صفيه لي? قالت: أحسن من أنت رأئيه سمرة وأحلاهم حلاوة وقدا، فركبت رواحلي مع غلماني وصرت إلى جدة، فوقفت في موضع المرفأ أتبصر من يحمل من السفن، وأمرت من يصوت: يا عمرو يا عمرو، وإذا أنا به خارجا من سفينة على عنقه صن فيه طعام، فعرفته بصفتها ونعتها إياه، فقلت:
    أعمرو غلام تجنبتنـي أخذت فؤادي وعذبتني

    صفحة : 549

    فقال: هيه أرأيتها وسمعت منها? فقلت: نعم، قأطرق هنيهة يبكي، ثم اندفع فغنى به أملح غناء سمعته، وردده علي حتى أخذته منه، وإذا هو أحسن الناس غناء، فقلت له: ألا ترجع إليها? فقال: طلب المعاش يمنعني? فقلت: كم يكفيك معها في كل سنة، فقال: ثلثمائة درهم - قال إسحاق: قال لي أبي: فوالله يا بني لو قال ثلثمائة دينار لطابت نفسي بها - فدعوت به فأعطيته ثلاثة الآف درهم، وقلت له: هذا لعشر سنين على أن تقيم معها، فلا تطلب المعاش إلا حيث هي مقيمة معك، ويكون ذلك فضلا، ورددته معي إليها.
    أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثنا صالح بن علي يعني الأضخم عن إبراهيم الموصلي - قال: وكان صالح جاره - قال: بينا أنا عشية في منزلي إذ أتاني خادم من خدم الرشيد فاستحثني بالركوب إليه فخرجت شبيها بالراكض، فلما صرت إلى الدار عدل بي عن المدخل إلى طرق لا أعرفها، فانتهي بي إلى دار حديثة البناء، فدخلت صحنا واسعا، وكان الرشيد يشتهي الصحون الواسعة، فإذا هو جالس على كرسي في وسط ذلك الصحن، ليس عنده أحد إلا خادم يسقيه، وإذا هو في لبسته التي كان يلبسها في الصيف: غلالة رقيقة متوشح عليها بإزار رشيدي عريض العلم مضرج فلما رآني هش لي وسر، وقال: يا موصلي، إني اشتهيت أن أجلس في هذا الصحن فلم يتفق لي إلا اليوم، وأحببت ألا يكون معي ومعك أحد، ثم صاح بالخدام، فوافاه مائة وصيف، وإذا هم بالأزقة مستترون بالأساطين حتى لا يراهم، فلما ناداهم جاءوا جميعا، فقال: مقطعة لإبراهيم، وكان هو أول من قطع، المصليات، فأتيت بمقعد فألقي لي تجاه وجهه بالقرب منه، ودعا بعود فقال: بحياتي أطربني بما قدرت، قال: ففعلت واجتهدت في ذلك ونشطت ورجوت الجائزة في عشيتي، فبينا أنا كذلك إذ جاءه مسرور الكبير، فقام مقامه الذي كان إذا قامه علم الرشيد أنه يريد أن يساره بشيء، فأومأ إليه بالدنو، فدنا، فألقى في أذنه كلمة خفيفة ثم تنحى، فاستشاط غضبا واحمرت عيناه وانتفخت أوداجه، ثم قال: حتام أصبر على آل بني أبي طالب والله لأقتلنهم ولأقتلن شيعتهم ولأفعلن ولأفعلن، فقلت: إنا لله ليس عند هذا أحد يخرج غضبه عليه، أحسبه والله سيوقع بي، فاندفعت أغني:
    نعم عونا على الهموم ثـلاث مترعات من بعدهن ثـلاث
    بعدها أربع تتـمة عـشـر لا بطاء لكنـهـن حـثـاث
    فإذا ناولـتـكـهـن جـوار عطرات بيض الوجوه خناث
    تم فيها لك الـسـرور ومـا طيب عيشا إلا الخناث الإناث قال: ويلك اسقني ثلاثا لا أمت هما، فشرب ثلاثا متتابعة، ثم قال: غن فغنيت، فلما قلت:
    ثلاث مترعات من بعدهن ثلاث قال: هات ويلك ثلاثا، ثم قال لي: غن، فلما غنيته قال: حث علي بأربع تتمة العشر، ففعل، فوالله ما استوفى آخرهن حتى سكر، فنهض ليدخل، ثم قال: قم يا موصلي فانصرت، يا مسرور، أقسمت عليك بحياتي وبحقي إلا سبقته إلى منزله بمائة ألف درهم، لا أستأمر فيها ولا في شيء منها، فخرجت والله وقد أمنت خوفي وأدركت ما أملت، ووافيت منزلي وقد سبقتني المائة الألف الدرهم إليه. أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال: خرج رسول، الرشيد ذات ليلة إلى المغنين فقال: غنوا:
    يا خليلي قد مـلـلـت ثـوائي بالمصلى وقد سئمت البقيعـا
    بلغاني ديار هنـد وسـعـدى وارجعاني فقد هويت الرجوعا قال: فغناه ابن جامع، فلما فرغ منه طرب الرشيد وشرب، فقال له إبراهيم الموصلي: يا سيدي، فاسمعه من نبيطيك فغناه، فجعل ابن جامع يزحف من أول البيت إلى آخره، وطرب هارون فقال: ارفعوا الستارة، فقال له ابن جامع: مني والله أخذه يا أمير المؤمنين، فأقبل على إبراهيم فقال: بحياتي صدق? قال: صدق وحياتك يا سيدي، قال: وكيف أخذته وهو أبخل الناس إذا سئل شيئا? قال: تركته يغنيه وكان إذا سكر يسترسل فيه فيغنيه مستويا ولا يتحرز مني، فأخذته على هذا منه حتى وفيت به.
    أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:

    صفحة : 550

    كان برصوما الزامر وزنزل الصارب من سواد أهل الكوفة من أهل الخشنة والبذاذة والدناءة، فقدم بهما أبي معه سنة حج، ووقفهما على الغناء العربي وأراهما وجوه النغم وثقفهما حتى بلغا المبلغ الذي بلغاه من خدمة الخليفة، وكان أطبع أهل دهرهما في صناعتهما، فحدثني أبي قال: كان لزلزل جارية قد رباها وعلمها الضرب وسألني مطارحتها فطارحتها، وكانت مطبوعة حاذقة، قال: فكان يصونها أن يسمعها أحد، فلما مات بلغني أنها تعرض في ميراثه للبيع، فصرت إليها لأعترضها، فغنت:
    أقفر من أوتـاره الـعـود فالعود للأوتار معـمـود
    وأوحش المزمار من صوته فما له بـعـدك تـغـريد
    من للمزامير وعـيدانـهـا وعامر اللذات مـفـقـود
    الخمر تبكي في أباريقهـا والقينة الخمصانة الـرود قال: وهذا شعر رثاه به صديق له كان بالرقة، قال: فأبكت والله عيني وأوجعت قلبي. فدخلت على الرشيد فحدثته بحديثها، فأمر بإحضارها فحضرت، فقال لها: غني الصوت الذي حدثني إبراهيم عنك أنك غنيته، فغنته وهي تبكي، فرق الرشيد لها وتغرغرت عيناه، وقال لها: أتحبين أن أشتريك? فقالت: يا أمير المؤمنين، لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد بعد سيدي فينتفع بي، فازداد رقة عليها، وقال: غني صوتا آخر، فغنت:
    العين تظهر كتماني وتبـديه والقلب يكتم ما ضمنته فـيه
    فكيف ينكتم المكتوم بينهمـا والعين تظهره والقلب يخفيه فأمر بأن تبتاع وتعتق، ولم يزل يجري عليها إلى أن ماتت.
    أخبرنا محمد قال حدثنا حماد عن أبيه عن جده قال: قال لي الرشيد يوما: يا إبراهيم، بكر علي غدا حتى نصطبح، فقلت له: أنا والصبح كفرسي رهان، فبكرت فإذا أنا به خاليا، وبين يديه جارية كأنها خوط بان أو جدل عنان، حلوة المنظر، دمثة الشمائل، وفي يدها عود، فقال لها: غنى، فغنت في شعر أبي نواس وهو:
    توهمه قلبي فـأصـبـح خـده وفيه مكان الوهم من نظري أثر
    ومر بفكري خاطرا فجرحـتـه ولم أر جسما قط يجرحه الفكر
    وصافحه قلبـي فـآلـم كـفـه فمن غمز قلبي في أنامله عقر قال إبراهيم: فذهبت والله بعقلي حتى كدت أن أفتضح، فقلت: من هذه يا أمير المؤمنين? فقال: هذه التي يقول فيها الشاعر:
    لها قلبي الغداة وقلبهـا لـي فنحن كذاك في جسدين روح ثم قال لها: غنى، فغنت:
    تقول غداة البين إحدى نـسـائهـم لي الكبد الحري فسر ولك الصبـر
    وقد خنقتها عبـرة فـدمـوعـهـا على خدها بيض وفي نحرها صفر - الشعر لأبي الشيص، والغناء لعمرو بن بانة، خفيف رمل بالوسطى من كتابه وفيه لمتيم ثاني ثقيل وخفيف رمل آخر- قال: فشرب وسقاني ثم سقاها، ثم قال: غن يا إبراهيم، فغنيت حسب ما في قلبي غير متحفظ من شيء:
    تشرب قلبي حبهـا ومـشـى بـه تمشي حميا الكأس في جسم شارب
    ودب هواها في عظامي فشفـهـا كما دب في الملسوع سم العقارب قال: ففطن بتعريضي، وكانت جهالة مني، قال: فأمرني بالانصراف، ولم يدعني شهرا ولا حضرت مجلسه، فلما كان بعد شهر دس إلي خادما معه رقعة، فيها مكتوب:
    قد تخوفت أن أموت من الوج د ولم يدر من هويت بما بي
    يا كتابي فأقر السلام على من لا أسمي وقل له يا كتابـي
    إن كفا إليك قد بعـثـتـنـي فى شقاء مواصل وعـذاب

    صفحة : 551

    فأتاني الخادم بالرقعة، فقلت له: ما هذا? قال: رقعة الجارية فلانة التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين، فأحسست القصة فشتمت الخادم ووثبت عليه وضربته ضربا شفيت به نفسي وغيظي، وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته القصة وأعطيته الرقعة، فضحك حتى كاد يستلقى، ثم قال: على عمد فعلت ذلك بك لأمتحن مذهبك، وطريقتك، ثم دعا بالخادم فلما خرج رآني فقال لي: قطع الله يديك ورجليك، ويحك قتلتني، فقلت: القتل والله كان بعض حقك لما وردت به علي، ولكن رحمتك فأبقيت عليك، وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك بما تستحقه. فأمر لي الرشيد بصلة سنية، والله يعلم أني ما فعلت الذي فعلت عفافا ولكن خوفا.
    أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق قال: أخبرني أبي أنه سمع الرشيد وقد سأل جدي إبراهيم كيف يصنع إذا أراد أن يصوغ الألحان، فقال: يا أمير المؤمنين، أخرج الهم من فكري وأمثل الطرب بين عيني، فتسوغ لي مسالك الألحان التي أريد، فأسلكها بدليل الإيقاع، فأرجع مصيبا ظافرا بما أريد، فقال: يحق لك يا إبراهيم أن تصيب وتظفر، وإن حسن وصفك لمشاكل حسن صنعتك وغنائك.
    أخبرني ابن المرزبان قال حدثني حماد عن أبيه عن جده قال: أدركت يونس الكاتب وهو شيخ كبير فعرضت عليه غنائي، فقال: إن عشت كنت مغني دهرك.
    قال حماد قال لي محمد بن الحسن: كان لكل واحد من المغنين مذهب في الخفيف والثقيل، وكان معبد ينفرد بالثقيل، وابن سريج بالرمل، وحكم بالهزج، ولم يكن في المغنين أحد يتصرف في كل مذهب من الأغاني، إلا ابن سريج وإبراهيم جدك وأبوك إسحاق.
    حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب السرخسي قال حدثني أحمد بن ثابت العبدي عن أبي الهذيل العلاف رأس المعتزلة عن ثمامة بن أشرس قال: مررت بإبراهيم الموصلي ويزيد حوراء وهما مصطبحان، وقد أخذا بينهما صوتا يغنيانه: هذا بيتا وهذا بيتا، وهو:
    أيا جبلي نعمان بـالـلـه خـلـيا سبيل الصبا يخلص إلي نسيمهـا
    فإن الصبا ريح إذا ما تنسـمـت على نفسى مهموم تجلت همومها أخبرنا محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده إبراهيم قال: سألت الرشيد أن يهب لي يوما في الجمعة لا يبعث فيه إلي بوجه ولا بسبب، لأخلو فيه بجواري وإخواني، فأذن لي في يوم السبت، وقال لي: هو يوم أستثقله، فاله فيه بما شئت، فأقمت يوم السبت بمنزلي وتقدمت في إصلاح طعامي وشرابي بما احتجت إليه، وأمرت بوابي فأغلق الأبواب وتقدمت إليه ألا يأذن علي لأحد، فبينا أنا في مجلس والخدم قد حفوا بي وجواري يترددن بين يدي، إذا أنا بشيخ في هيئة وجمال، عليه خفان قصيران وقميصان ناعمان، وعلى رأسه قلنسوة لاطئة، وبيده عكازة مقمعة بفضة، وروائح المسك تفوح منه حتى ملأ البيت والدار، فداخلني بدخوله علي مع ما تقدمت فيه غيظ ما تداخلني قط مثله، وهممت بطرد بوابي ومن حجبني لأجله، فسلم علي أحسن سلام فرددت عليه، وأمرته بالجلوس فجلس، ثم أخذ بي، في أحاديث الناس وأيام العرب وأحاديثها وأشعارها حتى سلى ما بي من الغضب، وظننت أن غلماني تحروا مسرتي بإدخالهم مثله علي لأدبه وظرفه، فقلت: هل لك في الطعام. فقال: لا حاجة لي فيه، فقلت: هل لك في الشراب. فقال: ذلك إليك، فشربت رطلا وسقيته مثله، فقال لي: يا أبا إسحاق، هل لك أن تغني لنا شيئا من صنعتك وما قد نفقت به عند الخاص والعام. فغاظني قوله، ثم سهلت على نفسي أمره فأخذت العود فجسسته ثم ضربت فغنيت، فقال: أحسنت يا إبراهيم، فازداد غيظي وقلت: ما رضي بما فعله من دخوله علي بغير إذن واقتراحه أن أغنيه حتى سماني ولم يكنني ولم يجمل مخاطبتي. ثم قال: هل لك أن تزيدنا. فتذممت فأخذت العود فغنيت، فقال: أجدت يا أبا إسحاق فأتم حتى نكافئك ونغنيك، فأخذت العود وتغنيت وتحفظت وقمت بما غنيته إياه قياما، تاما ما تحفظت مثله ولا قمت بغناء كما قمت به له بين يدي خليفة قط ولا غيره، لقوله لي: أكافئك، فطرب وقال: أحسنت يا سيدي، ثم قال: أتأذن لعبدك بالغناء. فقلت: شأنك، واستضعفت عقله في أن يغنيني بحضرتي بعد ما سمعه مني، فأخذ العود وجسه وحبسه، فوالله لخلته ينطق بلسان عربي لحسن ما سمعته من صوته، ثم تغنى:
    ولي كبد مقروحة من يبيعني بها كبد ليست بذات قروح

    صفحة : 552


    أباها علي الناس لا يشترونهـا ومن يشتري ذاعلة بصـحـيح
    أئن من الشوق الذي في جوانبي أنين غصيص بالشراب جريح قال إبراهيم: فوالله لقد ظننت الحيطان والأبواب وكل ما في البيت يجيبه ويغني معه من حسن غنائه، حتى خلت والله أني أسمع أعضائي وثيابي تجاوبه، وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام ولا الجواب ولا الحركة لما خالط قلبي، ثم غنى:
    ألا يا حمامات اللوى عدن عودة فإني إلى أصواتكـن حـزين
    فعدن فلما عدن كدن يمتنـنـي وكدت بأسراري لهـن أبـين
    دعون بترداد الهدير كـأنـمـا سقين حميا أو بهـن جـنـون
    لم ترعيني مثلهن حـمـائمـا بكين ولم تدمع لهـن عـيون لم أعرف في هذه الأبيات لحنا ينسب إلى إبراهيم، والذي عرفته لمحمد بن الحارث بن بسخنر خفيف رمل فكاد، والله أعلم، عقلي أن يذهب طربا وارتياحا لما سمعت، ثم غنى:
    ألا يا صبا نجد متى هجت من نجـد لقد زادني مسراك وجدا على وجد
    أأن هتفت ورقاء في رونق الضخى على فنن غض النبات من الرنـد
    بكيت كما يبكي الحـزين صـبـابة وذبت من الحزن المبرح والجهـد
    وقد زعموا أن المـحـب إذا دنـا يمل وأن النأى يشفي من الـوجـد
    بكل تداوينا فلـم يشـف مـا بـنـا على أن قرب الدار خير من البعد ثم قال: يا إبراهيم، هذا الغناء الماخوري فخذه وانح نحوه في غنائك وعلمه جواريك، فقلت: أعده علي، فقال: لست تحتاج، قد أخذته وفرغت منه، ثم غاب من بين يدي، فارتعت وقمت إلى السيف فجردته، وعدوت نحو أبواب الحرم فوجدتها مغلقة، فقلت للجواري: أي شيء سمعتن عندي? فقلن: سمعنا أحسن غناء سمع قط، فخرجت متحيرا إلى باب الدار فوجدته مغلقا، فسألت البواب عن الشيخ، فقال لي: أي شيخ هو? والله ما دخل إليك اليوم أحد، فرجعت لأتأمل أمري، فإذا هو لد هتف بي، من بعض جوانب البيت: لابأس عليك يا أبا إسحاق، أنا إبليس وأنا كنت جليسك ونديمك اليوم، فلا ترع. فركبت إلى الرشيد وقلت: لا أطرفه أبدا بطرفة مثل هذه، فدخلت إليه فحدثته بالحديث، فقال: ويحك تأمل هذه الأصوات، هل أخذتها? فأخذت العود أمتحنها، فإذا هي راسخة في صدري كأنها لم تزل، فطرب الرشيد عليها وجلس يشرب ولم يكن عزم على الشراب، وأمر لي بصلة وحملان وقال: الشيخ كان أعلم بما قال لك من أنك أخذتها وفرغت منها، فليته أمتعنا بنفسه يوما واحمدا كما أمتعك.
    أما الصوت الأول فالذي أعرفه فيه خفيف رمل لمحمد بن الحارث بن بسخنر، ولم يقع إلي فيه صنعة لإبراهيم. والصوت الثاني الذي أوله:
    ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد فشعره ليزيد بن الطثرية، والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو. وفيه لمحمد بن الحسن بن مصعب ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وعمرو. وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لدحمان ولحنا لابنه الزبير، ولم يذكر في أي طيقة هما.
    هكذا حدثنا أبن أبي الأزهر بهذا الخبر، وما أدري ما أقول فيه، ولعل إبراهيم صنع هذه الحكاية ليتنفق بها، أو صنعت وحكيت عنه. إلا أن للخبر أصلا الأشبه بالحق منه ما حدثني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق ين إبراهيم الموصلي عن أبيه قال: صنعت لحنا فأعجبني، وجعلت أطلب شعرا فعسر ذلك علي، ورأيت في المنام كأن رجلا لقيني فقال: يا إبراهيم، أأعياك شعر لغنائك هذا الذي تعجب به. قلت نعم، قال: فأين أنت من قول في الرمة حيث قال:
    ألا يا اسلمى يا دارمي عن البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
    وإن لم تكوني غير شام بقفـرة تجربها الأذيال صيفـية كـدر قال: فانتبهت وأنا فرح بالشعر، فدعوت من ضرب علي وغنيته فإذا هو أوفق ما خلق الله، فلما علمت ذلك، وعلمت، هذا الغناء في شعر في الرمة، تنبهت عليه وعلى شعره فصنعت فيه ألحانا ماخورية، منها:
    أمنزلتي مي سـلام عـلـيكـمـا هل الأزمن اللائي مررن رواجع
    وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي أو رسـوم بـلاقـع

    صفحة : 553

    صنعة إبراهيم في هذين الشعرين جميعا من الماخوري بالوسطى، وهو خفيف الثقيل الثاني. وأخباره كلها في هذا المعنى تأتي في أخبار ذي الرمة مشروحة.
    حدثني محمد بن، مزيد قال حدثني حماد عن أبيه قال قال لي، أبي: قال لي، جعفر بن يحيى يوما وقد علم أن الرشيد أذن لي وللمغنين في الانصراف يومئذ: صر إلي حتى أهب لك شيئا حسنا فصرت إليه فقال لي: أيما أحب إليك: أهب لك الشيء الحسن الني وعدتك به، أم أرشدك إلى شيء تكسب به ألف ألف درهم. فقلت: بل يرشدني الوزير - أعزه الله - إلى هذا الوجه فإنه يقوم مقام إعطائه إياي هذا الحسن، فقال: إن أمير المؤمنين يحفظ شعر في الرمة حفظ الصبا ويعجبه ويؤثره، فإذا سمع فيه غناء، أطربه أكثر مما يطربه غيره مما لا يحفظ شعره، فإذا غنيته فأطربته وأمر لك بجائزة، فقم على رجليك قائما وقبل الأرض بين يديه وقل له: لي حاجة غير هذه الجائزة أريد أن أسألها أمير المؤمنين، وهي حاجة تقوم عندي مقام كل فائدة ولا تضره ولا ترزؤه، فإنه سيقول لك: أي شيء حاجتك. فقل: قطيعة تقطعنيها سهلة عليك لا قيمة لها ولا منفعة فيها لأحد، فإذا أجابك إلى ذلك، فقل له: تقطعني شعر ذي الرمة أغني فيه ما أختاره وتحظر على المغنين جميعا أن يداخلوني فيه، فإني أحب شعره وأستحسنه فلا أحب أن ينغصه علي أحد منهم، وتوثق منه وني ذلك، فقبلت ذلك القول منه، وما انصرفت من عنده بعد ذلك إلا بجائزة، وتوخيت وقت الكلام في هذا المعنى حتى وجدته، فقمت فسألت كما قال لي، وتبينت السرور في وجهه، وقال: ما سألت شططا، قد أقطعتك سؤلتك، فجعلوا يتضاحكون من قولي ويقولون: لقد استضخمت القطيعة وهو ساكت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في التوثق? قال: توثق كيف شئت، فقلت: بالله وبحق رسوله وبتربة أمير المؤمنين المهدي إلا جعلتني على ثقة من ذلك بأنك تحلف لي أنك، لا تعطي أحدا من المغنين جائزة على شيء يغنيه في شعر في الرمة فإن ذلك وثيقتي، فحلف مجتهدا لهم لئن غناه أحد منهم في. شعر في الزقة لا أثابه بشيء ولا بره ولا سمع غناءه، فشكرت فعله وقبلت الأرض بين يديه وانصرفنا. فغنيت مائة صوت وزيادة في شعر في الرمة، فكان إذا سمع منها صوتا طرب وزاد طربه ووصلني فأجزل، ولم ينتفع به أحد منهم غيري، فأخذت منه والله بها ألف ألف درهم وألف ألف درهم.
    أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني أبو خالد الأسلمي قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال: قال إبراهيم الموصلي: أرتج علي فلم أجد شعرا أصوغ فيه غناء أغني فيه الرشيد، فدخلت إلى بعض حجر في داري مغموما، فأسبلت الستور علي وغلبتني عيني، فتمثل لي في البيت شيخ أشوه الخلقة، فقال لي: يا موصلي، مالي أراك مغموما، قلت: لم أصب شعرا أغني فيه الرشيد الليلة، قال: فأين أنت عن قول في الرمة:
    ألا يا اسلمي يا دارمي على الـبـلـى ولا زال منهلا بجرعائك الـقـطـر
    وإن لم تكوني غـير شـام بـقـفـرة تجـربـهـا الأذيال صـيفـية كـدر
    أقامت بها حتى ذوي العود في الثـرى وساق الثريا في ملاءتـه الـفـجـر
    وحتى اعتلى البهمى من الصيف نافض كما نفضت خيل نواصـيهـا شـقـر قال: وغناني فيه بلحن وكرره حتى علقته فانتبهت وأنا أديره، فناديت جارية لي وأمرتها بإحضار عود، ومازلت أترنم بالصوت وهي تضرب حتى أستوى لي، ثم صرت إلى هارون فغنيته إياه، فأسكت المغنين، ثم قال: أعد فأعدت، فما زال ليلته يستعيدنيه، فلما أصبح أمر لي بثلاثين ألف درهم وبفرش البيت الذي كنا فيه، وقال: عليك بشعر ذي الرمة فغن فيه، فصنعت فيه غناء كثيرا، فكنت أغنيه به فيعجبه، ويجزل صلتي.
    أخبرني عمي وابن المرزبان والحسن بن علي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله السلمي قال حدثنا أبو غانم مولى جبلة بن يزيد السلمي قال: اجتمع إبراهيم الموصلي وزلزل وبرصوما بين يدي الرشيد، فضرب زلزل وزمر برصوما وغنى إبراهيم:
    صحا قلبي وراع إلي عقلـي وأقصر باطلي ونصيت جهلي
    رأيت الغانيات وكـن صـورا إلي صرمنني وطعن حبلـي

    صفحة : 554

    فطرب هارون حتى وثب على رجليه وصاح: يا آدم، لو رأيت من يحضرني من ولدك اليوم لسرك ثم جلس وقال: أستغفر الله.
    الشعر الذي غنى فيه إبراهيم لأبي العتاهية. والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر.
    حدثني جحظة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان الرشيد يجد بماردة وجدا شديدا، فغضبت عليه وغضب عليها، وتمادى بينهما الهجر أياما، فأمر جعفر بن يحيى العباس بن الأحنف فقال:
    راجع أحبتك الذين هجرتهم إن المتيم قلما يتـجـنـب
    إن التجنب إن تطاول منكما دب السلو له فعز المطلب وأمر إبراهيم الموصلي فغنى فيه الرشيد، فلما سمعه بادر إلى ماردة فترضاها، فسألت عن السبب في ذلك فعرفته، فأمرت لكل واحد من العباس وإبراهيم بعشرة آلاف درهم، وسألت الرشيد أن يكافئهما عنها، فأمر لهما بأربعين ألف درهم.
    أخبرني جعفر بن قدامة عن حماد عن أبيه قال: أول جائزة خرجت لشاعر من الرشيد لما ولي الخلافة جائزة لإبراهيم، فإنه قال يمدحه لما ولي:
    ألم تر أن الشمس كانت مريضة فلما ولي هارون أشرق نورها
    فألبست الدنيا جمالا بوجـهـه فهارون واليها ويحيى وزيرها وغنى فيه، فأمر له بمائة ألف درهم، وأمر له يحيى بخمسين ألف درهم.
    أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال حدثني إسحاق الموصلي: أن أباه لعب يوما مع الرشيد بالنرد في الخلعة التي كانت على الرشيد والخلعة التي كانت عليه هو، فتقامر للرشيد، فلما قمره قام إبراهيم فنزع ثيابه، ثم قال للرشيد: حكم النرد الوفاء به، وقد قمرت ووفيت لك، فألبس ما كان علي، فقال له الرشيد: ويلك أنا ألبس ثيابك فقال: إي والله إذا أنصفت، وإذا لم تنصف قدرت وأمكنك، قال: ويلك أو أفتلي منك? قال: نعم ة قال: وما الفداء. قال: قل أنت يا أمير المؤمنين فإنك أولى بالقول ة فقال: أعطيك كل ما علي، قال: فمر به يا أمير المؤمنين وأنا أستخير الله في ذلك، فدعا بغير ما عليه فلبسه ونزع ما كان عليه فدفعه إلى إبراهيم.
    أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن عبد الكريم قال: زار ابن جامع إبراهيم الموصلي، فأخرج إليه ثلاثين جارية فضربن جميعا طريقة واحدة وغنين، فقال ابن جامع: في الأوتار وتر غير مستو، فقال إبراهيم: يا فلانة شدي مثناك، فشدته فاستوى، فعجبت أولا من فطنة ابن جامع لوتر في مائة وعشرين وترا غير مستو، ثم ازداد عجبى من فطنة إبراهيم له بعينه.
    أخبرني إسماعيل بن يونس وحبيب بن نصر المهلبي، قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني أبي قال: كنا مع الرشيد بالرقة وكان هناك خمار أقصده أشتري منه شرابا حسنا طيبا، وربما شربت في حانته، فأتيته يوما فبزل لي دنا في باطية له، فرأيت لونه حسنا صافيا، فاندفعت أغني:
    اسقني صهباء صرفا لم تدنس بـمـزاج
    اسقني واللـيل داج قبل أصوات الدجاج
    يا أبا وهب خليلـي كل هم لا نفـراج
    حين توهت بقلبـي في أعاصير الفجاج - الغناء في هذه الأبيات لإبراهيم هزج بالوسطى عن عمرو. وفيها لسياط ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق- قال: فدهش الخمار يسمع صوتي، فقلت له: ويحك قد فاض النبيذ من الباطية، فقال: دعني من النبيذ يا أبا إسحاق، مالي أرى صوتك حزينا حريقا، مات لك بالله إنسان?، فلما جئت إلى الرشيد حدثته بذلك فجعل يضحك.
    وذكر أحمد بن أبي طاهر أن المدائني حدث قال: قال، إبراهيم الموصلي قال لي الرشيد يوما: يا إبراهيم، إني قد جعلت غدا للحريم، وجعلت ليلته

    صفحة : 555

    للشرب مع الرجال، وأنا مقتصر عليك من المغنين، فلا تشتغل غدا بشيء ولا تشرب نبيذا، وكن بحضرتي في وقت العشاء الآخرة، فقلت: السمع والطاعة لأمير المؤمنين، فقال: وحق أبي لئن تأخرت أو اعتللت بشيء لأضربن عنقك، أفهمت. فقلت: نعم، وخرجت فما جاءني أحد من إخواني إلا احتجبت عنه ولا قرأت رقعة لأحد، حتى إذا صليت المغرب ركبت قاصدا إليه، فلما قربت من فناء داره مررت بفناء قصر، وإذا زنبيل كبير مستوثق منه بحبال وأربع عرى أدم وقد دلي من القصر، وجارية قائمة تنتظر إنسانا قد وعد ليجلس فيه، فنازعتني نفسي إلى الجلوس فيه، ثم قلت: هذا خطأ، ولعله أن يجري سبب يعوقني عن الخليفة فيكون الهلاك، فلم أزل أنازع نفسي وتنازعني حتى غلبتني، فنزلت فجلست فيه، ومد الزنبيل حتى صار في أعلى القصر، ثم خرجت فنزلت، فإذا جوار كأنهن المها جلوس، فضحكن وطربن، وقلن: قد جاء والله من أردناه ة فلما رأينني من قريب تبادرن إلى الحجاب وقفن: يا عدو الله، ما أدخلك إلينا. فقلت: يا عدوات الله، ومن الذي أردتن إدخاله? ولم صار أولى بهذا مني? فلم يزل هذا دأبنا وهن يضحكن وأضحك معهن، ثم قالت إحداهن: أما من أردناه فقد فات، وما هذا إلا ظريف، فهلم نعاشره عشرة جميلة، فأخرج إلي طعام ودعيت إلى أكله، فلم يكن في فضل إلا أني كرهت أن أنسب إلى سوء العشرة، فأصبت منه إصابة معذر، ثم جيء بالنبيذ فجعلنا نشرب، وأخرجن إلي ثلاث جوار لهن فغنين غناء مليحا، فغنت إحداهن صوتا لمعبد، فقالت إحدى الثلاث من وراء الستر: أحسن إبراهيم، هذا له، فقلت: كذبت ليس هذا له، هذا لمعبد، فقالت: يا فاسق، وما يدريك الغناء ما هو، ثم غنت الأخرى صوتا للغريض، فقالت تلك: أحسن إبراهيم، هذا له أيضا، فقلت: كذبت يا خبيثة، هذا للغريض، فقالت: اللهم أخزه، ويلك وما يدريك ثم غنت الجارية صوتا لي، فقالت تلك: أحسن ابن سريج، هذا له، فقلت: كذبت هذا لإبراهيم، وأنت تنسبين غناء الناس إليه وغناءه إليهم، فقالت: ويحك وما يدريك، فقلت: أنا إبراهيم، فتباشرن بذلك جميعا وطربن كلهن وظهرن كلهن لي وقلن: كتمتنا نفسك وقد سررتنا، فقلت: أنا الآن أستودعكن الله، فقلن: وما السبب. فأخبرتهن بقصتي مع الرشيدة فضحكن وقلن: الآن والله طاب حبسك، علينا وعلينا إن خرجت أسبوعا، فقلت: هو والله القتل، قلن: إلى لعنة الله. فأقمت والله عندهن أسبوعا لا أزول فلما كان بعد الأسبوع ودعنني وقلن: إن سلمك الله فأنت بعد ثلاث عندنا، قلت نعم، فأجلسنني في الزنبيل وسرحت، فمضيت لوجهي حتى أتيت دار الرشيد، وإذا النداء قد أشيع ببغداد في طلبي وأن من أحضرني فقد سوغ ملكي وأقطع مالي، فاستأذنت فتبادر الخدم حتى أدخلوني على الرشيد، فلما رآني شتمني وقال: السيف والنطع إيه يا إبراهيم، تهاونت بأمري وتشاغلت بالعوام عما أمرتك به وجلست مع أشباهك من السفهاء حتى أفسدت علي لذتي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا بين يديك، وما أمرت به غير فائت، ولي حديث عجيب ما سمع بمثله قط وهو الذي قطعني عنك ضرورة لا اختيارا، فاسمعه، فإن كان عذرا فاقبله وإلا فأنت أعلم، قال: هاته فليس ينجيك، فحدثته، فوجم ساعة ثم قال: إن هذا لعجب، أفتخضرني معك هذا الموضع? قلت: نعم، وأجلسك معهن إن شئت قبلي حتى تحصل عندهن، وإن شئت فعلى موعد، قال: بل على موعد، قلت: أفعل، فقال: انظر، قلت: ذلك حاصل - إليك متى شئت، فعدل عن رأيه في وأجلسني وشرب وطرب، فلما أصبحت أمرني بالانصراف وأن أجيئه من عندهن، فمضيت إليهن في وقت الوعد، فلما وافيت الموضع إذا الزنبيل معلق، فجلست فيه ومده الجواري فصعدت، فلما رأينني تباشرن وحمدن الله على سلامتي، وأقمت ليلتي، فلما أردت الانصراف قلت لهن: إن لي أخا هو عدل نفسي عندي، وقد أحب معاشرتكن ووعدته بذلك، فقلن: إن كنت ترضاه فمرحبا به، فوعدتهن ليلة غد وانصرفت وأتيت الرشيد وأخبرته، فلما كان الوقت خرج معي متخفيا حتى أتينا الموضع، فصعدت وصعد بعدي ونزلنا جميعا، وقد كان الله وفقني لأن قلت لهن: إذا جاء صديقي فاستترن عني وعنه ولا يسمع لكن نطقة، وليكن ما تختزنه من غناء أو تقلنه من قول مراسلة فلم يتعدين ذلك وأقمن على أتم ستر وخفر، وشربنا شربا كثيرا، وقد كان أمرني ألا أخاطبه بأمير المؤمنين، فلما أخذ مني النبيذ قلت سهوا: يا أمير المؤمنين،

    صفحة : 556

    فتواثبن من وراء الستارة حتى غابت عنا حركاتهن، فقال لي: يا إبراهيم لقد أفلت من أمر عظيم، والله لو برزت إليك واحدةفتواثبن من وراء الستارة حتى غابت عنا حركاتهن، فقال لي: يا إبراهيم لقد أفلت من أمر عظيم، والله لو برزت إليك واحدة منهن لضربت عنقك، قم بنا، فانصرفنا، وإذا هن له، قد كان غضب عليهن فحبسهن في ذلك القصر، ثم وجه من غد بخدم فردوهن إلى قصره، ووهب لي ما
    avatar
    hamdy


    عدد المساهمات : 18
    نقاط : 18
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 14/12/2009

    الاغاني للاصفهاني35 Empty رد: الاغاني للاصفهاني35

    مُساهمة  hamdy السبت يناير 02, 2010 11:32 pm

    شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 12:41 am